Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الدرر الحسان في فضائل القرآن
الدرر الحسان في فضائل القرآن
الدرر الحسان في فضائل القرآن
Ebook508 pages3 hours

الدرر الحسان في فضائل القرآن

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا ، الحمد لله علم القرآن ، خلق الإنسان علمه البيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أنزل إلينا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، علم القرآن فكان خير معلم ، فصلوات الله وسلامه عليه ، ورضي الله عن صحابته أجمعين .
أما بعد :
فإن القرآن كلام اللخ تعالى ، هو حبله المتين ، وصراطه المستقيم ، من تمسك به اهتدى ، ومن أعرض عنه ضل وهوى ، أثنى الله عليه في مواضع كثيرة ، ليبين فضله ، ويوضح للناس مكانته ومنزلته ، وجعل أهله هم أهل الله وخاصته ، بل خير الناس من تعلمه وعلمه ، :" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين ". رواه مسلم
تخلص من الهم والكرب بالقرآن ، نور به القلب ، اجعل القلرآن في صدرك وعلى لسانك ، وفي بيتك .
وقد أحسن الشيخ /صلاح عامر بكتابة هذا السفر النفيس :" الدرر الحسان في فضائل القرآن " في بيان فضل القرآن العظيم ، ترغيبًا لإخوانه المسلمين ، لقراءته ، وحفظه ، والعمل به ، ليكون منهج حيلتهم ، ونور طريقهم ، وسبيل هدايتهم ، أسأل الله أن يتقبله منه ، وأن ينفع به كاتبه وقارئه ...آمين
أبو مالك / سامح عبد الحميد .

Languageالعربية
Release dateFeb 12, 2021
ISBN9781393045045
الدرر الحسان في فضائل القرآن

Read more from صلاح عامر

Related to الدرر الحسان في فضائل القرآن

Related ebooks

Related categories

Reviews for الدرر الحسان في فضائل القرآن

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الدرر الحسان في فضائل القرآن - صلاح عامر

    الدرر الحسان في فضائل القرآن

    مقدمة الشيخ /سامح عبد الحميد أبو مالك

    الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، الحمد لله علَّم القرآن ، خلق الإنسان ، علمه البيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أنزل إلينا هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيلٌ من حكيم حميد،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، علم القرآن فكان خير معلم،فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد ...

    فإن القرآن كلام الله تعالى ، وهو حبله المتين ، وصراطه المستقيم ، من تمسك به اهتدى ، ومن أعرض عنه ضَلَّ وهَوَى ، أثنى الله عليه في مواضعَ كثيرة منه ؛ ليبين فضله ؛ ويوضح للناس مكانته ومنزلته ، وجعل أهله هم أهل الله وخاصته ، بل خير الناس من تعلمه وعلمه (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري

    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:«إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا ، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ».رواه  مسلم.

    تَخلَّص من الهمِّ والكرب بالقرآن ، نَوِّرْ به القلب ، اجعل القرآن في صدرك ، وعلى لسانك ، وفي بيتك ، وقد أحسن الشيخ صلاح عامر بكتابة هذا السِّفر النفيس الدرر الحسان في فضائل القرآن في بيان فضل القرآن العظيم ترغيبًا لإخوانه المسلمين في قراءته وحفظه والعمل به ، ليكون منهج حياتهم ، ونور طريقهم ، وسبيل هدايتهم ، أسأل الله أن يتقبله منه ، وأن ينفع به كاتبه وقارئه .. آمين.

    أبو مالك سامح عبد الحميد

    الدرر الحسان في فضائل القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة الكتاب

    إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ ،فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ ، فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} {آل عمران: 102} 

    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} {النساء: 1}.

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} {الأحزاب: 70 - 71}.

    أما بعد : 

    إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .

    الحمد لله تعالى الذي اصطفانا بالإسلامِ ، لقوله تعالى عن وصيةِ إبراهيمَ ويعقوبَ عليهما الصلاة والسلام ؛ كُلٌّ مِنْهُمَا لبنيه :

    {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {البقرة:132}.

    واصطفانا سبحانه وتعالى لمتابعة خير الأنام رسول الله  محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بعثه الله إلى جميع خلقه  بوحيه القرآن والسنة ، وجعل الله كتابه القرآن مهيمنًا على كل الكتب التي قبله ، لقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} {البقرة:151-152}

    ولقوله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}{المائدة:48}

    واصطفانا الله تعالى بالقرآن الكريم ، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}{فاطر:32-35}

    وهو المعجزةُ الخالدةُ عبرَ العصورِ والأزمانِ ، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ،فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

    ودعا الله تعالى به جميعَ  خلقه من مؤمنين وكفار ليهتدوا به من ظلماتِ الشركِ والأهواءِ إلى نورِ التوحيدِ والفرائضِ وكافةِ الطاعاتِ ، لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}

    ولقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}

    يقول الإمامُ ابنُ كثيرٍ - رحمه الله - في تفسيره: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمنِ الذي كان ميتًا، أي: في الضلالة، هالكًا حائرًا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله.

    {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي: يهتدي [به] كيف يسلك، وكيف يتصرف به.

    والنور هو: القرآن، كما رواه العَوْفي وابن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

    وقال السُّدِّي: الإسلام. والكل صحيح.

    وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }{الزمر:22-23}

    ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} ، وقوله تعالى لأهل الكتاب ولعموم الكفار:

    {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {المائدة:15-16}

    وكذلك دعا به وإليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}{الشورى:7}

    وهو الكتاب الذي هدى الله به رسوله ، فلا هداية لنا إلا بما هدى الله تعالى به رسولَه، فعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه :أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رضي الله عنه الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه ، فَقَالَ: « أَمَّا بَعْدُ، فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَكُمْ ،فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا ،وَإِنَّمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ».[1]

    ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ ، مَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ ».[2]

    وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِتَابُ الله هُوَ حَبْلُ الله المَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ».[3]

    والقرآنُ الكريمُ من أهمِّ أسبابِ معافاةِ القلبِ من شرورِ الشهواتِ والشبهاتِ التي تعصفُ بقلوبِ ضعافِ الإيمانِ من أمثالِنا ، لقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }{يونس:57}

    وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}

    {فصلت:44}

    قال ابنُ القيمِّ : جماعُ أمراضِِ القلبِ الشبهاتُ والشهواتُ ،والقرآنُ شفاءٌ لهما ، ففيه من البينات والبراهين القاطعة ، والدلالة على المطالب العالية ، مالم يتضمنه كتاب سواه ، فهو الشفاء بالحقيقة، لكن ذلك موقوف على فهمه وتقريره المراد فيه.

    ومن ثمرات وفضل كتاب الله تعالى ما يَحُثُّنَا جميعًا بأن نعتنى بالقيام بحقه علينا حق قيام : من تَعَلُّمِهِ وتعليمِه ، وتلاوته والعمل به ، والدعوة والتحاكم إليه ، والنصيحة له ،وذلك مما لا أحصي سرده في هذه المقدمة إلا على سبيل الإشارة إلى ذلك ، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} {الأعراف:170}

    وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }{فاطر:29-30}

    وَعن عُثْمَانَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرآنَ وَعَلَّمَهُ ».[4]

    وَعَنْهُ، قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرآنَ وَعَلَّمَهُ».[5]

    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ للهِ أَهْلِينَ(*) مِنَ النَّاسِ». قَالُوا : يَا رَسُوْلَ اللهِ  مَنْ هُمْ؟ قَالَ :«هُمْ أَهْلُ الْقُرآنِ ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَتُهُ».[6]

    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأ فِي الْمُصْحَفِ».[7]

    وَعنه رضي الله عنه ، قال : « لا يسأل أحدٌ عن نفسه إلا القرآن ، فإن كان يحبُّ القرآنَ ، فإنه يحب اللهَ ورسولَه».[8]

    وقال خباب بن الأرَتِّ رضي الله عنه لرجل : « تقرَّب إلى الله ما استطعتَ ، واعلم أنَّك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامِه».[9]

    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، قَالَ : «مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ.[10]

    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَة ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لاَ أَقُولُ ألم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيْمٌ حَرْفٌ».[11]

    وبين دَفَّتَيْ هذا الكتابالدرر الحسان في فضائل القرآن الذي وفقني الله إلى جمعِهِ وإعدادِهِ بفضلِهِ ومِنَّتِهِ ما أسأل الله تعالى أن يجعله سببًا في هدايتنا إلى الاعتناء بكتابه جل وعلا ، بالمزيد من الجهد والوقت والمال ، حتى يكون لنا ولكل المسلمين منهجَ حياةَ لسلوكِ صراطِهِ المستقيمِ ،والوقوف جميعًا متكاتفين للتمسك به لكي نكون حائطَ صَدٍّ منيعًا  لنقطع الطريق على المغرضين  من الكافرين والمنافقين وأهل الأهواء، لكي يُحال بينهم وبين أن يعزلوه عن الأمة ، أو يعزلوا الأمة عنه ،مصداقًا لقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) } {الأنعام:26}،ولقوله تعالى:

    {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}{آل عمران:103}

    وجزى الله خيرًا كل من أعان على تقديمه ومراجعته من أهل العلم ، أو طباعته ونشره وتوزيعه ،أو نصحنا بخصوصه ، سائلاً اللهَ عزوجل أن يتقبلَهُ مني ومن كل من شارك فيه عملاً صالحًا، ولوجهه الكريم خالصًا، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد الأمين على وحي ربِّه ، فقام به حق قيامه ، وجاهد به حق جهاده حتى لقيَ ربَّه ، وعلى آله وصحبه وسلم . 

    كتبه بحمد الله وتوفيقه

    صلاح عامر

    الفصل الأول

    معجزة القرآن الكريم :

    القرآن هو معجزة الله تعالى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي انفرد بها عن جميع الأنبياء السابقين :

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ ،فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».[12]

    يقول الإمام ابن حجر –رحمه الله- قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    : « مَا مِنْ الْأَنْبِيَاء نَبِيّ إِلَّا أُعْطِيَ » هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعْجِزَةٍ تَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِهِ ، وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمُعَانَدَة . « مِنْ الْآيَات » أَيْ الْمُعْجِزَات الْخَوَارِق .

    قَوْله : « مَا مِثْله آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَر »

    مَا مَوْصُولَة وَقَعَتْ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِأُعْطِيَ ، وَمِثْله مُبْتَدَأ ، وَآمَنَ خَبَره ، وَالْمِثْل يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ عَيْن الشَّيْء وَمَا يُسَاوِيه ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ آيَة أَوْ أَكْثَر مِنْ شَأْن مَنْ يُشَاهِدهَا مِنْ الْبَشَر أَنْ يُؤْمِن بِهِ لِأَجْلِهَا ، وَعَلَيْهِ بِمَعْنَى اللَّام أَوْ الْبَاء الْمُوَحَّدَة ، وَالنُّكْتَة فِي التَّعْبِير بِهَا تَضَمُّنهَا مَعْنَى الْغَلَبَة ، أَيْ يُؤْمِن بِذَلِكَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع دَفْعه عَنْ نَفْسه ، لَكِنْ قَدْ يَجْحَد فَيُعَانِد ، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا} .

    وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الرَّاجِع إِلَى الْمَوْصُول ضَمِير الْمَجْرُور فِي عَلَيْهِ وَهُوَ حَال ، أَيْ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فِي التَّحَدِّي ، وَالْمُرَاد بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَات ، وَمَوْقِع الْمِثْل مَوْقِعه مِنْ قَوْله : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} أَيْ عَلَى صِفَته مِنْ الْبَيَان وَعُلُوّ الطَّبَقَة فِي الْبَلَاغَة .

    قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيته وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّه إِلَيَّ »

    أَيْ إِنَّ مُعْجِزَتِي الَّتِي تَحَدَّيْت بِهَا الْوَحْيُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيَّ وَهُوَ الْقُرْآن، لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْجَاز الْوَاضِح ، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَصْر مُعْجِزَاته فِيهِ ، وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْمُعْجِزَات مَا أُوتِيَ مَنْ تَقَدَّمَهُ ، بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا دُون غَيْره ، لِأَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ مُعْجِزَة خَاصَّة بِهِ لَمْ يُعْطَهَا بِعَيْنِهَا غَيْره تَحَدَّى بِهَا قَوْمه ، وَكَانَتْ مُعْجِزَة كُلّ نَبِيّ تَقَع مُنَاسِبَة لِحَالِ قَوْمه كَمَا كَانَ السِّحْر فَاشِيًا عِنْد فِرْعَوْن فَجَاءَهُ مُوسَى بِالْعَصَا عَلَى صُورَة مَا يَصْنَع السَّحَرَة لَكِنَّهَا تَلَقَّفَتْ مَا صَنَعُوا ، وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إِحْيَاء عِيسَى الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص لِكَوْنِ الْأَطِبَّاء وَالْحُكَمَاء كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَان فِي غَايَة الظُّهُور ، فَأَتَاهُمْ مِنْ جِنْس عَمَلهمْ بِمَا لَمْ تَصِل قُدْرَتُهمْ إِلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْعَرَبُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَايَةِ مِنْ الْبَلَاغَةِ ،جَاءَهُمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ .

    وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ ، لَا صُورَة وَلَا حَقِيقَة ، بِخِلَافِ غَيْره مِنْ الْمُعْجِزَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مِثْلٍ .

    وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّ كُلّ نَبِيّ أُعْطِيَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ مَا كَانَ مِثْلُهُ لِمَنْ كَانَ قَبْله صُورَة أَوْ حَقِيقَة ، وَالْقُرْآنُ لَمْ يُؤْتَ أَحَد قَبْله مِثْله ، فَلِهَذَا أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ :« فَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَكْثَرهمْ تَابِعًا » .

    وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ الَّذِي أُوتِيته لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ تَخْيِيل ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام مُعْجِز لَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يَأْتِي بِمَا يَتَخَيَّل مِنْهُ التَّشْبِيه بِهِ ، بِخِلَافِ غَيْره فَإِنَّهُ قَدْ يَقَع فِي مُعْجِزَاتهمْ مَا يَقْدِر السَّاحِر أَنْ يُخَيِّل شَبَهه فَيَحْتَاج مَنْ يُمَيِّز بَيْنهمَا إِلَى نَظَر ، وَالنَّظَر عُرْضَة لِلْخَطَأِ ، فَقَدْ يُخْطِئ النَّاظِر فَيَظُنّ تَسَاوِيهِمَا .

    وَقِيلَ: الْمُرَاد أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ اِنْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهمْ فَلَمْ يُشَاهِدهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا ، وَمُعْجِزَة الْقُرْآن مُسْتَمِرَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ، وَخَرْقه لِلْعَادَةِ فِي أُسْلُوبه وَبَلَاغَته وَإِخْبَاره بِالْمَغِيبَاتِ ، فَلَا يَمُرّ عَصْر مِنْ الْأَعْصَار إِلَّا وَيَظْهَر فِيهِ شَيْء مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلّ عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ ، وَهَذَا أَقْوَى الْمُحْتَمَلَات ، وَتَكْمِيله فِي الَّذِي بَعْده .

    وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعْجِزَات الْمَاضِيَة كَانَتْ حِسِّيَّة تُشَاهَد بِالْأَبْصَارِ كَنَاقَةِ صَالِح وَعَصَا مُوسَى ، وَمُعْجِزَة الْقُرْآن تُشَاهَد بِالْبَصِيرَةِ فَيَكُون مَنْ يَتْبَعهُ لِأَجْلِهَا أَكْثَر ، لِأَنَّ الَّذِي يُشَاهَد بِعَيْنِ الرَّأْس يَنْقَرِض بِانْقِرَاضِ مُشَاهِده ، وَاَلَّذِي يُشَاهَد بِعَيْنِ الْعَقْل بَاقٍ يُشَاهِدهُ كُلّ مَنْ جَاءَ بَعْد الْأَوَّل مُسْتَمِرًّا.

    قُلْت : وَيُمْكِن نَظْم هَذِهِ الْأَقْوَال كُلّهَا فِي كَلَام وَاحِد ؛ فَإِنَّ مُحَصَّلهَا لَا يُنَافِي بَعْضه بَعْضًا .

    قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « فَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَكْثَرهمْ تَابِعًا يَوْم الْقِيَامَة »

    رَتَّبَ هَذَا الْكَلَام عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُعْجِزَة الْقُرْآن الْمُسْتَمِرَّة لِكَثْرَةِ فَائِدَته وَعُمُوم نَفْعه ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدَّعْوَة وَالْحُجَّة وَالْإِخْبَار بِمَا سَيَكُونُ ، فَعَمَّ نَفْعه مَنْ حَضَرَ وَمَنْ غَابَ وَمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ ، فَحَسُنَ تَرْتِيب الرَّجْوَى الْمَذْكُورَة عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الرَّجْوَى قَدْ تَحَقَّقَتْ ، فَإِنَّهُ أَكْثَر الْأَنْبِيَاء تَبَعًا ، وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَاب الرِّقَاق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

    وَتَعَلَّقَ هَذَا الْحَدِيث بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ الْقُرْآن إِنَّمَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمَلَك لَا بِالْمَنَامِ وَلَا بِالْإِلْهَامِ . وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهمْ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء :

    أَحَدهَا: حُسْنُ تَأْلِيفِهِ وَالْتِئَام كَلِمِهِ مَعَ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ .

    ثَانِيهَا: صُورَةُ سِيَاقِه وَأُسْلُوبه الْمُخَالِف لِأَسَالِيب كَلَام أَهْل الْبَلَاغَة مِنْ الْعَرَب نَظْمًا وَنَثْرًا حَتَّى حَارَتْ فِيهِ عُقُولهمْ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْإِتْيَان بِشَيْءٍ مِثْله مَعَ تَوَفُّر دَوَاعِيهمْ عَلَى تَحْصِيل ذَلِكَ وَتَقْرِيعه لَهُمْ عَلَى الْعَجْز عَنْهُ.

    ثَالِثهَا: مَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِخْبَار عَمَّا مَضَى مِنْ أَحْوَال الْأُمَم السَّالِفَة وَالشَّرَائِع الدَّاثِرَة مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَم مِنْهُ بَعْضه إِلَّا النَّادِر مِنْ أَهْل الْكِتَاب .

    رَابِعهَا: الْإِخْبَار بِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْكَوَائِن الَّتِي وَقَعَ بَعْضُهَا فِي الْعَصْر النَّبَوِيّ وَبَعْضهَا بَعْده .

    وَمِنْ غَيْر هَذِهِ الْأَرْبَعَة آيَات وَرَدَتْ بِتَعْجِيزِ قَوْم فِي قَضَايَا أَنَّهُمْ لَا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1