Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الخصائص
الخصائص
الخصائص
Ebook677 pages5 hours

الخصائص

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب الخصائص هو أحد أشهر الكتب التي كتبت في فقه اللغة وفلسفتها، وأسرار العربية ووقائعها، قام بتأليفه ابن جني، الذي يقول في مقدمة كتابه عنه: «كتاب لم أزل على فارط الحال، وتقادم الوقت، ملاحظا له، عاكف الفكر عليه، منجذب الرأي والروية إليه وأدا أن أجد مهملا أقيله به، أو خللا أرتقه بعمله، والوقت يزداد بنواديه ضيقا، ولا ينهج إلى الابتداء طريقا، هذا مع إعظامي له، وإعصامي بالأسباب المناطة به، واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب، وأذهبه في طريق القياس والنظر.. وأجمعه للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة...». ويعد الكتاب أهم كتب ابن جني إذ فتق اللغة العربية فيه تفتيقًا.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 17, 1900
ISBN9786499024642
الخصائص

Read more from ابن جني

Related to الخصائص

Related ebooks

Reviews for الخصائص

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الخصائص - ابن جني

    الغلاف

    الخصائص

    الجزء 2

    ابن جِنِّي

    322

    كتاب الخصائص هو أحد أشهر الكتب التي كتبت في فقه اللغة وفلسفتها، وأسرار العربية ووقائعها، قام بتأليفه ابن جني، الذي يقول في مقدمة كتابه عنه: «كتاب لم أزل على فارط الحال، وتقادم الوقت، ملاحظا له، عاكف الفكر عليه، منجذب الرأي والروية إليه وأدا أن أجد مهملا أقيله به، أو خللا أرتقه بعمله، والوقت يزداد بنواديه ضيقا، ولا ينهج إلى الابتداء طريقا، هذا مع إعظامي له، وإعصامي بالأسباب المناطة به، واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب، وأذهبه في طريق القياس والنظر.. وأجمعه للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة...». ويعد الكتاب أهم كتب ابن جني إذ فتق اللغة العربية فيه تفتيقًا.

    تعليق الأعلام على المعاني

    باب في تعليق الأعلام على المعاني دون الأعيان

    هذا باب من العربية غريب الحديث، أراناه أبو علي، رحمه الله تعالى. وقد كنت شرحت حاله في صدر تفسيري أسماء شعراء الحماسة بما فيه مقنع ؛إلا أنا أردنا ألا نخلي كتابنا هذا منه لإغرابه، وحسن التنبيه عليه .اعلم أن الأعلام أكثر وقوعها في كلامهم إنما هو على الأعيان دون المعاني. الأعيان هي الأشخاص ؛نحو: زيد، وجعفر، وأبي محمد، وأبي القاسم، وعبد الله، وذي النون، وذي يزن، وأعوج، وسبل، والوجيه، ولاحق، وعلوي، وعتوة، والجديل، وشدقم وعمان، ونجران، والحجاز، والعراق، والنجم، والدبران، الثريا، وبرقع، والجرباء. ومنه محوة للشمال ؛لأنها على كل حال جسم، وإن لم تكن مرئية .وكما جاءت الأعلام في الأعيان، فكذلك أيضاً قد جاءت في المعاني ؛نحو قوله:

    أقول لما جاءني فخره ........ سبحان من علقمة الفاخر

    فسبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه، بمنزلة عثمان، وحمران .ومنه قوله:

    وإن قال غاو من تنوخ قصيدة ........ بها جرب عدت علي بزوبرا

    سألت أبا علي عن ترك صرف زوبر فقال: علقه علما على القصيدة، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث ؛كما اجتمع في سبحان التعريف والألف والنون .ومنه - فيما ذكره أبو علي - ما حكاه أبو زيد من قولهم: كان ذلك الفينة، وفينة، وندرى، والندرى. فهذا مما اعتقب عليه تعريفان: العلمية، والألف واللام. وهو كقولك: شعوب، والشعوب للمنية. وعروبة والعروبة. كما أن الأول كقولك: في الفرط والحين. ومثله غدوة جعلوها علما للوقت. وكذلك أعلام الزمان، نحو صفر ورجب، وبقية الشهور، وأول وأهون وجبار، وبقية تلك الأسماء .ومنه أسماء الأعداد، كقولك: ثلاثة نصف ستة، وثمانية ضعف أربعة، إذا أردت قدر العدد لا نفس المعدود، فصار هذا اللفظ علما لهذا المعنى .ومنه ما أنشده صاحب الكتاب من قوله:

    أنا اقتسمنا خُطَّتينا بيننا ........ فحملت برة واحتملت فجار

    فبرة اسم علم لمعنى البر، فلذلك لم يصرف للتعريف والتأنيث. وعن مثله عدل فجار، أي عن فجرة. وهي علم غير مصروف ؛كما أن برة كذلك. وقول سيبويه: إنها معدولة عن الفجرة تفسير على طريق المعنى، لا على طريق اللفظ. وذلك أنه أراد أن يعرف أنه معدول عن فجرة علماً، ولم تستعمل تلك علماً فيريك ذلك، فعدل عن لفظ العلمية المراد إلى لفظ التعريف فيها المعتاد. وكذلك لو عدلت عن برة هذه لقلت: برار ؛كما قال: فجار. وشاهد ذلك أنهم عدلوا حذام وقطام عن حاذمة وقاطمة، وهما عَلَمان ؛فكذلك يجب أن تكون فَجَارِ معدولة عن فَفْرَة علماً أيضاً .ومن الأعلام المعلقة على المعاني ما استعمله النحويون في عباراتهم من المثل المقابل بها الممثلات ؛نحو قولهم: أفعل إذا أرادت به الوصف وله فعلاء لم تصرف. فلا تصرف أنت أفعل هذه ؛من حيث صارت علماً لهذا المثال ؛نحو أحمر، وأصفر، وأسود، وأبيض. فتجري أفعل هذا مجرى أحمد، وأصرم علمين. وتقول فاعلة لا تنصرف معرفة، وتنصرف نكرة. فلا تصرف فاعلة ؛لأنها علم لهذا الوزن، فجرت مجرى فاطمة وعاتكة. وتقول: فعلان إذا كانت له فَعْلَى فإنه لا ينصرف معرفة ولا نكرة. فلا تصرف فعلان هذا ؛لأنه عَلَم لهذا الوزن، بمنزلة حَمْدان، وقحطان. وتقول: وزن طلحة فَعْلة، ومثال عَبَيْثُرَان فَعَيْلُلان، ومثال إسحارّ إفعالّ، ووزن إستبرق إستفعل، ووزن طريفة فعيلة. وكذلك جميع ما جاء من هذا الطرز. وتقول: وزن إبراهيم فعلاليل فتصرف هذا المثال، لأنه لا مانع له من الصرف ؛ألا ترى أنه ليس فيه أكثر من التعريف، والسبب الواحد لا يمنع الصرف. ولا تصرف إبراهيم للتعريف والعجمة. وكذلك وزن جبرئيل فعلئيل فلا تصرف جبرئيل، وتصرف مثاله. والهمزة فيه زائدة ؛لقولهم: جبريل. وتقول: مثال جعفر فعلل فتصرفهما جميعاً ؛لأنه ليس في كل واحد منهما أكثر من التعريف. وقد يجوز إذا قيل لك ما مثال أَفْكَلٍ أن تقول: مثاله أفعلٍ فتصرفه حكاية لصرف أفكلٍ ؛كما جررته حكاية لجره ؛ألا تراك إذا قيل لك: ما مثال ضرب، قلت: فُعِل، فتحكى في المثال بناء ضرب، فتبنيه كما بنيت مثال المبنى، كذلك حكيت إعراب أفكلٍ وتنوينه فقلت في جواب ما مثال أفكلٍ: مثاله أفعلٍ، فجررت كما صرفت. فاعرف ذلك .ومن ذلك قولهم: قد صرجت بِجدّانَ، وجلدانَ. فهذا علم لمعنى الجِدّ. ومنه قولهم: أتى على ذي بليان. فهذا علم للبعد ؛قال:

    تنام ويذهب الأقوامُ حتى ........ يقالَ أتوا على ذي بِليَّان

    فإن قلت: ولم قلت الأعلام في المعاني، وكثرت في الأعيان ؛نحو زيد، وجعفر، وجميع ما علق عليه علم وهو شخص ؟قيل: لأن الأعيان أظهر للحاسة، وأبدى إلى المشاهدة، فكانت أشبه بالعلمية مما لا يرى ولا يشاهد حساً، وإنما يعلم تأملاً واستدلالاً، وليست كمعلوم الضرورة للمشاهدة .^

    الشيء يرد مع نظيره

    باب في الشيء يرد مع نظيره مورده مع نقيضه

    وذلك أضربمنها اجتماع المذكر والمؤنث في الصفة المؤنثة ؛نحو رجل علامة، وامرأة علامة، ورجل نسابة، وامرأة نسابة، ورجل همزة لمزة، وامرأة همزة لُمَزة، ورجل صرورة، وفروقة، وامرأة صرورة، وفروقة، ورجل هلباجة فقاقة، وامرأة كذلك. وهو كثير .وذلك أن الهاء في نحو ذلك لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هي فيه، وإنما لحقت لإعلام المسامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية، فجعل تأنيث الصفة أمارة لما أريد من تأنيث الغاية والمبالغة، وسواء كان ذلك الموصوف بتلك الصفة مذكراً أم مؤنثاً. يدل على ذلك أن الهاء لو كانت في نحو امرأة فروقة إنما لحقت لأن المرأة مؤنثة لوجب أن تحذف في المذكر، فيقال: رجل فروق ؛كما أن التاء في نحو امرأة قائمة، وظريفة لما لحقت لتأنيث الموصوف حذفت مع تذكيره في نحو رجل ظريف، وقائم، وكريم. وهذا واضح .ونحو من تأنيث هذه الصفة لا يعلم أنها بلغت المعنى الذي هو مؤنث أيضاً تصحيحهم العين في نحو حول، وصيد، واعتونوا واجتوروا، إيذاناً بأن ذلك في معنى ما لا بد من تصحيحه. وهو احول، واصيد، وتعاونوا، وتجاوروا، وكما كررت الألفاظ لتكرير المعاني ؛نحو الزلزلة، والصلصلة والصرصرة. وهذا باب واسع .ومنها اجتماع المذكر والمؤنث في الصفة المذكرة. وذلك نحو رجل خصم، وامرأة خصم، ورجل عدل، وامرأة عدل، ورجل ضيف، وامرأة ضيف، ورجل رضا، وامرأة رضاً. وكذلك ما فوق الواحد ؛نحو رجلين رضا، وعدل، وقوم رضا، وعدل ؛قال زهير:

    متى يشتجر قوم يقل سرواتهم ........ هم بيننا فهم رضاً وهم عدلُ

    وسبب اجتماعهما هنا في هذه الصفة أن التذكير إنما أتاها من قبل المصدرية ؛فإذا قيل: رجل عدل فكأنه وصف بجميع الجنس مبالغة ؛كما تقول: استولى على الفضل، وحاز جميع الرياسة والنبل، ولم يترك لأحد نصيباً في الكرم والجود، ونحو ذلك. فوصف بالجنس أجمع ؛تمكيناً لهذا الموضع، وتوكيداً .وقد ظهر منهم ما يؤيد هذا المعنى ويشهد به. وذلك نحو قوله: - أنشدناه أبو علي -:

    ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ........ وضنت علينا والضنين من البخل

    فهذا كقولك: هو مجبول من الكرم، ومطين من الخير، وهي مخلوقة من البخل. وهذا أوفق معنى من أن تحمله على القلب، وأنه يريد به: والبخل من الضنين ؛لأن فيه من الإعظام والمبالغة ما ليس في القلب .ومنه ما أنشدناه أيضاً من قوله:

    وهن من الإخلاف قبلك والمطل

    وقوله:

    وهن من الإخلاف والولعان

    وأقوى التأويلين في قولها:

    فإنما هي إقبال وإدبار

    أن يكون من هذا، أي كأنها مخلوقة من الإقبال والإدبار، لا على أن يكون من باب حذف المضاف، أي ذات إقبال وذات إدبار. ويكفيك من هذا كله قول الله عز وجل 'خلق الإنسان من عجل' وذلك لكثرة فعله إياه، واعتياده له. وهذا أقوى معنى من أن يكون أراد: خلق العجل من الإنسان ؛لأنه أمر قد اطرد واتسع، فحمله على القلب يبعد في الصنعة، ويصغر المعنى. وكأن هذا الموضع لما خفي على بعضهم قال في تأويله: إن العَجَل هنا الطين. ولعمري إنه في اللغة كما ذكر ؛غير أنه في هذا الموضع لا يراد به إلا نفس العجلة والسرعة ؛ألا تراه عز اسمه كيف قال عقبه 'سأريكم آياتي فلا تستعجلون' فنظيره قوله تعالى 'وخلق الإنسان عجولاً'، 'وخلق الإنسان ضعيفاً' ؛لأن العجلة ضرب من الضعف ؛لما تؤذن به من الضرورة والحاجة .فلما كان الغرض في قولهم: رجل عدل، وامرأة عدل إنما هو إرادة المصدر والجنس جعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكر .فإن قلت: فإن نفس لفظ المصدر قد جاء مؤنثاً ؛نحو الزيادة، والعبادة، والضئولة، والجهومة، والمحمية، والموجدة، والطلاقة، والسباطة. وهو كثير جداً. فإذا كان نفس المصدر قد جاء مؤنثاً، فما هو في معناه، ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه .قيل: الأصل لقوته أحمل لهذا المعنى، من الفرع لضعفه. وذلك أن الزيادة، والعبادة، والجهومة، والطلاقة، ونحو ذلك مصادر غير مشكوك فيها، فلحاق التاء لها لا يخرجها عما ثبت في النفس من مصدريتها. وليس كذلك الصفة ؛لأنه اليست في الحقيقة مصدراً ؛وإنما هي متأولة عليه، ومردودة بالصنعة إليه. فلو قيل: رجل عدل، وامرأة عدلة - وقد جرت صفة كما ترى - لم يؤمن أن يظن بها أنها صفة حقيقية ؛كصُعْبة من صعب، وندبة من ندب، وفخمة من فخم، ورطبة من رطب. فلم يكن فيها من قوة الدلالة على المصدرية ما في نفس المصدر ؛نحو الجهومة، والشهومة، والطلاقة، والخلاقة. فالأصول لقوتها يتصرف فيها، والفروع لضعفها يتوقف بها، ويقصر عن بعض ما تسوغه القوة لأصولها .فإن قلت: فقد قالوا: رجل عدل، وامرأة عدلة، وفرس طوعة القياد، وقال أمية - أنشدناه -:

    والحية الحتفة الرقشاء أخرجها ........ من بيتها آمنات الله والكلم

    قيل: هذا مما خرج على صورة الصفة ؛لأنهم لم يؤثروا أن يبعدوا كل البعد عن أصل الوصف الذي بابه أن يقع الفرق فيه بين مذكره ومؤنثه، فجرى هذا في حفظ الأصول، والتلفت إليها، للمباقاة لها، والتنبيه عليها، مجرى إخراج بعض المعتل على أصله ؛نحو استحوذ، وضننوا - وقد تقدم ذكره - ومجرى إعمال صغته وعدته، وإن كان قد نقل إلى فَعُلت لما كان أصله فَعَلت. وعلى ذلك أنث بعضهم فقال: خصمة، وضيفة ؛وجمع، فقال:

    يا عين هلا بكيت أربد إذ ........ قمنا وقام الخصوم في كبد

    وعليه قول الآخر:

    إذا نزل الأضياف كان عذوراً ........ على الحي حتى تستقل مراجله

    الأضياف هنا بلفظ القلة ومعناها أيضاً ؛وليس كقوله:

    وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

    في أن المراد به معنى الكثرة. وذلك أمدح ؛لأنه إذا قرى الأضياف وهم قليل بمراجل الحي أجمع، فما ظنك به لو نزل به الضيفان الكثيرون !فإن قيل: فلم أنث المصدر أصلاً ؟وما الذي سوغ التأنيث فيه مع معنى العموم والجنس، وكلاهما إلى التذكير، حتى احتجت إلى الاعتذار له بقولك: إنه أصل، وإن الأصول تحمل ما لا تحمله الفروع ؟.قيل: علة جواز تأنيث المصدر مع ما ذكرته من وجوب تذكيره أن المصادر أجناس للمعاني، كما غيرها أجناس للأعيان ؛نحو رجل، وفرس، وغلام، ودار، وبستان. فكما أن أسماء أجناس الأعيان قد تأتى مؤنثة الألفاظ، ولا حقيقة تأنيث في معناها ؛نحو غرفة، ومشرقة، وعلية، ومروحة، ومِقْرَمَة ؛وكذلك جاءت أيضاً أجناس المعاني مؤنثاً بعضها لفظاً لا معنى. وذلك نحو المحمدة، والموجدة، والرشاقة، والجباسة، والضئولة، والجهومة .نعم، وإذا جاز تأنيث المصدر وهو على مصدريته غير موصوف به، لم يكن تأنيثه وجمعه، وقد ورج وصفاً على المحل الذي من عادته أن يفرق فيه بين مذكره ومؤنثه، وواحده وجماعته، قبيحاً ولا مستكرها ؛أعني ضيفة وخصمة، وأضيافاً وخصوماً ؛وإن كان التذكير والإفراد أقوى في اللغة، وأعلى في الصنعة ؛قال الله تعالى: 'وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب' .وإنما كان التذكير والإفراد أقوى من قبل أنك لما وصفت بالمصدر أردت المبالغة بذلك، فكان من تمام المعنى وكماله أن تؤكد ذلك بترك التأنيث والجمع ؛كما يجب للمصدر في أول أحواله ؛ألا ترى أنك إذا أنثت وجمعت سلكت به مذهب الصفة الحقيقة التي لا معنى للمبالغة فيها، نحو قائمة، ومنطلقة، وضاربات، ومكرمات. فكان ذلك يكون نقضا للغرض، أو كالنقض له. فلذلك قل حتى وقع الاعتذار لما جاء منه مؤنثاً أو مجموعاً .ومما جاء من المصادر مجموعا ومعملا أيضاً قوله:

    مواعيد عرقوب أخاه بيثرب

    وبيتربومنه عندي قولهم: تركته بملاحس البقر أولادها. فالملاحس جمع ملحس ؛ولا يخلو أن يكون مكاناً، أو مصدرا، فلا يجوز أن يكون هنا مكاناً ؛لأنه قد عمل في الأولاد فنصبها، والمكان لا يعمل في المفعول به، كما أن الزمان لا يعمل فيه. وإذا كان الأمر على ما ذكرنا، كان المضاف هنا محذوفاً مقدراً، وكأنه قال: تركته بمكان ملاحس البقر أولادها ؛كما أن قوله:

    وما هي إلا في إزار وعلقة ........ مغار ابن همام على حي خثعما

    محذوف المضاف، أي وقت إغارة ابن همام على حي خثعم ؛ألا تراه قد عداه إلى على في قوله على حي خثعما. فملاحس البقر إذاً مصدر مجموع معمل في المفعول به ؛كما أن مواعيد عرقوب أخاه بيثرب كذلك. وهو غريب. وكان أبو علي رحمه الله يورد مواعيد عرقوب مورد الطريف المتعجب منه .فأما قوله:

    قد جربوه فما زادت تجاربهم ........ أبا قدامة إلا المجد والفنعا

    فقد يجوز أن يكون من هذا. وقد يجوز أن يكون أبا قدامة منصوباً بزادت أي فما زادت أبا قدامة تجاربهم إياه إلا المجد. والوجه أن ينصب بتجاربهم ؛لأنه العامل الأقرب، ولأنه لو أراد إعمال الأول لكان حرى أن يعمل الثاني أيضاً، فيقول: فما زادت تجاربهم إياه أبا قدامة إلا كذا ؛كما تقول: ضربت فأوجعته زيدا، وتضعف ضربت فأوجعت زيدا على إعمال الأول. وذلك أنك إذا كنت تعمل الأول على بعده، وجب إعمال الثاني أيضاً لقربه ؛لأنه لا يكون الأبعد أقوى حالاً من الأقرب .فإن قلت: أكتفي بمفعول العامل الأول من مفعول العامل الثاني ؛قيل لك: فإذا كنت مكتفياً مختصراً فاكتفاؤك بإعمال الثاني الأقرب أولى من اكتفائك بإعمال الأول الأبعد. وليس لك في هذا مالك في الفاعل، لأنك تقول: لا أضمر على غير تقدم ذكر إلا مستكرها، فتعمل الأول فتقول قام وقعدا أخواك. فأما المفعول فمنه بد، فلا ينبغي أن تتباعد بالعمل إليه، وتترك ما هو أقرب إلى المعمول فيه منه .ومن ذلك فرس وساعٌ الذكر والأنثى فيه سواء، وفرس جواد، وناقة ضامر، وجمل ضامر، وناقة بازل، وجمل بازل، وهو لباب قومه، وهي لباب قومها، وهم لباب قومهم ؛قال جرير:

    تدري فوق متنيها قرونا ........ على بشر وآنسة لباب

    وقال ذو الرمة:

    سبحلا أبا شرخين أحيا بناته ........ مقاليتها فهي اللباب الحبائس

    فأما ناقة هجان، ونوق هجان، ودرع دلاص، وأدرع دلاص فليس من هذا الباب ؛فإن فعالا منه في الجمع تكسير فعال في الواحد. وقد تقدم ذكر ذلك في باب ما اتفق لفظه واختلف تقديره .^

    ورود الوفاق مع وجود الخلاف

    باب في ورود الوفاق مع وجود الخلاف

    هذا الباب ينفصل من الذي قبله بأن ذلك تبع فيه اللفظ ما ليس وفقاً له ؛نحو رجل نسابة، وامرأة عدل وهذا الباب الذي نحن فيه ليس بلفظ تبع لفظاً، بل هو قائم برأسه. وذلك قولهم: غاض الماء، وغضته ؛سووا فيه بين المتعدى وغير المتعدى. ومثله جبرت يده، وجبرتها، وعمر المنزل، وغمرته، وسار الدابة، وسرته، ودان الرجل ودنته، من الدين في معنى أدنته - وعليه جاء مديون في لغة التميميين -، وهلك الشيء وهلكته ؛قال العجاج:

    ومهمه هالك من تعرجا

    فيه قولان: أحدهما أن هالكاً بمعنى مهلك، أي مهلك من تعرج فيه. والآخر: ومهمه هالك المتعرجين فيه ؛كقولك: هذا رجل حسن الوجه، فوضع من موضع الألف واللام. ومثله هبط الشيء وهبطته ؛قال:

    ما راعني إلا جناح هابطاً ........ على البيوت قوطه العلابطا

    أي مهبطاً قوطه. وقد يجوز أن يكون أراد: هابطاً بقوطه، فلما حذف حرف الجر نصب بالفعل ضرورة. والأول أقوى .فأما قول الله سبحانه 'وإن منها لما يهبط من خشية الله' فأجود القولين فيه أن يكون معناه: وإن منها لما يهبط من نظر إليه لخشية الله. وذلك أن الإنسان إذا فكر في عظم هذه المخلوقات تضاءل وتخشع، وهبطت نفسه ؛لعظم ما شاهد. فنسب الفعل إلى تلك الحجارة، لما كان السقوط والخشوع مسبباً عنها، وحادثاً لأجل النظر إليها ؛كقول الله سبحانه 'وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى' وأنشدوا بيت الآخر:

    فاذكر موقفي إذا التقت الخي _ ل وسارت إلى الرجال الرجالا

    أي وسارت الخيل الرجال إلى الرجال .وقد يجوز أن يكون أراد: وسارت إلى الرجال بالرجال، فحذف حرف الجر، فنصب. والأول أقوى. وقال خالد بن زهير:

    فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها ........ فأول راض سيرة من يسيرها

    ورجنت الدابة بالمكان إذا أقامت فيه، ورجنتها، وعاب الشيء وعبته، وهجمت على القوم، وهجمت غيري عليهم أيضاً، وعفا الشيء: كثر، وعفوته: كثرته، وفغر فاه، وفغر فوه، وشحا فاه، وشحا فوه، وعثمت يده، وعثمتها أي جبرتها على غير استواء، ومد النهر، ومددته ؛قال الله عز وجل 'والبحر يمده من بعده سبعة أبحر' وقال الشاعر:

    ماء خليج مده خليجان

    وسرحت الماشية، وسرحتها، وزاد الشيء، وزدته، وذرا الشيء وذروته: طيرته، وخسف المكان، وخسفه الله، ودلع اللسان ودلعته، وهاج القوم، وهجتهم، وطاخ الرجل وطخته، أي لطخته بالقبيح في معنى أطخته ووفر الشيء ووفرته. وقال الأصمعي: رفع البعير ورفعته - في السير المرفوع - وقالوا: نفى الشيء ونفيته، أي أبعدته ؛قال القطامي:

    فأصبح جاراكم قتيلاً ونافيا

    ونحوه نكرت البئر ونكرتها أي أقللت ماءها، ونزفت ونزفتها .فهذا كله شاذ عن القياس وإن كان مطرداً في الاستعمال ؛إلا أن له عندي وجهاً لأجله جاز. وهو أن كل فاعل غير القديم سبحانه فإنما الفعل منه شيء أعيره وأعطيه وأقدر عليه، فهو وإن كان فاعلاً فإنه لما كان معاناً مقدراً صار كأن فعله لغيره ؛ألا ترى إلى قوله سبحانه 'وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى' نعم، وقد قال بعض الناس: إن الفعل لله وإن العبد مكتسبه، وإن كان هذا خطأ عندنا فإنه قول لقوم. فلما كان قولهم: غاض الماء أن غيره أغاضه وإن جرى لفظ الفعل له، تجاوزت العرب ذلك إلى أن أظهرت هناك فعلاً بلفظ الأول متعدياً ؛لأنه قد كان فاعله في وقت فعله إياه إنما هو مشاء إليه، أو معان عليه. فخرج اللفظان لما ذكرنا خروجاً واحداً. فاعرفه .^

    نقض العادة

    باب في نقض العادة

    المعتاد المألوف في اللغة أنه إذا كان فعل غير متعد كان أفعل متعدياً ؛لأن هذه الهمزة كثيراً ما تجيء للتعدية. وذلك نحو قام زيد، وأقمت زيداً، وقعد بكر، وأقعدت بكراً. فإن كان فعل متعدياً إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعدياً إلى اثنين ؛نحو طعم زيد خبزاً، وأطعمته خبزاً، وعطا بكر درهماً، وأعطيته درهماً .فأما كسى زيد ثوباً، وكسوته ثوباً، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال ؛ألا تراه نقل من فعل إلى فعل. وإما جاز نقله بفعل لما كان فعل وأفعل كثيراً ما يعتقبان على المعنى الواحد ؛نحو جد في الأمر، وأجد، وصددته عن كذا، وأصددته، وقصر عن الشيء وأقصر، وسحته الله وأسحته، ونحو ذلك. فلما كان فعل وأفعل على ما ذكرنا: من الاعتقاب والتعاوض، ونقل بأفعل، نقل أيضاً فَعِل وأفعل على ما ذكرنا: من الاعتقاب والتعاوض، ونقل بأفعل، نقل أيضاً فَعِل بفَعَل ؛نحو كسى وكسوته، وشترِت عينه وشترها، وعارت وعرتها، ونحو ذلك .هذا هو الحديث: أن تنقل بالهمز فيحدث النقل تعدياً لم يكن قبله. غير أن ضرباً من اللغة جاءت فيه هذه القضية معكوسة مخالفة ؛فتجد فعل فيها متعدياً، وأفعل غير متعد .وذلك قولهم: أجفل الظليم، وجفلته الريح، وأشنق البعير إذا رفع رأسه، وشنقته، وأنزف البئر إذا ذهب ماؤها، ونزفتها، وأقشع الغيم، وقشعته الريح، وأنس ريش الطائر، ونسلته، وأمرت الناقة إذا در لبنها ومَرَيتها .ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها، ولوت ذنبها، وصر الفرس أذنه، وأصر بأذنه، وكبه الله على وجهه، وأكب هو، وعلوت الوسادة، وأعليت عنها .فهذا نقض عادة الاستعمال ؛لأن فعلت فيه متعد، وأفعلت غير متعد .وعلة ذلك عني أنه جعل تعدي فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدي ؛نحو جلس وأجلسته، ونهض وأنهضته ؛كما جعل قلب الياء واواً في التقوى والرعوى والثنوى والفتوى عوضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها ؛وكما جعل لزوم الضرب الأول من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تماماً أو مخبوناً، بل توبعت فيه الحركات الثلاث البتة تعويضاً للضرب من كثرة السواكن فيه ؛نحو مفعولن ومفعولان ومستفعلان ونحو ذلك ما التقى في آخره من الضروب ساكنان .ونحو من ذلك ما جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول، وذلك نحو أحببته فهو محبوب، وأجنه الله فهو مجنون، وأزكمه فهو مزكوم، وأكزه فهو مكزوز، وأقره فهو مقرور، وآرضه الله فهو مأروض، وأملأه الله فهو مملوء، وأضأده الله فهو مضئود، وأحمه الله - من الحمى - فهو محموم، وأهمه - من الهم فهو مهموم -، وأزعقته فهو مزعوق أي مذعور .ومثله ما أنشدناه أبو علي من قوله:

    إذا ما استحمت أرضه من سمائه ........ جرى وهو مودوع وواعد مصدق

    وهو من أودعته. ويبغي أن يكون جاء على ودع .وأما أحزنه الله فهو محزون فقد حمل على هذا ؛غير أنه قد قال أبو زيد: يقولون: الأمر يحزنني، ولا يقولون: حزنني، إلا أن مجيء المضارع يشهد للماضي. فهذا أمثل مما مضى. وقد قالوا فيه أيضاً: مُحْزَنٌ، على القياس. ومثله قولهم: محب. منه بيت عنترة:

    ولقد نزلت فلا تظنى غيره ........ مني بمنزلة المحب المكرم

    ومثله قول الأخرى:

    لأنكحن بَبَّه ........ جارية خدبه

    مكرمة محبه ........ تجب أهل الكعبة

    وقال الآخر:

    ومن يناد آل يربوع يُجَبْ ........ يأتيك منهم خير فتيان العرب

    المنكب الأيمن والردف المحب

    قالوا: وعلة ما جاء من أفعلته فهو مفعول - نحو أجنه الله فهو مجنون وأسله الله فهو مسلول، وبابه - أنهم إنما جاءوا به على فعل ؛نحو جن فهو مجنون، وزكم فهو مزكوم، وسل فهو مسلول. وكذلك بقيته .فإن قيل لك من بعد: وما بال هذا خالف فيه الفعل مسنداً إلى الفاعل صورته مسنداً إلى المفعول، وعادة الاستعمال غير هذا ؛وهو أن يجيء الضربان معاً في عدة واحدة ؛نحو ضربته وضرب، وأكرمته وأكرم، وكذلك مقاد هذا الباب ؟قيل: إن العرب لما قوى في أنفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة الفاعل، وحتى قال سيبويه فيهما: 'وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم' خصوا المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة: أحدهما تغيير صورة المثال مسنداً إلى المفعول، عن صورته مسنداً إلى الفاعل، والعدة واحدة ؛وذلك نحو ضرب زيد وضرب، وقتل وقتل، وأكرم وأكرم، ودحرج ودحرج. والآخر أنهم لم يرضوا ولم يقنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه إلى أن غيروا عدة الحروف مع ضم أوله، كما غيروا في الأول الصورة والصيغة وحدها. وذلك نحو قولهم: أحببته وحب، وأزكمه الله وزكم، وأضأده الله وضئد، وأملاه الله وملئ. قال أبو علي: فهذا يدلك على تمكن المفعول عندهم، وتقدم حاله في أنفسهم ؛إذ أفردوه بأن صاغوا الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل .وهذا ضرب من تدريج اللغة عندهم الذي قدمت بابه ؛ألا ترى أنهم لما غيروا الصيغة والعدة واحدة في نحو ضَرَب وضُرب وشَتَم وشُتِم تدرجوا من ذلك إلى أن غيروا الصيغة مع نقصان العدة ؛نحو أزكمه الله وزكم، وآرضه الله وأرض .فهذا كقولهم في حنيفة: حنفي، لما حذفوا هاء حنيفة حذفوا أيضاً ياءها ؛ولما لم يكن في حنيف تاء تحذف فتحذف لها الياء صحت الياء، فقالوا فيه: حنيفيّ. وقد تقدم القول على ذلك .وهذا الموضع هو الذي دعا أبا العباس أحمد بن يحيى فقي كتاب فصيحه أن أفرد له باباًن فقال: هذا باب فُعِل بضم الفاء نحو قولك: عُنِيت بحاجتك وبقية الباب. إنما غرضه فيه إيراد الأفعال المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل في اللغة الفصيحة ؛ألا تراهم يقولون: نخى زيد ؛من النخوة ولا يقال: نخاه كذا، ويقولون امتقع لونه ولا يقولون: امتقعه كذا، ويقولون: انقطع بالرجل ولا يقولون انقطع به كذا. فلهذا جاء بهذا الباب، أي ليريك أفعالاً خصت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل ؛كما خصت أفعال بالإسناد إلى الفاعل دون المفعول ؛نحو قام زيد، وقعد جعفر، وذهب محمد، وانطلق بشر. ولو كان غرضه أن يرك صورة ما لم يسم فاعله مجملاً غير مفصل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو ضرب وركب وطلب وقتل وأكل وسمل وأكرم وأحسن إليه واستقصى عليه. وهذا يكاد يكون إلى ما لا نهاية له .فاعرف هذا الغرض ؛فإنه أشرف من حفظ مائة ورقة لغة .ونظير مجيء اسم المفعول ههنا على حذف الزيادة نحو أجببته فهو محبوب مجيء اسم الفاعل على حذفها أيضاً، وذلك نحو قولهم: أورس الرمث فهو وارس، وأيفع الغلام فهو يافع، وأبقل المكان فهو باقل ؛قال الله عز وجل: 'وأرسلنا الرياح لواقح' وقياسه ملاقح ؛لأن الريح تلقح السحاب فتستدره. وقد يجوز أن يكون على لقحت هي، فإذا لقحت فزكت ألقحت السحاب، فيكون هذا مما اكتفى فيه بالسبب من المسبب. وضده قول الله تعالى: 'فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله' أي فإذا أردت قراءة القرآن، فاكتفي بالمسبب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإرادة. وقد جاء عنهم مبقل، حكاها أبو زيد. وقال داود ابن أبي دواد لأبيه في خبر لهما، وقد قال له أبوه ما أعاشك بعدي ؟:

    أعاشني بعدك واد مبقل ........ آكل من حوذانه وأنسل

    وقد جاء أيضاً حببته، قال الشاعر:

    ووالله لو تمره ما حببته ........ ولا كان أدنى من عبيد ومشرق

    ونظير مجيء اسم الفاعل والمفعول جميعاً على حذف الزيادة فيما مضى مجيء المصدر أيضاً على حذفها ؛نحو قولهم جاء زيد وحده. فأصل هذا أوحدته بمروري إيحاداً، ثم حذفت زيادتاه فجاء على الفعل. ومثله قولهم: عمرك الله إلا فعلت أي عمرتك الله تعميراً. ومثله قوله:

    بمنجرد قيد الأوابد هيكل

    أي تقييد الأوابد ثم حذف زائدتيه ؛وإن شئت قلت: وصف بالجوهر لما فيه من معنى الفعل ؛نحو قوله:

    فلولا الله والمهر المفدى ........ لرحت وأنت غربال الإهاب

    فوضع الغربال موضع مخرق. وعليه ما أنشدناه عن أبي عثمان:

    مئبرة العرقوب إشفى المرفق

    أي دقيقة المرفق وهو كثير .فأما قوله:

    وبعد عطائك المائة الرتاعا

    فليس على حذف الزيادة ؛ألا ترى أن في عطاء ألف إفعال الزائدة. ولو كان على حذف الزيادة لقال: وبعد عطوك، فيكون كوحده. وقد ذكرنا هذا فيما مضى. ولما كان الجمع مضارعاً للفعل بالفرعية فيهما جاءت فيه أيضاً ألفاظ على حذف الزيادة التي كانت في الواحد .وذلك نحو قولهم: كَرَوان وكِرْوان، ووَرَشان ووِرْشان. فجاء هذا على حذف زائدتيه، حتى كأنه صار إلى فَعَل، فجرى مجرى خَرَبٍ وخِرْبان، وبَرَقٍ وبِرْقان ؛قال:

    أبصر خِرْبَان فضاء فانكدر

    وأنشدنا لذي الرمة:

    من آل أبي موسى ترى الناس حوله ........ كأنهم الكِرْوان أبصرن بازيا

    ومنه تكسيرهم فَعَالا على أفعال ؛حتى كأنه إنما كُسِّر فَعَل، وذلك نحو جواد وأجواد، وعياءٍ وأعياءٍ وحياء وأحياء وعراءٍ وأعراءٍ ؛وأنشدنا:

    أو مُجْنَ عنه عَرِيت أعراؤه

    فيجوز أن يكون جمع عَراءٍ، ويجوز أن يكون جمع عُرْى، ويجوز أن يكون جمع عَراً، من قولهم: نزل بِعَرَاه أي ناحيته .ومن ذلك قولهم: نِعمة وأَنْعُم، وشِدّة وأشُدّ في قول سيبويه: جاء ذلك على حذف التاء ؛كقولهم: ذئب وأَذْؤب، وقِطْع وأقُطع، وضِرْس وأَضْرُس ؛قال:

    وقرعن نابك قَرْعة بالأضرِس

    وذلك كثير جداً .وما يجيء مخالفاً ومنتقضاً أوسع من ذلك ؛إلا أن لكل شيء منه عذراً وطريقاً. وفصل للعرب طريف ؛وهو إجماعهم على مجيء عين مضارع فعلته إذا كانت من فاعلني مضمومة البتة. وذلك نحو قولهم: ضاربني فضربته أضربه، وعالمني فعلمته أعلمه، وعاقلني من العقل فعقلته أعقله، وكارمني فكرمته أكرمه، وفاخرني ففخرته أفخره، وشاعرني فشعرته أشعره. وحكى الكسائي: فاخرني ففخرته أفخَره بفتح الخاء - وحكاها أبو زيد أفخُره - بالضم على الباب. كل هذا إذا كنت أقوم بذلك الأمر منه .ووجه استغرابنا له أن خص مضارعه بالضم. وذلك أنا قد دللنا على أن قياس باب مضارع فَعَل أن يأتي بالكسر ؛نحو ضرب يضرب وبابه، وأرينا وجه دخول يفعُل على يفعِل فيه، نحو قَتَل يقْتُل، ونخل ينخُلُ، فكان الأحجى به هنا إذ أريد الاقتصار به على أحد وجهيه أن يكون ذلك الوجه هو الذي كان القياس مقتضياً له في مضارع فَعَل ؛وهو يفعل بكسر العين. وذلك أن العُرْف والعادة إذا أريد الاقتصار على أحد الجائزين أن يكون ذلك المقتصر عليه هو أقيسهما فيه ؛ألا تراك تقول في تحقير أسود وجذول: أسيد وجديل بالقلب، وتجيز من بعد الإظهار وأن تقول: أسيود وجديول، فإذا صرت إلى باب مقام وعجوز اقتصرت على الإعلال البتة فقلت: مقيِّم وعجيِّز، فأوجبت أقوى القياسين لا أضعفهما ؛وكذل نظائره .فإن قلت: فقد تقول: فيها رجل قائم، وتجيز فيه النصب، فتقول: فيها رجل قائماً ؛فإذا قدمت أوجبت أضعف الجائزين. فكذلك أيضاً تقتصر في هذه الأفعال نحو أكرمه وأشعُره على أضعف الجائزين وهو الضم .قيل: هذا إبعاد في التشبيه. وذلك أنك لم توجب النصب في قائماً من قولك: فيها رجل قائما، و قائما هذا متأخر عن رجل في مكانه في حال الرفع، وإما اقتصرت على النصب فيه لما لم يجز فيه الرفع أو لم يقو، فجعلت أضعف الجائزين واجباً ضرورة لا اختياراً ؛وليس كذلك كرمتته أكرمه ؛لأنه لم ينقض شيء عن موضعه، ولم يقدم ولم يؤخر. ولو قيل: كرمته أكرمه لكان كشتمته أشتمه، وهزمته أهزمه .وكذلك القول في نحو قولنا: ما جاءني إلا زيداً أحد في إيجاب نصبه، وقد كان النصب لو تأخر زيد أضعف الجائزين فيه إذا قلت: ما جاءني أحد إلا زيداً، الحال فيهما واحدة، و ذلك أنك لما لم تجد مع تقديم المستثنى ما تبدله منه عدلت به للضرورة إلى النصب الذي كان جائزاً فيه متأخراً. هذا كنصب فيها قائماً رجل البتة، والجواب عنهما واحد .وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب البحث عن علة مجيء هذا الباب في الصحيح كله بالضم ؛نحو أكرمه وأضرُبه .وعلته عندي أن هذا موضع معناه الاعتلاء والغلبة، فدخله بذلك معنى الطبيعة والنحيزة التي تغِلب ولا تُغلب، و تلازم ولا تفارق. وتلك الأفعال بابها: فَعُل يفُعل ؛نحو فقُه يفقُه إذا أجاد الفقه، وعلُم يعلُم إذا أجاد العلم. وروينا عن أحمد ابن يحيى عن الكوفيين: ضَرُبتِ اليدُ يدهُ، على وجه المبالغة .وكذلك نعتقد نحن أيضاً في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نقل عن فَعَل وفَعِل إلى فَعُلَ، حتى صارت له صفة التمكن والتقدم، ثم بني منه الفعل ؛فقيل: ما أفعله ؛نحو ما أشعره، إنما هو من شَعُر، وقد حكاها أيضاً أبو زيد. وكذلك ما أقتله وأكفره: هو عندنا من قَتُل وكَفُر تقديراً، وإن لم يظهر في اللفظ استعمالاً .فلما كان قولهم: كارمني فكرمته أكرمه وبابه صائراً إلى معنى فَعُلت أفُعل أتاه الضمّ من هناك. فاعرفه .فإن قلت: فهلا لما دخله هذا المعنى تمموا فيه الشبه، فقالوا: ضربته أضرُبه وفَخُرْتُه أفْخُرهُ ونحو ذلك ؟قيل: منع من ذلك أن فَعُلْت لا يتعدى إلى المفعول به أبداً، ويفعُل قد يكون في المتعدي كما يكون في غيره ؛ألا ترى إلى قولهم: سلبه يسلُبه، وجلبه يجلبه، ونخله ينخُله، فلم يمنع من المضارع ما منع من الماضي، فأخذوا منهما ما ساغ، واجتنبوا ما لم يسغ .فإن قلت: فقد قالوا: قاضاني فقضيته أقضيه، وساعاني فسعيته أسعيه ؟قيل: لم يكن من يفعله ههنا بد، مخافة أن يأتي على يفُعل فينقلب الياء واواً، وهذا مرفوض في هذا النحو من الكلام .وكما لم يكن من هذا بد ههنا لم يجئ أيضاً مضارع فَعَل منه مما فاؤه واو بالضم بل جاء بالكسر، على الرسم وعادة العرب. فقالوا: واعدني فوعدته أعده، وواجلني فوجلته أجِلُه، وواضأني فوضأته، أَضؤه. فهذا كوضعته من هذا الباب أضعهُ .ويدلك على أن لهذا الباب أثراً في تغييره باب فَعَل في مضارعه قولهم: ساعاني فسعيته أسعيه، ولم يقولوا: أسعاه على قولهم: سعى يسعى لما كان مكاناً قد رتب وقرر وزوى عن نظيره في غير هذا الموضع .فإن قلت: فهلا غيروا ما فاؤه واو ؛كما غيروا ما لامه ياء فيما ذكرت، فقالوا: واعدني فووعدته أَوعُدُه ؛لما دخله من المعنى المتجدد ؟.قيل: فَعَل مما فاؤه واو لا يأتي مضارعه أبداً بالضمّ، إنما هو بالكسر ؛نحو وجد يجد، ووزن يزن، وبابه، وما لامه ياء فقد يكون على يفعل، كيرمى ويقضى، وعلى يفعَل، كيرعى ويسعى. فأمر الفاء إذا كانت واواً في أغلظ حكماً من أمر اللام إذا كانت ياء. فاعرف ذلك فرقاً .^

    تدافع الظاهر

    باب في تدافع الظاهر

    هذا نحو من اللغة له انقسام .فمن ذلك استحسانهم لتركيب ما تباعدت مخارجه من الحروف ؛نحو الهمزة مع النون، والحاء مع الباء ؛نحو آن ونأى، وحب وبحّ، واستقباحهم لتركيب ما تقارب من الحروف ؛وذلك نحو صس وسص، وطث وثط. ثم إنا من بعد نراهم يؤثرون في الحرفين المتباعدين أن يقربوا أحدهما من صاحبه ويدنوه إليه ؛وذلك نحو قولهم في سويق: صَوِيق، وفي مساليخ: مصاليخ، وفي السوق: الصوق، وفي اصتبر: اصطبر، وفي ازتان: ازدان، ونحو ذلك ما أدنى فيه الصوتان أحدهما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1