Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح ديوان المتنبي للواحدي
شرح ديوان المتنبي للواحدي
شرح ديوان المتنبي للواحدي
Ebook660 pages5 hours

شرح ديوان المتنبي للواحدي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

دخل كتاب شرح الواحدي لديوان المتنبي في دائرة اهتمام المتخصصين في مجال اللغة العربية بشكل خاص والباحثين في الموضوعات ذات الصلة بوجه عام؛ حيث يدخل كتاب شرح الواحدي لديوان المتنبي ضمن نطاق تخصص علوم اللغة ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل الشعر، والقواعد اللغوية، والأدب، والبلاغة، والآداب العربية.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786437018283
شرح ديوان المتنبي للواحدي

Read more from الواحدي

Related to شرح ديوان المتنبي للواحدي

Related ebooks

Reviews for شرح ديوان المتنبي للواحدي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح ديوان المتنبي للواحدي - الواحدي

    ولد أبو الطيب

    أحمد بن الحسين المتنبي بالكوفة في كندة في سنة ثلاث وثلثمائة ونشأ بالشم والبادية وقال الشعر صبياً فمن أول قوله في الصبا

    أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسنِ

    يقال بَلِيَ الثوب يبلى بِلًى وبلاءً وأبلاه غيره يبليه ابلاءً والاسف شدة الحزن يقال أسف يأسف أسفاً فهو آسف وأسف ومعنى ابلاءً يشتد عند الفراق والهوى عذب مع الوصال سمّ مع الفراق كما قال السريّ الرفاء، وارى الصبابةَ أريةً ما لم يشب، يوماً حلاوتها الفراقُ بصبابه، وانتصب أسفا على المصدر ودل على فعل ما تقدمه لأن ابلاءً الهوى بدنه يدل على أسفه كأنه قال أسفت أسفا ومثله كثير في التنزيل كقوله تعالى صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ ويوم النوى ظرف للابلاء ويجوز أن يكون معمول المصدر الذي هو أسفا والمعنى يقول أدى الهوى بدني إلى الأسف والهزال يوم الفراق وعبد هجر الحبيب بين جفني والنوم أي لم أجد بعده نوماً.

    روح تردد في مثل الخلال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبنِ يقول لي روح تذهب وتجيء في بدن مثل الخلال في النحول والرقة إذا طيرت الريح عنه الثوب الذي عليه لم يظهر ذلك البدن لرقته أي إنما يرى لما عليه من الثوب فإذا ذهب عنه الثوب لم يظهر ويجوز أ، يكون معنى لم يبن لم يفارق أي أن الريح تذهب بالبدن مع الثوب لخفته ومثل الخلال صفة لموصوف محذوف تقديره في بدنٍ مثل الخلال وأقرأني أبو الفضل العروضي في مثل الخيال قال أقرأني أبو بكر الشعراني خادم المتنبي الخيال قال لم أسمع الخلال إلا بالري فما دونه يدل على صحة هذا إن الوأواء الدمشقيّ سمع هذا البيت فأخذه فقال، وما أبقى الهوى والشوق منّي، سوى روح تردد في الخيال، خفيت على النوائب أن تراني، كأن الروح مني في محال،

    كفى بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني

    يقول كفى بجسمي نحولا أنني رجلا لو لم أتكلم لم يقع على البصر أي إنما يستدل عليّ بصوتي كما قال أبو بكر الصنوبري، ذبت حتى ما يستدل على أني حيٌّ إلا ببعض كلامي، واصل هذا المعنى قولا الأول، ضفادع في ظلماء ليلٍ تجاوبت، فدل عليها صوتها حية البحر، والباء في بجسمي زائدة وهي تزاد في الكفاية في الفاعل كثيرا كقوله سبحانه وكفى بالله شهيداً كفى بالله وكيلاً وقد تراد في المفعول أيضا كقول بعض الأنصار، وكفى بناء فضلاً على من غيرنا، حب النبي محمدٍ إيانا، معناه كفانا فضلا فزاد الباء وقد قال أبو الطيب، كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً، فزاد في المفعول وقوله بجسمي معناه جسمي كما ذكرنا وانتصب نحولا على التمييز لأن المعنى كفى جسمي من النحول.

    وقال أيضا في صباه ارتجالاً

    بأبي من وددته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعاً

    هذه الباء تسمى باء التفدية يقول فداء بأبي من وددته أي جعل فداءص ل وتقول بنفسي أنت وبروحي أنت وهو كثير في كلامهم.

    فافترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسليمه عليّ وداعاً

    يقول كان تسليمه عليّ عند الالتقاء توديعا لفراق ثان والوداع اسم بمعنى التوديع يقال ودعته توديعا ووداعا وهذا المعنى من قول الآخر، بأبي وأمي زائرٌ متقنع، لم يخف ضوء البدرِ تحت قناعه، لم أستتم عناقه للقائه، حتى ابتدأت عناقه لوداعه.

    وقال أيضا في صباه يمدح محمد بن عبيد الله العلوي

    أهلاً بدارٍ سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خردها

    الاغيد الناعم البدن وجمعه غيدٌ وأراد ههنا جارية وذكر اللفظ لأنه عنى الشخص والخرد جمع الخريدة وهي البكر التي لم تمسس ويقال أيضا خرد بالتخفيف وفي قوله أبعد أوجهٌ وروايات والذي عليه أكثر الناس الاستفهام وفيه ضربان من الفساد أحدهما في اللفظ وهو أن تمام الكلام يكون في البيت الذي بعده وذلك عيب عند الرواة ويسمونه المبتور والمضمن والمقاطل ومثله لا يصلح بيني فاعلموه ولا، بينكم ما حملت عاتقي، سيفي وما أن مريض وما، قرقر قمر الواد بالشاهق، والثاني في المعنى وهو أنه إذا قال أبعد فراقهم تهيم وتحزن كان محالا من الكلام والرواية الصحيحة أبعد ما يقول أبعد شيءْ فارقك جواري هذه الدار وروى قوم أبعد على أنه حالٌ من الاغيد والعامل في الحال سباك يقول سباك أبعد ما كان منك وهذا من العجب أن السابي يسبي وهو بعيد والمعنى أنه أسرك بحبه وهو على البعد منك وانتصب أهلاً بمضمر تقديره جعل الله أهلا بتلك الدار فتكون مأهولة وإنما تكون مأهولة إذا سقيت الغيث فانبتت الكلأ فيعود إليها أهلها وهو في الحقيقة دعاء لها.

    ظلت بها تنطوي على كبدٍ ... نضيجةٍ فوق خلبها يدها يريد ظللت فحذف احدى اللامين تخفيفا كقوله تعالى فظلتم تفكهون يقول ظللت بتلك الدار تنثني على كبدك واضعا يدك فوق خلبها والمحزون يفعل ذلك كثيرا لما يجد في كبده من حرارة الوجد يخاف على كبده أن ينشقّ كما قال الآخر، عشية أثنى البرد ثم ألوثه، على كبدي من خشيةٍ أن تقطعا، وقال الصمة القشري، وأذكر أيام الحمى ثم أنثني على كبدي من خشيةٍ أن تصدعا، وقال الآخر، لما رأوهم لم يحسوا مدركا وضعوا أناملهم على الأكباد، وكرر أبو الطيب فقال، فيه أيديكما على الظفر الحلو وأيدي قومٍ على الاكباد، والانطواء كالانثناء والنضج لليد ولكن جرى نعتا للكدب لإضافة اليد إليها كقوله تعالى من هذه القرية الظالم أهلها والظلم للاهل وجرى صفة للقرية والمعنى التي ظلم أهلها وهذا كما تقول مررت بامرأةٍ كريمةٍ جاريتها تصفها بكرم الجارية وجعل اليد نضيجةً لأنه أدام وضعها على الكبد فانضجتها بما فيها من الحرارة ولهذا جاز إضافتها إلى الكبد والعرب تسمى الشيء بأسم غيره إذا طالت صحبته إياه كقولهم لفناء الدار العذرة ولذي البطن الغائط وإذا جاز تسمية شيءٍ بأسم ما يصحبه كانت الإضافة أهون ولطول وضع يده على الكبد أضافها إليها كأنها للكبد لما لم تزل عليها والخلب غشاءٌ للكبد رقيق لازب بها وارتفع يدها بنضيجة وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل كما تقول مررت بامرأةٍ كريمةٍ جاريتها ويجوز أن تكون النضيجة من صفة الكبد فيتم الكلام ثم ذكر وضع اليد على الكبد والأول أجود.

    يا حاديى عيسها وأحسبني ... أوجد ميتا قبيل أفقدها

    دعا الحاديين ثم ترك ما دعاهما له حتى ذكره في البيت الذي بعده وأخذ في كلام آخر وتسمى الرواة هذا الإلتفات كأنه التفت إلى كلام آخر من شأنه وقصته فإن كان كلاما أجنبيا فسد ولم يصلح ومثله، وقد أدركتني والحوادث جمةٌ، أسنة قومٍ لاضعاف ولا عزلِ، فصل بين الفعل والفاعل بما يسمى التفاتا وهو من قصته لان أدراك الاسنة من جملة الحوادث كذلك قوله واحسبني أوجد ميتا ليس باجنبي عما هو فيه من القصة واراد قبيل أن أفقدها فلما حذف أن عاد الفعل إلى الرفع كبيت الكتاب ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى فيمن رفع

    قفا قليلاً بها عليَّ فلا ... أقل من نظرةٍ أزودها

    يقول للحاديين اللذين يحدوان عيسها احبساها على زمانا قليلا لأنظر إليها واتزود منها نظرةً فلا أقل منها ومن رفع أقل جعل لا بمنزلة ليس كما قال، من صد عن نيرانها، فأنا ابن قيس لا براح أي ليس عند براح والكناية في بها يجوز أن تعود إلى العيس وإلى المرأة وقريب من هذا في المعنى قول ذي الرمة، وإن لم يكن الا تعلل ساعةٍ، قليلاً فإني نافعٌ لي قليلها، ثم ذكر سبب مسألة الوقوف فقال:

    ففي فؤاد المحب نار هوى ... أحر نار الجحيم أبردها

    عنى بالمحب نفسه والجحيم النار الشديدة التوقد العظيمة يقول أحر النار العظيمة المتوقدة أبرد نار الهوى يعني أن نار الهوى أشد حرارةً.

    شابّ من الهجر فرق لمتهِ ... فصار مثل الدمقسِ أسودها

    الفرق حيث يفرق الشعر من الرأس واللمة من الشعر ما ألم بالمنكب والجمع لمم ولمام والدمقس الابريسم الأبيض خاصة يقول لعظم ما أصابه من هجر الحبيب أبيض شعره حتى صار ما كان أسود من لمته أبيض كالدمقس.

    بانوا بخرعوبةٍ لها كفلٌ ... يكاد عند القيام يقعدها

    يقال امرأة خرعوبة وخرعبة وهي اللينة الشابة الطرية ومنه قول امرءِ القيس، كخرعوبةِ البانةِ المنفطر، والكفل الردف والمرأة توصف بثقل العجيزة وكثرة لحمها يقول ذهبوا بامرأة ناعمة إذا قامت يكاد ردفها يقعدها لكثرة ما عليه من اللحم وكاد وضع لمقاربة الفعل واثباته نفيٌ في المعنى كأنه قال قرب من ذلك ولم يفعل وهذا المعنى كثير في الشعر كقول عمر بن أبي ربيعة، تنوء بأخراها فلكيا قيامها، وتمشي الهوينا عن قريبٍ فتبهرُ، ومثله لابي العتاية، بدت بينحورٍ قصار الخطى، تجاهد بالمشي أكفالها، وبيت المتنبي من قول أبي دلامة، وقد حاولت نحو القيام لحاجةٍ، فأثقلها عن ذلك الكفل النهدُ،

    ربحلةٍ اسمٍ مقبلها ... سجلةٍ أبيضٍ مجردها الربحلة والسجلة من نعوت النساء وهي الجسيمة الطويلة العظيمة قالت امرأة من العرب تصف بنتها، ربحلةٌ سجلةٌ، تنمى نماءَ النخله، والمقبل موضع التقبيل وهو الشفة وتحمد فيها السمرة ولذلك قال غيلان ولقبه ذو الرمة، ليماءُ في شفتيها حوةٌ لعسٌ، وفي اللثات وفي أنيابها شنب، والمجرد حيث تجرد من بدنها أي تعرى من الثوب وصفها بسمرة الشفة وبياض اللون وخص المجرد وهو الأطراف لأنه إذا أبيض المجرد وهو الذي يصيبه الريح والشمس ويظهر للرأيين كان سائر بدنها أشد بياضاً.

    يا عاذل العاشقين دع فئةً ... أضلها الله كيف ترشدها

    الفئة الجماعة من الناس ويريد العشاق يقول لمن يعذلهم في العشق دع من عذلك قوما أضلهم الله في الهوى حتى تعالكوا فيه واستولى عليهم حتى غلب عقولهم كيف ترشدهم بعد أن اضلّهم الله أي أنهم لا يصغون إلى عذلك لما بهم من ضلال العشق ثم ذكر قلة نفع لومه فقال:

    ليس يحيك الملام في هممٍ ... أقربها منك عنك أبعدها

    يقال أحاك فيه الشيء إذا اثر وقد يقال أيضا حاك يقول لا يؤثر لومك في هممٍ أقربها منك في تقديرك أبعدها عنك في الحقيقة أي الذي تظنه ينجع فيه لومك هو الأبعد عما تظن

    بيئسَ الليالي سهرتُ من طربي ... شوقاً إلى من يبيت يرقُدُها

    يذم الليالي التي لم ينم فيها لما أخذه من القلق وخفة الشوق إلى الحبيب الذي كان يرقد تلك الليالي يعني أنه كان ساليا لا يجد من أسباب امتناع الرقاد ما كنت أجده.

    أحييتها والدموعُ تنجدني ... شؤونها والظلام ينجدها

    أحياء الليل ترك النوم فيه يقال فلان يحيى الليل أي يسهر فيه وفلان يميت الليل أي ينام فيه وذلك أن النوم أخو الموت واليقظة أخت الحياة والانجاد الإعانتة والشؤون قبائل الرأس وهي مجاري الدموع يقول كان للدموع من الشؤون إمدادٌ ولليالي من الظلامٍ انجازٌ والمعنى أن تلك الليالي طالت وطال البكاء فيها ويجوز أن تعود الكناية في ينجدها إلى الشؤون وذلك أن من شأن الظلام أن يجمع الهموم على العاشق وفي اجتماعها عون للشؤون على تكثير وادرار البكاء يبين هذا قول الشاعر، يضم على الليل أطباق حبها، كما ضم أزرار القميصِ البنائقُ،

    لا ناقتي تقبل الرديف ولا ... بالسوط يوم الرهانِ أجهدها

    يقول ناقتي لا تقبل الرديف وهو الذي يرتدف خلف الراكب وإذا راهنت عليها لم أجدها بالسوط يقال جهدت الدابة وأجهدتها إذا طلبت أقصى ما عندها من السير واراد بالناقة نعله كما قال في موضع آخر، وحبيت من خوصِ الركاب بأسودٍ، من دارشٍ فغدوت أمشي راكبا، فجعل خفه كالمركوب وهذا المعنى من قول أبي نواس، إليك أبا العباس من بين من مشى، عليها أمتطينا الحضرمي الملسنا، قلائص لم تعرف حنينا على طلاً، ولم تدر ما قرعُ الفنيقِ ولا الهنا، ومثله قول الاخر، رواحلنا ستٌّ ونحن ثلاثةٌ، نجنبهن الماءَ في كل منهلِ لانه لا يخاض الماء بالنعل ومثل هذا ما قيل في بيت عنترة، فيكون مركبك القعود ورحلهُ، وابن النعامة يوم ذلك مركبي، وقيل ابن النعامة عروق في باطن القدم ومعناه أنه راكب أخمصه.

    شراكها كورها ومشفرها ... زمامها والشسوع مقودها

    شراكها بمنزلة الكور للناقة وأراد بالمشفر ما يقع على ظهر الرجل في مقدم الشراك فجعل ذلك بمنزلة الزمام للناقة والشسوع السيور التي تكون بين خلال الأصابع جلها بمنزلة المقود للناقة وهو الحبل الذي يقاد به سوى الزمام والزمام يكون في الانف

    أشدُّ عصفِ الرياحِ يسبقهُ ... تحتيّ مِنْ خطوبها تأيدها

    عصف الرياح شدة هبوبها ومن روى بضم العين فهو جمع عصوف يقال ريح عاصف وعصوف ومعنى تأيدها تأنيها وتلبثها ويقول أهون سير ناقتي يسبق أشد سير الريح وهذا في الحقيقة وصف لشدة عدو المتنبي منتعلاً والتأيد تفعل من الأيد وهو التقوى وليس المعنى على هذا وإنما أراد التفعل من الانئاد بمعنى الرفق والليل فلم يحسن بناء التفعل منه وحقه توؤدها.

    في مثل ظهر المجنِ متصلٍ ... بمثلِ بطن المجن قرددها

    القردد أرض فيها نجاد ووهاد وظهر المجن ناتىء وبطنه لاطيء فهو كالصعود والحدور وأراد يسبقه تأيدها في مفازةٍ مثل ظهر المجن متصلٍ قرددها بمثل بطن المجن أي أرضها الصلبة متصلةٌ بمفازةٍ أُخرى مثل بطن المجنّ.

    مرتمياتٍ بنا إلى ابن عبيد ... الله غيطانها وفدفدها

    مرتميات صفة لمحذوفٍ في البيت الذي تقدم على تقدير في مفازة مثل بطن المجنّ مرتميات بنا وجمع لفظ المرتميات حملاً على لفظ الغيطان كما قال، أيا ليلةً خرس الدجاج طويلةً، ببغداد ما كادت عن الصبح تنجلي، والوجه أن يقال خرساء الدجاج ولكنه حمل الخرس على لفظ الدجاج حين كانت جمع دجاجة ويجوز أن يقدر المحذوف على لفظ الجمع فيصبح مرتميات كأنه قال في مغاوزٍ مثل ظهر المجن مرتميات بنا أي هذه المفاوز ترمينا إلى الممدوح بقطعنا أياها بالسير فكأنها تلقينا إليها وارتفع الغيطان والفدفد بالمرتميات كما قلنا في نضيجة فوق خلبها يدها والفدفد الأرض البعيدة الغليظة المرتفعة.

    إلى فتًى يصدر الرماح وقد ... أنهلها في القلوب موردها

    إلى فتى بدلٌ من قوله إلى ابن عبيد الله وهو الممدوح يقول يصدر رماحه عن الحرب أي يرجعها ويردها وقد سقاها موضع ورودها في قلوب الأعداء دماءهم ويجوز أن يكون المورد بمعنى المصدر فيكون المعنى سقاها في القلوب ورودها أي أنها وردت قلوب الأعداء ومن روى بضم الميم أراد الممدوح أي هو الذي يوردها وهذا هو الأجود ليشاكل لفظ الاصدار.

    له أيادٍ إليّ سابقةٌ ... أُعدُّ منها ولا أعددها

    يقول له احسان عليّ ونعم سابقة متقدّمة ماضية ويروى سالفةٌ وإلى من صلة معنى الأيادي لا من صلة لفظها لأنه يقال لك عندي يدٌ ولا يقال لك إيّ يدٌ ولكن لما كان معنى الايادي الإحسان وصلها بإلى ويجوز أن يكون من صلة السبق أو السلوف قُدّم عليه وقوله أعد منها قال أبو الفتح أي أنا أحدها قال الجماز، لا تنتفني بعد أن رشتني، فإنني بعض أياديكا، ثم قال يريد أنه قد وهب له نفسه وهذا فاسدٌ لأنه ليس في البيت ما يدل على أنه خلصه من ورطة وأنقذه من بلية أو أعفاه عن قصاصٍ وجب عليه ولكنه يقول أنا غذيّ نعمته وربيب إحسانه فنفسي من جملة نعمه فإنا أعدّ منها ومن روى أعدّ منها كان المعنى أنه يعد بعض أياديه ولا يأتي على جميعها بالعد لكثرتها وهو قوله ولا أعددها وكان هذا من قوله تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها أي لا تعدوا جميعها من قوله تعالى وأحصى كل شيءٍ عددا

    يُعطى فلا مطلهُ يكدرها ... به ولا منه ينكدها

    تقدير معنى البيت يعطى فلا مطله بالايادي يكدرها أي أنه لا يمطل إذا وعد الاحسان ولا يمن بما يعطى وينكده أي ينغصه ويقلل خيره وكان يقال المنة تهدم الصنيعة ولهذا مدح الله سبحانه قوما فقال تعالى ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى وقال الشاعر، أفسدتَ المنِّ ما قدمت من حسنٍ، ليس الكريم إذا أعطى بمنانِ،

    خير قريشٍ أبا وأمجدها ... أكثرها نائلاً وأجودها

    يعني أن أباه أفضل قريش فهو خيرهم أبا لأنه ليس فيهم أحدٌ أبوه أفضل من أبي الممدوح وقريش اسم للقبيلة ولذلك كنى عنها بالتأنيث والنائل العطاء وأجودها يجوز أن يكون مبالغةً من الجود والجود الذي هو المطر والجودة أيضا.

    أطعنها بالقناةِ أضربها ... بالسيف جحجاحها مسودها

    ذكر القناة والسيف تأكيدا للكلام مع الطعن والضرب كما يقال مشيت برجلي وكلمته بفمي أو لأن الطعن والضرب يستعملان فيما لا يكون بالسيف والرمح كقولهم طعن في السن وضرب في الأرض والجحجاح السيد والمسود الذي قد سوده قومه

    أفرسها فارساً وأطولها ... باعاً ومغوارها وسيدها

    أي هو افرسها إذا ركب فرسه وكان فارسا وأكد الكلام بذكر الحال لأن أفرس يكون من الفرس والفراسة وطول الباع مما يمدح به الكرام ويقال فلانٌ طويلُ الباع إذا امتدت يده بالكرم ويقال للئيم ضيق الباع والمغوار الكثير الغارة.

    تاج لويِّ بنِ غالبٍ وبه ... سما لها فرعها ومحتدها

    لوي بن غالب أبو قريش هو لهم بمنزلة التاج به يتشرفون ويتزينون وبه علا فروعهم وأصولهم أي الأولاد والأباء والمحتد الأصل.

    شمسُ ضحاها هلالُ ليلتها ... درُّ تقاصيرها زبرجدها

    أي هو فيما بينهم كالشمس في النهار والهلال في الليل والدر والزبرجد في القلادة أي هو أفضلهم وأشهرهم وبه زينتهم وفخرهم والتقاصير جمع تقاصر وقال ابن جنى هو القلادة القصيرة وليس هذا من القصر إنما هو من القصرة وهي أصل العنق والتقصار ما يعلق على القصرة.

    يا ليتَ بي ضربةً أُتيح لها ... كما أُتيحت له محمدها

    كان هذا العلويّ قد أصابته ضربة على الوجه في بعض الحروب فقال ليت الضربة التي قدر لها محمدها يعني الممدوح كما قدرت الضربة له كانت بي أي ليتني فديته من تلك الضربة فوقعت بي دونه ويجوز أن يكون الممدوح أتاح وجهه للضربة حيث أقبل إلى الحرب وثبت حتى جرح فتمنى المتنبي رتبته في الشجاعة كأنه قال ليتني في رتبتك من الشجاعة والاناحة التقدير يقال اتاح الله له كذا أي قدر وأضاف محمدا إلى الضربة شارةً إلى أنها كسبته الحمدَ فأكثرت حتى صار هو محمد بها.

    أثر فيها وفي الحديد وما ... أثرَ في وجههِ مهندها

    قصد السيف والضربة إزهاق روحه وإهلاكه وقد ردهما عن قصدهما فهو تأثيره فيهما فقوله وما أثر في وجهه مهندها أي ما شأنه فلا أثر تأثيرا قبيحا لأن الضربة على الوجه شعارُ المقدام والعرب يفتخرون بالضربة في الوجه ألا ترى إلى قول الحصين، ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا، ولكن على أقدامنا تقطر الدما، والطعن والضرب في الظهر عندهم مسبة وفضيحة ولذلك قال جابر بن رالان، ولكنما يخزى أمرءٌ يكلم أسته، فتا قومِهِ إذا الرماحُ هوينا، والتهنيد شحذ الحديد سيف مهند أي مشحوذ.

    فاغتبطت إذ رأت تزينها ... بمثلهِ والجراح تحسدها

    يقول اغتبطت الضربة لما رأت تزينها بالممدوح حين حصلت على وجهه وحسدتها الجراح لأنها لم تصادف شرف محلّها والاغتباط يكون لازما ومتعديا ومعنى بمثله به والمثل صلةٌ تقول مثلي لا يفعل هذا أي أنا لا أفعله قال الشاعر، يا عاذلي دعني من عذلكما، مثلي لا يقبل من مثلكما، معناه أنا لا أقبل منك ومن هذا قوله تعالى ليس كمثله شيء

    وأيقن الناسُ أنَّ زارعها ... بالمكر في قلبه سيحصدها

    يشير إلى أن هذه الضربة أتته مماكرةً لا مجاهرةً ومعنى زارعها أن الضارب أودع قلبه من الغم بذرا وحصده إياها أخذه جزاءَ ذلك يقول علم الناس يقينا أن الذي ماكره بهذه الضربة زارعٌ سيحصد ما زرع أي يجازيه الممدوح جزاءَ ما فعل ويجوز أن تعود الكناية في قلبه على الزارع والمعنى سيحصد ما فعل في قلبه وتقديره إن زارعها في قلبه بالمكر أي أنه يجازيه بما فعل ضربةً في قلبه بقتله بها والضربة في القلب لا تخطىء القتل وفي على هذا من صلة الحصد ويجوز أن يكون من صلة المكر والمعنى أن زارعها بالمكر الذي أضمره في قلب نفسه.

    أصبح حسادهُ وانفسهمْ ... يحدرها خوفه ويصعدها

    الواو في وأنفسهم واو الحال يقول أصبح حساده وحال أنفسهم أن خوفه يهبطهم ويصعدهم أي أقلقهم خوفه حتى أقامهم وأقعدهم وحدرهم وأصعدهم فلا يستقرون خوفا منه وهذا كما قال: أبدى العداةُ بك السرور كأنهم، فرحوا وعندهم المقيم المقعدُ، ويقال حدرت الشيء ضد أصعدته وأحدرته لغةٌ.

    تبكى على الأنصل الغمودُ إذا ... أنذرها أنه يجردها

    يقول إذا أنذر العمود بتجريد السيوف بكت عليها لما ذكر فيما بعده وهو قول:

    لعلمها أنها تصير دماً ... وأنه في الرقاب يغمدها

    أي لعلم الغمود أنه يغمد السيوف في دماء الأعداء حتى تتلطخ بها وتصير كأنها دم لخفاء لونها بلون الدم وأنه يتخذ لها أغماداً من رقاب الأعداء أي أنها لا تعود إلى الغمود فلذلك تبكي عليها وهذا المعنى منقول من قول عنترة، وما يدري جرية أن نبلي، يكون جفيرها البطل النجيد، ومثل هذا في قول حسان، ونحن إذا ما عصتنا السيوف، جعلنا الجماجم أغمادها، وقول الجماني، منابرهن بطون الأكف، وأغمادهن رؤوس الملوك، ويقول ابن الرومي، كفى من العزِّ أن هزوا مناصلهم، فلم يكن غير هام الصيد أجفانا،

    أطلقها فالعدو من جزعٍ ... يذمها والصديق يحمدها

    اطلق الأنصل من الغمود فذمها العدو خوفا وجزعا منها وحمدها الصديق لحسن بلائها على العدو.

    تنقد النارُ من مضاربها ... وصب ماءِ الرقاب يخمدها

    أي أنها تصير إلى الأرض لشدة الضرب فتوري النار ويخمدها ما ينصب من الدماء عليها

    إذا أضلَّ الهمامُ مهجته ... يوماً فأطرافهن منشدُها معنى اضلال الهمام المهجة أن يقتل ولا يدري قاتله أي إنما تطلب مهجته من أطراف سيوفه لانها قواتل الملوك والمنشد موضع الطلب ويروي تنشدها أي أنها تطلب ثأر الملوك ويروى تنشدها والانشاد تعريف الضالة أي أن أطرافهن تعرفها وتقول عندي مهجةٌ فمن صاحبها ويروي فأطرافهن بالنصب وينشدها بالياء يعني الهمام يطلب مهجته في أطرافهن ونصب أطرافهن ينشد مؤخراً كما تقول زيدا ضربته

    قد أجمعت هذه الخليقة لي ... أنك يا ابن النبي أوحدها

    يقول اجمعت هذه الخليقة موافقةً لي أنك أوحدهم ويجوز أن يكون على التقديم والتأخير أي أوحدها لي أي أوحدها إحساناً إليّ وإفضالا عليّ ولا يكون في هذا كثير مدح ويجوز أن يكون المعنى أجمعت فقالت لي والقول يضمر كثيرا في الكلام والاول أوجه

    وأنك بالأمس كنتَ محتلما ... شيخ معدٍّ وأنتَ أمردها

    يريد أنك بالتشديد فخفف مع المضمر ضرورةً كما قال آخر، فلو أنك في يوم الرخاء سألتني، فراقك لم أبخل وأنتِ صديق، وإنما يحسن التخفيف مع المظهر كقول الشاعر، وصدرٍ مشرقِ النحرِ، كأن ثدييه حقانِ، لان الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها ويروى وأنت بالأمس على استئناف الكلام يقول بالأمس كنت في حال احتلامك ومرودتك شيخ معدّ فكيف بك اليوم مع علو السن وهذا في ضمن الكلام وفحوى الخطاب والواو في وأنت أمردها عطف على الحال يقول كنت شيخ معدّ محتلما.

    وكم وكم نعمةٍ مجللةٍ ... ربيتها كان منك مولدها

    الوجه أنه أراد بكم الخبر عن كثرة ما له من النعم عنده وإن أراد الاستفهام لم يجز في نعمة إلا النصب والمجللة المعظمة ومعنى ربيتها حافزت عليها بأن قرنتها بأمثالها وكان منك ابتداءها أي أنت ابتدأتني بالصنيعة ثم ربيتها ولم تكن واحدةً تنسَى على طول العهد.

    وكم وكم حاجةٍ سمحت لها ... أقرب منيّ إليّ موعدها

    سمحت بها أي بقضائها فحذف المضاف والمعنى قضيتها لي وكذلك قوله موعدها أي موعد قضائها وهذا اخبارٌ عن قصر الوعد وقربه من الإنجاز ولا شيءَ أقربُ إليك منك وإذا قرب موعد الانجاز صارت الحاجةُ مقضيةً عن قريب.

    ومكرماتٍ مشت على قدمِ ال ... بر إلي منزلي ترددها

    المكرمة ما يكرم به الإنسان من برّ ولطف واراد بها ههنا ثياباً أنفذها إليها لقوله أقر جلدي بها ومعنى على قدم البرّ أن حاملها إليه كان من جملة الهدية والبر ويجوز أن يريد مكرمات على أثر بر سابق ومعنى ترددها أي تعيدها إليّ وتكرّرها عليّ ويروي تردُّدها على المصدر

    أقرَّ جلدي بها عليّ فلا ... أقدرُ حتّى المماتِ أمجدُها

    اقرار الجلد بظهور ما عليه من الخلع واللباس للناظرين فكأنه باكتسائه بها ناطق مقرّ كما قال الناشىء الأكبر، ولو لم يبح بالشكرِ لفظي لخبرت، يميني بما أوليتني وشماليا،

    فعد بها لا عدمتها أبداً ... خيرُ صِلاتِ الكريم أعودها

    يقول أعد هذه المكرمات فإن خير ما وصل به الكريم أكثره عودا وقيل له وهو في المكتب ما أحسن هذه الوفرة فقال:

    لا تحسن الوفرةُ حتى ترى ... منشورةَ الضفرين يومَ القتال

    الناس يروون الشعرة والصحيح رواية من روى لا تحسن الوفرة هي الشعر التام على الرأس والضفر معناه الشدّ ويسمَى ما يشدّ على الرأس من الذوائب الضفائر ومن سماها الضفر فقد سمى بالمصدر يقول إنما يحسن الشعر يوم القتال إذا نشرت ذوائبه ويعني بهذا أنه شجاع صاحب حروب يستحسن شعره إذا انتشر على ظهره يوم القتال وكانوا يفعلون ذلك تهويلا للعدو.

    على فتًى معتقلٍ صعدةً ... يعلها من كل وافي السبال

    يقال اعتقل الرمح وتنكب القوس وتقلد السيف إذا حمد كلا منها حمل مثلها والصعدة الرمح القصير ومعنى يعلها يسقيها الدم مرةً بعد أخرى من كل رجل تام السبلة وهي ما استرسل من مقدم اللحية يقول إنما يحسن شعري إذا كنت على هذه الحالة.

    وقال في صباه وقد مر برجلين قد قتلا جرذا وابرزاه يعجبان الناس من كبره

    لقد أصبح الجرذُ المستغيرُ ... أسير المنايا صريع العطب

    المستغير الذي يطلب الغارة على ما في البيوت من المطعوم يقول أسرته المنايا وصرعه العطب والهلاك والجرذ جنس من الفأر.

    رماهُ الكنانيُّ والعامريُّ ... وتلاهُ للوجه فعل العربْ يقول رمى الجرذ حتى صاده هذان الرجلان اللذان احدهما من بني كنانة والآخر من بني عامر وصرعاه لوجهه كما تفعل العرب بالقتيل.

    كلا الرجلينِ أتلى قتلهُ ... فأيكما غل حر السلب

    يقول كلاهما تولى قتله أي اشتركتما في قتله فإيكما انفرج بسلبه وهو ما يسلب من ثياب المقتول وسلاحه وحرّة جيدة وغل أي خان وكل هذا استهزاءٌ بهما وكذلك قوله:

    وأيكما كان من خلفِهِ ... فإنّ به عضةً في الذنبْ

    وقال أيضا في صباه يهجو القاضي الذهبي

    لما نسبت فكنت ابناً لغير أبِ ... ثمَّ اختبرت فلم ترجع إلى أدبِ

    سميت بالذهبي اليوم تسميةً ... مشتقةً من ذهاب العقل لا الذهب

    هذا البيت جواب لما في البيت الأول يقول لما لم يعرف لك أبٌ ولم يكن لك أدبٌ تعرف به سميت اليوم بالذهبي أي أن هذه النسبة مستحدثةٌ لك ليست بمورثةٍ واشتقاقها من ذهاب العقل لا من الذهب أي إنما قيل لك الذهبي لذهاب عقلك لا لأنك منسوبِ إلى الذهب.

    ملقبٌ بك ما لقبتَ ويك به ... يا أيها اللقبُ الملقى على اللقب

    يقول ما لقبت به ملقبٌ بك أي أنت شين لقبك وأنت بنفسك عارٌ له فلقبك ملقًى على لقبٍ أي على عارٍ وخزيٍ ويقال ويلك وويبك ثم يخفف فيقال ويك ومثل هذا الكلام لا يستحسن ولا يستحق التفسير ولا يساوي الشرح ولو طرح أبو الطيب المتنبي شعر صباه من ديوانه كان أولى به وأكثر الناس لم يرو هاتين القطعتين.

    وقال أيضا يمدح إنسانا وأراد أن يستكشفه عن مذهبه

    كُفّي أراني ويكِ لومكِ ألوما ... هم أقام على فوادٍ أنجما

    يقول للعاذلة كفّي واتركي عذلي فقد أراني لومك ابلغ تأثيرا وأشد على هم مقيم على فواد راحل ذاهب مع الحبيب وذلك أن المحزون لا يطيق استماع الملام فهو يقول لومك اوجع في هذه الحالة فكفى ودعي اللوم وقال ابن جنى يقول أراني هذا الهم لومك أياي أحق بأن يلام منى وعلى ما قال الوم مبنى من الملوم وأفعل لا يبني من المفعول إلا شاذا وقال قوم الوم مع المليم وهو الذي استحق اللوم يقول لها اللهم أراني لومك ابلغ في الالامة واستحقاق اللوم وهذا في الشذوذ كما ذكره ابن جنى ويقال انجمت السماء إذا اقلعت عن المطر وانجم المطر أي أمسك ولا يقال أنجم الفواد ولا فواد مندم ولكنّه استعمله في مقابلة أقام على الصد ومعنى أراني عرفني واعلمني.

    وخيال جسمٍ لم يخل له الهوى ... لحماً فيخله السقام ولا دما

    نكر لجسمه الخيال ليدل به على دقته ونحوله فإن الخيال اسم لما يتخيل لك لا عن حقيقة وهو عطف على الهم في البيت الأول يقول لم يترك الهوى بجسمي محلا للسقم من لحم ودم فيعمل فيه.

    وخفوق قلبٍ لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لظننت فيه جهنما

    الخفوق والخفقان اضطراب القلب واللهيب ما التهب من النار ويريد بلهيب قلبه ما فيه من حرارة الشوق والوجد وعنى بالجنة الحبيبة يقول لها لو رأيت ما في قلبي من حر الشوق والوجد لظننت أن جهنم في قلبي وانتقل من خطاب العاذلة إلى خطاب الحبيبة والقصة واحدة وإن أراد بالعاذلة الحبيبة لم يكن انتقالا ولكن الحبيبة لا تعذل على الهوى ألا ترى إلى قول البحتري، عذلتنا في عشقها أم عمرو، هل سمعتم بالعاذل المعشوقِ،

    وإذا سحابة صد حبٍ أبرقت ... تركت حلاوة كل حبٍ علقما

    استعار للصدود سحابا يقول إذا ظهرت مخائل الصدود زالت حلاوة الحب فصارت علقما وهو شجر مر يقال هو شجر الحنظل وأبرقت السحابة أظهرت برقها.

    يا وجه داهية الذي لولاك ما ... أكل الضنا جسدي ورض الأعظما

    قال ابن جنى داهية اسم التي شبب بها وقال ابن فورجة ليست باسم علمٍ لها ولكن كنى بها عن اسمها على سبيل التضجر لعظيم ما حل به من بلائها أي انها لم تكن إلا داهيةً على والوجه قول ابن جنى لتركك صرفها في البيت ولو لم تكن علما لكان الوجه صرفها يقول لوجه الحبيبة لولاك ما تسلط الهزال على جسدي وما دق عظمي والرض الدق والكسر ورضاض كل شيءٍ دقاقه والمعنى ما ضعفت حتى كأني كسرتْ عظامي

    إن كان أغناها السلو فإنني ... أمسيتُ من كبدي ومنها معدما يقول أن كان السلو أغناها عني فليست تحتاج إلى وصلي فإني قد عدمتها وعدمت كبدي لأن هواها أحرقها فأنا معدم منها ومن الكبد أي أنها سالية عني وأنا فقير إليها وروي ابن جنى مصرما قال وهو كالمعسر والعرب تقول كلا ينجع منه كبد المصرم يقول إذا رآه المصرم وهو الذي لا مال له حزن أن لا يكون له مال فيرعاه فاوجعته كبده.

    غصنٌ على نقوى فلاةٍ نابتٌ ... شمسُ النهارِ تقل ليلا مظلما

    يصف الحبيبة يقول هي غصن يعني قامتها نابت على رملي فلاة يعني ردفيها والنقا الرمل يثني على نقوين ووجهها شمس النهار تحمل من شعرها ليلا مظلما والاقلال حمل الشيء يقال أقل الشيء إذا حمله.

    لم تجمع الأضدادُ في متشابهٍ ... إلا لتجعلني لغرمي مغنما

    يعني بالاضداد ما ذكر من دقة قامتها وثقل ردفيها وبياض وجهها وسواد شعرها وهي على تضادها مجموعة متشابهة الحسن يقول لم تجمع هذه الاوصاف المتضادة في شخصٍ تماثل حسنه إلا لتجعلني هذه الاضداد غنما لغرمي أي لما لزمني من عشقها وهواها والمعنى إلا لتستعبدني وترتهن قلبي ويروى لم تجمع الاضداد على اسناد الفعل إلى الحبيبة.

    كصفاتِ أوحدنا أبي الفضل التي ... بهرت فانطق واصفيهِ فافحما

    شبه الاضداد بصفات الممدوح من كونه مُرًّا على الاعداء حلوا للاولياء وطلقا عند الندى جهما عند اللقاء وما اشبه هذه وبهرت وغلبت بظهورها كالشمس تبهر النجوم يعني أنها غلبت الواصفين فلم يقدروا على وصفها فانطق واصفيه لأنهم راموا وصفه ووصف محاسنه ثم أفحمهم بعجزهم عن ادراكه والمفحم الذي لا يقول الشعر والإفحام ضد الإنطاق ويجوز أن يكون التشبيه في الصفات للجمع أي لجمع صفات الممدوح.

    يعطيك مبتدئا فإن أعجلته ... أعطاك معتذرا كمن قد أجرما

    التعظم أظهار العظمة وضده التواضع وهو أن يظهر الضعة من نفسه ووضع أبو الطيب التواضع موضع الضعة والخساسة كما وضع التعظم موضع العظمة يقول يرى شرفه وارتفاع رتبته في تواضعه واتضاعها في تكبره والمعنى يرى العظمة في أن يتواضع ويرى الضعة في أن يتعظم أي فليس يتعظم.

    نصر الفعال على المطال كأنما ... خال السؤال على النوال محرما

    الفعال بفتح الفاء يستعمل في الفعل الجميل والمطال المماطلة وهي المجافعة ولو روى المقال كان أحسن ليكون في مقابلة الفعال يقول نصر فعله على القول وعطاءه على المطل أي يعطى ولا يعد ولا يماطل كأنه ظن أن السؤال حرام على النوال ولا يحوج إلى السؤال بل يسبق بنواله السؤال وهذا مجازٌ وتوسع لن النوال لا يوصف بأنه يحرم عليه شيءٌ ولكنه أراد أن يذكر تباعده عن الانجاء إلى السؤال.

    يا ايها الملك المصفى جوهراً ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سما

    يريد بالجوهر الاصل والنفس وذت ذي الملكوت هو الله تعالى يقول أيها الملك الذي خلص جهوراً أي اصلا ونفسا من عند الله أي الله تعالى تولى تصفية جوهره لا غيره فهو جوهر مصفى من عند الله تعالى وهذا مدح يوجب الوهم والفاظٌ مستكرهة في مدح البشر وذلك أنه أراد أن يستكشف الممدوح عن مذهبه حتى إذا رضى بهذا فقد علم أنه ردي المذهب وإن أنكر علم أنه حسن الاعتقاد وأسمى من سما من صفات ذي الملكوت وابن جنى يجعله للممدوح لأنه قال هو منادي كأنه قال يا أعلى من علا قال ويجوز أن يكون موضعه رفعا كأنه قال أنت أعلى من علا.

    نور تظاهر فيك لاهوتيه ... فتكاد تعلم علم ما لم يعلما

    تظاهر وظهر بمعنى ويجوز أن يكون بمعنى تعاون أي أعلن بعضه بعضا ولاهوتيه الهيه وهذه لغة عبرانية يقولون لله تعالى لاهوت وللأنسان ناسوت يقول قد ظهر فيك نور الهي تكاد تعلم به الغيب الذي لايعلمه أحد إلا الله عز وجلّ وقال ابن جنى نصب لاهوتية على المصدر ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في تظاهر وهذا خطا في الرواية واللفظ لأن النور فظ مذكر ولا تؤنث صفته.

    ويهم فيك إذا نطقت فصاحةً ... من كل عضوٍ منك أن يتكلما

    أي ويهم ذلك النور الآلهي لظهوره أن يتكلم وينطق من كل عضو من أعضائك بخلاف سائر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1