Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تفسير ابن رجب الحنبلي
تفسير ابن رجب الحنبلي
تفسير ابن رجب الحنبلي
Ebook820 pages5 hours

تفسير ابن رجب الحنبلي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

عتبر كتاب روائع التفسير تفسير ابن رجب الحنبلي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب روائع التفسير تفسير ابن رجب الحنبلي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 5, 1902
ISBN9786374060994
تفسير ابن رجب الحنبلي

Read more from ابن رجب الحنبلي

Related to تفسير ابن رجب الحنبلي

Related ebooks

Related categories

Reviews for تفسير ابن رجب الحنبلي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تفسير ابن رجب الحنبلي - ابن رجب الحنبلي

    الغلاف

    تفسير ابن رجب الحنبلي

    الجزء 3

    ابن رجب الحنبلي

    795

    عتبر كتاب روائع التفسير تفسير ابن رجب الحنبلي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب روائع التفسير تفسير ابن رجب الحنبلي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    قوله تعالى: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)

    قال ابن الجوزي في المقتبس : سمعت الوزير يقول في قوله تعالى: قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) .

    قال: ليس هذا بإجابة سؤاله وإنَّما سألَ الإنظار.

    فقيلَ لهُ: كذا قُدِّرَ، لا أنَّه جواب سؤالك، لكنَّه مما فُهِم.

    * * *

    سُورَةُ الزُّمَر

    قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)

    قالَ تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)

    والصبرُ ثلاثةُ أنواع: صبرٌ على طاعةِ اللَّهِ، وصبْرٌ عن محارمِ اللَّهِ، وصبرٌ

    على أقدارِ اللَّهِ المؤلمةِ. وتجتمعُ الثلاثةُ كلُّها في الصوم،؛ فإنَّ فيه صَبرًا على

    طاعةِ اللَّهِ، وصَبرًا عمَّا حرَّمَ اللَّهُ على الصائم من الشَّهواتِ، وصبرًا على ما

    يحصُلُ للصَّائم فيه من ألم الجوع والعطشِ، وضعْفِ النفسِ والبدنِ.

    ثبتَ في الصحيحين

    عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له؛ الحسَنةُ بعشْرِ أمثالها إلي سبعمائةِ ضِعفٍ، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: إلا الصَّيامَ فإنَّه لي وأنا أجزِي به، إنَه تَرَكَ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجلي. للصائم فرحتانِ: فَرْحَةٌ عند فطرِه، وفَرْحَةٌ عند لقاءِ ربَّهِ، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ .

    وفي روايةٍ كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فإنَّه لي

    وفي رواية للبخاريِّ

    لكلِّ عملٍ كَفَّارةٌ، والصَّوم لي وأنا أجزي به .

    وخرَّجهُ الإمامُ أحمد من هذا الوجهِ، ولفظهُ:

    كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له كفارةٌ إلا الصَّومَ، والصَّومُ لي، وأنا أَجْزِي به

    فعلى الروايةِ الأولى: يكونُ استثناءُ الصومِ من الأعمالِ المُضَاعَفَةِ، فتكونُ

    الأعمالُ كلُّها تُضاعَفُ بعَشرِ أمثالهِا إلى سبعمائةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فإنَّه لا ينحصِرُ تضعيفُه في هذا العددِ، بل يُضاعِفُه اللَّهُ عزَّ وجلَّ أضعافًا كثيرةً بغير حَصْرِ عددٍ؛ فإنَّ الصيامَ من الصَّبرِ.

    ولهذا وَرَدَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سمَّى شهرَ رمضانَ شهرَ الصبر وفي حديثٍ آخرَ عنه - صلى الله عليه وسلم -، قالَ:

    الصَّومُ نِصْفُ الصَّبْرِ

    خرَّجهُ الترمذيُ.

    وهذا الألمُ الناشئُ من أعمالِ الطَّاعَاتِ يُثابُ عليه صاحبُه، كما قالَ اللَّهُ

    تعالى في المجاهدينَ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) .

    وفي حديثِ سلمانَ المرفوع الذي أخرَجَهُ ابنُ خُزيمةَ في صحيحِهِ في فضلِ شهرِ رمضانَ

    وهو شهرُ الصَّبرِ، والصَّبْرُ ثوابُه الجَنَّةُ .

    وفي الطبراني عن ابنِ عُمَرَ مرفوعا:

    الصيامُ لله لا يَعْلَمُ ثَوابَ عملهِ إلا اللَهُ عزَّ وجلَّ .

    ورُوي مرسلاً وهو أصحُّ.

    * * *

    قوله تعالى: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)

    وأما سعةُ جهَنم طولاً وعرْضًا، فروى مجاهد عن ابنِ عباسٍ، قالَ:

    أتدرونَ ما سعةُ جهنَم؟

    قلنا: لا، قالَ: أجلْ واللَّهِ ما تدرونَ أنَّ ما بينَ شحمةِ أذنِ أحدِهم وأنفِهِ مسيرةُ سبعينَ خريفًا تجري في أوديةُ القيح والدمِ.

    قلنَا: أنهار؟

    قال: لا، بل أوديةٌ، ثمَّ قالَ: أتدرونَ ما سعةُ جهنَّمَ؟

    قلنا: لا، قالَ: حدثتنِي عائشةُ أنها سألتْ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى:

    (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) .

    فأين الناسُ يومئذٍ؟

    قال: على جسر جهنَّم

    خرَّجهُ الإمامُ أحمدُ، وخرجَ النسائيُّ والترمذيُّ منه المرفوعَ وصححهُ الترمذيُّ وخرَّجهُ الحاكمُ وقالَ صحيحُ الإسنادِ.

    * * *

    وقالَ - أي ابن الجوزي -: كانَ أبو القاسم بنِ السَّمرقندي يقولُ: إنَّ أبا

    بكر بنَ الخاضبةِ كانَ يُسَمِّي ابنَ الفاعوسِ الحجَريَّ؛ لأته كانَ يقولُ: الحجرُ

    الأسودُ يمينُ اللهِ حقيقةً.

    قلت: إنْ صحَّ عن ابنِ الفاعوسِ أنَّه كانَ يقولُ: الحجرُ الأسودُ يمينُ اللَّهِ

    حقيقةً، فأصلُ ذلكَ: أنَّ طائفَةً من أصحابنا وغيرِهم نَفوا وقُوعَ المجاز في

    القرآنِ، ولكنْ لا يعلمُ منهم مَن نفَى المجاز في اللُّغةِ كقولِ أبي إسحاقَ

    الإسفرائيني. ولكنْ قد يسمعُ بعضُ صالحِيهم إنكارَ المجازِ في القرآنِ، فيعتقدُ

    إنكارَهُ مطلقًا.

    ويؤيدُ ذلكَ: أنَّ المُتبادرَ إلى فهم أكثرِ النَّاسِ مِن لفظِ الحقيقةِ والمجازِ:

    المعَاني والحقائقُ دونَ الألفاظِ.

    فإذَا قيلَ: إن هذا مجاز فهمُوا إنَه ليسَ تحتَه معنى، ولا له حقيقة.

    فينكرونَ ذلك، وينفِّرون منه.

    ومن أنكرَ المجازَ من العلماءِ فقدْ ينكرُ إطلاقَ اسم المجاز؛ لئلا يوهم هذا المعنى الفاسد، ويصيرَ ذريعةً لمن يريدُ حقائقَ الكتابِ والسنةِ ومدلولاتِهمَا.

    ويقولُ: غالبُ من تكلمَ بالحقيقةِ والمجاز همُ المعتزلةُ ونحوهم من أهلِ

    البدع وتطرقُوا بذلكَ إلى تحريفِ الكلم عن مواضعِهِ، فيمنعُ من التسميةِ

    بالمجاز، يجعلُ جميع الألفاظِ حقائقَ، ويقولُ: اللَّفظُ إن دل بنفسه فهو

    حقيقة لذلكَ المعنى، وإن دلَّ بقرينةٍ فدلالتُه بالقرينةِ حقيقة للمعنى الآخرِ.

    فهو حقيقة في الحالينِ.

    وإن كانَ المعنى المدلولُ عليه مختلفًا فحينئذٍ يُقَالُ: لفظ اليمينُ في قولِه سبحانَه وتعالى: (وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ) حقيقة.

    وهو دالٌّ على الصفةِ الذاتيةِ.

    ولفظُ اليمينِ في الحديثِ المعروفِ:

    "الحجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرضِ.

    فمنْ صافَحهُ فكأنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ عز وجل.

    وقيلَ: يمينُه يُرادُ به - مع هذهِ القرائنِ المحتفة بهِ - محلُّ الاستلام والتقبيل.

    وهو حقيقةٌ في هذا المعنى في هذه الصورةِ، وليسَ فيه ما يُوهم الصفَة الذاتية

    أصلاً، بل دلالتُه على معناه الخاصِ قطيعة لا تحتملُ النقيضَ بوجهٍ، ولا

    تحتاج إلى تأويل ولا غيرهِ.

    وإذا قيلَ: فابنُ الفاعوسِ لمْ يكن من أهلِ هذا الشأنِ - أعني: البحثَ عن

    مدلولاتِ الألفاظ؟

    قيلَ: ولا ابنُ الخاضبة كانَ من أهلِه، وإن كانَ محدِّثًا.

    وإنَّما سمعَ من ابنِ الفاعوسِ، أو بلغَه عنه إنكارُ أن يكونَ هذا مجاز، لِما سمعَه من إنكارِ لفظِ

    المجازِ، فحملهُ السامعُ لقصورهِ أو لهواه على أنَّه إذا كانَ حقيقةً لزمَ أن يكونَ

    هو يدُ الربِّ عزَّ وجلَّ، التي هي صفتُه.

    وهذا باطلٌ. واللَّهُ أعلم.

    * * *

    سُورَةُ غَافِر

    قوله تعالى: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)

    قال ابن الجوزي في المقتبس : سمعتُ الوَزِير13) يقولُ فِي قَولِهِ تعالَى:

    (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعوا سَبِيلَكَ) .

    قال: علمتِ المَلائكةُ انَّ اللَّهَ عز وجل يحبُّ عبادَهُ المُؤمِنِينَ، فَتَقَرّبوا إليه

    بالشفاعةِ فِيهِم. وأحْسَنُ القُرَبِ: أن يسأل المُحِبُّ إكرامَ حَبِيبِهِ، فإنكَ لَوْ

    سألتَ شَخصًا أن يزيدَ في إكرامِ وَلَدِهِ لارتَفَعْتَ عِنده، حَيْثُ تَحُثُّهُ عَلَى إِكْرَامِ مَحْبُوبِهِ.

    * * *

    قوله تعالى: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)

    وقالَ اللَهُ تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) .

    وقالَ تعالى: (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38).

    وقالَ اللَّهُ تعالى عن مؤمن آل فرعونَ أنّه قال لقومِه: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) .

    والمتَاعُ: هو ما يتمتَع به صاحبُه برْهَهً ثم ينقطِعُ ويفنَى.

    فما عِيبَتِ الدُّنيا بأبلغَ من ذكر فنائها وتقلُّبِ أحوالهَا، وهو أدل دليل على انقضائها وزوالِهَا، فتتبدَّل صحتُها بالسُّقم، ووجودُها بالعدمِ، وشبيبتُها بالهرَمِ، ونعيمهَا بالبؤسِ، وحياتُها بالموتِ، فتفارِقُ الأجسامُ النفوسَ، وعمارتُها بالخراب، واجتماعها بفرقةِ الأحبابِ، وكُلُّ ما فوق التُّرابِ تراب.

    * * *

    قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)

    قال اللَّه تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) .

    قال قتادةُ في هذه الآيةِ: يقال لهم: يا آلَ فرعونَ هذه منازلكم، توبيخًا وصغارًا ونقيصةً.

    وقالَ ابنُ سيرين: كان أبو هريرةَ يأتِينا بعد صلاةِ العصرِ، فيقول:

    عرجت ملائكةٌ، وهبطتْ ملائكةٌ وعُرضَ آل فرعونَ على النارِ، فلا يسمعُه أحد إلا يتعوَذ باللَّهِ من النار.

    وقال شعبةُ، عن يعْلَى بنِ عطاء، سمعتُ ميمونَ بنَ مهرانَ يقول: كانَ

    أبو هريرةَ إذا أصبحَ يُنادي: أصبحْنا والحمدُ للَّهِ، وعُرِضَ آل فرعونَ على

    النارِ، فلا يسمعُه أحد إلا يتعوَّذ باللَّهِ من النارِ.

    ورواهُ هشيمٌ عن يعْلى، عن ميمون، قال: كانَ لأبي هريرةَ صيحتانِ كلَّ

    يومٍ، أوَّل النهارِ يقولُ: ذهبَ الليلُ وجاءَ النهارُ وعرضَ آلُ فرعونَ على النارِ، وإذا كان العشيُّ يقول: ذهبَ النهارُ وجاءَ الليل، وعُرِضَ آل فرعونَ على النار، فلا يسمعُ أحد صوْتَهُ إلا استجارَ باللَّهِ من النارِ.

    ويُروى من حديثِ الليث، عن أبي قيسٍ، عن هُذيل، عن ابنِ مسعودٍ

    قالَ: أرواحُ آل فرعونَ في أجواف طير سودٍ، فيعرضونَ على النارِ كلَّ يومٍ

    مرتينِ، فيقال لهم: هذه دارُكم فذلك قوله تعالى:

    (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) .

    ورواهُ غيرُه عن أبي قيسٍ، عن هذيل، من قولِه.

    لكن خرَّجه الإسماعيليُّ من طريقِ ابنِ عيينةَ، عن مسروقٍ عن أبي قيسٍ.

    عن هذيلٍ، عن ابنِ مسعود أيضًا.

    قال ابنُ أبي الدنيا: حدثنا حمادُ بنُ محمدٍ الفزَاريُّ، قال: بلغني عن

    الأوزاعيِّ، أنه سألهُ رجلٌ بعسقلانَ على الساحلِ، فقال له: يا أبا عمرو، إنَّا نرَى طيرًا سودًا تخرجُ من البحرِ، فإذا كانَ العشيُّ عادَ مثلها بيضًا.

    قال: وفطنتم لذلكَ؟

    قالوا: نعم. قال: فتلك طيرٌ في حواصِلها أرواحُ آل فرعونَ.

    فتلفحُها النارُ، فيسودُّ ريشُها، ثم يُلقى ذلك الريشُ، ثم تعودُ إلى

    أوكارِها، يعرضونَ على النارِ فتلفحُها النارُ، فذلك دأبُها حتى تقومَ الساعةُ.

    فيقال: (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) .

    وفي الصحيحين من حديثِ ابنِ عمرَ - رضي الله عنهما -.

    عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ماتَ أحدُكم عُرضَ عليه مقعدُ بالغداةِ والعشيِّ، إن كانَ من أهلِ الجنةِ فمن أهلِ الجنةِ، وإن كان من أهلِ النارِ فمن أهلِ النارِ، حتَّى يبعَثَه ربُّه، يقالُ: هذا مقعدُك حتى يبعثكَ اللَّهُ إلى يوم القيامةِ.

    ورواه الفضيلُ بن غزوان، عن نافع عن ابنِ عمرَ - رضي الله عنهما -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولفظه:

    ما من عبدٍ يموتُ إلا عرِضَ عليه مقعدُه، إن كان من أهلِ الجنةِ على الجنة، وإن كان من أهلِ النارِ على النارِ.

    * * *

    قوله تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)

    وقالَ إبراهيمُ بنُ أدْهمَ رحمهُ اللَّهُ تعالى في موعظتِه حينَ سألُه عن قولِه

    تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وإنَّا ندعُوه فلم يستجبْ لنا.

    فقالَ: عرفتم اللَّه فلم تطيعُوه، وقرأتُم القرآنَ فلم تعملوا به، وعرفتُمُ الشيطانَ فوافقْتمُوه، وادَّعيتُم حبَّ رسولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وتركتُم سنَّته وادَّعيتم حبَّ الجنةِ ولم تعملوا لها وادَّعيتم خوفَ النارِ ولم تنتهوا عن الذنوبِ، وقلتُم: إن الموتَ حقٌّ ولم تستعدِّوا له، واشتغلتم بعيوبِ غيركم ولم تنظروا إلى عيوبكم، وتأكلونَ رزقَ اللَّهِ ولا تشكرونَ، وتدفنون أمواتكم ولا تعتبرون

    * * * الدعاء مأمور به، وموعود عليه بالإجابةِ، كما قالَ تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .

    وفي "السنن الأربعة عنِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ.

    عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:

    إنَّ الدعاءَ هو العبادةُ ثم تلا هذه الآيةَ.

    وفي حديث آخرَ خرَّجه الطبرانيُّ مرفوعًا:

    منْ أُعْطيَ الدُّعاءَ، أُعْطيَ الإجابة، لأنَّ اللَّه تعالى يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .

    وفي حديث آخرَ: مَا كان اللَّهُ ليفتَحَ على عبدٍ بابَ الدُّعاءِ، ويُغْلِقَ عنه بابَ الإجابةِ .

    لكنَّ اْلدعاءَ سببٌ مقتضٍ للإجابةِ مع استكمالِ شرائطِه، وانتفاءِ مَوانعهِ.

    وقد تتخلَّف إصابتُه، لانتفاءِ بعضِ شروطِهِ، أو وجودِ بعضِ موانِعِه.

    ومن أعظم شرائطِه: حضورُ القَلبِ، ورجاءُ الإجَابةِ من اللَّه، كما خرَّجه

    الترمذيُّ من حديثِ أبي هريرةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ادعوا اللَّه وأنتُم موقنونَ بالإجابةِ، فإنَّ الله لا يَقبلُ دُعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ .

    وفي المسندِ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال:

    إنَّ هذه القلوبَ أوعية لبعضُها أوعى من بعضٍ، فإذا سألتم اللَّه فاسألوهُ وأنتُم موقنونَ بالإجابةِ، فإنَّ اللَّه لايستجيبُ لعبدٍ دعاءً من ظهرِ قلبٍ غافلٍ .

    ولهذا نُهيَ العبدُ أنْ يقولَ في دعائه: اللَّهم اغفرْ لي إنْ شئت، ولكنْ

    ليَعزِمَ المسألةَ، فإنَّ اللَّه لا مُكْرِهَ له. ً

    ونُهِيَ أن يستعجلَ، ويتركَ الدعاءَ لاستبطاءِ الإجابةِ، وجعلَ ذلك من

    موانع الإجابةِ حتَّى لا يقطعَ العبدُ رجاءَه من إجابةِ دُعائهِ ولو طالتِ المدةُ.

    فإنَّه سبحانه يُحبُّ المُلِحِّين في الدعاءِ.

    وجاء في الآثارِ: إنَّ العبدَ إذا دعا ربَّه وهو يحبّه، قال: "يا جبريل، لا

    تَعجَلْ بقضاءِ حاجة عبدي، فإنَّي أحبُّ أن أسمع صوتَه ".

    وقال تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) .

    فما دام العبدُ يُلحُّ في الدّعاءِ، ويَطمعُ في الإجابةِ من غيرِ قطع

    الرَّجاءِ، فهو قريبٌ من الإجابةِ، ومنْ أدْمَنَ قرع البابِ، يُوشك أن يُفتح له.

    وفي صحيح الحاكم عن أنس مرفوعًا:

    لا تعْجزُوا عن الدُّعاء، فإنَّه لن يَهلِكَ مع الدُّعاءِ أحَدٌ.

    * * *

    سُورَةُ الشُّورَى

    قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ

    كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)

    [قالَ البخاريُّ]: وقال مجاهدٌ: (شَرَعَ لَكم مِّنَ الدِّينِ) .

    أوصينَاكَ وإيَّاهُ يا مُحَمد دِينًا واحدًا.

    روى ورقاءُ، عن ابنِ أبي نجي@، عن مجاهدٍ، في قوله: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ

    الدِّينِ مَا وَصئَى بِهِ نوحًا) الشورى: 13،، قال: وصَّاك به وأنبياءَهُ كلَّهم دينًا واحدًا.

    ومعنى ذلك أنَّ دينَ الأنبياءِ كلِّهم دينٌ واحدٌ، وهو الإسلامُ العامُّ، المشتملُ

    على الإيمانِ باللَّهِ وملائكتهِ وكتبِهِ ورسلهِ واليومِ الآخرِ، وعلى توحيدِ اللَّه

    وإخلاصِ الدِّين له، وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاة.

    كما قال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) .

    والدينُ هو الإسلامُ، كما صرحَ به في مواضعَ أُخرَ، وإذا أُطلقَ الإسلامُ

    دخلَ فيه الإيمانُ، وبالعكس.

    وقد استدل على أنَّ الأعمال تدخلُ في الإيمانِ بهذه الآيةِ وهي قولُه:

    (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيمَةِ)، طوائفُ من الأئمةِ، منهم: الشافعيُّ وأحمدُ

    والحميديُّ.

    وقال الشافعيُّ: ليسَ عليهم أحجُّ من هذه الآيةِ.

    واستدل الأوزاعيُّ بقولِهِ تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نوحًا)

    إلى قوله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا) .

    وقال: الدِّينُ: الإيمانُ والعملُ.

    واستدل بقولِهِ تعالى: (فَإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإخوَانُكُمْ فِي

    الدِّينِ) .

    وقد ذكرَ الخلاَّل في كتاب السُّنة أقوال هؤلاء الأئمة بألفاظِهِمْ، بالأسانيد

    إليهم.

    * * *

    قوله تعالى: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

    وقد مدحَ اللَّهُ من يغفرُ عندَ غضبِهِ، فقال:

    (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ؛لأنَّ الغضبَ يحملُ صاحبه على أنْ يقول غيرَ الحقِّ، ويفعلَ غيرَ العدل، فمن كانَ لا يقول إلا الحقَّ في الغضبِ والرِّضا دل ذلك على شدةِ إيمانِهِ وأنَّه يملكُ نفسَهُ.

    وخرَّج الطبرانيُّ من حديثِ أنسٍ مرفوعًا:

    ثلاث من أخلاقِ الإيمانِ: مَنْ إذا غضِبَ لا يُدْخِلُهُ غضبُه في باطل، ومَنْ إذا رَضِي لا يُخْرِجُهُ رضَاه من حق، ومنْ إذا قدِرَ لا يتعاطَى ما ليسَ له .

    فهذا هو الشديدُ حقًّا كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

    ليسَ الشديدُ بالصُّرَعَةِ إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ .

    ولمسلمٍ: ما تعدون الصُّرَعَةَ فيكم؟ قلنا: الذي لا تَصْرَعُهُ الرِّجالُ.

    قال: ليس كذلك، ولكنَّه الذي يملكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ .

    وقال رجلٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أوصِني.

    قال: لا تغضَبْ فرددَ مرارًا، قال: لا تغضبْ

    أخرَّجَه البخاريُّ.

    وفي المسندِ أنَّ رجلاً قال: يا رسول اللَّه، ما يباعدني عن غضَبِ اللَّهِ؟

    قال: لا تغضَبْ .

    قال مُورِّقٌ العِجْلِي: ما قلتُ في الغضبِ شيئًا إلا ندمتُ عليه في الرِّضا.

    قال عطاءٌ: ما أبكَى العلماءَ بكاءٌ آخرَ العمرِ إلا من غضبة قدْ أقحمتْ

    صاحبَها مقحمًا ما استقاله.

    كان الشعبيُّ ينشدُ:

    ليستِ الأحلامُ في حالِ الرِّضا.. . إنَّما الأحلامُ في حالِ الغضَبْ

    وكان ابنُ عونٍ - رحمه اللَّه تعالى - إذا اشتدَّ غضبُه على أحدٍ قال:

    باركَ اللَّه فيك، ولم يزدْ.

    وقال الفضيلُ - رحمه اللَّه تعالى -: أنا منذُ خمسينَ سنةً أطلبُ صديقًا إذا

    غضبَ لا يكذبُ عليَّ ما أجدُه.

    فإنَّ منْ لا يملكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ إذا غضبَ قال فيمَنْ غضِبَ عليه ما

    ليسَ فيه من العظائم، وهو يعلمُ أنَّه كاذبٌ، وربما علِمَ الناسُ بذلك ويحمِلُهُ

    حقدُهُ وهوى نفسِهِ على الإصرارِ على ذلك.

    وقال جعفرُ بنُ محمدٍ: الغضبُ مِفتاحُ كلِّ شر.

    وقيلَ لابنِ المباركِ: اجمَعْ لنا حسنَ الخلقِ في كلمةٍ قال: تركُ الغضَبِ.

    وقال مالكٌ بن دينارٍ - رحمه اللَّه تعالى -: منذ عرفتُ الناسَ لم أبال

    بمدحهِم وذمهم لأنّي لم أرَ إلا مادحًا غاليًا، أو ذامًّا غاليًا.

    يعني: أنه لم يرَ مَنْ يقتصدُ فيما يقول في رضاه وغضبهِ.

    * * *

    سُورَةُ الزُّخْرُفِ

    قوله تعالى: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)

    ومما أنكره السلفُ: الجدالُ والخصامُ والمراءُ في مسائلِ الحلالِ والحرامِ، ولم

    يكنْ ذلكَ طريقةَ أئمةِ الإسلامِ، وإنَّما أحدثَ ذلكَ بعدَهُم كما أحدَثَهُ فقهاءُ

    العراقيينَ في مسائل الخلافِ بين الشافعية والحنفية، وصنفوا كتبَ الخلافِ

    ووسَّعُوا البحثَ والجدالَ فيها، وكلُّ ذلك لا أصلَ له وصارَ ذلكَ علمُهُم.

    حتى شغَلَهم عن العلِم النافع.

    وقد أنكرَ ذلك السلفُ ووردَ في الحديث المرفوع في السنن :

    ما ضل قوم بعدَ هدى كانُوا عليه إلا أوتوا الجدلَ .

    ثم قرأ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) .

    وقال بعضُ السلفِ: إذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا فتحَ له بابَ العملِ وأغلقَ عنه

    باب الجدلِ، وإذا أراد اللَّهُ بعبدٍ شرًّا أغلقَ عنه بابَ العملِ، وفتحَ له بابَ

    الجدلِ.

    وقال مالكٌ: أدركتُ أهل هذه البلدةِ وإنَّهم ليكرهونَ هذا الإكثارَ الذي

    عليه الناسُ اليومَ، يريدُ المسائلَ.

    وكان يعيبُ كثرةَ الكلامِ والفُتيا ويقولُ:

    يتكلمُ أحدُهُم كأنَّه جمل مغتلم، يقولُ: هو كذا هو كذا، يهدرُ كلامَهُ، وكان يكرهُ الجوابَ في كثرةِ المسائلِ، ويقولُ: قالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)، فلم يأتِهِ في ذلكَ جوابٌ.

    وقيل له: الرجلُ يكونُ عالمَا بالسنةِ يجادل عنها، قال: لا، ولكنْ يخبرُ

    بالسنةِ، فإمَّا قُبِلَ منه وإلا سكتَ.

    وقال: المراءُ والجدال في العلم يذهبُ بنورِ العلم.

    وقالَ: المراءُ في العلم يُقَسِّي القلبَ ويورثُ الضغْنَ.

    وكان يقول في المسائلِ التي يسأل عنها كثيرًا: لا أدْرِي.

    كان الإمام أحمدُ يسلك سبيلَه في ذلك.

    وقد وردَ النهيُ عن كثرة المسائلِ وعن أغلوطاتِ المسائلِ، وعن المسائلِ قبلَ

    وقوع الحوادِثِ.

    * * *

    قوله تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)

    وعذابُ الكفارِ في النَّارِ لا يُفَتَّرُ عنهم ولا ينقطعُ ولا يُخفَّفُ بل هو

    متواصلٌ أبدًا، قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) .

    وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) .

    وقال تعالى: (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ) .

    وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50).

    وقالَ أحمدُ بنُ أبي الحواريِّ: سمعتُ إسحاقَ بنَ إبراهيمَ يقولُ - على

    منبرِ دمشقَ -: لا يأتي على صاحبِ الجنَّةِ ساعةٌ إلا وهو يزدادُ ضِعفًا من

    النَّعيم لم يكنْ يعرفُه، ولا يأتي على صاحبِ النَارِ ساعةٌ إلا وهو مستنكرٌ

    لنوع من العذابِ لم يكنْ يعرفُه، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:

    (فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكمْ إِلاَّ عَذَابًا) .

    قالَ جِسرُ بنُ فَرْقَدٍ عن الحسنِ: سألتُ أبا بَرْزةَ عن أشدِّ آيةٍ في كتابِ الله

    على أهلِ النَارِ، قال: سمعتُ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (فَذُوقُوا فَلَن نَزِيدَكمْ إِلاَّ عَذَابًا)، فقالَ: أُهلِكَ القومُ بمعاصيهم للهِ تعالى خرَّجَه ابنُ أبي حاتمٍ، وجِسرٌ ضعيفٌ، وخرَّجَه البيهقيُّ ولمْ يرفعْهُ ولفظُهُ: سألت أبا برزةَ عن أشدِّ آيةٍ على أهلِ النارِ، قال: قولُه عزَّ وجلَّ:

    (فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكمْ إِلاَّ عَذَابًا) .

    وقالَ مجاهدٌ: بلغني أنَّ استراحةَ أهلِ النَّارِ أنْ يضعَ أحدُهم يدَهُ على

    خاصِرَتِهِ، ولأهل النَّارِ أنواعٌ من العذابِ لم يطلع اللَّهُ عليها خلقَهُ في

    الدنيا.

    قال مباركٌ عن الحسنِ: ذكرَ اللَّهُ السلاسلَ والأغلالَ والنَّارَ وما يكونُ في

    الدنيا، ثم قرأ: (وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) .

    قال آخرُ: لا تُرى في الدنيا.

    خرَّجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ.

    وقال أبو يَعلى الموصلي: حدثَنا شُريحٌ، حدثنا إبراهيمُ بنُ سليمانَ، عن

    الأعمشِ عن الحسنِ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه تعالى:

    (زِدْنَاهُم عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ) .

    قال: هي خمسةُ أنهارٍ تحتَ العرشِ يُعذَّبون ببعضها في الليل وبعضها في النَّهار.

    * * *

    قوله تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ)

    قال اللَّهُ تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ) ومَالِكٌ هو خازنُ جهنَّم، وهو

    كبيرُ الخزنةِ ورئيسهم، وقدْ رآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -

    ليلةَ الإسراءِ، وبدأَهُ مالكٌ بالسلامِ.

    خرَّجهُ مسلمٌ من حديثِ أنسٍ.

    ورآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في منامِهِ وهو كريهُ المِرآةِ، أي: كريهُ المنظرِ، كأكرهِ ما أنتَ راءٍ من الرَجال.

    * * *

    قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) .

    وقال تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكم مَّاكِثُونَ) .

    وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) .

    وقال تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37).

    وفي حديثِ الأعمشِ عن شمرِ بنِ عطية عن شهرِ بنِ حوشب عن أمِّ

    الدَّرداءِ عن أبي الدَّرداءِ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: في ذكرِ أهلِ النَّارِ قال:

    "فيقُولونَ: ادعُوا خزنةَ جهنمَ، فيقُولون: (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) .

    قال: "فيقُولونَ ادعُوا مالكَّاً فيقُولُونَ:

    (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77). "

    قال الأعمشُ: نُبئتُ أنَّ بينَ دُعائِهم وبين إجابةِ مالكٍ لهم ألفَ عامٍ، قال:

    فيقُولُون: ادعُوا ربَّكم فإنَّه ليس أحد خيرًا من ربكم فيقُولُون:

    (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) .

    ، قال فيُجِيبُهم: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) .

    قال: "فعندَ ذلك يئسُوا من كل خيرٍ وعندَ ذلك يأخذونَ في الحسرةِ والزفيرِ

    والويلِ ".

    خرَّجهُ الترمذيُّ مرفوعًا وموقوفًا على أبي الدرداء.

    وروى أبو معشرٍ عن محمدِ بن كعبٍ القُرظى قال: لأهلِ النارِ خمسُ

    دعواتٍ يكلَّمونَ في أربع منها ويُسكتُ عنهم في الخامسةِ فلا يكلَّمونَ

    يقولون: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) .

    فيردُّ عليهم: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا).

    ثمَّ يقولون: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) .

    فيردُّ عليهم: (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُل نَفْسٍ هُدَاهَا)، إلى آخر الآيتين.

    ثمَّ يقولون: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) .

    فيردُّ عليهم: (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) .

    ثمَّ يقولُون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) .

    فيردُّ عليهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) .

    ثم يقولون: (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) .

    فيردُّ عليهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) .

    إلى قولِهِ: (وكنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ) .

    قال: فلا يتكلَّمونَ بعدَ ذلك.

    خَرَّجَه آدمُ بنُ أبي إياسٍ وابنُ أبي حاتمٍ.

    وخرَّجَ ابنُ أبي حاتٍ من روايةِ قتادةَ عن أبي أيوبَ العتكيّ، عن عبدِ اللهِ

    ابنِ عمرٍ قال: نادَى أهلُ النَارِ: (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك)

    قال: فخلَّى عنهم أربعين عامًا ثمَّ أجابهم: (قَالَ إِنَّكُم ماكِثُونَ) .

    فقالُوا: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) .

    قال: فخلَّى عنهم مثلَ

    الدُّنيا - ثمَّ أجابَهم: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) .

    قال: فأطبِقَتْ عليهم فبئسَ القومُ بعدَ تلك الكلمةِ، وإنْ كان إلا الزفيرُ والشهيقُ.

    وعن عطاءِ بنِ السائبِ عن أبي الحسنِ عن ابنِ عباسٍ في قولهِ تعالى:

    (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا ربُّكَ) قال: فيتركُهم ألفَ سنةٍ ثم يقولُ:

    (إِنَّكُم مَّاكثونَ)، وخرَّجهُ البيهقيُّ وعندَه عن عطاءٍ عن عكرمةَ عن ابنِ عباسٍ.

    وقال سُنَيدٌ في تفسير : حدثنا حجافي، عن ابنِ جريج قال: نادَى أهلُ

    النَّارِ خزنةَ جهنمَ أنْ (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) .

    فلم يجيبُوهم ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أجابُوهم بعدَ حينٍ وقالُوا لهُم:

    (فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) .

    ثمَّ نادَوا: (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) فيسكُتُ عنهم مالكٌ خازنُ جهنمَ

    أربعينَ سنةً ثمَّ أجابَهم: (قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثونَ) ثُمَّ نادَى الأشقياء ربَّهم:

    (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا) الاَيتين، فسكتَ عنهم مثلَ مقدارِ الدنيا ثمَّ

    أجابَهم بعدُ (اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمونِ) .

    ورَوى صفوانُ بنُ عمرٍو قال: سمعتُ أيفعَ بنَ عبدٍ الكُلاعي يقولُ: قال

    رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

    "إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النَّارِ النارَ، قالَ اللَهُ: يا أهلَ الجنةِ:

    (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) .

    قال: نعم ما اتجرتُم في يوم أو بعضِ يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكُثوا فيها

    خالدين مخلدينَ.

    ثم يقولُ لأهلِ النَّارِ: (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فيقول: بئسَ ما اتَجرتُم به في يوم أو بعضِ يومٍ سخطِي

    ومعصيتي ونارِي، امكُثُوا فيها خالدين مخلدينَ فيقولون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) فيقولُ: (اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) .

    فيكونُ ذلك آخرُ عهدهِم بكلام ربهم عزَّ وجل".

    خرَّجَه أبو نُعيمٍ. وقال: كذا رواه أيفعُ مرسلاً.

    وقال أبو الرعْراءِ عن ابنِ مسعودِ: إذا أرادَ اللَهُ أن لا يُخرِجَ منها أحدًا غيرَ

    وجوهِهِم وألوانِهم، فيجيءُ الرجلُ من المؤمنين فيشفعُ فيقولُ: يا ربِّ، فيقالُ: من عرفَ أحدًا فليُخرِجْهُ، قال: فيجيءُ الرجلُ من المؤمنينَ فينظرُ فلا يعرفُ أحدًا فينادَيَهُ الرجلُ فيقولُ: يا فلانُ، أنا فلان، فيقولُ: ما أعرفك قال: فعندَ ذلك يقولون في النَارِ: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)

    فيقولُ عندَ ذلك: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ)

    فإذا قال ذلك أُطبِقَتْ عليهم فلم يخْرجْ منهم أحدٌ.

    وفي روايةٍ قال ابنُ مسعودٍ: ليسَ بعدَ هذه الآيةِ خروجٌ:

    (اخْسئُوا فِيهَا وَلا تكَلِّمُونِ) .

    وذكَرَ عبدُ الرزاقِ في تفسيرِهِ عن عبدِ اللهِ بنِ عيسى عن زيادٍ الخُرسانيِّ

    أسندَهُ إلى بعضِ أهلِ العلم: قال: إذا قيلَ لهم:

    (اخْسَئوا فِيهَا وَلا تكَلِّمُونِ)

    سكتُوا فلا يُسمَعُ لهم فيها حسٌّ إلاكطنينِ الطِّستِ.

    * * *

    سُورَةُ الدُّخَانِ

    قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)

    وقد رُوي عن عكرمةَ وغير من المفسِّرين في قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) .

    أنَّها ليلةُ النِّصْفِ من شعبانَ.

    والجمهورُ على أنَّها ليلةُ القدْرِ، وهو الصحيحُ.

    وقال عطاءُ بنُ يسارٍ: إذا كان ليلةُ النِّصْفِ من شعبانَ دُفعَ إلى ملكِ الموتِ

    صحيفةٌ، فيُقالُ: اقبض من في هذه الصحيفةِ، فإنَّ العبدَ ليَغْرِسُ الغِرَاسَ.

    وينكحُ الأزواجَ، ويبني البُنيانَ، وإن اسمَه قد نُسِخَ في الموتى ما ينتظرُ به

    ملَكُ الموتِ إلا أن يُؤمَرَ به فيقبضَه..

    يا مغرورًا بطول الأمل، يا مسرورًا بسوءِ العملِ، كُنْ مِن الموتِ على

    وَجَلٍ، فما تدري متى يهجُمُ الأجَلُ.

    كُلُّ امْرئٍ مُصئحٌ في أهْلِهِ.. . والمَوْتُ أدْنَى من شِراكِ نَعْلِهِ

    قال بعضُ السلفِ: كم من مُستقبل يومًا لا يستكملُهُ، ومن مُؤمِّلٍ غدًا لا

    يدرِكُه، إنَّكم لو رأيتمُ الأجَلَ ومسيرَهُ لأبغضتُمُ الأمَلَ وغُرورَهُ.

    أؤمّلُ أنْ أخَلَّدُ والمنايا.. .. تدُورُ عليَّ من كُلّ النَّواحِي

    وما أدرِي وإنْ أمْسَيْتُ يومًا.. . لَعلِّي لا أعيشُ إلى الصباح

    كمْ ممن راحَ في طلبِ الدنيا أو غدَا.. . أصبَحَ مِنْ سكانِ القُبورِ غدَا كأنكَّ بالمضيِّ إلى سبيلِكْ.. . وقدْ جذَ المُجَهِّزُ في رحِيلِكْ

    وجيءَ بِغاسِل فاسْتَعْجَلُوهُ.. . بقولِهِم لهُ افْرغْ من غَسيلِكْ

    ولم تحمِلْ سِوَى كفَنٍ وقُطْنٍ.. . إليهم من كثيركَ أو قليلكْ

    وقد مدَّ الرِّجالُ إليكَ نَعْشًا.. . فأنْتَ عليه مَمْدُودٌ بطولِك

    وصلَّوا ثمَ إنَّهم تدَاعَوا.. . لحمْلِكَ من بُكورِكَ أو أصيلِكْ

    فلمَّا أسْلَمُوك نزَلْتَ قبْرًا.. . ومن لكَ بالسَّلامةِ في نُزولِكْ

    أعانَكَ يومَ تدَخُلُهُ رحيمٌ.. . رءوفٌ بالعبادِ على دُخُولِكْ

    فسَوفَ تُجاوِر المَوْتَى طويلاً.. . فذَرْني مِن قَصيركَ أو طويلِكْ

    أُخَيَّ لقد نَصحتُكَ فاسْتَمِعْ لِي.. . وباللَّهِ اسْتَعَنْتُ على قبولِكْ

    ألسْتَ تَرى المنايا كُل حينٍ.. . تُصيبُكَ في أخِيكَ وفي خَلِيلِكْ

    * * *

    قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

    أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)

    قال ابن الجوزي في المقتبس : سمعت الوزير يقول في فوله تعالى:

    (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ)

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1