Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

نحن أولاد الغجر
نحن أولاد الغجر
نحن أولاد الغجر
Ebook396 pages2 hours

نحن أولاد الغجر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

عبر مجموعة من المقالات الساخرة والمتنوعة يستعرض الكاتب العديد من الأحداث والمواقف التى أصابت أبطالها لعنة الغجر، فمعظم المشتغلين بالفلسفة والفن، والرهبان يمارسون هذه الوحدة والعزلة الروحية، واعتزال الناس من أجل فهم الناس، فليس الغجر هم الذين زرعوا الوحدة وبذروا العزلة فى عقولنا؛ ولكنهم هم الذين كشفوا عن هذه الرغبة الدفينة. إنهم لا يمتلكون إلا أنفسهم؛ لأنهم ليسوا من الأغلبية لأنهم على الهامش لا يريدون، ولا يرفضون. وليست حياتنا الفلسفية إلا حقدًا على الغجر ومجاراة لهم، والمثل يقول: اهرش أى فنان أو مفكر أو عالم أو صوفى يظهر لك الغجرى!!
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2003
ISBN9788798768517
نحن أولاد الغجر

Read more from أنيس منصور

Related to نحن أولاد الغجر

Related ebooks

Reviews for نحن أولاد الغجر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    نحن أولاد الغجر - أنيس منصور

    Section00001.xhtml

    نحــن أولاد الغجــر

    العنوان: نحـن أولاد الغجر

    المؤلـــــــف: أنيـــــس منصـــــور

    إشــراف عـــــام: داليــــا محمــــــد إبراهيـــــم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولى: 978-977-14-2672-9

    رقم الإيـداع: 5053 / 2003

    طبـعـــة: أكتوبــر 2021

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    لصوص ولكن شرفاء!

    أول فيلم في حياتي رأيته كان اسمه (غراميات كارمن). ورأيت هذا الفيلم بعد أن تخرجت في الجامعة - قبل ذلك كنت أمر على دور السينما في المنصورة ذهابًا وإيابًا ولا أتوقف ولا أنظر إلى الصور. شيء غريب! ولكن هذا ما حدث لسبب آخر هو: أن أمي قالت لي: التلميذ الكويس الذي يريد أن ينجح لا يلعب في الشارع ولا في المدرسة ولا يكلم البنات ولا يدخل السينما. ونفذت ذلك حرفيًّا. وأسعدت أمي عندما نجحت وكان ترتيبي الأول من الابتدائي حتى الليسانس. فهل أسباب أمي هي التي أدت إلى النجاح وهل كل الناجحين والمتفوقين فعلوا نفس الشيء؟ ليس من الضروري، ولكن هذا ما حدث.

    وهذا الفيلم قد حرك الكثير من جوانب فكري وحياتي. وكتبت عنه كثيرًا واستخرجت من أعماقه ما ليس فيه، وإنما في أعماقي أنا ولا أزال أذكر عبارة جاءت على لسان البطل كانت من صميم الفلسفة الوجودية التي أدين بها. ولما رغبت في إعادة رؤية الفيلم بعد ذلك بثلاثين عامًا، لم أجد هذه العبارة. وإنما هي قفزت من أعماقي ووضعتها من فم البطلة..

    ليس هذا فقط وإنما الذي بهرني في هذا الفيلم هو الفتاة الغجرية ريتا هوارت.. الفتاة الجميلة الجريئة التي لا يهمها أحد.. ولا هي ولا أهلها. فهم أناس ضائعون لا يملكون شيئًا إلا أنفسهم.. لا يخسرون شيئًا إذا أودعوا السجون - سيجدون طعامًا. وسوف يجدون حياة مكررة مملة.. فهم متهمون بالسرقة في كل بلد.. اعتادوا التهمة واعتادوا العقوبة فهم ملعونون في كل مكان!

    لماذا؟ لأنهم ليسوا من الأغلبية.. لأنهم يقفون بعيدًا.. لأنهم على الهامش.. لأنهم مجتمع يتحرك على عجلات تجرها الخيول.. لأنهم ليسوا منا.. ولا يريدون ويرفضون. وانتهزت الشعوب وجود الغجر ووجدت فيهم الإجابة عن أسئلة كثيرة: من الذي سرق؟ من الذي نهب.. من الذي سحر للناس.. من الذي نشر المرض بينهم؟.. إنهم الغجر. لماذا؟ هكذا.. لا سبب!

    وليس معنى ذلك أن الغجر لا يسرقون. بل يسرقون. ولكنهم ليسوا اللص الوحيد في كل دولة.

    وكان إحساسي بهم عميقًا. إحساسي بالظلم الواقع عليهم. ببراءتهم. بأنهم نموذج لسوء الفهم - الناس لا يفهمونهم ولذلك يتهمونهم. ولا يقبلون لهم عذرًا. إنهم ولدوا وعاشوا وماتوا متهمين ملعونين. وقبلوا اللعنة. وارتضوا سوء الظن. وقرروا أن يعيشوا وقد ارتدوا هذا (اليورنيفورم) التاريخي.. بل هم الذين فرضوا على الدنيا (يونيفورم) من السلوك الموحد ضدهم!

    ولكن هناك حكاية غريبة في طفولتي! فقد كانت أمي تضربني كثيرًا، ولأسباب أراها غير مفهومة. وإنما أجدني أصرخ تحت الشبشب أو المقشة أو العصا. إنها أمي التي تضربني. وفي كثير من المرات لا أعرف لماذا.. ولكن تردد كلمات كثيرة أثناء الضرب مثل: الشقاوة.. والدماغ الناشف.. وأمي لا تعرف ما الذي تفعله معي.. وأبي ليس موجودًا معظم الوقت، وحتى إذا جاء أحسست بأنني لاجئ هارب إلى حضن أبي.. وأمي لا تقول شيئًا. فقد قالت الكثير جدًّا حتى زهقت.. وأبي لا يقول لأنه لا جدوى لكلامه. ثم إنه لا يعرف بالضبط ماذا حدث. ولا يريد أن يملأ الوقت الذي يمكثه معنا في هذا التحقيق. فأمي تقوم بتربيتي، ولا بد أن لديها أسبابًا وجيهة لذلك..

    وهربت من أمي إلى ضريح جدي وهو أحد الأولياء - الشيخ الباز. وكنت قد سمعت من الأطفال أنني لو ذهبت إليه فسوف يظهر لأمي في المنام يمنعها، فإذا خافت امتنعت عن ضربي. وذهبت في الليل إلى ضريح جدي، وفي الصباح وجدني أمام المسجد نائمًا ففزع؛ ففي المسجد ثعابين وفئران. وأخذني إلى والدتي التي أعادت ضربي لأنني أوجعت قلبها بسبب غيابي..

    ثم هربت مرة ثانية إلى جماعة الغجر، وسألوني عن بلدي، فقلت بلدًا آخر وعن اسمي وأبي فأعطيت أسماء أخرى.. وأنني تائه.. ولا أعرف ما الذي قالوه لبعضهم البعض ولا ما الذي قرروه.. وأتذكر أنهم جعلوني أشرب من دم طفلة أخرى قالوا: أختك.. وشربت هي من دمي وقالوا لها: أخوك..

    يعني إيه لا أعرف. ولكن هذا ما جرى. وفي اليوم الثالث كان عملي هو أن أحمل قفة فيها الرمل والظلط وأمشي وراء أم الفتاة الصغيرة التي أصبحت أمي وهي تنادي: أشوف الودع أشوف.. غجرية أمهرية تشوف الودع.. وتخفف الوجع أشوف.. غجرية هندية.. كل شيء عنديه.. وأشوف. وتضربني بيدها فأتوقف فتأخذ القفة من فوق دماغي وتضعها على الأرض وتشوف وتقول. وتطلب: سكرًا أو عدسًا أو بصلًا أو خبزًا.. إنها لا تطلب فلوسًا.

    وأنا في الطريق وراءها لا أرى إلا قدميها التي وضعت عليها الحنة وفيهما الخلخال.. ولا أحد يرى وجهها ولا أنا.. وفجأة وقفت أمام بيتنا.. وظهرت أمي وصرخت.. وحاولت الغجرية أن تستردني.. ولكن فشلت. فقد أمضت أمي أيامًا وليالي طويلة. ولم تكد تراني حتى أخذتني في حضنها.. وجفت الدموع. ولكن الحياة الغجرية.. والغجر لم يفارقوا ذاكرتي ولا رغبتي في أن أعرفهم وأن أعرف عنهم.. وتمنيت لو كان مكان لي حياتهم.. إن لم تكن كل حياتهم فبعضها من حين إلى حين..

    وأصابتني لعنة الغجر..

    فأنا أمارس هذا النوع من الحياة بعيدًا عن الناس.. العزلة عند القراءة وعند الكتابة.. العزلة حين الرغبة في الراحة، كثيرًا ما وجهت لي تهمة الإنسان البري (البراوي) أي المتوحش.. أو الإنسان البدائي..

    ولكن وجدت معظم المشتغلين بالفلسفة والفن والرهبان.. يمارسون هذه الوحدة والعزلة الروحية واعتزال الناس من أجل فهم الناس.. فليس الغجر هم الذين زرعوا الوحدة وبذروا العزلة في عقلي.. ولكنهم هم الذين كشفوا عن هذه الرغبة الدفينة..

    ووجدت كل حركات الغضب والسخط في التاريخ لأناس كأنهم غجر.. لأناس ابتعدوا ليروا أوضح ويسمعوا أعمق.. ثم عادوا يقولون.. ويقولون ثم يعودون إلى العزلة والوقوف على الهامش.. على الحدود الفاصلة بين الـ(أنا) وبين الـ(هم) بين الـ(نحن).. وبين (الأنا) وبين (الغير)..

    وكل هؤلاء الذين نصفهم باللامنتمي.. والساخطين والغاضبين والهامشيين، والشعراء الصعاليك في شبه الجزيرة العربية.. والشعراء الطروبادور في العصور الوسطى في فرنسا وإسبانيا.. بل إن بعض شعرائنا وأدبائنا كأنهم كذلك؛ فكامل الشناوي وأمين يوسف غراب وعبد الحميد الديب.. وكنت أطلق على (المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب) بأنه (المجلس الأعلى لرعاع الفنون والآداب). ولم يكونوا في الحقيقة رعاعًا ولكن كأنهم.

    وهؤلاء يحسدون الغجر على إرادة أن يكونوا منبوذين ملعونين.. رافضين لكل محاولة لوضعهم في أي أرض.. وهم مختلفون بعضهم عن بعض.. فالذين أصلهم من الهند غير الذين كانوا يسكنون في اليونان منطقة اسمها (مصر الصغرى) وغير الغجر المصريين والمغاربة والأحباش والرومانيين والأسبان.. ولكنهم تناثروا أشكالًا وألوانًا ولم يختلفوا في طبيعتهم الواحدة!

    وأصحاب البيوت السعيدة يحسدون هؤلاء المساكين..

    وهكذا نجد أننا أمام نوعين من الغجر:

    غجر بالتاريخ.

    وغجر بالإرادة. ونحن غجر الإرادة الفكرية والعلمية وكل المعامل والصوامع موجودة بعيدًا عن المجتمع..

    وكان آلهة الإغريق يحسدون البشر.. فحياة الآلهة طويلة لا أول لها ولا آخر.. وتبعث على الملل. والذين كانوا يحسدون الإنسان الذي يولد طفلًا ويكبر شابًّا ورجلًا وشيخًا ويموت.. ولذلك كثيرًا ما كان آلهة الإغريق يتحولون إلى بشر وإلى حيوانات، وإلى نباتات.. لقد ضاقوا بالكمال وضاقوا بالأزلية والأبدية وملوا الصحة والعافية ومعرفة كل شيء قبل وقوعه..

    وليس حياتنا الفلسفية إلا حقدًا على الغجر.. ومجاراة لهم.. صحيح نحن المفكرين - غجر بعض الوقت، فلا طاقة لنا بأن نكون شراذم مشردة ملعونة في كل أرض ولسبب ولغير سبب. ولكن في أعماق كل فنان واحد غجري يهمل في شعره وملابسه وحذائه وأظافره وفي الذي يقول ويتهجم على المجتمع لأنه مستعمر مستبد..

    وللغجر حكايات وخرافات - كما لكل الشعوب..

    والغجر لا يردون على تهمة السرقة بأنه هذا ظلم. بل يقولون: هي حق مقدس. فيوم صُلب السيد المسيح سرقوا مسمارًا كان الرومان قد دقوه في ساقه الطاهرة وقد سرقوه لأنهم أرادوا أن يخففوا عنه بعض الألم. ولو اتسع وقتهم لسرقوا كل المسامير. فلما رآهم السيد المسيح قال لهم: ذنوبكم كلها مغفورة. اسرقوا ما شئتم!

    ومن يومها وهم يسرقون. فهم لصوص شرفاء!!

    وفي الكتاب المقدس أكثر من مومس نبيلة. فرغم أنها مومس إلا أنها أتت عملًا بطوليًّا جعلها أشرف من كثير من الشريفات، فهي (المومس الفاضلة)..

    واحدة اسمها (راحاب) التي أخفت في بيتها جاسوسين للبطل يشوع بن نون يوم غزو إسرائيل لأرض كنعان. والثانية اسمها (جومير) وقد أراد الرب تطهير البلاد من فسادها وشرها فتزوجها النبي هوشع تكفيرًا لذنوب الأرض التي زنت أمام الرب حتى عمها الفساد..

    فالتوراة من منها مومسات فاضلات..

    وفي التاريخ الغجري لصوص نبلاء.. أو لصوص بأمر المسيح أن يسرقوا!

    ***

    وقد رأيت الغجر في أوروبا الوسطى وهم في رومانيا أكثر عددًا.. وعلى الحدود بين إسبانيا وفرنسا.. ورأيتهم في مصر.. فملامحهم خليط من الملامح الهندية والحبشية والمصرية.. ويعملون في كل مكان ويكسبون طعامهم.

    وفي الليل يرقصون ويغنون وينتقلون إلى الأفراح والليالي الملاح.. ثم يعودون إلى عرباتهم. وقد عرفنا أن فيهم شعراء مطربين وفيهم موسيقيين أيضًا، وأن موسيقاهم قد أثرت في عدد من كبار الفنانين..

    وإذا كان يقال: اهرش الروسي يظهر من تحته المغولي..

    فالمثل الآن يقول: اهرش أي فنان أو مفكر أو عالم أو صوفي يظهر لك الغجري!

    من أجل صحتك

    فجأة وجدتني أمام الدكتورة لفتية السبع في التليفزيون، هي تقول وأنا أسمع وأندهش، هي تقول وأنا لا أعرف ما الذي تقوله لضيفاتها الثلاث: براڤو عليك شاطرة وأنا أقول: واللَّه أنت اللي براڤو عليك لأنك انفردت ببرنامج يعلم الناس كيف يأكلون ويشربون ويوفرون للدولة، دون أن تكوني قادرة على إقناع أحد بذلك!

    نظرية الدكتورة لفتية السبع في البرنامج الذي رأيته هي: في استطاعتك - أي: كل ست بيت - أن توفر أربعة ملايين جنيه إذا أمسكت السكين وقسمت الرغيف الواحد إلى أربعة أقسام. انتهت النظرية.

    الشرح: من عادة بعض الأطفال أن يأكلوا وجه الرغيف، وأن يتركوا ظهره، وبذلك يستهلكون رغيفًا في الوقت الذي لم يأكلوا سوى نصف رغيف، فإذا أراد الطفل أن يأكل رغيفًا فإنه يلجأ إلى رغيفين ينزع وجه كل منهما ويلقي بظهريهما.. فإذا أراد أربعة من الأطفال أن يطبقوا هذا الأسلوب في أكل الخبز استهلكوا ستة عشر رغيفًا، إذا أكلوا ثمانية أرغفة.. وفي استطاعة كل أم أن تدرك كم هي خسارة كل أسرة إذا اتبع جميع الأطفال ذلك، ولهذا السبب تعنى كل أم أن تحسم هذه المشكلة.. وأن تمسك السكين، وأن تضغط على الرغيفين فيلتصق وجهه بظهره، أو وجهه بقفاه، ثم تقسم الرغيف إلى أربعة أقسام. كل قسم له ظهر وقفا.. أو وجه وظهر.. وترغم الأطفال على ذلك!

    هذا ما فهمته، ولا أظن أن أحدًا قد فهم ذلك، وأنا وحدي أتحمل مسئولية الخطأ في تفسير وتطبيق هذه النظرية اللفتية - نسبة إلى الدكتورة لفتية!

    الأشخاص: أما اللائي أتت بهن الدكتورة لفتية السبع في هذا البرنامج فشيء أعجب. أتت بسيدة من أبناء الشعب، ولكي تؤكد الفئة التي جاءت منها جعلتها ترتدي الجلباب والطرحة، ولأنها من الشعب فقد ظهر عليها خير مصر. فهي سيدة مليانة الجسم والوجه - هذا ما استطعت أن أتبينه من الأجزاء التي أظهرها التليفزيون من جسمها، وهي سيدة مرحة لأن أبناء الشعب كذلك، ثم جاءت بسيدة أخرى أقل امتلاء وأقل مرحًا، بل إنها أميل إلى الحزن، ولابد أنها - تمثل الطبقة المثقفة، أو الطبقة الأقدر على الأكل والشراء.. ثم أتت بسيدة ثالثة نحيفة مريضة، ولابد أنها تمثل الطبقة التي تريد ولا تجد أو التي تجد ما لا تريد. وهذه السيدة الثالثة هي أحق الناس بالعناية. وإليها وحدها يجب أن يتجه البرنامج، وقد اتجه بالفعل بنظرية لفتية ثانية: أن الإنسان يستطيع أن يستغني عن السكر، ولكنه لا يستطيع أن يستغني عن الملح..

    والذي ينظر إلى هذه السيدة الثالثة يجد بُطلان هذه النظرية، لأن هذه السيدة استطاعت أن تصل إلى مبنى التليفزيون وتصعد السلالم الواحد وراء الآخر وتجلس في الاستديو ساعة بعد ساعة، مع أنها لم تذق طعم السكر أو الملح أو الخبز.. فهي نموذج للجوع الذي يؤدي إلى الصحة!

    وينتهي البرنامج على وعد بلقاء آخر إن شاء اللَّه.. والشيء العادي في البرنامج هو حركات رأس ويدي الدكتورة السبع، فهي أساليب يلجأ إليها سيدنا في كتاب القرية، وهو يعلم الصغار: ألف وباء وجيم ودال.. أي فيتامينات ( أ ) و (ب) و(جـ) و( د ) الضرورية للصحة مثل ضرورة الأحماض الأمينية للدم الذي هو الحياة.

    شكرًا يا دكتورة فقد كانت أعصابي مرهقة، وكنت في حاجة إلى من يرفه عني، وقد أضحكتني دون أن يكون في نيتك شيء من ذلك!

    لكي تكون عبقريًّا!

    هل الإنسان يولد قائدًا عسكريًّا أو «يصير» قائدًا عسكريًّا عظيمًا؟

    جاء هذا السؤال في الصفحة الأولى من كتاب عن القائد الألماني روميل، الذي وصفه أعداؤه الإنجليز بأنه ثعلب الصحراء.

    والكتاب عنوانه «شيء جديد في حياة روميل» من تأليف الجنرال جيمس برادوك. يقول: إن الذي يقرأ التاريخ يجد عددًا كبيرًا من القادة، ولكن الممتازين جدًّا قليلون. وحتى هؤلاء الممتازون مختلفون في أسباب عظمتهم، فبعض هؤلاء العظماء جنود محترفون، راحوا يتنقلون بين الفرق والمعارك والمناصب حتى ظهرت عظمتهم.

    مثلًا: القائد الألماني لودندورف والقائد الإنجليزي مونتجمري..

    ولكن هناك قوادٌ أدركوا في سن مبكرة جدًّا، أنهم قادة عظماء، وأن القدر قد ادخرهم لمواقف حاسمة في التاريخ، وأنهم على يقين من ذلك، فاتجهوا إلى حيث العظمة والقمة، وكأنهم يمشون في طريق معروف تمامًا لديهم: نابليون مثلًا! وكان نابليون يقول: إن هناك نجمة في السماء ترشده إلى النصر، وإن هناك صوتًا يهمس في أذنه ويحدثه بكل شيء قبل أن يقع!

    وهناك رجال اضطروا إلى القتال في منتصف العمر.. فاجأتهم الحرب، أو باغتتهم العظمة، مثل كروميل في بريطانيا..

    ولكن عددًا قليلًا جدًّا من العبقريات العسكرية ظلت مدفونة.. أو ظلت خفية تنتظر الفرصة أن تجيء، فلما جاءت رأى العالم أعاجيب المعارك والخطط، والقائد الألماني روميل هو أروع مثل على ذلك، فلم تظهر عبقريته إلا في الصحراء.. ولم يبلغ قمة عظمته العسكرية إلا على الرمال الساخنة وتحت الشمس وفي أقسى الظروف..

    وما يقال عن القادة يقال أيضًا عن كل المواهب الأخرى في العلم والطب والفن والهندسة.. فإذا كان الإنسان موهوبًا، فأنت لا تعرف متى تظهر موهبته - هل في أول الطريق؟ هل قبل نهايته؟ هل أداء الإنسان لعمل يحبه، لابد أن يولد فيه شرارة العبقرية؟ إنها قصة كل بيت هذه الأيام، ومئات الألوف من الشبان يمتحنون.. وآباؤهم يتساءلون: يا ترى ما هو مستقبل هذا الولد؟

    يجيب مؤلف كتاب روميل: بأنه لا إكراه في العبقرية.. فحياة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1