Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني
غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني
غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني
Ebook946 pages7 hours

غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي توفى 1342. أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي توفى 1342. أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي توفى 1342
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2019
ISBN9786845052282
غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني

Read more from محمود شكري الألوسي

Related to غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني

Related ebooks

Related categories

Reviews for غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    غاية الأماني في الرد على النبهاني - الجزء الثاني - محمود شكري الألوسي

    المجلد الثاني

    فاتحة الجزء الثاني

    المجلد الثاني

    فاتحة الجزء الثاني

    ...

    بسم الله الرحمن الرحيم

    حمداً لك اللهم مكان كل نعمة لك علينا، وعلى جميع عبادك الماضين والباقين، عدد ما أحاط به علمك من جميع الأشياء، ومكان كل واحدة منها عددها أضعافاً مضاعفة أبداً سرمداً إلى يوم القيامة. حمداً لا منتهى لحده، ولا حساب لعده، ولا مبلغ لغايته، لنتوسل به إلى طاعتك وعفوك، ونتسبب به إلى رضوانك، ونتخذه ذريعة إلى مغفرتك، وطريقاً إلى جنتك، وخفيراً من نقمتك، وأمناً من غضبك، وظهيراً على طاعتك، وحاجزاً عن معصيتك، وعوناً على تأدية حقك.

    اللهم وأوصل صلة صلواتك ونوامي بركاتك إلى من أرسلته رحمة للعالمين، ونقمة على الزائغين، حتى ظهر أمرك، وعلت كلمتك، ولو كره المشركون.

    اللهم وأوصل مثل ذلك إلى آله الكرام والأصحاب، والجند والأحزاب، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد؛ فلما منَّ الله تعالى بفضله وتوفيقه إلى إكمال النصف الأول من كتاب (غاية الأماني) بادرنا- بعد الاستعانة به سبحانه- إلى الشروع في النصف الثاني، وهو الكلام على الباب الخامس فما بعده إلى آخر الأبواب التي ذكرها الخصم في كتابه، ولم يراقب فيها موقفه يوم الحساب، وقد سلكنا في هذا المقام نحو ما سلكناه أولاً من الإنصاف، ولم نخرج- وله سبحانه الحمد- عن سواء السبيل حسبما عودنا عليه من الإلطاف، ومنه سبحانه الهداية.

    قال النبهاني في الباب الخامس من كتابه، وهو الباب الذي عقده في الكلام

    على كتابة (إغاثة اللهفان) لابن القيم، و (الصارم المنكي في الرد على السبكي) و (جلاء العينين في المحاكمة بين الأحمدين) وعقد للكلام على كل من هذه الثلاثة فصلاً، وقدم الكلام على (إغاثة اللهفان) ونقل عبارته التي ذكرها في الزيارة المبتدعة، وما يفعله القبوريون من الأعمال الشركية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبعد ختام عبارته نقل عبارة القسطلاني المتعلقة بالإغراء على الزيارة المبتدعة ليستدل بها على غلوه، وبعد أدت نقلها- قال: "هذا ما أردت نقله هنا من كلام هذا الإمام، قال: وذكر رحمه الله أحاديث وفوائد نفيسة تتعلق بزيارته صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به، وفضل المدينة المنورة، فليراجعها من شاءها.

    ثم قال: فانظر رحمك الله إلى هذا النور، وهذا الهدى، وهذا الحق الظاهر المشرق الجلي؛ تعلم شدة الظلام المستولي على أولئك المبتدعين، وأنت إذا قابلتَ بين كلام القسطلاني وكلام ابن القيم يظهر لك كمال الفرق بين الباطل والحق" إلخ.

    أقول في جوابه: إن حاصل انتقاده هذا على كتاب (إغاثة اللهفان) أن ما فيه من الكلام على الزيارة المبتدعة والمنع منها مخالف لما نقله عن القسطلاني، وكفى بذلك دليلاً على الفساد، وأنت تعلم مما قدمناه أن مدار الاستدلال إنما هو على الكتاب والسنة لا بأقوال الغلاة، وقد استوفينا الكلام على أقسام الزيارة فيما نقلناه سابقاً عن أئمة أهل العلم والدين، وأن النبهاني- لامتلاء قلبه من ظلمات البدع والأهواء- لم يزل يكرر ما يهواه، كما هو شأن من أحب شيئاً فإنه يلهج بذكره، وعليه قول القائل:

    أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل طريق

    ولما استولت على قلبه محبة الإشراك بالله تعالى والغلو بالصالحين تراه يسرح في أودية الضلال، وكلما رأى ما يوافق هواه بادر إلى نقله، أو رأى ما يوافق الحق ويقتضيه الدين المبين بادر إلى شتم قائله وتضليله بل وتكفيره، وعلى ذلك بنى بنياته، وأقام برهانه، وألف كتابه، وفصل خطابه، وكلما وجهت إليه لوماً

    ازداد بباطله غراماً:

    وذي سفه يواجهني بجهل ... فأكره أن أكون له مجيباً

    يزيد سفاهة فأزيد حلماً ... كعود زاده الإحراق طيباً

    وحاله هذا حال إخوانه وسلفه، إذ حكى الله تعالى عنهم ما حكى في كتابه الكريم، قال عز من قائل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} 1 ولنضرب عن كلامه هنا صفحاً اكتفاء بما سبق منا.

    الكلام على كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم

    وكتاب إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان هو كتاب مشهور من كتب السنة، أودعه مؤلفه رحمة الله مهمات المطالب، وأبطل به حبائل الشيطان ومصائده، ودسائسه ومكائده، فلا بد إن نفرت منه جنوده، واضطربت منه أعوانه وأولياؤه، والله لا يصلح عمل المفسدين.

    قال النبهاني في فصل ذكره بعد كلامه السابق: وليت ابن القيم زاد في كتابه المذكور فصلاً قال فيه: ومن مصائده أنه يسول إلى بعض العلماء الغلو في الدين، ويحسن تضليل المسلمين بالاستغاثة والزيارة لقبور الأنبياء والصالحين، ويدخل عليهم بحيله الشيطانية، أن في ذلك شركاً برب العالمين، والأمر على خلاف ما أوحاه إليهم هذا اللعين، فقد أضر بهم ضرراً فاحشاً في الدين، إلى آخر هذيانه.

    جوابه أن يقال: من قبل من يوحد الله ولا يشرك بعبادته أحداً- اخسأ يا عدو الله؛ إن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي، والذي أضر بالمسلمين عبادتهم للقبور، وتلاعبهم بما يعملون في المشاهد والزوايا من المنكرات، وأعراضهم عما استوجبته شريعتهم من اكتساب ما يستوجب السعادتين، فيا أيها الداعي لعبادة

    غير الله تعالى كلامك هذا دل عليك أنك من جند إبليس، بل قد ارتقى بك الحال حتى صار إبليس من جندك، كما قيل في أخيك ومن يشابهك ويضاهيك:

    وكان فتى من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده

    فنحن بحمد الله لم نزل ممتثلين لما ورد من الأوامر في الشريعة الغراء، منتهين عما نهى الله عنه ورسوله وسائر الأنبياء، لا ندعو غير الله، ولا نسأل في المهمات سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1.

    فنحن عند المهمات نقول: اللهم يا من تحل به عقد المكاره، ويا من يسكن به حد الشدائد، ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب، وجرى بقدرتك القضاء، ومضت على إرادتك الأشياء، فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة، أنت المدعو للمهمات، وأنت المفزع في الملمات، لا يندفع منها إلا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت، فلا مصدر لما أوردت، ولا صارف لما وجهت، ولا فاتح لما أغلقت، ولا مغلق لما فتحت، ولا ميسر لما عسرت، ولا ناصر لمن خذلت.

    وحيث أن ما ذكره النبهاني هو وحي شيطاني، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} 2 وقال تعالى: {شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} 3 وجب أن نستعيذ منه، فإن شياطين الإنس أشد ضرراً من شياطين الجن. فنقول: اللهم إنا نعوذ بك من نزغات الشيطان الرجيم ومكائده، ومن الثقة بأمانيه ومواعيده، وغروره ومصائده، وأن يطمع نفسه في إضلالنا عن طاعتك، وامتهاننا بمعصيتك، وأن يحسن عندنا ما حسن لنا، وأن يثقل علينا ما كره إلينا، اللهم اخسأه عنا بعبادتك، واكبته بجدنا في محبتك، واجعل بيننا وبينه ستراً لا يهتكه، وردماً مصمتاً لا يفتقه، اللهم أشغله عنا ببعض

    أعدائك، واعصمنا منه بحسن رعايتك، واكفنا خطره، وولنا ظهره، واقطع عنا أثره، اللهم ومتعنا من الهدى بمثل ضلالته، وزودنا من التقوى ضد غوايته، واسلك بنا من التقى خلاف سبيله من الردى، اللهم لا تجعل له في قلوبنا مدخلاً، ولا توطن له فيما لدينا منزلاً، اللهم وما سوَّل لنا من باطل فعرفناه، وإذا عرفتنا فقناه وبصرنا ما نكايده به، وألهمنا ما نعده له، وأيقظنا عن سنة الغفلة بالركون إليه، وأحسن بتوفيقك عوننا عليه، اللهم وأشرب قلوبنا إنكار علمه، وألطف لنا في نقض حيله، وحول سلطانه عنا، واقطع رجاءه منا، واذرأه عن الولوع بنا، واجعلنا. منه في حرز حارز، وحصن حافظ، وكهف مانع، وألبسنا منه جنناً واقية، وأعطنا عليه أسلحة ماضية، اللهم واعمم بذلك من شهد لك بالربوبية، وأخلص لك بالوحدانية، وعاداه لك بحقيقة العبودية، واستظهر بك عليه في معرفة العلوم الربانية، اللهم احلل ما عقد، وافتق ما رتق، وافسخ ما دبر، وثبطه إذا عزم، وانقض ما أبرم، اللهم واهزم جنده، وأبطل كيده، واهدم كهفه، وأرغم أنفه، اللهم اجعلنا في نظم أعدائه، واعزلنا عن عداد أوليائه، لا نطيع له إذا استهوانا، ولا نستجيب له إذا دعانا، نأمر بمناواته من أطاع أمرنا، ونعظ بمتابعته من اتبع زجرنا، اللهم وأعذنا مما استعذنا منه، وأجرنا مما استجرنا بك من خوفه، واسمع لنا ما دعونا به، وأعطنا ما أغفلناه، واحفظ لنا ما نسيناه، وصيرنا بذلك في درجات الصالحين ومراتب المؤمنين، آمين يا رب العالمين.

    ثم إن ما نُسِبَ إلى الأولياء مما يحبه ويهواه من الباطل والضلال سنتكلم عليه إن شاء الله، ونبطل دعواه فيه، ولاسيما ما نسب للشيخ عبد القادر وسنذكر من كلامه ما يدل على أنه كان أحرص الناس على التوحيد.

    وتعبيره عن المسلمين- الذين أخلصوا وجوههم لله- بالألقاب المستكرهة هو من خصال أهل الجاهلية من المشركين والكتابيين، فلقَّب أهل الهدى تارة بالوهابية، وأخرى الحشوية، ومرة بالمجسمة، كما كان أسلافه يسمون من خرج عن دينهم بالصابي، وسموا رسول الله صلى الله عليه وسلم صابئياً، كما ورد ذلك في عدة أحاديث صحيحة، تنفيراً للناس عن اتباع غير سبيلهم، وهكذا تجد كثيرا من هذه الأمة

    يطلقون على من خالفهم في بدعهم وأهوائهم أسماء يكرهها الناس، ويستبشعها العوام، وجميع ما ذكر النبهاني في هذا المقام مما يتعلق بالسفر إلى الزيارة والاستغاثة بغير الله قد مر الكلام على إبطاله.

    قال النبهاني في الرد على ما منعه ابن القيم من ضرب المثل بالملك وقضاء حاجات المستشفعين له بوزرائه وخواصه لله تعالى في قضاء حاجات المشتفعين له بأنبيائه وعباده الصالحين، وبعد نقل منعه، قال النبهاني: ومنعه ممنوع، لأن ذلك من قبيل التشبيه، وهو واقع في القرآن بقوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} 1.

    إلى أن قال: وإنما حمل ابن القيم على منعه الإطالة في تهجينه كون ذلك يفيد جواز الاستغاثة بخواص عبيده المقربين، من الأنبياء والصالحين.

    ثم نقل لابن القيم عبارة ذكرها في جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام في الفائدة التاسعة والثلاثين من فوائده، مما يفيد بزعمه تشبيه الخالق بالمخلوق، ونقل عن القسطلاني والشعراني وعلى الخواص وغيرهم ما يفيد أيضاً جواز قياس الخالق على المخلوق وتشبيهه بخلقه.

    جوابه: أن النبهاني هذا قد لبس في هذه المسألة وحرّف وأوهم، فلزم نقل عبارة ابن القيم أولاً وما يوافقها، ثم الكلام على باطل النبهاني وجهله.

    فنقول: قال الحافظ ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان2 في فصل الفرق بين زيارة الموحدين للقبور وزيارة المشركين:

    "أما زيارة الموحدين فمقصودها ثلاثة أشياء:

    أحدها: تذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ، ص وقد أشار النبي عليه السلام إلى ذلك لقوله: زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة.

    الثاني: الإحسان إلى الميت، وأن لا يطول عهده به فيهجره ويتناساه، كما إذا ترك زيارة الحي مدة طويلة تناساه، فإذا زار الحي فرح بزيارته وسر بذلك،. فالميت أولى، لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها إخوانهم وأهله ومعارفهم، فإذا زاره وأهدى إليه هدية من دعاء أو صدقة أو إهداء قربة ازداد بذلك سروره وفرحه كما يسر الحي بمن يزوره ويهدي له، ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم للزائر أن يدعو لهم، ولا يدعو بهم ولا يصلي عندهم.

    الثالث: إحسان الزائر إلى نفسه بإتباع السنة والوقوف عند ما شرعه الرسول عليه السلام، فيحسن إلى نفسه وإلى المزور.

    وأما الزيارة الشركية؛ فأصلها مأخوذ من عُبّاد الأصنام. قالوا: الميت المعظّم الذي لروحه قرب ومنزلة ومزية عند الله تعالى لا يزال تأتيه الألطاف من الله تعالى، وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له.

    قالوا: فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت، ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله وإقباله عليه، بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره، وكلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به. وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما، وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها. وقالوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور، وبهذا السر عبدت الكواكب، واتخذت لها الهياكل، وصنفت لها الدعوات، واتخذت الأصنام المجسدة لها.

    وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادا، وتعليق الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، وبناء المساجد عليها، وهو الذي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية وسد الذرائع المفضية إليه، فوقف المشركون في طريقه، وناقضوه في قصده، وكان صلى الله عليه وسلم في شق، وهؤلاء في شق وهذا الذي ذكره هؤلاء

    المشركون في زيارة القبور هو الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها وتشفع لهم عند الله تعالى.

    قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجه المقرب عند الله وتوجه بهمته إليه وعكف بقلبه صار بينه وبينه اتصال يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله، وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان، فهو شديد التعلق به، فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه به.

    فهذا سر عبادة الأصنام، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بإبطاله، وتكفير أصحابه ولعنهم، وأباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم، وأوجب لهم النار، والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم".

    ثم سرد عدة آيات ونصوص من ذلك، وتبين منها أن المشركين إنما عبدوا من عبدوا بسبب اتخاذ من سوى الله وسائط بينهم وبينه، فإذا أشرك بهم المشرك واتخذهم شفعاء من دونه ظناً منه أنه إذا فعل ذلك تقدموا وشفعوا له عند الله فهو من أجهل الناس بحق الرب وما يجب له وما يمتنع عليه، فإن هذا ممتنع، إذ كيف يقاس الرب تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج؟ وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والولي، والفرق بينهما هو الفرق بين المخلوق والخالق، والرب والعبد، والمالك والمملوك، والغني والفقير، والذي لا حاجة به إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره، فالشفعاء عند المخلوقين هم شركاؤهم، فإن قيام مصالحهم بهم، وهم أعوانهم وأنصارهم الذين قيام الملوك والكبراء بهم، ولولاهم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشافع، لأنهم يخافون أن يردوا شفاعتهم فتنقص طاعتهم لهم ويذهبون إلى غيرهم، فلا يجدون بداً من قبول شفاعتهم على الكره والرضى، فأما الغنى الذي

    غناه من لوازم ذاته وكل ما سواه فقير إليه بذاته وكل من في السموات والأرض عبيد له مقهورون بقهره مصرَّفون بمشيئته لو أهلكهم جميعاً لم ينقص من عزه وسلطانه وملكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرة. ثم ذكر الدلائل القرآنية على ذلك مما يطول ذكره فراجع كتابه وهو بين الأيدي.

    فتبين مما نقلناه من عبارته ما لبس به النبهاني وحذف ليروج غرضه الفساد، وهو اتخاذ الوسائط بينه وبين الله بناء على ما جوزه من قياس الخالق على المخلوق، وعلى كلامه الفاسد ينبغي أن تجوز كل عبادة لله أن تجعل لغيره، ويقال إنه واسطة كما أن الوزير واسطة بين الناس وبين الملك.

    هذا الذي ذكره ابن القيم قد سبقه به شيخه، وذكر مثله في مواضع، منها ما قاله في رسالة الواسطة حيث نص فيها: أن من أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار -مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه- فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار، لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها حق، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 1. وذكر نصوصاً أخر، إلى أن قال: ومثل هذا كثير في القران، ومن سوى الأنبياء -من مشايخ العلم والدين- فمن أثبتهم وسائط بين الرسول وأمته يبلغونهم ويعلمونهم ويؤدبونهم ويقتدون بهم؛ فقد أصاب في ذلك، وهؤلاء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة لا يجتمعون على ضلالة، وإن تنازعوا في شيء رُدَّ إلى الله والرسول، إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق، بل كل واحد من الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظّ وافر"2. وإن أثبتهم وسائط بين الله وبين

    خلقه كالحُجّاب الذين بين الملك ورعيته -بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسْأَلُونهم هم يَسألون الله، كما أن الوسائط عند الملك يسألون الملك الحوائج للناس لقربهم منه، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب من الطالب للحوائج- فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.

    وهؤلاء مشبهون لله شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أنداداً قال: وفي القرآن من الرد على هؤلاء ما لا تتسع له هذه الفتوى، فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة:

    إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يحرفونه، ومن قال إن الله تعالى لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بها بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهو السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين.

    والوجه الثاني: "أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه، فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه، والله سبحانه ليس له ظهير ولا ولي من الذل، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} 1 وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ

    شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} 1. وكل ما في الوجود من الأسباب فهو خالقه وربه ومليكه، فهو الغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم في الملك، والله تعالى ليس له شريك في الملك، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

    والوجه الثالث:- أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظه، أو من يدل عليه، بحيث يكون يرجوه ويخافه؛ تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل له من الرغبة والرهبة من كلام المدل عليه، والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض فجعل هذا يحسن إلى هذا أو يدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك فهو الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع من إرادة الدعاء والإحسان والشفاعة، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلم، أو من يرجوه الرب ويخافه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت؛ ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له 2. والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه- وذكر الآيات الدالة على ذلك- إلى أن قال: فبيَّنَ أن كل من دُعِيَ من دونه ليس له نصيب ولا شرك في الملك، ولا هو ظهير، وإن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له، وهذا بخلاف الملوك، فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك، وقد يكون شريكاً لهم في الملك، وقد يكون مظاهراً لهم معاوناً لهم على ملكهم، وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك وهم وغيرهم، والملك يقبل شفاعتهم تارة

    لحاجته إليهم، وتارة لخوفه منهم، وتارة لجزاء إحسانهم إليه ومكافآتهم لإيفائهم عليه، حتى أنه يقبل شفاعة ولده وزوجته، لذلك فإنه محتاج إلى الزوجة وإلى الولد، حتى لو أنه أعرض عنه زوجته وولده لتضرر بذلك، ويقبل شفاعة ملوكه فإنه إذا لم يقبل شفاعته خاف أن لا يطيعه أو أن يسعى في ضرره، وشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبته أو رهبته، فالله تعالى لا يرجو أحدا ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد، بل هو الغني"1.

    واستشهد بنصوص كثيرة على ذلك وأطنب في الكلام.

    فتبين مما نقلناه؛ أن قياس الخالق على المخلوق في غاية الفساد، بل هو قياس مع الفارق من وجوه كثيرة، ومنه يعلم سقوط كلام النبهاني الغبي، وأنه لا يعلم من فن الأصول شيئاً أصلاً، ولا عرف باب القياس ولا دراه.

    وأما قوله بعد زكره منع ابن القيم: وممنوع. اإلخ.

    فهي عبارة تدل على أنه لم يمارس شيئاً من العلوم، ولا قرأ ما يقرؤه المبتدئون في طلب العلم، وهو علم آداب البحث والمناظرة، إذ لو شم رائحته لعلم أن المنع لا يمنع، إذ من قواعده أن منع المنع ومنع ما يؤيده لا يفيد، ولولا أن هذه القاعدة من أشهر مسائل هذا الفن لتكلمنا عليها بكلام أكثر من ذلك.

    فالحمد لله الذي جعل أعداء الحق وخصماء السنة من أجهل الناس بما يوجب السعادة، وأضلهم عن سواء السبيل.

    وأما ما نقله من الفائدة عن كتاب جلاء الأفهام وزعم أنها تناقض ما ذكره ابن القيم في إغاثته من الرد على من قاس الخالق على المخلوق؛ فنقول: ليس الأمر كما زعم، ولا مخالفة بين العبارتين، ومن نقل الفائدة بنصها يتبين ما قلناه من أن النبهاني غالط في كلامه، فقد قال ابن القيم في الكتاب المذكور بعد أن عد تسعاً وثلاثين فائدة ما نصه:

    "الأربعون: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان:

    أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.

    والثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه وتكريمه، وإيثاره ذكره ورفعه، ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله، وآثر ذلك على طلبه حوائجه ومحابه هو، بل. كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وأثرها عنده، فقد اثر ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما يحبه هو، فقد آثر الله ومحابه على ما سواه، والجزاء من جنس العمل، فمن اثر الله على غيره أثره الله على غيره، واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب إليهم والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب رعيته إليه، وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه علت منزلتهم عنده وازداد قربهم منه وحظوتهم، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالاً ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه، هذا أمر مشاهد بالحس ولا يكون منزلة هؤلاء ومنزلة من يسأل المطاع حوائجه هو، وهو فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والإنعام عليه واحدة، فكيف بأعظم محب وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه له؟ ولو لم يكن من فوائد الصلاة عليه إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفاً" 1 إلخ.

    هذه هي عبارة جلاء الأفهام وهي الفائدة الأربعون لا التاسعة والثلاثون كما وهم النبهاني، وأنت تعلم أن ما أسقطه ولم ينقله شيء كثير، والذي حذفه هو الذي يوضح المسألة، وهكذا شأنه يحذف ما عليه وينقل ما لا فائدة له فيه.

    وابن القيم رحمه الله أجل من أن يتكلم بما يخالف الكتاب والسنة وما كان

    عليه السلف، وكلامه يصدق بعضه بعضاً، ويبين بعضه بعضاً فما ذكره في إغاثته من منع اتخاذ الوسائط في الالتجاء إليه تعالى والعبادة والتوكل والنذر وغير ذلك لم يتكلم بخلافه في كتاب من كتبه، فلا يجوز أن يطلب الرزق من مخلوق ويقصد جعله واسطة في حصول رزقه، ولا أن يطلب كشف الضر أو تحويله من ملك أو بشر بقصد أن يكونوا وسائط عند الله في هذا المرام كما يستشفع بالوسائط عند الملوك والأكابر، لما سبق أن هذا قياس مع الفارق وأن اتخاذ الوسائط إلى الله فيما لا يقدر عليه إلا الله هو شرك المشركين، وهو الذي أرسل الله لمحوه الأنبياء والمرسلين، وما ذكره في جلاء الأفهام من أن سؤال الرب سبحانه أن يثني على رسوله ويشرفه ويتعطف عليه هو آثر عنده من أن يطلب السائل شيئاً لنفسه.

    ثم لتوضيح المسألة قال: واعتبر ذلك بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم.. إلخ. أي: قِسْ سؤال الله أن يتفضل على خليله وحبيبه وأنه آثر من السؤال أن يتفضل على السائل بسؤال الرعايا للملك، أن يتفضل بإلطافه على من يعلمون أن الملك يحبه من أمير أو وزير أو أحد الرعايا، إذا قسته تجد الأمر كما وصف من أن الملك يؤثر لديه هذا السؤال، وكذلك يقال إذا كان لأب واحدة عدة بنين ومنهم من هو أحب إليه من غيره، فلا شك أن أحد الأبناء إذا سأل أباه أن يخص الابن الذي هو أحب أبنائه بإحسان وعطية كان ذلك آثر لدى الأب من أن يسأله أحد الأبناء شيئاً لنفسه، وهذا من باب ضرب المثل وتوضيح المسألة، ومن أين هنا اتخاذ الوسائط والالتجاء إلى غير الله؟! وههنا القياس صحيح والجامع موجود، فإن الله سبحانه يؤثر لديه سؤال العبد ما هو مرغوب له تعالى على سؤال العبد ما تعود مصلحته إليه كما أن المحسوس كذلك.

    فانظر إلى غباوة هذا الملحد الزائغ حيث لم يفرق بين ما ذكر في الإغاثة وبين ما ذكر في جلاء الأفهام مع أن الفرق كما بين النور والظلام.

    ثم إن ما نقله عن الشيخ محيي الدين من أنه استعمل هذا القياس في الفتوحات المكية وهو قوله: "لما كان الحق تعالى هو السلطان الأعظم، ولا بد

    للسلطان من مكان يكون فيه حتى يقصد بالحاجات - مع أنه تعالى لا يقبل المكان- اقتضت المرتبة أن يخلق عرشاً، ثم ذكر أنه استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج منه كل ذلك رحمة بعباده وتنزلاً لعقولهم". انتهى؛ لا يدل على مقصده بل على نقيضه، فإن النبهاني قصد من صحة القياس اتخاذ الوسائط ليقربوه إلى الله زلفى، وهو عين معتقد أهل الشرك.

    والشيخ محي الدين بين سبب خلق العرش، وأن الله استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج، والفرق جلي بين المقامين، ولا مناسبة بين الكلامين.

    وما نقله عن مسالك الحنفاء للقسطلانى مما يؤيد اتخاذ الوسائط قياساً على ملوك الدنيا مردود على قائله، والقسطلاني أيضاً كان من الغلاة، وكلامه ليس بحجة على المسلمين، ومدار الاستدلال الكتاب والسنة، ومفاسد سوء الفهم أكثر من أن تحصى.

    قال النبهاني: ثم بعد كتابتي هذا رأيت عبارة للإمام أحمد هي من أقوى الأدلة المقنعة لابن القيم وغيره في جواز هذا التشبيه، وهي مذكورة في كتاب منهاج السنة وهي أن الإمام أحمد قال: قالت الجهمية -لما وصفنا الله تعالى بهذه الصفات- إذ زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته، قلنا: لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل الله بقدرته ونوره لا متى قدر ولا كيف قدر. فقال: لا تكونون موحدين أبداً حتى تقولوا كان الله ولا شيء.

    فقلنا: نحن نقول قد كان الله ولا شيء ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته؟ وضربنا لهم في ذلك مثلاً، فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار واسمها اسم واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها؟ فكذلك الله تعالى- وله المثل الأعلى- بجميع صفاته إله واحد، لا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات

    لا يقدر حتى خلق قدرة والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى خلق لنفسه علماً والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول:

    لم يزل الله عالماً قادراً مالكاً لا متى ولا كيف، وقد سمى الله رجلاً كافراً اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 1 وقد كان هذا الذي سماه الله وحيداً له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه الله وحيداً بجميع صفاته، فكذلك الله تعالى- وله المثل الأعلى- هو بجميع صفاته إله واحد.

    قال النبهاني: انتهى كلام الإمام أحمد بحروفه، فأنت تراه لم يجعل التشبيه؛ الذي شبهه- بقوله فكذلك الله تعالى- بملك له وزراء، وإنما جعل ذلك التشبيه بجماد وهو النخلة وكافر وهو الوليد بن المغيرة، فإذا جاز ضرب الجماد والكافر مثلاً لله تعالى وصفاته العلية أفلا يجوز ضرب المثل لله تعالى وأنبيائه وعباده الصالحين بملوك الدنيا ووزرائهم وخواصهم؟ ولعمري إن جواز ذلك أوضح من أن يتردد فيه مثل ابن القيم مع وفرة فهمه ودقة علمه، ولكن هواه في نصرة تلك البدعة كان حجاباً عن ذلك. إلخ.

    أقول: جوابه؛ أن هذا النقل عن الإمام صحيح، وهو من كتابه في الرد على الجهمية وهم أصحاب جهم بن صفوان الذي كان يقول بنفي الصفات عن الله تبارك وتعالى، والإمام أحمد رد عليه وعلى أصحابه برسالة مختصرة، وهي متداولة بين الأيدي، وقد طبعت في الهند، وليس فيما نقله النبهاني ما يمس مطلبه والاستدلال بمثل ذلك على جواز اتخاذ الوسائل بين العبد وبين الله في الالتجاء إليه والاستعانة به وغير ذلك، ويكفي هذا الفهم دليلاً على جهل النبهاني وغباوته وإفلاسه من كل فضيلة، ومن العجب أني رأيت كل من كان على هذا المسلك المعوج ذا غباوة وجهل وحجاب على بصريته، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ *َختَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ

    وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1. وقوله سبحانه: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ *) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} 2

    إن الإمام أحمد قدس الله روحه كان من أجلّ مشايخ الموحدين، كيف ويقول بجواز اتخاذ الوسائط والوسائل وهو مذهب المشركين؟ ولكنه تناظر مع الجهمية فيما خالفوا به أهل السنة، ومن جملة ما ناظرهم به مسألة الصفات، وقبل هذه العبارة التي نقلها النبهاني عن الشيخ عبارة أخرى، وبها يتضح المراد.

    قال الإمام: "وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} 3 أليس الله هو القائل؟ قالوا: يكون الله شيئاً يعبر عن الله كما كوّن شيئاً فعبر لموسى.

    فقلنا: فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} 4 أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما يكون شيئاً يعبر عن الله.

    فقلنا لهم: قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تنطق ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان. فلما ظهرت عليهم الحجة؛ قالوا إن الله قد تكلم لكن كلامه مخلوق.

    قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق فشبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاماً، فجمحتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة علواً كبيراً، بل نقول: إن الله لم يزل

    متكلما إذا شاء، ولا نقول إنه قد كان لا يتكلم حتى خلق كلاماً، ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علماً فعلم، ولا نقول إنه قد كان ولا قدرة حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول إنه قد كان ولا نور حتى خلق لنفسه نوراً، ولا نقول إنه قد كان ولا عظمة حتى خلق لنفسه عظمة.

    فقالت الجهمية لنا لما وصفنا الله بهذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره والله وعظمته والله وقدرته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره إلى آخر ما سبق نقله. انتهى.

    فالمقصود من كلام الإمام أحمد من ضرب النخلة والوحيد مثلاً؛ أن الذات المتصفة بصفات تتصف بالوحدانية، لأن الصفات لا تستقل بنفسها، ولا يمكن انفكاكها عن الذات إلا في الذهن، واعتراض الجهمية والمعتزلة لا يرد على أهل السنة، ومذهب النصارى لا يصلح نقضاً، فإنهم أثبتوا الأقانيم الثلاثة وكل منها مستقل، فالتعدد متحقق، وأما المثبتون للصفات فعندهم أن الذات لا تنفك عنها أصلاً، والتعدد منتف، وتفصيل ذلك في كتب الكلام. والإمام مثّل لصحة إطلاق الواحد على الذات المتصفة بالصفات بما هو أبلغ منه وهو إطلاق اسم النخلة على ما تركب من جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار، وسمى الوليد بن المغيرة المخزومي وحيداً مع ماله من الأعضاء والأجزاء المحسوسة، وهكذا الحائط، والمركب، والسرير، والكتاب، إلى ما لا يحصى من الأشياء التي استحقت إطلاق لفظ الواحد مع تعدد ما تركبت منه، فكيف لا يتحد ولا يطلق الواحد على المتصف بالصفات؟!

    فالإمام أحمد لم يشبه رب العالمين بالنخلة ولا بالوليد ولا بغيرهما من المخلوقات- تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- إنما شبه إطلاق الواحد على الله بإطلاقه على أشياء تركبت من أمور كثيرة كان ينبغي أن لا يطلق عليها ذلك، فإطلاقه على الذات المتصفة بالصفات أولى بالجواز والصحة.

    فانظر إلى سوء فهم النبهاني كيف فهم من عبارة الإمام ما فهم، وأوقعه جهله

    في مهواة من الضلال حتى زعم أن الإمام شبّه إله العالمين بالنخلة ونحوها، كل ذلك غراماً منه باتخاذ الواسطة وعبادة غير الله تعالى، قاتله الله ما أضله وأكفره.

    ثم إن من زيد جهله جعل النخلة من الجماد، ولا يصلح ذلك لغة ولا عرفاً، ولا حقيقة ولا مجازاً، بل النخلة هي من الشجر، وبذلك ورد الحديث الصحيح حيث شبهها بالمؤمن1، والحمد لله الذي جعل أعداء السنة والحق من الذين لا يفرقوّن بين النبات والجماد، وشبهوا الخالق بالمخلوق، وخبطوا في أعمالهم وعقائدهم خبط عشواء.

    والكلام على استدلال النبهاني بقوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} 2 كالكلام على ما سبق، على أن في المراد بالنور أقوالاً ليس هذا موضع ذكرها.

    قال النبهاني: وقد قال ابن القيم نفسه في كتابه طريق الهجرتين في فصل مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها: وهم ثماني عشرة طبقة؛ الطبقة الأولى- وهي العليا على الإطلاق-: مرتبة الرسالة، فأكرم الخلق على الله وأخصهم بالزلفى لديه رسله، وهم المصطفون من عباده إلى أن قال: "ويكفي في فضلهم وشرفهم أن الله سبحانه اختصهم لوحيه، وجعلهم أمناء على رسالته، وواسطة بينه وبين عباده وخصهم بأنواع كراماته، فمنهم من اتخذه خليلاً، ومنهم من كلمه تكليماً، ومنهم من رفعه مكاناً علياً على سائرهم درجات، ولم يجعل لعباده وصولاً إلا من طريقهم، ولا دخولاً إلى الجنة إلا خلفهم، ولم يكرم أحداً بكرامة إلا على أيديهم، فهم أقرب الخلق إليه وسيلة، وأرفعهم عنده درجة، وأحبهم إليه، وأكرمهم عليه، وبالجملة فخير الدنيا والآخرة إنما ناله العباد على

    أيديهم، وبهم عرف الله، وبهم عبد وأطيع، وبهم حصلت محابه تعالى في الأرض، وأعلاهم منزلة أولوا العزم منهم المذكورون في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} 1 وهؤلاء هم الطبقة العليا من الخلائق، وعليهم تدور الشفاعة حتى يردوها إلى خاتمهم وأفضلهم ".

    قال النبهاني: انتهت عبارته رحمه الله، فإذا كان هو بنفسه يصفهم بهذه الأوصاف الجميلة التي هم أهلها ومحلها، وقد صرح فيها بأنهم واسطة بينه تعالى وبين عباده، وأنهم أقرب الخلق إليه تعالى وسيلة، وأن خير الدنيا والآخرة إنما ناله العباد على أيديهم، فما الذي جرى له بعد ذلك حتى تبع شيخه ابن تيمية في منع الاستغاثة بهم إلى الله تعالى، وجعلهم واسطة بين العباد وبينه عز وجل، ووسيلة إلى قضاء حوائجهم الدنيوية والأخروية، أفلا يعد هذا من ابن القيم تناقضاً؟ انتهى.

    أقول في الجواب: إن ابن القيم رحمه الله وكذلك شيخه ومن على منهاجهم من أكثر الناس حباً للأنبياء والرسل عليهم السلام، وكتبهم طافحة ببيان ما يجب لهم من التوقير والاحترام، وفي كتاب مفتاح دار السعادة بحث مفصل في بيان حاجة الناس إليهم وما يجب من العمل بهديهم، حتى قال: إن العالم لو خلا من هديهم فسد وخرج عن نظامه إلى آخر ما تكلم به. ومن مزيد محبتهم له وتوقيرهم إياه حافظوا على هديهم وسننهم وما جاؤوا به من عند الله، ومن هديهم تخصيص الله تعالى بالعبادة والالتجاء إليه، والنذر له والتوكل عليه، وندائه في المهمات، والاستعانة به في طلب الحاجات، إلى غير ذلك من تخصيصه بخصائص الربوبية والألوهية.

    وما نقله النبهاني عن ابن القيم هو معتقد كل مسلم حنيف يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فضلاً عن شيخ الإسلام، ومن كان على سننه

    من الأئمة الأعلام ولا شك أن رسل الله هم الوسائط العظمى بين الله وبين المكلفين من عباده في تبليغ شرائعه وما يريده سبحانه من عباده، وبيان أسباب السعادة الدنيوية والأخروية، لا أنهم وسائط بالمعنى الذي فهمه الغبي النبهاني، حتى زعم أن ذلك مراد ابن القيم، وأخذ يوبخه بقوله فما الذي جرى له بعد ذلك حتى تبع شيخه ابن تيمية في منع الاستغاثة بهم إلى الله ... إلخ، بل المراد بالوسائط في كلامه بالمعنى الذي ذكرناه، وعليه أئمة الدين، وأكابر الموحدين.

    قال شيخ الإسلام قدس الله روحه- في الجواب عن سؤال فيه أن رجلين تناظرا، فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك-: "الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة يبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده، فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة.

    وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون، وهم عن ربهم ضالون محجوبون، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1 وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} 2

    قال ابن عباس: تكفل الله تعالى لمن قرأ القران وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.

    وقال تعالى عن أهل النار: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} 1. وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 2

    وقال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 3 وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 4 ومثل هذا في القرآن كثير.

    وهذا مما أجمع عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلغوا عن الله تعالى أمره وخبره.

    قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} 5 ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل.

    والسور التي أنزلها الله تعالى بمكة- مثل الأنعام والأعراف وذوات الر. وحم وطس. ونحو ذلك هي متضمنة لأصول الدين، كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، وقد قص الله تعالى قصص الكفار الذين كذبوا الرسل، وكيف أهلكهم ونصر رسله والذين اَمنوا، قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 1 وقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} .2

    فهذه الوسائط تطاع وتتبع ويقتدى بها كما قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ} 3 وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} 4 وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 5 وقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 6 وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} 7.

    قال: وان أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار -مثل أن يكن واسطة في رزق العبد ونصرهم وهداهم، يسألونه

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1