Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير الوسيط للواحدي
التفسير الوسيط للواحدي
التفسير الوسيط للواحدي
Ebook939 pages6 hours

التفسير الوسيط للواحدي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

فإنَّ القرآنَ الكريمَ كلامُ الله -تعالى- ومعجزتُه العظيمة التي أعجزَ بها كلَّ لبيبٍ فصيح بليغ، ولقد تسابقَ العلماء على مدار تاريخ الأمّة في نيل شرَف تفسير كتاب الله -تعالى- وبيان معانيه، ووضَعُوا علومًا كثيرة تتعلق بكتاب الله -تعالى-.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786495018324
التفسير الوسيط للواحدي

Read more from الواحدي

Related to التفسير الوسيط للواحدي

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير الوسيط للواحدي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير الوسيط للواحدي - الواحدي

    الغلاف

    التفسير الوسيط للواحدي

    الجزء 5

    الواحدي

    468

    فإنَّ القرآنَ الكريمَ كلامُ الله -تعالى- ومعجزتُه العظيمة التي أعجزَ بها كلَّ لبيبٍ فصيح بليغ، ولقد تسابقَ العلماء على مدار تاريخ الأمّة في نيل شرَف تفسير كتاب الله -تعالى- وبيان معانيه، ووضَعُوا علومًا كثيرة تتعلق بكتاب الله -تعالى-.

    سورة النمل

    مكية وآياتها ثلاث وتسعون.

    683 - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِيرِيُّ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي الْفَضْلِ الشُّرُوطِيُّ، أنا أَبُو إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْيَرْبُوعِيُّ، نا سَلامٌ الْمَدَائِنِيُّ، نا هَارُونُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ قَرَأَ طس سُلَيْمَانَ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، بِعَدَدِ مَنْ صَدَّقَ سُلَيْمَانَ وَكَذَّبَهُ، وَهُودًا، أَوْ شُعَيْبًا، وَصَالِحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ وَهُوَ يُنَادِي: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ

    {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ {1} هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {3} إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ {4} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ {5} وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}} [النمل: 1-6] بسم الله الرحمن الرحيم قوله: {طس} [النمل: 1] قال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله تعالى، أقسم الله به.

    وقال قتادة: إنه اسم من أسماء القرآن.

    وقال مجاهد: هو من الحروف المقطعة التي هي فواتح يفتح الله بها القرآن، وليست من أسمائه.

    {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1] تقدم تفسيره.

    {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 2] بيان من الضلالة لمن عمل به، وبشرى بما فيه من الثواب للمصدقين به أنه من عند الله.

    ثم نعتهم، فقال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 3] .

    {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [النمل: 4] لا يصدقون بالبعث، {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [النمل: 4] قال ابن عباس، ومقاتل: يعني ضلالتهم حتى رأوها حسنة.

    فهم يعمهون يترددون فيها متحيرين.

    {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ} [النمل: 5] أشده، {وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ} [النمل: 5] لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إلى النار.

    {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ} [النمل: 6] قال السدي: يلقى عليك القرآن وحيا من عند الله الحكيم.

    أي: أنزله عليك بعلمه وحكمته.

    {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {7} فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {8} يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {9} وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ {10} إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ {11} وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ {12} فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ {13} وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {14}} [النمل: 7-14] قوله: {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ} [النمل: 7] قال الزجاج: موضع إذ نصب، والمعنى: اذكر إذ قال موسى.

    أي: اذكر قصته إذ قال لأهله لامرأته: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [النمل: 7] أبصرتها، {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} [النمل: 7] عن الطريق، وكان قد تحير وترك الطريق، فإن لم أجد أحدا يخبرني عن الطريق آتيكم بشعلة نار، وهو قوله: {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [النمل: 7] والشهاب أصل خشبة فيها نار ساطع، وتفسير القبس قد سبق، وقرئ بشهاب قبس بالتنوين والإضافة، قال الزجاج: من نون جعل قبس من صفة الشهاب.

    ومن أضاف، فقال الفراء: هو مما يضاف إلى نفسه إذا اختلفت الأسماء، كقوله: والدار الآخرة.

    وقوله: لعلكم تصطلون لكي تصطلوا من البرد، وكان ذلك في شدة الشتاء، يقال: صلي بالناء واصطلى بها إذا استدفأ.

    {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} [النمل: 8] أي: بورك على من في النار، أو فيمن في النار، قال الفراء: العرب تقول: باركه الله، وبارك عليه، وبارك فيه، بمعنى واحد، والتقدير من في طلب النار، وهو موسى، فحذف المضاف، وهذا تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيا إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] ومذهب المفسرين أن المراد بالنار هو النور، وذلك أن موسى رأى نورا عظيما فظنه نارا، لذلك ذكر بلفظ النار، ومن في النار هم الملائكة، وذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس.

    ومن حولها هو موسى، لأنه كان بالقرب منها، ولم يكن فيها، والله تعالى نادى موسى لما توجه إلى النار بأنه قد بارك فيه وفي الملائكة الذين كانوا في ذلك النور الذي رآه.

    ثم نزه نفسه، فقال: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 8] .

    ثم أخبر الله موسى عن نفسه، وتعرف إليه بصفاته وذاته، فقال: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: 9] والكناية في إنه للشأن والأمر، أي: إن الشأن والأمر أن المعبود أنا.

    وقال الفراء: هذه الهاء عماد، وهو اسم لا يظهر.

    ثم أراه على قدرته ليشاهد من قدرة الله ما لم يشاهده قبل، وهو قوله: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} [النمل: 10] وفي الآية محذوف تقديره فألقاها فصارت حية، فلما رءاها تهتز كأنها جان قال الزجاج: صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان، وهو الحية الأبيض، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها، وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وقوله: ولى مدبرا أي: من الخوف من الحية، ولم يعقب يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب.

    وأهل التفسير يقولون: لم يقف ولم يلتفت.

    فقال الله: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10] قال ابن عباس: لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي، والمعنى: لا يخيف الله الأنبياء، أي: إذا أمنهم لا يخافونه، فكيف تخاف الحية، نهي عن الخوف من الحية، ونبه على أمن المرسلين عند الله، ليعلم أن من آمنه الله من عذابه بالنبوة لا يستحق أن يخاف الحية.

    ثم قال: {إِلا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 11] يعني أذنب وظلم نفسه بالمعصية، {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا} [النمل: 11] أي: توبة وندما، بعد سوء عمله، وفي هذا إشارة إلى أن موسى، وإن ظلم نفسه بقتل القبطي وخاف من ذلك، فإن الله يغفر له لأنه ندم على ذنب وتاب عنه حين قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} [القصص: 16] وهذا من الاستثناء المنقطع، والمعنى: لكن من ظلم ثم تاب {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل: 11] إني لا يخاف لدي الأنبياء والتائبون، وقوم يقولون: إلا ههنا بمعنى ولا كأنه، قال: ولا يخاف لدي المرسلون، ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء.

    ثم أراه آية أخرى، فقال: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل: 12] الجيب: حيث جيب من القميص، أي قطع من الجيب، قال ابن عباس: كانت عليه جبة زربقانية من صوف، كماها إلى مرفقيه، ولم يكن لها أزرار، وأدخل يده في جيبها فأخرجها وإذا هي تبرق مثل البرق.

    فذلك قوله: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: 12] من غير برص.

    {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12] وقد فسرناها في {[بني إسرائيل،] إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [سورة النمل: 12] أي: مبعوثا إليهم أو مرسلا، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل: 12] خارجين عن طاعة الله.

    {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} [النمل: 13] بينة واضحة، كقوله: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] وقد مر.

    قالوا هذا أي: هذا الذي نراه عيانا، {سِحْرٌ مُبِينٌ {13} وَجَحَدُوا بِهَا} [النمل: 13-14] أنكروها ولم يقروا بأنها من عند الله، واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، وأنها ليست بسحر، ظلما وعلوا قال الزجاج: التقدير وجحدوا بها ظلما وعلوا.

    أي شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى، وهم يعلمون أنها من عند الله، فانظر يا محمد، {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14] في الأرض بالمعاصي.

    {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {15} وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ {16} وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {17} حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ {18} فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ {19}} [النمل: 15-19] قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: 15] قال ابن عباس: علما بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال.

    {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا} [النمل: 15] بالنبوة والكتاب، وإلانة الحديد، وتسخير الشياطين والجن والإنس، {عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {15} وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 15-16] نبوته وعلمه وملكه، قال قتادة: كان لدواد تسعة عشر ذكرا، فورث سليمان ملكه من بينهم ونبوته.

    684 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِجُرْجَانَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الآبَنْدُونِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نا إِسْحَاقُ بْنُ الصَّلْتِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَزَلَ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى دَاوُدَ مَخْتُومٌ فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: أَنْ سَلِ ابْنَكَ سُلَيْمَانَ، فَإِنْ هُوَ أَخْرَجَهُنَّ فَهُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِكَ، قَالَ: فَدَعَا دَاوُدُ سَبْعِينَ قَسًّا وَسَبْعِينَ حَبْرًا، وَأَجْلَسَ سُلَيْمَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، نَزَلَ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ، أُمِرْتُ أَنْ أَسْأَلَكَهُنَّ، فَإِنْ أَنْتَ أَخْرَجْتَهُنَّ فَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي، قَالَ سُلَيْمَانُ: لِيَسْأَلْ نَبِيُّ اللَّهِ عَمَّا بَدَا لَهُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ، قَالَ: أَخْبِرْنِي، يَا بُنَيَّ، مَا أَبْعَدُ الأَشْيَاءِ، وَمَا أَقْرَبُ الأَشْيَاءِ؟ وَمَا آنَسُ الأَشْيَاءِ، وَمَا أَوْحَشُ الأَشْيَاءِ؟ وَمَا أَحْسَنُهَا، وَمَا أَقْبَحُهَا؟ وَمَا أَقَلُّهَا، وَمَا أَكْثَرُهَا؟ وَمَا السَّاعِيَانِ؟ وَالْمُشْتَرِكَانِ؟ وَمَا الْقَائِمَانِ؟ وَمَا الْمُخْتَلِفَانِ؟ وَمَا الْمُتَبَاغِضَانِ؟ وَمَا الأَمْرُ إِذَا رَكِبَهُ الرَّجُلُ حُمِدَ آخِرُهُ، وَمَا الأَمْرُ إِذَا رَكِبَهُ الرَّجُلُ ذُمَّ آخِرُهُ؟ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَمَّا أَقْرَبُ الأَشْيَاءِ فَالآخِرَةُ، وَأَمَّا أَبْعَدُ الأَشْيَاءِ فَمَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَمَّا آنَسُ الأَشْيَاءِ فَجَسَدٌ فِيهِ رُوحٌ، وَأَمَّا أَوْحَشُ الأَشْيَاءِ فَجَسَدٌ لا رُوحَ فِيهِ، وَأَمَّا الْقَائِمَانُ فَالسَّمَاءُ وَالأَرْضُ، وَأَمَّا السَّاعِيَانِ فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَالْمُشْتَرِكَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَأَمَّا الْمُتَبَاغِضَانِ فَالْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ كُلُّ وَاحِدٍ يُبْغِضُ صَاحِبَهُ، وَأَمَّا الأَمْرُ إِذَا رَكِبَهُ الرَّجُلُ حُمِدَ آخِرُهُ فَالْحِلْمُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَأَمَّا الَّذِي إِذَا رَكِبَهُ الرَّجُلُ ذُمَّ آخِرُهُ فالعدة عَلَى الْغَضَبِ، قَالَ: فَفَكَّ الْخَاتَمَ فَإِذَا هَذِهِ الْمَسَائِلُ سَوَاءٌ عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ الْقِسِّيسُونَ وَالأَحْبَارُ: لَنْ نَرْضَى حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَإِنْ هُوَ أَخْرَجَهَا فَهُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ: سَلُوهُ، قَالَ سُلَيْمَانُ: سَلُونُي وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ، قَالُوا: مَا الشَّيْءُ إِذَا صَلُحَ صَلُحَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: هُوَ الْقَلْبُ، إِذَا صَلُحَ صَلُحَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ، أَنْتَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، قَضِيبَ الْمُلْكِ، وَمَاتَ مِنَ الْغَدِ

    أخبرنا أبو الحسن المؤمن بن محمد السوادي، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم، أنا أبو سعيد الأحمشي، نا الحسن بن حميد، نا الحسين بن علي السلمي، نا محمد بن حسان، عن محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: اعطي سليمان بن داود عليه السلام ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبع مائة سنة وستة أشهر، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع، واعطي علم كل شيء وملك كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس، وذلك قوله: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] .

    أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بِالْكُوفَةِ، نا حَامِدُ بْنُ بِلالِ بْنِ الْحَسَنِ الْبُخَارِيُّ، نا دَاوُدُ بْنُ طَلْحَةَ، نا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلِيلُ، نا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدِّيكُ الأَبْيَضُ صَدِيقِي وَصَدِيقُ صَدِيقِي وَعَدُوُّ عَدُوِّي، قَالُوا: فَمَا يَقُولُ الدِّيكُ إِذَا صَاحَ؟ قَالَ: يَقُولُ: اذْكُرُوا اللَّهَ يَا غَافِلِينَ

    686 - أنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ بِشْرٍ، نا سمانَةُ بِنْتُ حَمْدَانَ بْنِ مُوسَى الأَنْبَارِيَّةُ، بِالأَنْبَارِ، قَالَتْ: نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ابْنُ الْعَسْكَرِيِّ، نا أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ الْوَاسِطِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَامَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالُوا: أَنْتَ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: أَنْتَ ابْنُ عَمِّ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَالسَّفِيرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، قَالُوا: فَإِنَّا قَوْمٌ قَدْ قَرَأْنَا الْكُتُبَ وَعَرَفْنَا مَا فِيهَا، وَنَحْنُ سَائِلُونَ عَنْ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْتَ أَخْبَرْتَنَا بِهَا آمَنَّا وَصَدَّقْنَا، قَالَ: سَلُونِي تَفَقُّهًا، وَلا تَسْأَلُونِي تَفَنُّنًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا لِي فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» فَعَلِمْتُ أَنَّ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلْحَقُنِي، سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا يَقُولُ4، وَالزُّرْزُورِ، وَالدُّرَّاجُ، وَالدِّيكُ فِي صَقِيعِهِ، وَالْحِمَارُ فِي نَهِيقِهِ، وَالضِّفْدِعُ فِي نَقِيقِهِ، وَالْفَرَسُ فِي صَهِيلِهِ، قَالَ: نَعَمْ، أُخْبِرُكُمْ؛ أَمَّا الْقُنْبُرُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي صَفِيرِهِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الزُّرْزُورُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قُوتَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ يَا رَازِقُ، وَأَمَّا الدُّرَّاجُ فَيَقُولُ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَأَمَّا الدِّيكُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: اذْكُرُوا اللَّهَ يَا غَافِلِينَ، وَأَمَّا الضِّفْدِعُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي نَقِيقِهِ: سُبْحَانَ الْمَعْبُودِ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، وَأَمَّا الْحِمَارُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي نَهِيقِهِ: اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعَشَّارَ، وَأَمَّا الْفَرَسُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي صَهِيلِهِ إِذَا الْتَقَتِ الْفِئَتَانِ وَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، قَالُوا: يَابْنَ عَبَّاسٍ، نَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلامُهُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْطِقُ الطَّيْرِ كَلامُ الطَّيْرِ، فَجَعَلَهُ كَمَنْطِقِ الرَّجُلِ إِذَا فَهِمَ

    وأنشد قول حميد بن ثور:

    عجبت أنى يكون عناؤها فصيحا ... ولم يقر بمنطقها فما

    ومعنى الآية: فهمنا ما تقول الطير، {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] قال ابن عباس: يريد من أمر الدنيا والآخرة.

    وقال مقاتل: يعني الملك والنبوة والكتاب، وتسخير الرياح، وسخرة الجن والشياطين، ونطق الطير.

    إن هذا الذي أعطينا، {لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16] الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا.

    قوله: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ} [النمل: 17] أي: جمع له جموعه وكل صنف من الخلق جند على حدة، يدل عليه قوله: {مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ} [النمل: 17] قال المفسرون: كان سليمان إذا أراد سفرا أمر فجمع طوائف من هولاء الجنود على بساط واحد، ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض.

    والمعنى: وجمع لسليمان جنوده في مسير له، قال محمد بن كعب: بلغنا أن سليمان بن داود عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون منها للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من قوابر على الخشب فيها ثلاث مائة كتيبة وسبع مائة سرية، فيأمر الريح العاصفة فترفعه، ويأمر الرخاء فتسير به، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك به، وقوله: فهم يوزعون قال قتادة: على صنف من جنوده وزعة ترد أولاهم على أخراهم، يعني: ليجتمعوا ويتلاحقوا وهو من الوزع الذي هو الكف، يقال: وزعته أزعه وزعا، والشيب وازع، أي مانع، قال الليث: والوازع في الحرب الموكل بالصفوف، يزع ما تقدم منهم.

    {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ} [النمل: 18] أي أشرفوا عليه، قال كعب: هو بالطائف.

    وقال قتادة، ومقاتل: هو بالشام.

    قالت نملة أي: صاحت بصوت خلقه الله لها، ولما كان ذلك الصوت مفهوما لسليمان عبر عنه بالقول.

    قال أهل المعاني: ومعرفة النملة معجزة له، ألهمها الله معرفته حتى عرفته وحذرت النمل حطمه، وهو قولها: {يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل: 18] والنمل تعرف كثيرا من منافعها من ذلك، إنها تكسر الحبة بقطعتين لئلا تنبت إلا الكزبرة فإنها تكسر بأربع قطع لأنها تنبت إذا كسرت بقطعتين، فالذي هداها إلى هذا هو الذي ألهمها معرفة سليمان، ومعنى لا يحطمنكم لا يكسرنكم، والحطم الكسر، والحطام ما تحطم، وقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] أي: بحطمكم ووطئكم.

    قال مقاتل: قد علمت النملة إنه ملك لا بقي فيه، وإنه إن علم بها قبل أن يغشاها لم يتوطأها، لذلك قالت: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] وهذا يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض، ولم تحملهم الريح، لأن الريح لو حملتهم بين السماء والأرض ما خافت النمل أن يتواطأها بأرجلهم، ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان، قال المفسرون: طارت الريح بكلام النملة فادخلته أذن سليمان، فلما سمع كلامها تبسم، وذلك قوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: 19] قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء عليهم السلام التبسم، وضاحكا حال، ومعناه متبسما، وليس المراد بلفظ الضحك أكثر من التبسم، وسبب ضحك سليمان عليه السلام من قول النملة التعجب، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك.

    وقال مقاتل: ثم حمد ربه حين علمه منطق كل شيء وسمع كلام النملة.

    {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} [النمل: 19] أي ألهمني، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [النمل: 19] يقال: فلان موزع بكذا، أي مولع به، وقوله: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] أي: أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم، واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس: يريد مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومن بعدهم من النبيين.

    قوله: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {20} لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ {21}} [النمل: 20-21] وتفقد الطير التفقد: طلب ما غاب عنك، والطير اسم جامع للجنس، وكانت الطير تصحب سليمان في سفره، تظله بأجنحتها، والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير، {فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20] أي: ما للهدهد لا أراه، يقول العرب: ما لي أراك كئيبا؟ معناه ما لك، ولكنه من القلب الذي يوضحه المعنى، والهدهد طائر معروف.

    قال مجاهد: سئل ابن عباس: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ فقال: إن سليمان نزل منزلا ولم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد يدله على الماء إذا أراد أن ينزل، فلما فقده سأل عنه، وذلك أن الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة.

    687 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، نا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، نا أَبُو الْمُعَلَّى الْعَطَّارُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ ذَكَرَ الْهُدْهَدَ، فَقَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ طَلَبَهُ؛ لأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مِسْقَاةَ الْمَاءِ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ يَضَعُ لَهُ الْفَخَّ، فَيُغَطِّي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ التُّرَابِ فَيَجِيءُ فَيَقَعُ فِيهِ، فَيُقَالُ: وَيْحَكَ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَدَرَ يَحُولُ دُونَ الْبَصَرِ

    688 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ، أنا أَبُو الْحُرَيْشِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْكِلابِيُّ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ فُلَيْحٍ الْمَكِّيُّ، نا الْيَسَعُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا نَزَلَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ ذَهَبَ اللُّبُّ وَعَمِيَ الْبَصَرُ

    وقوله: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: 20] قال الزجاج: معناه بل كان من الغائبين.

    وقال المبرد: لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد فقال: {مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20] على تقدير أنه مع جنوده، وهو لا يراه، ثم أدركه الشك، فشك في غيبته عن ذلك الجمع حيث لم يره، فقال: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: 20] أي: بل أكان من الغائبين، كأنه ترك الكلام الأول واستفهم عن حال غيبته.

    ثم أوعده، فقال: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21] قال المفسرون: تعذيبه إياه أن ينتف ريشه، ثم يلقيه في الشمس، فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من هوام الأرض.

    أو لأذبحنه لأقطعن حلقه، {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] بحجة بينة في غيبته، أصله ليأتينني بنونين كما يقرأ ابن كثير، ولكن حذفت النون التي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات.

    {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ {22} إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ {23} وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ {24} أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ {25} اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {26}} [النمل: 22-26] {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: 22] أي: لم يلبث إلا يسيرا حتى جاء الهدهد، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22] أي: علمت شيئا من جميع جهاته، ما لم تعلم.

    قال ابن عباس: فأتاه الهدهد بحجة، فقال: اطلعت على ما لم تطلع عليه.

    وقال مقاتل: قال الهدهد: علمت ما لم تعلم، وجئتك بأمر لم تعلم، وجئتك بأمر لم تخبرك به الجن، ولم تعلمك به الإنس، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك.

    وهو قوله: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ} [النمل: 22] وقرئ من سبأ بالتنوين، قال الزجاج: من لم يصرف فلأنه اسم مدينة تعرف بمأرب من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، من صرف ثلاثة اسم البلد فيكون منكرا سمي به مذكر، وروي في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن سبأ، فقال: «كان رجلا له عشر من البنين» .

    وقد تكلمت العرب فيه الأجواد وغير الأجواد، وقال جرير:

    الواردون وتيم في ذرى سبأ

    وقال آخر:

    من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما

    وقوله: بنبأ يقين قال ابن عباس: الخبر الصادق، فقال سليمان: وما ذاك؟ فقال الهدهد: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل: 23] يعني: بلقيس ملكة سبأ، قال مجاهد: كان تحت يدها اثنا عشر ألف قيل، والقيل بلغتهم الملك، تحت يدي كل قيل ألف مقاتل.

    {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] قال عطاء: من زينة الدنيا من المال، والجنود، والعلم.

    {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] قال: يريد سريرا من ذهب، طوله ثمانون ذراعا، وعرضه أربعون ذراعا، وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا، مضروب بالذهب، مكلل بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، قوائمه من زبرجد أخضر.

    أخبر الهدهد أنها وقومها على غير دين الله، وهو قوله تعالى: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: 24] الآية، إلى قوله: ألا يسجدوا ومن قرأ بالتشديد كان المعنى فقدهم عن السبيل لئلا يسجدوا، ثم حذفت، قاله الزجاج، وقال الفراء: زين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، ثم حذفت اللام.

    ومن قرأ بالتخفيف كان المعنى: ألا يا قوم، أو يا مسلمون اسجدوا لله الذي خلق السموات والأرض خلافا عليهم، وحمدا لله لمكان ما هداكم لتوحيده، فلم تكونوا مثلهم في الطغيان والكفر، وعلى هذه القراءة هذا كلام معترض من غير القصة، إما من الهدهد وإما من سليمان.

    وقال أبو عبيدة: هذا أمر من الله مستأنف.

    يعني: ألا يا أيها الناس: اسجدوا لله.

    قرأه العامة لئلا تنقطع القصة بما ليس فيها.

    وقوله: {يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النمل: 25] يقال: خبأت الشيء أخبأه خبأ، والخبء ما خبأته لوقت.

    قال الزجاج: جاء في التفسير أن الخبأ ههنا من السماء، والنبات من الأرض، وعلى هذا في تكون بمعنى من، وكذا هو في قراءة عبد الله، ويجوز أن يكون يعني الخبأ الغيب، فيكون المعنى: يعلم الغيب في السموات والأرض، وهذا قول قتادة، ويعلم ما تخفون في قلوبهم، وما يعلنون بألسنتهم، وقرأ الكسائي بالتاء لأن أول الآية خطاب على قراءته بتخفيف الآيات اسجدوا كذلك آخر الآية.

    {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] أي: هو الذي يستحق العبادة لا غيره، وهو رب العرش العظيم، لا ملكة سبأ، لأن عرشها، وإن كان عظيما، لا يبلغ عرش الله في العظمة، فلما فرغ الهدهد من كلامه.

    {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {27} اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ {28} قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ {29} إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {31}} [النمل: 27-31] قال سليمان للهدهد: سننظر فيما حدثتنا من هذا القصة، أصدقت فيما قلت، {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] .

    ثم كتب سليمان كتابا، وختمه بخاتمه، ودفعه إلى الهدهد، فذلك قوله تعالى فيما قلت: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 28] يعني: إلى أهل سبأ، {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} [النمل: 28] قال مقاتل: يغرب عنهم.

    وهذا على التقديم والتأخير، والتقدير فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم لأن التولي عنهم بعد الجواب، ومعنى {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] ماذا يردون من الجواب.

    فمضى الهدهد بالكتاب، فألقاه إليهم، فقالت: {يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29] قال قتادة: أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها، فقرأت الكتاب، وأخبرت قومها، وقالت: ألقي إلي كتاب كريم.

    قال عطاء، والضحاك: سمته كريما لأن كان مختوما.

    وهو قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير يدل على صحة هذا التفسير.

    689 - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّلِيطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِكْرَامُ الْكِتَابِ خَتْمُهُ

    وقال قتادة، ومقاتل: كتاب كريم: حسن.

    وهو اختيار الزجاج، قال: حسن ما فيه.

    ثم بينت ممن الكتاب، فقالت: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] أي أن الكتاب من عنده، وإنما وإن المكتوب فيه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} [النمل: 30-31] قال ابن عباس: لا تتكبروا علي.

    والمعنى: لا تترفعوا عليّ وأتوني مسلمين منقادين طائعين، قال قتادة: وكذلك كانت الأنبياء تكتب جملا لا تطيل، يعني أن هذا القدر الذي ذكره الله كان كتاب سليمان.

    ثم أرسلت إلى قومها فاجتمعوا إليها فاستشارتهم.

    {قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ {32} قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ {33} قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ {34} وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ {35}} [النمل: 32-35] و {قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ} [النمل: 32] تعني: الأشراف، وكانوا ثلاث مائة عشر قائدا، وهم أهل مشورتها، {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} [النمل: 32] أشيروا عليّ وبينوا لي ما أعمل، {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} [النمل: 32] فاعلته وقاضيته، حتى تشهدون تحضروني، أي: إلا بحضوركم ومشورتكم.

    قالوا مجيبين: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} [النمل: 33] أي: في الأبدان، في معنى قول ابن عباس، وفي قول مقاتل: أرادوا كثرة العدد.

    {وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} [النمل: 33] يعني: الشجاعة في الحرب، ذكروا لها قوتهم وشجاعتهم وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا: والأمر إليك أي: في القتال وتركه، فانظري من الرأي، ماذا تأمرين ماذا تشيرين علينا.

    قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: 34] قال الزجاج: أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أفسدوها، أي: أهلكوها وخربوها.

    {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل: 34] أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر، ومعنى الآية أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، وانتهى الخبر عنها، وصدقها الله فيما قالت، فقال: وكذلك يفعلون أي: وكما قالت هي يفعلون.

    ثم قالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} [النمل: 35] قال السدي: تختبر بذلك سليمان لتعرف أملك هو أم نبي؟ فبعثت إليه بغلمان وجوار في قول أكثر المفسرين، قال ابن عباس: مائة وصيف ومائة وصيفة.

    وقال مقاتل، ومجاهد: مائتي غلام ومائتي جارية.

    وقال قتادة، وسعيد بن جبير: أرسلت بلبنة من ذهب في حرير وديباج.

    {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] بقبول أم رد.

    {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ {36} ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ {37}} [النمل: 36-37] {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ} [النمل: 36] أي: جاء الرسول سليمان، {قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} [النمل: 36] أي: أتزيدونني مالا؟ وهذا استفهام إنكار، يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم لأن الله أعطاه ما هو خير من ذلك، وهو قوله: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ} [النمل: 36] أي: من الإسلام والنبوة والملك، {خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} [النمل: 36] من المال، {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36] يعني: إذا أهدى بعضكم إلى بعض، وأما أنا فلا أفرح بها.

    ثم قال سليمان للرسول: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} [النمل: 37] أي: لا طاقة لهم بها، ولنخرجنهم منها من سبأ وهي قريتهم، {أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37] .

    فلما رجع إليها الرسول قالت: قد عرفت ما هذا بملك، ومالنا به من طاقة.

    فتجهزت للمسير إليه، وأخبر جبريل سليمان أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه.

    {قَالَ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {38} قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ {39} قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ {40}} [النمل: 38-40] قال سليمان: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] وإنما قال هذا سليمان بعد أن قربت منه، وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان، وأحب أن يأخذ عرشها قبل أن تسلم، فلا يحل له أخذ ما لها، وذلك قوله: {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38] منقادين طائعين.

    {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل: 39] وهو المارد القوي الغليظ الشديد، {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل: 39] يعني: من مجلسك الذي تقضي فيه، وكان سليمان يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار، قال مقاتل: قال العفريت: أنا أضع قدمي عند منتهى بصري، فليس شيء أسرع مني.

    وإني عليه أي: على حمله، لقوي أمين على ما فيه من الذهب والجواهر.

    فقال سليمان: أريد أسرع من ذلك {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل: 40] وهو آصف بن برخيا، وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وهذا قول أكثر المفسرين في الذي عنده علم من الكتاب، {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] قال سعيد بن جبير: قال لسليمان انظر إلى السماء، فما طرف حتى جاء به، فوضعه بين يديه.

    والمعنى: حتى يعود إليك طرفك بعد مدة إلى السماء، وقال مجاهد: معنى ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد إليه طرفه خاسئا، وعلى هذا معنى الآية أن سليمان يمد بصره إلى أقصاه، وهو يديم النظر، فقبل أن ينقلب إليه بصره حسيرا يكون قد أتي بالعرش.

    قال محمد بن إسحاق: انخرق مكان العرش حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان.

    ونحو هذا روى عكرمة، عن ابن عباس، قال: جرى تحت الأرض حتى نبع بين يدي سليمان.

    وقال الكلبي: خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم، فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان.

    وقال أهل المعاني: لا ينكر من قدرة الله أن يعدمه من حيث كان، ثم يوجده حيث كان سليمان بلا فصل بدعاء الذي عنده علم من الكتاب، ويكون كرامة للولي، ومعجزة للنبي.

    واختلفوا في ذلك الذي دعا به آصف: فقال مقاتل، ومجاهد هذا: يا ذا الجلال والإكرام.

    وقال الكلبي: يا حي يا قيوم.

    أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، نا ابن أبي الدنيا، أنا عبيد الله بن عمير الخيثمي، عن المنهال بن عيسى، عن غالب القطان، عن بكر بن عبد الله، قال: قال سليمان بن داود لصاحب العرش: قد رأيتك تراجع شفتيك، فما قلت؟ قال: قلت: إلهي وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت، ائت به.

    وقوله: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النمل: 40] في الآية محذوف تقديره فدعا الله فأتى به، فلما رآه مستقرا عنده ثابتا بين يديه، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل: 40] أي: هذا التمكين من حصول المراد من فضل الله وعطائه، قال قتادة: والله ما جعله فخرا ولا بطرا، ولكنه جعله منة لله وفضلا منه.

    ليبلوني ليختبرني، أأشكر الله فيما أعطاني من نعمة، {أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ} [النمل: 40] ربه، {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [النمل: 40] لأجل لنفسه، يفعل ذلك لأن ثواب شكره يعود إليه، {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} [النمل: 40] عن شكره، كريم بالإفضال على من يكفر نعمه، قال المفسرون: خافت الشياطين أن يتزوج سليمان بلقيس فتفشي إليه أسرار الجن، وذلك أن أمها كانت جنية، ولا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده لو تزوجها، فأساءوا الثناء عليها ليزهدوا فيها، وقالوا: إن في عقلها شيئا، وإن رجلها كحافر الحمار.

    فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها.

    فذلك قوله: { قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ {41} فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ {42} وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ {43} قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {44}} [النمل: 41-44] {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41] التنكير التغيير، يقول: غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته.

    قال قتادة، ومقاتل: هو أن يزاد فيه أو ينقص.

    ننظر أتهتدي لمعرفته، {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ} [النمل: 41] أي: من القوم الذين لا يهتدون ولا يعرفون.

    فلما جاءت المرأة، {قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42] قال مجاهد: جعلت تعرف وتنكر، وعجبت من حضورها عرشها عند سليمان.

    ف {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42] وقال مقاتل: عرفته، ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: أهذا عرشك؟ لقالت: نعم.

    قال عكرمة: كانت حكمية، قالت: لئن قلت هو هو خشيت أن أكذب، وإن قلت لا خشيت أن أكذب.

    فقالت: كأنه هو.

    شبهته به.

    قيل لها: فإنه عرشك، فما أغني عنك إغلاق الأبواب.

    وكانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت، فقال: وأوتينا العلم لصحة النبوة، من قبلها من قبل الآية في العرش، وكنا مسلمين طائعين منقادين لأمر سليمان.

    {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: 43] أي: منعها من التوحيد الذي كانت تعبد من دون الله، وهو الشمس، قال الفراء: معنى الكلام وصدها من أن تعبد الله ما كانت تعبد.

    {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل: 43] استئناف

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1