Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التحبير لإيضاح معاني التيسير
التحبير لإيضاح معاني التيسير
التحبير لإيضاح معاني التيسير
Ebook704 pages5 hours

التحبير لإيضاح معاني التيسير

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير من الكتب القيمة لدى للباحثين والأساتذة في فروع علم الحديث الشريف؛ حيث يندرج كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير ضمن نطاق علوم الحديث الشريف والفروع قريبة الصلة من علوم فقهية وسيرة وغيرها من فروع الهدي النبوي
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 27, 1903
ISBN9786499414863
التحبير لإيضاح معاني التيسير

Read more from الصنعاني

Related to التحبير لإيضاح معاني التيسير

Related ebooks

Related categories

Reviews for التحبير لإيضاح معاني التيسير

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التحبير لإيضاح معاني التيسير - الصنعاني

    الغلاف

    التحبير لإيضاح معاني التيسير

    الجزء 1

    الصنعاني

    1182

    يعتبر كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير من الكتب القيمة لدى للباحثين والأساتذة في فروع علم الحديث الشريف؛ حيث يندرج كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير ضمن نطاق علوم الحديث الشريف والفروع قريبة الصلة من علوم فقهية وسيرة وغيرها من فروع الهدي النبوي

    التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*)

    تَأليف

    العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير

    حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه

    محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مَصْعَب

    الجُزء الأول

    مَكتَبَةُ الرُّشد

    ناشرون (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير.

    وفي (ج): التحبير شرح التيسير.

    والمثبت من المخطوط (ب).

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1433 هـ - 2012 م

    مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون

    المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض

    الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818

    ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497

    E-mail:info@rushd.com.sa

    Website:www.rushd.com.sa

    فروع المكتبة داخل المملكة

    - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332

    - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500

    - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506

    - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427

    - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354

    - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358

    - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402

    - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473

    - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246

    - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115

    - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927

    - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625

    مكاتبنا بالخارج

    - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653

    - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05 التَّحبير

    لإيضَاح مَعَاني التَّيسير

    - 1 -

    الجزء الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    أولاً: مقدمة المحقق

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.

    {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]

    {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]

    {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71].

    أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    وبعد:

    فالسنة النبوية هي التي فصلت الفروع، وأتمت بيان الكثير منها، وهي التي وضعت القواعد ليبنى عليها ما يَجّد للناس من أحداث.

    وقد أجمع المسلمون على أن السنة النبوية متى ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت حجة في الدين ودليلاً من أدلة الأحكام، وجب اتباعها، والرجوع إليها، والعمل بمقتضاها.

    فلأهمية السنة النبوية وضرورتها، اعتنى العلماء اعتناءً بالغاً بالحفاظ عليها فألفوا المصنفات العديدة فيها، كالجوامع والسنن والمسانيد والمستخرجات وغيرها ... كما صنفوا كتباً تبين قواعد وقوانين قبول ورد الروايات المذكورة في كتب السنة، وتوضيح مختلف العلوم المتعلقة بأسانيدها ومتونها، وسميت بكتب علم أصول الحديث.

    والسنة لغة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة (1)، قال خالد بن عُتبة الهذلي:

    فلا تجزعَنْ من سيرة أنت سِرتها ... فأوَّلُ راضٍ سنة من يسيرُها

    وفي التنزيل العزيز: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} (2) قال الزجاج: سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب، فطلب المشركون أن قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} (3).

    وفي الحديث: من سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُهَا، وأجرُ من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (4).

    وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمَر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونَهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة، أي: القرآن والحديث. (1) قال ابن منظور في لسان العرب (13/ 225): مادة: سنن.

    (2) الكهف: (55).

    (3) الأنفال: (32).

    (4) أخرجه مسلم رقم (704).

    فلذا أوجب الله على المسلمين اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يأمر وينهى، فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، أي: ما أعطاكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الفيء فخذوه لكم حلال، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا، واتقوا الله في أمر الفيء، إن الله شديد العقاب على ما نهاكم عنه الرسول. هذا هو المعنى الأصلي للآية الذي يدلّ عليه السياق.

    ولكن الآية عامّة في كل شيء يأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إيّاه وأوصله إلينا.

    فهذه الآية الكريمة نصٌ صريح في أن كل ما أتانا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغه إلينا من الأوامر وغيرها، سواء كانت مذكورة في الكتاب، أي: القرآن المجيد، أو السنة، أي: كل ما صحّ رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، واجب علينا قبوله، وكذا كل ما نهانا عنه من المنهيات والمنكرات المبينة في الكتاب أو السنة، واجب علينا اجتنابه والانتهاء عنه (2).

    وعن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات (3)، والنامصات والمتنمصات (4)، والمتفلجات (5) للحسن المغيرات خلق الله، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد (1) الحشر: (7).

    (2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (18/ 17 - 19).

    (3) الواشمة: فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة.

    (4) هي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة: التي تطلب فعل ذلك بها.

    (5) المتفلجات: هن اللواتي يعالجن أسنانهن بعد ما شرعن في السن حتى يكون لها تحدد ورقة وأشر فيشبهن بالشواب.

    يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات، والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله - عز وجل -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فقالت المرأة: فإنّي أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن قال: اذهبي فانظري، قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئاً فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها (1) " (2).

    وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3)، والمعنى: إن اختلفتم أيها المؤمنون في شيء من أمر دينكم، فردوه إلى الله - أي فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي استجرتم فيه من كتاب الله، فإن لم تجدوا علم ذلك في كتاب الله، فارتادوا معرفة ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان حياً، أو بالنظر في سنته إن كان ميتاً (4).

    وحدَّث أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سمعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم (5). (1) أي: لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها.

    (2) أخرجه مسلم (14/ 105 - 107/ شرح النووي).

    (3) النساء: (59).

    (4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 261 - 262).

    (5) أخرجه مسلم رقم (1337).

    وقد حذر الله تعالى من مخالفة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (1).

    وعن أبي موسى - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما مثلي ومثلُ ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم! إني رأيتُ الجيش بعينيَّ، وإني أنا النذير العُرْيان (2)، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا (3)، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثلُ من عصاني وكذب بما جئت به من الحق (4).

    واعتبر من علامات النفاق، الإعراض عن تحكيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مواطن الخلاف، فقال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)} (5). (1) النور: (64).

    (2) هو رجل من خثعم، حمل عليه يومَ ذي الخَلَصة ... فقطع يده ويد امرأته، ... لسان العرب (15/ 48). أو هو ربيئة القوم وعينهم يكون في مكانٍ عالٍ، فإذا رأى العدو قد أقبل نزع ثوبه وألاح به لينذر قومه ويبقى عرياناً. النهاية في غريب الحديث (3/ 225).

    (3) أي: ساروا من أول الليل.

    (4) أخرجه البخاري رقم (7283)، ومسلم رقم (2283).

    (5) النور: (48 - 50).

    وأقسم تعالى على نفي إيمان من لم يحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (1).

    وأخيراً فمهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة للقرآن الكريم تبيين المجمل، وتفسير المشكل، وتخصيص العام، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} (2). فبيان الرسول وتفسيره - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، ومن المعلوم أن الأخذ بهذه الأحاديث والعمل بمقتضاها واجب علينا.

    واعلم أخي المسلم علماً جازماً لا يداخله الشك أننا لن نضل عن الطريق المستقيم، ولن نتيه في شعاب الباطل، ما دمنا متمسكين بكتاب الله العزيز، وبسنة الرسول الكريم. قال - صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين (3): (أولهما): كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي (4) أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (5). (1) النساء: (65).

    (2) النحل: (44).

    (3) سماهما ثقلين: لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، أو إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما. النهاية: 1/ 216.

    (4) لأنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إمّا لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إيّاها. فلذا ذُكِرَ أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث. انظر المرقاة للقاري (1/ 199).

    (5) أخرجه الإمام مسلم (15/ 179، 180 - شرح النووي)، من حديث زيد بن أرقم. والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 368)، وابن أبي عاصم في السنة (1550 و1551)، وأحمد في المسند (4/ 366 - 367).

    وقال - صلى الله عليه وسلم -: يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهو حديث صحيح (1).

    ومن خالف الكتاب والسنة فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً.

    وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى، ظافر بكل الخير دنيا وأخرى.

    وإن السنة النبوية من الذكر، وإنها محفوظة عن الضياع، ومأمونة من الاختلاط بغيرها، بالأدلة الآتية:

    1 - قال تعالى واصفاً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (2). فصح لنا بذلك أن الوحي من الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ينقسم إلى قسمين:

    أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظم والتأليف وهو القرآن الكريم.

    والثاني: وحي موحىً بمعناه، غير معجز النظم ولا متعبَّد بتلاوته، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (3)، فأخبر تعالى كما قدمنا أنّ كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكر محفوظ بنصّ القرآن.

    قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (4)، فثبت بذلك أنّ كلامه - صلى الله عليه وسلم - محفوظ بحفظ الله، مضمون لنا، وأنه لا يضيع منه شيء ولا يحرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه. (1) أخرجه الحاكم (1/ 93) من حديث ابن عباس. وصححه ووافقه الذهبي. وانظر طرق الحديث في الصحيحة (4/ 355 - 361) للألباني.

    (2) النجم: (3 - 4).

    (3) الأنبياء: (45).

    (4) الحجر: (9).

    2 - الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأمور ببيان القرآن للناس بنصّ القرآن الصريح، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1)؛ لأن في القرآن مجملاً ومطلقاً وعاماً ومشكلاً، فلا بد من تفصيل المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيانه، فإن كان بيانه - صلى الله عليه وسلم - غير محفوظ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، وبالتالي بطلت أكثر الشرائع المفروضة علينا فيه, لجهلنا بمراد الله تعالى منها.

    3 - إن الله تعالى جعل محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم أنبيائه ورسله، وجعل شريعته الشريعة الخاتمة، وكلف الناس بالإيمان به، واتّباع شريعته إلى يوم القيامة، ونسخ كل شريعة تخالفها، فمما تقتضيه إقامة حجة الله على خلقه أن يبقى دينه - صلى الله عليه وسلم -، ويحفظ شرعه، إذ من المحال أن يكلف الله عباده بأن يتبعوا شريعة معرضة للزوال أو الضياع، ومعلوم أنّ المرجعين الأساسيين للشريعة الإسلامية هما القرآن والسنة، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2). فحجة الله على عباده لا تقوم إلا بحفظ رسالته وشرعه، وهذا الحفظ لا يتم إلا بحفظ الكتاب والسنة (3).

    واعلم أخي المسلم: أن المسلمين حفظوا السنة في صدورهم وصحفهم، فساهمت الذاكرة والأقلام والصحف في حفظ السنة المطهرة, وسار الحفظ في الصدور وفي الصحف جنباً إلى جنب في سبيل هذه الغاية.

    فحفظت السنة على أسلم القواعد العلمية، واهتم بها المسلمون اهتمامهم بالقرآن الكريم، لأنها المصدر الثاني للتشريع، وستبقى محفوظة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. (1) النحل: (44).

    (2) النساء: (59).

    (3) انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 96 - 99).

    والكتاب الذي أقدمه القراء - هو أحد تلك المؤلفات الطيبة المفيدة للإمام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الذي شرح فيه كتاب تيسير الوصول إلى جامع الأصول للشيخ العلامة ابن الديبع، والذي اختصره من جامع الأصول لابن الأثير. والتي جمع فيها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين: الموطأ - صحيح البخاري - صحيح مسلم - سنن أبي داود - سنن الترمذي - سنن النسائي - التي حوت معظم ما صح عن النبي الكريم، فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد، بعد أن رتَّبها وهذَّبها، وذلل صعابها، وقرب نفعها، وافتتحه بمقدمة ضافية فصل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب، وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها، وختمها بتراجم الأئمة الستة الذين جمع كتبهم في تأليفه هذا.

    فجاء فذّاً في بابه، لم ينسج أحد - فيما نعلم على منواله.

    ولكن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير لم يكمل الشرح، فقد وافته المنية قبل إتمامه، نسأل الله لنا وله وللمسلمين أجمعين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    وكتبه:

    محمد صبحي بن حسن حلاق

    أبو مصعب

    صنعاء 13/ 11/ 1428 هـ

    الموافق 23/ 11/ 2007 م

    ثانياً: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير

    1 -

    اسمه ونسبه:

    هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي بن حفظ الدين بن شرف الدين بن صلاح بن الحسن بن المهدي بن محمد بن إدريس بن علي بن محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين (1) بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (2).

    2 -

    مولده:

    ولد بمدينة كحلان (3)، وإليها ينسب، فيقال: الكحلاني، ليلة الجمعة منتصف جمادى الآخرة، سنة تسع وتسعين وألف (1099 هـ) (4).

    3 -

    نشأته:

    قال الشوكاني (5): لما كان عام (1107 هـ) سبعة ومائة وألف من الهجرة، انتقل والده وأهله إلى صنعاء، وسنه ثمان سنوات، فنشأ بها، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، وأسلمه إلى النحارير من أهل العلم، حتى تخرج عليهم عالماً فاضلاً يشار إليه بالبنان. (1) يلتقي نسبه مع نسب مؤلف التنقيح - ابن الوزير - في الحسين بن القاسم. انظر: العواصم والقواصم (1/ 101).

    (2) البدر الطالع (2/ 133).

    (3) كحلان: مدينة جبلية في الشرق الشمالي من حجة بمسافة (17 كم).

    (4) البدر الطالع (2/ 133).

    (5) البدر الطالع (2/ 133).

    4 - مشايخه:

    ذكر الشوكاني (1): أربعة من مشائخه بصنعاء وهم:

    1 - السيد العلّامة - زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم بن محمد، المحقق الكبير شيخ مشايخ صنعاء في عصره في العلوم (1075 - 1123 هـ) (2).

    2 - السيد العلامة - صلاح بن الحسين الأخفش الصنعاني، العالم المحقق الزاهد المشهور المتقشف المتعفف، كان لا يأكل إلا من عمل يده, وله في إنكار المنكر مقامات محمودة، وهو مقبول القول، عظيم الحرمة، مهاب الجناب، وكان لا يخاف في الله لومة لائم. (ت: 1142 هـ) (3).

    3 - السيد العلّامة - عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الإله بن أحمد بن إبراهيم، برع في العلوم الآلية والتفسير (1074 - 1147 هـ)، وقيل: (ت: 1144 هـ) (4).

    4 - القاضي العلامة - علي بن محمد بن أحمد العنسي الصنعاني الشاعر البليغ القاضي المشهور، كان له تعلق بالعلم وتدريس في فنون قرأ عليه في النحو والمنطق. (ت: 1139 هـ) (5).

    - ولم يذكر الشوكاني من

    مشايخه

    غير هؤلاء الأربعة, كما لم يذكر بالتفصيل العلوم التي درسها عليهم، ولعلَّه اقتصر على أشهر مشايخه أو أوائل من تلقى العلم عنهم، حيث قد ذكر غيره غيرهم. (1) البدر الطالع (2/ 133).

    (2) البدر الطالع (1/ 253).

    (3) البدر الطالع (1/ 296).

    (4) البدر الطالع (1/ 388).

    (5) البدر الطالع (1/ 475 - 476).

    - ففي ترجمته في مقدمة ضوء النهار (1) قال:

    - أخذ عن السيد - صلاح بن حسين في شرح الأزهار قبل انتقاله مع أبيه إلى صنعاء.

    - وأخذ عن زيد بن محمد بن الحسين - في علوم شتى.

    - وأخذ عن السيد الحافظ - هاشم بن يحيى بن أحمد الشامي، أحد العلماء المشاهير والأدباء المجدين (1104 - 1158 هـ) (2).

    - وأخذ عن الشيخ عبد الخالق بن الزين الزجاجي الحنفي الزبيدي.

    وقد ارتحل إلى مكة والمدينة وغيرها من المناطق، والتقى خلالها بعلماء أفاضل كعبد الرحمن بن أبي الغيث - خطيب المسجد النبوي - وطاهر بن إبراهيم بن حسين الكردي المدني، ومحمد بن عبد الهادي السندي، ومحمد بن أحمد الأسدي، وكان من شيوخه بالحرمين: سالم بن عبد الله البصري. (ت:1134 هـ).

    5 -

    تلامذته:

    وقد كثر أتباع الصنعاني من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده، وتظهروا بذلك، وقرءوا عليه كتب الحديث (3).

    وله تلامذة نبلاء علماء منهم:

    1 - السيد العلامة: عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر بن الناصر، وهو الإمام المحدث الحافظ المسند المجتهد المطلق (1135 - 1207 هـ) (4). (1) (1/ 16).

    (2) البدر الطالع (2/ 321).

    (3) البدر الطالع (2/ 137).

    (4) البدر الطالع (1/ 360 - 368).

    2 - القاضي العلامة: أحمد بن محمد بن عبد الهادي بن صالح بن عبد الله بن أحمد قاطن. قال الشوكاني: وكان له شغف بالعلم، وله عرفان تام بفنون الاجتهاد على اختلاف أنواعها، وكان له عناية كاملة بعلم السنة. (1118 - 1199 هـ) (1).

    3 - القاضي العلامة: أحمد بن صالح بن محمد بن أحمد بن صالح، المعروف بابن أبي الرجال، الصنعاني، ولد يوم السبت خامس شهر محرم (1140 هـ) أربعين ومائة وألف. ومات سنة (1191 هـ) إحدى وتسعين ومائة وألف (2).

    4 - السيد العلامة: الحسن بن إسحاق بن المهدي. (1093 - 1160 هـ) (3).

    5 - السيد العلامة: محمد بن إسحاق بن الإمام المهدي أحمد بن الحسن.

    قال الشوكاني: هو من أئمة العلم المجمع على جلالتهم، ونبالتهم، وإحاطتهم بعلوم الاجتهاد. ولد سنة (1090 هـ) (4).

    6 - السيد العلامة: الحسين بن عبد القادر بن الناصر بن الناصر بن عبد الرب بن علي. قال الشوكاني: الشاعر المشهور المجيد المكثر المبدع الفائق في الأدب، أشعاره كلها غرر، وكلماته جميعها درر، وهو من محاسن اليمن، ومفاخر الزمن. مات سنة (1112 هـ) (5).

    وقد أكمل منظومة الصنعاني لبلوغ المرام.

    - وكان من تلاميذه أبناؤه:

    7 - إبراهيم بن محمد بن إسماعيل: (1) البدر الطالع (1/ 114).

    (2) البدر الطالع (1/ 61 - 62).

    (3) البدر الطالع (1/ 194).

    (4) البدر الطالع (2/ 127 - 128).

    (5) البدر الطالع (1/ 221 - 222).

    قال الشوكاني عنه: هو من أعيان العلماء، وأكابر الفضلاء، عارف بفنون من العلم لا سيما الحديث والتفسير. (1141 - 1213 هـ) (1).

    8 - عبد الله بن محمد بن إسماعيل:

    قال الشوكاني: برع في النحو والصرف والمعاني والبيان والأصول والحديث والتفسير، وهو أحد علماء العصر المفيدين العاملين بالأدلة، الراغبين عن التقليد، ولا شغلة له بغير العلم والإكباب على كتب الحديث. ولد سنة (1160 هـ) (2).

    9 - القاسم بن محمد بن إسماعيل:

    قال الشوكاني: وقد برع في علوم الاجتهاد، وعمل بالأدلة، وقال: الحاصل أنه من حسنات الزمان في جميع خصاله. (1166 - 1246 هـ) (3).

    6 -

    ورعه وزهده:

    إن الصنعاني - رحمه الله - يمثل العالم الورع الزاهد، حاله كحال العلماء الأجلاء رحمهم الله، لا همَّ لهم إلا مغفرة الله وطلب رضوانه، ولا يعني الزهد والورع عدم ممارسة الحياة والبحث عن الرزق، ولكنه يعني الارتفاع من أن تكون الدنيا غرضه وقصده, فيتهافت عليها كتهافت الفراش على النار.

    وهو القائل:

    وعففت عن أموالهم لا قطعة ... أقطعت أو مكس من الأسواق

    أو كيلة من أي مخزان فلا ... أشكو من الخزان والسواق

    عرضوا عليَّ وزارة وولاية ... فوقاني الرحمن أفضل واق (1) البدر الطالع (1/ 422 - 423)، وضوء النهار (1/ 19).

    (2) البدر الطالع (1/ 396 - 397).

    (3) البدر الطالع (2/ 52 - 53).

    جعل الوزارة والولاية لذتي ... في العلم ربي صادق الميثاق (1)

    7 -

    وفاته:

    مات - رحمه الله - بصنعاء في يوم الثلاثاء، ثالث شعبان، سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف، (1182 هـ - 1769 م) (2).

    وقد دفن غربي منارة جامع المدرسة بأعلى صنعاء عن ثلاث وثمانين سنة.

    8 -

    ثناء العلماء عليه:

    - قال عنه الإمام الشوكاني في البدر الطالع (3): الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف اهـ.

    - وقال الشوكاني عنه أيضاً في البدر الطالع (4): برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد، وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد، وزيَّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية اهـ.

    - وقال (5): وبالجملة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدّين.

    - ووصفه علاّمة زبيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل: بأمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين (6). (1) من ديوان الصنعاني (ص 294).

    (2) البدر الطالع (2/ 139).

    (3) (2/ 133).

    (4) (2/ 133).

    (5) الشوكاني في البدر الطالع (2/ 138).

    (6) النفس اليماني (ص 179).

    - وقال عنه إبراهيم بن عبد الله الحوثي في كتابه نفحات العنبر في تراجم أعيان القرن الثاني عشر:

    "الإمام العلاّمة المجتهد المتقن المتفنن المحدث الحافظ الضابط خاتمة المحققين، سلطان الجهابذة، وأستاذ الأساتذة، صاحب المصنفات المشهورة، سيد العلماء، قدوة العاملين، فخر المفاخرين، المعروف بالبدر الأمير (1).

    - وقال عنه العلامة محمد بن إسحاق المهدي، قصيدة تصل إلى أربعة عشر بيتاً منها:

    الله درّك يا بن إسماعيلا ... لم تتركن فتى سواك نبيلا

    حزت الفخار قليله وكثيره ... هلاّ تركت من الفخار قليلا

    وسلكت نهج الحق وحدك جاعلاً ... نور البصيرة لا سواه دليلا

    9 -

    عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير:

    ابن الأمير من الأعلام الناشرين لعلوم الكتاب والسنة في كثير من الأقطار الإسلامية. فقد كان مؤمناً بالله كل الإيمان:

    أنا مؤمنٌ بالله ثم بِرُسْلِه ... وبكُتْبه وببعثه ولقائه (2)

    لا يشوب إيمانه نفاق أو تزوير، وأنعم بهذا الإيمان زاداً بنير الطريق في الدنيا والآخرة، ويستوجب الشكر لله على إنعامه به عليه:

    والزاد كل الزاد في التوحيد والـ ... إيمان بالراقي لسبع طباق

    وأنا بحمد الله ربي مؤمن ... ما شِيْبَ إيماني بشرب نفاق (1) كما في نشر العرف (3/ 33)، وأما نفحات العنبر في تراجم أعيان القرن الثاني عشر لا يزال مخطوطاً. وقد تم تحقيقه ونشره في مكتبة الجيل الجديد - صنعاء.

    (2) الديوان: (ص 54).

    وبذا أجيب مسائلي في حفرتي ... وبه ختام القول عند سياقي

    هذا بفضل الله ربي وحده ... أتت النصوص به على الإطلاق (1)

    بل فضله بعد الممات مضاع ... والفضل عند الموت منه باقي

    فهو يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، إيمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه بذلك، لا يحيد عنه إلى غير طريق السلف الصالح، من الطرق الأخرى الملتوية في عقيدتها، المطعون في إيمانها من الفرق الضالة كالجهمية والناصبة والرافضة والجبرية وغيرها، بل اعتماده على الكتاب والسنة، ومن أجل ذلك نجده يقول:

    ألم يعلموا أنا اتحدنا عقيدة ... فما أنا جهميُّ ولا أنا بالكسب

    وقد طالما فتشتُ كل دقيقة ... وساءلت عنها كل ذي فكرة ندب (2)

    ما عندنا نَصْبٌ ولارَفْضٌ ولا ... جبر ولا لي بالهوى إلمام

    عندي كتاب الله أشرف منزل ... والمصطفى حسبي بذين إمام (3)

    والدارس لمؤلفات ابن الأمير يلحظ غلبة الطابع السلفي عليه وتأثره به، ومما يرجح ذلك: رسالة تطهير الاعتقاد المتضمنة على ذلك بوضوح.

    وقال البدر في حاشية الأنوار على الإيثار - ولم تكمل هذه الحاشية -:

    قد جاءنا برد اليقين من الـ ... مختار في القرآن والسنن

    فاقنع به ودع الوقوف على ... أطلال أهل الشرك والدمن

    آي الكتاب كفت دلالتها ... صحب الرسول وعابدي الوثن (1) الديوان: (295).

    (2) الديوان: (ص 76).

    (3) الديوان: (ص 385).

    وانقاد كل بالزمام لها ... أهل الذكاء والفهم والفطن

    لكن طلبت الحق من طرقٍ ... معوجة ليست على سنن

    قد كان فيها الجبائي سلفاً ... والأشعري أيضاً أبو الحسن

    والجعد قبلهما وجهم لقد ... باعا الهدى جهلاً بلا ثمن

    أفضت إلى تضليل سالكها ... وإلى التباغض فيه وإلا حن

    فسلكت مسلكهم فحرت كما ... قد قلته في شعرك الحسن

    فضللت في تيه بلا علم ... وغرقت في بحر بلا سفن (1)

    وقال البدر في رسالته الإشاعة في بيان من نهى عن فراقه الجماعة رقم (68): " ... ولأنه معلوم أن الأشعرية قد ابتدعت بدعاً في علم الكلام مذمومة مخالفة لما كان عليه سلف الأمة، ففراق ما هم عليه من الابتداع مأمور به، لا منهي عنه، فليسوا بأهل السنة ولا بالجماعة.

    وقد بسطنا هذا في الأنفاس اليمنية الرحمانية قي الرد على بعض علماء الأشعرية (2).

    وقد مدح البدر الصحابة والتابعين وأهل الحديث كالإمام البخاري ومسلم رضوان الله عليهم أجمعين:

    سلام على أهل الحديث فإنني ... نشأت على حب الأحاديث من مهدي

    هم بذلوا في حفظ سنة أحمد ... وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد

    وأعني بهم أسلاف أمةِ أحمدَ .... أولئك في بيت القصيد هُمُ قصدي

    أولئك أمثال البخاري ومسلم ... وأحمد أهل الجدَ في العلم والجد (1) الديوان: (ص 408 - 409).

    (2) الأنفاس الرحمانية اليمنية قي أبحاث الإفاضة المدنية رقم الرسالة (16) من عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير.

    بحور وحاشاهم عن الجزر إنما ... لهم مدد يأتي من الله بالمَد

    كفاهم كتاب الله والسنة التي ... وأهل الكساهيهات ما الشوك كالورد

    أولئك أهدى في الطريقة منكم ... فهم قدوتي حتى أوسَّد في لحدي (1)

    وهناك بعض الانتقادات توجه إلى ابن الأمير، لا بد من البحث فيها والوصول إلى الحق، مع حبي وتقديري لهذا الإمام الذي عشت معه أكثر من عشرين سنة، دارساً لكتبه، متعلماً من علومه وآرائه, وفي النهاية محققاً لتراثه الذي ظل حبيس خزائن المخطوطات الخاصة والعامة، ينتظر أيدي الباحثين الحانية؛ لتفك عنه أسره؛ وتمسح عنه غبار الأزمان، وتقدمه للناس ليستفاد منه.

    لكن هذا الحب لهذا الإمام الجليل لن يدفعني إن شاء الله إلى تعصب مذموم، ولا إلى حب يطغى على حق.

    وإن تذكرت هنا شيئاً فإني أتذكر قول ابن قيم الجوزية - رحمه الله -، وهو يعلق على أبي الحسن الهروي حيث قال: أبو الحسن حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا منه.

    وإنها العبارة نفسها: ابن الأمير حبيب إليَّ، ولكن الحق أحب إليَّ منه.

    إنها مشكاة واحدة لا نتعصب لقول، ولا نرجح رأي، إلا إذا كان الحق والدليل يدعمانه ويوجهانه.

    كما أنني لا أدعي العصمة لابن الأمير، ولا أقول عنه إلا أنه من البشر، والبشر يخطئون ويصيبون.

    أما الانتقادات فهي:

    1 -

    قوله بعد ذكر اسم علي - رضي الله عنه - (- عليه السلام -):

    (1) الديوان (ص 168). والرسالة النجدية رقم (18) من عون القدير ....

    لقد تعارف بعض العلماء على أن هذا القول يقال إما للملائكة، فتقول مثلاً - جبريل - عليه السلام. أو - رضوان - عليه السلام. أو يقال للأنبياء فتقول: نوح - عليه السلام -. أو صالح - عليه السلام -.

    أما أصحابه رضوان الله عليهم فإنه يقال: عمر: - رضي الله عنه -. الحسن: - رضي الله عنه -. وكذلك التابعون وتابعوهم ومن جاء بعدهم من الأئمة والعلماء والصالحين، يدعى لهم بالرحمة. فيقال: - رحمه الله - ..

    أما تخصيص بعض الأفراد من الصحابة أو التابعين أو غيرهم بقوله: - عليه السلام - فإن هذا مما يدل على تشيعه لكون ذلك قد صار شعاراً للرافضة.

    ورد ابن الأمير هذه التهمة حيث قال في سبل السلام (8/ 299 - 300) بتحقيقي: "اختلفوا أيضاً في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحيِّ فقيلَ: يُشرعُ مطلقاً، وقيل: تبعاً، ولا يفردُ بواحدٍ لكونه صارَ شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ محمد الجوينيِّ.

    قلت: هذا التعليلُ بكونِه صار شعاراً لا ينهضُ على المنع، والسلامُ على الموتى قد شرعه الله على لسانِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين [مسلم رقم (249)، وأحمد (2/ 300، 408)]، وكان ثابتاً في الجاهلية كما قال الشاعر:

    "عليكَ سلامُ الله قيسَ بنَ عاصمٍ ... ورحمتُه ما شاءَ أن يترحَّمَا

    فما كانَ قيسٌ موتُه موتُ واحدٍ ... ولكنه بنيانُ قومٍ تهدَّما" اهـ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1