Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الثمن
الثمن
الثمن
Ebook446 pages2 hours

الثمن

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتناول الكتاب الحديث عن الفتن التي يتعرض لها الإنسان فى الدنيا.. ومعناها وأنواعها وتأثيرها على مسيرة حياة الإنسان وفكره.. وكيف أن الإنسان يواجه في كل يوم بابًا من أبواب الاختبار والفتن، وهذا الباب يأخذه إلى باب آخر؛ لأن الدنيا دار فتن ومحن وابتلاءات واختبارات.. وكيف يواجه الإنسان تلك الفتن ويتخطاها على مراد الله .. حتى يخرج منها قويًّا بعد أن صهرته الفتنة.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2022
ISBN9789771461012
الثمن

Read more from مصطفى حسني

Related to الثمن

Related ebooks

Reviews for الثمن

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الثمن - مصطفى حسني

    سلسـلة بنـــاء العبـــد الـربـانــي

    Section00001.xhtml

    مصطفى حسني

    العنوان: الثمن

    تأليف: مصطفى حسني

    إشــراف عـام: داليــــا محمــــــد إبراهيـــــم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-6101-2

    رقم الإيـداع: 4061 / 2022

    الطـبـعــة الأولى: يناير 2022

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    الإهـــــداء

    إهداء لكل إنسان يحاول أن يتحمل مسئولية هذه الحياة..

    لكلِّ من يُقدِّر أن لكل شيء قيمًا أو دورًا في الحياة أكرمه الله به، فإن له ثمنًا يقوم به ويدفعه بنفس راضية، أُهدي له كلماتي ودعواتي له بالتيسير، والمدد من الكريم في رحلة تحقيقه لكل ما يتمناه.

    مصطفى حسني

    ما هي سلسلة بناء العبد الرباني؟

    الأزمة الحقيقية التي يواجهها عالمنا الإسلامي هي الفهم السليم ثم التطبيق الرحيم للدين الإسلامي العظيم .. فهناك فجوة بين الشريعة الكاملة النقية وبين فهم العقول لمراد الله منها، وكيفية تطبيقها بالشكل الصحيح على واقع العصر الذي نحياه سويًّا.

    وطالما أحلم بأن أسهم بما أتعلم من العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية في بناء شخصية مؤمنة تحمل بين جنبيها نفسًا سوية وعقلًا مستنيرًا، نفسًا تصلح أن تكون خليفة الله في الأرض، نفسًا تحب العلم وتحترمه وتبحث عن صفات الله الظاهرة في الكون لتتعرف إليه .. لتتعلق به وتحبه،  ثم تنشر هذه الصفات بين الخلق، فترحم برحمة الله، وتعطي بكرم الله، وتسامح كما رأت ربها يعفو ويسامح، نفسًا ترى عمارة الأرض واجبًا لا يقل عن الصلاة التي تقدسها بين يدي ربها.

    وهذا مصداق قول الله في آية وصفت المتقين الصادقين: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة : 177]

    دين شامل .. عقيدة أثمرت عبادة ظهرت آثارها في رقي معاملة الخلق وبناء الحضارة ..

    وهذا هو غاية الهدف والرسالة السامية التي أحملها على كتفي منذ أن بدأت طريق الدعوة من سنين عديدة، وهو بناء العبد الرباني العابد لسيده ومولاه، المنشغل بعمارة وطنه وأرضه، المتخلق مع الخلق بأخلاق ربه، حتى نعمل بوصية الله الخالدة لنا ﴿ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران : 79]

    ستجدون في سلسلة بناء العبد الرباني كتبًا تتناول البناء الكامل المتزن لهذا العبد الذي نحلم به ..

    *كتب في بناء العقل السوي المستنير وضبط المفاهيم.

    *كتب إصلاح القلب وتأهيله للفهم عن رب العالمين ليظهر ذلك في سلوكيات من يحمل الخير والحق والجمال للخلق.

    *كتب عن العبادات؛ فهمًا لمعناها، وتعلُّمًا لكيفيتها، وسعيًا لارتقاء الروح بها.

    *كتب عن المهارات الشخصية وتطوير النفس التي هي أمانة الله لتصبح أكثر فاعلية في الحياة العملية وعمارة الأرض.

    *كتب المعاملات بين المسلمين للارتقاء في معاملاتنا مع بعضنا، وتقبُّل الطبيعة البشرية لكلٍّ منا.

    *كتب عن السيرة النبوية وقصص الأنبياء العظيمة والتي نستوحي منها الطرق العملية للتصرُّف السليم في كافة المواقف التي نتعرض لها في حياتنا اليومية.

    *كتب عن القرآن الكريم وتعلُّم كيفية فهمه وتدبُّره وتطبيقه بشكل عملي في حياتنا حتى نكون من «أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته».

    وأسأل الله أن يمن علينا بالعلم النافع، والرزق الواسع، والقلب الرحيم، والعقل الواعي المستقيم .. وصلِّ اللهم وسلم على راحم المساكين.. والحمد لله رب العالمين .

    بسم اللَّه نبدأ.. الفكرة

    صفحة فيسبوك أمريكية معروفة تُسمى(1) (Humans of New York) نشرت صورة لشاب مُبتسم يبدو على ملامحه أنه عربي وهو في أحد الأسواق، هذا الشاب مصري يطمح لأخذ شهادة الطب من أمريكا؛ اجتهد في الثانوية العامة، وطلب من والديه السفر لأمريكا لاستكمال دراسته، قدَّم أوراقه في الجامعة وبسبب علو درجاته أخذ منحة للسفر.. وحتى يستطيع تحمُّل نفقات السفر والإقامة وجزء من مصاريف الجامعة اضطر أهله لبيع كل ما يملكون، فسافر هذا الشاب، وبعد وصوله بأسبوعين حدثت لأهله أزمة اقتصادية طاحنة، فقرر تأجيل دراسته حتى يستطيع مُساعدة أهله، بدأ بالعمل في ورشة بالنهار وفي سوبر ماركت بالليل.

    عندما نُشِرت صورة هذا الشاب على هذه الصفحة الأمريكية تدخلت طبيبة مصرية تعمل بالتدريس في الجامعة، وطلبت منه استكمال دراسته، وأنها ستتكفل بمصاريف أهله حتى يستطيعوا استرداد عافيتهم المالية، فالأهل دفعوا ثمن إكرامهم لابنهم كل ما يملكون، والابن دفع مستقبله ثمنًا لإكرام أهله وبرِّه بهم، والطبيبة المصرية دفعت ثمن إنسانيتها- وإن شاء الله بيتها في الجنة -جزءًا من دخلها كفالة للناس الطيبة.

    عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ:

    Section00005.xhtml

    «إنَّ اللَّهَ يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ. فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ. فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى يا رَبِّ وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ. فيَقولُ: ألا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ؟ فيَقولونَ: يا رَبِّ، وأَيُّ شيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا (1)».

    Section00005.xhtml

    هذا الحديث هو الفاصل الذي يُنهي رحلة السعي لكسب الأرزاق وحماية العلاقات، ورحلة تقوى الله -عز وجل- وحماية العلاقة مع الله، فإن رحلة السعي تنتهي في الدنيا، ويبدأ جني الثمار في الجنة.

    Section00005.xhtml

    ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍَ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: 45-48]

    Section00005.xhtml

    النصب: أي التعب، فتعب الأثمان التي دفعتها في الدنيا لتُحافظ على قيمة كل ما لديك سينتهي في الدنيا، الدنيا ليست كاملة، بل مكتوبٌ عليها النقص، ومن نقص الدنيا أن كل ما له قيمة لديك وتريد المحافظة عليه له ثمن يجب أن يُدفع، ووراء كل ثمنٍ حكمة.

    العلاقات مع الناس لها ثمن، وهو الأخذ والعطاء المستمر، في العمل الأخذ والعطاء ليس مجرد جلوسك على المكتب ووجود مَن يخدمك، بل الأخذ والعطاء هو رحلة من الكد والجد والسعي والتعلُّم المستمر، والزواج ليس مجرد قصة حب، بل هو رفقة روح، وحماية هذه الرفقة لها ثمن، والذي لا يعلم ثمن حماية الروح لا يستطيع الاستمرار، قال الله تعالى:

    Section00005.xhtml

    ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[الروم: 21]

    Section00005.xhtml

    المودة ليست شعورًا فقط، بل هي فعل، شعور المودة هو التعبير عن الحب بالفعل.. الرحمة هي فعل وليست شعورًا، شعور الرحمة هو التعاطف؛ يُعبَّر عنه بممارسة الرحمة في تفاصيل اليوم، والصداقة ليست مجرد فنجان قهوة تتناوله مع صديقك أو خروجات، بل الصداقة هي رحلة من الدعم والسند والتواجد والسماح بخصوصية صديقك.. هذه الأثمان ليست سهلة على الإطلاق، وكل ثمن منها له نية وحركة وترك.

    قال الإمام الشافعي (2):

    على قدر الكدِّ تُكتسب المعالي

    ومَن طلب العلا سهر الليالي

    ومَن طلب العلا من غير كدٍّ

    أضاع العمر في طلب المحالِ

    سر فكرة الثمن في الدنيا

    قال الله تعالى:

    Section00005.xhtml

    ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾[البقرة: 155]

    Section00005.xhtml

    فكم من العلوم والأفكار التي يجب عليك تعلُّمُها، والمفاهيم الاعتقادية عن الله سبحانه وتعالى التي يجب عليك تعلُّمها حتى تصد مخاوفك ووساوسك! كم من الجدية والتعلُّم والتخطيط وحمل النفس على العيش في مقدار المتاح حتى تسد أي نقص مالي لديك! فمع كل ثمن ستدفعه تقترب من منزلة الولاية.

    Section00005.xhtml

    ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾[يونس: 62، 63].

    Section00005.xhtml

    وسط كمِّ الجراح التي تتعرض لها والخيانات والأذى؛ حتى تستطيع التعافي من كل هذا وتحمي نفسك من الانكسار، أنت بحاجة لتعلُّم العديد من الأنشطة وفهم لدواخل نفسك، كل هذه أثمان لحماية نفسك من الانكسار في رحلة الحياة.

    أما الشخص الذي لا يريد دفع ثمن أي شيء، بل يريد فقط الأخذ، هذا الشخص سيذهب إلى الله دون ارتقاء لنفسه وأخلاقه وميزان حسناته؛ لأنه لم يكن لديه عبادات ليُقابل بها الله، قال الله تعالى:

    Section00005.xhtml

    ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ (33) وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ (34) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ (38) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ﴾ [النجم: 33-42]

    Section00005.xhtml

    Section00005.xhtml قال العلماء

    قوله تعالى: ﴿ وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ ﴾. أكدى: أي انقطع، له أربعة تفسيرات:

    1. أعطى قليلًا من المال ثم انقطع بالبخل.

    2. أعطى قليلًا من العلم ثم انقطع بالجهل.

    3. أعطى قليلًا من الطاعة ثم انقطع بالمعصية.

    4. أعطى قليلًا من الخير بلسانه ثم انقطع بالأذى.

    كل هذه صور لأناسٍ لم يدفعوا أثمانًا للحفاظ على أدوارهم في الحياة التي شرفهم الله بها، ولا الحفاظ على قيم ينبغي عليهم العيش بها، ولا الحفاظ على علاقات استأمنهم الله عليها.. فكل شيء له ثمن. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

    Section00005.xhtml

    «مَن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» . (3)

    Section00005.xhtml

    وأدلج: أي: لم ينم مساء عدد الساعات الكافية، واستقطع من وقت نومه لكي يسير ليلًا ليصل في ميعاده صباحًا، فهو قد دفع ثمن وصوله في الميعاد من عدد ساعات نومه وراحته، فهذا شخص عرف الثمن الذي يجب أن يدفعه ليصل في ميعاده، ثم قام النبي ﷺ بنقل عقلك مرة واحدة في الحديث الشريف، وقال: «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة».

    فكرة الثمن

    كان النبي ﷺ يُعلِّم الصحابة أن كل دور شريف أقامك الله فيه- (زوج، زوجة، أب، أم، مُعلِّم، موظف)، أيًّا كان الدور- يجب أن تُحافظ علىه في الحياة وتؤديه كما ينبغي لوجه الله، وكل قيمة تريد العيش بها (الشرف، الصدق، الأمانة، حب الله، الاستقامة على طريق الله) لها ثمن حتى تستطيع الحفاظ عليها. عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ:

    Section00005.xhtml

    «مَن أراد منكم أن تُستجاب دعوته وتُكشف كربته فليُفرِّج عن مُعسر» (1).

    Section00005.xhtml

    فهو هنا يلفت نظرهم لعمل «بسببه سيكرمهم الله بما يحتاجون»؛ لذلك افعل ما يجب عليك فعله؛ فرِّج عن معسر حتى تستجاب دعوتكوتفرج كربتك.

    هل الشخص الذي يُقسِّم طعامه مع مَن حوله وباله مشغول في كيفية خدمتهم ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى مثل مَن هو شبعان وأقرب الناس إليه جائع؟ هل يستوون؟ أفلا تعقلون؟ قال سيدنا عمر بن الخطاب: مَن أراد منكم أن يصفو له ود أخيه فليبدأه بالسلام (وهذا كناية عن البداية بالسؤال والعطاء)، وليُفسح له في المجلس (كناية عن اقتسام كل شيء بينهم)، وليدعوه بأحب الأسماء إليه (كناية عن الحفاظ على لسانه ألا يجرح غيره)، ولا يعيبُ أحدكم على أخيه بعيبٍ ثم يأتي مثله (أى يفعل نفس الخطأ الذي أعاب به شخص آخر من قبل)، وأن يؤذي جليسه أو صاحبه بما لا يعنيه (لا يتدخل في خصوصيات لا تعنيه).

    كل هذه الأفكار هي أثمان يُخبرك بها سيدنا عمر لتُحافظ على أصدقائك، الأثمان ليست دائمًا أفعالًا، بل قد تكون أفكارًا لا بد من اعتناقها. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ:(4)

    Section00005.xhtml

    «ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ» (1).

    Section00005.xhtml

    قال الله تعالى:

    Section00005.xhtml

    ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[التوبة:98، 99]

    Section00005.xhtml

    كل مجهود وكل شيء تتركه من أجل الله بطيب نفس يُقرِّبك إليه سبحانه وتعالى.

    نعلم أن كل شيء به خيرٌ في الدنيا والآخرة لا يأتي إلا برحمة الله، فلا تتوكل على أعمالك أو نفسك؛ لكن.. هناك مَن سيندم في الآخرة لعدم دفعه ثمن أي شيء قيِّم في الدنيا، قال تعالى في القرآن الكريم:

    Section00005.xhtml

    ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[الزمر: 56-58]

    Section00005.xhtml

    الإحسان هو قمة العطاء مع رؤية الله سبحانه وتعالى، وهو إعطاء مَن أمامك فوق ما يستحق مع تقوى الله سبحانه وتعالى. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

    Section00005.xhtml

    «كانَ النبيُّ ﷺ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ» . (5)

    Section00005.xhtml

    مَن دفع الثمن في الدنيا فسيأتي يوم القيامة وهو في قمة السعادة والسكون فرحًا بالله وجزائه، قال تعالى:

    Section00005.xhtml

    ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾[فاطر: 29، 30].

    Section00005.xhtml

    الثمن = المسئولية

    إن الإنسان يتحمل مسئولية نفسه؛ الزوج يتحمل مسئولية المحافظة على البيت، الزوجة تقوم بما عليها من واجبات، الأب يتحمل مسئولية تربية أولاده تربية سوية، الأم تتعلَّم كيفية إحاطة أولادها بالتضحية والحب الصادق، الموظف قد يُعرَض عليه فرص مُحرَّمة؛ فعليه تحمُّل مسئولية الحفاظ على شرف وظيفته، العابد عليه أن يتعلم كيف يقي نفسه ويحفظها من الفتن ويُحصن قلبه منها.

    خلاصة الثمن

    1. العلاقات مع الناس لها ثمن؛ وهو الأخذ والعطاء المستمر.

    2. الزواج ليس مجرد قصة حب، بل هو رفقة روح، وحماية هذه الرفقة لها ثمن ينبغي دفعه.

    3. الصداقة رحلة من الدعم والسند والتواجد والسماح بخصوصية صديقك.

    4. كل شيء به خيرٌ في الدنيا والآخرة لا يأتي إلا برحمة الله، فلا تتوكل على أعمالك أو نفسك.

    (1) «ناس نيويورك» وتـُختَصَـر (HONY) مدوَّنة مصوَّرة، تجمع صورًا عشوائية ومقابلات لأناس يعيشون في مدينة نيويورك. يرجع الفضل في إنشائها إلى المصور براندون ستانتون الذي بدأ العمل عليها في شهر نوفمبر عام 2011، وقد تم تصوير ما يزيد على 6 آلاف صورة حتى الآن وإرفاق ما يتحدث عنه صاحب الصورة.

    (2) أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيُّ المطَّلِبيُّ القرشيُّ (150-204هـ / 767-820م). هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه.

    (3) رواه الترمذي.

    (4) رواه مسلم.

    (5)

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1