Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التذكرة الحمدونية
التذكرة الحمدونية
التذكرة الحمدونية
Ebook654 pages5 hours

التذكرة الحمدونية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر الكثيرون كتاب التذكرة الحمدونية من الموسوعات الضخمة، حيث تمت طباعته على شكل 10 مجلدات، كما قال المؤلف محمد الحمدوني عن كتابه؛ بأنه نظم فيه فريد النثر ودرره، وأودعته غرر البلاغة، وضمنته مختار النظم وحبره، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 16, 1901
ISBN9786418592023
التذكرة الحمدونية

Related to التذكرة الحمدونية

Related ebooks

Reviews for التذكرة الحمدونية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التذكرة الحمدونية - ابن حمدون

    الغلاف

    التذكرة الحمدونية

    الجزء 5

    ابن حَمْدون

    563

    يعتبر الكثيرون كتاب التذكرة الحمدونية من الموسوعات الضخمة، حيث تمت طباعته على شكل 10 مجلدات، كما قال المؤلف محمد الحمدوني عن كتابه؛ بأنه نظم فيه فريد النثر ودرره، وأودعته غرر البلاغة، وضمنته مختار النظم وحبره، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها.

    في الخطب

    من شواهد الخطابة في الكتاب العزيز قوله سبحانه وتعالى في حق داود عليه السلام: وشددنا ملكه أتيناه وفصل الخطابقال بعضهم: تتبعت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت أوائل أكثرها: الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونستغفه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .خطبته عليه السلام في حجة الوداع :الحمد لله، نحمده ونستعبنه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على العمل بطاعته، وأستفتح الله بالذي هو خير .أما بعد أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ؟اللهم أشهد. وأول ربا أبدأ به ربا العباس ين عبد المطلب. وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير الشدانة والسقاية. والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من الجاهلية .أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيمكا سوى ذلك فيما تحقرون من أعمالكمأيها الناس، إنما النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله. وإن الزمان قد استدر كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان. ألا هل بلغت ؟الهم اشهد .أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بأذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن اله تعالى قد أذن لكم أن تعضلوهن، وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله تعالى، واستحللتم فوجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا .أيها الناس أما المؤمنون أخوة، ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت. اللهم اشهد .ولا ترجعن كفارا بعدي يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن آخذتم به لن تضلوا: كتاب الله. ألا هل بلغت ؟اللهم اشهد .أيها الناس، ن إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم آدم من تراب ؛إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى .ألا هل بلغت ؟قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب .أيها الناس إن الله تعالى قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصية من أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه، ومن تولى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب سهيل بن عمرو فقال: والله إن هذا الدين الذي أصبحنا فيه سيمتد كامتداد الشمس في طلوعها. فقيل له: وإني علمت ؟فقال: رأيت رجلا وحيدا فريد الآمال ولا عز ولا عدد، قام في ظل الكعبة فقال: أنا رسول الله إليكم ؛فكنا من بين ضاحك وهازل، ومستعجل وراحم ؛فلم يزل أمره ينمى حتى دنى طوعا وكرها، ولو كان ذلك من عند غير الله تعالى ما كان إلا كالكرة في يد بغض سفهاء قريش. فلا يغنكم هذ - يعني أبو سفيان - من أنفسكم، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكن حسد بني عبد المطلب قد جثم على صدره وتمكن في حشاه .خطب سعد بن أبي وقاص في يوم الشورى فقال: الحمد لله بديا كان وآخرا يعود، أحمد كان أنجاني في الضلالة، وبصرني في العماية ؛فبرحمة الله فاز من نجا، وبهدي الله أفلح من وعى، وبمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم استقامت الطرق واستبانت السبل، فظهر كل حق ومات كل باطل، إياكم أيها النفر وقول أهل الزور وأمنية الغرور، فقد سكنت الأماني قبلكم قوما ورثوا ما ورثتم، ونالوا ما نلتم، فاتخذهم الله أعداء ولعنهم لعنا كثيرا، قال الله عز وجل: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون .وإني نكبت قرني فأخذت سهمي الفالج، وأخذت لطلحة بن عبيد الله في غيبته ما ارتضيت لنفسي في حضوري، فأنا به زعيم، وبما أعطيت عنه كفيل، والأمر إليك يا ابن عوف بصدق النفس وجهد النصح، وعلى الله قصد السبيل وإليه المصير .وقال لعمر ابنه حين نطق مع القوم فبذهم، وكانوا كلموه في الرضا عنه قال: هذا الذي أغضبني عليه، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون قوم يأكلون الدنيا بألستنهم كما تلحس البقر الأرض بألسنتها .ومن خطبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام في التوحيد :الحمد لله المعروف من غير رؤية، الذي لم يزل قائما دائما إذا لا سماء ذات أبراج، ولا حجب ذات أرتاج، ولا ليل داج، ولا بحر ساج، ولا جبل ذو فجاج، ولا فج ذو اعوجاج، ولا أرض ذو مهاد، ولا خلق ذو اعتماد ؛ذلك مبتدع الخلق ووارثه، وإله الخلق ورزاقه، ومسخر الشمس والقمر دائبين في مرضاته، يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، قسم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير، ومستقرهم ومستودعهم من الأرحام والظهور، إلى أن تتناهى بهم الغايات ؛هو الذي اشتد نقمته على أعدائه في سعة رحمته، واتسعن رحمته لأوليائه في شدة نقمته، قاهر من عازه، ومدمر من شاقه، ومذل من ناواه، وغالب من عاداه ؛من توكل عليه كفه، ومن سأله أعطاه، ومن افترضه قضاه، ومن شكره جزاه .عباد الله، زنوا أنفسكم من قبل إن توزنوا، وحاسبوا من قبل أن تحاسبوا، ونفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها لا زاجرو لا واعظ .ومن خطبة له عليه السلام في المعنى :الحمد لله الدال على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته، وباشتباههم على إن لا شبه له، لا تشمله المشاعر، ولا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع والمصنوع، والحاد والمحدود، والرب والمربوب، الأحد بلا تأويل والخالق لا بمعنى حركة ونصب، والسعيع لا بأداة، والبصير لا بتفريق آلة، والشاهد لا بمماسة، والبائن لا بتراخي مسافة، والظاهر لا برؤية، والباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء بالخضوع له والرجوع إليه ؛من وصفه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزليته، ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين فقد حيزه، عالم إذ لا معلوم، ورب إذ لا مربوب، وقادر إذ لا مقدور .ومن خطبة له في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: اختاره من شجرة الأنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرة البطحاء، ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة .وفي مثل ذلك والصلاة عليه: اللهم داحي المدحوات، وداعم المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك بركاتك على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل، كما حمل فاضطلع، قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك، غير نأكل عن قدم ولا واه في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على إنفاذ أمرك، حتى أورى قبس القابس، وأضاء الطريق للخابط، وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن والآثام، وأقام موضحات الأعلام ونيرات الأحكام ؛فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك بالحق، ورسولك إلى الخلق .اللهم افسح لهم مفسحا في ظلك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم لديك منزله، وأتمم له نوره، واجزه على ابتعاثك له مقبول الشهادة ومرضى المقالة، ذا منطق عدل وخطة فصل ؛اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة، وأمن الشهوات ولهو اللذات، ورخاء الدعة ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة .ومن خطبة له عليه السلام: أين من سعى واجتهد، وجمع وعدد، وبنى وشيد، وزخرف ونجد، وفرش ومهد .قال جعفر بن يحيى وقد ذكر هذا الكلام: هكذا تكون البلاغة: أن يقرن بكل كلمة أختها، فتلوح الأولى بالثانية قبل انقائها، وتزيد كل واحدة في نور الأخرى وضيائها .ومن خطبة له عليه السلام :نحمد على أخذ وأعطى، وعلى ما أبلى وابتلى، الباطن بكل خفية، الحافظ لكل سريرة، العالم بما تكن الصدور وما تخون العيون. ونشهد أن لا إله غيره، وان محمدا نجيه وبعيثه، شهادة يوافق فيها السر الإعلان والقلب اللسان .قال نوف البكالي: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وهو قائم عل حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي، وعليه مدرعة من صوف وحمائل سيفه من ليف، وفي رجليه نعلان من ليف وكأن جبينه ثفنة بعير، فقال: الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الأمر، نحمده على عظيم إحسانه، ونير برهانه، ونوامي فضله وامتنانه، حمدا يكون لحقه قضاء، ولشكره أداء، وإلى ثوابه مقربا، ولحسن مزيده موجبا، ونستعين يه استعانة راج لفضله، مؤمل لنفعه، واثق بدفعه، معترف له بالطول، مذعن له بالعمل والقول، ونؤمن به إيمان من رجاه موقنا، وأناب إليه مؤمنا، وخضع له مذعنا، وأخلص له موحدا، وعظمه ممجدا، ولاذ به راغبا مجتهدا، لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم يتقدمه وقت ولا زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم، فمن شواهد خلقه خلق السموات والأرض موطدات بلا عمد، وقائمات بلاسند، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات .ومنها: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش، وأسبغ عليكم المعاش، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما أو لدفع الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود، عليهما السلام، الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة وعظيم الزلفة، فلما استوفى طعمته، واستكمل مدته، رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، ورثها قوم آخرون .وإن لكم في القرون السالفة لعبرة: أين العمالقة وأبناء العمالقة ؟أين الفراعنة وأبناء الفراعنة ؟أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين، وأطفأوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين ؟أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا الألوف، وعسكروا العساكر، ومدنوا المدائن .ومن خطبة له عليه السلام :أحمده شكرا لإنعامه، وأستعينه على وظائف حقوقه، عزيز الجند عظيم المجد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دعا إلى طاعته وقهر أعداءه جهادا عن دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماع على تكذيبه، والتماس لإطفاء نوره .فاعتصموا بتقوى الله، فإن لها حبل وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته، وبادروا الموت وغمراته، أمهدوا له قبل حلوله، وأعدوا له قبل نزوله، فإن الغاية القيامة، وكفى بذلك واعظا لمن عقل، ومعتبرا لمن جهل .وقبل بلوغ الغاية ما تعملون من ضيق الأرماس، وشدة الإبلاس، وهو المطلع، وروعات الفزع، واختلاف الأضلاع، واستكاك الأسماع، وظلمة اللحد، وخيفة الوعد، وغم الضريح، وردم الصفيح، فالله الله عباد الله، فإن الدنيا ماضية بك سنن، وأنتم والساعة في قرن، وكأنها قد جاءت بأشراطها، وأزفت بأفراطها، ووقفتكم على صراطها ؛وكأنها قد أشرفت بزلازلها، وأناخت بكلاكلها وانصرمت الدنيا بأهلها، وأخرجتهم من حضنها، وكانت كيوم مضى وشهر انقضى، وصار جديدها رثا، وسمينها غثا، في موقف ضنك المقام، وأمور مشتبهة عظام، ونار شديد كلبها، عال لجبها، ساطع لهبها، مغيظ زفيرها، متأجج سعيرها، بعيد خمودها، ذاك وقودها، مخوف وعيدها، عميق قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا قد أمن العذاب، وانقطع العتاب وزحزحوا عن النار واطمأنت بهم الدار، ورضوا المثوى والقرار، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية، وأعينهم باكية، وكان ليلهم في دنياهم نهارا تخشعا واستغفارا، وكان نهارهم ليلا توحشا وانقطاعا ؛جعل الله لهم الجنة ثوابا، وكانوا أحق بها وأهلها في ملك دائم ونعيم قائم، فارعوا عباد الله ما برعايته يفوز فائزكم، وبإضاعته يخسر مبطلكم، وبادروا آجالكم بأعمالكم، فإنكم مرتهنون بما أسفلتم، ومدينون بما قدمتم، وكأن قد نزل بكم المخوف فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون، استعملنا الله وإياكم بطاعته وطاعة رسوله، وعفا عنا وعنكم بفضل رحمته .الزمر الأرض واصبروا عن البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم، فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته مات شهيدا، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما يؤتى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه، فإن لكل شيء مدة وأجلا .وخطب لما ورد عليه مقتل محمد بن أبي بكر وغلبة أصحاب معاوية على مصر، فقال بعد أن حمد الله تعالى :ألا أن مصر أصبحت قد فتحت، ألا وأن محمد بن أبي بكر قد أصيب، رحمة الله وعند الله نحتسبه، أما والله إن كان لمن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدي المؤمن .إني والله لا ألوم نفسي في تقصير ولا عجز ؛إني بمقاساة الحرب جد عالم خبير، وإني لأتقدم في الأمر فأعرف وجه الحزم، وأقوم فيه بالرأي المصيب معلنا، وأناديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا إلى عواقب الفساد، وأنتم لا تدرك بكم الأوتار، ولا يشفي بكم الغليل .دعوتكم إلى غياث إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نية في جهاد عدو ولا احتساب أجر، وخرج جيل ضعيف كأنما يساقون إلى الموتوهم ينظرون .خطب الحسن بن عليهما السلام بعد وفاة أبيه فقال :أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام شدة ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فسبقت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع. وكنتم في مبتداكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم وكنتم لنا، فصرتم الآن كأنكم علينا، ثم أصبحتم بعد ذلك تعدون قتيلين: قتيلا بصفين تبكون عليه وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره. فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر، وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه إليه، وحاكمناه إلى الله تعالى، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا بالرضى. فناداه القوم البقية البقية .خطب معاوية بالمدينة فقال :أما بعد، فإنا قدمنا على صديق مستبشر، وعلى عدو مستبسر، وناس بين ذلك ينظرون وينتظرون، فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون، ولست أسع الناس كلهم، فإن لم تكن محمدة فلا بد من لائمة، ليكن لوما هونا إذا ذكر غفر، وإياكم والعظمى التي إن ظهرت أوبقت، وإن لم خفيت أوتغت .خطب معاوية بالمدينة فقال، وكان رقي المنبر فأرتج عليه، فاستأنف فأرتج عليه، فقطع الخطبة، وقال: سيجعل الله بعد عسر يسرا، وبعد عي بيانا، وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال .فبلغ كلامه عمرو بن العاص فقال: هن مخرجاتي من الشام، استحسانا لكلامه .وصعد زياد المنبر فلما حمد الله وأثنى عليه أراد الخطبة فأرتج عليه فقال: معاشر الناس إن الكلام يجيء أحيانا وربما كوبر فعسا، وتكلف فأبى، والتعمل لأتيه خير من التعاطي لأبيه، وسأعود فأقول ؛ثم نزل .وقدم زياد البصرة واليا لمعاوية والفسق فيها ظاهر فاش، فخطب خطبة قال فيها: الحمد لله على إفضاله، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه، اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا .أما بعد فإن الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء، وألغي الموفي بأهله على النار، ما أصبح فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حملاؤكم من الأمور العظام، كأنكم لم تقرؤا كتاب الله عز وجل، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمدي الذي لا يزول .أتكونون كمن طرفت الدنيا عينه وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تدركون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه، من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعدد غير قليل ؟ألم يكن فيكم نهاةٌ تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار ؟قربتم القرابة وباعدتم الدين، وتعتذرون بغير العذر، وتغضون عن المختلس ؟كل امرئٍ منكم يذب عن سفيهه، صنع من لا يخاف عاقبةً ولا يرجو معاداً. ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوساً في مكانس الريب. حرامٌ علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً. إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: لينٌ في غير ضعفٍ، وشدةٌ في غير عنفٍ. وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: أنج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة المنبر تلقى منشورة، فإذا تعلقتم علي بكذبةٍ فقد حلت لكم معصيتي: من نقب عليه فأنا ضامنٌ له ما ذهب منه ؛فإياي ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلجٍ إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر من الكوفة ويرجع إليكم ؛وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد أحداً دعا بها إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنبٍ عقوبةً: من غرق قوماً غرقناه، ومن أحرق على قوم أحرقناه، ومن نقب على قومٍ بيتاً نقبنا عليه قلبه، ومن نبش قبراً دفناه فيه حياً. كفوا عني أيديكم وألسنتكم أكف عنكم يدي ولساني. ولا يظهر من أحدكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه. وقد كانت بيني وبين أقوامٍ إحنٌ فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان محسناً فليزدد إحساناً، ومن كان مسيئاً فلينزع عن إساءته. إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعاً، ولم أهتك له ستراً، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئسٍ بقدومنا سيسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس. أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسةً وعنكم ذادةً، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناه ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا. فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا ؛فاستوجبوا عدلنا وفيأنا بمناصحتكم إيانا. واعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاثٍ: لست محتجباً عن طالب حاجةٍ منكم ولو أتاني طارقاً بليلٍ، ولا حابساً عطاءً ولا رزقاً عن إبانه، ولا مجمراً لكم بعثاً. فادعوا الله تعالى بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع ا، ه لو استجيب لكم فيهم كان شراً لكم. اسأل الله تعالى أن يعين كلاً على كل. وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله. وإيم الله، إن لي فيكم لصرعى كثيرةً، فليحذر كل امرئٍ منكم أن يكون من صرعاي .فقام عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير لقد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. فقال: كذبت ذاك نبي الله داود .فقام الأحنف فقال: إنما الثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء ؛وإنا لانثني حتى نبتلي، ولا نحمد حتى نعطى .قال له زياد: صدقت .فقام أبو بلالٍ يهمس وهو يقول: أنبأنا الله عز وجل بغير ما قلت، قال الله عز وجل: وإبراهيم الذي وفى، ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى. فسمعها زياد فقال: إنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي أصحابك حتى نخوض إليكم الباطل خوضاً .قيل لبعض الخطباء: لقد جودت في خطبتك. فقال: إني عرفت هذا الأمر وعودي قريبٌ من العلوق، وطينتي قابلةٌ للطبع، لم يعترضني شاغل الأزمان، ولم يعتلقني طارق الحدثان، فأنا كما قال مهدي ابن الملوح: من الطويل

    أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ........ فصادف قلباً فارغاً فتمكنا

    خطبة قس بن ساعدة الإيادي :أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا: إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، أقسم قس قسماً لا كذب فيه ولا إثم: إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، سقف مرفوعٌ، ومهادٌ موضوعٌ، وبحرٌ مسجورٌ، ونجومٌ تسير ولا تغور. ما لي أرى الأنس يذهبون ولا يرجعون ؟أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ؟أقسم بالله قسماً: إن لله ديناً هو أرضى من دينٍ نحن عليه ؛وأراكم قد تفرقتم بآلهةٍ شتى. وإن كان الله رب هذه الآلهة، إنه ليجب أن يعبد وحده. كلا إنه الله الواحد الصمد، ليس بمولودٍ ولا والد، أعاد وأبدى، وإليه المعاد غداً .وقال: من الكامل المجزوء

    في الذاهبين الأولي _ ن من القرون لنا بصائر

    لما رأيت موارداً ........ للموت ليس لها مصادر

    ورأيت قومي نحوها ........ يمضي الأصاغر والاكابر

    لا يرجع الماضي إلي ........ ولا من الباقين غابر

    أيقنت أني لا محا _ لة حيث صار القوم صائر

    خطبة لجبلة بن حريث العبدي :أيها الناس، إنما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شياً، وسنعود إلى مبدانا فإما رشداً وإما غياً. إن العواري اليوم والهبات غداً، لا بد من رحيل عن محلٍ نازلْ ؛ألا وقد تقارب سلٌ فاحش وعطاء جزل، وقد أصبحتم في محل محلٍ منزلٍ لا يثبت فيه سرور يسرٍ، ولا أصابه حضور عسرٍ، ولا تطول فيه حياةٌ مرجوةٌ إلا اخترمها موت مخوف، ولا يوثق فيها بحلفٍ ماضٍ، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، تسوقكم إلى الفناء، فلم تطلبون البقاء ؟.خطبة للعملس :هل لكم في الكلمات مطرٌ ونبات، وبنون وبنات، وآباءٌ وأمهات، وآياتٌ في إثر آيات: سماءٌ مبنية، وأرضٌ مدحيةٌ، ضوءٌ وظلام، وليالٍ وأيام، وسعيد وشقي، ومحسنٌ ومسي، وفقير وغني. أين الأرباب الفعلة، ليجدن كل عاملٍ عمله ؟أين ثمود وعاد ؛أين الآباء والأجداد ؟أين الخيل التي تشكم، وأين الظلم الذي لم ينقم ؟.الأصل مدحوة ولكنه زاوج بينها وبين مبنية وتكون مبنية من دحيت، والعرب تفعل ذلك وتقول: مجفو ومجفي وهو مبني من جفي .خطبة لهاشم بن عبد مناف :خطب فقال: أيها الناس، الحلم شرفٌ والصبر ظفرٌ، والجود سؤددٌ والمعروف كنزٌ، والجهل سفه، والعجز ذلة، والحرب خدعة، والظفر دول، والأيا غير، والمرء منسوبٌ إلى فعله ومأخوذ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، واستشعروا الجد تفوزوا به، ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وحاموا عن الحقيقة يرغب في جواركم، وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعةٌ، وإياكم والأخلاق الدنية فإنها تضع الشرف وتهدم المجد، والسلام .خطب أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب عند تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت خويلد رضي الله عنها :الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل، وجعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوجاً، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن محمداً بن عبد الله ابن أخي من لا يوازن به فتىً من قريشٍ إلا رجح به براً وفضلاً، وكرماً وعقلاً، ومجداً ونبلاً، وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وعاريةٌ مسترجعةٌ، وله في خديجة ابنة خويلد رغبةٌ، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي .خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وخبر تزويج فاطمة عليها السلام :روي عن أنس أنه قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ غشيه الوحي، فمكث هنيهةً ثم أفاق فقال لي: يا أنس أتدري ما جاءني بخ جبريل من عند صاحب العرش عز وجل ؟قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إن ربي تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب عليهما السلام. انطلق ادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعدتهم من الأنصار، فانطلقت فدعوتهم، فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي صلى الله عليه وسلم :الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المرهوب من عذابه، المرغوب في ما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه صلى الله عليه وسلم. ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، وشج به الأرحام، وألزمه الأنام، قال الله تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وكان ربك قديراً. فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدرٌ، ولكل قدر أجل يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب ثم إن ربي تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه على أربعمائة من فضة إن رضي بذلك علي .وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث في حاجةٍ، ثم إنه دعا بطبقٍ من بر، فوضعه بين أيدينا ثم قال: انتهبوا ؛فبينا نحن ننتهب إذ دخل علي، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، ثم قال: يا علي إن ربي عز وجل قد امرني أن أزوجك فاطمة، وقد زوجتك إياها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت يا علي. قال: رضيت يا رسول الله. ثم إن علياً خر ساجداً شكراً لله تعالى، فلما رفع رأسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله عليكما وبارك فيكما، وأسعد جدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب ؛قال انس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب .خطبة علي عليه السلام حين تزوج فاطمة عليها السلام :الحمد لله الذي قرب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة من يتقيه، وقطع بالنار عذر من يعصيه، أحمده بجميع محامده وأياديه، وأشكره شكر من يعلم أنه خالقه وباريه، ومصوره ومنشيه، ومميته ومحييه، ومقربه ومنجيه، ومثيبه ومجازيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تبلغه وترضيه، واشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، صلاةً تزلفه وتدنيه، وتعزه وتعليه، وتشرفه وتجتنيه. أما بعد. فإن اجتماعنا مما قدره الله ورضيه، والنكاح مما أمر الله به وأذن فيه، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم قد زوجني فاطمة ابنته على صداق مبلغه أربعمائة وثمانون درهماً، ورضيت به فاسألوه، وكفى بالله شهيداً. قيل لما بلغ فاطمة عليها السلام ما أجمع عليه من منعها فدكاً لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم أجمعين، وغيرهم، فنيطت دونها ملاءةٌ، ثم أنت أنه أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس، ثم أمهلت هنيهةً حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة بالغاً بالرسالة، مائلاً عن سنن المشركين، ضارباً لثبجهم، يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، آخذاً بأكظام المشركين، يهشم الأصنام ويفلق الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وتمت كلمة الإخلاص، وكنتم على شفا حفرة من النار، نهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، حتى أنقذكم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم، بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرةٌ للمشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطا صماخها بأخمصه، ويطفئ عادية لهبها بسيفه، أو قالت: يخمد لهبها بحده - مكدوداً في ذات الله تعالى، وأنتم في رفاهية فاكهون آمنون وادعون، حتى إذا اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم دار أنبيائه، ظهرت حسكه النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفاقاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، واوردتم غير شربكم ؛هذا والعهد قريبٌ، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل. بماذا زعمتم: خوف الفتنة ؟ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين فهيهات منكم وأنى بكم وأنى تؤفكون، وكتاب الله تعالى بين أظهركم، زواجره بينة، وشواهده لائحة، وأوامره واضحة، أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون ؟بئس للظالمين بدلاً ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفس نغرتها، تسرون حسواً في ارتغاء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، وأنتم الآن تزعمون ألا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ؟ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ؟إيهاً معشر المسلمة المهاجرة، أأبتز إرث أبي ؟! أبى الله ؛أفي الكتاب يا ابن أبي قحافة أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟لقد جئت شيئاً فرياً. فدونكها مخطومةً مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد صلى الله عليه وسلم، والموعد القيامة، وعند الله يحشر المبطلون، ولكل نبا مستقر، وسوف تعلمون. ثم انكفأت على قبر أبيها صلى الله عليه وسلم وقالت: من البسيط

    قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثة ........ ولو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

    إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ........ واختل أهلك فأحضرهم ولا تغب

    وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر رضي الله عنه والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت: يا معشر الفئة، وأعضاء الملة، وحضنة الإسلام، ما هذه الفترة في حقي والسنة في ظلامتي ؟أما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفظ في ولده ؟لسرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة ؟أتقولون مات محمد صلى الله عليه وسلم فخطبٌ جليل استوسع وهيه، واستنهر فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال، وأضيع الحريم، وأذيلت الحرمة عند مماته صلى الله عليه وسلم، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله تعالى في فتنتكم، في ممساكم ومصبحكم، تهتف في أسماعكم، ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله صلى الله عليه وعليهم، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين. إيهاً بني قيلة، أأهتضم تراث أبيه وأنتم بمرأىً مني ومسمعٍ، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الحيرة، وفيكم العدد والعدة، ولكم الدار وعندكم الجنن، وأنتم الألى، نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله صلى الله عليه، وأهل الإسلام، والخيرة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1