Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ما الذي يريده الشباب
ما الذي يريده الشباب
ما الذي يريده الشباب
Ebook549 pages3 hours

ما الذي يريده الشباب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في هذا الكتاب ستجد ما يدهشك، وهذا طبيعي جدًا مع الكاتب الأول في باب أدب الرحلات، هو كتاب واحد ولكن إذا قرأته فكأنك قرأت عشرين كتابًا على أقل تقدير في مجالات متنوعة – أدب فلسفة شعر رحلات تاريخ وقصص- يجمع الكاتب خلاصة معرفته واطلاعه ويقدمه لك جاهزًا للإفادة.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2003
ISBN9789624708899
ما الذي يريده الشباب

Read more from أنيس منصور

Related to ما الذي يريده الشباب

Related ebooks

Reviews for ما الذي يريده الشباب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ما الذي يريده الشباب - أنيس منصور

    Section00001.xhtml

    ما الذي يريده الشباب؟!

    العنــــوان: ما الذي يريده الشباب؟!

    المؤلــــف: أنيـــــس منصــــور

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولـي: 977-14-2566-8

    رقــــم الإيـــــداع: 21141 / 2003

    طبعــة: يناير 2006

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    لكل شباب !

    شارعنا في باريس مليء بالمستشفيات المستشفى الأمريکي، والمستشفى البريطاني، والمركز العام للإسعاف، ومستشفى هارتمان. وليست به مكتبة واحدة ولا دكان ولا مطعم ولا كشك للصحف. وبه مدارس صغيرة كثيرة.. وبه مدرسة الليسيه الإسبانية.. ومنظر جميل أن نجد أطفالًا صغارًا في غاية الحيوية والنضارة، وقد أمسكوا أيدي آبائهم وأمهاتهم.. إنه المستقبل يدوس أوراق الخريف.. إنه الربيع يمشي فوق الخريف.. إنهم آمال وأحلام وثروة واستثمار. ولا أعرف: هل كنا نبدو كذلك ونحن صغار؟

    هذا الشارع اسمه (فكتور هيجو) وهو الأديب والشاعر الفرنسي الكبير الذي كانت حياته أعجوبة، وكان افتتاحية الأدب فتنة للعقل والقلب. والذي لم يمت إلا وقلبه يدق للحب وبالحب ومن أجل الحب.. وكان آخر غرام له بفتاة أمريكية صغيرة تجلس عند قدميه.. وتقول له: دعني أنظر إلى أصابعك.. وكيف يتدفق منها الكلام الجميل والشعر البديع.. وتقول: أنت عندما كتبت لي تقول لي: يا نعمة السماء لأهل الأرض. كيف خرجت هذه الحروف من أصابعك.. قل لي.. أي هذه الأصابع قد خرجت منها حروف كلمة (نعمة) وأيها خرجت منها كلمة (الأرض)؟ وكيف توزع الحروف على أصابعك؟ ثم كيف انتقلت من قلبك؟ وما هي الطرق التي مرت بها حتى انتقلت إلى أصابعك.. إلى القلم في يدك.. إلى الحبر الأسود في داخل القلم ثم إلى الورق؟ وكيف يخرج النور من الحبر الأسود؟ قل لي يا مولاي؟! ولم يقل لها فكتور هيجو شيئًا. فقد كان يضحك لهذا التأكيد، ويضحك لأنه يستطيع أن يقول ما هو أسوأ من كل ذلك، وبنفس الطريقة. ولما ألحت عليه قال لها: يا ابنتي ليست هناك معجزة.. فأنا أكتب سطرًا واحدًا كل يوم!

    يقصد أن هذا الفيض الهائل من الفكر والجمال سببه أنه يكتب كل يوم وأنه لا يتوقف عن الفيضان، فالذي في رأسه طوفان من المعاني، وشلال من النور، وعواصف من العطر، وبركان من العشق.

    والذي قاله للفتاة الشابة يقوله أيضًا لكل شاب في كل مهنة.. لا بد من العمل كل يوم.. لا بد من التعب.. لا بد أن يكون جادًّا وألا يتوقف عن إضافة شيء حتى لو كان سطرًا واحدًا كل يوم!

    * * *

    ماذا يقولون؟!

    رأيت مناقشة على التليفزيون الإسرائيلي موضوعها أن إحدى القرى تشكو لطوب الأرض من محطة التقوية للتليفون المحمول، وأن هذه المحطة موجودة وسط الأحياء السكنية فوق السطوح أو في إحدى الشقق. وأن البث الكهرومغناطيسي المنبعث منها يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. وقدموا عددًا كبيرًا من الأدلة. وهذه حقيقة مؤكدة، والحقيقة: أن التليفون المحمول ضار، وأن المحطات التي تقوي إرساله واستقباله ضارة جدًّا جدًّا، وأن ضررها قد حدث في كل مكان وفي مصر أيضًا، فكم تدفع من الفلوس للفواتير المغلوطة والنصب والاحتيال على الناس الذين أدمنوا المحمول، وكم منهم يموت سرًّا وعلنًا من أجل «بسلامته» صاحب المحمول، هذه قضية خطيرة يجب مناقشتها وتنبيه الناس إلى خطورة هذا الوباء الجديد... أو هذا الاحتكار البغيض.. ألوف ملايين الجنيهات تضاف إلى حساب واحد ونصف في المائة من سكان مصر.. لا أحد يستحق هذه التضحية ولا هذا الانتحار الجماعي.

    إن قرية عربية في إسرائيل بدأت الاحتجاج العلمي والعلني على محطات إبادة البشر تحت اسم تقوية الصوت ذهابًا وإيابًا للتليفونات المحمولة.

    وقد سمعت أن لجانًا تشكلت في القاهرة والجيزة للنظر والسمع ثم رفع ذلك في الهواء.. أو نقله عن طريق المحمول. وبس!

    وسمعت أحد المواطنين في إسرائيل يقول: إن أخاه وابن خاله وعمته الذين يسكنون بالقرب من إحدى محطات تقوية المحمول قد أصيبوا بالسرطان في وقت واحد، وأعلن ذلك مواطنون آخرون. كل ذلك في قرية واحدة، وهم يطالبون أنفسهم والإدارة بإبعاد هذه المحطات عن الأحياء السكنية.

    وأن يكون ذلك فورًا، وهناك من يطالب بإلغاء التليفون المحمول نهائيًّا، إلى أن يتمكن العلماء من ابتداع جهاز ليس له هذا الضرر البالغ.

    وهناك علماء يشككون تمامًا في الدرع الواقية من الإشعاع المميت لهذه التليفونات.

    وإلى أن يتأكد الناس، ويفيقوا من هذا الإدمان الشنيع، سوف تكسب مصانع المحمول وشركات تشغيله ألوف الملايين، ونخسر نحن ملايين الأبرياء.

    وإذا لم تكن صحة الناس وأموالهم وانحراف الذين يملكون القضاء على الذي يستهلكون - قضية تهم الدولة، فأي شيء يهمها أخطر وأفدح من ذلك؟!

    * * *

    سفينة رشيد!

    أمام الهرم الأكبر سألتني أديبة إسرائيل ياعيل ديان بنت موشى دیان - ما هو شعورك، وأنت تقف أمام الهرم الذي بناه أجدادك؟

    وكان السؤال مفاجأة فلم يخطر على بالي أن يكون لدي أي شعور بعظمة الذين بنوا وامتنان الذين ورثوا.. فالفراعنة نوعية عجيبة من البشر أقاموا في هذه المنطقة، وانقرضوا من ثلاثة آلاف سنة، ولم نرث عنهم إلا القليل من صفاتهم والكثير من تماثيلهم وقبورهم ومعابدهم.

    ولكن الإجابات الكثيرة عن مثل هذا السؤال تجدها هنا في فرنسا، فالفرنسيون يجيبون عنها نيابة عنا، أو أنهم يعلموننا كيف نجيب وكيف نفخر، يكفي أن تذهب مرة واحدة إلى متحف اللوفر وتری الأجنحة المصرية.. ثم تنتظر ما سوف يصدرونه من كتب، وما سوف يقام من معارض، آخرها معرض في مدينة صغيرة جدًّا على البحر المتوسط.. المدينة اسمها (أجد) وعدد سكانها عشرون ألفًا، وفي هذه المدينة أقيم معرض لمعنى الخلود عند الفراعنة.. وفي العام الماضي أقاموا معرضًا لمجد الإسكندرية.. وسوف يقام معرض عن المرأة والجمال عند الفراعنة.. وهذه المدينة بنيت في نفس الوقت الذي بنيت فيه الإسكندرية، ومن الصعب أن تجدها على الخريطة، وما كان من الممكن أن يقام هذا المعرض إلا إذا كان الرأي العام والذوق العام في فرنسا يقبل ويحرص على كل ما هو فرعوني.

    أكثر من ذلك: سوف تطلق مؤسسة الفضاء الأوروبية (أيسا) سفينة اسمها رشيد.. أو حجر رشيد. ومفهوم طبعًا سبب اختيار هذا الاسم، ففي رشيد وجد الفرنسيون حجر رشيد الذي خطفه الإنجليز وموجود في المتحف البريطاني، وكان شامبليون الفرنسي هو الذي قرأه، فقرأنا وراءه تاريخ مصر الفرعونية.. ومطلوب من هذه السفينة الفضائية التي سوف تنطلق في يناير سنة 2003 وطولها 35 مترًا تصوير أحد المذنبات في نوفمبر سنة 2011، وسوف تدور السفينة مرة حول الشمس ومرتين حول الأرض ومرة حول المريخ لتكتسب سرعة أكبر، كل ذلك من أجل أن تتجه بعد ذلك إلى مذنب اسمه «وارتز»، ثم تصور السفينة في هذه الرحلة عددًا آخر من المذنبات..

    كما أن شركة كريستوفل العالمية لصناعة أدوات الطعام الفضية قد قررت إقامة هرم من الفضة في أحد ميادين مدينة ميلانو الإيطالية بمناسبة سنة 2000، أما قاعدة الهرم، فمكتوب عليها أهم أحداث القرن العشرين.. أما أعلى الهرم فهو يمثل المستقبل.

    ولذلك تركوه لامعًا دون كلمة واحدة . أي أنها تتمنى لمستقبلنا أن يكون مشرقًا.. ثمَّ كلمة فرعونية واحدة سوف تكون على الهرم هي كلمة: الحياة والأبدية!

    فعندنا الكثير الذي نعتز به إذا أردنا. ونحن غالبًا لا نريد!

    * * *

    فاتن حمامة ..

    أسعدتني فاتن حمامة في حديثها المسلسل مع وجدي الحكيم، أنها حكت قصتها مع الشاشة. ولا أعرف لماذا لم تجرب فاتن حمامة الكتابة.. فالذي قالته هو أصدق وأوفى تاريخ لحياتها على الشاشة.. حياتها وكل الفنانين الذين شاركوها ووقفوا إلى جوارها ووراءها. أما أسلوبها ففي غاية البساطة، وأما عباراتها ففي غاية الرقة.. لقد أعطت فاتن حمامة لكل واحد حقه.. ولم تنس أن تعرب عن امتنانها للجميع.. فإن لم يكن ذلك أدبًا جمًّا، فهو اعتراف بالفضل.. حتى عندما تكلمت فاتن حمامة عن النجاح والفشل كانت ضاحكة؛ لأنه من الطبيعي أن يكون نجاح ويكون فشل.

    والذي قالته أسعدتني به فاتن حمامة، من الممكن أن يكون مذكرات بديعة لجانب من حياتها. وأنا أضمن لها من ينشر هذا الكتاب وأن أكتب لها المقدمة.

    وقد كتب يوسف وهبي مذكراته ولم تعجبني، واقترحت عليه أن يعيد تسجيلها. وتعهدت بأن أجرب قلمي في مذكراته وأقدم وأؤخر بعض فصولها. ويوسف وهبي هو تاريخ المسرح والسينما وحكاياته لا تنتهي. ويوم دعانا يوسف السباعي إلى عشاء - إحسان عبد القدوس وكامل الشناوي وأحمد رامي وصالح جودت وإسماعيل الحبروك وأنا - ظل يوسف وهبي يتحدث وحده حتى تمزقت جوانبنا من الضحك ولم ينقذنا إلا طلوع الشمس.. ولو جلس عشرين ليلة ما انتهت حكاياته.

    ولم نشعر بهذه المتعة في المذكرات المرتبكة التي نشرها؛ يرحمه الله.

    قليلون جدًّا من لديهم صفات فاتن حمامة في الأدب والرقة والتواضع. ربما كان الموسيقار عمار الشريعي واحدًا من هؤلاء.. فبرنامجه البديع (غواص في بحر النغم) نموذج رفيع للنقد الفني.. فعمار الشريعي عنده هذه القدرة على التحليل ووضع أصابعه على مواطن الجمال في الكلام واللحن والأداء . فلا تسمع من عمار الشریعي كلمة واحدة جارحة، وإنما هو سعيد بما يقدمه وما يعرضه.. ولا يرى في الناس إلا ما هو جميل.. وفرحة عمار الشريعي الموسيقار الفنان الموهوب لا تنتهي وهو يقدم كل المطربين والملحنين والشعراء. ولا نظير له في زمن الحقد والكراهية والهدم واليأس. إن عمار الشريعي غواص لا يعثر إلا على اللآلئ الكريمة.. هذه موهبته وأخلاقه النبيلة.

    ومن الصعب أن يكون الإنسان فنانًا عظيمًا ومحترمًا في نفس الوقت.. ولكن فاتن حمامة استطاعت ولا تزال!

    * * *

    مصر بالفتح!

    لكي يبدو المتحدث عندنا جادًّا في كلامه عن (مصر) فإنه يضغط على حرف الميم ويكسرها، ويبالغ في ذلك حتى كأنه قد أضاف لها ياء ( مصر)، وبذلك تصبح هذه الكلمة الجميلة قبيحة.. تمامًا كما كانت عبارة ( الجمهورية العربية المتحدة - الإقليم الجنوبي) أي: مصر المتحدة مع سوريا!!

    ومصر بكسر الميم اسم شخص ورد في التوراة وهو الجد الأعلى للبربر والأقباط، وهو ابن حام بن نوح، ويقال عنه مصرايم ومصرام، ولكننا في اللغة العربية الفصحى نقول: مصر بفتح الميم وجمعها أمصار، والمصر هو مجموعة البيوت أو المساكن التي يقيم فيها الجنود خارج معسكراتهم، وقد أطلق العرب كلمة مصر بفتح الميم، والمصر على هذه المساكن التي يقيمها الأهالي خارج الثكنات لسكنى الجنود أو لخدمتهم، وفي اللغة العربية أيضًا يقال: المصر، أي: الحد الفاصل بين البلاد.. بين القاهرة والجيزة أو القاهرة وإمبابة.

    وكل هذه المعاني والاستعمالات نجدها عند كبار المؤرخين والجغرافيين العرب من مثل المقدسي وابن الفقيه. ولها معنى آخر: مصر بفتح الميم أو المصر بفتح الميم هي المركز الحضري، والأمصار هي المراكز الحضرية.

    واستخدمت هذه الكلمة في البصرة والكوفة في العراق، فقالوا المصر والأمصار، أي الأحياء السكنية.

    وذلك عندما كبرت المدن واتسعت.

    مثلًا: مصر الزمالك، أي حي الزمالك.. وقد جاء ذلك أيضًا في كتاب الجاحظ (الأمصار وعجائب البلدان).. فقد استخدمت كلمة مصر بفتح الميم. ولما جاء العرب إلى مصر وأقاموا الفسطاط وهو أقدم المراكز الحضرية أطلقوا عليها اسم مصر بفتح الميم. وهي ألطف، وهي الكلمة التي نستخدمها جميعًا ونقصد مصر كلها أو القاهرة، ونظن أنها كلمة عامية، حتى عمرو بن العاص استخدم كلمة (المصر) بفتح الميم.

    وكل ما أرجوه هو أن يكف السادة الرسميون عن استخدام كلمة مصر بكسر الميم وهي على وزن (إخص) وأن ينطقوها صح: مصر بفتح الميم!

    * * *

    متوترون !

    أنت متوتر. وأنا أيضًا . فليس كل ما يصادفنا في حياتنا كما نريد. ولذلك نشعر بالضيق، وهذا التوتر اليومي يقوم بتنشيط الغدة فوق الكلية، فتفرز هرمونًا يجعلنا قادرين على مواجهة الأحداث الصغيرة أو المواقف الكبيرة. فإذا استمر التوتر طويلًا كان أثره الجسمي والنفسي أكبر: إصابتنا بالصداع وآلام الظهر والإمساك والطفح الجلدي وزيادة ضربات القلب وارتفاع الضغط.

    وإذا أصبح التوتر شعورًا يوميًّا حادًّا أصابنا بالعجز عن عمل شيء. وقد جاء في تقارير الصحة العالمية أن الدول الكبرى تدفع ألوف المليارات لقلة الإنتاج . والسبب هو التوتر لدى ملايين العمال والموظفين.

    ولكن ليس صحيحًا أننا نكره التوتر، فهناك من يتوتر كل يوم عمدًا، فالذي يمشي على الحبل والذي يقفز في حوض السباحة والذي يقفز بالمظلة والذي يقوم بتمثيل أدوار العنف؛ كل هؤلاء يتوترون، ويكون هذا طبيعيًّا، لأن التوتر هنا أسلوب حياة، أو مقتضيات مهنة. ونحن عندما نشكو الملل وبلادة الحياة اليومية، فإننا نذهب إلى حيث الإثارة والتوتر.. تمامًا كما يأكل الإنسان الشطة من حين إلى حين للاستطعام ولفتح الشهية. وهناك أناس لا يشعرون بالشطة فقد أدمنوها في السودان وإثيوبيا والمغرب العربي والمكسيك.. وكان الشاعر الفرنسي بودلير يقول: إذا وجدتني نائمًا أرجو أن تهزني بعنف أو تلسعني بالنار فإنني بحاجة إلى أن أصرخ.. وكما أن الطفل الذي لا يبكي عند ولادته ليس سليمًا فكذلك الفنان الذي لا يصرخ فلا نتوقع منه شيئًا جميلًا!

    فكيف الخلاص من التوتر؟ الطرق كثيرة: ليس أحسنها أن تتعاطى، مهدئًا أو مخدرًا أو منومًا، ولكن أن تواجه التوتر أو تفكر فيه قبل وقوعه. وأن تحول الذي يثيرك إلى مشكلة تتحداك وأن تقبل هذا التحدي، فمنه تتولد قدرتك على بناء شخصيتك ورسم مطبات حياتك وتجاوزها. وليس أسعد الناس من كانت حياتهم شارعًا مرصوفًا ناعمًا مضاء. وإنما الذين - برغم مطبات الشارع وظلامه والتوائه - استطاعوا أن يصعدوا... ويسعدوا بعد ذلك!

    وفي قصة حياة (ملك الملوك) الملاكم العالمى محمد علي كلاي كان مدربه يقول له: أنت الآن سوف تلعب مع واحد يحتقر اسمك ولونك ودينك.. استحضر هذه الإهانات وانتقم منه سبيلًا إلى العرش!

    فيبلغ التوتر أقسى وأقصى درجاته وكذلك التحدي، وبغير ذلك لا ترويض للتوتر.. ولا قمم!

    * * *

    قصتها القصيرة !

    جاء الطبيب البيطري، فوجد أربع أبقار.. واحدة تأكل ولا تشرب، والثانية تنام ولا تنهض، والثالثة تشرب ولا تأكل، والرابعة تقف ولا تقعد. والمطلوب أن يجد الطبيب دواء لهذه الأبقار المريضة اليوم، ولابد أن تموت غدًا. وأخرج الطبيب روشتة وكتب أن التي تأكل ولا تشرب لا بد أن يوضع الماء أمامها فإذا لم تجد الطعام شربت. والتي تشرب ولا تأكل يجب أن يوضع أمامها الطعام فإذا لم تجد الماء أكلت. والتي تقف دائمًا أن تدخل من أبواب منخفضة فتحاول ألا تنحني فتقع على الأرض وبعد لحظات تنام. والتي تنام ولا تقوم يجب تقليبها يمينًا وشمالًا فتصحو.

    وعاد الطبيب بعد أيام. وفي يده روشتة وحاول أن يكتب فلم يستطع وكتب عدة حروف.. ثم سقطت الورقة من يده وسقط هو وراءها. انتهت القصة من كتاب ( قصص صغيرة للكبار) للكاتبة الرسامة الإيطالية كارلا روجيرو. ولعلها ابنة أو قريبة الفيلسوف الإيطالي الوجودي کارلو روجيرو. ولم تشأ أن تذكر هذه العلاقة - إنها عقدة أبناء المشاهير يريدون أن يكون لهم اسم خاص وكيان خاص. فإذا قيل لها: أنت ابنة الفيلسوف الفلاني أجابت بسرعة: لا.. بل هو أبي!! ولكن الشبه بينها وبين الفيلسوف كبير في ملامح الوجه وعلى الجبهة والابتسامة الماكرة على وجهها..

    فما معنى هذه الفزورة؟

    معناها أن الحيوان يموت . إذا بقي على حال واحدة. فلا بد أن تكون له أحوال في الأكل والشرب والنوم واليقظة. وإلا أصابه الملل بالجمود. والجمود عتبة الموت.. ليس الحيوان فقط. وإنما الطبيب أيضًا فهو يرى المريض ويستخرج قلمَا ويكتب.. ويظل هكذا طول عمره. ولذلك فالطبيب عندما جاء يكتب الروشتة كما فعل قبل ذلك ألوف المرات، لا طاوعته يده ولا طاوعه الورق فتسابقت الروشتة والقلم والطبيب نحو السقوط على الأرض.

    وتقول المؤلفة بنت الفيلسوف: حتى لا يمل القارئ من هذا الكتاب: فإنني كتبت على صفحة وتركت صفحة ورسمت صفحة محاولة أن أملأ بقية الصفحات. ولذلك كتبت في الصفحات الباقية عبارة واحدة.

    كل كلمة منها في صفحة. العبارة تقول: لا تظن أنني لا أجد ما أقوله فعندي الكثير ولكن لا صبر لك.. ولا صبر لي والكتاب في 16 صفحة!

    * * *

    وحشية روسية!

    ما الذي كانت تتوقعه فتاة جميلة إذا حبسوها شهورًا مع سبعة من الرجال في سفينة فضاء على سطح الأرض بالقرب من موسكو. إنها تجربة تقوم بها هيئة الفضاء الروسية ليعرفوا كيف تكون حياة الإنسان في رحلة سبعة أشهر أو ثمانية حول الأرض. إنهم يجربون ذلك على الأرض أولًا. ونجحت في الاختبار فتاة حسناء من كندا اسمها جوديث لبرير (33 سنة)، كانت ممرضة تعد رسالة للدكتوراه عن السلوك الإنساني، وكان حلم حياتها أن تكون رائدة فضاء، وجاءت الفرصة.

    ولم تكن تتصور أن سفينة الفضاء الروسية الواقفة على الأرض بهذه القذارة: ماء بارد وروائح كريهة وصراصير، لكنها تريد أن تدور حول الأرض، ووجدت نفسها مع خمسة رواد روس وواحد یاباني وواحد نمساوي، كانوا قد سبقوها إلى هذه السفينة من 130 يومًا. وفي ليلة رأس السنة الماضية شرب الروس الفودكا وتشاجروا حتى تلطخت جدران السفينة بالدماء، وفجأة هجم عليها رئيس البعثة وقبلها، ولم تكن قبلة بريئة، فتضايقت، فسحبها بعيدًا عن الكاميرات التي تصور كل حركاتهم من أشهر ولأشهر مقبلة، وصرخت من الاغتصاب والقبلات العنيفة.

    واحتج الياباني والنمساوي على هذا السلوك الشائن، أما الروس فوجدوا ذلك شيئًا عاديًّا، بل إن رئيس البعثة قال لها: تعالی نجرب القبلات أمام الكاميرا، فإن وجدنا لها طعمًا فلنذهب حيث لا يرانا أحد.

    وانسحب الياباني بسبب قلة أدب الروس، وقال الروسي: بل السبب أنه لا يطيق الطعام الروسي!

    وانسحب النمساوي احتجاجًا على هذه الوحشية.

    وانسحبت جوديث ومعها حلمها في أن تكون رائدة فضاء، وهبت روسيا تدافع عن سلوك روادها، وقال المعهد البيولوجي الذي يشرف على هذه العملية: وإيه يعني؟ ليس هذا السلوك غريبًا، فالرجل الروسي يفعل ذلك عادة، فما الذي لا يعمله إذا رأى امرأة جميلة بعد شهور من الحرمان.. إن جوديث فتاة غريبة معقدة.. إنها بالغت كثيرًا في سلوك الروس. ثم إنه لا يمكن أن توضع قواعد السلوك الإنساني رواد الفضاء في هذه الظروف القاسية التي يعيشونها على الأرض أو حولها؟!

    وخرجت الحسناء الكندية ومعها حلم حياتها، لتكتب مذكراتها!

    * * *

    هذا الكون!

    لم نكن نعرف أن الكون يتمدد ويتراجع إلى الوراء إلا سنة 1923، أو بعبارة أخرى: أن الفراغ هو الذي يتمدد.. تمامًا كما يحدث عندما تنفخ في إحدى بالونات الأطفال التي عليها بقع سوداء.. فاذا نفخت تباعدت البقع.. فليست البقع هي التي تتباعد وإنما المسافات التي بينها - أي الفضاء، صاحب هذا الاكتشاف هو العالم الأمريكي إدوین هابل (1953- 1889).. وقد أطلق الأمريكان من عشر سنوات مرصدًا مداريًّا جعلوا اسمه

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1