Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
Ebook768 pages5 hours

شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 24, 1901
ISBN9786464245133
شرح صحيح البخاري

Related to شرح صحيح البخاري

Related ebooks

Related categories

Reviews for شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح صحيح البخاري - ابن بطال

    الغلاف

    شرح صحيح البخاري

    الجزء 4

    ابن بطال

    449

    هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.

    بَاب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ

    / 8 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) نَعَى النَّجَاشِىَّ فِى الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. / 9 - وفيه: أَنَسِ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم): (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَإِنَّ عَيْنَىْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لَتَذْرِفَانِ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ لَهُ). قال المهلب: هذا صواب الترجمة: باب الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه، وإنما نعى (صلى الله عليه وسلم) النجاشى للناس، وخصه بالصلاة عليه، وهو غائب، لأنه كان عند الناس على غير الإسلام، فأراد أن يعلم الناس كلهم بإسلامه، فيدعو له فى جملة المسلمين ليناله بركة دعوتهم، ويرفع عنه اللعن المتوجه إلى قومه. والدليل على ذلك أنه لم يصل (صلى الله عليه وسلم) على أحد من المسلمين ومتقدمى المهاجرين والأنصار الذين ماتوا فى أقطار البلدان، وعلى هذا جرى عمل المسلمين بعد النبى (صلى الله عليه وسلم)، ولم يصل على أحدٍ مات غائبًا، لأن الصلاة على الجنائز من فروض الكفاية يقوم بها من صلى على الميت فى البلد التى يموت فيها، ولم يحضر النجاشى مسلمٌ يصلى على جنازته، فذلك خصوص للنجاشى، بدليل إطباق الأمة على ترك العمل بهذا الحديث. وقال بعض العلماء: إن روح النجاشى أحضر بين يدى النبى، (صلى الله عليه وسلم)، فصلى عليه، ورفعت له جنازته كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته، وعلم يوم موته ونعاه لأصحابه، وخرج فأمهم فى الصلاة عليه قبل أن يُوارَى، وهذه أدلة الخصوص، يدل على ذلك أيضًا إطباق الأمة على ترك العمل بهذا الحديث، ولم أجد لأحد من العلماء إجازة الصلاة على الغائب إلا ما ذكره ابن أبى زيد، عن عبد العزيز بن أبى سلمة، فإنه قال: إذا استوقن أنه غرق، أو قتل، أو أكلته السباع، ولم يوجد منه شىء صلى عليه كما فعل (صلى الله عليه وسلم) بالنجاشى، وبه قال ابن حبيب. وفى نعى النبى للنجاشى، وقوله: (أخذ الراية زيدٌ فأصيب) جواز نعى الميت للناس بخلاف قول من تأول نهى النبى، (صلى الله عليه وسلم)، عن النعى أنه الإعلام بموت الميت، روى ذلك حذيفة: (أنه كان إذا مات له ميت، قال: لا تؤذنوا به أحدًا، فإننى أخاف أن يكون نعيًا، فإنى سمعت رسول الله ينهى عن النعى)، وقال بذلك الربيع بن خثيم، وابن مسعود وعلقمة، وحديث النجاشى أصح من حديث حذيفة، وإنما الذى نهى عنه (صلى الله عليه وسلم) فهو نعى الجاهلية وأفعالها، وفيه علمٌ من أعلام النبوة بإخباره عن الغيب بخبر النجاشى، وخبر زيد وأصحابه، وسيأتى القول فى معنى حديث أنس فى كتاب الجهاد، إن شاء الله.

    5 -

    بَاب الإذْنِ بِالْجَنَازَةِ

    وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (أَلا آذَنْتُمُونِى). / 10 - فيه: ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: (مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِى؟) قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ، وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ، فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. الإذن بالجنازة والإعلام بها سُنَّة بخلاف قول من كره ذلك، روى عن ابن عمر أنه كان إذا مات له ميت تحين غفلة الناس، ثم خرج بجنازته. والحجة فى السنة لا فيما خالفها، وقد روى عن ابن عمر فى ذلك ما يوافق السنة، وذلك أنه نعى له رافع بن خديج، قال: كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قالوا: نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى قرى حول المدينة ليشهدوا، قال: نعم ما رأيتم. وكان أبو هريرة يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته. قال المهلب: وهذا الذى صلى عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد ما دفن إنما فعله لأنه كان يخدم المسجد، وقد روى أبو هريرة فى هذا الحديث: (أن أسود، رجل أو امرأة، كان يكون فى المسجد يقمّه فمات)، وروى مالك عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف: أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله بمرضها، وكان يعود المساكين، وقال: (إذا ماتت فأذنونى)، فخرج بجنازتها ليلاً.. .. وذكر الحديث، فإنما صلى على القبر، لأنه (صلى الله عليه وسلم) كان وعد ليصلى عليه ليكرمه بذلك، لإكرامه بيت الله تعالى ليحتمل المسلمون من تنزيه المساجد ما ينالون به هذه الفضيلة، وسيأتى اختلاف العلماء فى الصلاة على القبر بعد ما يدفن فى بابه، إن شاء الله تعالى.

    6 -

    بَاب فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ وَقَوْل اللَّهُ: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة:

    155]

    / 11 - فيه: أَنَس، قَالَ: قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاثٌ، لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ). / 12 - وفيه: أَبُو سَعِيد، أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم): اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا، فَوَعَظَهُنَّ، وَقَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ)، قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: (وَاثْنَانِ). وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ). / 13 - وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (لا يَتوفىَ لِمُسْلِمٍ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ، إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ)) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا) [مريم: 71]. قال المهلب: هذه الأحاديث تدل على أن أولاد المسلمين فى الجنة، وهو قول جمهور العلماء، وشذت المجبرة فجعلوا الأطفال فى المشيئة، وهو قول مهجور مردود بالسُّنة وإجماع الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط، لأن يستحيل أن يكون الله تعالى يغفر لآبائهم بفضل رحمته، ولا يوجب الرحمة للأبناء، وهذا بَيِّنٌ لا إشكال فيه. وسيأتى الكلام فى الأطفال بعد هذا فى موضعه، إن شاء الله تعالى، وقد جاء أنه من مات له ولد واحد دخل الجنة، روى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (قال الله عز وجل: ما جزاء عبدى إذا قبضت صفيه من الدنيا فيصبر ويحتسب إلا الجنة)، ولا صفى أصفى من الولد. قال عبد الواحد: وقوله (صلى الله عليه وسلم): (واثنان) بعد أن قال: (ثلاثة) يحتمل أنه لما قالت له المرأة: أو اثنان؟ نزل عليه الوحى فى الحين أن يجبيها بقوله: (واثنان) ولا يمتنع نزول الوحى على النبى، (صلى الله عليه وسلم)، فى أسرع من طرفة العين، ويدل على ذلك ما ثبت عن النبى، (صلى الله عليه وسلم)، أنه لما نزلت عليه: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين) [النساء: 95] قام إليه ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، إنى رجل ضرير البصر، فنزلت: (غير أولى الضرر) [النساء: 95]، فألحقت بها.

    وقوله عليه السلام: (إلا تحلة القسم) هو مخرج فى التفسير المسند، لأن القسم عند العلماء قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا) [مريم: 71] هذا قول أبى عبيد يقول: فلا يَرِدُهَا إلا بقدر ما يبرُّ اللهُ قسمهُ. قال الخطابى: وعارضنا ابن قتيبة، فقال: هذا حسن من الاستخراج إن كان هذا قسمًا، قال: وفيه وجه آخر، وهو أشبه بكلام العرب ومعانيهم، وهو إذا أرادوا تقليل مكث الشىء وتقصير مدته شبهوه بتحليل القسم، وذلك أن يقول للرجل بعده: إن شاء الله فيقولون: ما يقيم فلان عنه إلا تحلة القسم، وما ينام العليل إلا كتحليل الأليّة، مشهور فى كلامهم، قال: ومعناه أن النار لا تمسه إلا قليلاً كتحليل اليمين، ثم ينجيه الله منها. قال: ولا إشكال أن المعنى ما ذهب إليه أبو عبيد، إلا أنه أغفل بيان موضع القسم، فتوهم ابن قتيبة أنه ليس بقسم. وقد جاء ذلك فى حديث مرفوع رواه زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنى، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من حرس ليلة وراء عورة المسلمين تطوعًا لم ير النار تمسه إلا تحلة القسم)، قال الله تعالى: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيا) [مريم: 71] وفى هذا ما يقطع بصحة قول أبى عبيد. قال الخطابى: وموضع القسم مردود إلى قوله تعالى: (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) [مريم: 68] الآية، وفيه وجه آخر وهو أن العرب تحلف وتضمر المقسم به كقوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها (المعنى: وإن منكم والله إلا واردها، وقال الحسن وقتادة: (حتمًا مقضيا (قسمًا واجبًا، وهو قول ابن مسعود.

    واختلف العلماء فى هذا الورود المذكور فى الآية، فقال جابر بن عبد الله وابن عباس: لا يبقى بَر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم. وقال آخرون: الورود الممر على الصراط. وروى ذلك عن ابن مسعود، وكعب الأحبار، ورواية عن ابن عباس. وقال آخرون: هو خطاب للكفار، روى ذلك عن ابن عباس، قال: هو رد على الآيات التى قبلها فى الكفار قوله تعالى: (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا (إلى قوله: (وإن منكم إلا واردها) [مريم: 68، 71]. وقال ابن الأنبارى، وغيره: جائز أن يرجع من مخاطبته الغائب إلى لفظ المواجهة، ومن المواجهة إلى الغائب، قال تعالى: (وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا إن هذا كان لكم جزاءً) [الإنسان: 21، 22] فأبدل الكاف من الهاء، فعلى هذا صلح أن يكون خطابًا للمؤمنين، وقال مجاهد: الحُمَّى حظ المؤمن من النار. ثم قرأ: (وإن منكم إلا واردها (قال: الحُمَّى فى الدنيا الورود، فلا يَرِدُها فى الآخرة. والحجة له ما رواه أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبد الله الأشعرى، عن أبى هريرة، قال: عاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا معه مريضًا كان يتوعك، فقال: (أبشر فإن الله تعالى يقول: هى نارى أسلطها على عبدى المؤمن لتكون حظه من نار الآخرة). وقال صاحب (العين): بلغ الغلام الحنث إذا جرى عليه القلم، والحنث: الذنب العظيم.

    7 -

    بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ اصْبِرِى

    / 14 - فيه: أَنَس، قَالَ: مَرَّ النَّبِىُّ، (صلى الله عليه وسلم)، بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: (اتَّقِى اللَّهَ، وَاصْبِرِى). قال المؤلف: إنما أمرها بالصبر لعظيم ما وعد الله عليه من جزيل الأجر. قال ابن عون: كل عمل له ثواب إلا الصبر، قال الله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر: 10]، فأراد (صلى الله عليه وسلم) ألا تجتمع عليها مصيبتان مصيبة الهلاك، ومصيبة فقد الأجر الذى يبطله الجزع، فأمرها بالصبر الذى لابد للجازع من الرجوع إليه بعد سقوط أجره، وقد أحسن الحسن البصرى فى البيان عن هذا المعنى، فقال: الحمد لله الذى آجرنا على ما لابُدَّ لنا منه، وأثابنا على ما لو تكلفنا سواه صرنا إلى معصيته. فلذلك قال (صلى الله عليه وسلم) لها: (اتقى الله واصبرى)، أى اتقى معصيته بلزوم الجزع الذى يحبط الأجر، واستشعرى الصبر على المصيبة بما وعد الله على ذلك، وقال بعض الحكماء لرجل عزاه: إن كل مصيبة لم يُذهِبْ فرحُ ثوابها بألم حزنها لهى المصيبة الدائمة، والحزن الباقى. وفى هذا الحديث دليل على جواز زيارة القبور، لأن ذلك لو كان لا يجوز لما ترك (صلى الله عليه وسلم) بيان ذلك، ولأنكر على المرأة جلوسها عند القبر، وسيأتى بيان هذا المعنى فى بابه، إن شاء الله.

    8 -

    بَاب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسَّدْرِ

    وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَلَهُ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُسْلِمُ لا يَنْجُسُ حَيًّا وَلا مَيِّتًا. وَقَالَ سَعدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ. وَقَالَ (صلى الله عليه وسلم): (الْمُؤْمِنُ لا يَنْجُسُ). / 15 - فيه: أُمِّ عَطِيَّةَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ، فَقَالَ: (اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِى الآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَّنِى، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ، تَعْنِى إِزَارَهُ). وترجم له: (باب يجعل الكافور فى آخره). قال ابن المنذر: السُّنة أن يغسل الميت بالماء والسدر غسلاً، ولا معنى لطرح ورقات من السدر فى الماء كفعل العامة، لأن الغسل إنما يقع بالسدر المضروب بالماء، وأنكر أحمد الورقات التى يطرحها العامة فى الماء. جمهور العلماء على أن يغسل الميت الغسلة الأولى بالماء، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بماء فيه كافور، وروى قتادة عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل من أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين، والثالثة بماء فيه كافور، ومنهم من يذهب إلى أن الغسلات كلها بالماء والسدر على ظاهر قوله (صلى الله عليه وسلم): (اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك بماء وسدر)، وهو قول أحمد، ورووا فى حديث: (أن النبى، (صلى الله عليه وسلم)، غسل ثلاث غسلات كلهن بالماء والسدر).

    وكان إبراهيم النخعى لا يرى الكافور فى الغسلة الثالثة، وإنما الكافور عنده فى الحنوط، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، ولا معنى لقولهم، لقوله (صلى الله عليه وسلم): (اجعلن فى الآخرة كافورًا) وعلى هذا أكثر السلف. وقيل: إن الكافور بسبب الملائكة. وفى أمره (صلى الله عليه وسلم) باستعمال الكافور دليل على جواز استعمال المسك، وكل ما جانسه من الطيب فى الحنوط، وأجاز المسك أكثر العلماء، وأمر علىّ بن أبى طالب أن يجعل فى حنوطه، وقال: هو من أفضل حنوط النبى، (صلى الله عليه وسلم)، واستعمله أنس، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وهو قول مالك، والشافعى، وأحمد، وإسحاق. وكرهه عمر بن الخطاب، وعطاء، والحسن، ومجاهد، وقال عطاء، والحسن: إنه ميتة. وفى استعمال النبى، (صلى الله عليه وسلم)، له فى حنوطه الحجة على من كرهه. واختلف الصحابة فى غُسل من غَسَّل ميتًا، فروى عن علىّ بن أبى طالب، وأبى هريرة أنَّ عليه الغسل. وهو قول ابن المسيب، وابن سيرين، والزهرى، وهى رواية ابن القاسم، عن مالك فى (العتبية)، قال: وعليه أدركت الناس. ولم أره يأخذ بحديث أسماء بنت عميس. وقالت طائفة: لا غسل عليه. روى ذلك عن ابن مسعود، وسعد، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، ومن التابعين: القاسم، وسالم، والنخعى، والحسن البصرى، وهو قول أبى حنيفة وأصحابه والليث، وحكى ابن حبيب، عن مالك أنه لا غسل عليه، وبه قال الشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، واحتج ابن حبيب بحديث أسماء بنت عميس: (أنها غسلت أبا بكر الصديق بعد موته، فلما فرغت من غسله سألت من حضر من المهاجرين والأنصار هل عليها غسل؟ قالوا: لا). قال ابن القصار: واختلف العلماء فى ابن آدم إذا مات، فقالت طائفة: ينجس بالموت. وقالت طائفة: لا ينجس. وليس لمالك فيه نص، وقد رأيته لبعض أصحابه أنه طاهر، وهو الصواب، واختلف فيه قول الشافعى، والدليل على طهارته أن النبى، (صلى الله عليه وسلم)، قبل عثمان بن مظعون لما مات والدموع تسيل على خديه، ولو كان نجسًا لم يجز أن يفعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا، وخاصة فإن الدموع إذا سالت عليه وهو نجس لم يجز أن تلاصقها بشرة الحى، لأنها تصير نجسة رطبة. وقد قال (صلى الله عليه وسلم): (المؤمن لا ينجس)، وهو بعد موته مؤمن كما كان فى حياته، فثبتت طهارته كما قال ابن عباس. قال عبد الواحد: فإن قيل: فقد صح أن المؤمن لا ينجس، وأن المؤمن قد سقطت عنه العبادة بعد موته، فما وجه غسل الميت الذى ليس بنجس ولا متعبَّد، وما معنى غسله ثلاثًا؟ قيل: يحتمل أن يكون معنى غسله، والله أعلم، أنه تنظيف لمباشرة الملائكة إياه، وللقائه لله تعالى، ولذلك يجعل له الكافور ليلقاه طيب الرائحة، وأمر أن يغسل ثلاثًا، أو خمسًا، وليس التحديد فى ذلك بواجب، وإنما أريد بالغسل الإنقاء، لقوله (صلى الله عليه وسلم): (أو أكثر من ذلك إن رأيتن). فإن قيل: إن واحدة تكفيه، فما معنى الثلاث والخمس؟. قيل: للمبالغة فى غسله، ليلقى الله بأكمل الطهارات. فإن قيل: فماذا يطهر إذا لم يعلم به جنابة، ولا حيض بالمرأة، ولا بجسدها نجاسة؟ فالجواب: أنه يجوز أن يكون به جنابة لا نعلمها من احتلام وغيره، ويغشاه الموت فيموت جنبًا، أو يمس جسده فى مرضه شىء من النجاسات، ولا يعلم ذلك، فوجب أن يؤخذ له بالوثيقة ويحتاط له، ليوقن له أنه لقى الله طاهرًا، والله أعلم. وقد قال سعيد بن المسيب، والحسن البصرى: إن كل ميت يجنب، ولو مات وهو طاهر من ذلك كله لكان تطهيره حسنًا، إذ قد يكون به رائحةُ عرقٍ ذفرٍ من المرض، أو مهنة، لبعده عن الغسل، كما أمر الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، بالغسل يوم الجمعة لمن ليس بجنب ولا عليه نجاسة إلا زيادة فى التطهير لمناجاة ربه يوم الجمعة، فالميت أحوج إلى ذلك للقاء الله تعالى، وللقاء الملائكة.

    9 -

    بَاب مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا

    / 16 - فيه: أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِىّ، (صلى الله عليه وسلم)، ونحن نغسل ابنته: اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ.. . .) الحديث. وَفِى حَدِيثِ حَفْصَةَ: (اغْسِلْنَهَا وِتْرًا، ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا). قال ابن المنذر: فى حديث أم عطية دليل على أن أقل ما يغسل الميت ثلاث، وعلى أن الغاسل إذا رأى غسله أكثر من ثلاث ألا يغسله إلا وترًا، ومعنى أمره بالوتر، والله أعلم، ليستشعر المؤمن فى أعماله أن الله تعالى وحده لا شريك له كما قال (صلى الله عليه وسلم) لسعدٍ حين رآه يشير بأصبعين فى دعائه: (أحِّد أحِّد). ولا يحفظ ذكر السبع فى حديث أم عطية إلا من رواية حفصة بنت سيرين عنها، ولم يروا ذلك محمد بن سيرين عن أم عطية إلا أنه روى هذه الألفاظ عن أخته، عن أم عطية، وروى سائر الحديث عن أم عطية. وقال مالك، والشافعى: يغسل الميت ثلاثًا أو خمسًا. وقال عطاء: أو سبعًا، وقال أحمد: لا يزاد على سبع. وقال الشافعى: لا يقتصر عن ثلاث. وروى ابن وهب عن مالك أنه ليس لغسل الميت عندنا شىء موصوف، ولكنه يغسل ويطهر، وأحب إلىّ أن يغسل ثلاثًا، أو خمسًا، كما قال (صلى الله عليه وسلم). وقال أبو حنيفة: إذا زاد على الثلاثة سقط الوتر. وهذا خلاف للحديث، وذهب الكوفيون، والثورى، ومالك، والمزنى أنه إذا خرج منه حدث بعد تمام غسله غسل ذلك الموضع، ولم يُعد غسله، لأنها عبادة على الحى قد أداها، وليس على الميت عبادة. وقال الشافعى: إن خرج منه شىء بعد الغسلة الثالثة أعيد غسله. وقال أحمد: يعاد غسله إذا خرج منه شىء إلى سبع غسلات، ولا يزاد عليها. والقول الأول أَوْلى، لأنه لو خرج من الحى بعد الغسل حدث لم ينتقض غسله، ولا يكون حكم الميت أكثر من حكم الحى.

    - بَاب يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ

    / 17 - فيه: أُمّ عَطِيَّةَ، قَالَ النَّبِىّ، (صلى الله عليه وسلم)، فِى غَسْلِ ابْنَتِهِ: (ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا). واستحب العلماء أن يُبدأ بميامن الميت، ومواضع الوضوء، لفضل الميامن وفضل أعضاء الوضوء، لأن الغرر والتحجيل يكون فيها، وقال ابن سيرين: يبدأ بمواضع الوضوء ثم بميامنه. وقال أبو قلابة: يبدأ بالرأس واللحية، ثم الميامن. واختلف الفقهاء فى وضوء الميت، وفى غسله، فقال مالك: إن وضئ فحسن. وقال أبو حنيفة: لا يوضأ، لأن العبادة ساقطة عنه والتكليف، ولأن المضمضة أن يمج ذلك من فيه، والاستنشاق لمن له نفس يجذبه، والميت لا يقدر على ذلك. وقال الشافعى: يوضأ قبل غسله.

    قال ابن القصار: والحجة لقول مالك أنه قد ثبت وجوب غسله كالجنب، فلما كان وضوء الجنب عند الغسل مستحبًا، كذلك هذا، ولما كان الحى يتوضأ فى غسله ليلقى ربه فى أعلى مراتب الطهارة، كان فى الميت الذى حصل فى أول منازل الآخرة أولى أن يلقى ربه فى أعلى مراتب الطهارة أيضًا. وقول الكوفيين: إن العبادة ساقطة عنه، وقد تعبدنا نحن بتطهيره، والمضمضة للتنظيف، ونحن نفعلها كما نغسل المواضع الغامضة منه، فإن ترك وضوؤه فلا بأس، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (وأى وضوء أعم من الغسل) .

    - بَاب هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِى إِزَارِ الرَّجُلِ

    / 18 - فيه: أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: قال النَّبِىّ، (صلى الله عليه وسلم)، فِى غَسْلِ ابْنَتِهِ: (فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَّنِى)، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَنَزَعَ إِزَارَهُ مِنْ حِقْوِهِ، وَقَالَ: (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ). لا خلاف بين العلماء أنه يجوز أن تكفن المرأة فى ثوب الرجل، والرجل فى ثوب المرأة، قال ابن المنذر: أكثر العلماء يرى أن تكفن المرأة فى خمسة أثواب. وفى المجموعة قال ابن القاسم: الوتر أحب إلى مالك فى الكفن، وإن لم يوجد للمرأة إلا ثوبان لفت فيهما. وقال أشهب: لا بأس بالأكفان فى ثوب الرجل والمرأة. وقال ابن شعبان: المرأة فى عدد أثواب الأكفان أكثر من الرجل، وأقله لها خمسة. وقال أبو حنيفة وجماعة: أدنى ما تكفن فيه المرأة ثلاثة أثواب، والسُّنة فيها خمسة. وقال ابن المنذر: درع وخمار ولفافتان، لفافة تحت الدرع تلف بها، وأخرى فوقه، وثوب لطيف يشد على وسطها يجمع ثيابها.

    وقوله: (أشعرنها إياه) أى اجعلنه يلى جسدها، والشعار الثوب الذى يلى الجسد عند العرب، وسيأتى تفسير الحَقْو فى باب الإشعار للميت، إن شاء الله تعالى.

    - بَاب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ

    وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَرْأَةِ. / 19 - فيه: أُمّ عَطِيَّةَ، أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ الرَسُول ثَلاثَةَ قُرُونٍ، نَقَضْنَهُ، ثُمَّ غَسَلْنَهُ، ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلاثَةَ قُرُونٍ. ناصيتها وقرنيها. وترجم له باب: (يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون)، وباب: (يلقى شعر المرأة خلفها)، وزاد فيه: (فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناه خلفها). معنى نقض شعر المرأة، والله أعلم، لكى يبلغ الماء البشرة، ويعم الماء جميع جسدها، وتضفير شعرها بعد ذلك أحسن من استرساله وانتشاره، لأن التضفير يجمعه ويضمه. وقال الشافعى، وأحمد: يضفر رأس المرأة ثلاثة قرون: ناصيتها وقرنيها، ثم يلقى خلفها على حديث أم عطية. وهو قول ابن حبيب. وقال ابن القاسم فى العتبية: يلف شعر المرأة، وأما الضفر فلا أعرفه. وقال الكوفيون: يرسل من بين يديها من الجانبين جميعًا، ثم يسدل الخمار عليه. وقال الأوزاعى: ليس مشط رأس الميتة بواجب، ولكن يفرق شعرها وترسله مع خديها. وقول من تابع الحديث أولى، ولا حجة لمن خالفه.

    - بَاب كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ؟

    وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ. / 20 - وفيه: أُمّ عَطِيَّةَ، دَخَلَ عَلَيْنَا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: (اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِى الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَّنِى)، قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا، أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ). وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلا أَدْرِى أَىُّ بَنَاتِهِ. وَزَعَمَ ابن سيرين أَنَّ الإشْعَارَ: الْفُفْنَهَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلا تُؤْزَرَ. وقوله: (أشعرنها إياه)، فإنه أراد اجعلنه على جسدها، ومنه قوله (صلى الله عليه وسلم): (الأنصار شعار، والناس دثار)، وقال ابن جريج: قلت لعطاء: ما معنى أشعرنها إياه، أتؤزر؟ قال: لا أراه إلا: الففنها فيه. كقول ابن سيرين. قال المؤلف: فإذا لفت فيه مما يلى جسمها منه فهو شعار لها، وما فضل منه فتكرير لَفِّه عليها أستر لها من أن تؤزر فيه مطلقًا دون أن يلف عليها ما فضل منه، فلذلك فسر أن الإشعار أريد به لفها فى الإزار، وكان ابن سيرين أعلم التابعين، بغسل الموتى، هو وأيوب بعده. قال المهلب: وإنما أعطاها إزاره تبركًا بالنبى، و (الحَقْوُ) فى اللغة موضع عقد الإزار من الرَّجُل وهو الخصر، وقال صاحب العين: هو الكشح والجمع أَحْقاء، والحقو أيضًا الإزار. روى هذا كله فى الحديث، ففى هذا الحديث سمى الإزار حقوًا.

    وفى باب: هل تكفن المرأة فى إزار الرجل، سمى الحقو موضع عقد الإزار، فقال: (فنزع من حقوه إزاره)، فهذا شاهد لأهل اللغة، وقد استدل قوم من هذا الحديث أن غسل النساء للمرأة أولى من غسل زوجها لها، وهذا قول الشعبى، وأبى حنيفة، والثورى. وقالوا: إنما لم يجز غسلها، لأنه ليس فى عدة منها، ولو ماتت هى لم يمتنع من التزويج عقيب موتها، ولو مات هو لمنعت من التزويج حتى تخرج من عدتها. وقال مالك، والأوزاعى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق: يغسل الرجل امرأته إذا ماتت، واحتجوا بأن فاطمة بنت النبى (صلى الله عليه وسلم) أوصت إلى زوجها على أن يغسلها. وكان هذا بحضرة الصحابة، ولم ينكره منهم أحد، فصار إجماعًا. واعتل الكوفيون بأن لزوجها أن يتزوج أختها، فلذلك لا يغسلها، لأنه إذا غسلها وقد تزوج أختها فقد جمع بينهما، وهذا لا حجة فيه، لأنها فى حكم الزوجة بدليل الموارثة، لا فى حكم المبتوتة، ويجوز لكل واحد منهما من صاحبه من النظر والمباشرة ما لا يجوز لغيرهما. وقال ابن القصار: والجمع بين الأختين إنما حرم منه الجمع بينهما بعقد النكاح والنظر إلى كل واحدة منهما بعين الشهوة واللذة، وهذا غير موجود فى مسألتنا، وأما إذا نظر إلى إحداهما على طريق الحرمة المتقدمة، فهو جائز كمن ينظر إلى أختيه من الرضاع، وإلى أختين مملوكتين. وأما غسل المرأة زوجها فهو إجماع لا خلاف فيه. وقول المحدث: لا أدرى أى بناته. فقد روى عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية، قالت: توفيت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا)، وقال بعض أهل السير: هى أم كلثوم.

    - بَاب الثِّيَابِ الْبِيضِ لِلْكَفَنِ

    / 21 - فيه: عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) كُفِّنَ فِى ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيها قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ. وترجم له باب: (الكفن بغير قميص)، وباب: (الكفن بغير عمامة). قال ابن المنذر: وروى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (خير ثيابكم البياض، فألبسوها أحياءكم، وكفنوا بها موتاكم)، والسحولية: البيض، والسحل: الثوب الأبيض، وقيل: إن (سحول) قرية باليمن تصنع ثياب القطن، وتنسب إليها، والكرسف: القطن، والفقهاء يستحبون فى الكفن ما فى هذا الحديث، ولا يرون فى الكفن شيئًا واجبًا لا يتعدى، وما ستر العورة أجزأ عندهم. قال مالك: ليس فى كفن الميت حدّ، ويستحب الوتر، وقال مرة: لا أحب أن يكفن فى أقل من ثلاثة أثواب. وقال ابن القصار: لا يستحب القميص فى الكفن، والسُّنَّة تركه. وبه قال الشافعى. وروى يحيى عن ابن القاسم فى العتبية أنه لا يقمص الميت، ولا يعمم، ويدرج فى ثلاثة أثواب بيض إدراجًا، كما فعل النبى، (صلى الله عليه وسلم)، وكان جابر بن عبد الله، وعطاء لا يعممان الميت. وقالت طائفة: لا بأس بالقميص، والعمامة فى الكفن. روى ذلك عن ابن عمر. وقال ابن حبيب: استحب مالك للرجل خمسة أثواب يعد فيها القميص والعمامة والمئزر، ويلف فى ثوبين، وقال فى المدونة: من شأن الميت أن يعمم عندنا. وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يكفن فى قميص. قال أبو عبد الله بن أبى صفرة: قوله: (ليس فيها قميص ولا عمامة) يدل أن القميص الذى غسل فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) نزع عنه حين كفن، لأنه إنما قيل: لا تنزعوا القميص ليستر به، ولا يكشف جسده، فلما ستر بالكفن استغنى عن القميص، ولو لم ينزع القميص حين كفن لخرج عن حد الوتر الذى أمر به النبى، (صلى الله عليه وسلم)، واستحسنه فى غير ما شىء استشعارًا للتوحيد، وكانت تكون أربعة بالثوب المبلول، ويستبشع أن يكفن على قميص مبلول. فإن قيل: فقد روى يزيد بن أبى زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: (كفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى ثلاثة أثواب: قميصه الذى مات فيه، وحلة نجرانية). قيل: هذا حديث انفرد به يزيد بن أبى زياد، وهو لا يحتج به لضعفه، وحديث عائشة أصح، الذى نفت عنه القميص.

    - بَاب الْكَفَنِ فِى ثَوْبَيْنِ

    / 22 - فيه: ابْنِ عَبَّاسٍ، بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ؛ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم): (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْنِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا). وترجم له باب: (الحنوط للميت)، وقال فيه: (فأقصعته، أو قال: فأقعصته)، وترجم له باب: (كيف يكفن المحرم). قال المؤلف: قال مالك، وأبو حنيفة: لا أحب لأحد أن يكفن فى أقل من ثلاثة أثواب، وإن كفن فى ثوبين فحسنٌ على ظاهر قوله عليه السلام: (كفنوه فى ثوبيه، ولا تمسوه طيبًا، ولا تخمروا رأسه)، وإنما ترجم له باب الحنوط للميت، لأنه لما قال فى هذا الحديث: (لا تحنطوه)، وكان محرمًا استدل البخارى من هذا أنه إذا لم يكن محرمًا أنه يحنط. واختلف العلماء كيف يكفن المحرم، فقال الشافعى، وأحمد بن حنبل: يكفن المحرم، ولا يغطى رأسه، ولا يقرب طيبًا، لأن حكم إحرامه باق. وهو قول علىّ، وابن عباس على ظاهر هذا الحديث. وقال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعى: يفعل بالمحرم ما يفعل بالحلال. وهو قول عثمان، وعائشة، وابن عمر. قال ابن القصار: والحجة لهذا القول قوله (صلى الله عليه وسلم): (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. . .)، فدل أن بموته تنقطع العبادة، وقد كفن ابن عمر ابنه، وخمر رأسه يوم مات، وهو محرم، وقال: لولا أنا حرم لطيبناه، وهذا يدل أن الحديث خاص فى ذلك الرجل بعينه. قوله (صلى الله عليه وسلم): (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا)، كما قال فى الشهداء، فإن الشهيد يبعث يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح مسكٍ، فأخبر عن حال كل من استحق الشهادة، ثم خص جعفر لما قطعت يداه، فقال: (له جناحان يطير بهما فى الجنة)، ولم يقل ذلك فى غيره ممن قطعت يداه من الشهداء، فلذلك خَصَّ ذلك المحرم الذى وقص دون غيره. ويمكن أن يكون ذلك خصوصًا له من أجل أن الله تقبل حجه، ولا يعلم أحدٌ بعد الرسول هل تقبل الله حج غيره ممن يموت محرمًا؟ ولذلك غسل ابن عمر ابنه بالجحفة، وخمر رأسه ووجهه، إذ لم يعلم هل تقبل الله حجهُ؟ ويدل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): (كل كَلْمٍ يكلمه المسلم فى سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم فى سبيله)، فأخبر أن ليس كل مكلوم يأتى جرحه اللون لون دم والريح ريح مسك، وإنما ذلك لمن خلصت نيته وجهاده لله، لا لجميع المكلومين. وقال ابن المنذر فى قوله: (كفنوه فى ثوبيه) دليل أن الكفن من رأس المال. وقوله: (فوقصته) تقول للعرب: وقص الشىء وقصًا كسر. ولم أجد فى اللغة (أوقصه) اللفظة التى شك فيها المحدث، والقصع: القتل، والماء يقصع العطش، أى يقتله وقصع القملة: قتلها، والقعص: القتل المعجل.

    - بَاب الْكَفَنِ فِى الْقَمِيصِ الَّذِى يُكَفُّ أَوْ لا يُكَفُّ

    / 23 - فيه: ابْن عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ لَمَّا تُوُفِّىَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: أَعْطِنِى قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، فَقَالَ: آذِنِّى أُصَلِّى عَلَيْهِ، فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَيْهِ، جَذَبَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى الْمُنَافِقِين؟ َ فَقَالَ: (أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ) الحديث. / 24 - وفيه: جَابر، أَتَى النَّبِىُّ، (صلى الله عليه وسلم)، عَبْدَاللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ. قال المؤلف: فى هذين

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1