Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook701 pages6 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786322173578
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 14

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون (1).

    وقال مجاهد: كانوا يعارضون النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف ويستهزءون به ويصفرون يخلطون عليه طوافه وصلاته (2).

    وقال مقاتل: كان إذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد يقومون علي يمينه ويساره بالصفير والتصفيق ليخلطوا عليه صلاته (3)، وقال حسان يذكر ذلك ويذمهم به (4):

    إذا قام الملائكة ابتعثتم ... صلاتكم التصدي والمكاء (5)

    فعلى ما ذكره مجاهد ومقاتل كان التصدية والمكاء إيذاء للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى قول ابن عباس كان ذلك نوع عبادة لهم، واختار أبو إسحاق هذا [فقال: أعلم الله أنهم كانوا مع صدهم أولياء المسجد الحرام كان تقربهم إلى الله بالصفير والتصفيق (6)] (7)، وهذا القول أشبه بظاهر اللفظ؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ} وكأنهم جعلوا ذلك صلاة لهم.

    قال ابن عرفة (8) وابن الأنباري: المكاء والتصدية ليسا بصلاة، ولكن (1) رواه ابن جرير 9/ 241، والثعلبي 6/ 59 أ، والبغوي 3/ 355.

    (2) رواه الثعلبي 6/ 59 أ، والبغوي 3/ 355، ورواه بمعناه ابن جرير 9/ 242، وابن أبي حاتم 5/ 1697.

    (3) تفسير مقاتل ل 121 أ، وقد نقل الواحدي معنى قوله.

    (4) ساقط من (ح).

    (5) البيت لحسان كما في لسان العرب (مكا) 7/ 4251 وليس في ديوانه.

    (6) معاني القرآن وإعرابه 2/ 412 مع تصرف يسير.

    (7) ما بين المعقوفين ساقط من (س).

    (8) هو: إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة = الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية] (1) فألزمهم ذلك أعظم الأوزار، وهذا كقولك: زرت عبد الله فجعل جفائي صلتي، أي: أقام الجفاء مقام الصلة فاستحق بذلك عيبي ولائمتي، وأنشد أبو بكر:

    قلت (2) أطعمني عُميم تمرًا ... فكان تمرك كهرة (3) وزبرًا (4)

    أي: أقام الصياح عليّ مقام إطعامي التمر (5)، قال (6): وفيه وجه آخر وهو أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له، كما تقول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء، يريد من السخاء عيبه فلا عيب له، وأنشد:

    فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا (7) = الأزدي، المعروف بنفطويه، الإمام الحافظ النحوي، كان عالمًا بالحديث والعربية، مبرزًا في الفقه الظاهري، توفي سنة 323 هـ.

    انظر: طبقات النحويين واللغويين ص 154، وإنباه الرواة 1/ 211، ونزهة الألباء ص 194، وسير أعلام النبلاء 15/ 75.

    (1) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).

    (2) في (ح): (قلت له)، وفي (م): (فقلت).

    (3) في (ح): (نهرة).

    (4) لم أهتد لقائله.

    (5) انظر: قول ابن الأنباري مختصرًا في تفسير البغوي 3/ 355.

    (6) يعني ابن الأنباري، انظر: قوله هذا فيزاد المسير 3/ 354.

    (7) البيت للنابغة الجعدي في رثاء أخيه، انظر: ديوانه ص 173, وكتاب سيبويه 1/ 367، والخزنة 3/ 334.

    وقوله تعالى: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ}، قال ابن عباس والحسن والضحاك وابن جريج وابن إسحاق: يريد عذاب السيف يوم بدر (1)، وقال بعضهم: يقال لهم في الآخرة: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} (2).

    وقوله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي: بما كنتم تجحدون أن الله معذبكم، ومُوقِع بكم ما أوقع يوم بدر، قاله ابن إسحاق (3)، وقال مقاتل: فذوقوا العذاب ببدر بما كنتم تجحدون توحيد الله (4).

    36 - قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} الآية، قال سعيد بن جبير (5)، وابن أبزى (6)، ومجاهد (7)، والحكم (8) بن عتيبة (9): (1) ذكره عنهم سوى ابن عباس -رضي الله عنه - الماوردي 2/ 316، وانظر قول ابن عباس في: تنوير المقباس ص 181، وانظر قول الضحاك وابن جريج في: تفسير الطبري 9/ 244، وقول ابن إسحاق في السيرة النبوية 2/ 317.

    (2) انظر: النكت والعيون للماوردي 2/ 316، والبحر المحيط 4/ 491.

    (3) نص عبارة ابن إسحاق في السيرة النبوية 2/ 317: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون: أي لما أوقع بهم يوم بدر من القتل.

    (4) تفسير مقاتل ل 121 أمع اختلاف يسير.

    (5) رواه ابن جرير 9/ 244, وابن أبي حاتم 5/ 1697، وابن سعد وعبد بن حميد وأبو الشيخ وابن عساكر كما في الدر المنثور 3/ 334.

    (6) رواه ابن جرير، الموضع السابق، والثعلبي 6/ 59 ب.

    (7) رواه ابن جرير 9/ 245، وعبد بن حميد وأبو الشيخ كما في الدر المنثور 4/ 334.

    (8) رواه ابن جرير، الموضع السابق، وابن أبي حاتم 5/ 1697، والثعلبي 6/ 59 ب، والبغوي 3/ 356.

    (9) في (ح) و (س): (عيينة)، وكذلك في النكت والعيون 2/ 317، وتفسير البغوي 3/ 356، وفي تفسير الثعلبي 6/ 59 ب: عتبة، والصواب: عتيبة كما في تفسير ابن جرير 9/ 245، والدر المنثور 4/ 334: وهو: الحكم بن عتيبة -مصغر عتبة - أبو محمد الكندي الكوفي تابعي ثقة ثبت فقيه كان صاحب سنة وإتباع, وعبادة وفضل، وهو من كبار أصحاب إبراهيم النخعي، توفي سنة 115 هـ أو قبلها. انظر: طبقات ابن سعد 6/ 331، و تذكرة الحفاظ 1/ 117، وسير أعلام النبلاء 5/ 208، وتهذيب التهذيب 1/ 467.

    نزلت في أبي سفيان وإنفاقه المال على حرب محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وكان قد استأجر ألفين من أحابيش كنانة (1). وقال مقاتل (2) والكلبي (3): نزلت في المطمعين يوم بدر، وكانوا اثنى عشر رجلاً من كبار قريش (4).

    وقوله تعالى: {لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [إن قيل: لم يعلموا أنها سبيل الله فكيف قيل: {لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}] (5) قيل: إنهم قصدوا إلى الصد عنها وهي (6) سبيل الله (7).

    وقوله تعالى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا} أخبر أنهم ينفقون أموالهم، ثم قال: {فَسَيُنْفِقُونَهَا} بمعنى: فسيقع الإنفاق الذي يكون حسرة بذهاب الأموال وفوت المراد، ونصر الله عز وجل المسلمين حتى يغلبوهم. (1) هم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة وعقيل والديش والحيا والمصطلق. انظر: المحبر ص 267.

    (2) تفسيره ل 121 أ، وانظر: تفسير الثعلبي 6/ 60 أ، والبغوي 3/ 356.

    (3) تفسير الثعلبي، والبغوي، الموضعين السابقين.

    (4) القول بنزول الآية في المطعمين يوم بدر أولى من القول بنزولها في المنفقين يوم أحد؛ لأن سورة الأنفال تتحدث على وجه العموم عن غزوة بدر، ولقول ابن عباس فيما رواه البخاري في صحيحه (4645) لما سئل عن سورة الأنفال، قال: نزلت في بدر اهـ. وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالكفار في كل زمان ينفقون أموالهم ليصدوا عن دين الله، وليطفؤا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر أولياءه، ويخذل أعداءه.

    (5) ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (س)

    (6) في (س): (وعن).

    (7) يعني أن غرضهم في الإنفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله وإن لم يعلموا أنه = وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} خص الكفار ولم يقل: وإلى جهنم يحشرون؛ لأنه كان فيهم من أسلم (1).

    37 - قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} الآية فيها طريقان للمفسرين:

    أحدهما: أن المراد بالخبيث والطيب (2) في هذه الآية: الكافر والمؤمن، وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي (3) ومرة الهمداني (4)، وعلى هذا (اللام) في قوله: (ليميز) متعلق بقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} أي: إنما يحشرون إليها للميز بين المؤمن والكافر، قال الوالبي عن ابن عباس: ليميز أهل الشقاوة من أهل السعادة (5)، وقال مُرّة: يميز المؤمن في علمه السابق الذي خلقه حيث (6) خلقه طيبًا من الكافر الذي خلقه خبيثًا في علمه السابق (7). = كذلك، ويمكن أن يقال بأن زعمائهم كانوا يعلمون ذلك كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14].

    (1) يعني سيسلم، وعبارة الثعلبي 6/ 60 أ: خص الكفار لأجل من أسلم منهم.

    (2) ساقط من (س).

    (3) سيذكر المؤلف روايته ورواية مرة.

    (4) هو: مرة بن شراحيل الهمداني أبو إسماعيل الكوفي، المفسر أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، كان عالمًا كبير الشآن بصيرًا بالتفسير، توفي سنة 76 هـ أو قريبًا من ذلك.

    انظر: طبقات ابن سعد 6/ 116، وحلية الأولياء 4/ 161، و تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 67، وسير أعلام النبلاء 4/ 74، وطبقات المفسرين للداودي 2/ 317.

    (5) رواه بنحوه ابن جرير 9/ 246.

    (6) في تفسير الثعلبي: حين.

    (7) رواه الثعلبي 6/ 60 أ.

    وقوله تعالى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ}، قال مرة: يلحق بعضهم ببعض فيجعلهم في جهنم (1). وقوله تعالى: {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا}، قال الليث: الركم: جمعك شيئًا فوق شيء حتى تجعله ركامًا مركومًا كركام الرمل والسحاب ونحو ذلك من الشيء المرتكم بعضه على بعض (2).

    قال المفسرون: {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أي: يجمعه حتى يصير كالسحاب المركوم فيجعله في جهنم (3).

    ووحد الخبر (4) لتوحيد قوله: {الْخَبِيثَ}.

    وروى عطاء عن ابن عباس للآية معنى آخر على هذا الطريق وهو أنه قال في قوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} يريد أنه أخر أجل هذه الأمة إلى يوم القيامة، وكل أمة قبل أمة محمد إذا كذبوا نبيهم لم يؤخروا وعذبوا، فجعل الله ميقات هذه الأمة إلى يوم القيامة فقال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} قال: يريد المؤمن والكافر، يريد أن في أصلاب الكفار مؤمنين، وكذلك يميزون يوم القيامة كما قال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)} [يس: 59]، {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} يريد في جهنم يضيقها عليهم، {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} مثل ما يدرج الثوب، يريد: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} (5) مثل قوله: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 32] كلما يسلك الخرز (6) في الخيط، يريد يدخل من دبره ويخرج من حلقه (1) لم أقف عليه.

    (2) في تهذيب اللغة (ركم) 2/ 1463، والنص في كتاب العين (ركم) 5/ 369

    (3) انظر: تفسير الثعلبي 6/ 60 ب، والبغوي 4/ 356، وبنحوه في تفسير ابن جرير 9/ 246 - 247.

    (4) ساقط من (م).

    (5) الرحمن: 41، ونصها: فيؤخذ.

    (6) في (ح): (الخرزة).

    ويجمع بين ناصيته وقدميه (1).

    الثاني: أن المراد بالخبيث والطيب: نفقة الكافر على عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونفقة المؤمن في جهاد المشركين، وهو قول الكلبي وابن زيد، واختيار أبي إسحاق (2) وابن الأنباري (3)، قال الكلبي: يعني العمل الخبيث من العمل الطيب فيثيب على الخبيث النار وعلى الطيب الجنة (4).

    وقال ابن زيد: يعني الإنفاق الطيب في سبيل الله من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان، فتجعل نفقاتهم (5) في قعر جهنم ثم يقال لهم: الحقوا بها (6).

    وقال أبو إسحاق: أي: ليميز ما أنفقه المؤمنون في طاعة الله مما أنفقه المشركون في معصية الله (7).

    قال أبو بكر (8): فإن قيل على هذا: فأي فائدة في إلقاء أموالهم في جهنم وهي لا تستحق تعذيبًا ولا تجد ألمًا (9)؟ (1) ظاهر سياق المؤلف أن الكلام السابق من قوله. روى عطاء، إلى هنا من كلام ابن عباس -رضي الله عنهما - ولم أجد من روى هذا الأثر أو بعضه، وقد سبق بيان أن رواية عطاء عن ابن عباس مفقودة، وهي موضوعة.

    (2) معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 412.

    (3) لم أقف عليه.

    (4) رواه الثعلبي 6/ 60 أ, والبغوي 3/ 356، وذكره السمرقندي 2/ 17.

    (5) في (ح): (نفاقهم)، وهو خطأ.

    (6) رواه الثعلبي 6/ 60 أ، وذكره ابن الجوزي 3/ 356 دون قوله: فيجعل ... إلخ.

    (7) معاني القرآن وإعرابه 2/ 412.

    (8) يعني ابن الأنباري، ولم أقف على قوله هذا.

    (9) في (ح): (إثمًا)، وهو خطأ.

    فيقال: إن الله تعالى يجعل أموالهم الحرام في النار ليعذبهم بها، ويوصل الآلام إليهم من جهتها كما قال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 35]، وقد ذكر الزجاج هذا بعينه وقال في قوله: {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} أي: يجعل ما أنفقه المشركون بعضه على بعض ويجعل ذلك عليهم في (1) النار فيعذبون به كما قال الله تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} [التوبة: 35] الآية (2).

    قال أبو بكر: وجواب آخر وهو أن الله تعالى يدخل أموالهم جهنم (3) لتعززهم بها وافتخارهم بجمعها وأنه لا شيء كان أجلّ عندهم منها، فأراهم هوانها عليه، والحال الدنية التي أصارها إليه، قال: ويكشفه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كانت القيامةُ تزيَّنت الدُّنيا بأحسنِ هيئتها وتزخرفت بأجملِ زخارفها وقالت: يا ربِّ هبني لوليٍّ من أوليائك، فيقول الله تعالى: أنت أقل شأنًا عندي من ذلك، ثم يأمر بها إلى النار (4) فيرون أنه يفعل ذلك بها ليُري المؤثرين بها قلتها عنده وهوانها عليه.

    قال: واللام في قوله: {لِيَمِيزَ} متعلقة بالكلام المتقدم {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} لكي يمييز الله الخبيث من الطيب (5).

    وقوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} يعني الذين كفروا وأنفقوا أموالهم في طاعة الشيطان هم الذين غبنت صفقتهم وخسرت تجارتهم أنهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة. (1) ساقط من (ح).

    (2) معاني القرآن وإعرابه 2/ 413.

    (3) في (س): (إلى جهنم).

    (4) لم أعثر عليه في مظانه من كتب الترغيب والترهيب والموضوعات.

    (5) لم أقف على قول أبي بكر ابن الأنباري هذا.

    38 - قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [قال الكلبي] (1): يعني أبا سفيان وأصحابه (2).

    {إِنْ يَنْتَهُوا}، قال ابن عباس: يريد عن تكذيبك (3) وعن الشرك بالله (4). وقال الكلبي: عن قتال محمد وأصحابه (5).

    {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} سلف: معناه في اللغة: تقدم، يقال: سلف يسلف سلوفًا، وأسلف في الشيء إذا قدم الثمن فيه، والسالفة: العنق لتقدمها على البدن، والسلافة من الخمر: أخلصها؛ لتقدمها بالتحلب من غير عصر (6)، قال ابن عباس: ما قد سلف: يريد من الزنا والشرك والقتل والربا وكل مكروه (7). (1) ساقط من (س).

    (2) ذكره ابن الجوزي 3/ 356، عن أبي صالح، عن ابن عباس، ومن الجدير بالتنبيه أن البغوي أفاد في مقدمة تفسيره 1/ 36: أن المراد بتفسير الكلبي هو ما رواه عن أبي صالح، عن ابن عباس. قلت: وقد تقدمت ترجمة الكلبي وبينت فيها أنه متروك متهم بالكذب، وقد مرض يومًا فقال لأصحابه: كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب.

    انظر: الإتقان 4/ 239، والتفسير والمفسرون 1/ 81.

    (3) في (ح): (تكذيهم).

    (4) رواه بنحوه الفيروزأبادي في تنوير المقباس ص 181، وذكره بمعناه دون نسبة الماوردي 2/ 318، وابن الجوزي 3/ 357.

    (5) رواه الفيروزأبادي في الموضع السابق، بنحوه، عن الكلبي، عن ابن عباس.

    (6) فيتهذيب اللغة (سلف) 2/ 1736: والسلافة من الخمر. أخلصها وأفضلها, وذلك إذا تحلب من العنب بلا عصر ولا مرث، وكذلك من التمر والزبيب ما لم يعد عليه الماء بعد تحلب أوله.

    (7) الفيروزأبادي في تنوير المقباس ص 181 بنحوه.

    قال صاحب النظم: قوله: {إِنْ يَنْتَهُوا} بالياء إنما جاز وحسن لأنه أمره بمخاطبة (1) قوم غيّب فقال: قل لهم ما يكون هذا معناه، ولو كان بالتاء لكان الأمر واقعًا على هذا اللفظ بعينه لأنه يكون حكاية (2)، وقد ذكرنا مثل هذا في قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} [آل عمران: 12].

    قال العلماء: وهذه الآية كقوله - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام يجب ما قبله (3)، وإذا أسلم الكافر الحربي لم يلزمه قضاء شيء من العبادات البدنية والمالية، وما كان له (4) من جناية على نفس أو على مال فهو معفو عنه، وهو ساعة إسلامه كيوم ولدته أمه (5)، وما أظرف ما قال يحيى بن معاذ (6) في هذه الآية: إن (1) في (ح) و (س): (مخاطبة).

    (2) انظر: المحرر الوجيز 6/ 300، ولم ينسبه.

    (3) رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 199، 204، 205 بلفظ: فإن الإسلام يجب ما كان قبله ورواه مسلم في صحيحه (192) كتاب الإيمان باب: كون الإسلام يهدم ما قبله بلفظ: إن الإسلام يهدم ما كان قبله".

    (4) من (م).

    (5) انظر: كتاب الأم للشافعي 6/ 54، وشرح صحيح مسلم للنووي 2/ 138، وتفسير القرطبي 7/ 402، وقد ذكر أبو حيان في البحر المحيط 5/ 319 الإجماع على ذلك، قلت: ويدل عليه ما رواه مسلم (120) صحيحه كتاب: الإيمان, باب: هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية، عن عبد الله، قال: قلنا: يا رسول الله: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، وروى أيضًا (121) كتاب: الإيمان, باب: كون الإسلام يهدم ما قبله؛ عن ابن عباس، أن ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ... إلخ، وذكر الحديث وفيه بيان لعفو الله عنهم.

    (6) هو: يحيى بن معاذ الرازي الواعظ، من كبار العباد, وأئمة الزهاد، له مواعظ مشهورة, وكلمات تجري مجرى الحكم, وكان حكيم زمانه, وواعظ عصره, = توحيدًا لم يعجز عن هدم (1) ما قبله من كفر أرجو أن لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب (2).

    وقوله تعالى: {وَإِنْ يَعُودُوا}، قال ابن عباس: يريد: إلى تكذيبك (3)، وقال الكلبي: {وَإِنْ يَعُودُوا} لقتالك {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} بنصر الله رسله ومن آمن على من كفر (4)، وقال قتادة: مضت السنة من الله في الأولين من الأمم بنصر الله الرسل، ومضت السنة مثل ذلك في هذه الأمة يوم بدر (5)، وهو كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] وكقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171] الآيات. = توفي سنة 258 هـ. انظر: صفة الصفوة 4/ 83، والعبر 1/ 371، وسير أعلام النبلاء 13/ 15، والبداية والنهاية 11/ 31.

    (1) في (ح): (حمل)، وهو خطأ فاحش.

    (2) انظر: تفسير الثعلبي 6/ 60 ب، والبغوي 3/ 356، وابن الجوزي 3/ 357. قلت: هذا الرجاء بمعنى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فهدم التوحيد لما بعده من ذنب معلق بمشيئة الله، أما الجزم به لكل موحد فهو منقوض بالكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، ومن السنة الأحاديث الدالة على تعذيب الزناة ومانعي الزكاة ونحوهم، وكذلك الأحاديث الدالة على إخراج الموحدين من النار بعد عذاب طويل.

    انظر: معارج القبول 2/ 422 - 425.

    (3) لم أقف عليه، وفي معناه نظر؛ لأن لفظة (يعودوا) تتضمن الرجوع إلى حالة تحوّل عنها الإنسان، وهم لم ينفكوا عن التكذيب والكفر. انظر: المحرر الوجيز 6/ 300.

    (4) ذكره باختصار السمرقندي في تفسيره 2/ 18، ورواه بنحوه الفيروزأبادي في تنوير المقباس ص 181، عن الكلبي، عن ابن عباس.

    (5) رواه بنحوه ابن جرير 15/ 247 [طبعة الحلبي].

    وقال السدي وابن إسحاق: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} بنصر الله الرسل، والمؤمنين يوم بدر (1).

    39 - قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وابن زيد وابن إسحاق: (أي شرك) (2)، وقال الربيع: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه (3)، وقال عروة بن الزبير: كان المؤمنون يفتنون عن دين الله في أول ما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام، وآمنت به طائفة فكانت فتنة شديدة، فافتتن من افتتن، وعصم الله من شاء، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يخرجوا إلى الحبشة، وفتنة ثانية وهي: لما بايعت الأنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة (4) توامرت (5) قريش أن يفتنوا المؤمنين بمكة عن دينهم فأصاب المؤمنين جهد شديد؛ فأنزل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (6). (1) لم أجده عنهما بهذا اللفظ. وقد روى ابن جرير 9/ 248 قول السدي بلفظ: فقد مضت سنة الأولين، من أهل بدر، ونص قول ابن إسحاق كما في السيرة النبوية 2/ 318: فقد مضت سنة الأولين، أي من قتل منهم يوم بدر.

    ثم إن في عبارة المؤلف قلق، ولعل الصواب: كيوم بدر.

    (2) انظر: أقوال المذكررين سوى ابن إسحاق، في تفسير ابن جرير 9/ 248 - 249, وابن أبي حاتم 5/ 1701، وابن كثير 2/ 341، وانظر: قول ابن إسحاق في السيرة النبوية 2/ 318.

    (3) رواه الثعلبي 6/ 61 أ، والبغوي 3/ 357.

    (4) في (س): (يوم العقبة).

    (5) توامرت: لغة غير فصيحة في تآمرت، انظر: النهاية في غريب الحديث (أمر) 1/ 66، ولسان العرب (أمر) 1/ 129.

    (6) رواه ابن جرير 9/ 250، وقد ذكر المؤلف قول عروة بمعناه مع تصرف وزيادات.

    قال الزجاج: أي حتى لا يفتنوا (1) الناس فتنة كفر، ويدل على أن معنى {فِتْنَةٌ}: كفر: قوله: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (2).

    قال أهل المعاني: وإنما كان الكفر فتنة لأنه يخلّص صاحبه بالفساد الذي ظهر منه ممن يجب أن يتولى على ظاهره (3)؛ إذ أصل الفتنة: تخليص الشيء من غيره، من قولهم: فتنتُ الذهب في النار: إذا خلصته من الغش الذي كان فيه (4).

    وقوله تعالى: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، قال ابن عباس: يريد: الدين الذي أرسلتَ به دينًا حنيفيًا (5)، وقال الربيع: ويكون التوحيد لله خالصًا ليس فيه شرك، ويُخلع ما دونه من الأنداد (6)، وقال ابن زيد: لا يكون مع دينكم كفر (7). (1) في معاني القرآن وإعرابه: يفتن.

    (2) معاني القرآن وإعرابه 2/ 413.

    (3) يعني أن الكفر يميز ويفصل بين الكافر الذي تحرم موالاته وبين المؤمن أو المنافق الذي يجب أن يتولى على ظاهره، ويوكل باطنه إلى الله تعالى.

    (4) لم أقف عليه.

    (5) لم أجده بهذا اللفظ، وقد رواه الفيروزأبادي في تنوير المقباس ص 181، بلفظ: حتى لا يبقى إلا دين الإِسلام، ورواه ابن أبي حاتم 5/ 1701، بلفظ: يخلص التوحيد لله عز وجل، ورواه ابن جرير 9/ 248 بلفظ: حتى لا يكون شرك.

    (6) رواه الثعلبي 6/ 61 أ، ورواه ابن جرير 9/ 248 - 249 بنصه لكن عن ابن جريج، والنص نفسه مذكور في السيرة النبوية 2/ 318 قولًا لابن إسحاق، وقد رجح محمود شاكر في تعليقه على رواية ابن جريج أن القول لابن إسحاق وأن فيتفسير ابن جرير سقطًا ولا دليل على هذا الترجيح إذ لا مانع أن يكون القول لأحد الثلاثة ثم يعتمده غيره فيعتبر قولًا له، وبما أن الرجال الثلاثة كانوا في عصر واحد (توفي الربيع بن أنس عام 140هـ أو قبلها، وتوفي ابن إسحاق وابن جريج عام 150 هـ أو بعدها) فإنه يتعذر معرفة السابق بالقول.

    (7) رواه ابن جرير 9/ 249.

    قال أهل العلم: أمر الله تعالى بالقتال إلى أن يعم الإسلام الدنيا كلها ولا يبقى على وجه الأرض كافر، فتكليف القتال ممدود إلى هذا الميعاد (1)، لقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33]. (1) انظر: الأم 4/ 241، وأحكام القرآن للشافعي ص 46، وتفسير أبي الليث السمرقندي 2/ 18، وهو قول فيه نظر لدلالة الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، فجعل تكليف القتال ممدودًا حتى إعطاء الجزية لا الإسلام، وأما السنة فأحاديث أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس، ومنها: ما رواه مسلم فيصحيحه (1731) كتاب الجهاد والسير، باب: تأمير الإمام الأمراء ضمن وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمراء الجيوش والسرايا، وفيها: .. ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم .... فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .. الحديث: فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك قتال مؤدي الجزية والمعاهد؟

    فالجواب من وجوه:

    أحدها: دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية وإلغاء المعاهدة متأخرًا عن هذه الأحاديث.

    ثانيها: أن يكون من العام الذي خص منه البعض.

    ثالثها: أن يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في قوله: أقاتل الناس أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: أمرت أن أقاتل المشركين.

    رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها: التعبير عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتال، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة

    خامسها: أن يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها.

    سادسها: أن يقال: الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام؛ وسبب السبب سبب، فكأنه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا ما يؤديهم إلى الإسلام, وهذا أحسن. فتح الباري 1/ 77 باختصار وبمثل هذا توجه الآية, والله أعلم.

    ومنهم من قال: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} يعني في جزيرة العرب لا يعبد غير الله (1).

    وقوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، ققال ابن عباس: يريد: عالم بمن ينتهي، بصير بأعمالهم (2)، والمراد بالانتهاء هاهنا: عن الشرك، لا عن القتال؛ لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال كان فرضًا على المؤمنين قتالهم (3).

    قال أهل المعاني: فإن انتهوا فإن الله يجازيهم مجازاة البصير بهم (4)، وبأعمالهم لا يخفى عليه شيء منها (5)، وقال صاحب النظم: قوله: {فَإِنِ انْتَهَوْا} راجع [بالمعنى إلى قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} ثم اعترض قولٌ سواه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ} ثم] (6) رجع إلى ما قبله فقال: {فَإِنِ انْتَهَوْا}.

    40 - قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا}، قال ابن عباس: يريد عن الإيمان (7)، وقال الكلبي: أبوا أن يَدَعُوا الشرك (8) وقتال محمد (9). (1) انظر: المحرر الوجيز 5/ 302، وتفسير الفخر الرازي 15/ 164.

    (2) رواه بمعناه الفيروزأبادي في تنوير المقباس ص 181.

    (3) انظر: تفسير ابن جرير 9/ 248 - 250، فقد ذهب إلى هذا القول وردّ على من قال إن المراد الانتهاء عن القتال.

    (4) ساقط من (ح).

    (5) لم أقف عليه.

    (6) ما بين المعقوفين ساقط من (م).

    (7) تنوير المقباس ص181.

    (8) في (ح): (إلى الشرك)، وهو خطأ يخل بالمعنى.

    (9) لم أقف عليه.

    {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} [قال ابن عباس: يريد ناصركم يا معشر المؤمنين (1)، وقال الزجاج: المعنى: فإن أقاموا على كفرهم وعداوتكم (2) {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ}] (3) أي: هو الموالي (4) لكم، ولا تضركم معادتهم (5).

    وهذا تطييب لنفوس المؤمنين عند إعراض الكافرين بأن العاقبة لهم، ودائرة السوء (6) على عدوهم؛ لأن الله ناصرهم ومعينهم.

    41 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية، الغنم: الفوز بالشيء، يقال: غنم يغنم غنمًا فهو غانم.

    والغنيمة في الشريعة: ما أُوجف عليها بالخيل والركاب من أموال المشركين، وأُخذ قسرًا (7).

    وقوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ}، قال الكسائي والفراء: (فأن) منصوبة مردودة على قوله: {وَاعْلَمُوا} بمنزلة قوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ} [الحج: 4]، وقوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ} [التوبة: 63] (8).

    واتفق فقهاء الأمة على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين الذين (1) تنوير المقباس ص 181.

    (2) في معاني القرآن وإعرابه: عداوتهم.

    (3) ما بين المعقوفين ساقط من (س).

    (4) في (ح) و (س): (المولى)، وما أثبته موافق للمصدر.

    (5) معاني القرآن وإعرابه 2/ 314.

    (6) في (ح): (دائر بالسوء).

    (7) انظر: تهذيب اللغة (غنم) 3/ 2703

    (8) انظر: قول الفراء في كتابه معانى القرآن 1/ 411، وقد ذكره المؤلف بمعناه.

    باشروا القتال، للفارس عند الشافعي ثلاثة أسهم وللراجل سهم (1), وعند أبي حنيفة وأهل العراق للفارس سهمان وللراجل سهم (2).

    وأما الصبيان والعبيد والنساء وأهل الذمة إن خرجوا بإذن الإمام فلهم الرضخ (3) على ما يرى الإمام، والصحيح أن الرضخ من رأس الغنيمة (4).

    وهذا الذي ذكرناه لم يتناوله لفظ الآية، غير أنه لا بد من ذكره في معرفة كيفية قسم الغنيمة، والذي ذكر في الآية هو الخمس الباقي؛ لأن الغانمين إذا أخذوا أربعة أخماس بقي خمس واحد.

    واختلفوا في هذا الخمس وفي مصرفه، فقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}، (1) انظر تفصيل مذهب الإمام الشافعي في: كتاب الأم 4/ 190، وحاشية الجمل على شرح المنهج 4/ 95، وبمثله قال الإمام أحمد وأكثر أهل العلم كما في المغني 13/ 85.

    (2) قال السرخسي في المبسوط10/ 40: إذا قسم الغنيمة ضرب للفارس بسهمين وللراجل بسهم في قول أبي حنيفة -رحمه الله تعالى - وهو قول أهل العراق، وفي قولهما -يعني أبا يوسف ومحمد بن الحسن - والشافعي -رحمهم الله تعالى - يضرب للفارس بثلاثة أسهم وهو قول أهل الشام وأهل الحجاز. وانظر أيضًا: بدائع الصنائع 9/ 4364.

    (3) الرضخ: العطية أو العطية القليلة.

    انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (رضخ) 2/ 228، ولسان العرب (رضخ) 3/ 1658، وعرّفه الفقهاء بأنه: ما دون السهم لمن لا سهم له من الغنيمة، انظر: حاشية الروض المربع 4/ 278.

    (4) رجح شيخ الإسلام الأنصاري في شرح المنهج أن الرضخ يؤخذ من الأخماس الأربعة لا من رأس الغنيمة, انظر: حاشية الجمل على شرح المنهج 4/ 95, وهما قولان للشافعي, ووجهان في مذهب الإمام أحمد, انظر: المغني 13/ 99.

    قال الحسن (1)، وقتادة وعطاء وإبراهيم: هذا افتتاح كلام (2)، قال الزجاج: ومعنى افتتاح كلام: أن الأشياء كلها لله عز وجل فابتدأ وافتتح الكلام بأن قال: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (3) كما قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (4). (1) المراد هنا وفي الموضعين التاليين: الحسن بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، كما في سنن النسائي كتاب: قسم الفئ، باب: قسم الفيء 7/ 133، والمصنف لعبد الرزاق 5/ 238، والمستدرك للحاكم 2/ 128، و تفسير ابن جرير 10/ 3، وهو من أئمة التابعين وعلماء أهل البيت، توفي سنة 100هـ أو قبلها. انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 130.

    (2) رواه عنهم ابن أبي حاتم 5/ 309، والثعلبي 6/ 61 ب، والبغوي 3/ 357، ورواه ابن جرير بهذا اللفظ عن الحسن بن محمد بن الحنفية 10/ 3، وهو مراد الواحدي لا الحسن البصري، كما رواه ابن جرير عن البقية بمعناه 10/ 3.

    (3) فسر ابن جرير معنى قول المفسرين: هذا افتتاح كلام بعبارة أوضح من عبارة الزجاج حيث قال عند تفسير قول الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18]: فبدأ -جل ثناؤه - بنفسه، تعظيمًا لنفسه وتنزيهًا لها عما نسب الذين ذكرنا أمرهم من أهل الشرك به ما نسبوا إليها، كما سن لعباده أن يبدؤا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره، مؤدبًا خلقه بذلك، واعترض بذكر الله وصفته على ما بينت كما قال جل ثناؤه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} افتتاحًا باسمه الكلام اهـ. تفسير ابن جرير 10/ 3 باختصار، وبه يتبين أن معنى: افتتاح كلام، أي افتتاح الكلام بذكر الله، وابتداء باسمه على سبيل التعظيم والتبرك كالبسملة. وقال الحافظ في فتح الباري 6/ 218: أجمعوا على أن اللام في قوله تعالى: {لله} للتبرك إلا ما جاء عن أبي العالية.

    (4) الأنفال: 1. وإلى هنا انتهى كلام الزجاج انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/ 414, وفي النسخة التي اعتمد عليها المحقق خطأ في قوله: بأن قال: (فأن الله) حيث كتبه الناسخ هكذا: فإن قال قائل (فإن لله ..) إلخ وظن المحقق أن ذلك شرط وأن = وهذا مذهب الشافعي (1)، وهو رواية الضحاك عن ابن عباس (2)، ومثله روى عطاء عنه؛ لأنه قال: يريد الخمس الذي لله (3) هذا مواضعه, يعني من ذكر بعد قوله {لله} (4) وهؤلاء جعلوا قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ترتيبًا لافتتاح الكلام، والمعنى: فأن للرسول خمسه [ولمن ذكر بعده، فجعلوا سهم الله وسهم الرسول واحد.

    وقال الربيع وأبو العالية: قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}] (5) ليس لافتتاح الكلام، وله معنى صحيح وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يضرب يده في هذا الخمس فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، وهو الذي يسمى لله (6)، فعلى قولهما يكون لله تعالى سهم في خمس الغنيمة وهو للكعبة. = جواب لم يذكر. والصواب ما ذكره الواحدي.

    (1) يعني أنه لا يجعل لله نصيباً معينًا. انظر: الأم للشافعي 4/ 207، ونصه: (لله) مفتاح كلام، كل شيء له، وله الأمر من قبل ومن بعد.

    (2) رواها ابن جرير 10/ 3، والثعلبي 6/ 61 ب، وفي سند ابن جرير: نهشل بن سعيد بن وردان، متروك وكذّبه إسحاق بن راهويه، كما فيالتقريب ص 566 (7198).

    (3) اللفظ ساقط من (ح).

    (4) اللفظ ساقط من (ح).

    (5) ساقط من (ح).

    (6) رواه ابن جرير 10/ 4، وأبو عبيد في كتاب الأموال ص 21، عن أبي العالية، ورواه الثعلبي 6/ 61 ب، عنه أيضًا وعن الربيع بن أنس، وهو حديث مرسل, ورواه ابن المنذر بمعناه عن ابن عباس كما في الدر المنثور 3/ 336، وقد ضعف هذا القول ابن جرير في تفسيره 10/ 4، وذكر أنه مخالف لاتفاق أهل العلم.

    وقوله تعالى: {وَلِلرَّسُولِ} اختلفوا في سهم الرسول من الخمس قال جماعة من المفسرين منهم إبراهيم (1)، وعطاء (2)، والحسن (3)، وقتادة (4): كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل سهمه من الخمس ويصنع فيه ما شاء، وكان له خمس الخمس.

    وقال ابن عباس: لم يأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخمس شيئًا بل جعل سهمه من الخمس لذوي القربى، قال: كان الخمس يقسم على أربعة فربع لله وللرسول ولذوي القربى، فما كان لله وللرسول فهو لذوي القربى (5). (1) رواه الثعلبي 6/ 61 ب، وبمعناه ابن جرير 10/ 3.

    (2) رواه النسائي في السنن، كتاب قسم الفيء 7/ 132، وابن جرير 10/ 3، والثعلبي 6/ 61 ب.

    (3) هو: ابن محمد بن الحنفية، وقد رواه بنحوه الثعلبي في الموضع السابق، وبمعناه عبد الرزاق في المصنف كتاب الجهاد، باب: ذكر الخمس 5/ 238، والنسائي في المصدر السابق، الصفحة التالية، وابن جرير 10/ 7، ولفظهم: فأن لله خمسه وللرسول وذي القربى، قال: هذا مفتاح كلام، ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... إلخ.

    (4) رواه بنحوه ابن جرير 10/ 4، والثعلبي 6/ 61 ب.

    (5) رواه ابن جرير 10/ 4، بلفظ مقارب وكذلك الثعلبي 6/ 61 ب، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 336، أيضًا إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وهو من رواية علي بن أبي طلحة.

    أقول: قول ابن عباس هذا مخالف لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس ليس

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1