Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الدين والديناميت
الدين والديناميت
الدين والديناميت
Ebook697 pages5 hours

الدين والديناميت

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ليس كل عنف ارهابا سياسيا او دينيا ولكن كل ارهاب سياسي او ديني هو عنف وكما ان الحب قديم فالكراهية قديمة وكما ان التضحية بالنفس قديمة فالتضحية بالآخرين ايضا والارهاب سلوك انسانس ضد الانسان والانسان لا انسانس فقد عاش الى اليوم وهو يحاول ان يبني مدنا حول الارض او يقيم كهوفا تحت قشرة الكواكب الاخرى
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2013
ISBN9781573650120
الدين والديناميت

Read more from أنيس منصور

Related to الدين والديناميت

Related ebooks

Reviews for الدين والديناميت

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الدين والديناميت - أنيس منصور

    demat-0001.xhtml

    الدين والديناميت

    العنوان: الدين والديناميت

    المؤلـــــــف: أنيـــــس منصـــــور

    إشــراف عـــــام: داليــــا محمــــــد إبراهيـــــم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولـي: 978-977-14-1827-0

    رقـــم الإيــــــداع: 9314 / 2013

    الطبعـة الثانية: مــارس 2014

    demat-0002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    كلمة أولى

    ليس كل عنف إرهابًا سياسيًّا أو دينيًّا.

    ولكن كل إرهاب سياسي أو ديني هو عنف.

    وكما أن الحب قديم، فالكراهية قديمة.. وكما أن التضحية بالنفس قديمة، فالتضحية بالآخرين أيضًا قديمة .

    والإرهاب سلوك إنساني ضد الإنسان..

    والإنسان «لا إنساني» فقد عاش إلى اليوم وهو يحاول أن يبني مدنًا حول الأرض أو يقيم كهوفًا تحت قشرة الكواكب الأخرى..

    والروائي اللاتيني بلاوتوس هو الذي قال في مسرحيته الكوميدية «الحمير»: إن الإنسان للإنسان ذئب.. أو الإنسان ذئب لأخيه الإنسان..

    ولم يكن الإنسان في حاجة إلى معجزة لكي يتحول ذئبًا مفترسًا.. وإنما الإنسان استعار أنياب الذئب ومخالبه واستعار غدره وتعطشه للدم.. ثم استعار حيوانيته أيضًا!

    وقد وجدنا التعذيب منصوصًا عليه في الدستور الروماني والإغريقي. والقانون الروماني هو أبو الدساتير، نقلت عنه الدساتير الأوروبية كل صور العذاب وأضافت إليه أشكالًا وألوانًا جديدة؛ تقنين العذاب.. أي أن الدول الأوروبية لم تكتف بنقل العذاب الروماني، وإنما أضافت إليه صورًا نابعة من ذاتها، من ظروفها الاقتصادية والسياسية والدينية.

    وعرفت أوروبا كل أنواع التعذيب في سبيل الله.. فكانوا يحرقون ويغرقون الكفرة والملحدين.. أو من يرون أنهم كذلك سواء من أبناء الدين المسيحي أو اليهودي أو الإسلامي..

    وفي 1252 نجد البابا «الطيب الرابع» هو أول من شرع التعذيب من أجل الحصول على اعترافات الكافرين والملحدين، وكان التعذيب يجري علنًا أمام الناس، فيتعذب الناس لهذا العذاب، أو يصرخون من النشوة والمتعة..

    ومأساة الفتاة «جان دارك» التي أُحرِقت سنة 1431 أمام الناس جميعًا، مأساة لا يمكن أن ينساها الضمير الأوروبي..

    وفي القرن الخامس عشر ظهر المفتش الأعظم «توركيمادا» الذي أحرق الألوف وأغرقهم أحياء بتهمة الكفر والخروج عن الدين..

    وظلت الدولة والكنيسة تتنافسان في ابتكار ألوان ودرجات من التعذيب للأبرياء.. ثم أصبح التعذيب محدودًا. وأعلنت دول كثيرة إلغاءه تمامًا.

    وظلت تجارة الرقيق منتعشة في نفس الوقت. فهم ينقلون السود والأفارقة إلى أمريكا وإلى أوروبا. ويعذبون ويقتلون هؤلاء المساكين. وينقلونهم عراة عبر المحيط وينامون على ظهور السفن حتى الموت.. أو في بطونها حتى يختنقوا، وفي مهب العواصف عندما يريدون تخفيف حمولة السفن يلقون بالزنوج في البحر..

    والإسبان عندما غزوا أمريكا كانوا يرهبون السكان الأصليين بتمزيق رؤساء القبائل بأن يربطوا الواحد منهم في حصانين ينطلقان في اتجاهين مختلفين..

    وفي القرن التاسع عشر ذهب ملك بلجيكا إلى الكونغو ينفذ فيها كل ما وصلت إليه الحضارة الغربية من التعذيب!

    أما القرن العشرون فقد أضاف نوعين من العذاب: الكرسي الكهربي للتعذيب أو للموت..

    ثم العذاب النفسي للأسير أو السجين. وكان البوليس السري الروسي أسبق أجهزة الأمن في العالم إلى استخدام التعذيب النفسي والكيميائي.. وكذلك النازية استخدمت أفران الغاز..

    وقد عرف الغرب أنواعًا من العذاب القادم إليه مع قوات جينكيزخان الذي كان يفرش الأسرى على الأرض لتمر من فوقهم الخيول والعربات الحربية.. ثم يعود يقتل من ظل حيًّا!

    أما تيمورلنك فكان يكوم جماجم الأسرى بعشرات الألوف، وكان يقتل الذكور ويترك الإناث والأطفال.

    الإرهاب السياسي مثل الإرهاب الديني: كل إرهابي معه كتاب وقنبلة.. الكتاب هو رأس المال لماركس.

    أو هو الكتاب المقدس أو القرآن الكريم..

    وصاحب الفكر هو أيضًا صاحب رأي. وهو يؤمن برأيه إيمانًا مطلقًا. ويرى أنه لا رأي لغيره، فالرأي رأيه، والقول قوله، وهو لذلك يفرض الرأي بالقوة.. بالعنف.. بالإرهاب.. حتى لا يكون رأي آخر يعارضه!

    وهذا هو التعصب.. التعصب الذي يدفع إلى العنف.. إلى الإرهاب..

    وكما أن التعصب نوع من عمى الألوان والأصوات.. وانعدام الرؤية والرأي أيضًا، فالتعصب يكتسح حرية الإنسان ويقضي على تسامحه.. وكما أن الألوان والروائح تتبدد في العواصف، فكذلك كل الآراء والاجتهادات وما حقق الإنسان من حضارة قائمة على الحرية والاستقلال والفردية والإبداع، يبددها التعصب.

    فالتعصب طوفان يفرق، وإعصار يهلك..

    وقد عرفت الإنسانية فترات طويلة من التعصب الديني والحروب الصليبية التي اجتاحت الشرق والغرب مئات السنين، ليست بعيدة عنا.. وما زالت آثارها باقية مشتعلة في أيرلندا بين أبناء الدين الواحد.. بين البروتستانت والكاثوليك.. وهي أيضًا بين العراق وإيران بين المسلمين.. بين الشيعة والشيعة، وبين الشيعة والسنة!

    وهي تزلزل المنطقة كلها سياسيًّا ومذهبيًّا واجتماعيًّا..

    وفي لبنان وإسرائيل.. ولا أحد يعرف حتى الآن ما هي نهاية هذه الحروب. وكيف تكون الدنيا بعد أن تسكت المدافع، وبعد أن تنزل المصاحف من فوق السيوف.

    سوف تنتهي هذه الحروب ولكن بعد أن تحيل الناس والحياة الفكرية والوجدانية والدينية: بقايا كل شيء.

    وسوف تستغرق وقتًا أطول، ومالًا أكثر في إصلاح الذي فسد، لكي تعاود الشعوب نسيان ما حدث.

    وسوف تعمق الشعوب شعورها بالعذاب والجريمة، حتى لا تعود إليها.

    ولكن هل صحيح أن الإنسان يتعلم من أخطائه؟ هل صحيح أن الإنسان بعد أن انتهى من حرب لم يعد إليها؟

    إن التاريخ يُذكِّرنا بأن الحرب هي صنيعة الحركة الاجتماعية والشعبية.. وأن فترات وقف إطلاق النار والسلام كانت قصيرة جدًّا.

    وكما تطورت الحروب من استخدام الطوب والحجارة إلى استخدام القنابل والليزر، وكما أن الناس من خوف الحرب في حرب، فكذلك الإرهاب الديني يعلو ويهبط.. يظهر ويتوارى، يشتد ويحتد ويتحفز ليعود في أشكال جديدة.

    ولا أقول إننا مقبلون على كارثة في بلاد الشرق الأوسط، بسبب التعصب الديني.. بل إننا في قلب الكارثة، في عين الإعصار.. ولذلك لا ندري بالضبط أين نحن من أطراف الكارثة.. فأينما اتجهت عيوننا لا نرى إلا دمًا وإلا نارًا وإلا ناسًا يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله.. الجنة للمتقين.. الجنة تحت أقدام الأمهات.

    - ولكن «المتقين» من الشيعة فقط!

    - بل من السنة فقط!

    - تحت أقدام الأمهات الفارسيات!

    - لا، تحت أقدام الأمهات العربيات!

    وتمضي طواحين الحقد تسحق الأبرياء..

    وكانت قبائل المغول تؤمن أن إله الحرب متعطش دائمًا للدم.. ولذلك كانوا يغرسون السيوف في الأرض ويصبون عليها الدم، أي يبللون ريق الرب بدم أسير كل يوم.. ولم يصبح السيف عودًا أخضر.

    وكذلك لن تنبت الدماء إلا الدماء وإلا الكراهية وإلا العنف..

    إن المذهب الشيعي والمذهب السني، مثل الحصانين اللذين استخدمهما الإسبان في شطر شيوخ القبائل نصفين..

    لقد انشطرنا.. انفلقنا.. نصفنا يكفر بنصفِنا.. نصفنا يلعن نصفَنا... نصفنا يقوم بتصفية نصفنا الآخر.

    والدول العظمى والكبرى سعيدة سعادة الإسبان القدامى في تحطيمنا وإفلاسنا وتأخرنا حتى لا تقوم للعرب دولة موحدة.. أو نظرية واحدة.. وحتى لا يزدهر الإسلام ويتألق ويقاوم الأوثان الصناعية الغربية..

    ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

    أنيس منصور

    أنت خائف.. إذن أنت موجود.. لتخاف أكثر!!

    1

    الخوف هو الذي يحكم العالم كله.. اقرأ الصفحات الأولى من الصحف والمجلات، إنه الخوف من الحرب ومن الموت ومن الجوع ومن المرض.

    وكل أجهزة الدول هي أجهزة أمن، وكل هذه الأجهزة تحمل السلاح بيد، والرغيف والدواء وكتاب الله في اليد الأخرى.

    ولكن رجال الأمن في الدنيا كلها خائفون أيضًا، إنهم حريصون على أن يتحقق الأمن في العالم؛ لأن الأمن والسلام والصحة والحياة ضمن «مهام وظائفهم»، ولكنهم أيضًا يخافون على حياتهم وعلى أولادهم وعلى مستقبلهم، والذين يحكمون بين الظالم والمظلوم بالعدل مظلومون أيضًا، فهم يعطون للناس ما لا يملكون، وهم أحق بالأحكام التي يصدرونها على الناس.

    إذن فهو الخوف الذي يحكم ويتحكم في الناس.

    والعالم اليوم مشغول بالدورة الأوليمبية أو بمقاطعتها والبحث عن مكان آخر لها، أي مكان بعيدًا عن سياسة واشنطن وموسكو، حيث تكون الرياضة حرة تمامًا من الضغط السياسي والاقتصادي، والدورة الأوليمبية هي أعظم امتحان عالمي لحيوية وشباب مئات الممتازين من سكان هذه الأرض، فهي استعراض للحياة وحب الحياة.. أجمل صورة للحياة: الشباب.

    وفي نفس الوقت تجري المفاوضات السرية والعلنية بين أمريكا وروسيا على تحريم استخدام الأسلحة النووية أو الحد منها، ثم التفاوض على عدم استخدام سفن الفضاء القاتلة لسفن الفضاء الأخرى، أي محاولة من الدول العظمى ألا تنتقل الحرب من سطح الأرض إلى ما بين الكواكب الأخرى، ومعنى ذلك أن الإنسان مهما ارتفع علميًّا، فهو منحط أخلاقيًّا. والإنسان لم يتغير ولم يتطور إنما الذي تغير وتطور هو الأدوات التي يستخدمها في الحياة وفي القضاء عليها، ومنذ استطاع الإنسان من حوالي نصف مليون سنة أن يمشي مستقيم الظهر لم يتغير في تكوينه النفسي شيء على الإطلاق، فهو كما كان في الغابة؛ والغابة التي كانت من الأشجار أصبحت الآن من الصواريخ، والكهوف التي كانت من الطين والحجارة، أصبحت من الأسمنت المسلح، والإنسان الذي كان يستخدم أنيابه وأظافره في القتل، استعاض عنها بالمدافع والطائرات، وبدلًا من أن يبدو الغضب والغيظ في عينيه فإنه لا يرى عدوه، إنما يبعث إليه أشعة الموت.

    فالإنسان لم يتغير نفسيًّا أو اجتماعيًّا منذ نصف مليون سنة، ولكن قدرته على القضاء على الآخرين قد تطورت في الأربعين عامًا الماضية، أي منذ إلقاء قنبلة هيروشيما بما يعادل تطوره في كل العصور وزيادة.

    ويكفي أن تنظر إلى وجوه الحكام في العالم، لا تنظر إلى أفواههم الضاحكة، فكل الممثلين يفعلون ذلك، لكن إلى عيونهم: فيها الغضب والحقد والانتقام أو الرغبة في ذلك، والاستعداد الخفي للقتل الفردي أو القتل الجماعي.

    إنه الخوف قد أعاد الإنسان إلى الغابة والكهف، في حالة دفاع غريزي عن نفسه سيرًا على جثث الآخرين.

    ولذلك كان الحب والحياة والطفولة نغمات ناشزة أو نشازًا في أغاني الحرب أو المارشات الجنائزية.

    وكانت صورة طفل في الصفحات الأولى للصحف البريطانية التي صدرت في الأيام الأخيرة حادثًا خارقًا للطبيعة - أي للطبيعة الإنسانية التي اعتادت على الخوف، والتي دبرت الموت وسارت في جنازة الموتى أو استعدادًا لمسيرات أخرى ذهابًا وإيابًا من واشنطن إلى موسكو، ومن بغداد إلى طهران ومن تل أبيب إلى كل العواصم العربية.

    2

    في الصفحة الأولى طفلة عمرها 15 يومًا، نجح الأطباء في زرع قلب لها، الطفلة في صحة جيدة والأبوان سعيدان والأطباء أكثر سعادة، ففي حياتها نجاح للعلم وانتصار للحياة على الموت.

    يقول الطبيب الجراح: هذه الطفلة عندها إرادة حياة، ففي جسمها «رغبة قوية خفية بأن تعيش»؛ ولذلك سارعت جيوش من ملايين الكرات الحمراء تلتئم وتلتحم مع جيوش أخرى من ملايين الكرات البيضاء، إن منظرها تحت الميكروسكوب هو أروع إجماع مطلق على أن تستمر الحياة في هذه المولودة السعيدة.

    وكأن الطبيب أحس أنه قد تجاوز التعبيرات الدقيقة التي تليق بطبيب عالمي مثله فقال: صدقوني عندها «إرادة».. في جسمها قوة هائلة على أن تعيش، فإن لم تكن هذه إرادة طفلة، فهي إرادة جسم.. إرادة الله.

    طفلة أخرى في الصفحة الأولى عمرها سنتان، تعيش بكبد صناعية وفي صحة جيدة.

    3

    طفلة ثالثة تحملها أمها. الأم سعيدة. قيل لها: إن طفلتها ولدت ميتة - وفجأة عندما استعدوا لدفن الطفلة وجدوها تتحرك.. اقتربت الأصابع من نبضها.. إنها حية.. تدلت سماعات الأطباء على قلبها.. إنها حية، وإن كانت تبدو ميتة. أحد الأطباء دانمركي قال: أعرف هذه الظاهرة الغريبة، عندنا في أدب الأطفال رجل مثل هذه الطفلة.

    ولعله يقصد أديب الأطفال هانز كريستيان أندرسون، كان نحيفًا عليلًا شاحبًا، كان يضع الصحف تحت البلوفر حتى يستطيع أن يملأ قمصانه.. حتى يستطيع أن يملأ البنطلون. وكان إذا نام في الفراش وضع ورقة إلى جواره.. هذه الورقة موجهة إلى صاحبة البيت: سيدتي، لست ميتًا، وإن كنت أبدو كذلك.

    وفي الصفحات الأولى صورة للجراح الأمريكي العالمي ديفريس، الذي ركب صمامًا صناعيًّا للمريض الشهير بارني كلارك فعاش 112 يومًا، وحاول أن يقنع الجامعات الأمريكية بمساندته ماليًّا لإنقاذ من يحتاج إليه، انعقد مجلس الجامعة أربعين يومًا ليوافق بعد ذلك على مشروع تقدم به. عَرَض مشروعًا للتوسع في إنتاج الصمامات الصناعية على أحد المراكز العلمية الطبية، فاجتمع المديرون وجلسوا معًا ستة شهور ليقولوا في النهاية: لا. ولا يزال ديفريس يحاول أن يجمع مالًا من ذوي القلوب السليمة الطيبة لإنقاذ ذوي القلوب المريضة، ولكن لا أحد يدفع له ما يعادل ثمن دبابة واحدة أو طيارة تدريب عسكرية.

    4

    وفي كل الدنيا حملات عنيفة لتحديد النسل ونشر العقم أو تنظيم النسل أو الدعوة إلى الإجهاض، في نفس الوقت الدعوة إلى السلام ليعيش الناس أكثر وأطول.

    وعلى الرغم من أن الحرب هي السلوك الطبيعي للجماعات الإنسانية، وأن العدوان هو السلوك الدفاعي الوحيد للإنسان فقد استطاعت الإنسانية أن تستمر وأن يزداد عدد سكان الأرض. ففي الأربعين قرنًا الماضية قامت الحروب بين كل الجماعات الإنسانية، ولم نعرف في تاريخنا السلام أو الهدنة أو وقف إطلاق النار إلا قرنين ونصفًا فقط. ومع ذلك امتدت الحياة وانتشرت وتطورت وتدعمت، ولا تزال الفئوس أكثر عددًا من الموتى والقتلى.

    ولكن الحرب هي الأسلوب الوحيد الذي حرص الإنسان على الاحتفاظ به، والكذب على نفسه وعلى غيره بأنه لا يحبه ولا يريده، ويكفي أن نفتش في ميزانيات كل الدول - أكثر الدول ادعاء للسلام - لنجد أن ميزانيات الحرب هي البند الأكبر، وأن صناعتها الأكثر رواجًا هي السلاح، وأن أجهزتها الأكثر قوة هي أجهزة المخابرات.. أي جمع المعلومات عن الآخرين والرد عليها.

    وفي المكتبات البريطانية كتاب عن «التصنت»، إذا قرأته فإنك لا تأمن لأحد أو لشيء، فالقلم في يدك، والزرار في جاكتتك، والصورة على الحائط، والمصباح على المنضدة أمامك، والتليفون ونور الباب وسيفون الحمام، كلها محطات للإرسال: إرسال معلومات منك إلى أي أحد. وليس صحيحًا أن «الحيطان لها آذان» فقط، فكل شيء له آذان وله عيون، وأنت «عريان ملط» أمام أشخاص آخرين لا تعرفهم وأنت لا تدري، فملابسك نايلون، والجدران والأبواب والنوافذ كذلك، وإذا أنت اقتربت من محبوبتك وهمست في شفتيها، فبين أسنانها يوجد ميكروفون صغير، هذا الميكروفون من الممكن أن يكون لبانة تنقلها من فمها إلى فمك وأنت «على الهواء».. كما أن أنفاسك واعترافاتك - كل ذلك - مسموع عند الذي يهمه أمرك: في الحياة والسياسة والاقتصاد.

    فلا سر ولا أمان ولا خصوصية عند أحد من الناس.

    5

    وفي الصفحات الأولى، حكمت إحدى محاكم باريس لصالح الأرملة كورين «22 سنة» وأعطتها الحق في استعادة الحيوانات المنوية التي أوصى بها زوجها إلى أحد مراكز حماية هذه الحيوانات.

    فقد أحبت ضابطًا ثلاث سنوات وفجأة اكتشفت أنه مصاب بسرطان في البروستاتا وكان لابد من استئصالها ولأنه استأصلها فقد أصبح عاجزًا عن الإنجاب، وقبل استئصالها بعث بحيواناته المنوية إلى أحد المراكز الطبية، وأجريت له العملية وتزوج، ثم دخل المستشفى ليموت يوم «الكريسماس» الماضي أي بعد زواجه بيومين. ولجأت الأرملة إلى القضاء، تطلب حقها في هذه الحيوانات لأنها تريد أن تكون أمًّا لطفل من الرجل الذي أحبته، وكانت أسرة زوجها قد وافقت على هذا الأمل، وهي أول قضية من نوعها في التاريخ، ورفض المركز الطبي أن يسلمها هذه الحيوانات لأن الفقيد لم يوص بها لأحد، أو لزوجته بصفة خاصة، فلجأت الأرملة إلى القضاء، وحكم لها القضاء احترامًا لعاطفتها العميقة لزوجها، ورأى القاضي أنه لا يملك إلا أن يحترم رغبة الأرملة في أن تكون أمًّا. ثم إنها لم تطلب شيئًا منافيًا للذوق العام، ولكن الحكومة من الممكن أن تستأنف هذا الحكم؛ لأن القانون الفرنسي ينص على أنه إذا ولد ابن بعد وفاة أبيه بثلاثمائة يوم، فهو «ابن شرعي».

    بعض علماء النفس ينصحون هذه الأرملة بألا تفعل ذلك.. بألا تحمل أو بألا تكون أمًّا لطفل من هذا النوع، وألا تستسلم لعاطفتها القوية، وإن كان هذا حقها، إنما يجب أن تنظر إلى ما سوف يكون عليه طفلها: كيف يواجه المجتمع وهو طفل من تلقيح صناعي، ليس ابنًا شرعيًّا أو هو الطفل «الأعجوبة» - أو هو انتصار للقاضي على الطبيب، أو هو مجرد احترام أرملة لزوجها، ولكن مشاكل الطفل بعد ذلك لا يمكن حصرها.

    وقد تنجح عملية التلقيح الصناعي، فمن يدري ربما كانت هذه الحيوانات ضعيفة، أو ربما كان الزوج عقيمًا.

    ولكن المهم: هو أن العلم والقانون والحب قد انتصرت من أجل أن يعيش طفل فكرة حب، فالحب هو الاعتراض الوحيد الممكن على الموت!

    6

    وقصة أخرى أعجب من ذلك جاءت من أُستراليا.. فأكبر تجارة في العالم اليوم، هي تجارة الأطفال تشتريهم العائلات التي حرمت من طفل، ومعظم هؤلاء الأطفال من أمريكا اللاتينية حيث الأطفال بيض اللون، فقراء، وفي إعلانات الصحف أوصاف للطفل هكذا: أبيض البشرة، ذهبي الشعر، أزرق العينين، تحتاج إليه أسرة غنية وتدفع ثمنًا له عشرين ألفًا، خمسين ألفًا.. مائة ألف.

    وفي إسرائيل، يشترون هؤلاء الأطفال ويخلقون لأنفسهم مشاكل دينية لا تنتهي.

    وفي أُستراليا، أعلن رجل أنه في حاجة إلى أم تقبل أن تحمل منه عن طريق التلقيح الصناعي،ولها مكافأة مالية كبيرة إذا وافقت، ومكافأة أكبر إذا حملت، وإذا ولدت وأعطته هذا الطفل ليسعد به هو وزوجته. وكانت لهذا الرجل زوجة قد أجهضت مرتين، ثم اتفق الزوجان على أن يكون لهما طفل عن طريق الحمل الصناعي لامرأة أخرى.

    وجاء الرد بموافقة سيدة تعمل في هيئة لتحديد النسل، ثم حملت صناعيًّا وولدت، وعندما تقدم الأب «البيولوجي» للأم «الوالدة بالنيابة» رفضت أن تعطيه الطفل فهي أمه.

    وقالت هذه الأم في المحكمة: عندما فكرت في الحمل، كان دافعي إنسانيًّا ولكن بعد أن حملت، شعرت بلذة الحمل، وولدت وشعرت بآلام الوضع، وعندما رأيت الطفل، فهو ابني ولن أعطيه لأحد.

    أما القانون في أستراليا فهو لا يعرف إلا أبًا واحدًا، هو الأب الشرعي، وليس الأب البيولوجي، فالطفل إذن ابن لهذه السيدة وزوجها، وقد طلبت المحكمة من الأم أن تسمح بإرسال بعض صور الطفل لوالده البيولوجي.

    والأب الشرعي ليس راضيًا تمامًا عن هذا الطفل، والأب البيولوجي تعيس تمامًا لهذه المأساة، ولكن الأم الحامل بالنيابة، هي الأم الحقيقية، أما الزوجة الأخرى، أي زوجة الأب البيولوجي، فليست سعيدة بهذا الطفل المولود بعيدًا، ولن تكون سعيدة إذا جاء إليها لترعاه وتربيه على أنه ابنها. وهو في الحقيقة ليس كذلك.

    ولابد من تعديل القانون في أستراليا وفي غيرها من الدول لمواجهة هذه الظاهرة الجديدة في أن تكون المرأة أمًّا بأي شكل، وبأي علاج، ومن أي أحد، رضي القانون أو سخط على ذلك، اتسعت لهذه الأمهات رحمة الدين أو انفتحت عليهن أبواب جهنم.

    وقد عرف العرب في الجاهلية، وكذلك الرومان والإغريق ظاهرة «الابن للفراش» أي الابن من حق الأب الذي ولد في بيته؛ ولذلك كان كثير من الأغنياء يتزوجون نساء حوامل، ويعترف المجتمع بأبوة أي رجل لابن ليس ابنه في الحقيقة.

    والمجتمع الحديث أيضًا، يوافق على أن تذهب العروس حاملًا إلى الكنيسة، ويعقد عليها القسيس زواجًا شرعيًّا، فليس هنا نص ديني يحتم أن تكون العروس عذراء أو حاملًا.

    ثم إن المجتمع الأمريكي والأوروبي لم يعد ينظر بقسوة إلى غير الشرعي فهو صورة حية لجريمة ارتكبها أبوان في لحظة سعادة، فهو ضحية؛ ولذلك يجب الاعتراف به فورًا كائنًا حيًّا، ومواطنًا شريفًا له كل الحقوق.

    وبقدر تقدم العلم وجرأة القضاة وشجاعة المصلحين، فإن الدين يقف بكل كنائسه ومساجده ضد الاختراق العنيف للضمير الإنساني والعدوان المكثف على حدود الله وكرامة الإنسان. وهكذا يضاعف العلم في دفاعه عن الحياة قلق الإنسان المؤمن، وفزع أصحاب القيم الأخلاقية، ودعاة التكامل الاجتماعي.

    والعلم أيضًا هو الذي يتحفز ليلًا ونهارًا للقضاء على المؤمنين والملحدين والعشاق والأمهات والذين باعوا أولادهم والذين اشتروا أولاد الآخرين، والعلم يعطي المجتمع فرصًا متكافئة في الموت الذري على الأرض، أو على سفن الفضاء بين الكواكب الأخرى.

    وإذا كان أحد قد فاته أن يموت، فلن يفوته أن يخاف، وإن فاته أن يخاف على نفسه فلن يفوته أن يخاف على الآخرين.

    وما دام الخوف هو حاكم الأرض وسيدها الجبار المطلق، فالشك رسوله، والمرض من حوارييه، والموت هو الباب المفتوح على الرحمة.

    حتى هذه الرحمة تَرَف عظيم إنما الخوف من الموت أقسى من الموت، والخوف من المرض أعنف من المرض، والخوف من الحياة هو الاستعداد اليومي للموت.

    وليست الصفحات الأولى من الصحف كل يوم إلا شهادة دفن القراء في جلودهم يومًا بعد يوم، ولكننا لا ندري.

    7

    وفي الصفحة الأولى أن فتاة جميلة فشلت في حبها فقررت أن تموت فقد رأت حبيبها مع فتاة أخرى هي صديقتها، فقررت أن تموت يأسًا من حبيبها الخائن وصديقتها الخائنة، أي بدلًا من أن تقتل القاتل قتلت القتيلة، وجاءتها أمها في آخر لحظة تبكي، طبعًا تبكي، فالأم الأمريكية عندها قلب أيضًا، وامتدت يد الابنة في لحظاتها الأخيرة تقول لها: لا تقلقي يا أمي، أنا أردت ذلك.

    وتقول الأم: بل أبكي لأنك أردت ذلك، كيف لا أبكي..؟

    وعلى مسافة مائة متر من المستشفى الذي ماتت فيه هذه الحسناء يوجد متحف المتروبوليتان، وفي صدر الجانب الفرعوني، توجد ورقة بردي عمرها أربعة آلاف سنة، الورقة عبارة عن خطاب من فتاة مصرية عمرها 14 سنة، تقول لأمها: إنني بخير يا أمي إنها وعكة وتزول، لا تقلقي.

    ولا توجد أم لا تقلق على ابنتها حتى لو كان عمرها مائة سنة ولها مائة حفيد. فالأم كذلك إلى الأبد، إن الطفلة تولد أمًّا.

    ولو عرفت الأم عذاب الأمومة لاشترت الأطفال، ولكن لا حيلة لها في أن تكون أمًّا، ولا حيلة لها في أن تحمل وأن تلد وأن ترضع وأن تتعذب وأن يتكرر ذلك ألف مرة. فالأم هي الحياة، والرجل هو الذي يطور الحياة، أسلحة الحياة وأسلحة الموت أيضًا. ولابد من رجل وامرأة: هي تحفظ الحياة وهو يغير أشكالها لكي تكون أفضل أو أتعس.. لكي تعيش الملايين ولكي يحصدهم الموت أيضًا، ومن عجيب أمر الإنسان أنه هو الحيوان الوحيد الذي ينام مع عدوه في فراش واحد، ويلقى من المجتمع احترامًا عظيمًا لذلك.

    فيلم عن السادات مرة أخرى.. لماذا؟!

    أهينت مصر في فيلم «السادات» الذي عرضه التليفزيون الأمريكي على مرتين في أربع ساعات: فثورة مصر هزيلة وزعيمها جمال عبد الناصر مجنون.. أما حياة السادات فهي «فبركة» سريعة، رغم أن قصة حياته مطبوعة في أمريكا وفي لغات أوروبية وآسيوية عديدة. أما شوارع القاهرة فقد ملأها الفيلم بشعب استوردوه من المغرب خصيصًا لهذا الغرض. حتى نطق اللغة الإنجليزية في هذا الفيلم كان أقرب إلى نطق الهنود.. وربما كان المشهد الوحيد الذي يدل على أن واحدًا من الذين أنتجوه قد جاء إلى القاهرة، هو: الأطفال يستحمون في الترعة والأمهات يملأن البلاليص.

    ونقلت عشرات المجلات الفنية في أمريكا ما كتبته في هذا المكان عن الفيلم. وفي نفس الوقت هاجمته الصحف الأمريكية؛ لأنه أساء إلى المشاهد الأمريكي والعربي، وزيف السيرة الذاتية للسادات، وشوه وجه مصر الحديثة.. فما هو المعنى؟

    إنه الاستخفاف والاستغلال؛ الاستخفاف بالرأي العام الأمريكي والعالمي الذي احترم الرئيس السادات لشجاعته وصدقه في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، واستغلال حادث اغتياله بإنتاج سريع لهذا الفيلم الذي حفظ معلوماته من أي سائح ، وأعطيت لأي أحد ليكتب حوارًا وسيناريو في أي بار بأي مطار بين هوليوود والمكسيك! وهكذا ظهر فيلم تليفزيوني رخيص التكاليف والقيمة الفنية والتاريخية..

    وأوفدت شركة كولومبيا، التي أنتجت الفيلم، عددًا من المندوبين إلى القاهرة يطلبون مني المزيد من التفاصيل عن عيوب الفيلم وكيف تلقاه الناس في مصر. ونشرت مئات المجلات الفنية والصحف ما قلته، ثم جاءت السيدة جوان بورستن عن صحف لوس أنجلوس، واتصلت بي من هوليوود السيدة روزا دونالدسن، وهي لبنانية الأصل، تقول: إن شركة كولومبيا لم تتصور أن فيلم «السادات» سيئ إلى هذه الدرجة، ولا أنه سوف يغضب هذا العدد الكبير من الصحف والناس.. وإنها لذلك قررت إنتاج فيلم جديد عن «السادات» يتكلف عشرين مليون دولار، يعتمد على كتاب «البحث عن الذات».. وإنها كلفت نفس المجموعة التي أنتجت فيلم «غاندي» على أن يتم تصويره في مصر، وبعد موافقة وزارة الثقافة المصرية على المادة التاريخية والحوار والسيناريو.. إلخ.

    إذن فلقد أدركت شركة كولومبيا المطب الذي تدحرجت إليه، وكيف أنها غامرت بسمعتها العالمية؛ ولذلك تريد أن تصلح ما فسد من سمعتها، وأن تسترد جمهورها العريض في أمريكا وفي العالم.

    ولو عرض هذا الفيلم في مصر لكان الغضب عليه عامًّا، لما أصاب الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات والروس ورجل الشارع المصري. وقد يدفعنا الغضب إلى سحبه من دور العرض، وقد نقاطع شركة كولومبيا، وتكون المقاطعة هي الصورة المتكررة للتضامن العربي..

    أما بعد المقاطعة فلا شيء!

    وفي سنة 1959قابلت مارلين مونرو في هوليوود وقد لقنوها أن تستنكر مقاطعة مصر لأفلامها، ولم أكن أعرف ذلك، فليس في أفلامها شيء يخدش الحياء أو الدين أو التاريخ العربي والإسلامي. ومن المؤكد أن مارلين مونرو لا تعرف أين توجد مصر على الخريطة، ولا كم عدد دور العرض في مصر ولا في العالم العربي، ولا حجم الخسارة - إن كانت - التي سوف تلحق بالشركة التي أنتجت أفلامها.. هل قاطعناها في ذلك الوقت بسبب أفلام إليزابيث تايلور التي تحولت من المسيحية إلى اليهودية؟ هل بسبب فيلم «كليوباترا» ملكة مصر، وهو من أروع أفلام العصر في الأبهة والفخامة والإشادة بعظمة مصر؟

    وليست للمقاطعة العربية قواعد معروفة، ولكن ليس أسهل من أن تقاطع فيلمًا أو ممثلًا أو مؤلفًا، وتكون المقاطعة في تصورنا هي الحكم عليه بالإعدام؟!

    ولكن هل تفكر مصر في إنتاج فيلم عالمي عن ثورة يوليو أو عبد الناصر أو السادات أو محمد علي أو قناة السويس أو السد العالي أو الخديوي إسماعيل، فتكون المادة التاريخية من عندنا والسيناريو والحوار، ويكون التصوير والإخراج والإنتاج عالميًّا؟

    لا أظن أننا سنفعل، فنحن لم ننتج فيلمًا عن حرب أكتوبر- أعظم الانتصارات العربية العسكرية والسياسية- ونحن لم ننتج هذا الفيلم؛ لأننا لم نسجل وقائع هذه الحرب. ونحن لم نسجل وقائعها؛ لأن التاريخ لا يهمنا، وهو لا يهمنا لأننا لم نشارك في صنعه. فقط بضعة آلاف من العسكريين، عاشوا وماتوا على حدود مصر، وعندما انتهت الحرب كانت مثل نهاية حرب فيتنام، بعيدة عن العقل والقلب، فلا رأينا ولا سمعنا ولا بكينا حزنًا ولا فرحًا بنجاة أحد!

    مع أننا نحن العرب لا تنقصنا المادة: التاريخ والفلوس، لكي ننتج فيلمًا عن الملك عبد العزيز آل سعود وعن صلاح الدين وعن فجر وصبح وظهر الإسلام. وفي نفس الوقت لا نريد من أحد أن يفعل شيئًا، فعندما تم تصوير فيلم عن الرسول عليه الصلاة والسلام في ليبيا؛ عجلنا بتكفير الممثل والمخرج والمصور والمنتج مع أن الفيلم مجهود ضخم لعرض ما يمكن تصويره من تاريخ الإسلام، وعندما ظهر فيلم «عمر المختار» البطل الليبي، لا أحد شكر القائمين على إنتاجه، ولا أحد تمنى لمصر شيئًا من ذلك عن عرابي أو سعد زغلول.

    والموقف العربي الموحد هو الرفض الصامت أو الغضب الصامت.. أو اللامبالاة التي هي صمت بغير غضب..

    وظهر فيلم «لورانس العرب» وشارك فيه عمر الشريف، ولم يقل لنا أحد ما هي العيوب الفنية والمغالطات التاريخية في هذا الفيلم الذي عرض وجهة نظر الإنجليز في بطلهم الشاذ ت. إ. لورانس..

    وقبل ذلك ظهر فيلم «بلقيس ملكة سبأ» بطولة يول براينر الذي قام بدور الملك داود، وجينا لولو بريجيدا التي قامت بدور بلقيس. والفيلم يعرض وجهة نظر يهودية. وسكت العرب والمسلمون عن لا ونعم.

    ولا أعرف إن كانت الشركة الأمريكية جادة في إنتاج فيلم جديد عن السادات أو عن مصر في عهد السادات، أي عن محاولة السادات رَدَّ اعتبار مصر والثأر لها، ليكون له دور عالمي في تحقيق السلام بحرب أكتوبر وزيارة القدس.. وعن الزلزال السياسي والديني في المنطقة العربية، مما أدى إلى إطلاق رصاص ديني على زعيم سياسي في عيد عسكري أمام قبر مجهول، وبذلك يضيف التاريخ قبرًا آخر لجندي معروف، فيجد السادات من الحفاوة والذكرى أضعاف الذي كان يلقاه لو أنه في غير المكان والزمان..

    فهل تلقى الشركة الأمريكية من المساعدة الرسمية، ما لقيه منتجو فيلم «غاندي» في الهند؟ أعتقد أنها سوف تلقى مساعدة من كل الهيئات؛ لأن أي فيلم عن زعيم، هو فيلم عن الشعب الذي يتقدمه الزعيم، فأكثر الفيلم عن الشعب، وأقله عن القائد السياسي أو العسكري..

    منذ أيام رأيت فيلمًا فرنسيًّا بعنوان «بترول... بترول» ولابد أن غيري قد شاهده فأغضبه تمامًا.. فالفيلم تهريجي واسع الانتشار يسخر من أمراء البترول.. حتى الخليج ليس به ماء.. وإنما بترول. فإذا أنت ملأت زجاجة من الخليج وألقيتها على موتور يتصاعد منه الدخان، فإنها تنسف السيارة كلها.. ورغم وجود البترول في كل مكان فإن سيارة الأمير يدفعها من الوراء رجال حاشيته.. ومن الأمام تجرها الجمال..

    ويبدأ الفيلم بما ينتهي به، ففي كل مرة يصعد الأمير أو يهبط من الطائرة، يجد الأجانب جميعًا قد وقفوا على جانب البساط الأحمر وانحنى واحد منهم يضع الورنيش على جزمة الأمير، بينما ينحني الآخر بالفرشاة لتلميعها.. ويقف رجال الحاشية ينتظرون الركوع على أحذيتهم!

    أما كيف قرر الأمير رفع سعر البترول؟.. فهذا القرار العالمي اتخذه بالصدفة أو بالنزوة، فقد سارع طفل صغير يحمل باقة ورد يقدمها له قبل نزوله من الطائرة، ويلتقط الأمير وردة ويعد وريقاتها فتكون سبعًا، هنا يقرر الأمير رفع السعر العالمي للبترول ٪7!!.

    ثم يقرر الأمير أن يقامر، فيسارع هذا الطفل ويعطيه فرنكًا. ويتفاءل الأمير بهذا الفرنك. ويكسب الأمير في تلك الليلة ملايين الدولارات، وفي تلك الليلة يطلب الأمير طبق عجة، ويعلن مدير الفندق أن المطبخ قد أغلق أبوابه، فقد انتهت ساعات العمل الرسمية، ويشكو الأمير هذا الموقف إلى إدارة الفندق في نيويورك، ويتلقى الفندق أمرًا بفتح المطبخ وأن يقوم المدير نفسه بإعداد العجة، مع الاعتذار المناسب لسمو الأمير.. ويلتقي الأمير بهذا الطفل، الذي جلب له الحظ، فيشتري له الفندق ويقدمه هدية له!

    ويهتدي الأمير إلى ابنة غير شرعية من سيدة فرنسية فقرر أن يجعلها ولية العهد، وأن ينصبها أميرة في الطائرة على البلاد! وكانت

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1