Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

كهنه المعبد
كهنه المعبد
كهنه المعبد
Ebook407 pages3 hours

كهنه المعبد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يكشف الكتاب عن علاقة كبار الصحفيين والاعلاميين بالنظام الحاكم فى مصر مصورًا مؤسسة الرئاسة بالمعبد والصحفيين الكبار ورؤساء التحرير والاعلاميين بكهنة هذا المعبد الذين يتنافسون فى خدمته أحيانا وينقلبوا عليه أحيانا أخرى.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2016
ISBN9789771453826
كهنه المعبد

Related to كهنه المعبد

Related ebooks

Reviews for كهنه المعبد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    كهنه المعبد - محمد الباز

    Kahanah_fmt

    هيكل   

    – 1 –

    عملية اختطاف الرئيس عبد الفتاح السيسي

    في سبتمبر 2013 عرف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن المشير عبد الفتاح السيسي سيقوم بزيارة إلى ضريح عبد الناصر لإحياء ذكرى وفاته، فقرر أن يكون موجودًا.

    كان قرار هيكل غريبًا، فهو لم يشارك قبل ذلك في إحياء ذكرى ميلاد عبد الناصر ولا وفاته، اختار أن يكرم عبد الناصر ويدافع عنه بطريقته الخاصة، لكن يبدو أنه أراد هذه المرة أن يكون في مساحة واحدة مع الرجل الذي قررت الأقدار أن تدفعه إلى مقدمة المشهد السياسي في مصر ليعيد تشكيله مرة أخرى.

    صافح هيكل السيسي بحرارة، تبادلا بعض كلمات المجاملة العابرة، وانتهى الموقف العابر بالتقاط صورة تذكارية، أعتقد أن هيكل حرص على اقتنائها، ليضعها على جدران مكتبه بالجيزة، فهو مغرم بتسجيل لحظات لقائه برؤساء وزعماء وقادة العالم، ولما كانت الظروف لم تمنحه فرصة التقاط صورة رسمية مع السيسي وهو جالس إليه في وضع المتحدث، فقد لهث خلف التقاط صورة يمكن أن نصفها بالشعبية.

    في مارس 2010 عندما تولى اللواء عبد الفتاح السيسي رئاسة المخابرات الحربية، تحدث عنه هيكل في جلسة جمعت بعض مريديه، أثنى عليه وأشاد بشخصيته وكفاءته وقدراته، قال يومها إن المعلومات التي وصلته عنه مبشرة، وينتظره مستقبل كبير.

    بعد ثورة 25 يناير حرص المجلس العسكري على أن يعقد لقاءات موسعة مع عدد من الكُتَّاب الصحفيين، وتم تكليف اللواء السيسي وقتها بالجلوس معهم ليشرح لهم تفاصيل دور الجيش في الثورة، وما جرى على الأرض بالتفصيل.

    في واحدة من هذه الجلسات أبدى السيسي إعجابه الشديد بهيكل، وقال لمن حضروا إنه قرأ كل ما كتب هيكل، نقل أحد الموجودين (كاتب مقرب من هيكل) ما قاله السيسي عن الكاتب الكبير، وتم ترتيب لقاء بينهما، استمر ما يقرب من 3 ساعات، كان هيكل فيها هو المستمع، فقد أراد أن يعرف ما جرى في الكواليس من رجل لديه المعلومات، ويمتلك قدرة كبيرة على التحليل وتربيط الأمور بعضها ببعض.

    في الغالب انقطعت الاتصالات بين هيكل والسيسي، لم يحرص القائد العسكري أن يحتل الكاتب مساحة، لا كبيرة ولا صغيرة، اللهم إلا بعض الاتصالات القليلة التي تكشف جانبًا من جوانب شخصية السيسي، فهو مجامل، يقدر الآخرين، ويحرص على الاطمئنان عليهم.

    من بين ما جرى أن السيسي احتفل بعيد ميلاد هيكل التاسع والثمانين في مكتبه.

    القصة رواها عادل حمودة وحده في كتابه «خريف هيكل»، لم ينفها ولم يؤكدها أحد غيره.

    وما حدث باختصار طبقًا لما ذكره عادل أنه قبل أسبوع تقريبًا من عيد ميلاد هيكل التاسع والثمانين، تلقى الكاتب الكبير اتصالًا من ياسر علي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عارضًا عليه قبول دعوة الرئيس للاحتفال بعيد ميلاده يوم 21 سبتمبر 2012، وطلب منه اختيار ما بين 25 إلى 30 شخصية من المقربين ليشاركوه الاحتفال الذي سيقام في قصر الاتحادية، وتقبل هيكل الدعوة شاكرًا ومرحبًا.

    عرض هيكل على صحفيين وروائيين وسياسيين بينه وبينهم مساحة عريضة من الود أن يشاركوه هذا الاحتفال الفريد من نوعه، وبعد أن اختار القائمة بعناية، انتظر مكالمة أخرى من الرئاسة لتحديد التوقيتات والترتيبات، لكن المكالمة لم تأت.

    ينقل عادل حمودة عن أحد الأمناء برئاسة الجمهورية أن أسعد الشيخة نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية نقل الخبر إلى مكتب الإرشاد الذي رفض الفكرة شكلًا وموضوعًا، حيث تم التعامل معها على أنها تكريم لرمز من رموز دولة عبد الناصر المعادية لجماعة الإخوان وتوجهاتها.

    بعد عدة أيام من تراجع الرئيس الإخواني عن الاحتفال بعيد ميلاد هيكل – والكلام على مسئولية عادل حمودة – دعاه السيسي للاحتفال بعيد ميلاده في مكتب القائد العام، وبعد ساعات من الدعوة شعر سكان العمارة التي يسكنها هيكل على النيل بالقرب من شيراتون القاهرة بحركة أمنية غير عادية، فقد جاء رجال السيسي ليصطحبوا هيكل إلى مكان الاحتفال بعيد ميلاده لكن بمفرده، ودون صحبة من أتباعه ومريديه.

    انتهت رواية عادل حمودة، ولو صحت لكنا أمام إهانة وجهت لهيكل من الإخوان ورئيسهم، لكن يبدو أن التفاصيل لم تكن دقيقة؛ لأن هيكل في ديسمبر 2012 ذهب بنفسه إلى قصر الاتحادية، وجلس إلى محمد مرسي في جلسة ودية كما بدا من صور اللقاء، وكان اللقاء بعد أيام قليلة من مذبحة الاتحادية، وعندما سألته لميس الحديدي، في حوارها الممتد معه منذ سنوات، عن مغزى الزيارة، وكيف يدخل قصر الاتحادية ودماء الشهداء لم تجف بعد، استنكر ما قالته، قائلًا لها: عن أي دماء أنت تتحدثين؛ عن 9 أو 10 فقط؟!

    ما تشي به الأحداث هنا أن هيكل لم يكن غاضبًا من الإخوان ولا من رئيسهم، والدليل أنه تقبل الدعوة مرحبًا، وهي الدعوة التي جاءته بعد إلغاء فكرة الاحتفال بعيد ميلاده... ولا أدري هل احتفل به السيسي أم لا، وإن كان فعلها، فقد أقدم على ذلك من باب جبر الخاطر لا أكثر ولا أقل.

    ****

    يعتقد البعض أن خطة هيكل لاختطاف عبد الفتاح السيسي بدأت من اللحظة التي أذيع فيها بيان ما أسميناه بيان اللحظة الأخيرة، وهو البيان الذي أذيع قبل عزل محمد مرسي بـ 48 ساعة.

    وردت في هذا البيان جملة واضحة الدلالة على أن الجيش لن يترك الشعب بمفرده، كان نصها: «إن هذا الشعب لا يجد من يحنو عليه».. خمن البعض أن يكون صاحب هذه العبارة هو الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ففيها روحه وقدرته على صياغة عبارات ذات جرس وتأثير.

    لكن الحقيقة أن هيكل لم تكن له أي علاقة بهذه الجملة، وطبقًا لمصادر مقربة من خروج البيان إلى النور، تأكد أن صاحب العبارة هو عبدالفتاح السيسي نفسه، وقد بدا للجميع بعد أن تحدث السيسي للناس مباشرة أن هذه لغته وكلماته ومفرداته.

    لكن هذا لم يمنع أن يستغل هيكل ما تردد عن صياغته للبيان في التأكيد على أنه مستشار السيسي ودليله الروحي وليس على أنه صديق له، وحتى عندما نفى أن يكون كاتب البيان، لم يكن نفيه قاطعًا ولا حاسمًا.

    أعتقد أن محاولة اختطاف هيكل لعبد الفتاح السيسي بدأت قبل هذا، وتحديدًا في نهايات نوفمبر 2012، بعد صدور البيان الديكتاتوري الذي حصد فيه مرسي كل السلطات، وحصَّن نفسه تمامًا، وقتها اشتعلت الساحة السياسية، مما دعا المجلس العسكري إلى أن يدعو فرقاء السياسة إلى غداء في فندق الماسة لتذويب الأزمة.

    وهنا لابد أن نتوقف قليلًا.

    في أحد حواراته التليفزيونية قال هيكل نصًّا: «وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ألغى دعوته للحوار ( يقصد الدعوة التي تبناها السيسي للحوار بين القوى السياسية في نهايات نوفمبر 2012 ) بعد أن استشعر أن بعض القوى السياسية قلقة من عودة الجيش للعملية السياسية، وأعتقد أن القيادة العسكرية أخذت المبادرة ثم اتصلت بالرئاسة وخشيت لأن التجربة قريبة زمنيًّا من هتاف رفض الحكم العسكري ولهذا ألغيت الفكرة».

    لا يتوقف هيكل عند هذا، ورغم أن ما ذكره عن سبب إلغاء دعوة السيسي للحوار ليس صحيحًا جملة ولا تفصيلًا، فإنني سأواصل إثبات ما قاله، وهو هنا يطل برأسه علينا من جديد.

    يقول هيكل: «اتصلت هاتفيًّا بالفريق أول عبد الفتاح السيسي وأبلغته أنني أستطيع أن أفهم دوافعه لدعوة القوى السياسية رغم عدم موافقتي على هذا القرار خاصة في ظل المناخ السائد، وكذلك التوقيت، وأشياء كثيرة؛ من بينها تخوفي من استعادة تجربة الهتافات الرافضة للحكم العسكري».

    لم يلغ السيسي الدعوة بسبب ما قاله هيكل على الإطلاق، وهنا أثبت ما قاله مصدر مقرب من السيسي نفسه.

    كنت أستمع منه إلى تفاصيل المواجهة التي جرت بين عبد الفتاح السيسي وخيرت الشاطر في 26 يونيو 2012 في مكتب وزير الدفاع، وهي المواجهة التي حضرها سعد الكتاتني بوصفه وقتها رئيسًا لحزب الحرية والعدالة.

    المواجهة بين وزير الدفاع والنائب الأول لمرشد الإخوان كانت ساخنة وحادة، قال السيسي: «عندما حاولت القوات المسلحة أن تدعو إلى مائدة حوار بين الجميع، رفضتم ذلك، وعلمت أن د. محمود عزت اتصل بالرئيس وطالبه بإلغاء الحوار، وعرفت أيضًا أنك لم تكن مشجعًا لهذا الحوار، بالرغم من أنني تحدثت مع د. أحمد عبد العاطي ( مدير مكتب الرئيس) وأبلغته بالهدف من وراء الحوار، فاتصل بي الرئيس محمد مرسي بنفسه وأيد الفكرة، لكنكم تعمدتم وضع القوات المسلحة في موقف صعب ومع ذلك تحملنا الإهانة وصمتنا».

    ما الذي نخرج به من كلام السيسي الواضح الذي لا يقبل تأويلًا؟

    نفهم منه ببساطة أن ما ردده هيكل عن اتصاله بالسيسي ودوره في إلغاء اللقاء لم يكن صحيحًا بالمرة، وأن هيكل لم يقل الحقيقة على الإطلاق، فالسيسي لم يلغ فكرة الحوار، ولكن الإخوان هم من أفشلوه، وقد أكد لي بعض من وصلتهم الدعوة إلى الحوار أنهم كانوا في طريقهم إليه، إلا أن اتصالات هاتفية من القوات المسلحة اعترضت طريقهم وأخبرتهم بإلغاء مائدة الحوار إلى أجل غير مسمى.

    والسؤال: هل حاول هيكل في لحظة ما أن يختطف السيسي لحسابه؟

    أعتقد أنه حاول أن يفعل ذلك، وهو ما حاوله الناصريون أيضًا، فقد حاولوا تصوير الرجل على أنه ناصري وأنه من سيكمل ما بدأه عبد الناصر، رغم أن الرجل فعليًّا لا يعتنق أيديولوجية معينة، بل هو أقرب إلى المشروع الوطني الذي يقوم على استقلال الوطن وتحرير إرادة المواطن، وإذا كان هناك تشابه بينه وبينه عبد الناصر في شيء، فهذا ليس معناه أنه ناصري أو يريد أن يكمل ما بدأه عبد الناصر.

    ****

    يتحدث هيكل طوال الوقت في لقاءاته التليفزيونية والصحفية عن اتصالات ولقاءات تجمعه بالسيسي، يستخدم طوال الوقت، أنه قال للرئيس وأن الرئيس قال له، وهنا قد تكون مفاجأة للبعض.

    لن أعتمد على ما قاله عادل حمودة عن أن العلاقة بين هيكل والسيسي لا تتعدى كونها مجرد مكالمة تليفون، يتم فيها الاطمئنان المتبادل على أخبار هيكل الصحية، من بينها مكالمة أجراها السيسي مع هيكل ليطئمن منه على حالة السيدة هدايت تيمور زوجته، التي كانت قد سافرت في رحلة علاجية.

    ولكني سأعتمد على حوار قصير دار بيني وبين مصدر مقرب من السيسي، وهو صاحب موقع مميز عنده.

    جرى هذا الحوار قبل الانتخابات الرئاسية، وقتها كان يتردد أن هيكل هو من وضع البرنامج الانتخابي للسيسي، وهو بالمناسبة البرنامج الذي لم يكن موجودًا.

    سألت المصدر: هل هيكل هو من وضع البرنامج الانتخابي للسيسي؟ فرد بحسم: لم يحدث. وأضاف أن السيسي لم يلتقِ بهيكل ولا يتواصل معه تليفونيًّا، ولو جرى هذا لكنت عرفت بحكم موقعي، وعلى مدى الشهور الماضية، لم يطلب مني السيسي أن أتصل بهيكل، ومادمت لم أتصل بهيكل ليتحدث معه السيسي، فإن أحدًا آخر لم يتصل به مطلقًا.

    قلت له: وإذا كان هذا ما حدث فلماذا لا يرد أحد على هيكل الذي يوحي طوال الوقت بأنه على علاقة وثيقة بعبد الفتاح السيسي، وأن الاتصالات التليفونية بينهما لا تنقطع؟

    وكانت الإجابة رغم بساطتها مفاجئة لي، قال: ما شأننا نحن بذلك؟ هو يقول ما يريد أن يقوله، يتحدث عن اتصالات ولقاءات لم تحدث، هو حر فيما يفعله ويقوله للناس، ثم إنه يحاول التأكيد على أن صداقة كبيرة تجمعه بالمشير، أنا أعرف أن هذا ليس حقيقيًّا على الإطلاق، ليس من شأننا أن ننفي ما يقوله، عليه وحده أن يثبت للناس الذين يتحدث إليهم صدق كلامه، أما نحن فلا شأن لنا بما يقوله على الإطلاق.

    ****

    رغم السنوات الطويلة التي عاشها هيكل بعد وفاة عبد الناصر، فإنه لا يزال أسيرًا لفكرة واحدة؛ وهي أن يكون رجل السلطة الأول في الصحافة، يصور نفسه على أنه من يفكر لها، وأنه يقف وراء كل قرار تأخذه، لا يكف الرئيس عن الاتصال به، ليحصل على رأيه ومشورته، أبعدته الظروف السياسية والتعقيدات النفسية عن المشهد، لفظه السادات، ولم يرتح له مبارك، وحاول مرسي أن يستوعبه ربما بتخطيط من ياسر علي الذي كان يريد مد خطوط جسور تفاهم بين الرئاسة والمثقفين والصحفيين، لكن مكتب الإرشاد وقف له بالمرصاد.

    وعندما جاء عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة، حاول هيكل أن يعيد سيرته الأولى، لكنه وجد الطريق مغلقًا أمامه تمامًا، وضع نفسه متعمدًا في قلب الأحداث، لكن السيسي لم يتجاوب معه بالقدر الذي يُرضي غرور وطموح الأستاذ، فخرج هيكل عن وقاره وهدوئه ورزانته في التعامل مع النظام المصري كله.

    – 2 –

    الناصح العجوز ... كيف تحول التحليل السياسي

    إلى كيد نساء؟

    عندما تصاعدت الصراعات بين هيكل ومبارك في السنوات الأخيرة التي سبقت ثورة 25 يناير، خرج عماد الدين أديب بتخريجة لسبب الخلاف؛ أن هيكل غاضب من مبارك جدًّا، لأنه طلب منه مبكرًا أن يكون مستشارًا سياسيًّا له، لكن الرئيس رفض، ولذلك فالأستاذ يتعامل بحقد شديد ويعمل بدأب على الإساءة للنظام وكل من يعمل معه وله.

    لم يبادر هيكل بالرد، انتظر من يسأله، وعندما جاءته الفرصة قال: لم أطلب من مبارك أن أكون مستشارًا له؛ لأنه ليس لديَّ أي وقت لذلك.

    أعتقد أن كلام عماد الدين أديب لم يكن دقيقًا إلى درجة كبيرة، فما جرى على الأرض أن هيكل حاول أكثر من مرة أن يقترب من مبارك، لكنه وجد الطريق مغلقًا، ولعل دراويش هيكل يذكرون سلسلة الحوارات التي أجراها مع جريدة أخبار اليوم في عام 1986 تمهيدًا لعودته للكتابة مرة أخرى.

    في هذه الحوارات أثنى هيكل على مبارك، وفي الحلقة الثانية التي نشرت تحديدًا في 4 يناير 1986، قال نصًّا: « لعلي أقول إنني أعطي الرئيس مبارك كثيرًا من الفضل، ولكن علينا أن نحدد بالضبط موجبات الاعتراف بالفضل.

    ويعدد هيكل أفضال مبارك، والكلام له في الآتي:

    * لصالح مبارك أولًا أنه أتى إلى الحكم في لحظة مفعمة بالقلق وكان محتفظًا بتوازنه.

    * ولصالح الرئيس مبارك ثانيًا أنه قدَّم نفسه للناس بطريقة طبيعية وهادئة، في حين أن المناخ السائد حوله في ذلك الوقت كان استثنائيًّا وعصبيًّا.

    * ولصالح الرئيس مبارك ثالثًا أنه دخل مكتبه ودرجة الحرارة في مصر قرب درجة الغليان، فإذا هو يستطيع، بجهد لا شك في إخلاصه، تخفيض درجة الحرارة إلى درجة شبه عادية.

    * ولصالح الرئيس مبارك رابعًا أنه لم يحاول اعتراض طريق التطور الطبيعي لحركة القوى الاجتماعية في مصر بطريقة خشنة أو عنيفة.

    * ولصالح الرئيس مبارك خامسًا أنه مارس مهنته بالحذر المهني المكتسب من تجربته الطويلة السابقة على دخوله معترك السياسة، ومن هنا كانت الأولوية التي أعطاها لعنصر السلامة والأمان، وكان مثل ذلك الحذر ضروريًّا في الظروف التي تحمَّل فيها أعباء مسئوليته.

    بعد هذا الحوار كتب هيكل ثلاثة مقالات، توقف بعدها، لقد حاول أن يقدم نفسه بطريقة جديدة إلى الرئيس مبارك، لكنه رفض تمامًا أن تكون هناك أي مساحة من التقارب بينهما.

    كان لدى مبارك رأي واضح ومحدد في هيكل، نقله عنه مستشاره السياسي أسامة الباز، كان الرئيس الأسبق يرى أن هيكل لا يعمل إلا لنفسه فقط، وأنه مستشار غير أمين، كما أنه يخون من يحسنون إليه، وكان يستشهد دائمًا بما فعله هيكل مع السادات، فلأنه أخرجه من الأهرام، أساء إليه إساءة بالغة، وكان مبارك يقصد كتاب الأستاذ الأسود «خريف السادات».

    للموضوعية والإنصاف لا أعرف على وجه اليقين كيف ينظر عبد الفتاح السيسي لهيكل، لقد قرأ كل ما كتبه على حد ما قاله هو، لكننا لا نستطيع أن نتجاهل نظرة العسكريين -وتحديدًا الأجيال الجديدة منهم- لما يكتبه هيكل عن معارك الجيش المصري، فهو ليس منصفًا لهم، كما أنه يكتب عما جرى بغير الحقيقة، بما ينتقص أحيانًا من إنجاز الجيش، ولذلك تجد رأيًا سلبيًّا لدى معظم القادة العسكريين فيما كتبه هيكل.

    هناك خيط يمكن أن نمسك به جيدًا، أعرف أن عبد الفتاح السيسي من المعجبين الكبار بالمشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، يقدر له مكانته العسكرية والاستراتيجية وفكره وسماته الشخصية، ومن بين ما كان يعرفه عن أبو غزالة أنه لا يحمل تقديرًا لهيكل؛ لأن أبو غزالة لم يمكِّن هيكل من تحويله إلى مصدر من مصادره، كان يرفض الجلوس إليه والحديث معه؛ لأنه كان يعرف أنه ليس منصفًا تمامًا.

    على جناح التحليل يمكن أن أجزم بأن السيسي لا يطمئن لما يقوله هيكل، وقد يكون هذا هو سر الجفوة السياسية بينهما، فهيكل فعليًّا لا يلعب دورًا مباشرًا على الإطلاق في مسيرة السيسي السياسية، فهو ليس مستشاره ولا مرشده ولا ناصحه.

    البعد السياسي بين هيكل والسيسي أدى إلى أن يكون هناك بعد نفسي بينهما؛ ولذلك لم يكن غريبًا تفسير ما حدث من الأستاذ خلال الانتخابات الرئاسية، كان سكان عمارة الجيزة التي يوجد فيها مكتب هيكل قد علقوا صورة كبيرة للمرشح الرئاسي على مدخل العمارة، نزل هيكل من سيارته، ففوجئ بالصورة في وجهه، فطلب من سائقه أن يزيل الصورة، وعندما عرف سكان العمارة بما جرى أعادوا الصورة مرة أخرى، وعاتبوه بعنف، رافضين سلوكه، دون أن يعرفوا تقريبًا الأسباب التي دفعته إلى هذا السلوك الغريب.

    يمكن أن يتاجر هيكل ببعض لقاءات ومكالمات جرت بينه وبين السيسي قبل أن يصل إلى كرسي الرئاسة، لكن من الصعب أن يفعل الشيء نفسه بعد أن وصل السيسي إلى قصر الاتحادية، فمنذ أن أصبح السيسي رئيسًا لم تحدث مقابلات بينهما، ولم يدع هيكل إلى الاجتماعات التي أجراها السيسي مع الإعلاميين والكتاب والمثقفين، ويمكن أن تقول إن هيكل حتمًا سيرفض أن يجلس إلى جوار إعلاميين آخرين، وساعتها سأقول لك، إنه حتى لم يدع بشكل منفرد إلى لقاء مع الرئيس، رغم مرور أكثر من عام ونصف على رئاسة السيسي، والمعنى الوحيد الذي يمكن أن نخرج به من ذلك، أن السيسي فعليًّا ليس في حاجة إلى أن يستمع من هيكل.

    ولعل هذا هو ما جعل هيكل يلجأ إلى أن يبث نصائحه عبر التليفزيون، في حديث ممتد مع لميس الحديدي، عبر برنامج «مصر أين ... وإلى أين؟»... ومن حقي هنا أن أقول إن هيكل ما كان له أن يلجأ إلى أن يوجِّه النصح علنًا للسيسي عبر التليفزيون، إلا لأن القنوات المباشرة بينهما قد سُدَّت تمامًا.

    ****

    من بين ما يميز هيكل أنه طوال الوقت رجل معلومات، لا يزال الصحفيون المصريون يستشهدون بما حدث في مؤتمر باندونج في عام 1955، عندما دخل الصحفيون عليه وهو يجلس مع عبد الناصر، فتوجهوا إلى الرئيس غاضبين؛ لأنه يخص هيكل دونهم بأخبار وأسرار وكواليس ما يحدث في المؤتمر، فرد عليهم عبد الناصر – ربما ساخرًا – أن هيكل هو الذي يمده بالأخبار.

    واصل هيكل منهجه في أن يكون مصدرًا للأخبار طوال الوقت، وأذكر أنني عندما كنت أجلس معه في حديقة بيته الريفي ببرقاش، أن أحد معاونيه كان يقطع حديثنا كل ربع ساعة، يعطيه ورقة ينظر فيها، ثم يحدد بقلمه على بعض العناصر بها.

    سألته عما يحدث، فقال ببساطة، إن معاونه يأتيه كل ربع ساعة بآخر الأخبار والمعلومات التي تبثها وكالات العالم، ليكون على علم بكل ما يجري في العالم وهو جالس في حديقته، وربما يفعل هيكل هذا حتى الآن، خاصة أنه لا يتعامل مع شبكة الإنترنت ووسائط الأخبار المتعددة التي تمكنه من أن يعرف كل ما يحدث في العالم دون أن يحتاج إلى معاونين.

    قبل سنوات كان هيكل يعرف ربما أكثر مما ينبغي عما يدور في دوائر صنع القرار

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1