Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عرائس المجالس في قصص الأنبياء
عرائس المجالس في قصص الأنبياء
عرائس المجالس في قصص الأنبياء
Ebook717 pages5 hours

عرائس المجالس في قصص الأنبياء

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس تأليف أبو إسحاق أحمد النيسابوري، تمكن فيه الثعلبي من ترتيب روايات قصص الأنبياء، مما أدى إلى رصفها في سياق قصة واحدة تطمح إلى الكمال. فهو يذكر غالبا رواة قدامى مشهورين ينقل عنهم أو يشاطرهم النقل، صحابيون ومحدثون ومؤرخون وأصحاب أخبار وسير، مما يطرح سؤال علاقة سرديات قصص الأنبياء بأنواع كتابية وسردية أخرى عرفها الإسلام الناشئ. ولا شك أن العالم الجليل قد بذل مجهودًا في جمع معلومات هذا الكتاب، ليكتب ما فيه من أبواب وفصول يقص فيها قصص الأنبياء والمرسلين، كما انه قد بذل ما في وسعه لأجل تفسير ما ذكر في القرآن و السنة عن الرسل ، جامعًا ما إستطاع أن يجمع من تفسيرات لآخرين
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2023
ISBN9786377520822
عرائس المجالس في قصص الأنبياء

Related to عرائس المجالس في قصص الأنبياء

Related ebooks

Reviews for عرائس المجالس في قصص الأنبياء

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عرائس المجالس في قصص الأنبياء - النيسابوري الثعلبي

    في ذكر بعض وجوه الحكمة في تقصيصه تعالى

    أخبار الماضين على سيد المرسلين

    قال الله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} قال الحكماء: أن الله تعالى قص على المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبار الماضين من الأنبياء والأمم الخالية لخمسة أمور أي حكم :الحكمة الأولى: منها أنه إظهار لنبوته صلى الله عليه وسلم ودلالة على رسالته وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لم يختلف إلى مؤدب ولا إلى معلم ولم يفارق وطنه بمدة يمكنه فيه الانقطاع إلى عالم يأخذ عنه علم الأخبار ولم يعرف له طلب شيء من العلوم إلى أن كان من أمره ما كان فنزل عليه جبريل عليه السلام ولقنه ذلك فأخذ يحدث الناس بأخبار ما مضى من القرون وسير الأنبياء الماضين والملوك المتقدمين فمن كان من قومه عاقلاً موفقاً صدق بما يوحي الله إليه وأخباره إياه بذلك فآمن به وصدقه وكان ذلك معجزة له ودليلاً على صحة نبوته ومن كان منهم عدواً معانداً حسده وجحده وأنكر ما جاء به وقال كما أخبر الله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} قال الله تعالى تكذيباً لهم وتصديقاً للنبي عليه السلام: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .الحكمة الثانية: أنه إنما نقص عليه القصص ليكون له أسوة وقدوة بمكارم أخلاق الرسل والأنبياء المتقدمين والأولياء والصالحين فيما أخبر الله تعالى عنهم وأثنى عليهم ولتنتهي أمته عن أمور عوقبت أمم الأنبياء السابقين بمخالفتها عليها واستوجبوا من الله بذلك العذاب والعقاب فتمم الله له بذلك معالي الأخلاق فلما امتثل إلى أمر الله تعالى واستعمل أدب الأنبياء أثنى الله عليه فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ولذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان خلقه القرآن) .الحكمة الثالثة: أنه إنما قص عليه القصص تثبيتاً له وإعلاماً بشرفه وشرف أمته وعلو قدرهم وذلك أنه لما نظر إلى أخبار الأمم قبله علم أنه عوفي هو وأمته من كثير مما امتحن الله به الأنبياء والأولياء وخفف عنهم في الشرائع ورفع عنهم الأثقال والأغلال التي كانت على الأمم الماضية كما قال بعض المتأولين في تفسير قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} إن النعمة الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة تضعيف الصنائع. قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }. فلما قص الله تعالى هذه القصص على نبيه رأى فضل نفسه وفضل أمته وعلم أن الله خصه هو وأمته بكرامات لم يخص بها أحداً من الأنبياء والأمم فوصل قيام ليله بنهاره وصيامه بقيامه لا يفتر عن عبادة ربه أداء لشكره حتى تورمت قدماه فقيل له: يا رسول الله: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ثم افتخر عليه السلام فقال: بعثت بالحنيفية السمحة .والحكمة الرابعة: أنه إنما قص الله تعالى عليه القصص تأديباً وتهذيباً لأمته وذلك أنه ذكر الأنبياء وثوابهم والأعداء وعقابهم ثم ذكر في غير موضع تحذيره إياهم عن صنع الأعداء وحثهم على صنع الأولياء فقال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} وقال تعالى: {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} ونحوها من الآيات، وكان الشبلي رحمه الله تعالى يقول في هذه الآيات: اشتغل العام بذكر القصص واشتغل الخاص بالاعتبار من القصص .والحكمة الخامسة: أنه قص عليه أخبار الأنبياء والأولياء الماضين إحياء لذكرهم وآثارهم ليكون المحسن منهم في بقاء ذكره مثبتاً له تعجيل جزاء في الدنيا حتى يبقى ذكره وآثاره الحسنة إلى قيام الساعة كما رغب خليل الله إبراهيم عليه السلام في إبقاء الثناء الحسن فقال: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} وللناس أحاديث يقال ما مات ميت والذكر يحييه، وقال ما أنفق الملوك والأغنياء الأموال على المصانع والحصون والقصور إلا لبقاء الذكر، وأنشدنا ناصر بن محمد المروزي قال أنشدني الدريدي:

    وإنما المرء حديث بعده ........ فكن حديثاً حسناً لمن وعى

    ^

    مجلس في صفة خلق الأرض

    قال الله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء} الآية: ونظائرها كثيرة في القرآن. وأعلم أن الكلام في نعت خلق الأرض على ستة أبواب :

    الباب الأول

    في بدء خلق الأرض وكيفيتها

    روى الرواة بألفاظ مختلفة ومعان متفقة أن الله تعالى لما أراد أن يخلق السموات والأرض خلق جوهرة خضراء، ثم نظر إليها نظر هيبة فصارت ماء، ثم نظر إلى الماء فغلا وارتفع منه زبد ودخان وبخار وأرعد من خشية الله، وخلق الله من ذلك الدخان السماء فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} أي قصد وعمد إلى خلق السماء وهي بخار وخلق من ذلك الزبد الأرض فأول ما ظهر من الأرض على وجه الماء مكة فدحا الله الأرض من تحتها فلذلك سميت أم القرى يعني أصلها وهي قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ولما خلق الله الأرض كانت طبقاً واحداً ففتقها وصيرها سبعاً وذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} ثم قالوا: إن الأرض كانت تتكفأ على الماء كما تتكفأ السفينة على الماء فأرساها الله تعالى بالجبال وذلك قوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} وقوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} وقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} يعني لكيلا تتحرك بكم .وروى يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال وألقاها عليها فاستقامت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟قال نعم الحديد، فقالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟قال: نعم النار، فقالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من النار ؟قال نعم الماء، فقالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الماء ؟قال: نعم الريح، فقالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الريح ؟قال نعم الإنسان يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله .

    الباب الثاني

    في حدود الأرض ومسافتها وأطباقها وسكانها

    روى عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين كل أرض إلى التي تليها مسيرة خمسمائة عام، وهي سبعة أطباق: الأرض الأولى: هذه فيها سكانها، والأرض الثانية: مسكن الريح ومنها تخرج الرياح المختلفة كما قال تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} وفي الأرض الثالثة: خلق خلقاً وجوههم مثل وجوه بني آدم، وأفواههم مثل أفواه الكلاب، وأيديهم كأيدي الإنس، وأرجلهم كأرجل البقر، وآذانهم كآذان المعز، وأشعارهم كأصواف الضأن لا يعصون الله طرفة عين ليس لهم أثواب ليلنا نهارهم ونهارهم ليلنا، والأرض الرابعة: فيها حجارة الكبريت التي أعدها الله لأهل النار تسجر بها جهنم. قال النبي صلى الله علي وسلم: (والذي نفسي بيده إن فيها لأودية من كبريت لو أرسلت فيها الجبال الرواسي لانماعت) قال وهب بن منبه: هي مثل الكبريت الأحمر الصخرة مثل الجبل العظيم، وهي التي قال الله تعالى فيها: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} أخبرنا أبو بكر بن عبدوس بن المزني قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يونس المقري قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا أحمد بن الليث قال حدثنا أبو حفص عمر بن حفص القشيري قال حدثنا علي بن الحسين قال سمعت منصور بن عمار يقول: بينما أنا أردت الحج إذ دفعت إلى الكوفة ليلاً، وكانت ليلة مدلهمة فانفردت من أصحابي، ثم دنوت إلى زقاق باب دار، فسمعت بكاء رجل وهو يقول في بكائه: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ولكني عصيتك إذ عصيتك بجهلي .وخالفتك إذ خالفتك لشقوتي فالآن من عذابك من ينقذني وبحبل من اتصل إذا انقطع حبلك عني وا ذنوباه وا غوثاه يا الله. قال منصور: فأبكاني والله، فوضعت فمي على شق الباب وقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إن الله هو السميع العليم .بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }. قال فسمعت عند ذلك اضطراباً شديداً ثم خمد الصوت، فوضعت حجراً على الباب لأعرف الموضع فلما أصبحت غدوت إليه فإذا بأكفان أصلحت وعجوز تدخل الدار باكية وتخرج باكية، فقلت لها: يا هذه ما هذا الميت لك ؟فقالت: إليك عني يا عبد الله لا تجدد علي أحزاني فقلت إني أريد هذا لوجه الله الكريم لعلك تستودعيني دعوة فإني منصور بن عمار واعظ أهل العراق، قالت يا منصور هذا ولدي قلت فما كانت صفته ؟قالت كان من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتسب ما يكتسب فيجعله أثلاثاً: ثلثاً لي وثلثاً للمساكين وثلثاً يفطر عليه وكان يصوم النهار ويقوم الليل حتى إذا كان آخر ليلة أخذ في بكائه وتضرعه فمر رجل في هذه الليلة وتلا آية من كتاب الله تعالى، فلم يزل حبيبي يضطرب حتى أصبح وقد فارق الدنيا رحمه الله تعالى، وقال منصور بن عمار: دخلت يوماً خربة فوجدت شاباً يصلي صلاة الخائفين فقلت لنفسي إن لهذا الفتى لشأناً عظيماً لعله من أولياء الله تعالى، فوقفت حتى فرغ من صلاته فلما سلم سلمت عليه فرد علي، فقلت له ألم تعلم أن في جهنم وادياً يسمى {لَظَى، نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى، تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، وَجَمَعَ فَأَوْعَى} فشهق شهقة وخر مغشياً عليه فلما أفاق قال زدني فقلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }. فخر ميتاً فلما كشفت ثيابه عن صدره رأيت عليه مكتوباً بقلم القدرة {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} فلما كانت الليلة الثانية: نمت فرأيته في المنام جالساً على سرير وعلى رأسه تاج، فقلت له: ما فعل الله بك ؟فقال آتاني ثواب أهل بدر وزادني، فقلت له لم ؟قال لأنهم قتلوا بسيف الكفار وأنا قتلت بسيف الملك الجبار، والأرض الخامسة: فيها حيات أهل النار كأمثال البغال لها أذناب كأمثال الرماح لو أمر الله حية منها أن تضرب بناب من أنيابها أعظم جبل في الأرض لهدته حتى يعود رميماً، وإنها لتلقى الكافر فتسمه فتقطع مفاصله، والأرض السادسة: فيها دواوين أهل النار وأعمالهم وأرواحهم الخبيثة واسمها سجين قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} والأرض السابعة جعلها الله مسكناً لإبليس وجنوده، وفيها عشه في أحد جانبيه سموم وفي الآخر زمهرير، وقد أحتوشته جنوده من المردة وعتاة الجن ومنها يبث سراياه وجنوده، فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة لبني آدم .وروى سلمة بن كهيل عن أبي الزرقاء عن عبد الله قال: الجنة اليوم في السماء السابعة فإذا كان غد جعلها الله حيث يشاء، والنار اليوم في الأرض السفلى فإذا كان غد جعلها الله حيث يشاء. وأما بعد قعر الأرض فكافيك به حديث قارون حيث خسف الله به الأرض وبداره وبأمواله، ففي الخبر أنه يخسف به كل يوم مقدار قامة فلا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: بينما رجل يتبختر في بردية وينظر في عطفية وقد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

    الباب الثالث

    في ذكر أسمائها وألقابها

    قال وهب بن منبه: الأولى من الأرض تسمى أديماً، والثانية بسيطاً، والثالثة ثقيلاً، والرابعة بطيحاً، والخامسة متثاقلة، والسادسة ماسكة، والسابعة ثرى. (وأما أسماؤها المذكورة في القرآن) فهي سبع أيضاً: سماها الله فراشاً، فقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} وسماها قراراً فقال تعالى: {أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً} وسماها رتقاً فقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} وسماها بساطاً فقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً} وسماها مهاداً فقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً} وسماها ذات الصدع فقال تعالى: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} يعني بالنبات وسماها كفاتاً فقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً} قال خالد بن سعيد كنت أمشي مع الشعبي بظهر الكوفة فنظر إلى بيوت الكوفة فقال: هذه كفات الأحياء، ثم نظر إلى المقبرة فقال: هذه كفات الأموات .ويحكى أن عبد الله بن طاهر لما قدم نيسابور صحبه من أولاد المجوس شاب متطيب يدعى تحقيق الكلام وأظهر مسألة تحريق الأنفس بالنار، وكان يزعم أن الجسد كثيف منتن في حال الحياة، فإذا مات فلا حكمة في دفنه والتسبب إلى زيادة نتنه وأن الواجب إحراقه وإذراء رماده فقيل لبعض الفقهاء: إن الناس قد افتتنوا بمقالة هذا المجوسي، فكت الفقيه إلى عبد الله بن طاهر أن اجمع بيننا وبين هذا المجوسي لنسمع منه فاجتمعوا عند عبد الله، فلما تكلم المجوسي بمقالته تلك قال له الفقيه أخبرنا عن صبي تدعيه أمه وحاضنته إيهما أولى به ؟فقال له الأم، فقال إن هذه الأرض هي الأم منها خلق الخلق فهي أولى بأولادها أن يردوا إليها، فأفحم المجوسي وأنشد في معناه لأمية بن أبي الصلت :

    والأرض معقلنا وكانت أمنا ........ فيها مقابرنا وفيها نولد

    وسئل يحيى بن معاذ الرازي: أن ابن آدم يدري أن الدنيا ليست بدار قرار فلم يطمئن إليها ؟قال: لأنه منها خلق فهي أمه وفيها نشأ فهي عشه ومنها رزق فهي عيشه وإليها يعود فهي كفاته وهي ممر الصالحين إلى الجنة.

    الباب الرابع

    في ذكر ما زين الله به الأرض

    وهي سبعة أشياء: الأزمنة وزين الأزمنة بأربعة أشعر قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} فالأربعة الأشهر الحرم: منها ثلاثة سرد، وواحد فرد فالثلاثة السرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، والفرد رجب، والأمكنة وزينها بأربعة أشياء: مكة، والمدينة، وبيت المقدس، ومسجد العشائر، وزينها أيضاً بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وزين الأنبياء بأربعة: إبراهيم الخليل، وموسى الكليم، وعيسى الوجيه، ومحمد الحبيب، صلوات الله عليهم أجمعين، وهم أهل الكتب وأصحاب الشرائع وأولو العزم، وزينها أيضاً بآل محمد صلى الله عليه وسلم، وزينها أيضاً بأربعة: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فلما انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: يا معشر المسلمين من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ومن افتقد القمر فليستمسك بالزُهرة ومن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين، فقيل يا رسول الله ما الشمس وما القمر وما الزُهرة وما الفرقدان ؟فقال: أنا الشمس وعلي القمر وفاطمة الزُهرة والحسن والحسين الفرقدان لا يفترقان حتى يردا على الحوض وزينها أيضاً بالصحابة وزينهم أيضاً بأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المرضيون رضي الله عنهم أجمعين .وروي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن، قال أنس: قد اجتمع حبهم في قلبي والحمد لله، وزينها أيضاً بالمؤمنين، وزينهم بأربعة: العلماء والقراء والغزاة والعباد، وزينها أيضاً بأنواع الحيوانات والجمادات .

    الباب الخامس

    في عاقبتها ومآلها وآخر حالها

    اعلم أن الله تعالى وعد الأرض بسبعة أشياء: أحدها: التبديل وهو قوله تعالى {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} وفي الخبر يؤتى بأرضٍ بيضاء من فضة كالخبز النقي الحواري لم يعص الله عليها قط طرفة عين ولا وصم فيها ولا قصم مستوية كالصلب المهند. والثاني: الزلزلة قال الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا }. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل وتظهر الفتن ويكثر الهرج، قيل وما الهرج يا رسول الله ؟قال القتل، فإذا أكلت أمتي الربا كانت الزلزلة، وإذا جاروا في الحكم اجترأ عليهم العدو، وإذا ظهرت الفاحشة كان الوباء والموت، وإذا منعوا الزكاة قحطوا ولولا البهائم لم يمطروا، وفي الحديث أن الأرض تزلزلت على عهد عمر رضي الله عنه، فأخذ بعضادتي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا أهل المدينة إنكم رجفتم، وإن الرجفة من كثرة الربا والزنا. ونقصان الثمر من قلة الصدقة وإنكم أحدثتم أشياء حتى أعجلتم فهل أنتم منتهون أو يفر عمر من بين أظهركم. والثالث: البروز قال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} يعني لفصل القضاء. والرابع: الرج قال الله تعالى {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً} قال المفسرون كما يرج الصبي في المهد حتى ينكسر كل شيء عليها فرقاً من ربها. والخامس: الرجف قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} والسادس: المد حتى تتخلى وتلقي ما في بطنها قال تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} والسابع: الدك قال تعالى {إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً}، وقال تعالى: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} ويحكى أن الربيع بن خيثم كان إذا قرأ هذه الآية أخذ بجلد ذراعيه ويقول يا لحماه ويا دماه أين أنتما ؟

    الباب السادس

    في وجوه تسمية الأرض المذكورة في القرآن

    وهي سبعة أوجه : أولها : مكة خاصة قال الله تعالى في سورة الرعد : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } يعني أرض مكة . والوجه الثاني : أرض المدينة قال الله تعالى : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً } وقال تعالى { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } والوجه الثالث : أرض الشام وقال تعالى : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } والوجه الرابع أرض مصر قال تعالى : { وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ } أي أرض مصر وقوله تعالى : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } ، وقوله تعالى : { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ } أي أرض مصر وقوله تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ } وقال تعالى : { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ } أي أرض مصر . والوجه الخامس : أرض المشرق فذلك قوله تعالى : { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } والوجه السادس : الأرضون كلها وذلك قوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا } وقوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم } يعني بالأمم في التصاوير أمثالكم في التسخير ، وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ } وقال تعالى : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً } والوجه السابع : أرض الجنة فذلك قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } وقوله تعالى : { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } .^

    مجلس في ذكر خلق السموات وما يتصل به

    وترتيب الكلام في هذا المجلس أيضاً على سبعة أبواب: لقول وهب ابن منبه: كادت الأشياء أن تكون سبعاً فالسموات سبع، والأرضون والجبال سبع، والبحار سبع، والأيام سبعة، والكواكب سبعة، وهي السيارة والطواف بالبيت سبعة أشواط والسعي بين الصفا والمروة سبعة، ورمي الجمار سبعة، وأبواب جهنم سبعة، ودركاتها سبعة، وامتحان يوسف عليه السلام سبع سنين. قال تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} ويتأوه ملك مصر سبع سنين {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} وكرامة الله تعالى للمصطفى صلى الله عليه وسلم سبع قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} والقرآن سبع أسباع، وتركيب ابن آدم على سبعة أعضاء وخلقه من سبعة أشياء، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} إلى قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ورزق الإنسان وغذاؤه من سبعة أشياء، قال الله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} إلى قوله تعالى: {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} وأمر بالسجود على سبعة أعضاء .

    الباب الأول

    في بدء خلق السموات

    يروى في الأخبار المشهورة المأثورة أن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يخلق السموات والأرض خلق جوهرة، ثم نظر إليها نظرة هيبة فصارت ماء ثم نظر إلى الماء فغلى وارتفع وعلاه زبد ودخان فخلق من الزبد الأرض، ومن الدخان السماء، وذلك قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} أي قصد ثم فتقها بعد أن كانت طبقة واحدة فصيرها سبع سموات قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} .

    الباب الثاني

    في هيئتها وحدودها

    قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} قال ابن عباس رحمه الله تعالى: خلق الله السموات مثل القباب فسماء الدنيا قد شدت أقطارها بالثانية والثانية بالثالثة وكذلك إلى السابعة والسابعة بالعرش فذلك قوله تعالى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون. فقال: فيما أنتم تتفكرون ؟قالوا: نتفكر في الخالق فقال لهم: تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة تفكروا في أن الله خلق السموات سبعاً، والأرضين سبعاً، وتحت كل أرض خمسمائة عام، وبين السماء والأرض خمسمائة عام، وتحت كل سماء خمسمائة عام وما بين كل سماءين خمسمائة عام، وفي السماء السابعة بحرٌ عمقُهُ مثل ذلك كله وفيه ملك قائم لا يجاوز الماء كعبه .

    الباب الثالث

    في أسمائها وألقابها

    قال وهب بن منبه: وأما أسماؤها المذكورة في القرآن فسبعة: أولها البناء: قال الله تعالى: {وَالسَّمَاء بِنَاء} والسقف: قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} والطرائق: قال الله تعالى: {خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} والطباق: قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} والشداد: قال الله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} والرتق والفتق: قال الله تعالى: {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} والدخان: قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} .وروي أن الملائكة قالت: يا رب لو أن السماء والأرض حين أمرتهما عصياك ما كنت صانعاً بهما ؟قال: كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما قالت: يا رب فأين تلك الدابة ؟قال في مرج من مروجي، قالت: يا رب فأين ذلك المرج قال في علم من علومي قالت الملائكة سبحان ذي البسط القوي .

    الباب الرابع

    في ذكر الأيام التي خلق الله الأشياء فيها

    روت الرواة أن الله تعالى ابتدأ خلق الأشياء يوم الأحد إلى يوم الخميس فخلق الأرض في يومين، وجعل فيها رواسي من فوقها وأقوتها في يومين، وخلق في يوم الخميس ثلاثة أشياء السموات والملائكة والجنة إلى ثلاث ساعات بقيت من يوم الجمعة، فخلق في الساعة الأولى الأوقات والآجال، وفي الثانية الأرزاق، وفي الثالثة: آدم عليه الصلاة والسلام وذلك قوله عزَّ وجلَّ: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} .

    الباب الخامس

    في ذكر ما زين الله به السموات

    وهي عشرة أشياء: الشمس: قال الله تعالى: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} وهاجاً: وقال تعالى: {سِرَاجاً وَهَّاجاً} والقمر: قال الله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} والكوكب: قال الله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} وهي على ضربين منها معلق كتعليق القناديل في المسجد ومنها مركب كتركيب الفص في الخاتم وهي مع كثرتها مختلفة الصور ما خلق الله تعالى منها كوكباً على مثال كوكب. وفي بعض الأخبار: ما يكون من حيوان في الأرض ولا دابة تدب دون العرش إلا وفي خلق الكواكب مثلها .والعرش: قال الله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ }. روى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: في العرش أمثال جميع ما خلق الله تعالى في البر والبحر. وقال هذا تأويل قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} وإن مابين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية لخفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلقٌ من خلقِ الله تعالى، والأشياء كلها في العرش كحلقة ملقاة في فلاة، وأن لله ملكاً يسمى حزقيائيل له ثمانية عشر ألف جناح مابين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام فخطر له خاطر هل يقدر له أن ينظر إلى العرش فزاده الله تعالى في الأجنحة مثلها فكان له ستة وثلاثون ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام ثم أوحى الله تعالى إليه: أيها الملك طر فطار مقدار عشرين ألف سنة فلم يبلغ قائمة من قوائم العرش ثم ضاعف الله تعالى له في الأجنحة والقوة وأمره أن يطير فطار مقدار ثلاثين ألف سنة فلم يبلغ رأس قائمة من قوائم العرش فأوحى الله تعالى إليه: أيها الملك لو طرت إلى أن ينفخ في الصور مع أجنحتك وقوتك ما تبلغ ساق عرشي فقال الملك: سبحان ربي الأعلى فأنزل الله سبحانه وتعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم. والكرسي: قال الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكرسي لؤلؤة طولها حيث لا يعلمه العالمون وقد جعل الله آية الكرسي أماناً لأهل الإيمان من شر الشيطان. وروى إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل الباجي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كان معه مفتاح بيت الصدقة وكان فيه تمر فذهب يوماً ففتح الباب فإذا التمر قد أُخذ منه ملء الكف ثم دخل يوماً آخر فإذا هو قد أُخذ منه مثل ذلك ثم دخل يوماً آخر فإذا هو قد أخذ منه مثل ذلك فذكر ذلك أبو هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام أيسرك أن تأخذه قال نعم قال إذا فتحت الباب فقل سبحان من سخرك لمحمد فذهب ففتح الباب وقال ذلك فإذا هو قائم بين يديه فقال له يا عدو الله أنت صاحب الفعل قال نعم ثم قال لا أعود ما كنت أخذت منه إلا لأهل بيت فقراء من الجن فتركه ثم عاد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أيسرك أن تأخذه قال نعم قال فإذا فتحت الباب فقل مثل ذلك أيضاً ففتح الباب وقال سبحان من سخرك لمحمد فإذا هو قائم بين يديه فقال له يا عدو الله أليس قد عاهدتني أن لا تعود فقال دعني هذه المرة فإني لا أعود فتركه ثم عاد فأخذه الثالثة فقال أليس قد عاهدتني أن لا تعود لا أدعك اليوم حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعل فإنك إن تدعني علمتك كلمات إذا قلتها لم يقربك أحد من الجن لا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى، فقال له لتفعلن إن تركتك قال نعم قال فما هي ؟قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى ختمها فتركه فذهب فلم يعد بعد ذلك فذكر أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أما علمت يا أبا هريرة هذه أنه كذلك صدق الخبيث .واللوح والقلم: قال الله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وقال الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وقال ابن عباس إن مما خلق الله تعالى لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء كتابته نور وقلمه نور عرضه كما بين السماء والأرض ينظر الله تعالى فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }. ويروى أن أول ما خلق الله القلم فنظر إليه نظرة هيبة وكان طوله كما بين السماء والأرض فانشق نصفين وقال اكتب فقال: يا رب ما أكتب ؟قال: أكتب بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال له أجر بما هو كائن إلى يوم القيامة .ويحكى أن ابن الزيات دخل على بعض الخلفاء فوجده مغموماً فقال له روح عني يابن الزيات فأنشد يقول :

    الهم فضل والقضاء غالب ........ وأيام مكروه كثير البدائة

    فالتمس الروح وأسبابه ........ أيأس ما كنت من الروح

    والبيت المعمور: وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في سماء الدنيا بيتاً يقال له البيت المعمور بحيال الكعبة وإن في السماء السابعة بحراً من نور يقال له الحيوان يدخل فيه جبريل عليه السلام كل غداة فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة فيخرج منه سبعون ألف قطره من نور فيخلق الله تعالى من كل قطرة ملكاً فيؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيه فيأتونه فيدخلونه ويصلون فيه ثم يخرجون فلا يعودون إليه إلى يوم القيامة .وسدرة المنتهى: قال الله تعالى: {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} قال كعب وغيره دخل حديث بعضهم في بعض هي شجرة في السماء السابعة مما يلي الجنة أصلها ثابت في الجنة وعروقها تحت الكرسي وأغصانها تحت العرش إليها ينتهي علم الخلائق، كل ورقة منها تظل أمة من الأمم يغشاها ملائكة كأنهم فراش من ذهب وعليها ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ومقام جبريل عليه السلام وسطها. والله أعلم .والجنة: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة كيف هي ؟قال: من يدخل الجنة حي لا يموت ومنعم لا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. قيل يا رسول الله كيف بناؤها ؟قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة، بلاطها مسك أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران .وروى مجاهد عن مسروق عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن السماء أطت وحق لها أن تئط ليس منها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم أو قاعد يذكر الله تعالى لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصحراء تجأرون إلى الله تعالى.

    الباب السادس

    في ذكر مآلها وآخر حالها

    اعلم أن الله تعالى وعد السماء بسبعة أشياء: أحدها: المور: قال الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً} يعني تدور كدوران الرحا من هول يوم القيامة، والثاني: أخبر أنها تصير كالمهل فقال الله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ} يعني دردي الزيت والثالث: أخبر أنها تصير وردة كالدهان قال الله تعالى: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} والرابع: الانشقاق. قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} والخامس: الانفطار، قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} (السماء منفطر به) والانفطار أكثر من الانشقاق، والسادس: الانفراج قال الله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ} والسابع: الكشط: قال الله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} أي نزعت من مكانها وطويت طياً: قال الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ }. وأحسن الشاعر حيث قال :

    إذا قيل من رب هذي السماء ........ فليس سواه له مضطرب

    ولو قيل رب سوى ربنا ........ لقال العباد جميعاً كذب

    الشمس والقمر وصفة سيرهما وبدء أمرهما ومعادهما

    وهو ما أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون الثقة الأمين بقراءتي عليه في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة قال أخبرني أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي الحافظ قال حدثنا أبو الحسن أحمد ابن يوسف السلمي قال حدثنا أبو عصمة يحيى بن أبي مريم الخرساني قال أنبأنا مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما هو جالس ذات يوم من الأيام إذ أتاه رجل فقال يا ابن عباس إني سمعت العجب من كعب الأحبار يذكر في الشمس والقمر وكان ابن عباس متكئاً فاحتفز ثم قال: وماذا قال ؟قال زعم كعب الأحبار أنه يُجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في النار. قال عكرمة فطارت من ابن عباس شظية ووقعت أخرى غضباً ثم قال كذب كعب الأحبار قالها ثلاثاً بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام والله تعالى أكرم وأجل من أن يعذب أهل طاعته ألم تر إلى قوله تعالى: {وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ} يعني دأبهما في طاعته فكيف يعذب عبدين أثنى عليهما أنهما دائبان في طاعته قاتل الله هذا الحبر وقبح حديثه ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله تعالى ثم استرجع مراراً ثم أخذ عوداً من الأرض فجعل ينكت به في الأرض وظل كذلك ما شاء الله ثم إنه رفع رأسه ورمى العود وقال ألا أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما: قلنا بلى يرحمك الله تعالى فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: إن الله تعالى لما أتقن خلقه إحكاماً ولم يبق إلا آدم خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان من سابق علم الله تعالى أن يدعها شمساً فإنه خلقها مثل الدنيا من مشارقها ومغاربها، وأما ما كان من سابق علم الله أن يطمسها ويحولها قمراً فإنه خلقها دون الشمس في العظم ولكن إنما يرى صغرها من شدة ارتفاع السماء وبعدها عن الأرض فلو ترك الله تعالى الشمس كما كان في بدء الأمر لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا يدري الأجير متى يعمل ولا متى يأخذ أجرته ولا يدري الصائم إلى متى يصوم والى متى يفطر ولا تدري المرأة كيف تعتد ولا يدري المسلمون متى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم ولا يدري المدينون متى يحل دينهم ولا يدري الناس متى يزرعون ومتى يسكنون راحة لأبدانهم وكان الله أنظر لعباده وأرحم بهم فأرسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ مثل الشمس ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً} وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} فالسواد الذي في جوف القمر مثل الخطوط فيه إنما هو أثر المحو. ثم خلق الله تعالى الشمس من ضوء نوره ثم خلق الله تعالى للشمس عجلة فيها ثلثمائة وستون عروة ووكل بالشمس وعجلتها ثلاثمائة وستين ملكاً من الملائكة من أهل سماء الدنيا قد تعلق بكل منهم بعروة من تلك العرا، وخلق الله تعالى مشارق ومغارب في أقطار الأرض وكنفى السماء ثمانين ومائة عين في المشرق من طينةٍ سوداء وثمانين ومائة عين في المغرب مثل ذلك من طينة سوداء يفور غليانها كغلي القدر إذا ما اشتد غليانها وذلك قوله تعالى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ومعنى حمئة سوداء من طين فكل يوم وليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد ما بين أولها مطلعاً وأولها مغرباً أطول ما يكون النهار في الصيف وآخرها مطلعاً مشرقاً ومغرباً

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1