Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان
Ebook1,245 pages9 hours

إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان هو كتاب من تأليف أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي المعروف بإبن قيم الجوزية، رتبه في ثلاثة عشر باباً، عرض فيه أمراض النفس البشرية وعلاجها، ومكايد الشيطان التي يكيد بها للإنسان، وفيه فصول جمة الفوائد عظيمة النفع، وقد شهد له العلماء بالسبق في خدمة العلم وتعريف الدين للمسلمين
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 20, 1902
ISBN9786455281539
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان

Read more from ابن قيم الجوزية

Related to إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان

Related ebooks

Related categories

Reviews for إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان - ابن قيم الجوزية

    الغلاف

    إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان

    الجزء 2

    ابن قيم الجوزية

    751

    إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان هو كتاب من تأليف أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي المعروف بإبن قيم الجوزية، رتبه في ثلاثة عشر باباً، عرض فيه أمراض النفس البشرية وعلاجها، ومكايد الشيطان التي يكيد بها للإنسان، وفيه فصول جمة الفوائد عظيمة النفع، وقد شهد له العلماء بالسبق في خدمة العلم وتعريف الدين للمسلمين

    الأمور المبتدعة عند القبور مراتب

    : (1) الاختيار لتعليل المختار (4/ 175).

    (2) ص 83.

    (3) كذا في الأصل، وفي بعض النسخ: وأنه.

    أبعدها عن الشرع: أن يسأل الميت حاجته، ويستغيث به فيها، كما يفعله كثير من الناس، قال: وهؤلاء من جنس عُبّاد الأصنام، ولهذا قد يمتثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب، كما يتمثل لعبّاد الأصنام، وهذا يحصل للكفار من المشركين وأهل الكتاب، يدعو أحدُهم مَنْ يعظِّمه، فيتمثّل له الشيطان أحيانًا، وقد يخاطبهم ببعض الأمور الغائبة.

    وكذلك السجود للقبر، والتمسح به وتقبيله.

    المرتبة الثانية: أن يسأل اللهَ به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو بدعة باتفاق المسلمين.

    الثالثة: أن يسأله نفسه.

    الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد، فيقصد زيارته والصلاة عنده؛ لأجل طلب حوائجه.

    فهذا أيضًا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهى محرمة، وما علمتُ في ذلك نزاعًا بين أئمة الدين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك، ويقول بعضهم: قبرُ فلان تِرْياقٌ مجُرّب.

    والحكاية المنقولة عن الشافعي -أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبى حنيفة - من الكذب الظاهر.

    فصل

    في الفرق بين زيارة الموحِّدين للقبور، وزيارة المشركين:

    أما زيارة الموحدين فمقصودها ثلاثة أشياء: أحدها: تذكّر الآخرة، والاعتبار والاتعاظ، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: زوروا القبور؛ فإنها تُذكِّركم الآخرة (1).

    الثاني: الإحسان إلى الميت، وأن لا يطول عَهْده به، فيهجره، ويتناساه، كما إذا ترك زيارة الحيّ مدة طويلةً تناساه، فإذا زار الحيّ فرح بزيارته وسُرَّ بذلك، فالميت أولى؛ لأنه قد صار في دار قد هَجر أهلَها إخوانهُم وأهلُهم ومعارفُهم، فإذا زاره وأهدى إليه هديةً من دعاءٍ، أو صدقة، أو أهدى قربةً، ازداد بذلك سروره وفرحه، كما يُسرّ الحيُّ بمن يزوره ويهدي له.

    ولهذا شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - للزائر أن يدعو لأهل القبور بالرحمة والمغفرة، وسؤال العافية فقط، ولم يشرع أن يدعوهم، ولا يدعو بهم، ولا يُصليِّ عندهم.

    الثالث: إحسان الزائر إلى نفسه باتّباع السنة، والوقوف عند ما شرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيحسن إلى نفسه وإلى المزور.

    وأما الزيارة الشركية: فأصلها مأخوذ عن عُبّاد الأصنام.

    قالوا: الميت المعظّم الذي لروحه قربٌ ومزيَّة عند الله، لا تزال تأتيه الألطاف من الله، وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علّق الزائرُ روحه به، وأدناها منه، فاضَ من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها، كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له.

    قالوا: فتمامُ الزيارة: أن يتوجّه الزائر بروحه وقلْبه إلى الميت، ويعكُف (1) تقدم تخريجه.

    بهمَّته عليه، ويُوجِّه قصده كله وإقباله عليه، بحيث لا يبقى فيه التفاتٌ إلى غيره، وكلما كان جمعُ الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به.

    وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه: ابن سينا والفارابي وغيرهما. وصرح بها عُبّاد الكواكب في عبادتها، وقالوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور.

    وبهذا السر عُبدت الكواكب، واتُّخذت لها الهياكل، وصُنّفت لها الدعوات، واتخذت الأصنام المجسدة لها، وهذا بعينه هو الذي أوجب لعبّاد القبور اتخاذها أعيادًا، وتعليق الستور عليها، وإيقاد السّرج عليها، وبناء المساجد عليها، وهو الذي قصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبطاله ومحوه بالكُلِّيَّة، وسدّ الذرائع المفْضية إليه، فوقف المشركون في طريقه، وناقضُوه في قصده، وكان - صلى الله عليه وسلم - في شِقٍّ، وهؤلاء في شِقٍّ.

    وهذا الذي ذكره هؤلاء المشركون في زيارة القبور هو الشفاعة التي ظنُوا أن آلهتهم تنفعهم بها، وتشفع لهم عند الله.

    قالوا: فإن العبد إذا تعلَّقت روحه بروح الوجيه المقرّب عند الله، وتوجَّه بهمَّته إليه، وعكف بقلبه عليه؛ صار بينه وبينه اتصال، يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله، وشبَّهوا ذلك بمن يخدُم ذا جاهٍ وحظوة وقُرْبٍ من السلطان، فهو شديد التعلق به، فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال، ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلُّقه به.

    فهذا سرُّ عبادة الأصنام، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بإبطاله، وتكفير أصحابه، ولعنهم، وأباح دماءهم وأموالهم، وسَبَى ذراريهم، وأوجب لهم النار.

    والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله، وإبطال مذهبهم.

    قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 43, 44].

    فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السماوات والأرض، وهو الله وحده، فهو الذي يَشْفَع بنفسه إلى نفسه، ليرحم عبده، فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه، فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له، والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنه له وأمره، بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه، وهى إرادته من نفسه أن يرحم عبده.

    وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون ومَنْ وافقهم، وهى التي أبطلها الله سبحانه في كتابه، بقوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 123]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51]، وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4].

    فأخبر سبحانه أنه ليس للعباد شفيعٌ من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذِنَ هو لمن يشفعُ فيه، كما قال تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3]، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].

    فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه.

    والفرق بين الشفيعين كالفرق بين الشريك والعبد المأمور.

    فالشفاعة التي أبطلها شفاعة الشريك؛ فإنه لا شريك له، والتي أثبتها شفاعة العبد المأمور، الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له، ويقول: اشفع في فلان، ولهذا كان أسعدُ الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد، الذين جرّدُوا التوحيد وخلّصوه من تعلّقات الشرك وشوائبه، وهم الذين ارتضى الله سبحانه.

    قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109].

    فأخبر أنه لا يحصل يومئذٍ شفاعة تنفع؛ إلا بعد رضاهُ قول المشفوع له، وإذنه للشافع. فأما المشرك فإنه لا يرتضيه، ولا يرضى قوله، فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه؛ فإنه سبحانه علّقها بأمرين: رضاه عن المشفوع له، وإذنه للشافع، فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة.

    وسِرُّ ذلك أن الأمر كله لله وحده، فليس لأحد معه من الأمر شيء، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده هم الرسل والملائكة المقربون، وهم عبيد محضٌ، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدمون بين يديه، ولا يفعلون شيئًا إلا بعد إذنه لهم وأمرهم، ولاسيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا، فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيدة بأمره وإذنه، فإذا أشرك بهم المشرك، واتخذهم شفعاء من دونه، ظنّا منه أنه إذا فعل ذلك تقدَّموا وشفعوا له عند الله؛ فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه، وما يجب له، ويمتنع عليه، فإن هذا محال ممتنع، سببُه قياس الرب تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج، وبهذا القياس الفاسد عُبدت الأصنام، واتخذ المشركون من دون الله الشفيعَ والوليَّ.

    والفرق بينهما هو الفرق بين الخالق والمخلوق، والرب والعبد، والمالك والمملوك، والغني والفقير، والذي لا حاجة به إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره.

    فالشفعاء عند المخلوقين هم شركاؤهم؛ فإن قيام مصالحهم بهم، وهم أعوانهم وأنصارهم، الذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم، ولولاهم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس، فلِحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قَبول شفاعتهم، وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشافع؛ لأنهم يخافون أن يردّوا شفاعتهم، فتنتقض طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم، فلا يجدون بُدًّا من قبول شفاعتهم على الكره والرضا.

    فأما الغنيّ الذي غناه من لوازم ذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وكل من في السماوات والأرض عبيدٌ (1) له، مقهورون بقهره، مصرَّفون بمشيئته، لو أهلكهم جميعًا لم ينقص من عِزّه وسلطانه ومُلكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرةٍ.

    قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17]. (1) الأصل: عبد.

    وقال سبحانه في سيدة آي القرآن آية الكرسي: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 44].

    فأخبر أن حال ملكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده، وأن أحدًا لا يشفع عنده إلا بإذنه، فإنه ليس بشريك، بل مملوك محض، بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض.

    فتبين أن الشفاعة التي نفاها الله سبحانه في القرآن هي هذه الشفاعة الشركية التي يعرفها الناس، ويفعلها بعضهم مع بعض، ولهذا يُطلق نفيها تارة بناءً على أنها هي المعروفة المتعاهدة (1) عند الناس، ويُقيِّدُها تارة بأنها لا تنفع إلا بعد إذنه، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه؛ فإنه الذي أَذِنَ، والذي قَبِل، والذي رضي عن المشفوع، والذي وفّقه لفعل ما يستحق به الشفاعة وقوله.

    فمتخذ الشفيع مشركٌ لا تنفعه شفاعته، ولا يُشَفَّع فيه، ومتخذُ الرب وحده إلهه ومعبوده، ومحبوبه، ومرجُوَّه، ومخوفه، الذي يتقرب إليه وحده، ويطلب رضاه، ويتباعد من سَخَطه: هو الذي يأذن الله سبحانه للشفيع أن يشفع فيه.

    قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر: 43] إلى قوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ (1) ح: المشاهدة.

    بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18].

    فبين سبحانه أن المتخذين شفعاءَ مشركون، وأن الشفاعة لا تحصل باتخاذهم هم، وإنما تحصل بإذنه للشافع، ورضاه عن المشفوع له.

    وسر الفرق بين الشفاعتين: أن شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خَلْقًا ولا أمرًا ولا إذنًا، بل هو سبب مُحَرِّكٌ له من خارج، كسائر الأسباب التي تُحرّك الأسباب، وهذا السبب المحرك قد يكون عند المتحرك لأجله ما يوافقه، كمن شُفِع عنده في أمر يُحبه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يُخالفه، كمن يُشْفَعُ إليه في أمر يكرهه، ثم قد يكون سؤاله وشفاعتُه أقوَى من المعارض، فيقبل شفاعة الشافع، وقد يكون المعارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع، فيردها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران، فيبقى مترددًا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد، وبين الشفاعة التي تقتضي القبول، فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحدُ الأمرين بمرجِّح.

    فشفاعة الإنسان عند المخلوق مِثْلِه هي سعيٌ في سبب منفصل عن المشفوع إليه، يُحرِّكه به، ولو على كُرْهٍ منه، فمنزلة الشفاعة عنده منزلة من يأمر غيره أو يُكْرِهه على الفعل، إما بقوةٍ وسلطان، وإما بما يرغِّبه، فلا بد أن يحصل للمشفوع إليه من الشافع: إما رغبة ينتفع بها، وإما رهبة منه تندفع عنه بشفاعته.

    وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه؛ فإنه ما لم يخلق شفاعة الشافع، ويأذن له فيها، ويحبها منه، ويَرْضَ عن الشافع، لم يمكن أن توجد، والشافع لا يشفع عنده لحاجة الربّ إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه، وإنما يشفع عنده مُجرَّد امتثالٍ لأمره وطاعةٍ له، فهو مأمور بالشفاعة، مطيع بامتثال الأمر؛ فإن أحدًا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات لا يتحرك بشفاعةٍ ولا غيرها إلا بمشيئة الله وخَلْقه، فالرب تعالى هو الذي يحرِّك الشفيع حتى يشفع.

    والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل، والشافع عند المخلوق مستغنٍ عنه في أكثر أموره، وهو في الحقيقة شريكه، ولو كان مملوكه وعبده، فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر والمعاونة وغير ذلك، كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه من رزق أو نصر أو غيره، فكلٌّ منهما محتاج إلى الآخر.

    ومن وفقه الله لفهم هذا الموضع ومعرفته تبيَّن له حقيقة التوحيد والشرك، والفرق بين ما أثبته الله من الشفاعة وبين ما نفاه وأبطله، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].

    فصل

    ومن مكايد عدوّ الله ومصايده، التي كاد بها من قلَّ نصيبه من العلم والعقل والدِّين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماعُ المُكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرّمة، الذي (1) يصدُّ القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفةً على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رُقية اللواط والزِّنى، وبه ينال العاشق الفاسق من (1) الأصل: التي.

    معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحَسّنه لها مكرًا منه وغرورًا، وأوحى إليها الشُّبَه الباطلة على حُسْنه؛ فقبلت وحْيَه واتخذت لأجله القرآن مهجورًا، فلو رأيتهم عند ذيَّاك السماع وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكُلِّيَّتها عليه، وانصبَّت انصبابة واحدة إليه، فتمايلوا له ولا كتمايل النَّشوان، وتكسَّروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسُّر المخانيث والنّسوان؟ ويحق لهم ذلك، وقد خالط خمُارُه النفوس، ففعل فيها أعظم ما تفعله حُمَيَّا الكؤوس.

    فلغير الله بل للشيطان قلوبٌ هناك تُمزَّقُ، وأثوابٌ تُشقَّق، وأموالٌ في غير طاعة الله تُنفق، حتى إذا عمل السُّكْرُ فيهم عمله، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله، واستفزَّهم بصوته وحِيَلِه، وأجلب عليهم بخَيْله ورَجِلِه، وخَزَ في صدورهم وخرًا، وأزَّهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزًّا، فطوْرًا يجعلهم كالحمير حول المدار، وتارة كالذباب ترقص وسطَ الديار، فيا رحمتا للسقوف والأرض من دكّ تلك الأقدام، ويا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام، وياشماتة أعداء الإسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام، قضوا حياتهم لذةً وطربًا، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن، لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرّك له ساكنًا، ولا أزعج له قاطنًا، ولا أثار فيه وَجدًا، ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى الله زَنْدًا، حتى إذا تُلي عليهم قرآن الشيطان وولَجَ مزموره سَمْعَه، تفجَّرت ينابيع الوَجد من قلبه على عينيه فجَرَت، وعلى أقدامه فرقَصَت، وعلى يديه فصفّقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت. فيا أيها الفاتن المفتون! والبائع حظَّه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسرٍ مغبون! هلَّا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن؟ وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد؟ وهذه الأحوال السَّنِيَّات عند تلاوة السور والآيات؟

    ولكن كل امرئ يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، والجِنسِيّة علَّة الضم قدرًا وشرعًا، والمشاكلة سبب الميل عقلاً وطبعًا، فمن أين هذا الإخاء والنسب لولا التعلُّق من الشيطان بأقوى سبب؟ ومن أين هذه المصالحة التي أوقعت في عقد الإيمان وعهد الرحمن خللاً؟ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50].

    ولقد أحسن القائل (1):

    تُلِيَ الكتَابُ فأطْرَقُوا لا خِيفَةً ... لكِنَّهُ إِطْرَاقُ سَاهٍ لاهِي

    وأتى الغِنَاءُ فكالحَميرِ تَنَاهَقُوا ... وَالله مَا رَقَصوا لأجْلِ اللهِ

    دُفٌّ وَمِزْمَارٌ وَنغْمَةُ شَادِنٍ ... فمتى رَأَيتَ عِبَادَةً بملاهي

    ثَقُلَ الكِتَابُ عليهمُ لمَّا رَأوْا ... تَقْيِيدَهُ بأَوَامِرٍ وَنَوَاهِي

    سَمِعُوا له رَعْدًا وبَرْقًا إِذْ حَوَى ... زَجْرًا وتخوِيفًا بِفِعْلِ مَنَاهِي

    وَرَأَوْهُ أَعْظمَ قاطعٍ لِلنَّفسِ عَنْ ... شهَوَاتِها يَا ذَبْحَهَا (2) المُتَنَاهِي

    وَأتى السماعُ مُوافِقًا أَغْرَاضَها ... فَلأَجْلِ ذاكَ غَدَا عَظِيمَ الجاهِ

    أيْنَ المُسَاعِدُ لِلْهَوَى مِنْ قاطعٍ ... أَسْبَابَهُ عِنْدَ الجَهُولِ السَّاهي (1) أوردها المؤلف في مدارج السالكين (1/ 487، 488)، ومنها أربعة أبيات في جامع المسائل (1/ 91). ولعل البقية من نظم المؤلف.

    (2) ح: ياويحها.

    إنْ لم يَكُنْ خَمْرَ الجُسُومِ فإنَّهُ ... خَمْرَ العُقولِ ممُاثِلٌ وَمُضَاهِي

    فانْظُرْ إِلى النَّشْوَان عِنْدَ شَرَابَه ... وانْظُرْ إلى النِّسْوَانِ عِنْدَ مَلاهِي

    وانظُرْ إِلى تمْزِيقِ ذَا أَثوَابَهُ ... مِن بَعْدِ تمزيقِ الفُؤَادِ اللاهِي

    واحْكُمْ بأيّ الخَمْرَتَيْن أحَقّ بالـ ... ـتحريمِ والتَأْثِيمِ عِنْدَ اللهِ

    وقال آخر (1):

    برِئْنَا إِلىَ الله منْ مَعْشَرٍ ... بهِمْ مَرَضٌ مِنْ سَمَاعِ الغِنَا

    وكم قلْتُ يَاَ قَوْمِ أَنْتُمْ عَلىَ ... شَفَا جُرُفٍ مَا بِهِ مِنْ بِنَا

    شَفَا جُرُفٍ تحْتَهُ هُوَّةٌ ... إِلى دَرَكٍ كَمْ بِهِ مِنْ عَنا

    وتِكْرَارُ ذَا النُّصْحِ مِنّا لهمْ ... لنُعْذِرَ فِيهِمْ إِلى ربَّنا

    فَلمَّا اسْتَهانُوا بَتَنْبِيهنَا ... رَجَعْنَا إِلى الله في أَمْرِنا

    فعِشْنَا عَلىَ سُنَةِ المُصطَفَى ... وَمَاتوُا عَلىَ تَاتَنَا تَنْتَنَا

    ولم يزل أنصارُ الإسلام وأئمة الهُدى تصيح بهؤلاء من أقطار الأرض، وتُحذِّر من سلوك سبيلهم، واقتفاء آثارهم من جميع طوائف الملة. (1) لعل الأبيات للمؤلف، وقد نظر فيها إلى ما أنشده القاضي أبو بكر ابن العربي في كتاب الشفا لابن سينا:

    برِئْنَا إِلىَ الله منْ مَعْشَرٍ ... بهِمْ مَرَضٌ مِنْ كتاب الشفا

    وكم قلْتُ يَا قَوْم أَنْتُمْ عَلىَ ... شَفَا جُرُفٍ من كتاب الشفا

    فَلمَّا اسْتَهانُوا بَتَنْبِيهنَا ... رَجَعْنَا إِلى الله حتى كفَى

    فماتوا على دين رسطالسٍ ... وعشنا على مِلَّة المصطفى

    انظر: الرد على المنطقيين (ص 510، 511).

    قال الإمام أبو بكر الطرطوشى في خطبة كتابه في تحريم السماع (1):

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، ونسأل الله أن يُرِينا الحق حقًّا فنتبعه، والباطل باطلاً فنجتنبه، وقد كان الناس فيما مضى يستسرُّ أحدهم بالمعصية إذا واقعها، ثم يستغفر الله ويتوب إليه منها، ثم كثر الجهل، وقلّ العلم، وتناقص الأمر، حتى صار أحدهم يأتي المعصية جِهارًا، ثم ازداد الأمر إدبارًا، حتى بلغنا أن طائفة من إخواننا المسلمين -وفقنا الله وإياهم - استزَلهُّم الشيطان، واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو، وسماع الطّقْطَقَة والنقير، واعتقدتْه (2) من الدين الذي يُقرِّبهم إلى الله، وجاهرت به جماعة المسلمين، وشاقَّت سبيل المؤمنين، وخالفت الفقهاء والعلماء وحملةَ الدين، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، فرأيت أن أُوضح الحقّ، وأكشف عن شُبه أهل الباطل، بالحجج التي تضمّنها كتاب الله وسنة رسوله، وأبدأ بذكر أقاويل العلماء الذين تدور الفُتيا عليهم في قاصي الأرض ودانيها، حتى تعلم هذه الطائفة أنها قد خالفت علماء المسلمين في بدعتها، والله ولي التوفيق.

    ثم قال: أما مالك فإنه نهى عن الغناء، وعن استماعه وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مُغنية كان له أن يردَّها بالعيب.

    وسئل مالك عما يُرخّص فيه أهل المدينة من الغِناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفُسّاق. (1) تحريم الغناء والسماع (ص 159 - 162).

    (2) م: واعتقد أنه.

    قال: وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء، ويجعله من الذنوب.

    وكذلك مذهب أهل الكوفة: سفيان، وحماد، وإبراهيم، والشعبي، وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافًا أيضًا بين أهل البصرة في المنع منه.

    قلت: مذهب أبى حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظُ الأقوال. وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمِزْمار، والدّف، حتى الضرب بالقَضيب، وصرحوا بأنه معصية، يوجب الفسق، وتُرَدُّ به الشهادة.

    وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسقٌ، والتلذذ به كفرٌ. هذا لفظهم، ورووا في ذلك حديثًا لا يصح رفعه (1).

    قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مرّ به، أو كان في جواره.

    وقال أبو يوسف -في دار يُسْمَعُ منها صوتُ المعازف والملاهي-: ادْخُل عليهم بغير إذنهم؛ لأن النهى عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذنٍ لامتنع الناس من إقامة الفرض.

    قالوا: ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره، فإن أصَرَّ حبسه أو (1) ونصُّه: استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذّذ بها من الكفر، ذكره غير واحد من الحنفية، منهم الكمال بن الهمام في شرح فتح القدير (8/ 452)، وعزاه العراقي في المغني (1/ 566) لأبي الشيخ من حديث مكحول مرسلاً، وعزاه الشوكاني في نيل الأوطار (8/ 179) لأبي يعقوب محمد بن إسحاق النيسابوري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال: ضعفه بعض أهل العلم.

    ضربه سياطًا، وإن شاء أزْعجه عن داره.

    وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء (1): إن الغناء لهوٌ مكروه، يُشبِه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه تُردّ شهادته.

    وصرَّح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا على من نسب إليه حِله، كالقاضي أبى الطيب الطبري، والشيخ أبى إسحاق، وابن الصباغ.

    قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه (2): ولا تصح -يعني الإجارة - على منفعة محرَّمة، كالغناء، والزّمْر، وحمل الخمر، ولم يذكر فيه خلافًا.

    وقال في المهذب (3): ولا يجوز على المنافع المحرمة؛ لأنه محرم، فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميتة والدم.

    فقد تضمن كلام الشيخ أمورًا:

    أحدها: أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة.

    الثاني: أن الاستئجار عليها باطل.

    الثالث: أن أكل المال به أكل مال باطل، بمنزلة أكله عوضًا عن الميتة والدم.

    الرابع: أنه لا يجوز للرجل بَذْل ماله للمغنِّي، ويحرم عليه ذلك، فإنه بذل مالٍ في مقابلة محرم، وأن بَذْلَه في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة. (1) من كتاب الأم (7/ 518).

    (2) ص 123 (ط. عالم الكتب).

    (3) 15/ 3 (مع تكملة المجموع شرح المهذب).

    الخامس: أن الزمر حرام. وإذا كان الزمر -الذي هو أخفّ آلات اللهو - حرامًا، فكيف بما هو أشدّ منه؛ كالعود، والطّنْبور، واليرَاع؟

    ولا ينبغي لمن شَمّ رائحة العلم أن يتوقّف في تحريم ذلك، فأقل ما فيه: أنه من شِعار الفُسّاق وشاربي الخمور.

    وكذلك قال أبو زكريا النواوي في روضته (1): القسم الثاني: أن يغُنِّي ببعض آلات الغناء، مما هو من شعار شاربي الخمر، وهو مُطْرِبٌ، كالطنبور والعود والصّنْج، وسائر المعازف والأوتار - يحرم استماعه واستعماله.

    قال: وفي اليَراع وجهان، صحّح البغويُّ التحريم.

    ثم ذكر عن الغزالي الجواز.

    قال: والصحيح تحريم اليراع، وهو الشّبّابة.

    وقد صنف أبو القاسم الدَّوْلَعي كتابًا في تحريم اليراع.

    وقد حكى أبو عمرو بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدّفّ والشّبّابة، فقال في فتاويه (2): "وأما إباحةُ هذا السماع وتحليله فليُعْلَم أن الدُفّ والشّبّابة والغناء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام، عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يُعتدّ بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع، والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نُقل في الشّبّابة مفردة، والدف مفردًا، فمن لا يُحَصِّلُ أو لا يتأملُ ربما اعتقد خلافا بين الشافعيين في هذا السماع (1) روضة الطالبين (11/ 228).

    (2) (2/ 500).

    الجامع هذه الملاهي، وذلك وَهم بَيِّنٌ من الصَّائر إليه، تُنادي عليه أدلة الشرع والعقل. مع أنه ليس كل خلاف يُسْتَرْوَحُ إليه، ويعتمد عليه، ومن تَتبَّع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق أو كاد.

    قال: وقولهم في السماع المذكور: إنه من القُربات والطاعات؛ قول مخالف لإجماع المسلمين، ومن خالف إجماعهم فعليه ما في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] ".

    وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين بَلاءُ الإسلام منهم: المحلِّلون لما حَرّم الله، والمتقربون إلى الله بما يباعدهم عنه.

    والشافعي وقُدماء أصحابه والعارفون بمذهبه من أغلظ الناس قولاً في ذلك.

    وقد تواتر عن الشافعي أنه قال: خلَّفتُ ببغداد شيئًا أحدثَتْه الزّنادقة، يُسَمّونه التغْبير، يصدُّون به الناس عن القرآن (1).

    فإذا كان هذا قولَه في التغبير، وتعليله أنه يصدّ عن القرآن، وهو شِعْرٌ يُزهِّد في الدنيا، يغنِّي به مُغنٍّ، فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نِطْع أو مَخَدّة على توقيع غنائه؛ فليت شِعري ما يقول في سماعٍ التغبيرُ عنده كتَفْلةٍ (2) في بحر؛ قد اشتمل على كل مفسدة، وجمع كل محرّمٍ؟ فالله بيْن (1) انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال (ص 168) وتلبيس إبليس (ص 230).

    (2) في بعض النسخ: كنقطة.

    دينه وبين كل متعلم مفتون، وعابد جاهل.

    قال سفيان بن عيينة: كان يقال: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنةٌ لكل مفتون (1).

    ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين.

    فصل

    وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله ابنه (2): سألت أبي عن الغناء، فقال: الغناء يُنْبِتُ النفاق في القلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفُسَّاق.

    قال عبد الله: وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى القطان يقول: لو أن رجلاً عمل بكل رُخصةٍ -بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة - لكان فاسقًا.

    قال أحمد: وقال سليمان التّيْميّ: لو أخذتَ برخصةِ كل عالم أو زَلّة كل (1) لم أقف عليه من كلام ابن عيينة، وورد من كلام الثوري، فقال ابن المبارك في الزهد (75): سمعت سفيان الثوري يقول: يقال: تعوّذوا بالله من فتنة العابد الجاهل ... وذكره، ومن طريق ابن المبارك رواه الآجري في أخلاق العلماء (131) والبيهقي في المدخل (544). ورواه أحمد في العلل (4501) - ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (7/ 36) - عن أبي أحمد الزبيري، وأبو نعيم (6/ 376) من طريق حفص بن عمرو، والبيهقي في الشعب (2/ 308) من طريق قبيصة بن عقبة، ثلاثتهم عن الثوري به. وورد عن الثوري قال: قال عمر بن عبد العزيز .. وذكره.

    (2) مسائل أحمد رواية ابنه عبد الله (1632)، وعن عبد الله رواه أبو بكر الخلال في الأمر بالمعروف (171).

    عالم اجتمع فيك الشر كله (1).

    ونصَّ على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره، إذا رآها مكشوفة، وأمكنه كسرها.

    وعنه في كسرها -إذا كانت مُغَطَّاةً تحت ثيابه وعَلِمَ بها - روايتان منصوصتان.

    ونصَّ في أيتام ورثوا جاريةً مُغَنية، وأرادوا بيعها، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجةٌ، فقالوا: إذا بيعت مُغَنيةً ساوت عشرين ألفًا أو نحوها، وإذا بيعت ساذجةً لا تساوي ألفين، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة.

    ولو كانت منفعة الغناء مباحة لما فَوّت هذا المال على الأيتام.

    فصل

    وأما سماعه من المرأة الأجنبية أو الأمْرَدِ: فمن أعظم المحرمات، وأشدها فسادًا للدين.

    قال الشافعي رحمه الله: وصاحبُ الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه تُرد شهادته، وغَلَّظ القول فيه، وقال: هو دِياثة، فمن فعل ذلك كان ديُّوثًا.

    قال القاضي أبو الطيِّب: وإنما جعل صاحبها سفيهًا لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهًا فاسقًا. (1) رواه ابن الجعد في مسنده (1319)، والخلال في الأمر بالمعروف (172)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 32)، وابن حزم في الإحكام (6/ 317)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (901) من طريق خالد بن الحارث عن سليمان التيمي به.

    قال: وكان الشافعي يكره التغبير، وهو الطقطقة بالقضيب، ويقول: وضَعَتْهُ الزنادقة ليَشْغَلُوا به عن القرآن.

    قال: وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام، ومُستمعه فاسق، واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعونٍ عليهما.

    قلت: يريد بهما إبراهيم بن سعد وعبيد الله بن الحسن (1)؛ فإنه قال: وما خالف في الغناء إلا رجلان: إبراهيم بن سعد؛ فإن الساجي حكى عنه أنه كان لا يرى به بأسًا، والثاني: عبيد الله بن الحسن العَنْبري قاضي البصرة، وهو مطعون فيه.

    فصل

    قال أبو بكر الطرطوشي (2): وهذه الطائفة مخالفة لجماعة المسلمين؛ لأنهم جعلوا الغناء دينًا وطاعة، ورأت إعلانه في المساجد والجوامع، وسائر البقاع الشريفة، والمشاهد الكريمة، وليس (3) في الأُمة من رأى هذا الرأي.

    قلت: ومن أعظم المنكرات تمكينهم من إقامة هذا الشعار الملعون هو وأهله في المسجد الأقصى عَشِيّة عَرَفة، ويقيمونه أيضًا في مسجد الخَيْف أيام مِنًى؛ وقد أخرجناهم منه بالضرب والنفي مرارًا، ورأيتهم يقيمونه بالمسجد الحرام نفسه، والناس في الطواف، فاستدعيت حِزْب الله، وفَرّقنا (1) انظر: تلبيس إبليس (ص 330)، والاستقامة (1/ 272). وكلام أبي الطيب الطبري في رسالة الرد على من يحب السماع (ص 28، 31).

    (2) في تحريم الغناء والسماع (ص 166).

    (3) وليس ساقطة من م.

    شملهم، ورأيتهم يقيمونه بعرفات، والناس في الدعاء والتضرّع والابتهال والضجيج إلى الله، وهم في هذا السماع الملعون باليراع والدف والغناء!

    فإقرار هذه الطائفة على ذلك فِسقٌ يَقْدحُ في عدالة مَنْ أقرّهم ومنصبِه الديني.

    وما أحسن ما قال بعض العلماء (1) وقد شاهد هذا وأفعالهم:

    أَلا قُلْ لهمْ قَوْلَ عبد نَصوحٍ ... وَحَقُّ النَّصِيحَةِ أَنْ تُسْتَمعْ

    مَتَى عُلِّمَ الناسُ في دِينِنا ... بأَنّ الغِنَا سنّةٌ تُتّبَع

    وأَنْ يأكلَ المَرْءُ أَكْلَ الحِمارِ ... وَيَرْقُصَ في الجَمْعِ حَتَّى يقَعْ

    وقَالُوا سَكِرْنَا بِحُبِّ الإِلهِ ... وَمَا أسكَرَ القَوْمَ إلا القِصَعْ

    كَذَاكَ البَهَائمُ إِنْ أُشْبِعَت ... يُرَقِّصُهَا رِيهُّا والشِّبَعْ

    ويُسْكِرُهُ النَّايُ ثُمَّ الغِنا ... و {يس} لَوْ تُلِيَتْ ما انْصَدَعْ

    فيَا لَلْعقُولِ وَيَا لَلنُّهَى ... أَلا مُنْكِرٌ مِنْكُمُ لِلبِدَعْ

    تهانُ مَسَاجِدُنَا بَالسَّماعِ ... وَتُكْرَمُ عَنْ مِثْلِ ذَاكَ البِيَعْ

    وقال آخر، وأحسن ما شاء (2) (3):

    ذَهَبَ الرِّجَالُ وحال دُونَ مجَالهمْ ... زُمَرٌ مِنَ الأوْبَاشِ وَالأَنذَالِ

    زَعَمُوا بأَنّهُمُ عَلىَ آثَارِهِمْ ... سَارُوا ولكِنْ سِيَرةَ البَطّالِ (1) الأبيات لظهير الدين ابن عسكر الموصلي في وفيات الأعيان (1/ 38)، وتاريخ إربل (1/ 395)، والبداية والنهاية (17/ 38).

    (2) وأحسن ما شاء ساقطة من م.

    (3) القصيدة للمؤلف، كما يظهر من أسلوبها وموضوعاتها.

    لَبِسُوا الدُّلُوقَ مُرقَّعًا وَتَقَشّفُوا ... كَتَقَشُّفِ الأَقْطَابِ وَالأَبْدَالِ

    قَطَعُوا طَرِيقَ السَّالِكِينَ وَغَوَّرُوا ... سُبُل الْهُدَى بجَهَالةٍ وَضَلالِ

    عَمَرُوا ظَوَاهِرَهُمْ بأَثوَابِ التُّقى ... وَحَشَوْا بَوَاطِنَهُمْ مِنَ الأدْغالِ

    إِنْ قُلتَ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ ... هَمزُوكَ هَمْزَ المُنْكِر المُتعَالي

    أَوْ قُلْتَ قَدْ قَالَ الصَّحَابَةُ والأُلى ... تَبِعُوهُمُ في القَوْلِ وَالأَعْمَالِ

    أوْ قُلْتَ قَالَ الآلُ آلُ المُصْطَفى ... صَلىّ عَليهِ اللهُ أَفْضَلُ آلِ

    أوْ قُلْتَ قَالَ الشّافِعِىُّ وأَحْمَدٌ ... وأَبو حَنِيفَةَ وَالإِمَامُ العَاليِ

    أَوْ قُلْتَ قَالَ صِحَابُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ ... فَالكُلُّ عِنْدَهُمُ كَشِبْهِ خَيَالِ

    وَيَقُولُ قَلْبي قَالَ لي عَنْ سرِّهِ ... عَنْ سرِّ سرِّي عَنْ صَفَا أَحْوَاليِ

    عَنْ حَضْرَتي عَنِ فِكْرَتي عَنْ خَلْوَتي ... عَنْ شَاهِدِي عَنْ وَارِدِي عَنْ حَاليِ

    عَنْ صَفْوِ وَقْتي عَنْ حَقِيقِة مَشهدي ... عَنْ سرِّ ذاتي عَنْ صِفَاتِ فِعَاليِ

    دَعْوَى إذَا حقَّقْتَهَا ألفَيْتَهَا ... أَلْقَابَ زُورٍ لُفِّقتْ بِمُحالِ

    تَركُوا الحَقَائِقَ وَالشّرائِعَ وَاقْتدَوْا ... بِظَوَاهِرِ الجُهَّالِ وَالضُّلالِ

    جَعَلُوا المِرا فَتْحًا وألْفَاظَ الخطا ... شَطْحًا وَصَالُوا صَوْلَةَ الإذلال

    نبَذُوا كِتَابَ الله خَلْفَ ظُهُورِهْم ... نَبْذَ المُسَافرِ فَضْلَةَ الأَكَّالِ

    جَعَلُوا السَّماعَ مَطِيّة لهَوَاهُمُ ... وغَلَوْا فَقَالُوا فيهِ كُلَّ مُحَالِ

    هُوَ طَاعَةٌ هُوَ قُرْبةٌ هُوَ سُنةٌ ... صَدَقُوا لِذَاكَ الشَّيْخِ ذِى الإضلالِ

    شَيْخٌ قَديِمٌ صَادَهُمْ بَتَحَيُّل ... حَتَى أَجَابُوا دَعوةَ المُحْتَالِ

    هَجَرُوا لَهُ القُرْآنَ وَالأَخْبَارَ وَالْـ ... آثارَ إذ شهِدَتْ لهمْ بِضَلالِ

    وَرَأَوْا سَمَاعَ الشِّعْر أنْفَعَ للفَتى ... مِنْ أَوْجُهٍ سَبْعٍ لهُمْ بِتَواليِ

    تَاللهِ مَا ظَفِرَ العَدُوُّ بِمثْلِهَا ... مِنْ مِثْلهِمْ وَاخَيْبَةَ الآمالِ نَصَبَ الحِبَال لهُمْ فَلمْ يَقَعُوا بِهَا ... فأَتى بِذَا الشّرَكِ المُحِيطِ العاليِ

    فإذا بِهِمْ وَسَطَ العَرِينِ ممُزَّقي الْـ ... أَثْوابِ والأدْيَانِ والأحْوَالِ

    لا يَسْمَعُونَ سِوَى الذي يهوَونهُ ... شُغْلاً بِهِ عنْ سائرِ الأشْغَالِ

    ودُعُوا إِلى ذاتِ الْيَمين فأَعْرَضوا ... عَنْهَا وسَارَ القَوْمُ ذاتَ شِمَالِ

    خَرُّوا عَلىَ القُرْآنِ عِنْدَ سمَاعه ... صُمًّا وعُميَانًا ذَوِي إِهمَالِ

    وإذَا تلاَ القَارِي عَلَيْهِمْ سُورَةً ... فأطَالهَا عَدُّوهُ في الأثْقَالِ

    وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ أَطَلتَ، وَلَيسَ ذَا ... عَشْرًا، فَخَفِّفْ أَنْتَ ذُو إِملالِ

    هذَا وَكَمْ لَغْوٍ وَكم صَخَبٍ وَكَمْ ... ضَحِكٍ بِلاَ أَدَبٍ وَلا إجْمَالِ

    حَتَّى إذَا قَامَ السَّماعُ لَدَيْهِمُ ... خَشَعَتْ لهُ الأصْواتُ بالإجْلالِ

    وَامْتَدَّتِ الأعْنَاقُ تَسْمعُ وَحْيَ ذَا ... كَ الشّيخِ مِنْ مُتَرنِّمٍ قَوَّالِ

    وَتحَرَّكَتْ تِلكَ الرُّؤوسُ وهَزَّهَا ... طَرَبٌ وأشْوَاقٌ لِنيلِ وِصَالِ

    فَهُنَالِكَ الأشْوَاقُ وَالأشْجَانُ والْـ ... أَحوَالُ لا أهلاً بِذِي الأحوَالِ

    تَالله لو كانوا صُحاةً أبْصَرْوا ... مَاذا دَهَاهُمْ مِنْ قَبِيحِ فِعَالِ

    لَكِنَّمَا سُكْرُ السَّمَاعِ أَشدُّ مِنْ ... سُكرِ المُدامِ وذَا بِلَا إِشكَالِ

    فإذا هُمَا اجتمعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً ... نَالَتْ مِنَ الخُسْرَانِ كُلَّ مَنَالِ

    يَا أُمَّةَّ لَعبتْ بِدِينِ نَبِيِّهَا ... كَتَلاعُبِ الصِّبْيَانِ في الأوْحَالِ

    أَشْمتُّمُ أَهْلَ الكتابِ بدينكمْ ... والله لن يَرضَوا بذي الأفعالِ

    كم ذا نُعَيَّر منهمُ بفريقكم ... سِرًّا وجهرًا عندَ كل جدالِ

    قالوا لنا دينٌ عبادةُ أهله ... هذا السَّماع، فذاك دينُ محالِ

    بل لا تجيءُ شريعةٌ بجوازِه ... فسَلُوا الشَّرائع تَكْتفُوا بسؤالِ

    لو قُلتمُ فِسقٌ ومعصيةٌ وتزْ ... يينٌ مِن الشيطان للأنذالِ ليصُدَّ عن وحي الإلهِ ودينهِ ... وينالَ فيهِ حِيلةَ المحتالِ

    كُنّا شهدنا أنَّ ذا دِينٌ أتَى ... بالحقِّ دينُ الرُّسلِ لا بضلالِ

    والله مِنهُم قَدْ سمعنا ذَا إلى الْـ ... آذانِ مِنْ أفوَاهِهِمْ بمَقَالِ

    وَتمامُ ذَاكَ الْقَوْلِ بالحِيَلِ التي ... فَسَخَتْ عقُودَ الدينِ فَسْخَ فِصَالِ

    جَعَلَتْه كالثَّوْبِ المُهَلْهَلِ نَسْجُهُ (1) ... فِيهِ تُفَصّلُهُ مِنْ الأوصَالِ

    مَا شئت مِنْ مَكْرٍ وَمِنْ خِدَعٍ وَمنْ ... حِيَلٍ وَتَلْبِيسٍ بِلاَ إقلالِ (2)

    فَاحْتَلْ عَلىَ إسْقَاطِ كُلِّ فرِيضةٍ ... وَعَلىَ حَرَامِ الله بِالإِحْلالِ

    واحتَلْ عَلىَ المَظْلُوم يُقْلَبُ ظالمًا ... وَعَلىَ الظَّلومِ بِضدِّ تِلكَ الحَالِ

    وَاقلِبْ وَحَوِّلْ فَالتَّحَيُّل كُلُّهُ ... في الْقَلْبِ وَالتَّحْوِيلُ ذُو إِعمالِ

    إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ ذَا ظَفِرْتَ بِكُلِّ مَا ... تَبْغِي مِنَ الأفْعَالِ وَالأَقوَالِ

    فاحتَلْ على شُربِ المُدام وسَمِّها ... غيرَ اسْمِها واللفظُ ذو إجمالِ

    وَاحْتَلْ عَلىَ أكْلِ الربَا واهْجُرْ شَنا ... عَةَ لَفْظهِ وَاحْتَلْ عَلىَ الإبْدالِ (3)

    وَاحْتَلْ عَلىَ الْوَطْءِ الحَرَامِ وَلا تَقُلْ ... هذَا زِنًى وَانْكِحْ رَخِيَّ البَالِ

    وَاحْتَلْ عَلىَ حَلِّ العقُودِ وفَسْخِهَا ... بَعْدَ اللزُوم وَذَاكَ ذُو إِشْكَالِ

    إِلا عَلىَ المُحْتَالِ فَهْوَ طَبِيبُهَا ... يَا مِحْنَةَ الأَدْيَانِ بِالمُحْتَالِ

    وَاحْتَلْ عَلىَ نَقْضِ الْوُقُوفِ وَعَوْدِهَا ... طِلْقًا ولا تَسْتَحْي مِنْ إِبطَالِ

    فكِّرْ وقَدِّرْ ثُمَّ فَصِّلْ بَعدَ ذَا ... فإِذَا غُلِبْتَ فَلِجَّ في الإِشْكالِ

    واحتَلْ على الميراث فانزعْه من الْـ ... ـوُرَّاث ثم ابْلَعْ جَمِيعَ المَالِ

    قد أثبتوا نسبًا وحَصْرًا فيكم ... حتى تحوزوا الإرث للأموالِ (1) الأصل وبقية النسخ: فضحه، م: نفحة. ولعل المثبت هو الصواب.

    (2) م: إملال.

    (3) الأصل: الأنذال. والمثبت من بقية النسخ.

    واعْمِدْ إلى تلك الشهادةِ واجعلِ الْـ ... إبطالَ همَّك تحظَ بالإبطالِ

    فالحصر إثباتٌ ونفيٌ غيرُ مَعْـ ... ـلومٍ وهذا موضعُ الإشكالِ

    واحْتَلْ عَلىَ مَالِ اليَتيمِ فإِنهُ ... رِزْقٌ هَنِيٌّ مِنْ ضَعِيفِ الحالِ

    لا سَوْطَهُ تَخْشَى وَلا مِنْ سَيْفه ... والقَولُ قولُكَ في نَفَاذِ المالِ

    وَاحْتَلْ عَلىَ أكْلِ الوُقُوفِ فإِنهَا ... مِثْلُ السَّوَائِبِ رَبّةِ الإِهمالِ

    فَأبُو حَنِيفَةَ عِنْدَهُ هي بَاطِلٌ ... في الأَصَلِ لم تَحْتَجْ إلى إِبْطَالِ

    فالمَالُ مَالٌ ضَائِعٌ أَرْبابُهُ ... هَلَكُوا فَخُذْ مِنْهُ بِلا مِكْيَالِ

    وإذَا تَصِحُّ بحُكْم قاضٍ عَادِلٍ ... فَشُرُوطُهَا صارَتْ إِلى اضْمِحْلاَلِ

    قد عَطّلَ النَّاسُ الشُّرُوطَ وَأَهْملوا ... مَقْصُودَهَا فَالكُلُّ في إهْمال

    وَتمَامُ ذَاكَ قُضَاتُنَا وشُهُودُنا ... فَاسْأَلْ بهِمْ ذَا خِبْرَةٍ بالحَالِ

    أمَّا الشُهودُ فَهُمْ عُدُولٌ عن طريـ ... ـقِ العَدْلِ في الأَقوَال والأفعالِ

    زُورًا وتتميمًا وكِتْمَانًا وَتَلْـ ... بيسًا وَإِسْرَافًا بِأَخْذِ نَوَالِ

    يَنْسَى شَهَادَتَهُ وَيحلِفُ أنهُ ... ناسٍ لهَا والقَلْبُ ذو إِغْفالِ

    فإِذَا رَأَى المنقُوشَ قال ذَكَرْتها ... يَا لَلمُذَكِّرِ جِئْتَ بالآمالِ

    ويقُول قَائِلُهُمْ أَخوضُ النَّارَ في ... نَزْرٍ يَسِيرٍ ذاكَ عَيْنُ خَبَالِ

    ثَقلْ ليِ المِيزَانَ إِنيِّ خَائِضٌ ... لِلمَنْكِبَيْن أجَرُّ بالأغْلالِ

    أَمَّا القُضَاةُ فَقَدْ تَوَاتَرَ عَنُهمُ ... مَا قَدْ سَمِعْتَ فَلا تَفُهْ بمَقَالِ

    ماذا تقول لمن يقول حكمتُ أنـ ... ـك فاسقٌ أو كافرٌ في الحالِ

    فإِذَا اسْتَغَثْتَ أُغِثْتَ بالجَلْدِ الذي ... قَدْ طَرَّقُوهُ كَمِثْلِ طَرْقِ نِعَالِ

    فَيقُولُ طَقْ، فتقُولُ قَطْ فتعَارَضَا ... وَيكُونُ قَوْلُ الجَلدِ ذَا إِعْمالِ

    فأجَارَكَ الرَّحْمنُ مِنْ ضَرْبٍ وَمنْ ... عَرْضٍ وَمِنْ كَذِبٍ وَسُوءِ مَقَالِ

    هذَا وَنِسْبَةُ ذَاكَ أَجْمَعِهِ إِلى ... دِينِ الرَّسولِ وَذَا مِنَ الأَهْوَالِ حَاشَا رَسُولُ اللهِ يَحْكُمُ بالهوَى ... والْجَهْلِ، تِلْكَ حُكُومَةُ الضُّلالِ

    وَاللهِ لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ كُلُّهَا ... لاجْتَثَّهَا بالنَّقْضِ وَالإِبطَالِ

    إِلا الَّتى مِنْهَا يُوافِقُ حُكْمَه ... فَهُوَ الَّذِى يَلقَاهُ بالإِقبال

    أَحْكَامُه عَدْلٌ وحَقٌّ كُلُّهَا ... فى رَحْمَةٍ ومَصالِحٍ وجَلالِ

    شَهِدَتْ عُقُولُ الْخَلْقِ قاطبةً بَما ... فى حُكْمِهِ مِنْ صِحَّةٍ وَكَمالِ

    فإِذَا أتَتْ أَحْكَامُهُ أَلْفَيْتَهَا ... وَفْقَ العقولِ تُزِيلُ كُلَّ عِقَالِ

    حَتَّى يَقُولَ السَّامِعُونَ لِحُكْمِه ... مَا بَعْدَ هذَا الحْقِّ غَيْرُ ضَلالِ

    للهِ أَحْكامُ الرَّسُولِ وَعَدْلَهُا ... بَيْنَ العِبَادِ وَنَورُهَا المُتَلالى

    كَانَتْ بهم فى الأرْضِ أعْظَمُ رَحمَةٍ ... والنَّاسُ فى سَعْدٍ وَفى إِقبَالِ

    أَحْكامُهُمْ تجْرِى عَلَى وَجْهِ السَّدَا ... دِ وَحَالُهُمْ فى ذَاكَ أحْسَنُ حَالِ

    أَمْناً وعزًّا فى هُدًى وَتَرَاحُمٍ ... وَتَوَاصُلٍ وَمَحَبّةٍ وَجلالِ

    فَتَغَيَّرَتْ أَوْضَاعُهَا حَتَّى غَدَتْ ... مَنْكُورةً مسلُوبَة الأعمالِ

    فَتَغَيَّرَتْ أَعمالُهُمْ وَتَبدَّلَتْ ... أَحْوَالُهُمْ بالنَّقْصِ بَعْدَ كمَالِ

    لَوْ كانَ دِينُ اللهِ فيهِمْ قائماً ... لَرَأَيْتَهُمْ فى أَحْسَنِ الأحْوَالِ

    وإِذا هُمُوا حَكَمُوا بحُكْمٍ جَائرٍ ... حَكَمُوا لمُنْكِرِهِ بِكُلِّ وَبَالِ

    قُالوا أتُنْكِرُ حُكمَ شَرْعِ مُحَمدٍ ... حَاشَا لِذَا الشّرْعِ الشَّرِيفِ العَالِي

    عَجَّتْ فُرُوجُ النَّاسِ ثُمَّ حُقُوقُهُم ... للهِ بِالبُكُرَاتِ والآصَالِ

    كمْ تُسْتَحَلُّ بكل حُكْمٍ بَاطِلٍ ... لا يَرْتَضِيهِ رَبُّنَا المُتَعَالِي

    والكلُّ فى قَعْرِ الجَحِيمِ سِوَى الَّذِى ... يَقْضِى بِدينِ اللهِ لا لِنَوَالِ

    أَوَ مَا سَمِعْتَ بأَنّ ثُلْثَيْهِمْ غَدا ... فى النَّار فى ذَاكَ الزَّمَانِ الَخْالي

    وَزَمَانُنَا هذَا فَرَبُّكَ عَالِمٌ ... هَلْ فيهِ ذَاكَ الثُّلْثُ أَمْ هُوَ خَالِي يا بَاغِىَ الإِحْسَانِ يَطْلُبُ رَبَّهُ ... لِيَفُوزَ مِنْهُ بِغَايَةِ الآمَالِ

    انْظُرْ إلى هدْىِ الصَّحَابَةِ وَالذِى ... كانُوا عَلَيْهِ فى الزَّمَانِ الَخْالِي

    واسْلُكْ طَرِيقَ القَوْمِ أَيْنَ تَيَمَّمُوا ... خُذْ يَمْنَةً ما الدَّرْبُ ذَاتَ شِمَالِ

    تَاللهِ مَا اخْتَارُوا لأَنْفُسِهمْ سِوَى ... سُبُلِ الهُدَى فى القَوْلِ وَالأفعالِ

    دَرَجُوا عَلَى نَهْجٍ الرَّسُولِ وَهَدْيه ... وَبِهِ اقْتَدَوْا فى سَائرِ الأحوالِ

    نِعْمَ الرَّفِيقُ لِطَالِبٍ يَبْغِى الْهُدى ... فمآلُهُ فى الَحْشْرِ خَيْرُ مآلِ

    القَانِتِينَ المُخْبِتينَ لِرَبهِمْ ... النَّاطِقِينَ بأَصْدَقِ الأقوَالِ

    التَّارِكِينَ لكل فِعْلٍ سيِّئٍ ... وَالعَامِلينَ بأَحْسَنِ الأعمَالِ

    أَهوَاؤُهُمْ تَبَعٌ لِدينِ نَبِيِّهمْ ... وَسِوَاهُمُ بِالضِّدِّ فى ذِى الحْالِ

    مَا شَابَهُمْ فى دِينْهِمْ نَقْصٌ وَلا ... فى قَوْلِهمْ شَطْحُ الَجْهُولِ الْغالِي

    عَمِلُوا بمَا عَلِمُوا وَلم يَتَكَلّفُوا ... فَلِذَاكَ مَا شَابُوا الْهُدَى بِضَلالِ

    وَسوَاهم بالضدِّ حتَّى إنّهم ... تَرَكُوا الْهُدَى وَدَعَوْا إلى الإضْلالِ

    فَهُمُ الأدِلَّةُ لِلْحَيارَى مَنْ يَسرْ ... بهُدَاهُمُ لَمْ يَخْشَ مِنْ إضْلالِ

    وَهُمُ النُّجُومُ هِدَايَةً وإِضاءَةً ... وعُلوَّ مَنْزِلةٍ وبُعْدَ مَنالِ

    يمْشُونَ بَيْنَ النَّاسِ هَوْناً نُطْقُهمْ ... بالَحْقِّ لا بجَهَالَةِ الْجُهَّال

    حِلماً وَعِلْمًا مَعْ تُقًى وَتَوَاضُعٍ ... ونَصِيحَةٍ مْعَ رُتبةِ الإفضَالِ

    يُحْيُونَ لَيْلَهُمُ بِطَاعَةِ رَبهِمْ ... بِتِلاوَةٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤَالِ

    وعُيُونُهُمْ تجْرِى بِفَيْضِ دُمُوعِهِمْ ... مِثْلِ انْهِمَالِ الوَابلِ الهَطَّالِ

    فى الَّليْلِ رُهبَانٌ وَعِنْدَ جِهَادِهِمْ ... لِعَدُوهِمْ مِنْ أَشْجَعِ الأبطالِ

    وَإِذَا بَدَا عَلَمُ الرِّهَانِ رأَيتَهُمْ ... يَتَسَابَقُونَ بِصَالِح الأعمالِ

    بِوُجُوهِهِمْ أَثَرُ السُّجُودِ لِرَبهمْ ... وَبهَا أَشِعَّةُ نُورِهِ المُتَلالي ولَقدْ أبانَ لك الكِتَابُ صِفَاتهِمْ ... في سُورةِ الفَتْحِ (1) المبِين العَاليِ

    وَبِرَابِع السبع (2) الطوَالِ صِفَاتهُم ... قَوْمٌ يُحِبُّهُمُ ذَوُو إِذْلالِ

    وَ {بَرَاءَةٌ} (3) والحْشْرُ (4) فيهَا وَصْفُهُمْ ... و {هَلْ أَتَى} (5) وَبسُورةِ الأنفالِ (6)

    فصل

    هذا السماع الشيطاني المضادّ للسماع الرحماني له في الشرع بضعة عشر اسمًا:

    اللهو، واللغو، والباطل، والزور، والمُكاء، والتصدية، ورُقية الزنى، وقرآن الشيطان، ومُنبت النفاق في القلب، والصوتُ الأحمق، والصوت الفاجر، وصوتُ الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمودُ.

    أسْمَاؤُهُ دَلّتْ عَلىَ أَوْصَافِهِ ... تَبًّا لِذي الأَسْمَاءِ والأَوْصَافِ (7)

    فنذكر مجاري هذه الأسماء، ووقوعها عليه في كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة؛ ليعلم أصحابُهُ وأهلُه بما به ظفروا، وأيَّ تجارةٍ رابحةٍ خسروا! (1) الآية 29.

    (2) أي سورة المائدة: 54.

    (3) هي سورة التوبة: 71.

    (4) الآيات 8 - 10.

    (5) هي سورة الإنسان: 7 - 10.

    (6) الآيتين 74، 75.

    (7) لعل البيت للمؤلف، وله في نونيته:

    أسماؤه دلت على أوصافه ... مشتقة منها اشتقاق معانِ فدعْ صاحبَ المزمارِ والدفِّ والغنا ... وما اختاره عن طاعةِ الله مَذهبا

    ودَعْه يَعِشْ في غَيِّه وضلاله ... على تانَنا يحيا ويُبعَثُ أشيَبا

    وفي تَنتنَا يومَ المعادِ نجاتُه ... إلى الجنة الحمراء يُدعَى مقرَّبا

    سيعلمُ يومَ العرضِ أىَّ بِضاعةٍ ... أضاع وعند الوزن ما خفَّ أو رَبَا

    ويعلمُ ما قد كان فيه حياتُه ... إذا حُصِّلتْ أعمالُه كلُّها هَبَا

    دَعاه الهدى والغيُّ مَن ذا يُجِيبُه ... فقال لداعي الغيِّ أهلاً ومرحبا

    وأعرضَ عن داعي الهدى قائلاً له ... هواي إلى صوت المعازف قد صبا

    يَراعٌ ودُفٌّ بالصُّنوجِ وشاهدٌ ... وصوتُ مغنٍّ صوتُه يَقْنِص الظِّبا

    إذا ما تغنَّى فالظِّباء مُجِيبةٌ ... إلى أن يراها حولَه تُشبِه الدّبا

    فما شئتَ من صيدٍ بغير تطاردٍ ... ووصلِ حبيبٍ كان بالهجرِ عذَّبا

    فيا آمرِيْ بالرشدِ لو كنتَ حاضرًا ... لكان إلى المنْهيِّ عندك أقربا (1)

    فصل

    فالاسم الأول: اللهو ولهو الحديث.

    قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 6, 7].

    قال الواحدي (2) وغيره: أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء. (1) لعل الأبيات للمؤلف.

    (2) في البسبط (18/ 94 - 95).

    قاله ابن عباس في رواية سعيد بن جبير (1) ومقسم (2) عنه.

    وقاله عبد الله بن مسعود في رواية أبى الصهباء عنه (3).

    وهو قول مجاهد (4)، وعكرمة (5).

    وروى ثور بن أبي فاختة، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}، قال: هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الجَارِيَةَ، تُغَنِّيهِ ليْلاً وَنهَارًا (6). (1) رواها ابن أبي شيبة (4/ 368) والبخاري في الأدب المفرد (786، 1265) وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (27) والطبري في تفسيره (20/ 127، 128) والبيهقي في الكبرى (10/ 221، 223) من طرق عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

    (2) رواها ابن أبي شيبة (4/ 368) والطبري في تفسيره (20/ 128) من طريق ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس. وصحح الأثر ابن القيم فيما يأتي، والألباني في تحريم آلات الطرب (ص 142).

    (3) رواها ابن أبي شيبة (4/ 368)، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (26)، والطبري في تفسيره (20/ 127)، والبيهقي في الكبرى (10/ 223) وفي الشعب (4/ 278)، وصححها الحاكم (3542)، وابن القيم فيما يأتي، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 482)، والشوكاني في نيل الأوطار (8/ 179)، والألباني في تحريم آلات الطرب (ص 143).

    (4) رواه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 105) وابن أبي شيبة (4/ 368) وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (32، 45) والطبري في تفسيره (20/ 128، 129) وأبو نعيم في الحلية (3/ 286) من طرق عن مجاهد، وعزاه في الدر المنثور (6/ 505) للفريابي وسعيد ابن منصور وابن المنذر، وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب (ص 145).

    (5) رواه ابن أبي شيبة (4/ 368)، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (28)، والطبري في تفسيره (20/ 129)، وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب (ص 145).

    (6) لم أقف على هذه الطريق موصولةً، وذكرها الثعلبي في تفسيره (7/ 310)، = وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: هو اشتراء المغنِّي والمغنية بالمال الكثير، والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل (1).

    وهذا قول مكحول (2).

    وهذا اختيار أبي إسحاق أيضًا، وقال (3): أكثر ما جاء في التفسير أن لهو الحديث هاهنا هو الغناء؛ لأنه يُلهي عن ذكر الله.

    قال الواحدي (4): قال أهل المعاني: ويدخل في هذا كل من اختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وإن كان اللفظ قد ورد بالشِّراي، فلفظ الشِّراي يُذكَرُ في الاستبدال والاختيار، وهو كثير في القرآن.

    قال: ويدل على هذا ما قاله قتادة في هذه الآية: لعله أن لا يكون أنفق مالاً، قال: وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق (5). = والواحدي في أسباب النزول (ص 233)، وذكره النحاس في تفسيره (5/ 278) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله. وروى الطبري في تفسيره (20/ 130) من طريق عطية العوفي عن ابن عباس قال: هو رجل من قريش اشترى جارية مغنية.

    (1) رواه الطبري في تفسيره (20/ 129)، والبيهقي في الكبرى (10/ 225)، وعزاه في الدر المنثور (6/ 507) لآدم بن أبي إياس.

    (2) روى عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 146) أنه قال في تفسير الآية: الجواري الضاربات.

    (3) أي أبو إسحاق وهو الزجاج في كتابه معاني القرآن (4/ 194).

    (4) البسيط (95/ 18 - 96).

    (5) رواه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 105) عن معمر، والطبري في تفسيره (20/ 126، 131) من طريق سعيد، كلاهما عن قتادة به، وعزاه في الدر المنثور (6/ 554) لابن أبي حاتم.

    قال الواحدي: وهذه الآية على هذا التفسير تدلُّ على تحريم الغناء.

    ثم ذكر كلام الشافعي في رد الشهادة بإعلان الغناء.

    قال: وأما غِناء القَيْنَاتِ فذلك أشدّ ما في الباب، وذلك لكثرة الوعيد الوارد فيه، وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من استمع إلى قَيْنقٍ صُبَّ في أذنيه الآنُك يوم القيامة (1). الآنُك: الرّصَاص المذاب.

    وقد جاء تفسير لهو الحديث بالغناء مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

    ففي مسند الإمام أحمد، ومسند عبد الله بن الزبير الحميدي، وجامع الترمذي (2) من حديث أبي أمامة -والسياق للترمذي - أن النبي (1) رواه الدارقطني في غرائب مالك -كما في اللسان (5/ 348) - وابن حزم في المحلى (9/ 57) وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 263) من طرق عن أبي نعيم الحلبي عن ابن المبارك عن مالك عن محمد بن المنكدر عن أنس به مرفوعًا، قال أحمد في العلل رواية المروذي (255): باطل، وقال الدارقطني: تفرد به أبو نعيم عن ابن المبارك، ولا يثبت هذا عن مالك، ولا عن ابن المنكدر، وحكم عليه ابن حزم بالوضع، وقال ابن طاهر في كتاب السماع (ص 84): الحديث عن مالك منكر جدًّا، وإنما يروى عن ابن المنكدر مرسلاً ، ووهّاه ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 525)، والذهبي في السير (16/ 79)، وهو في السلسلة الضعيفة (4549).

    (2) مسند الحميدي (910) عن عبيد الله بن زحر عن القاسم عن أبي أمامة بنحوه مرفوعا، ورواه أحمد (5/ 252، 264) والترمذي (1282، 3195) عن ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم به، وبهذا الإسناد رواه الروياني (1196) والطبري في تفسيره (20/ 126) والطبراني في الكبير (8/ 212، 213، 214) والبيهقي في الكبرى (6/ 14) وغيرهم، ورواه ابن ماجه (2168) عن ابن زحر عن أبي أمامة به، وله طرق أخرى لا تخلو من مقال، وليس عند بعضهم ذكر الآية، وأعلّه البخاري -كما في العلل الكبير (ص 190) - بعلي بن يزيد، وقال الترمذي: هذا حديث = - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تَبيعوا القَيناتِ، ولا تشتروهنَّ، ولا تُعلِّموهن، ولا خيرَ في تجارةٍ فيهنَّ، وثمنهن حرام"، في مثل هذا نزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6].

    وهذا الحديث وإن كان مداره على عبيد الله بن زَحْرٍ عن علي بن يزيد عن القاسم، فعبيد الله بن زحر ثقة، والقاسم ثقة، وعلي ضعيف؛ إلا أن للحديث شواهد ومتابعات، سنذكرها إن شاء الله.

    ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء، فقد صحَّ ذلك عن ابن عباس (1) وابن مسعود.

    قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}؟ فقال: والله الذي لا إله غيره؛ هو الغناء، يُردِّدها ثلاث مرات (2).

    وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا: أنه الغناء (3). = غريب، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، وعلي بن يزيد يضعَّف في الحديث، وقال النووي في المجموع (9/ 255): اتفق الحفاظ على أنه ضعيف؛ لأن مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف عند أهل الحديث"، وضعفه ابن حزم في المحلى (9/ 58)، وابن طاهر في كتاب السماع (ص 80)، وابن العربي في العارضة (6/ 280)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 785)، وابن كثير في تفسيره (6/ 331)، وابن حجر في الفتح (11/ 91)، والألباني في السلسلة الصحيحة (2922). وفي الباب عن عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم وفيها ضعف.

    (1) تقدم تخريجه.

    (2) تقدم تخريجه.

    (3) لم أقف على تفسيره موصولا، وذكره النحاس في معاني القرآن (5/ 278)، = قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير، من كتابه المستدرك (1): ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل -عند الشيخين - حديثٌ مسند.

    وقال في موضع آخر من كتابه: هو عندنا في حكم المرفوع.

    وهذا -وإن كان فيه نظر - فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير مَنْ بَعدهم؛ فهم أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل، وهم أولُ من خُوطِبَ (2) به من الأمّة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول - صلى الله عليه وسلم - علمًا وعملاً، وهم العرب الفُصحاء على الحقيقة، فلا مَعدلَ عن تفسيرهم ما وُجد إليه سبيل.

    ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء، وتفسيرها بأخبار الأعاجم وملوكها وملوك الروم، ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يُحدِّث به أهل مكة، ليشغلهم به عن القرآن، فكلاهما لهو الحديث.

    ولهذا قال ابن عباس: لهو الحديث: الباطل والغناء (3).

    فمن الصحابة مَن ذكر هذا، ومنهم من ذكر الآخر، ومنهم من جمعهما. = والقرطبي في تفسيره (14/ 52).

    (1) (2/ 258).

    (2) م: حفظ.

    (3) روى الطبري (20/ 128) عن ابن عباس في تفسير لهو الحديث قال: باطل الحديث؛ هو الغناء ونحوه، وعزاه في الدر المنثور (6/ 504) للفريابي وابن مردويه. وورد تفسير لهو الحديث بالباطل والغناء مجموعَين عن عطاء الخراساني، رواه عنه ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى كما في الدر المنثور (6/ 505، 507).

    والغناء أشد لهوًا، وأعظم ضررًا من أحاديث الملوك وأخبارهم، فإنه رُقْية الزنى، ومُنبِتُ النفاق، وشَرَك الشيطان، وخَمْرة العقل، وصدُّه عن القرآن أعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطل؛ لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه.

    إذا عُرف هذا فأهل الغناء ومُستمعوه لهم نصيب من هذا الذم، بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه؛ فإن الآيات تضمنت ذمّ من استبدل لهو الحديث بالقرآن؛ ليُضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا، وإذا تُلي عليه القرآن ولَّى مستكبرًا كأن لم يسمعه (1)، كأن في أذنيه وقرًا، وهو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئًا استهزأ به.

    فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرًا، وإن وقع بعضه للمغنين ومُستمعيهم؛ فلهم حصة ونصيب من هذا الذم.

    يُوضحه: أنك

    لا تجد أحدًا عُني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى

    علمًا وعملاً، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحالُ على أن يُسْكِتَ القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا أن يناله نصيبٌ وافر من هذا الذم، إن لم يحُطْ به جميعه.

    والكلام في هذا مع مَنْ في قلبه بعض حياة يُحِسّ بها، فأما من مات قلبُهُ، (1) الأصل: يسمعها.

    وعظمت فتنته، فقد سَدّ على نفسه طريق النصيحة: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41].

    فصل الاسم الثاني والثالث: الزور، واللغو.

    قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].

    قال محمد بن الحنفية (1): الزور هاهنا الغناء.

    وقاله ليثٌ عن مجاهد (2).

    وقال الكلبيُّ: لا يحضرون مجالس الباطل (3).

    واللغوفي اللغة: كل ما يُلغَى ويُطرح.

    والمعنى: لا يحضرون مجالس الباطل، وإذا مرّوا بكل ما يلغى من قول وعمل أكرموا أنفسهم أن يقفوا عليه أو يميلوا إليه.

    ويدخل في هذا أعيادُ المشركين، كما فسرها به السلف، والغناء، وأنواع الباطل كلها. (1) انظر أقوال المفسرين في البسيط (16/ 602 - 603). وقول ابن الحنفية رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (15450)، وعزاه في الدر المنثور (6/ 283) للفريابي وعبد بن حميد.

    (2) رواه الطبري في تفسيره (19/ 313).

    (3) تفسير البغوي (3/ 378).

    قال الزجاج (1): لا يُجالسون أهل المعاصي، ولا يُمالِئونهم عليها (2)، ومروا مرَّ الكرام الذين لا يرضون باللغو؛ لأنهم يُكرمون أنفسهم عن الدخول فيه، والاختلاط بأهله.

    وقد رُويَ أن عبد الله بن مسعود مَرَّ بلهو، فأعرض عنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنْ أصْبحَ ابنُ مسعودٍ لكريمًا (3).

    وقد أثنى الله سبحانه على من أعرض عن اللغو إذا سمعه؛ فقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55].

    وهذه الآية، وإن كان سبب نزولها خاصًّا فمعناها عام متناول لكل من سمع لغوًا فأعرض عنه، وقال بلسانه أو بقلبه لأصحابه: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم.

    وتأمل كيف قال سبحانه: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ولم يقل: بالزور؛ لأن {يَشْهَدُونَ} بمعنى: يحضُرون، فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور، فكيف بالتكلم به وفعله؟ والغِناءُ من أعظم الزور. (1) معاني القرآن (4/ 77). ونقله في البسيط (16/ 604).

    (2) في ش بعدها: بالدخول فيه.

    (3) رواه الطبري في تفسيره (19/ 316) وابن أبي حاتم في تفسيره (15463، 15464) وابن عساكر في تاريخ دمشق (33/ 128) من طرق عن محمد بن مسلم عن إبراهيم ابن ميسرة قال: بلغني أن ابن مسعود مرَّ بلهو معرضًا .. وذكره، وهو في السلسلة الضعيفة (1167).

    والزور: يُقال على الكلام الباطل، وعلى العمل الباطل، وعلى العين نفسها، كما في حديث معاوية لما أخذ قُصَّةً من شَعَرٍ يُوصل به، فقال: هذا الزور (1). فالزور: القول والفعل والمحل.

    وأصل اللفظة من الميل، ومنه الزَّوْر بالفتح.

    ومنه: زُرتُ فلانًا، إذا مِلتَ إليه، وعَدلتَ إليه.

    فالزُّور: مَيلٌ عن الحق الثابت إلى الباطل الذي لا حقيقة له، قولًا وفعلًا.

    فصل الاسم الرابع: الباطل.

    والباطلُ: ضد الحق، يُراد به المعدوم الذي لا وجود له، والموجود الذي مَضَرّة وجوده أكثر (2) من منفعته.

    فمن الأول قول الموحِّد: كلُّ إله سوى الله باطلٌ، ومن الثاني قوله: السحر باطلٌ، والكفر باطل، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].

    فالباطل إما معدوم لا وجود له، وإما موجود لا نفع لَه. فالكفرُ، والفسوق، والعصيان والسِّحْر، والغناء، واستماع الملاهي؛ كله من النوع الثاني. (1) أخرجه البخاري (3488)، ومسلم (2127).

    (2) الأصل: أكبر.

    قال ابن وهب (1): أخبرني سليمان بن بلال، عن كثير بن زيد، أنه سمع عبيد الله يقول للقاسم بن محمد: كيف ترى في الغناء؟ فقال له القاسم: هو باطل، فقال: قد عرفتُ أنه باطل، فكيف ترى فيه؟ فقال القاسم: أرأيت الباطل، أين هو؟ قال: في النار، قال: فهو ذاك.

    وقال رجل لابن عباس: ما تقول في الغناء أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله، فقال: أفحلالٌ هو؟ فقال: ولا أقول ذلك، ثم قال له: أرأيت الحقّ والباطل، إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهبْ فقد أفتيتَ نفسَك (2).

    فهذا جوابُ ابن عباس

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1