السيدة الأولى
By أنيس منصور
()
About this ebook
أنيس محمد منصور (18 أغسطس 1924 - 21 أكتوبر 2011)، كاتب صحفي وفيلسوف وأديب مصري. اشتهر بالكتابة الفلسفية عبر ما ألّفه من إصدارت جمع فيها إلى جانب الأسلوب الفلسفي الأسلوب الأدبي الحديث. كانت بداية أنيس منصور الأدبية مع القرآن، حيث حفظه في سن صغيرة في كتٌاب القرية وكان له في ذلك الكتاب حكايات عديدة حكى عن بعضها في كتابه «عاشوا في حياتي». كان الأول في دراسته الثانوية على كل طلبة مصر حينها، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة برغبته الشخصية بقسم الفلسفة الذي تفوّق فيه وحصل على شهادة الإجازة الجامعية في الآداب عام 1947. عمل أستاذاً في القسم ذاته في جامعة عين شمس لفترة، ثم تفرّغ للكتابة والعمل الصحافي في مؤسسة أخبار اليوم.
Read more from أنيس منصور
أعجبني هؤلاء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsآه لو رأيت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأظافرها الطويلة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوأنا اخترت القراءة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتولد النجوم وتموت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشارع التنهدات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنحن أولاد الغجر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزى الفل أو أحزان هذا الكاتب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحلمنا الجميل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالماضي يعيش Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsانتهى زمن الفرص الضائعة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيا نور النبي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحيوانات ألطف كثيرًا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأعجب الرحلات في التاريخ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعذبون في كل أرض Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقالوا - الجزء الثانى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفي صالون العقاد كانت لنا أيام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلأول مرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلعلك تضحك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsألوان من الحب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsهذا الجيل ضاع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوالله زمان يا حب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأنت عنيف وأنا أيضًا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالذين هبطو من السماء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالذى خرج ولم يعد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأوراق على شجر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقلبك يوجعنى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتعال نفكر معًا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsدعوة للابتسام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsما الذي يريده الشباب Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to السيدة الأولى
Related ebooks
تكلم حتى اراك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنحن كذلك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفي انتظار المعجزة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقلب لا يمتلئ بالذهب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسنه أولى ثورة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح مصر.. وثائق التمكين الإخوانية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحول العالم في 200 يوم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأبو جلدة وآخرون Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsدرجات السلم التسع والثلاثون Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأجيال من بعدنا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأب الروحي: أسرار حياة يوسف ندا - المفوض السياسي للإخوان المسلمين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsغدًا نقفل المدينة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتاريخ السري للمافيا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكهنه المعبد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبينظير بوتو: ابنة القدر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاتنين.. اتنين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشمعة في كل طريق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاللعب غريزة منظمة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالطيب المجتهد والمجتهد الطيب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsثم ضاع الطريق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرحلة العمر: مصر وأمريكا.. معارك الحرب والسلام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعكلة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتاة عادية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيا نور النبي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحق المر ج 6 Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدكتور جيكل والسيد هايد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsليلة فى بطن الحوت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحيوانات ألطف كثيرًا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاسمي بولا: نادية لطفي تحكي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمالك ... مفيش Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for السيدة الأولى
0 ratings0 reviews
Book preview
السيدة الأولى - أنيس منصور
السيدة الأولى
العنــــوان: السيدة الأولى
المؤلــــف: أنيـــــس منصــــور
إشراف عام: داليا محمد إبراهيم
جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر
يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.
الترقيم الدولي: 977-14-2603-6
رقم الإيداع: 2004/2738
الطبعة الرابعة: إبريل 2010
21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة
تليفـــون : 33466434 - 33472864 02
فاكـــــس : 33462576 02
خدمة العملاء: 16766
Website: www.nahdetmisr.com
E-mail: publishing@nahdetmisr.com
1 - ولما خافت من الجنون
أهداها كتابًا عن الأمراض العقلية
اخترع الأمريكان وظيفة «رئيس» الولايات المتحدة الأمريكية. وضاق رؤساؤهم بالوظيفة واللقب. ووجدوا أن البيت الأبيض مثل الزواج، الذين في داخله يريدون أن يطفشوا والذين في خارجه يريدون أن يزحفوا إليه. فالسعيد من اقتحم الباب داخلًا وخارجًا.
ولكن أحدًا من الواقفين أمامه لا يصدق الهاربين من الأيام السوداء في البيت الأبيض.
يقول الرئيس هوفر: لقد شرفني خصومي مرة واحدة عندما اتهموني بأنني وحدي المسئول عن خراب أمريكا اقتصاديًّا وسياسيًّا!
يقول الرئيس ترومان: إنني أجلس هنا أحاول إقناع الشعب بأن يعمل ما هو واجب دون ضغط مني. هذه هي كل مهام رئيس الجمهورية!
يقول الرئيس كيندي: عندما يسوء كل شيء تشير أصابع الناس إلى الرئيس، وهذه التهمة هي التي يتقاضى عنها مرتبه!
يقول كيسنجر: أن تعرف رئيسًا واحدًا، إذن أنت تعرف كل الرؤساء!
يقول الرئيس ترومان: أحسست أنني عشت عمري خمس مرات في الأيام الأولى الخمسة في البيت الأبيض!
يقول الرئيس لنكولن: قالوا إنني ذاهب إلى جهنم لا محالة، ولم أكن أعرف أن جهنم هي البيت الأبيض!
يقول الرئيس بوكانان: إذا كنت سعيدًا لدخولك البيت الأبيض الذي أخرج أنا منه عائدًا إلى بيتي، أنت إذن أسعد إنسان في العالم!
يقول إيزنهاور: ما أروع هذا اللقب: الرئيس السابق!
يقول الرئيس شارل ديجول: كيف تحكم شعبًا يصنع 146 نوعًا من الجبنة؟!
ثم يقول الرئيس جون كيندي: ما أحقر وأقذر هذه الوظيفة: رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
* * *
وقالوا عن نائب رئيس الجمهورية: إنه يشبه آخر قطعة جاتوه في الطبق، كل واحد لا يريد أن يمد يده إليها، ولكن يجيء دائمًا واحد يفعل ذلك!
وقالوا: إنه فردة كاوتش احتياطي في أتوبيس الحكومة!
وقالوا: إنها الوظيفة الكبرى الوحيدة التي لا معنى ولا قيمة ولا خطورة لها!
وأحسن ما قيل: كان هناك أخوان: واحد هرب بحرًا إلى أوربا، والثاني أصبح نائبًا لرئيس الجمهورية، ومنذ ذلك الحين لم نعد نسمع بهما!
* * *
في مايو سنة 1789، وصل الرئيس واشنطون وزوجته مارتا على ظهر أحد الزوارق إلى رصيف نيويورك، العاصمة المؤقتة، انطلق 13 مدفعًا تحية للرئيس الجديد.
وكانت تمشي وراءه سيدة ممتلئة هي زوجته من ثلاثين عامًا - مارتا. وقد اعتاد الناس أن يروها معه منذ أيام الثورة الأمريكية.
وكانوا يهتفون بحياة الليدي واشنطون.
وعلى جانبي الطريق إلى بيته الذي استأجره وقفت الجماهير ترى الملك الأمريكي الجديد - وسط بين الملك وبين أي موظف كبير من صميم الشعب.
وكان الرئيس واشنطون يعلم خطورة وصعوبة الوظيفة، فهو يعمل كل شيء لأول مرة. والناس يرون كل شيء جديدًا عليهم.
والذين وضعوا الدستور الأمريكي، كانوا حريصين على عدم إعطاء رئيس الجمهورية سلطات كبيرة، وفي نفس الوقت عدم تجريده من السلطات.
وبسرعة استدعى الرئيس واشنطون عددًا من الشخصيات يستشيرهم في أمره، وكيف ينادونه . مثلًا: صاحب السمو رئيس الجمهورية..
وقيل: صاحب العظمة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حامي الحريات..
ولكن مجلس النواب رفض كل هذه الألقاب وأصر على: السيد الرئيس.
وحاولت الصحف أن تناديه: فخامة الرئيس..
ولكن الرئيس آدامز وجد في لقب: السيد الرئيس، إهانة له وتحقيرًا لشأنه كأنه موظف صغير!
وكذلك تناقش الرئيس واشنطون في ألقاب زوجة الرئيس فقالوا: المركيزة.. الليدي.. وأخيرًا اتفقوا: مسز واشنطون - وهذا يكفي.
أول مشكلة واجهت أول رئيس لأمريكا: ماذا يفعل بالجماهير التي تريد أن تراه، وتصافحه وتلمسه؟ هل يفتح الباب على الآخر لكل الناس كل الوقت؟ إن وقته لن يتسع لاستقبال ألوف الضيوف. فمتى يعمل؟!
واستدعى الرئيس واشنطون عددًا من الشيوخ والنواب يسألهم النصيحة، قالوا له: لابد من تحديد الزوار، وتحديد رد الزيارات، فوقته لن يتسع وفي نفس الوقت سوف يكون له أصدقاء، أو شلة خاصة تؤثر على نظرته للأمور وقراره بعد ذلك، وتقلل من هيبته..
لقد اكتفى الرئيس جون آدامز بحفلتين في الأسبوع. وكانت الصحف تنشر مواعيد الزيارة المفتوحة لكل الناس: يومي الثلاثاء والجمعة.. أما الأحد فإجازة.
وكان هناك نوعان من اللقاءات: أحدهما: يتقلد فيه الرئيس السيف ويضع القبعة. أما الثاني: فبغير ذلك..
وفي أول حفلة أقامتها مسز واشنطون كانت جالسة، والسيدات حولها والرجال، كأنها ملكة. أما الرئيس واشنطون فهو الذي يقدم الطعام والمشروبات وينتقل بين الضيوف. وبعد نهاية العشاء لم يعرف الناس ماذا يعملون؟ هل يخرجون قبل أن تخرج هي؟.. هل ينتظرونها حتى تخرج هي كما تفعل الملكات؟ ومن الذي سوف يعلن نهاية الحفلة؟..
ولكنهم فوجئوا بمسز واشنطون تقول: السيد الرئيس ينام في التاسعة، وأنا قبل ذلك بدقائق!
وخرجت، فخرجوا وراءها!
وكان بيت الرئيس مثل «دوار» العمدة مفتوحًا دائمًا، ويرى كل واحد أن يخطف ويصافح الرئيس، والسؤال عن صحته..
وكان على السيدة الأولى أن ترد الزيارة - زيارة أعضاء الشيوخ والنواب، وأن يكون ذلك في أسرع وقت حتى لا يغضب أحد. ففي يوم واحد ذهبت السيدة الأولى إلى سبعين أسرة!
وعادت إلى بيتها عند منتصف الليل فوجدت الرئيس نائمًا، أيقظته وسألها: هل غرقت في المحيط؟ قالت: ليس بعد!
وتقلب في فراشه وأحس أنها إلى جواره ليقول لها: من الذي أنقذك؟ قالت:
ليس بعد!
ونام الرئيس وعاد يكمل الحوار: ليس بعد! الغرق! أو النجاة!
قالت: الغرق!
قال: بل النجاة!
ونام الاثنان. وفي الصباح الباكر سألها: من الذي غرق؟ سمعتك تتحدثين عن شيء كهذا..
وقالت السيدة واشنطون: كانت هذه أول إشارة إلى طبيعة وظيفة رئيس الجمهورية!
ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره رئيس الدولة ورئيس الوزراء، كان يطلب إلى زوجته أن تساعده علنًا في الوظيفة الأولى، وسرًّا في الثانية.. حتى ظهرت السيدة الأولى بعد مائتي سنة في مجلس الوزراء وحتى ظهرت معه في كل مناسبة. وفي سنة 1982 ظهرت صورة كاريكاتورية لنانسي ريجان وقد وضعت على رأسها التاج!
وكان من واجبات السيدة الأولى أن تتوازن مع النشاط الاجتماعي للرئيس. فإن كان منطلقًا، تحفظت هي.. وإن كان شعبيًّا، تمسكت بالمظهر الملكي في عيون الناس.
وفي سنة 1930 أوقف الرئيس هوفر حفلات رأس السنة التي اعتاد الرؤساء أن يقيموها في البيت الأبيض. لقد وجدها مرهقة له ولزوجته..
وعندما تلقت مسز واشنطون هدية عربة، وافق الرئيس على أساس أن هذه الهدية ليست له.
* * *
والسيدة أبجيل زوجة الرئيس آدامز كانت شخصية مختلفة. ذكية.. طويلة اللسان، حاضرة البديهة موجعة. وكل شيء يقع لها تكتبه في مذكراتها المملوءة بالأخطاء النحوية والإملائية. فهي لم تتعلم إلا القليل جدًّا!
وصفتها إحدى مؤرخات البيت الأبيض تقول: كان لابد أن أذهب وأتحدث إلى جلالتها بعد أن أرتدي بذلة من الحديد، خوفًا من لسانها السام!
أما سبب معرفتها لأشياء كثيرة في الدولة، فلأن زوجها يتحدث إليها ويستشيرها في كل شيء.. ويطلب مساعدتها في كتابة خطبه الرسمية. لقد كان يعاملها على أنها «وزيرة دولة» - وزيرة بلا وزارة.
وكان الناس يعرفون ذلك ويتجهون إليها لحل مشاكلهم عند الرئيس. وأصبحت مادة للأغاني والمونولوجات والنكت. وكانوا يصفونها بأنها السيدة رئيسة السيد الرئيس!
ولم تحضر حفلة حلف اليمين لزوجها، فقد كانت تجلس إلى جوار أمه المريضة..
وكان من عادة أبجيل أن تنتقل بين الناس وبين البيوت وفي الحفلات تجمع للرئيس أخبار العاصمة وماذا يقال عنها وعنه.. فكانت جهازًا كاملًا للمعلومات وكانت دقيقة في معلوماتها.. فإذا سمعت قصة لم تصدقها، بعثت بمن يتحقق منها. أما متعتها الحقيقية فهي كتابة الخطابات والرد عليها.. لقد بعثت بعشرات الألوف من الخطابات في كل شيء ولكل واحد..
أما البيت الأبيض أيام الرئيس جيفرسون الذي حكم فترتين (1800 - 1809) فقد كان فوضى.. لا نظام ولا أناقة. ولا يعرف هو ما الذي يمكن أن يعمله؛ فقد كان أرمل. وهو يسبق الناس إلى الاعتذار عن كل شيء: ماذا أفعل لا توجد سيدة في البيت.. وفي الحفلات التي أقامها في بيته، كان يجلس هو في أي مكان من القاعة، والناس يجلسون حيث يشاءون. وبذلك حطم القواعد السابقة في الجلوس بالقرب من الرئيس حسب المركز والأهمية..
وكان يترك بعض الحفلات إلى السيدة مولي ماديسون، زوجة الرئيس المقبل. وعندما أصبح ماديسون وزيرًا للخارجية، أصبح وجودها في البيت الأبيض ضروريًّا. وقد اعتاد الناس على ذلك.
وكانت تقوم بهذا العمل بكفاءة، وعمرها 32 عامًا.
وكانت سيدة أنيقة رشيقة، تشتري فساتينها من باريس. أما نساء العاصمة الأمريكية فكن يتطلعن، وقلوبهن موجوعة حقدًا عليها..
والسيدة «دولي» آدامز، كانت قد تزوجت قبل ذلك - مثل زوجة واشنطون وزوجة جيفرسون. أبوها بقال. تزوجها أحد المحامين من أقاربها. وبعد سنوات من الزواج رزقا بطفل ثم مات، فانفصلا. وكان عليها وحدها أن تحفر طريقها إلى فوق. وكان لأمها فندق صغير، وكان ماديسون من المقيمين في هذا الفندق والمعجبين بابنتها دولي. وهو في الأربعين من عمره وأشهر رجال السياسة في ذلك الوقت. وكان أقصر منها بشبر، ووصفته هي بأنه العظيم الضئيل!
واستمر الزواج أربعين عامًا تجري فيها يمينًا وشمالًا متفانية في خدمة زوجها.
ويوم أصبح ماديسون رئيسًا لأمريكا أقامت «دولي» أولى حفلاتها. فحشرت ثلاثمائة مدعو في غرفة واحدة. كاد الناس يموتون، من شدة الحرارة، فحطموا إحدى النوافذ ليدخل الهواء، ووقفوا على المقاعد ليروا السيدة الأولى، ماذا ترتدي وماذا تقول ومن الذي تصافحه ومن الذي تقبله ويقبلها؟
وكانت حريصة على إرضاء كل الناس. وسمعها الناس تقول بصوت مرتفع: ولم لا؟!
وكان ذلك ردًّا على من طلب إليها قبلة من شفتيها.
كانت شعبيتها تستحق حسد عشرات من سيدات البيت الأبيض، قبل وبعد ذلك!
ورئاسة ماديسون كانت صعبة.. فلا يزال الإنجليز والفرنسيون يعترضون السفن الأمريكية ولا تزال المشاكل مشتعلة مع الهنود الحمر، وكذلك مشاكل الحدود. وفي سنة 1812 أعلن ماديسون الحرب على بريطانيا، ولكن ظلت السيدة الأولى تحمل «علبة النشوق» تقدمها لكل الناس. والنشوق مثل العيش والملح دليل على الإخلاص. تمامًا كما تقول: أكلنا عيشًا وملحًا.. فهم يقولون:
تنشقنا من علبة واحدة وعطسنا وقلنا معًا: يرحمكم الله!
وهي أول من زار العائلات التي انتقلت حديثًا إلى العاصمة واشنطون. وكان ذلك دليلًا على تواضعها، ثم استضافتهم في البيت الأبيض..
وجاءت من بعدها السيدة إليزابيث مونرو، وقررت ألا تستغرقها الحفلات والزيارات. وأنها لن تغير من عاداتها في الأكل والنوم والراحة، لأي سبب. وإليزابيث بنت رجل غني، وقد رأت الأغنياء من كل لون في أمريكا وأوربا. رأتهم جميعًا يعيشون حياة هادئة بلا زحام ولا ضوضاء، وقررت أن يكون البيت الأبيض، بيتًا وليس سوقًا للخضار.
وإذا كانت السيدة دولي شعبية، فإليزابيث سيدة أرستقراطية، وسوف تبقى كذلك. وهي أيضًا أنيقة. وعندما ذهبت إلى باريس وصفوها بالأمريكية الحسناء..
وظلت جميلة في الرابعة والخمسين عندما أصبح زوجها رئيسًا لأمريكا. وقد رسمها أحد الفنانين وفي الصورة يظهر عنقها وجانب من الصدر. أما النظرة فجريئة، وأما الشعر فقد تدلى ثلاث خصلات على جبينها. وكان الناس في زمانها يرون ذلك نوعًا من التهتك تمامًا، كما رأوا في الأميرة ديانا عندما جعلت فتحة الرقبة عميقة، وكذلك فتحة الظهر..
أما فساتينها فقد انتقلت بعد ذلك إلى المتاحف. ولم تستطع أية أمريكية مهما كانت غنية أن تلحق بها في مجالات الأناقة الباريسية.. وكانت ترتدي ملابس لا تناسب سنها، ولم يكن أحد يدري بالضبط إن كان شبابها بسبب الفساتين أو بسبب الأصباغ.. أو هي الرياسة!
وعند زفاف إحدى بناتها توقع أهل العاصمة أنها سوف تطلب إلى سيدات المجتمع أن يحضرن ويتفرجن ويقدمن الهدايا، ولكنها جعلت الحفل عائليًّا جدًّا. ووقف وزير خارجية أمريكا على باب البيت الأبيض يرد الناس الذين جاءوا بلا دعوة. جاءوا بحسن نية.
فعادت السيدات اللاتي ارتدين أحلى الفساتين وأغلى المجوهرات.. حتى اللاتي حملن معهن الهدايا، تركنها على الباب، ثم عدن يسترجعنها. وكان موقف وزير الخارجية صعبًا. فالدبلوماسية التي حاول الاستعانة بها ارتدت إليه لعنات عليه وعلى ساكن البيت الأبيض وعلى اليوم الذي قررت فيه أمريكا أن تختار عربجيًّا من الشعب، لا ملكًا ابن ملك!
والسيدة إليزابيث مونرو كانت تقضي معظم الوقت بعيدة عن البيت الأبيض، مع بنتيها.
وكانت التقاليد تقضي بألا تدخل البيت الأبيض سيدة أو فتاة في غياب السيدة الأولى!
وانتشرت الشائعات عن خلافات حادة بين الرئيس والسيدة الأولى، بسبب سفرها الكثير.. ولذلك كانت حفلات البيت الأبيض صمتًا طويلًا وانصرافًا مبكرًا، فلم يكن الرئيس مونرو يحسن الكلام والحوار أو يتذوق النكتة.
وكانت السيدة الأولى قد اتفقت مع وزير الخارجية على أن يشتري أثاث البيت الأبيض من باريس. ومات وزير الخارجية، ولم يجدوا عنده الأموال. وقرر الكونجرس التحقيق مع الرئيس مونرو، وأسفر التحقيق عن براءته، فهو لم يتابع ما يجري في بيته ولكنه فضح نفسه.. إنه مثل فتاة شريفة وقفت عارية أمام الناس!
أما السيدة «لويزة» زوجة الرئيس آدامز، فكانت تضيق بالزيارات والحفلات - تقيمها أو تذهب إليها. وكانت تقول: لو سكت النساء بعض الوقت.. لاسترحت واسترحن جميعًا. ولكن نصف وجه المرأة لسانها، ونصف حياتها كلامها، وهو نصف متاعبها، وكل متاعب زوجها!
وفي إحدى الحفلات الرائعة في البيت الأبيض سقط المصباح من السقف على كتفها، فغرق عنقها وصدرها وفستانها في الزيت.
وقالوا: إنها الآن ممسوحة بزيت البركة!
وكانت تقول في نهاية كل حفلة إنني أحرص على أن أودع الناس إلى ما بعد البيت الأبيض، لكي أراه بوضوح وأبصق عليه!
وكانت مارتا واشنطون تقول: أنا سجينة بيت الرئيس!
ولويزة آدامز قد ولدت في بريطانيا وإن كان أبوها أمريكيًّا. فهي غريبة النطق والعادات، وعندما بلغت الشواطئ الأمريكية في الرابعة والعشرين قالت: أعوذ بالله.. كانت أمريكا مثل سفينة نوح: فوضى وقذارة وضوضاء.
واكتشفت أن زوجها رجل عملي، ليس عنده أي إحساس مرهف، ولا تذوق للجمال، ولا رغبة في الهدوء. وكانت تضيق بضوضاء المجتمع، ويصمت زوجها. ولما قالت لزوجها: إنها سوف تصاب بالجنون، أهداها في اليوم التالي كتابًا عنوانه: مبادئ الأمراض العقلية!
ولم تكن تقرأ كثيرًا، ولكن الذي تقرؤه تفهمه جيدًا، وتتحدث عنه كثيرًا ويذهب عميقًا في نفسها وحياتها. فقد قرأت كتابًا عن ديانا عشيقة ملك فرنسا هنري الثاني؛ تقول لويرة آدامز: رأيت في هذا الكتاب صورة لحياتي. رأيت كيف أن القصر الملكي يفرض على الناس عادات وتقاليد من حديد، لا خروج عنها إلا بخروج الروح. وعرفت مدى قسوة وفداحة أن يضغط الآخرون على حياتك ويشكلوها على هواهم.فرفضت أن أكون واحدة من هؤلاء الضحايا!
وتقول: كلما حاولت أن أضيف شيئًا معقولًا اعترضوني قائلين: ولكن الدستور لا يسمح!
* * *
وكانت زوجات الرؤساء في السنوات الأولى للجمهورية شخصيات قوية وكن يشاركن في إدارة شئون الدولة من وراء الأبواب..
فالسيدة مارتا واشنطون عاكسها أحد الضيوف في حفلة عامة، فخرجت من الحفل وامتطت جوادها وعادت إلى بيتها ليلًا. وقبل أن تعود إلى البيت وقفت وراء إحدى الأشجار متوقعة أن يجيء وراءها أحد يعتذر لها، وفي هذه اللحظة قررت أن تنقض عليه بالكرباج!
وكانت أبجيل آدامز تقول: أتمنى من الله ولا يكثر على الله:
دورة مياه خاصة بي وحدي أدخلها وأخرج منها في أي وقت أشاء.. لا تهمني غرفة النوم في الدرجة الأولى، ولكن يهمني جدًّا أن أكون وحدي وعلى راحتي في دورة المياه!
ويوم هددت القوات البريطانية بدخول العاصمة، وتلقت تحذيرات بضرورة الانتقال من البيت الأبيض إلى أي مكان آخر، كانت تقول: ليس قبل أن أكمل برواز صورة الرئيس واشنطون!
أما السيدة إليزابيث مونرو فقد عين زوجها سفيرًا في باريس سنة 1794. وعلم أن المركيز لافييت قد أودعوه السجن بعد أن هرب وأمسكوه عند فيينا. وكان لافييت صديقًا للثورة الأمريكية.
وحبسوا زوجته ماري أدرين لافييت. وقررت إليزابيث مونرو الاتصال بالسيدة لافييت ومساعدتها بأي شكل، فاشترت عربة جديدة ذات ألوان صارخة، وانطلقت في شوارع باريس تسأل عن السجن.. والناس يلتفون حولها، وتعود تسأل والناس يتجمعون وراءها. وكانت الشوارع التي تمشي فيها من أولها تعود لتمشي في آخرها.. وهكذا التف الناس حولها وعرفوا أنها زوجة السفير الأمريكي، أرادت أن تساعد السيدة لافييت..
وانفتح باب السجن وتعانقت السيدتان واهتزت