Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التذكرة الحمدونية
التذكرة الحمدونية
التذكرة الحمدونية
Ebook695 pages6 hours

التذكرة الحمدونية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر الكثيرون كتاب التذكرة الحمدونية من الموسوعات الضخمة، حيث تمت طباعته على شكل 10 مجلدات، كما قال المؤلف محمد الحمدوني عن كتابه؛ بأنه نظم فيه فريد النثر ودرره، وأودعته غرر البلاغة، وضمنته مختار النظم وحبره، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 16, 1901
ISBN9786412663330
التذكرة الحمدونية

Related to التذكرة الحمدونية

Related ebooks

Reviews for التذكرة الحمدونية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التذكرة الحمدونية - ابن حمدون

    الغلاف

    التذكرة الحمدونية

    الجزء 1

    ابن حَمْدون

    563

    يعتبر الكثيرون كتاب التذكرة الحمدونية من الموسوعات الضخمة، حيث تمت طباعته على شكل 10 مجلدات، كما قال المؤلف محمد الحمدوني عن كتابه؛ بأنه نظم فيه فريد النثر ودرره، وأودعته غرر البلاغة، وضمنته مختار النظم وحبره، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها.

    من كلام الرسول وآله والصحابة والتابعين

    قد حوى الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من المواعظ والإنذار والآداب التي يفوز ممتثلها ونجو من عمل بها، ما فيه عبرة لمن اعتبر، ومزدجر لمن وعى وادكر، وكفاية لمن تفكرفي آياته وتدبر، وذكرى لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد، كقوله عز وجل (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (الحج 1، 2) وقوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شياً إن وعد الله حق فلا تغركم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (لقمان 33) وقوله تعالى: (وانذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) (المؤمن 18) وقوله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (الحشر 18، 19) وقوله (لا يستوي أصحاب النار ولا أصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) (الحشر 20) وقوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) (الأنعام 94) وقوله عزوجل: : (ووضع الكاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً) (الكهف 49) وقوله تعالى: : (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه) (الكهف 57) وقوله تعالى: (أفمن شرح الله صدره للأسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) (الزمر 22) ومما أدبنا به عز وجل ودعانا إلى اتباعه وتقبله قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) (البقرة 237) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنا أنفقوا مما من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) (البقرة 267) وقوله عز وجل: (الشيطان يعدكم الفقر وبأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) (البقرة 268) وقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) (آل عمران 103) وقوله عزو جل: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) (آل عمران 173، 174) وقوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما آتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم) (آل عمران 188) وقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (النساء 57) وقوله عزو جل: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) (الأنعام 152) وقوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (يونس 57، 58) وقوله عزوجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (النحل 90) وقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً) (الإسراء 78، 79) وقوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً، إنها ساءت مستقراً ومقاماً والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً، والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما) (الفرقان 63 - 68) وقوله تعالى: (والذين لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) (الفرقان 72 - 74) وقوله عزو جل: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، ولاتستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (فصلت 33، 34) وقوله عزو جل: (يا أيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) (المنافقون 9، 10) وقوله عز وجل: (ومن يتق الله له مخرجاً، ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (الطلاق 2، 3) .وحسبنا ما شرفنا الكتاب بإيراده نفتتح به تيمناً ونستنجح ببركته مقصدنا إذ كان تقصي آياته، وطلب غاياته، شأوا لا يدرك، ونهجاً لا يسلك ونعود إلى فصول هذا الباب، وهي أربعة :الفصل الأول: من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوامره ونواهيه ونتبعه بنبذة من كلام النبيين صلى الله عليهم أجمعينالفصل الثاني: من كلام آل الرسول صلى الله عليه وسلم والعترة الهاشمية وما جاء عنهم أجمعين ومن أخبارهم مما يجانس هذا الباب .الفصل الثالث: في كلام الصحابة وأخبارهم رضوان الله عليهم أجمعين .الفصل الرابع: في أخبار التابعين وسائر طبقات الصالحين وكلامهم ومواعظهم .^

    الفصل الأول

    من كلام الرسول

    صلى الله عليه وسلم

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار .وقال صلى الله عليه وسلم: لا يكمل عبد الإيمان حتى يكون فيه خمس خصال التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضى بقضاء الله، والصبر على بلاء الله، إنه من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان .وقال صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وأنى لنا برياض الجنة في الدنيا ؟قال حلق الذكر .ومن كلامه صلى الله عليه وسلم: من انقطع الله كفاه الله كل مؤونة وفي لفظ ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها، ومن حاول أمراً بمعصية الله كان أبعد له مما رجا وأقرب مما اتقى، ومن طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده منهم ذاماً، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إليهم، ومن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن أحسن سريرته أصلح الله علانيته ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه .ومن كلام له عليه السلام: إن في القنوع لسعة وإن في الاقتصاد لبلغة، وإن في الزهد لراحة، ولكل عمل أجراً، وكل آت قريب .وقال: أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به وأجرتم وإن ذكرتموه في غنى بغضه إليكم فجدتم به فأثبتم إن المنايا قاطعات للأعمال، والليالي مدنيات للآجال، وإن المرء بين يومين يوم مضى أحصي فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقي لعله لا يصل إليه، إن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلف، ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه .وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه ألا أنبئكم بشراركم ؟قالوا: نعم يا رسول الله قال: من أكل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا ؟قالوا: نعم قال: من يبغض الناس ويبغضونه أفأنبئكم بشر من هذا ؟قالوا نعم يا رسول الله قال: من لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنباً فأنبئكم بشر من هذا ؟قالوا نعم يا رسول الله قال: من لا يرجى، من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل خطيباً، فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة أمر تبين رشده فاتبعوه وأمر تبين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله .قالت عائشة رضي الله عنها: كان يمر بنا هلال وهلال وماتوقد في منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم نار، فقال عروة بن الزبير: أي خالة، فبأي شيء كنتم تعيشون ؟قالت: بالأسودين التمر والماء .وقالت: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإن درعة لمرهونة بثلاثين صاعاًَ من شعير .وقالت: ما شبع آل محمد صلّى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة من طعام بر ثلاثة أيام حتى لحق بالله .وكان صلّى الله عليه وسلم حتى ترم قدماه، فقيل، له: تفعل ذلك وقد غفر الله لك ؟قال: أفلا أكون عبداً شكوراً .وقال صلّى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .قال أنس: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء قال: أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأن مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة وامنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مال كسبه من غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكم، طوبى لمن أذل نفسه وحسن خليقته، وأصلح سريرته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ولم يتعدها إلى البدعة .ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم: أما رأيت المأخوذين على الغرة والمزعجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا على الشبهات وجنحوا إلى الشهوات حتى آتتهم رسل ربهم فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا، قدموا على ما عملوا، وندموا على ما خلفوا، ولن يغني الندم، وقد جف القلم، فرحم الله امرءاً قدم خيراً وأنفق قصداً، وقال صدقاً، وملك دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى إمرة نفسه فلم تهلكه .وقال صلّى الله عليه وسلم: إياكم وفضول المطعم فإنها تصم القلب بالقسوة وتبطئ بالجوارح عن الطاعة وتصم الهمم عن سماع الموعظة، وإياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة، وإياكم واستشعار الطمع فإنه يشرب القلوب شدة الحرص ويختم على القلوب بطابع بطبع حب الدنيا، وهو مفتاح كل سيئة وسبب إحباط كل حسنة .ومن كلام له صلّى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد حتى يستكمل رزقه، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئاً من فضل الله بمعصيته، فإنه لن ينال ما عند الله إلا بطاعته، ألا وإن لكل امرئ رزقاً هو يأتيه لا محالة، فمن رضي به بورك له فيه فوسعه، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه فلم يسعه وإن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله .لما أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يبعث معاذاً إلى اليمن، ركب معاذ ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يمشي إلى جانبه فقال: يا معاذ إني أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وإداء الأمانة وترك الخيانة، ورحمة اليتيم، وحفظ الجار، وكظم الغيظ، وخفض الجناح، وبذل السلام، ولين الكلام، ولزوم الايمان، والتفقه في القرآن، وحب الآخرة، والجزع من الحساب، وقصر الأمل وحسن العمل0وأنهاك أن تشتم مسلما، أو تكذب صادقاً، أو تصدق كاذباً، أو تعصي إماماً عادلاً0 يا معاذ: اذكر الله عند كل حجر وشحر وأحدث مع كل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية (وزيد فيه: وعد المريض، وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء، وجالس الفقراء والمساكين، وأنصف الناس من نفسك، وقل الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم) .ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم: المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السيئات، والذي نفس محمد بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه .وقال صلّى الله عليه وسلم: فضل صلاة الليل على النهار كفضل صدقة السر على العلانيةوقال صلى الله عليه وسلم: ما من والي عشرة إلا يأتي يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه أطلقه عدله أو ثقه جوره .وقال صلى الله عليه وآله: أربع من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً من البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه في نفسه وماله خوناً .وقال صلّى الله عليه وسلم: افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم .ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم :ملاك الدين الورع .التحدث بالنعم شكر .خشية الله رأس كل حكمة .القناعة مال لا ينفذ .الحياء خير كله .السعيد من وعظ بغيره .طلب الحلال جهاد .مداراة الناس صدقة .كثرة الضحك تميت القلب .المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم .المؤمنون هينون لينون .تحفة المؤمن الموت .اليقين الايمان كله .فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة .الويل كل الويل لمن ترك عياله بخير وقدم على الله بشر .ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه .ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى .من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات، ومن ترقب الموت لهى عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات0ومن فتح له باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه .ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس .اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك .عشت ما شئت فإنك ميت وأجب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به .ما نزعت الرحمة إلا من شقيما امتلأت دار النعيم حبرة إلا امتلأت عبرة .ما استرعى الله عبداً رعية فلم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة .لا تسبوا الأموات فانهم قد أفضوا إلى ما قدموا .إياك وما يعتذر منه .إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل فما جلاؤها ؟قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن .كفى بالموت واعظاً وبالعبادة شغلاً .ألا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً .لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً .وقال صلّى الله عليه وسلم: اكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا، وعليك بالشكر فأن الشكر فإن الشكر يزيد في النعمة، وأكثر من الدعاء فإنك لا تدري متى يستجاب لك .إياك والبغي، فإنه من بغي عليه لينصرنه الله، قال: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ). (يونس: 23 )وقال عليه السلام: إياك والمكر فإن الله قد قضى أن لا يحيق المكر السيء إلا بأهله .وقال صلى الله عليه: الأئمة من قريش0 إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل .وقال صلى الله عليه: من نقله الله من ذل العاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن رضي باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل، ومن زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار القرار .وقال صلّى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب .وقال عبد الله بن عمر: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ببعض جسدي وقال: اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رجل يعوده، وهو في الموت، فقال كيف تجدك ؟قال: أرجو وأخاف، فقال صلّى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف .وقال صلّى الله عليه وسلم لعائشة، وقد سألت عن قوله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) (( المؤمنون: 11) هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر وهو في ذلك يخاف الله يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو في ذلك يخاف الله .وقال صلّى الله عليه وعلى آله: شر الناس رجل فاجر، يقرأ كتاب الله لا يرعوي عن شيء منه .ومن كلامه صلّى الله عليه وعلى آله: الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمر مشتبهة، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه أوشك أن يواقع ما إستبان، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه .ومن كلامه عليه السلام: إنَّ أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة، أحسن من عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع، عجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه .قال عمر رحمه الله: ما اجتمع عند النبي صلّى الله عليه وسلم أدمان إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر .قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إياكم وخشوع النفاق، قالت عائشة: وما خشوع النفاق ؟قال: يخشع البدن ولا يخشع القلب .وقال صلّى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقارض من نار، فقلت لجبريل: من هؤلاء ؟فقال: خطباء أمتك الذين يقولون الشيء ولا يعملون به .وقال صلّى الله عليه وسلم: إنَّ اخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان .وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا تزال يد الله عليها رفرف بالرحمة والرزق والنصر، ما لم يرفق خيارهم بشرارهم، وما لم يعظم أمراؤهم فجارهم، وما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم، فإذا فعلوا ذلك فلينتظروا من الله النكال، يضربهم الله بالفقر والحاجة والذل .وقال صلّى الله عليه وسلم: إنَّ الله يغضب إذا مدح الفاسق .وقال صلّى الله عليه وسلم: إذا مدح الفاسق اهتز لذلك العرش وغضب له الرب تعالى .ومما يروى عنه صلّى الله عليه وسلم: من آثر الدنيا على الآخرة ابتلاه بثلاث: هم لا يفارق قلبه أبداً، وفقر لا يستغني معه أبداً، وحرص لا يشبع أبداً .ومن مواعظه عليه السلام: أيها الناس إنَّ هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، ألا وإنَّ الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى، نجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، وإنها لسريعة الذهاب وشيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ولا تسعوا في عمران دار قد قضى خرابها ولا تواصلوا وقد أراد منكم اجتنابها فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستحقين .وقال صلّى الله عليه وسلم لرجل يوصيه: أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به، واقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب، ولا تتشاغل عما فرض الله عليك بما ضمن لك، إنه ليس بفائتك ما قسم لك ولست بلاحق ما زوي عنك، فلا تك جاهداً فيما يصبح نافداً، واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه .وروي عن عائشة رضي عنها أنها قالت: كنت نائمة مع النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان ثم انتبهت فإذا النبي صلّى الله عليه وسلم ليس عندي، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة فلففت مرطي، أما ولله ما كان خزّاً ولا قزاً ولا قطناً ولا كتاناً، قيل فما كان يا أم المؤمنين ؟قالت: كان سداوته من شعر، ولحمته من أوبار الأبل، قالت: فحبوت إليه أطلبه، فألفيته كالثوب الساقط على وجهه من الأرض وهو يقول: سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، أنت عظيم ترجى لكل عظيم ترجى لكل عظيم، فاغفر الذنب العظيم، فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، إنك لفي شأن وإني لفي شأن، فرفع رأسه ثم عاد ساجداً فقال: أعوذ بوجهك الذي أضاءت له السموات السبع والأرضون السبع من فجاة نقمتك، وتحويل عافيتك، ومن شر كتاب قد سبق واعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك0فلما انصرف من صلاته تقدمت أمامه حتى دخلت البيت ولي نفس عال، فقال: مالك يا عائشة ؟فأخبرته الخبر، فقال: ويح هاتين الركبتين ماذا لقيتا هذه الليلة ومسح عليهما، ثم قال: أتدرين أي ليلة هذه يا عائشة ؟قلت: ه ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان فيها تراقب الآجال وتثبت الأعمال .وقال صلّى الله عليه وسلم: كلمة من الخير يسمعها المؤمن ويعمل بها ويعلمها خير من عبادة سنة .وقال صلّى الله عليه وسلم: استأنسوا بالوحدة عن جلساء السوء .وقال: لا تدعوا حظكم من العزلة فأن العزلة عبادة .وقال صلّى الله عليه وسلم: ما أسر امرؤ سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إنَّ خيراً فخيراً وإنَّ شراً فشراً .وعنه صلّى الله عليه وسلم: إنَّ المؤمن ليذنب الذنب فيدخله الجنة، قالوا يا رسول الله: كيف يدخله الجنة ؟قال: يكون نصب عينيه تائباً عنه مستغفراً حتى يدخل الجنة .وقال صلّى الله عليه وسلم: أعجب الناس إلي منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعمر ماله، ويحفظ دينه ويعتزل الناس، ثم قال: إخلاصها أن تخرجه مما حرم الله .وروى أنس عنه صلّى الله عليه وسلم: سبعة تجري للعبد بعد موته، من علم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو بنى مسجداً أو أورث مصحفاً أو ترك ولداً صالحاً أو ترك صدقة تجري له بعد موته .وعنه قال قال: لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أمسيت، فإن القرآن يحيي القلب الميت وينهى عن الفحشاء والمنكر .وقال صلّى الله عليه: إنه ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث: شغل لا ينفذ عناؤه، وفقر لا يدرك غناه وأمل لا يدرك طالبتان ومطلوبتان ومطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه وطالب الدنيا تطلبه منتهاه إن الدنيا والآخرة تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه0 ألا وإنَّ السعيد السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفذ عذابها، وقدم لما يقدم عليه مما هو الآن في يديه أن يخلفه لمن يسعد بانفاقه وقد شقي بجمعه واحتكاره .وقال صلّى الله عليه وسلم: من لم يتعز بعزاء الله عز وجل تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير أن الله عز وجل عنده نعمة إلا في مطعم أو مشرب قل علمه وكثر جهله، ومن نظر إلى ما في أيدي الناس طال حزنه ولم يشف غيظه .وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبغض البخيل في حياته والسخي عند موته .وقال صلّى الله عليه: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل .وقال صلّى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه: يا علي إنَّ من اليقين ألا ترضي بسخط الله أحداً، ولا تحمد أحداً على ما آتاك الله، ولا تذم أحداً على ما آتاك الله، ولا تذم أحداً على ما لم يؤتك، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره، ياعلي: لا فقر أشد من الجهل، ولا وحشة أشد من العجب .قال الحسن بن علي سمعت رسول الله صلّى الله عليه يقول: دع ما يربيك إلى مالا يربيك، فإن الحق طمأنينة والكذب ريبة، ولن تجد فقد شيء تركته لله تعالى .وقال صلّى الله عليه وسلم: من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي .قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن الفزازي والأقرع بن حابس التميمي وذووهما، فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء لأرواح جبابهم - يعنون أبا ذر وسليمان وفقراء المسلمين، وكان عليهم الجباب الصوف لم يكن لهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى: (وائل ماأوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً، واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) حتى بلغ (ناراً أحاط بهم سرادقها) (الكهف: 27 - 29) يتهددهم بالنار، فقام نبي الله صلّى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسج يذكرون الله تعالى فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات .قال ابن عباس لهند بن أبي هالة وكان ربيباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: صف لنا رسول الله فلعلك أن تكون أثبتنا معرفة به، قال: كان بأبي وأمي طويل الصمت، دائم الفكرة، متواتر الأحزان، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير إذا حدث أعاد وإدا خولف أعرض وأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه، يعظم النعمة وإنَّ دقت، ولا يذم ذواقاً (ولا يمدحه) ويبسم عن مثل حب الغمام .قال عيسى بن مريم صلى الله عليه: إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميت قلوبهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم .ورأوه صلى الله عليه يخرج من بيت مومسة فقالوا: يا مسيح الله ما تصنع عند هذه ؟فقال: إنما يأتي الطبيب المرضى .وكان عليه السلام يقول: يامعاشر العلماء مثلكم مثل الدفلى يعجب ورده من نظر إليه، ويقتل طعمه من أكله كلامكم دواء يبرئ الداء وأعمالكم داء لا يقبل الدواء الحكم، الحكم تخرج من أفواهكم وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع ثم لا تعيها قلوبكم، معاشر العلماء: إنَّ الله إانما بسط لكم الدنيا لتعملوا، ولم يبسطها لكم لتطغوا، معشر العلماء كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليحبر به ولا يطلبه ليعمل به، العلم فوق رؤوسكم والعمل تحت أقدامكم، فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء .وقال عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والمال فيه داء كثير، قيل: يا روح الله ما داؤه ؟قال: لا يؤدى حقه، قيل: فإن أدي حقه ؟قال: لا يسلم من الفخر والخيلاء، قيل: فإن سلم ؟قال: يشغل استصلاحه عن ذكر الله .ومن كلامه الشريف المحيي: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، متى بعد أحدكم عن أحدهما قرب من الآخر، ومتى قرب من أحدهما بعد من الآخر .قال صلّى الله عليه وسلم: تقربوا إلى الله ببعض أهل المعاصي والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم قالوا ممن يجالس ؟قال من تذكركم بالله تعالى رؤيته ويزيد في فهمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله .قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني إنما يستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكله على الله فيما يأتيه، وبحسن رضاه فيما آتاه، وبحسن صبره فيما فاته .قيل: لما ابتلى الله عز وجل أيوب عليه السلام بذهاب المال والولد والأهل، فلم يبق له شيء أحسن من الذكر والحمد لله رب العالمين، ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي، قد أعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخله ذلك، فأخذت كله وفرغت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء، فمن ذا تعطيه المال والولد فلا يشغله حب المال والولد عن ذكرك، ولو يعلم إبليس بالذي صنعت إلي حسدني، قال: فلقي إبليس من هذا شيء منكراً .ومما روي عن السيد المسيح عليه السلام قوله: البر ثلاثة: المنطق والنظر والصمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها .وقيل ليوسف عليه السلام: لم تجوع وأنت على خزائن الأرض ؟فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع .مر المسيح عليه السلام بقوم يبكون على ذنوبهم فقال: اتركوها تغفر لكم .روي أن موسى عليه السلام سأل ربه تعالى فقال: رب ما أحكم الحكم، وما أغنى الغنى، وما أفضل الشكر ؟فقال جل ثناؤه: أحكم الحكم أن تحكم على الناس بما تحكم به على نفسك، و أغنى الغنى أن يرضى العبد بما قسم له، وافضل الشكر ذكر الله تعالى .وكان السيد المسيح يقول: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، وإياكم وفضول الدنيا، فإن فضول الدنيا عند الله رجس، انظروا إلى طير السماء تغدوا وتروح ليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطوناً من الطير، فهذه الوحوش من البقروالحمير تغدو وتروح وليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها .في الخبر أن لقمان نودي: إني أجعلك خليفة في الأرض، فقال: إنَّ اختارني ربي فسمعاً وطاعة، و إنَّ خيرني اخترت العافية، فأولاه الله الحكمة وصرفت الخلافة إلى داود عليه السلام، فكان إذا رآه يقول: وقيت الفتنة يا لقمان .وقال ابن عباس: خير سليمان بن داود بين العلم والمال والملك، فاختار العلم، فأعطي المال والملك معه .^

    الفصل الثاني

    كلام القرابة وآدابهم وآثارهم ومواعظهم

    رضي الله عنهم

    قد اختلفت الرواة فيما جاء من مثل هذه الآداب والمواعظ اختلافاً شديداً، ونسبوا الكلمة منها إلى جماعة من القرابة والصحابة، وكثيراً ما نسبوا فقراً يتداولها الناس تارة إلى رسول الله وتارة إلى أهله وأصحابه رضوان الله عليهم، حتى ان الرضي أبا الحسن الموسوي رحمه الله كان مع شدة توقيه ومعرفته بكلام أبيه، في نهج البلاغة وهو الذي حققه من كلام علي عليه السلام وأختاره، كثيراً ما تحقق أصحاب الحديث أنه كلام النبي صلّى الله عليه وسلم، وكذلك غيره فعل، نسب شطراً من كلامه إلى أولاده رضي الله عنهم، ولعل أحدهم كان يذكر الكلمة رواية أو تمثلاً عن آبائه فيغفل الراوي الاسناد، وقد يقع التوارد في الكلمة كما يتفق الايطاء في الشعر .وروي أن علياً عليه السلام سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث فقال: الناس أربعة: رجل منافق كذب على رسول الله متعمداً، فلو علم أنه منافق ما صدق ولا أخذ عنه، ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول قولاً أو رآه يفعل فعلاً ثم غاب ونسخ ذلك من قوله وفعله، فلو علم أنه نسخ ما حدث ولا عمل به، ولو علم الناس أنه نسخ ما قبلوا منه ولا أخذوا عنه، ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول قولاً فوهم فيه، فلو علم أنه وهم ما حدث ولا عمل به، ورجل لم يكذب ولم يهم وشهد ولم يغب، وإنما دل بهذا على نفسه .وكلهم ينزعون إلى غاية ويستقون من قليب واحد ولأيهم كان الكلام فبنور النبوة أشرق ضياؤه ومن شجرتها المباركة اقتبست ناره0فإن حقق قارئ هذا الكتاب نقلاً يخالف في بعض الكلمات، فالعهدة فيه على الرواة، و أنا لم آل في بذل الاجتهاد مع شدة تناقض أرباب الاسناد، وليس ذلك بقادح فيه، إذ المقصود المذاكرة بمعانيه لا نسبته إلى قائليه .قال علي بن ابي طالب عليه السلام: أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع، و إنَّ الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، و إنَّ المضمار اليم وغداً السباق، والسبقة الجنة، والغاية النار، ألا وأنكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه علمه ولم يضره أمله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أمله ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل ومن لم يستقيم به الهدي يجربه الضلال ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد، و إنَّ أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل .وخطب عليه السلام فقال: اتقوا الله الذي إنَّ قلتم سمع، و إنَّ أضمرتم علم، واحذروا الموت الذي إنَّ أقمتم أخذكم، و إنَّ هربتم ادرككم .ومر في منصرفه من صفين بمقابر فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكم تبع وإنا بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، الحمد لله الذي منها خلقنا، وعليها ممشانا، وفيها معاشنا، طوبى لمن ذكر المعاد وأعد للحساب وقنع بالكفاف .وقال لابنه الحسن: يا بني لا تخلفن وراءك شيئاً من الدنيا، فإنك تخلفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله عز وجل فسعد بما شقيت به، وإما رجل عمل بمعصية الله فكنت عوناً له على ذلك، وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك .ومن كلامه عليه السلام: من العبادة الصمت وانتظار الفرج .ومنه: أما بعد فإن المرء يسره درك مالم يكن ليفوته: ويسؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً، وليكن همك فيما بعد الموت .ورؤي عليه إزار مرقوع فقيل له في ذلك فقال: يخشع له القلب وتذل له النفس ويقتدي به المؤمنون بعدي .وقال عليه السلام لسلمان الفارسي رحمه الله عليه: إنَّ مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها، فأعرض عما يعجبك منها، فإن المرء العاقل كلما صار منها إلى سرور أشخصه منها إلى مكروه، ودع عنك همومها إنَّ أيقنت بفراقها .قال كميل بن زياد النخعي: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال: يا كميل إنَّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: إنَّ الناس ثلاثة عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق0ياكمل: العلم خير من المال فالمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل: معرفة العلم دين يدان به، يكسب الإنسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته0والعلم حاكم والمال محكوم عليه0يا كميل بن زياد: هلك خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إنَّ ها هنا لعماً جماً - و أشار إلى صدره - لو أصابت له حملة، بلى أصبت لقناً غير مأمون عليه، مستعملاً آلة الدين للدنيا، ومستظهراً بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقاداً بجملة الحق لا بصيرة له في إجابة، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوماً باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادخار، ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب (شيء) شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته. ولم ذا وأين أولئك ؟أولئك والله الأقلون عدداً، الأعظمون قدرًا،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1