Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أنت عنيف وأنا أيضًا
أنت عنيف وأنا أيضًا
أنت عنيف وأنا أيضًا
Ebook419 pages2 hours

أنت عنيف وأنا أيضًا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب أنت عنيف وأنا أيضًا للأديب أنيس منصور. وهو من أروع كتبه على الحقيقة، يأخذك في رحلة إلى السماء، تنظر فيها إلى الأرض من جهة أخرى، ستختلف طريقة نظرتك للحياة بعد قراءة هذا الكتاب، أتمنى لك رحلة شيقة
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2005
ISBN9788551717875
أنت عنيف وأنا أيضًا

Read more from أنيس منصور

Related to أنت عنيف وأنا أيضًا

Related ebooks

Reviews for أنت عنيف وأنا أيضًا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أنت عنيف وأنا أيضًا - أنيس منصور

    hanaf-0001.xhtml

    أنت عنيف.. وأنا أيضًا!

    العنـــــــوان: أنت عنيف.. وأنا أيضًا!

    المؤلـــــــف: أنيـــــس منصـــــور

    إشــراف عـــــام: داليــــا محمــــــد إبراهيـــــم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-3342-3

    رقـــم الإيـــــداع: 2005/22794

    الطبعـة الرابعة: إبريل 2008

    hanaf-0002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــــــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــــــس : 33462576 02

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    وراء الرجل.. إلى الحرية!

    إلى أين تذهب المرأة في القرن العشرين؟

    إنها مع الأسف تمشي وراء الرجل دون أن تسأل: أين يذهب الرجل بالإنسانية كلها؟

    في الفصول الأخيرة من كتاب صدر منه الجزء الثاني أخيرًا بعنوان «تاريخ المرأة» لـ«موريس بارديش» مناقشة لهذه القضية.

    وقد سبق أن عرضت لبعض فصول الجزء الأول في العام الماضي في هذا المكان. وصاحب هذا الكتاب ليس مفكرًا كبيرًا ولا مؤرخًا عظيمًا، ولكن عنده بذور صالحة لأن تضعها في أي حقل فكري وأنت مطمئن إلى أنها سوف تنمو وتكبر وتزهر بعد ذلك.. ولم يتسع وقته ولا صفحاته لإقامة هذه المزرعة الفكرية..

    ويمكن أن يقال إن حادثين خطيرين وقعا في بداية هذا القرن، ولهما أهمية فريدة في تاريخ المرأة..

    الحادث الأول قيام الحرب العالمية الأولى..

    وأهم ما في هذه الحرب أن وزراء داخلية الدول الأوربية أعلنوا في وقت واحد: نحن في حاجة إلى المرأة لكي تملأ هذا الفراغ الذي تركه الرجال في المكاتب والمصانع والمناجم، وأهم من ذلك في الحقول؛ فقد نشبت الحرب في موسم الحصاد.

    وفي نهاية بيان وزير داخلية فرنسا جاءت هذه العبارة التقليدية: من أجل المجد يا نساء فرنسا، اعملن وراء الرجال.. إنه مجد الجميع!

    والمجد - عادة - لا هو مضمون ولا هو مؤكد، وإنما المؤكد هو الثمن الذي يدفعه الناس في سبيل ذلك.. أي في سبيل الحصول على ذلك.. أو دون الحصول على ذلك!

    أما الحادث الثاني الذي جاء بعد الحرب فهو أن طالبة وضعت السم لوالديها، ومات الاثنان، وأعلنت أنها اضطرت إلى هذا العمل المجرم؛ لأنها في حاجة إلى إخلاء البيت انتظارًا لصديق.. أو لعشيق وأن هذه مسألة لا علاقة لها بالضمير.

    فإذا أراد الإنسان أن يعيش كان على الضمير أن يرحل!

    وبسرعة عجيبة انتقلت الفتيات والأمهات من البيوت إلى المكاتب، إلى المصانع، وإلى الحقول، ولا يسأل أب ابنته ولا أخ أخته.. ولا زوج زوجته: إلى أين؟ ولماذا؟ ولم يتسع الوقت عند أحد ليفكر؛ فالموقف أكبر من الفكر والحرب أعظم من التحفظ وقد فرضت على الناس ظروفًا جديدة ومناخًا غريبًا وانفتحت الأبواب والنوافذ.

    وانطلقت النساء.. وأثناء غياب النساء في الحقول والمصانع تسلل من الأبواب والنوافذ ومع رائحة البارود هواء جديد..

    ولم يفت المرأة وهي تنطلق من البيت إلى مكان العمل أن تهمس بأن ملابسها ثقيلة.. طويلة أكثر من اللازم.. وأنها غير عملية ولا بد أن الذي تهمس به المرأة في هذه المرحلة سوف يصبح صراخًا بعد ذلك- وقد حدث!

    وفي بريطانيا اشتغلت المرأة بإدارة الأمن العام وارتدت ملابس الشرطة.. وإلى جانب ذلك كانت تقود السيارات والترام.

    وفي ألمانيا ذهبت المرأة إلى مصانع الزجاج والصيني..

    ويمكن أن يقال إن اختلالًا حدث في المجتمع الأوروبي كله..

    فلأول مرة تعرف أوروبا مجتمعًا من النساء فقط. أو أكثره من النساء..

    وفي نفس الوقت لأول مرة ترى أوروبا اختلاطًا عنيفًا بين الجنسين في ميدان القتال وفي المستشفيات.. وظهر الصليب الأحمر وبه ألوف الممرضات.. وحفلات الترفيه والصداقات والزيجات.. وظهرت في فرنسا موضة حب الرجل الإنجليزي والجندي الإنجليزي - وبعد ذلك الرجل الأمريكى!

    ولا بد أن يحدث شيء في الريف.. وفي المدن الصغيرة، حيث ذهب معظم الشبان، ففي المدن الشمالية في فرنسا فوجئ الناس بأن عدد النساء ثمانية أمثال عدد الرجال.. ولم يكن غريبًا اختيار سيدات في مناصب العمدة ونائبة العمدة - حتى لا ننسى فنحن نتحدث عن فرنسا سنة 1914!

    وقبل الحرب وأثناءها وبعدها طبعًا كان عدد النساء أكبر من عدد الرجال.. وعدد العاملات أكبر من عدد العاملين أيضًا..

    وخمدت الحرب، وأكلت الملايين من الشباب، وهدمت البيوت، وتركت الرماد في كل نفس والدخان في كل عين والنار في كل قلب، وكان على المجتمعات الأوروبية أن تواجه الأوضاع الجديدة.

    والجديد في أوضاعها هو ظهور المرأة في الشارع والمقاهي والنوادي والكباريهات.. وظهور فئة جديدة يشار إلىها مع الاحترام المؤقت بأنها: الأرامل الشقراوات.. أو النساء الوحيدات.. أو الأرامل المرحات.. أو مخلفات الحرب.. وكان عددهن كبيرًا. وأسفرت الحرب عن ضرورة مساواة المرأة بالرجل فقد وقفت إلى جواره ووراءه وكانت جيش الجبهة الداخلية.. هي التي حصدت القمح. وهي التي طحنته وهي التي خبزته وراء الجنود في كل ميادين القتال، ونالت المرأة حق التصويت في فرنسا وألمانيا وبولندا.. وفي إنجلترا كان هذا الحق لكل من تجاوزت الثلاثين.. وفي أمريكا حصلت المرأة على هذا الحق في سنة 1920 أي بعد كل الدول الأوروبية بعام واحد!

    وقد قاوم الرجال إعطاء هذا الحق للمرأة.. حتى في فرنسا وافق مجلس النواب وعارض مجلس الشيوخ، ولكنها فازت بهذا الحق بعد ذلك!

    وفرحت المرأة بهذا القانون الجديد..

    ولكن المرأة لم تنتبه إلى أن الذي كسبته في سنوات الحرب الأربع، كان أهم وأعمق بكثير جدًّا من حق التصويت.. فقد أصبح من حقها أن تختلط بالرجال، ومن حقها أن تخرج وأن تسهر وأن تسكر وأن تقيم وحدها، وأن يكون لها صديق ولأول مرة في تاريخ أوروبا كلها نجد المرأة بلا حارس يحميها من عيون وأيدي الرجال.. إنها تحمي نفسها من نفسها ومن غيرها.

    ولم تنتبه المرأة إلى الفلسفات الجديدة في التربية والتعلىم فقد تعدلت برامج التعلىم في فرنسا ودخلت المرأة المدارس الثانوية، وانفتحت لها أبواب الجامعة، إنها الفرص العادلة المتاحة وبعد التعليم سوف تعمل على نفس مستوى الرجل وسوف يكون لها نفس الأجر أو على الأقل سوف تطالب بذلك!

    ودخلت كل المسابقات الأدبية والفنية، ودخلت كل دواوين الحكومة والوزارات.. في إنجلترا كانت هناك وكيلة وزارة..

    ولكي نعرف بوضوح صارخ كيف تغيرت الدنيا في فرنسا وفي أوروبا كلها ننظر إلى كيفية الاحتفال بإعلان الهدنة.. بنهاية الحرب.. كيف دخل الجنود باريس، وكيف استقبلهم أهل باريس.. نساء باريس على الأصح.. ففرنسا كان يشرفها في ذلك الوقت أن يقال إنها دولة النساء؟

    الشوارع مليئة بالناس.. بالنساء.. يصرخن ويمددن أيديهن وأجسادهن في سخاء لكل ذراع وكل فم.. فليس هذا الشيء بالغالي، فقد بذلت فرنسا أغلى من القبلات والعناق.. أما الموسيقى فهي الجاز وأما الطبول ففي أيدي الزنوج، وكما هي العادة لم يلاحظ الرجال العائدون من الميدان، أن المرأة قد قصرت شعرها وفستانها وأنها قد نزعت «الكورسيه» وشدت «السوتيان» ووقفت على كعب عالٍ مدبب وأسرفت في وضع أحمر الشفاه.. لقد أصبحت أدوات الترف والزينة شعبية وفي متناول كل النساء.. ثم إن هذا الذي يتصاعد من أنوف النساء ليس بخار الهواء إنه دخان سجائر.. وإذا انشغلت بعض الفتيات عن معانقة الجنود، واكتفين بعناق بعضهن فسبب ذلك انتشار الشذوذ الجنسي أيضًا، ولا يعرف أحد - بالضبط - لماذا غلظت بعض أصوات النساء، ولا يمكن أن يكون تفسير ذلك كثرة الصراخ أو التدخين.. فقد حدث ذلك قبل نهاية الحرب.. ولم يتسع وقت الجنود العائدين إلى أن ينظروا إلى هذه «الشخبطة» الموجودة على الأرض أو على الجدران أو في الكباريهات.. ولقد ولدت السريالية في الرسم وفي الشعر.. وولدت التكعيبية أيضًا.. أما هؤلاء الأطفال الصغار الذين يتساقطون بين أقدام النساء والرجال فليسوا أيتامًا فقط وإنما هم لقطاء أيضًا، مخلفات حرب! وإذا كان هناك بعض أصحاب الأكراش ينظرون من النوافذ ولم ينزلوا إلى الشوارع خوفًا على الذهب الذي يتدلى من صدورهم وأيديهم فهم أغنياء الحرب!

    وينتهي الموكب.. والزفة.. ويعود الجنود إلى بيوتهم وإلى أهليهم.. وتستأنف الحياة مسيرتها في صناديق الليل في كل أحياء باريس.. وكل العواصم الكبرى في أوروبا.. ويستعد المجتمع لأن يخفف جراحه.. ويستأنف أحكامه على الناس.. ويستدرك ما فاته من الحياة، ويقبل الناس على الملذات.. ويصبح التخفف من القيود هو المثل الأعلى للمجتمع الجديد، مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى، ومع هذا التخفف يجيء التمزق والتحلل.. ويصبح اللوم همسًا والندم ترفًا والانتحار استعجالًا، والجنون نعمة.. فقد كان المجتمع مكبوتًا ثم انطلق.. مخنوقًا ثم أفرج عنه..

    أما المرأة فهي مقياس لذلك.. فهي أيضًا انطلقت.. أو على الأصح أطلقتها الحرب، كما أطلقت ملايين القذائف.. وخففت المرأة ملابسها.. واقتربت من عالم الرجل ومن أزياء الرجال.. وعرفت باريس هذا النوع من النساء الذي يسمى بالمرأة الولد.. أو الفتاة الغلام - تمامًا كاللاتي ظهرن في الحي اللاتيني بعد ذلك في سنة 1945.

    ويمكن أن توصف استعراضات المرأة في شوارع باريس ونواديها بأنها استعراض جنسي فاضح.. ولم تكتف المرأة بأن كشفت ساقيها.. واختارت اللون الأسمر للبشرة..

    وعندما ظهرت الجوارب من الحرير الصناعي، وعندما كثرت ألوان أحمر الشفاه، وابتدعت باريس أحجامًا وأشكالا للسوتيان، تحولت المرأة الباريسية إلى أميرة.. وعندما طال كعب الحذاء، اضطرت المرأة إلى أن تمشي على مهل.. وأثناء المشي البطيء عدلت المرأة من حركة ساقيها ويديها ورأسها فقد جعلتها سنوات الحرب تمشي بسرعة وكانت خطواتها واسعة.. أما بعد الحرب فقد أصبح المشي استعراضًا وتعلمت المرأة أن تمشي على شكل كرنفالات.. بالعشرات.. وبالمئات أيضًا.. وكان من الطبيعي أن يواجه الشباب المتعطش هذه المواقف الجديدة بالاستغراق فيها والارتواء حتى الموت أو المخدرات هربًا منها وعزلًا لنفسه عن متابعتها.. ولم تتوقف المرأة عند حد..

    وظهر في باريس شباب جديد.. أكثر حيوية.. وأكثر إقبالًا على الحياة.. بل إنه هو أيضًا حديث العهد بالحرية.. إنهم الزنوج.. وقام الزنوج بملء الفراغ العاطفي الذي تركه الرجال.. ولم يتخلوا عن المنصب الحيوي منذ ذلك الوقت.

    .. واستطاعت المرأة أن تفرض الزنوج على المجتمع الفرنسي.. وأن تفرض أبناءها من الزنوج على القانون الفرنسي.. وأمام قوة المرأة وشعور الرجال بالعجز، استسلموا لهذا الواقع الجديد!

    ومن المؤكد أن حياة المرأة قد ارتبكت.. فكان علىها أن تقرر: هل هي تريد أن تكون رجلًا أو تريد أن تكون امرأة.. مع العلم بأنها في جميع الحالات سوف تحمل وتلد؟!

    واختارت المرأة أن تكون لها حرية الرجل وأن يكون لها حق احتقار الرجل الضعيف..

    وجاءت الأزمة الاقتصادية سنة 1929 في أمريكا..

    وانتشرت البطالة في العالم كله.. بطالة الرجل وبطالة النساء.. ولكن المصانع والمكاتب كانت تفضل الرجال على النساء وزاد عدد العاطلات من النساء..

    وفي هذه الأثناء ظهرت الراقصة الزنجية جوزفين بيكر في باريس سنة 1929 وكانت تقدم استعراضات من نوع جديد.. فقد كانت ترقص عارية وقد لفت حول خصرها حزامًا من أصابع الموز.. وكانت تعرض نموذجًا جديدًا للأنوثة.. فقد عرفت باريس رجالًا سودًا ولكنها لم تعرف نساء سوداوات.. فقد عرضت جوزفين بيكر طرازًا جديدًا من النساء، وعرضت في نفس الوقت مزاجًا فنيًّا جديدًا.. فالراقصات اللاتي يشتركن في استعراضات جوزفين بيكر لهن مقاسات مختلفة عن مقاسات الفرنسيات المتفرجات.. فالصدور بارزة.. والأرداف ممتلئة.. والخصور مشدودة.. والسيقان مسحوبة.. والشعور طويلة.. والعيون مرسومة بكحل رمادى.. والشفاة ذات لون أحمر باهت.. الراقصات يتجهن إلى الشباب الأبيض وينظرن باستعلاء للشباب الأسود..

    وفي هذا الوقت أيضًا ظهرت أديبات وعالمات فرنسيات يهاجمن المرأة.. ويرين أن المرأة مخدوعة.. وأنها تعيش في وهم طويل فليست قادرة على العمل ولا هي قادرة على الوقوف طويلًا في مكان الرجل.. فالأرقام تؤكد أن نسبة الوفيات من العاملات أكبر من نسبة الوفيات من العمال.. أو بين سيدات البيوت.. وأن نسبة الولادة الطبيعية بين العاملات أقل من نسبة الولادة الطبيعية بين سيدات البيوت.. وكل هذه الكتب والخطب والمقالات تحمل معنى واحدًا وهدفًا واحدًا: أيتها المرأة كوني امرأة.. فأنت الآن لا رجل ولا امرأة!

    ومعنى آخر: أن المرأة الفرنسية لن تستفيد كثيرًا إذا هي استوردت الشعار الأمريكي في التربية الجنسية، وجعلته أسلوبها في الحياة العامة من كل طبق وتحت كل غطاء وبأي ثمن!

    وأنه ليس من التقاليد الفرنسية أن تقتل الفتاة أمها وأباها لكي تنعم بالعش الهادئ مع عشيق..

    وفي نفس الوقت رأينا الدول المجاورة لفرنسا قد تماسكت وشدت التقاليد على البطون.. واكتفت «بالحريات فوق الحزام».. فألمانيا النازية ناشدت الشعب الألماني أن يعيد بناء الأسرة وأن المرأة الألمانية يجب أن تحرص على أهم معالم التقاليد الجرمانية للمرأة: البيت والكنيسة والمطبخ!

    وإيطاليا الفاشية طالبت الشعب بأن تكون له الأسرة ذات العدد الكبير من الأطفال.. وأن تهتم المرأة الإيطالية بصحتها.. وأن تحتفظ بصورة واضحة ببطاقتها الشخصية وأن تباهي بذلك.. وبطاقتها: اللحم في الصدر والساقين.. والشعر الطويل والشفتان الغليظتان والعيون المسحوبة والأطفال وراءها.. والزوج وراء الجميع..

    وإسبانيا شجعت الفتيان على الزواج.. فمعظم شباب فرانكو كانوا يخطبون وهم في الخامسة عشرة..

    واليابان أيضًا - التي تحترم الرجل غاية الاحترام - عادت إلى تقاليدها القديمة في الأسرة وتربية الأطفال، والحضارة اليابانية ليست إلا الحضارة الصينية وقد أصبحت رجلًا.

    وبقي المجتمع الفرنسي إناء يغلي ويتقلب ويتلون.. والمرأة الفرنسية في غاية الارتباك والحيرة.. فقد ظنت أن حق التصويت قد أعطاها كل شيء.. ولكن فوجئت بأن المجتمع لا قلب له.. إنه محايد بين العواطف.. وإنه يبحث عن الذين ينتفع بهم أكثر.. وأن المجتمع طاحونة لا تفرق بين الحبوب والطوب.. إنها تسحق الجميع.. وأن المرأة لم تفز إلا بوهم لذيذ.. أما الحقيقة فهى: أن حريتها زائفة.. واستقلالها مزور، وحضارتها خرافة.. فما هي هذه الحرية التي فازت بها؟ أن تخرج وأن تعود إلى البيت أو لا تعود! ولكنها مثل حرية عصفور يطير فوق القفص.. ثم لا يبعد عنه.. إنه ليس في داخل القفص.. ولكنه يتصرف كما لو كان في القفص..

    واستقلالها لا يمكن أن يكون له معنى، إلا إذا كانت قادرة على أن تطعم نفسها.. أي: إلا بالعمل.. فالزوجة التي لها حق التصويت ليست حرة ما دامت تعتمد في حياتها على مجهود زوجها..

    وهذه الحضارة التي توهمتها المرأة هي حضارة اختيار الألوان والعطور وإضاعة ساعات الليل والنهار في الزينة، ولو عرفت الحقيقة لوجدت أن هناك مؤامرة خبيثة يدبرها الرجال للإيقاع بها وسرقة فلوسها وفلوس غيرها - من الرجال طبعًا - إنها مؤامرة من الرجال على سرقة الرجال بأيدي النساء..

    أما أسلوب المؤامرة فهو الأفلام الواردة من أمريكا.. وهذه الأفلام السينمائية أكثر انتشارًا وأعمق أثرًا من المجلات والصحف.. والمرأة في حياتها العادية تبحث دائمًا عن نموذج من الرجال أو من النساء وتحاول أن تقترب من هذا النموذج في كل تصرفاتها، والمرأة لا تكره شيئًا أكثر من كراهيتها للاستقلال في الذوق فهي تختار ذوقها على «نمط» واحد أو أكثر من واحد.. ووسط هذه الدوامة النفسية والاقتصادية جاءت السينما الأمريكية فأعطت المرأة في فرنسا وفي أوروبا، نماذج جاهزة.. في السلوك الاجتماعي والسلوك الأخلاقي وفي الأناقة أيضًا.. ولكن السينما الأمريكية في ذلك الوقت كانت أحسن حالًا من المجتمع الفرنسي.. ففي كل قصة سينمائية كانت النهاية هي الزواج.. وكانت العقوبة ضرورية لشرير الشاشة.. ولم يكن يحدث هذا كثيرًا بين صفوف المتفرجين.. فما أكثر قصص الحب، وما أقل قصص الزواج.. وما أندر ما يلقاه الأشرار من عقاب.

    ولكن من السهل جدًّا أن تلمح في صفوف المتفرجات تشابهًا واضحًا بينهن وبين كواكب الشاشة في الملابس وفي التسريحات.. فإذا عادت المرأة الفرنسية إلى البيت لم تجد شيئًا مما رأت.. فلا الزواج هو النهاية السعيدة، ولا السجن هو مكان المجرمين، ولا هي في البيت، ولا هي في الشارع.. ولا هي على الشاشة.. ولا هي فرنسية.. ولا هي أمريكية..

    إن المرأة الفرنسية - والأوروبية عمومًا - بعد الحرب العالمية الأولى قد دفعت الثمن.. ولا شيء بغير ثمن.. ولكن الثمن الذي دفعته هو ثمن حريتها.. أو ثمن الحرية التي تعجلتها.. أو التي خدعت فيها..

    ولا تزال المرأة تفضل أن تكون مخدوعة في حريتها، على أن تكون واثقة من أنها مخدوعة بالفعل.. وحتى تتأكد المرأة من حريتها.. ومن حدود حريتها، فلا بد أن تقطع طريقًا شائكًا ملتويًا أنيقًا حتى تبلغ الحرب العالمية الثانية.. في المقالة الثانية!

    احترس.. ممنوع اللمس!

    هذه صحيفة سوابق.. والذي يكتب عن المرأة ليس متهمًا، ولكن الذي لا يكتب هو المتهم..

    وتهمته: كيف يتجاهل الحنان والحب والجمال والدلال والإغراء.. كيف ينسى المرأة التي هي بداية ونهاية كل حي.. أجمل وأسوأ ما في الحياة؟

    ولا يمكن أن يكون أدبًا أو فنًّا أو فلسفة كل تفكير يخلو من الكلام عن الخبز والجنس والحرية أي عن خبز المرأة وجنسها وحريتها.. حتى الفلاسفة الذين أغرقتهم السياسة وأمضوا العمر في محو الأمية ومطاردة المرض والقضاء على الظلم ومحاكمة الشعوب، لم يفلتوا من الجاذبية الجنسية.. فالفيلسوف سقراط الذي أقام الدولة المثالية طرد منها المرأة وعشاق المرأة وأطلق

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1