Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الفكر اللغوي عند أحمد أمين
الفكر اللغوي عند أحمد أمين
الفكر اللغوي عند أحمد أمين
Ebook1,076 pages7 hours

الفكر اللغوي عند أحمد أمين

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتصدى هذا الكتاب للفكر اللغوي في الأسلوب الخطابي للكاتب أحمد أمين في مدونته (فيض الخاطر) من خلال مقاربته حجاجياً، عبر دراسة الآليات والوسائل التي استخدمها الكتاب في مقالاته لتقديم حججه وبراهينه لاستمالة القارئ إلى أفكاره ومضامينه لإقناعه بها. كما يناقش الكتاب الدور الحجاجي الذي قامت به هذه الوسائل والآليات في التأثير في المثقفين وإقناعهم بما يريد الكاتب، كع عرض نماذج تطبيقية من المدونة ومناقشتها علمياً وتحليلها في ضوء المنهج التطبيقي التحليلي المتبع في منهجية الدراسة. وتتبعت الدراسة التمهيدية القضايا النظرية ذات العلاقة بمضمون الكتاب مع بسط العرض فيها لأهمية الربط بين المنهجين النظري والتطبيقي.

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateJan 7, 2023
الفكر اللغوي عند أحمد أمين

Related to الفكر اللغوي عند أحمد أمين

Related ebooks

Reviews for الفكر اللغوي عند أحمد أمين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الفكر اللغوي عند أحمد أمين - بدر العبد القادر

    د. بدر العبد القادر

    الفكر اللّغوي

    عند أحمد أمين في كتاب (فيض الخاطر)

    مقارَبة حِجاجيّة

    سلسلة «إضافات» في اللّسانيّات

    يديرها الأستاذ الدكتور أحمد الودرني

    الفكر اللّغوي

    عند أحمد أمين في كتاب (فيض الخاطر)

    مقارَبة حِجاجيّة

    تأليف

    د. بدر العبد القادر

    مدير النشر عماد العزّالي

    التصميم ناصر بن ناصر

    الترقيم الدولي للكتاب 978-9938-23-023-9

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1440 هـ / 2019 م

    العنوان: 5 شارع شطرانة 2073 برج الوزير أريانة - الجمهورية التونسية

    الهاتف: 58563568 216

    الموقع الإلكتروني: www.mediterraneanpub.com

    البـريد الإلكتروني: medi.publishers@gnet.tn

    أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى قسم علم اللغة التطبيقي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية –الرّياض، المملكة العربية السعوديّة، وناقشتْها لجنة تألّفتْ من الأساتذة:

    - أد. محمد يوسف حبلص، الأستاذ في قسم علم اللغة التطبيقي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

    - أ.د. سعيد حسن بحيري، الأستاذ في قسم علم اللغة التطبيقي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

    - أد. موسى بن مصطفى العبيدان، الأستاذ في كلية اللغة بجامعة تبوك.

    وذلك في يوم الأحد الموافق لـ 16/6/1436 هـ، 5/4/2015 م، وأسندتْ إلى صاحبها شهادة (الدكتوراه) بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.

    إِهْدَاءٌ

    إلى والِدي رحِمَه الله...

    أكبَر مِن (تَاء الفَاعِل)...

    وَأعظَم مِن (وَاو الجَماعَة)...

    الَّذي عَاشَ مَعي مَباحِثَ هَذه الدِّراسَة وفُصُولهَا...

    وأنَا استَدعِي بَراهِينَه...

    واستَحضِرُ حُجَجَه...

    التَّي كَان يَدعُونا بهَا إلى الخَيرِ... ويُقنعنَا بكلِّ الخَيرِ...

    فَإليه أُهدِيهَا... حبًّا... وإجلالاً... وتقديرًا..

    بَدر

    الحمد لله الذي خَلق الإنسان، واختصَّه بالعقل والبَيَان، وجعَله وسيلَته في خِصَامه وحِجِاجه، وسَبيلَه إلى جِداله واحتجَاجِه، والصلاة والسَّلام على النَّبي محمَّد، أفضلُ الخلق وأبلغهم حُجَّة، وأفصحُ الناس وأنصعُهم مَحجَّة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

    فقد بلغت الدِّراسات الحِجَاجيَّة في الغرب شأوًا كبيرًا، لأهميتها العلمية، وقيمتها اللُّغَوية، فكثرت المؤلفات التي تُقعِّدُ هذه الإستراتيجية الكبرى، وتعددت البحوث التي تُنظِّرها، والرسائل التي تؤطرها، وامتد تأثير هذه الأطروحات إلى المغرب العربي فظهرت النتاجات العلمية التي تناولت جوانب مختلفة من الدرس الحِجَاجِي حتى أصبحت هذه الكتابات سِمَة للمغرب العربي، ولكن حين نُولي وجُوهنا شطرَ المشرق العربي لا نكاد نجد نتاجًا علميًّا يُعوَّل عليه في الدراسات الحِجَاجيَّة، فلا تزال الدراسات الحِجَاجيَّة نَادَّةً عن أعين الباحثين، فلم تستفز عقولهم، ولم ترع فيها أقلامهم، ولم تتوافر عليها دراسة جامعية بالرغم من أهميتها، وعظم شأنها قديمًا وحديثًا عند العرب وغيرهم.

    ولما يسَّر الله لي سلوك سبيل البحث العلمي مجالاً لطلب العلم ومواصلة الدرس والاطلاع، استمالني موضوع (الحِجَاج)، وولَّد لدي الرغبة في دراسة هذا العلم الواسع والإفادة منه، فوجَّهت قراءاتي في الدراسات الحِجَاجيَّة حتى يسَّر الله لي أن وقع اختياري بمساعدة المشرف القدير على دراسة نصوص الكاتب الكبير أحمد أمين / دراسةً لغوية حِجَاجيَّة في مدونة (فَيْض الخَاطر) التي تُعدُّ من أضخم المدونات النثرية في العصر الحديث، وقد وقع اختياري على هذه المدونة (فَيْض الخَاطر) لتكون موضوعًا لأطروحتي هذه لبواعث من أبرزها:

    • القيمة الكبرى لهذه المدونة في التراث العلمي والأدبي، فهي ديوان نثري ضخم ضمَّ عددًا كبيرًا من المقالات المتنوعة.

    • اللغة الراقية والقيمة العلمية، والتأثيرات الجمالية لأغلب نصوص تلك المدونة.

    • التَّنوع الأجناسي والمضموني الظاهر للمقالات، الذي تميز به هذ الديوان النثري.

    • تناول الكاتب في مقالاته جانبًا مهمًّا من جوانب الحياة المجتمعية آنذاك، وما اشتملت عليه من صراعات ومواجهات وجدالات ومخاصمات.

    • كما أن دراسة مدونة (فَيْض الخَاطر) دراسةً لغوية حِجَاجيَّة يُشكل تحديًّا للباحث في خوض هذا المجال، وتوجيه الانتباه إلى مثل هذه الدراسات، علَّها تكون نواة لدراسات حِجَاجية قادمة في المشرق العربي.

    وسلكت إلى قصدي في هذه الدراسة نهج الفصول والمباحث فجاءت في أربعة فصول مشتملة على عدد من المباحث، بدأتها بتمهيد للفصل الأول تناولت فيه: مقدمة حول الموضوع، وأهميته، وأسباب اختياره، وأهدافه، ثم عرضت لأسئلة البحث، ومصطلحاته، وأعقبت ذلك بعرض الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع الدراسة مشيرًا إلى ما ستضيفه هذه الدراسة، مع بيَان حدودها، وتحديد منهجها.

    وقصَرت الفصل الثاني على (مفهوم الحِجَاج ودلالاتِه) بدأته بتمهيد عن (المفهوم اللُّغَوي والاصطلاحي للحِجَاج) بتشعباته؛ ليكون مدخلاً إلى مبحثَي الفصل، الذي تحدثت في أولهما عن (مفهومِ الحِجَاج ودلالاتِه عند القُدماء) بدءًا بمفهوم الحِجَاج ودلالاته في الفكر الغربي، ثم مفهوم الحِجَاج ودلالاته في الفكر العربي، أما المبحث الثاني فكان امتدادًا تاريخيًّا للمبحث الأولى فتحدثت فيه عن (مفهومِ الحِجَاج ودلالاتِه عند الـمُحدثين) وبدأته بالحديث عن مفهوم الحِجَاج ودلالاته في الفكر الغربي، ثم مفهوم الحِجَاج ودلالاته في الفكر العربي، وقد قسمت حديثي عن (مفهوم الحِجَاج ودلالاتِه) في كل مبحث إلى مدارس واتجاهات ودروس مختلفة حسب اختصاص كل مرحلة، وتوجهات أعلامها نحو الإسترتيجة الحجاجِيَّة، وأعقبت كل مبحث بملخص عن (مفهوم الحِجَاج ودلالاتِه) عند أصحاب كل اتجاه.

    وخصَصت الفصل الثالث للحديث عن الجانب التطبيقي للدراسة، فكان عن الفكر اللغوي عند أحمد أمين ممثلاً في (وسَائِل الحِجَاج في مَقالاتِ فَيْض الخَاطِر)، بدأته بمدخلٍ للتعريف بالكَاتب، والكِتاب، ثم تمهيدٍ عن مفهوم الوَسَائِل الحِجَاجيَّة في اللغة والاصطلاح، وتناولت في المبحث الأول: الوَسَائِل اللُّغَوية ودورها الحِجَاجي، بدأته بمدخل لتعريف الوَسَائِل اللُّغَوية، ثم تَفصيل تلك الوَسَائِل حسب تنوعاتها إلى: (الازدواج، التَّكرار، الإحالة، التَّضام، التَّنَاص) مع ذكر شواهدها وتطبيقاتها من المدونة.

    وقصرت المبحث الثاني على الوَسَائِل البَلاغيَّة ودورها الحِجَاجي، بدأته بمدخلٍ عن مفهوم الوَسَائِل البَلاغيَّة، ثم تناولت هذه الوَسَائِل مع تطبيقاتها من المدونة من خلال تقسيمها إلى: الحِجَاج بالبَيَان، والحِجَاج بالبديع، والحِجَاج بالمعاني.

    أما المبحث الثالث فكان عن الوَسَائِل المنطِقيَّة ودورها الحِجَاجي، وجاء مَدخَله عن مفهوم الوَسَائِل المنطِقيَّة، ثم الحديث عن هذه الوَسَائِل واستدعاء تطبيقاتها من المدونة من خلال تقسيمها إلى: القياس المنطِقي، والقياس المُضمَر، والقياس المُتدَرج.

    واشتمل الفصل الرابع على الفكر الحِجاجي عند أحمد أمين ممثلاً في (آليَّات الحِجَاج في مَقالاتِ فَيْض الخَاطِر) الذي بُدئ بتمهيد عن مفهوم الآليَّات الحِجَاجيَّة في اللغة والاصطلاح، واختص مبحثه الأول بالرَّوابِط الحِجَاجيَّة، بدءًا بمدخل حول تعريف الرَّوابِط الحِجَاجيَّة في اللغة والاصطلاح، ثم تناول هذه الرَّوابِط مع شواهدها وتطبيقاتها من المدونة من خلال تقسيمها إلى قسمين: القسم الأول: بحسَب مِعيار وظِيفة الرَّابِط الحِجَاجي، وتنقسم إلى: الرَّوابِط المدرجَة للحُجَج، والرَّوابِط المدرجَة للنَّتائِج، والقسم الثاني: بحسَب مِعيَار العَلاقة بين الحُجَج، وتنقسم إلى رَوابِط التَّعارضِ الحِجَاجي، ورَوابِط التَّساوق الحِجَاجي مع بيان أثرها ودورها الحجاجي.

    واقتصر المبحث الثاني على العَوَامِل الحِجَاجيَّة، بدءًا بمدخل عن تعريف العَوَامِل الحِجَاجيَّة في اللغة والاصطلاح، ثم تناولها مع تطبيقاتها وشواهدها من المدونة بعد تقسيمها إلى عَوَامل الاسْتِفهَام الحِجَاجيَّة، وعَوَامل القَصْر الحِجَاجيَّة، وعَوَامل الشَّرطِ الحِجَاجيَّة، والوِحَدات الـمُعجميَّة الحِجَاجيَّة مع بيان أثرها ودورها الحجاجي.

    وختمت المباحث بالمبحث الثالث الذي عرضتُ فيه للسَّلالِم الحِجَاجيَّة، بدءًا بتعريف السَّلالِم الحِجَاجيَّة في اللغة والاصطلاح، ثم الحديث عنها مع تطبيقاتها وشواهدها من خلال تقسيمها حسب قوانينها إلى: قَانُون النَّفي، وقَانُون القَلبِ، وقَانُون الخَفضِ مع بيان أثرها ودورها الحجاجي.

    وبدأت الفصل الخامس بعرض مفصل لنتائج الدراسة ومناقشتها من خلال الإجابة عن أسئلتها، وأعقبت ذلك بعرض توصيات الدراسة ومقترحاتها في ضوء نتائج الدراسة التي رأيت أنَّ من المنهجية العلمية إيرادها، ثم أتبعت ذلك بملخص الدراسة، ثم بثَبَت للمصادر والمراجع، ثم فهرس للموضوعات.

    أما عن المنهج المُتَّبع في هذا البحث فهو يتضمن ثلاثة أمور:

    الأول: منهج الكتابة في الموضوع، واتبعت فيه الطريقة الآتية:

    • جمع المادة العلمية وتوثيقها من مصادرها المتقدمة والمتأخرة.

    • جمع الشواهد محل الدراسة، ثم تقييدها وترتيبها في مجموعات، ينتظم كل مجموعة موضوع واحد.

    • قراءة الشواهد ودراستها دراسة دقيقة، تقوم على استقراء الشاهد، واستنطاقه واستشفاف دلالاته الحِجَاجيَّة في حدود ألفاظه ومراميه، من غير تحميله فوق ما يحتمل، أو توجيهه وِجهة معينة لا تنتظمها ألفاظه.

    • استدعاء أكثر من شاهد على الموضوع (المبحوث) رغبة في إثرائه من جوانبه كافة.

    • بيان غامض الكلمات وشرحها في الهامش.

    • التمهيد لكل فصل بما يوضحه ويتلاءم مع موضوعه.

    • في التعريفات أبدأ بالتعريف اللُّغَوي من خلال جوانبه الصَّرفية والاشتقاقية، ثم التعريف الاصطلاحي مع التعليق عليه إن وُجد.

    • الاعتراف بالسبق لأهله في تعريف مصطلح، أو تقرير فكرة، أو توضيح معنى، أو إبراز قضية، وقد أشرت إلى ذلك في متن البحث وحواشيه.

    • زيادة حجم الخط للنصوص المنقولة من مدونة البحث (فيض الخاطر)؛ لتمييزها عن غيرها من النقولات.

    • استخدام برنامج:(الكشاف السياقي: concordancer)، في الكشف عن عدد تكرارات ورود الروابط والعوامل الحجاجية في المدونة.

    الثاني: منهج التعليق والحواشي، وقصدت فيه المنهج الآتي:

    • أَعزو الآيات القرآنية إلى سورها وأرقامها بذكر اسم السورة ورقم الآية، وذلك عقِب الآية مباشرة.

    • تخريج الأحاديث والآثار في الهامش بذكر الجزء والصفحة، ثم رقم الحديث.

    • أعزو نصوص العلماء وآراءهم إلى كتبهم مباشرة، وإن لم تتوافر كتبهم عزوتها إلى مصادر أخرى أثبتتها.

    • أثبت معلومات المصادر والمراجع التي نقلت منها كاملة في أول ورود لها في الهامش، ثم أكتفي بذكر المصدر أو المرجع مع رقم الصفحة حين وروده مرة أخرى مع الإشارة إلى سَبقِه.

    • اعتمدت في التوثيق الطريقة الأحدث في المناهج العلمية التي تبدأ بذكر المصدر أو المرجع، ثم اسم المؤلف، واسم المحقق إن وُجد، واسم الدار، ومكان الطباعة ورقم الطبعة، وتاريخها.

    • ذِكر كلمة (نقلاً) في الهامش للدلالة على أن المصدر أو المرجع وسيط في النقل، وليس المصدر الأصلي للنص المنقول.

    • ذكر كلمة (انظر) في الهامش للدلالة عن أنَّ النص منقول بتصرف، قد يكون بالحذف أو الزيادة، وقد يكون نقلاً بالمعنى، لكن الفكرة الأساس للنَّص هي للمصدر أو المرجع المذكور في الهامش.

    الثالث: ما يتعلق بالنواحي الشكلية والتنظيمية:

    • أضع الآيات القرآنية بين قوسين مزهرين، وفقًا للشكل:ﭽ ...ﭼ.

    • أضع الأحاديث النبوية والآثار، ونصوص العلماء والباحثين المنقولة بين علامتي تنصيص، وفقًا للشكل: ... مسبوقة بنقطتين رأسيتين.

    • ضبط الأحاديث والآثار والألفاظ الغامضة بالشكل التام.

    • وضع الأسماء والكلمات الأعجمية بين قوسين، وفقًا للشكل: (...).

    • كتابة العبارات الدعائية بطريقة الرسم، وفقًا للشكل: ج-ا-: .

    • عرض موضوعات البحث على طريقة الفصول والمباحث.

    • رسم مخطط تفصيلي في نهاية كل فصل، بعد الحديث عن تفاصيله ومضامينه، وبعد الدراسة التطبيقية لشواهد المدونة وأمثلتها؛ وذلك لأنَّ المخططات تمنح القارئ عاملاً معينًا على بناء تصور شمولي لكل فصل، ولكل قضية جاء الشاهد والمثال مؤكدًا لها، بعيدًا عن الأشكال الانحنائية الملتوية، والرسومات المتداخلة التي تشوش الذهن، وتستغلق على الفهم.

    هذا وقد اعتمدت في دراستي لموضوع (وَسَائل الحِجَاج وآليَّاته فِي كِتَابِ (فَيْضِ الخَاطِرِ) لأَحمَد أَمِيْن) على مصادر قديمة، أمدَّتني بالمادة الرئيسة، وبالمواد المساعدة التي ساعَدَت في إظهار الصورة الحقيقة لهذه الدراسة، وقد اخترت ما كان محققًا تحقيقًا علميًّا، لأفيد من الجهود المخلصة التي أخرجته، وقد تحدثت عن المصادر في غير هذا المكان.

    أما المراجع الحديثة، فلست أنكر أنني قرأت الكثير منها، فبعضها قرأته وطويته، ولم آخذ عنه شيئًا، وإن خرجت منه بأفكار عامة، وعرفت ما أجهلُ من مصادر هذا البحث، وبعضها نقلت عنه، ووقفت عند آراء أصحابه. هذا وقد حاولت تحري الدقة والموضوعية في إصدار الأحكام ما وسعني ذلك، مبتعدًا عن الارتجال والتسرع في ذلك التماسًا للصدق، وبحثًا عن المصداقية، ولأن الكتب لا تُقرأ ولا تخْلد إلا بما فيها من علم وإبداع؛ لم أرَ ضرورة لذكر ما عانيته من صعوبات في سبيل البحث.

    وإذا كان الكمال عزيزًا، والنقص لازمة البشر، فلا أدّعي أنني قلتُ في هذه الدراسة كلمةَ الفصل، ولا أقول إنني وصلت في هذا البحث آخر الطريق، فالسابقون قطعوا منه مراحل، وقطعتُ بعدهم مرحلة، وبقي في الطريق مراحلُ أخرى لمن أراد من الباحثينَ مواصلة السير مع الدراسات الحِجَاجيَّة؛ فلا تزال هناك قضايا يمكن لباحث آخرَ أن يقدم من خلالها جديدًا، وقد ذكرتها في توصيات البحث.

    وفي الختام، أحمد الله وأشكره وأذكره من قبل ومن بعد، فما في هذا البحث من صواب فمنه وحده - والحمد لله -، وما فيه من خطأ وزلل فمن نفسي والشيطان - وأستغفر الله -وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    بدر

    الفصل الأوّل

    خُطَّة الدِّراسَة

    الفصل الأول:

    التَّمهِيْد:

    المقدمة

    أهمية الموضوع

    أسباب اختيار الموضوع

    أهداف الموضوع

    أسئلة الدراسة

    مصطلحات الدراسة

    الدراسات السابقة

    ما ستضيفه هذه الدراسة

    منهج البحث

    حدود البحث

    المقدمة

    يعدُّ تحليلُ الخِطَاب الحِجَاجي مدخلاً ضروريًّا لمقاربة النصوص ذات الصبغة الإقْنَاعية، وفكِّ مغاليقها، والوصول إلى قضايا قصيِّة فيها، فضلاً عن كون الحِجَاج من أبرز الإستراتيجيات التي تهتمُّ بها التَّداوُليَّة في إطار دراسة البُعْد الاستعمالي اللُّغَوي، إذ يعدُّ -الحِجَاج- رافدًا مهمًا من روافد البحث التَدَاوُلِي؛ لدراسته الطريقة والأسلوب اللَّذين يسلكهما المتكلم في الكتابة، وأدواته -كالإشارات، والعبارات، والحُجَج المختلفة- لإيصال رسالته للمتلقين، ووسائله لإقْنَاعهم بآرائه، فالحِجَاج: فعل علائقي يُبَررُ به صاحبه أنماط أفعاله بالحُجَّة والبُرهَان، بشكل طَبعِي، أو بعمل فعَّال عبر شبكة من الأقوال أو التَّعابير الحاملة لصورة حِجَاجِيَّة، تستجلب أهدافًا تأثيريَّة إنجازيَّة في المخاطبين أفرادًا أو جماعات(1)، لما يتضمنه من وسائل تربط الأقوال، وتوجهها الوِجهَة الحِجَاجيَّة التي يستهدفها المتكلم في مخاطبيه، وهذا التوجيه:يُشرِّع للبحث في الترابطات الحِجَاجيَّة الممكنة، بما أنَّ مسوغاتها موجودة في البِنْيَة اللُّغَوية للأقوال، وليست رهينة المحتوى الخبري للقول، ولا رهينة أيِّ بِنْيَة استدِلالِيَّة صناعية من خارج نظام اللُّغَة(2).

    وقد كان لظهور مصطلح البَلاغة الجديدة مقابلاً مصطلح الحِجَاج بمفهومه الحديث، أثرٌ في توجه كثير من الباحثين إلى تقديم دراسات تطبيقية، تستثمر تَقنيَات الحِجَاج وأساليبه ومفاهيمه الحديثة في معالجة النصوص الأدبية، متكئةً على الدور اللُّغَوي الواضح في تحليل الخِطَاب الحِجَاجي، فالنَّص الأدبي وسيلة الكاتب لتصوير أفكاره، وتجسيد تجاربه، ونقلها للآخرين.

    ويمثل كتاب (فَيض الخَاطِر) لأحمد أمين/، أحد كبار كتاب العرب البارزين في النصف الأول من القرن العشرين درةً أدبيةً نفيسةً بين أعماله الكثيرة، فقد جمع فيه عددًا كبيرًا من المقالات الأدبية والاجتماعية التي نَشَر كثيرًا منها من قبل، فجاء الكتاب عملاً أدبيًّا متميزًا، صوَّر جانبًا من الحياة الأدبية والاجتماعية في العصر الحديث، بلغة سلسة طَيِّعة، وأسلوب صَاف رَصين، وأفكار مترابطة، وبِنَاء لُغَوِيٍّ محكَم(3)؛ مما ولَّد لدي الحافز لدراسة هذه المقالات دراسة لُغَوِية حِجَاجِيَّة؛ للكشف عن الوَسَائِل الحِجَاجيَّة والآليَّات الإقناعية المستخدمة في هذه المقالات.

    أهمية الموضوع:

    لا يزال موضوع الحِجَاج يمثِّل أهمية كبرى في الدراسات اللُّغَوية، للاعتماد عليه في بَيَان الأساليب التي استخدمها المتكلمون في إقْنَاع مخاطبيهم، وتوجيههم نحو آرائهم، وتأييد أفكارهم، ودحض الآراء المضادة، وهذا أمرٌ جوهري في بَيَان مدى فاعلية اللُّغَة في إيصال رسالة المتكلم، وتوجيه المخاطب إلى تقبلها والاقتناع بها.

    وقد بَانَ لي من قراءة عَينَة لا بأس بها من مادة البحث ما زاد قناعتي بجدارة هذه المادة بما أتَغيَّاه من دراستها دراسة لُغَوِية حِجَاجِيَّة، حيث يطغى العقل على العاطفة في أسلوب الكاتب، إضافة إلى غلبة الجانب الذهني على أساليبه، وقربه من القضايا المنطِقيَّة وما فيها من استدلالٍ واحتِجَاج(4)، كذلك تميز أغلب المقالات بالحيوية، فرغم أنَّ أكثرها كُتِب قبل أكثر من نصف قرن، إلا أنها تحكي واقعنا المعيش(5). إضافة إلى ما امتاز به أسلوب الكاتب بالوضوح في التعبير، والدقة في الوصف، والإيجاز في العرض؛ لاستمداده صوره من واقع الحياة البسيطة التي يحياها(6).

    وتبرز أهمية الموضوع في الآتي:

    1 - دراسة لغة المقال الأدبي مهمةٌ بوصفه شكلاً أدبيًّا واسع الانتشار، بالغ التَّأثِير في المتلقين.

    2 - تَناولُ هذه المقالات قضايا اجتماعية وتربوية وثقافية بالغة الأهمية،لم تزل قائمة بيننا، ونحتاج إلى ما تحويه من رؤى، وما تطرحه من أفكار.

    3 - لغة هذه المقالات تتسم بالسَّلاسة في البِنَاء، والوضوح في الفكرة، والمنطِقيَّة في العرض.

    4 - بِنَاء المقال اللُّغَوي يَتَّصِف بالصفة التَّواصُليَّة، القائمة على الأدوات الحِجَاجيَّة، التي تُوجه، وتُوصي، وتَستفهم، وتؤُكد، وتُناقش وتحُاور، بوساطة تَوظِيف جملة من الوَسَائِل الحِجَاجيَّة، والآليَّات الـمُعينة على الاحتجاج للرأي، أو دحضٍ للفكرة.

    أسباب اختيار الموضوع:

    نشأ اختيار موضوع الدراسة لجملة من الأسباب أوجزها فيما يأتي:

    • قراءة هذا الموروث الأدبي قراءة جديدة في ضوء النَّظريات اللِّسانِية الحديثة.

    • ارتباط مكونات هذه المقالات بأحداث عصرها وتراثه، وقيمه، ولغته، وقضاياه الاجتماعية.

    • جِدَّةُ الموضوع وعدم دراسته- على حد علم الباحث- وهو ما أغراه بالقيام بدراسة هذا الموضوع وتقديمه إلى المكتبة الوطنية والعربية؛ ليكون حلقة ضِمنَ حلقات الدراسات الأكاديمية الجديدة في اللِّسانِيات الحديثة .

    • تَميز أسلوب أحمد أمين في مقالات (فيض الخاطر) بتماسك البِنْيَة اللُّغَوية، وترابط المفاهيم، وسَلاسة العرض، ووضوح الفكرة.

    • احتواء المقالات على كثير من الوَسَائِل الحِجَاجيَّة والآليَّات الإقناعية التي تؤيد ما يذهب إليه الكاتب.

    ذلك ما حفز الباحث لاختيار هذا الموضوع ذي البُعْد اللُّغَوي والاجتماعي والإنساني، الذي يُّعد - في نظره- من أقوى موضوعات العصر وأعظمها تأثيرًا في النفس الإنسانية، ومن هنا كان هذا الموضوع جديرًا بالعناية والبحث في اعتقاد الباحث.

    أهداف الموضوع:

    تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن أمور متعددة منها:

    • الإسهام في مجال الدراسات اللُّغَوية الحِجَاجيَّة ورفدها بدراسة لُغَوِية جديدة في أساليب الحِجَاج.

    • الكشف عن الوَسَائِل الحِجَاجيَّة في مقالات (فيض الخاطر) لأحمد أمين.

    • الكشف عن الآليَّات الحِجَاجيَّة في مقالات (فيض الخاطر) لأحمد أمين.

    • الكشف عن أساليب الكاتب المنطِقيَّة وخصائصه في عرض أفكاره.

    • بالإضافة إلى عدد من الأمور التي تستجد في أثناء البحث.

    أسئلة الدراسة:

    البحث عن الكفاية الاتِّصَاليَّة في المقالات، وتنوع الإستراتيجيات الحِجَاجيَّة، والأدوات الإقْنَاعية، أمر يعيد اكتشاف ما تنطوي عليه هذه النصوص من قيمَة، ويبرز أهميتها بوصفها نصوصًا صالحة لتكون مادة غنيَّة لتعلم العربية في أرفع نماذجها، سواء لمن يريدون تعلم اللغة العربية من الناطقين بغيرها، أو حتى لطلابنا الذين تُعدُّ العربية لغتهم الأم.

    لذا ستحاول هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة الآتية:

    السؤال الرئيس:

    1 - ما أهمية مَقَالات أَحمَد أَمِيْن ِفي (فَيْضِ الخَاطِرِ) من الوِجهَة الحِجَاجيَّة؟.

    2 - ويندرج تحته عدد من الأسئلة الفرعية، تتمثل في الآتي:

    3 - ما الوَسَائِل الحِجَاجيَّة التي تضمنتها هذه المقالات؟.

    4 - ما الآليَّات الحِجَاجيَّة التي استخدمها الكاتب في مقالاته؟.

    5 - ما الدور الحِجَاجي الذي قامت به هذه الوَسَائِل والآليَّات في التَّأثِير في المتلقين وإقْنَاعهم بما يريد الكاتب؟

    مصطلحات الدراسة:

    الحِجَاج:

    في اللُّغَة يأتي بمعنى البُرهَان، كما قد يأتي بمعنى الجَدَل، فــ: الحُجَّة: البُرهَان؛ وقيل:الحُجَّة ما دُوفع به الخَصْم؛ وقال الأزهري: الحُجَّة الوجه الذي يكون به الظَفرُ عند الخصومة. وهو رجل مِحجَاج، أي جدلٌ. والتَّحَاج: التَّخَاصُم...والحُجَّة: الدَّلِيل(7). وفي الاصطلاح: إذعَان العقول بالتَّصديق لما يطرحه المرسل، أو العمل على زيادة الإذعَان. هو الغاية من كل حِجَاج، فأنجع حُجَّة هي تلك التي تنجح في تقوية حِدَّة الإذعَان عند من يسمعها، وبطريقة تدفعه إلى المبادرة سواء بالإقدام على العمل أو الإحجَام عنه، أو هي على الأقل ما تحقِّق الرغبة عند المرسل إليه في أن يقوم بالعمل في اللحظة الملائمة(8).

    الوَسَائِل اللُّغَوية:

    هي التي تشكل أصل الخِطَاب وفحواه؛ لاستدراج الـمُخاطبين إلى الدعوى الـمُعبر عنها، وإقْنَاعهم بمصداقيتها، تمهيدًا لفرض الرأي عليهم(9).

    الوَسَائِل البلاغية:

    هي التي جمعها العرب تحت موضوع البَلاغة، من خلال معرفة علاقة الأساليب البلاغية بحِجَاجِيَّة الخِطَاب، وهل بإمكانها دعم طاقة القول الحِجَاجيَّة، وقدرته الإقْنَاعية(10).

    الوَسَائِل المنطِقيَّة:

    هي التي تبحث في العلاقات النَّصِية ( الدَّعوى والنَّتيجَة) التي يقيمها سياق النص الإقْنَاعي من خلال عرضه على مفهوم النص العام(11).

    الرَّوابِط الحِجَاجيَّة:

    هي التي: تَربط بين قَولَين، أو بين حُجَّتَين على الأصح ( أو أكثر) ، وتُسند لكل قولٍ دورًا محددًا داخل الإستراتيجية الحِجَاجيَّة العامة(12)، أي: تربط بين وحدَتَين دِلاليتَين (أو أكثر) في إطار إستِراتيجية حِجَاجِيَّة واحدة(13)، فالرَّوابِط الحِجَاجيَّة إذن هي ما تختص بالربط بين عناصر الكلام.

    العوامل الحِجَاجيَّة:

    هي التي:لا تربط بين مُتغيرات حِجَاجِيَّة، أي: بين حُجَّة ونتِيجَة، أو بين مجموعة حُجَج، ولكنها تقوم بحصر وتَقييد الإمكانات الحِجَاجيَّة التي تكون لقول ما(14).

    السَّلالم الحِجَاجيَّة:

    و:السُّلم الحِجَاجي هو علاقة ترتيبية للحُجَج(15)، وهو:"عبارة عن مجموعة غير فارغة من الأقوال مزودة بعلاقة ترتيبية ومُوفية بالشرطين الآتيين:

    أ - كل قول يقع في مرتبة ما من السُّلم يلزم عنه ما يقع تحته، بحيث تُلزم عن القول الموجود في الطرف الأعلى جميع الأقوال التي دونه.

    ب - كلُّ قول كان في السُّلم دليلاً على مدلول معين، كان يعلوه مرتبة دليلاً أقوى عليه"(16).

    الدراسات السابقة:

    تعدُّ الدراسات السابقة من الدعامات الأساس، والروافد القوية، التي تسهم في إثراء البحوث العلمية في جانبيها النظري والميداني، وذلك في الإفادة بشكل رئيس من منهجيتها البحثية، والوقوف على أبرز ما توصلت إليه من نتائج، وما قدمت من توصيات.

    ومن خلال تصفحي لكثير من الفهارس المعنية بالدراسات العليا في الجامعات السعودية والعربية، وبعض مراكز الاختصاص، مثل: مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، والمكتبات العامة كمكتبة الملك عبد العزيز، والمكتبات الإلكترونية والرقميَّة، وبعض الكتب المختصة بالببليوجرافيا، لم أجد ما يفيد بأي دراسة حول هذا الموضوع: (وَسَائل الحِجَاج وآليَّاته فِي كِتَابِ (فَيْضِ الخَاطِرِ) لأَحمَد أَمِيْن مَقَالات).

    ولذا سيتم استعراض الدراسات ذات العلاقة بالبحث وَفْقًا لأسبقيتها الزمنية مشيرًا بَدْءَ ذلك إلى أنَّ دراسة أعمال الأدباء واللُّغَويين المحدثين دراسة لُغَوِية حِجَاجِيَّة قليلة، بالمقارنة مع تلك التي توجهت إلى دراسة أساليب الحِجَاج دراسة تطبيقية على كتب القدماء، وسور القرآن، ونماذج من الحديث الشريف، وأما غيرها من الدراسات فركزَّ جُلُّها على ترجمة المقالات، والدراسات والكتب الغربية في موضوع البَلاغة الجديدة والحِجَاج، فكانت دراسات نظرية لحدود المصطلح وأطره وتَقنيَاته(17).

    أما الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع البحث فهي كالآتي:

    أولاً: دراسة (هاجر مدقن، 2003 م) بعنوان: (الخِطَاب الحِجَاجي أنواعه وخصائصه دراسة تطبيقية في كتاب (المساكين) للرافعي، التي ركزت على دراسة أنواع الخِطَاب الحِجَاجي وخصائصه في كتاب (المساكين) للرافعي، معتمدةً على منهج تحليل الخِطَاب؛ لتحليل أنواع الخِطَابات الموجودة في المدوَّنة، وهي: الخِطَاب الحِجَاجي البلاغي، والخِطَاب الحِجَاجي الفلسفي، والخِطَاب الحِجَاجي التَّدَاوُلِي، حيث بيَّنت بِنْيَة كل واحد منها وخصائصه، مع الاستشهاد بأمثلة من الكتاب نفسة.

    وتوصَّلت الباحثة إلى جملة من النتائج، من أبرزها:

    • أنَّ كتاب (المساكين) للرافعي من المدوَّنات الأدبية التي تضمنت طابعًا حِجَاجيًّا بأنواعه المختلفة، وقد خدم غرض الكتاب وهو الإصلاح الاجتماعي.

    • لم يحل تنوُّع الخِطَابات الحِجَاجيَّة في الكتاب دون ارتكازه على بِنْيَة عامة واحدة للحِجَاج، تمثَّلت في البدء بالنَّتيجة (الأطروحة) ثم إدراج الحُجَج بعدها.

    • دور الأسلوب البلاغي في تكوين بِنْيَة الحِجَاج في الكتاب.

    • أنَّ كلَّ أطروحة في الكتاب تتضمن واقعًا بديلاً لواقع مطروح يستدعي التغيير(18).

    وستفيد هذه الدراسة الباحث نظراً للتقارب بين الدراستين من حيث موضوع الدراسة الحِجَاج وتَقنيَاته، وخصائص الخِطَاب الحِجَاجي.

    ثانيًا: دراسة (هدى باز، 2011 م) بعنوان: (تحليل خِطَاب الحِجَاج الاجتماعي في مؤلفات قاسم أمين)، واتخذت الباحثة من المؤلفات الآتية: (أسباب ونتائج، وأخلاق مواعظ، وتحرير المرأة، والمرأة الجديدة) مدونةً للبحث، وذلك بوصفها خِطَابًا حِجَاجيًّا إقْنَاعيًّا، استخدم فيه الكاتب أساليب التَّأثِير والإقْنَاع المختلفة؛ لتحقيق مقاصده في الإصلاح الاجتماعي، وقد استخدمت الباحثة منهج نظرية الاتصال اللُّغَوي في دراسة هذه الخِطَابات الحِجَاجيَّة من منظور الحِجَاج الاجتماعي؛ لاشتمالها على جميع القضايا ذات العلاقة بالمجتمع المصري آنذاك، كالتربية والتعليم، والبطالة، والمرأة، والفساد، وغيرها، وذلك بتحديد وسائل التَّأثِير والإقْنَاع المختلفة في الخِطَاب الحِجَاجي.

    وكان من جملة ما خرجت به الباحثة من نتائج:

    • انتماء خِطَابات قاسم أمين الحِجَاجيَّة إلى الحِجَاج التقويمي الذي يُراعي المرسل فيه أمرين، هما: الإقْنَاع، والحُجَج، التي قد يعارضه بها المرسل إليه فيدحضها عند استحضار حُجَجِه.

    • تَوظِيف الكاتب للكثير من الآليَّات المنطِقيَّة الحِجَاجيَّة في خِطَابه الاجتماعي؛ لتحقيق الإقْنَاع العقلي للمتلقين.

    • تَوظِيف الكاتب للكثير من الحُجَج الصِّناعية، والبلاغية، وأدوات الإقْنَاع اللُّغَوية، والنصوص الدينية.

    • تطور التَّقنيَات الحِجَاجيَّة في مؤلفات الكاتب، من حِجَاج لإصلاح المجتمع المصري، إلى حِجَاج مُسخَّر للرَّد على الاعتراضات والهجوم الذي وُجه إليه حينما نادى بتحرر المرأة(19).

    وتتقارب هذه الدراسة مع موضوع الباحث، مع اختلاف أنَّ هذه الدراسة ركزت على تحليل الخِطَاب من منظور اجتماعي فقط وَفْقَ نظرية الاتصال، أمَّا دراسة الباحث فستدرس مقالات أحمد أمين في (فيض الخاطر) دراسة لُغَوِية حِجَاجِيَّة من منظور عام، بوصفها خِطَابًا حِجَاجيًّا يشتمل على وسائل حِجَاجِيَّة وآليَّات متنوعة.

    ثالثًا: دراسة (حمدي جودي، 2012 م) بعنوان: (إستراتيجية الحِجَاج التعليمي عند الشيخ البشير الإبراهيمي: مقال (الطلاق) أنموذجًا. التي استهدفت الكشف عن إستراتيجية الحِجَاج التعليمي، وأبرز تَقنيَات المحاجَجة في مقالات البشير الإبراهيمي، وكان من أبرز نتائج البحث ما يأتي:

    • اعتماد الكاتب على الإحالة الداخلية، وبخاصة الإحالة القبلية؛ بقصد بِنَاء المعلومات في ذهن المتلقي.

    • ميل الكاتب إلى تَكرار المضمون أكثر من الشكل، وذلك للتدرج في الانتقال بالمعنى إلى ذهن المتلقي.

    • تنوع الكاتب في استخدام أسلوب الازدواج.

    • تضافر الوَسَائِل اللِّسانِية، والمنطِقيَّة، واللُّغَوية المعينة على بِنْيَة الحِجَاج في المثال الواحد(20).

    رابعًا: دراسة (محمد عطا الله، 2012 م) بعنوان: ( تَوظِيف الرَّوابِط الحِجَاجيَّة في مقالات محمد البشير الإبراهيمي: دراسة تحليلة للرابط الحِجَاجي) التي هدفت إلى تحليل تَوظِيف الرَّوابِط الحِجَاجيَّة في كلام الكاتب، وكان من نتائج الدراسة ما يأتي:

    • وفرة الرَّوابِط، والعوامل الحِجَاجيَّة في نسيج كلام الكاتب.

    • القدرة على تَوظِيف هذه الرَّوابِط على النحو الذي يتوخاه الكاتب(21).

    وتكاد تتفق هذه الدراسات مع الدراسة الحالِيَّة في المنهج المستخدم في البحث والتحليل القائم على استخدام الإستراتيجيات الحِجَاجيَّة في معالجة النصوص- موضوع الدراسة- وبحثها، وتختلف في مدونة البحث، ونوع النصوص المدروسة وطبيعة عصرها.

    ما ستضيفه هذه الدراسة:

    ستقتصر هذه الدراسة على دراسة: (وَسَائل الحِجَاج وآليَّاته فِي كِتَابِ (فَيْضِ الخَاطِرِ) لأَحمَد أَمِيْن مَقَالات)، وستركِّز على محاور، هي:

    1 - الكشف عن الوَسَائِل الحِجَاجيَّة المستخدمة، من خلال دراسة:

    • الوَسَائِل اللُّغَوية ودورها الحِجَاجي، مثل: (الازدواج، التَّكرار، الإحالة...).

    • الوَسَائِل البلاغية ودورها الحِجَاجي، مثل:(الحِجَاج بالبَيَان، وبالبديع، وبالمعاني).

    • الوَسَائِل المنطِقيَّة ودورها الحِجَاجي، مثل:( القياس الـمَنطِقِي، الـمُضمَر، المتدرج).

    2 - الكشف عن الآليَّات الحِجَاجيَّة المستعملة، من خلال دراسة:

    • الرَّوابِط الحِجَاجيَّة وأثرها الحجَاجِي:

    بحسَب مِعيار وظِيفة الرَّابط، مثل:

    - الرَّوابِط الـمُدرِجة للحُجَج، مثل:( إنَّ، قَدْ ،أنْ...).

    - الرَّوابِط الـمُدرِجة للنتائج، مثل:( حتَّى، إذَن، كَي...).

    وبحسَب مِعيَار العَلاقة بين الحُجَج، مثل:

    - روابِط التَّعارض الحِجَاجي، مثل:( لَكَّن، بَلْ، أمْ...).

    - روابِط التَّساوق الحِجَاجي، مثل:(ثمَّ، الواو، لا سيَّما...).

    • العوامل الحِجَاجيَّة وأثرها الحجَاجِي، مثل:

    - عوامل الاستفهام، مثل: (هَل، أيْن، الهمزة...).

    - عوامل القَصر، مثل:( النفي والاستثناء، العطف بـ(بَل)، التقديم لما حقه التأخير (إيَّاك)...).

    - عوامل الشرط، مثل:(لَو، مَتَى، مَنْ...).

    - الوِحدات المعجميَّة، مثل:(رُبمَا، قليلاً، تقريبًا...).

    • السَّلالم الحِجَاجيَّة وأثرها الحجَاجِي، مثل:

    - قانون النفي: الذي يرتبط بالنفي.

    - قانون القلب: الذي يرتبط بالنفي، ومَفَاده أنَّ السُّلم الحِجَاجي للأقوال المنفية هو عكس الأقوال المثبتة.

    - قانون الخفض: الذي ينتج عن طريق النفي اللُّغَوي(22).

    3 - وصف فاعلية الوَسَائِل الحِجَاجيَّة والآليَّات في تحقيق مقاصد الكاتب، وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها.

    4 - الإسهام في مجال الدراسات اللُّغَوية الحِجَاجيَّة ورَفدها بدراسة لُغَوِية جديدة في أساليب الحِجَاج.

    منهج البحث:

    ستأخذ الدراسة بأسُس المقاربة الحجاجيّة ضمن رؤية تداوليّة تعتمد منهج تحليل الخِطَاب اللُّغَوي، للكشف عن الوَسَائِل الحِجَاجيَّة والآليَّات المستخدمة في مقالات (فَيض الخَاطر).

    حدود البحث:

    تتمثل حدود الدراسة في الاقتصار على مقالات كتاب (فَيض الخَاطر) الذي يُعدُّ المدونة الرئيسة للبحث من خلال معالجة الخِطَاب الحِجَاجي ووسائله وآليَّاته، وتحليل بِنيتِه؛ لتحقيق أهداف البحث، والإجابة عن تساؤلاته.


    1() البُعْد التَدَاوُلِي في الحِجَاج اللِّسانِي، بنعيسى أزاييط، ضمن كتاب: الحِجَاج مفهومه ومجالاته- دراسات نظرية وتطبيقية في البَلاغة الجديدة، إشراف د.حافظ إسماعيلي علوي، دار عالم الكتب الحديث، الأردن، الطبعة الأولى، 2010م: 2/ 238.

    2() نظرية الحِجَاج في اللُّغَة، شكري المبخوت، ضمن كتاب: أهم نظريات الحِجَاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، إشراف: حمادي صمود، كلية الآداب، جامعة الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، منوبة، تونس، الطبعة الأولى، 1999م: ص 352.

    3() ذكر أحمد أمين في مقدمة الكتاب قوله:»هذه مقالات نشر بعضها في مجلة (الرسالة) وبعضها في مجلة (الهلال) وبعضها لم ينشر في هذه ولا تلك، استحسنت جمعها في كتاب... بعض هذه المقالات وليد مطالعات هادئة، وبعضها نتيجة عاطفة مائجة، وكلها تعبيرات صادقة، أصدقُ كاتب في نظري من احتفظ بشخصيته، وجعل أفكاره وعواطفه تمتزج امتزاجًا تامٍّا بأسلوبه، وخير أسلوب عندي ما أدى أكثر ما يمكن من أفكار وعواطف في أقل ما يمكن من عسر وغموض والتواء». فيض الخاطر، أحمد أمين، اعتنى به: د. درويش الجويدي، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى، 2010م/ 1431ه: ص 5.

    4() انظر: فيض الخاطر، مرجع سابق: مقال:(الرأي والعقيدة): 1/7، و:(السوبرمان أو الإنسان الكامل):5/104، و:(كن سيدًا ولا تكن عبدًا): 8/33، و:(بطولة الفاروق تتمثل في أخلاقه وعقليته):10/86.

    5() انظر: فيض الخاطر، مرجع سابق: مقال:(بين الشرق والغرب أو المادية والروحية): 2/43، و:(وآفة الشرق التقاليد): 8/24، و:(مستقبل العالم):9/206.

    6() انظر: فيض الخاطر، مرجع سابق: مقال:(الجامعة كما أتصورها):1/57، و:(في الطريق):5/29، و:(السينما والشباب): 8/41، و:(حياتنا مربى بلا خبز):10/170.

    7() لسان العرب، جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1968 م: 2/ 228 . مادة (حجج).

    8() إستراتيجيات الخِطَاب- مقاربة لُغَوِية تَدَاوُلِية، عبد الهادي بن ظافر الشهري، دار الكتاب الجديدة المتحدة، لبنان، الطبعة الأولى، 2004م: ص 456، 457.

    9() انظر: الحِجَاج في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني للهجرة- بنيته وأساليبه، سامية الدريدي، عالم الكتب الحديث للّنشر والّتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2008 م: ص 119.

    10() انظر: تجليات الحِجَاج في الخِطَاب النبوي، دراسة في وسائل الإقْنَاع- الأربعون النووية نموذجًا، هشام فروم، رسالة ماجستير (غير منشورة)، مقدمة إلى قسم اللُّغَة العربية وآدابها، جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، 2008 م: ص 175.

    11() انظر: تجليات الحِجَاج في الخِطَاب النبوي، دراسة في وسائل الإقْنَاع- الأربعون النووية نموذجًا، مرجع سابق: ص 192.

    12() اللُّغَة والحِجَاج ، د. أبو بكر العزاوي، مؤسسة الرحاب الحديثة، لبنان، الطبعة الأولى، 2009 م: ص 33. والحِجَاج والمعنى الحِجَاجي، د.أبو بكر العزاوي، ضمن كتاب: التَّحَاجج طبيعته ومجالاته ووظائفه، تنسيق:حمو النقاري، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، الطبعة الأولى، 1427 هـ، 2006 م: ص 64، والحِجَاج في اللُّغَة، د. أبو بكر العزاوي، ضمن كتاب: الحِجَاج مفهومه ومجالاته- دراسات نظرية وتطبيقية في البَلاغة الجديدة، إشراف د.حافظ إسماعيلي علوي، دار عالم الكتب الحديث، الأردن، الطبعة الأولى، 2010 م:1/64.

    13() اللُّغَة والحِجَاج، مرجع سابق: ص 36، والحِجَاج والمعنى الحِجَاجي، مرجع سابق: ص 65. والحِجَاج في اللُّغَة، مرجع سابق: 1/65.

    14() اللُّغَة والحِجَاج ، مرجع سابق: ص 33، والحِجَاج والمعنى الحِجَاجي، مرجع سابق: ص 64. والحِجَاج في اللُّغَة، مرجع سابق:1/64.

    15() اللُّغَة والحِجَاج ، مرجع سابق: ص 26، والحِجَاج والمعنى الحِجَاجي، مرجع سابق: ص 59. والحِجَاج في اللُّغَة، مرجع سابق:1/60.

    16() اللِّسَان والميزان أو التكوثر العقلي، د.طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1998 م: ص 277.

    17() عرض الباحث لعناوين هذه الدراسات والمترجمات في (ثبت مصادر البحث ومراجعه) انظر: ص473-498.

    18() انظر: الخِطَاب الحِجَاجي أنواعه وخصائصه - دراسة تطبيقية في كتاب (المساكين) للرافعي، هاجر مدقن، رسالة ماجستير (غير منشورة)، مقدمة إلى قسم اللُّغَة العربية وآدابها، جامعة ورقلة، الجزائر، 2003 م.

    19() انظر: تحليل خِطَاب الحِجَاج الاجتماعي في مؤلفات قاسم أمين، هدى عبد الغني باز، مكتبة الآداب، القاهرة، الطبعة الأولى، 2011 م.

    20() انظر: إستراتيجية الحِجَاج التعليمي عند الشيخ البشير الإبراهيمي- مقال: (الطلاق) أنموذجًا (الجزء الأول)، حمدي منصور جودي، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، الجزائر، العدد (5)، السنة 2009 م. وإستراتيجية الحِجَاج التعليمي عند الشيخ البشير الإبراهيمي - مقال: (الطلاق) أنموذجًا (الجزء الثاني)، حمدي منصور جودي، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، الجزائر، العدد (10، 11)، السنة 2012 م.

    21() انظر: تَوظِيف الرَّوابِط الحِجَاجيَّة في مقالات محمد البشير الإبراهيمي - دراسة تحليلة للرابط الحِجَاجي، محمد عطا اللّه، مجلة علوم اللُّغَة العربية وآدابها، جامعة الوادي، الجزائر، العدد (2)، السنة 2012 م.

    22() انظر: اللُّغَة والحِجَاج ، مرجع سابق: ص 27-30. والحِجَاج والمعنى الحِجَاجي، مرجع سابق: ص 60- 62. والحِجَاج في اللُّغَة، مرجع سابق:1/61-63.

    الفصل الثّاني

    مَفهُومُ الحِجَاج ودِلالاتُه

    الفصل الثّاني

    مفهُومُ الحِجَاج ودِلالاتُه

    التمهيد: المفهوم اللُّغَوي والاصطلاحي للحِجَاج.

    المبحث الأوّل

    المبحث الأول: مفهُومُ الحِجَاج ودِلالاتُه عند القدماء.

    أولاً: مَفهُومُ الحِجَاج ودِلالاتُه في الفكر الغربي.

    ثانيًا: مَفهُومُ الحِجَاج ودِلالاتُه في الفكر العربي.

    التمهيد

    المفهوم اللُّغَوي والاصطلاحي للحِجَاج

    يَتَّصِف موضوع الحِجَاج بِتعمُّق جذُوره، وتأصُّلِه في المعرفة الإنسانية، وبِتداخُله مع كثير من العلوم المعرفية،كعلم الفَلسفة، والمنطِق، وبعض العلوم اللُّغَوية، واللِّسانِيات التطبيقية، وتخصصات أخرى كثيرة، مما جعل وظيفة الحِجَاج ودِلالاته لاتتحدد إلا من خلال السِّياقات الخاصة بالاستعمال اللُّغَوي، وحَسْب العلوم التي يُوَظَّف فيها أساسًا أو عرضًا.

    وتبعًا لذلك تشعَّبت مفاهيم الحِجَاج، وتعدَّدت مظاهره بين الباحثين؛ مما صعَّب الإحاطة به أو ضبطه؛ لتَنوع مجالاته:وتعدد استعمالاته وتَبايُن مرجعياته: الخَطَابة، الخِطَاب، القضاء، الفلسفة، [فهو] يستمد معناه وحدوده ووظائفه من مرجعية خَطَابية محددة، ومن خصوصيَّة الحقل التواصلي الذي يندمج في إستراتيجياته، [إذًا] لا غرابةَ والحالة هذه أنَّ هناك حِجَاجًا خطَابيًّا لِسَانِيًّا، وحِجَاجًا خطَابيًّا بلاغيًّا، وآخر قضائيًّا، أو سياسيًّا، أو فلسفيًّا(1).

    ولذا يصعُب الإحاطة بمفاهيم الحِجَاج كلها، فكان من الصواب الاقتصار على بعضها مما يفيد في فَهم الحِجَاج ودِلالاته، ودراسة تَقنيَاته، ومعرفة آليَّاته المختلفة باختلاف الاتجاهات الحِجَاجيَّة، والمدارس اللِّسانِية.

    1 - المفهوم اللُّغَوي للحِجَاج

    في المعاجم اللُّغَوية لا يخرجُ عمَّا أورده ابن فارس (ت 395 هـ) في قوله: حَاجَجْتُ فلانًا فحجَجْته، أي:غلبتُه بالحُجَّة، وذلك الظَّفرُ يكون عند الخُصُومة، والجمع حُجَج، والمصدر الحِجَاج(2).

    وقد أفاد من هذا التعريف ابن منظور ومن جاء بعدَه، فقال:حاجَجْتُه أُحاجُّه حِجَاجًا ومُحاجَّةً حتَّى حَجَجْتُه، أَي:غَلَبْتُه بالحُجَج التي أَدْلَيْتُ بها... والحُجَّة هي البُرهَان...وقيل: الحُجَّة ما دُوفِعَ به الخَصْم، وقال الأَزهري: الحُجَّة الوجه الذي يكون به الظَّفَرُ عند الخُصُومة، وهو رجلٌ مِحْجَاج، أَي: جَدِلٌ، والتَّحَاج التَّخَاصُم، وجمع الحُجَّة: حُجَجٌ وحِجَاج، وحاجَّه مُحاجَّةً وحِجَاجًا: نازعه الحُجَّة، وحَجَّه يَحُجُّه حَجًّا: غَلبه على حُجَّتِه(3).

    ويمكن أن يُستخلص من الدلالة المعجمية للحِجَاجِ التَّصورات الآتية:

    • أنَّ الـمُغالبة بالحُجة أول معاني الحِجَاج، وهي لا تشترط نِزاعًا أو خُصومة، بقدر ما تستقصد حصول التَّأثِير والإقْنَاع.

    • أنَّ الحِجَاج قد يعني التَّخَاصُم، والتَّنَازُع، والتَّغالب، باستخدام الوَسَائِل اللُّغَوية الـمُعينة على ذلك، كاستحضار الدَّلِيل والبُرهَان، من خلال اشتراك الـمُحَاجِج مع الـمُحَاجَج في نشاط فكري تواصلي، له غاية محددة، وهدف مقصود لذاته في أثناء الحِجَاج(4).

    • أنَّ التَّخاصمَ والتَّنازعَ ليسا حُكمًا عامًّا في كل حِجَاج، فقد يكون هناك حِجَاجٌ دون خصومة أو نِزاع، كما في الخطابة الدينية، أو خطابة السياسي في أنصاره.

    • أنَّ لفظ الحِجَاج ومتصرفاته:(الـمُحَاجَّة، والتَّحَاجج، والتَّحَاج، والـمُحاجَجَة) وغيرها تستقي دِلالَاتها من: الجَدَل، والظَّفَر، والتَّخَاصُم، فالحِجَاج يكون - أحيانًا - لخصومة، يدلُّ على ذلك كلمة (غَلَبَة) التي تكون لمن يقيم الحُجَّة، والبُرهَان، والدَّلِيل على صِحَّة ما يدَّعي.

    • أنَّ صورة الخِطَاب الحِجَاجي تَتجسَّد في الجِدَال الذي يفترض وجود طرفي التَّخاطب أو التَّحَاج؛ لتحقيق العملية الحِجَاجيَّة التَّواصُليَّة بتقدير أنَّه لا وجود لخِطَاب خارج الحِجَاج، ولا حِجَاج بلا تواصل باللِّسَان(5).

    • أنَّ الحِجَاج يحمل في مضمونه دِلالَة ومعنى مُسْتَمَدَّين من سياقه وعملياته التَّخاطبية، والمتمثلة في التَّخَاصُم، والتَّنَازُع، والجِدَال، والغَلَبَة بصفتها عمليات فكرية تواصلية(6).

    إذن: فالحجاج في اللغة فعل قول يتَنزل ضمن سياق جدالي يجمع بين طرفين فأكثر، ويتقصَّد إفحام الخصم وإقناع المتلقي، فالحجَاج عمل لغوي برهاني يندرج ضمن فضاءات التعبير عن الذات والحوار مع الغير، ويتيح المجال للتباري بلأفكار والآراء، ويقتضي من المتكلم لزوم نهج في الإجابة ونظام في التفكير، ورصف الحُجج على نحو يضمن الفهم، ويحقق الإفهام، ويستميل القلوب والعقول على السواء(7).

    2 - المفهوم الاصطلاحي للحِجَاج(8).

    يندرج الحِجاج:ضمن ما تطلق عليه علوم الاتصال السلوك أو الموقف الخارجي، الذي يهتم بكل ما يتعلق بطريقة إيصال الرسائل، وفهم دلالتها الاجتماعية في السياقات التي ترد فيها(9).

    ويختلف باختلاف العلم الذي يتناوله، ويتنوع بتنوع الاتجاهات الحِجَاجيَّة، والوظيفة التي يؤديها داخل النص، فهناك مفهوم فلسفي للحِجَاج، وآخر مَنطِقِي، إلى جانب المفاهيم البلاغية واللغوية، والتَّداوُليَّة وغيرها، مما جعل دِلالَات الحِجَاج تتشعب وتختلف باختلاف موضوع الدراسة، ويُعزى ذلك إلى عوامل منها:"

    • تعدد مظاهر الحِجَاج وتنوعها: ( الحِجَاج الصَّرِيح، الحِجَاج الضِّمني).

    • تعدد استعمالات الحِجَاج وتَبايُن مرجعياتها: الخَطَابة، الخِطَاب، القضاء، الفلسفة، المنطق، البَلاغة، التَّداوُليَّة، التعليم وغيرها.

    • خضوع الحِجَاج في دِلالَته لما يميز ألفاظ اللُّغَة الطبيعية من ليونة تَدَاوُلِية، وكذلك من تأويلات متجددة، وطواعية استعمالِيَّة"(10).

    ومن الباحثين من يعزو صعوبة تحديد دِلالَة الحِجَاج ومفهومه إلى أنَّ:ماهية الحِجَاج تقوم في كونه ينطوي على قدر من الالتباس في الوظيفة، هذا الالتباس الذي لا نجد له نظيرًا في غيره من طرق الاسْتِدْلال، ولولا تضمُّن الحِجَاج لهذا الالتباس، لما تميزت طريقه عن طريق البُرهَان، فهذا الالتباس هو إذن الفاصل بين الحِجَاج والبُرهَان(11).

    ويمكن تناول مفاهيم الحِجَاج الاصطلاحية -برغم التداخل بينها، وصعوبة التمييز الحاسم بين المفاهيم؛ لتداخل اختصاصاتها- وَفق التقسيم الذي يُلائم طبيعة الدراسة إلى الآتي:

    أ - مفَاهِيم ذَات أُصُول فَلسَفيَّة مَنطِقيَّة

    كما في اللُّغَة الفرنسية إذ تدل كلمة (Argumentation):على معاني متقاربة أبرزها: القيام باستعمال الحُجَج، ومجموعة من الحُجَج التي تستهدف تحقيق نتيجة واحدة، وفَنُّ استعمال الحُجَج أو الاعتراض بها في مناقشة معينة(12). وتزيد اللُّغَة الإنجليزية المفهوم وضوحًا:فيُشير لفظ (Argue) إلى وجود اختلاف بين طرفين ومحاولة كل منهما إقْنَاع الآخر بوِجهَة نظره، وذلك بتقديم الأسباب أو العلل التي تكون حُجَّة مُدعِمَة أو دَاحِضَة لفكرة، أو رأي، أو سلوك ما(13).

    في حين اختصر قاموس (كامبردج، Cambrige) المفهوم فذكر أنَّ:الحِجَاج هو الحُجَّة التي تُعَلِّل أو تُبرِّر مساندتك أو معارضتك لفكرة ما(14). وأفاد المعجم الفلسفي من سابقه، فَعَدَّ: الحِجَاج هو جملة من الحُجَج التي يؤتى بها للبرهان على رأي أو إبطاله، أو هو طريقة تقديم الحُجَج والاستفادة منها(15).وتقارب هذه الدِلالَة موسوعة (لالاند) إذ تعرف الحِجَاج بأنه:سلسلة من الحُجَج تنتهي بشكل كُلي إلى تأكيد النتيجة نفسها، وأنَّه طريقة عرض الحُجَج وترتيبها(16).

    وعرَّف (أندرسين، Andersen) و(دوفر، Dover) الحِجَاج مَنطِقِيًّا بأنَّه:طريقة لاستخدام التحليل العقلي، والدعاوي المنطِقيَّة، وغرضها حل المنازعات والصراعات، واتِّخاذ قرارات مُحكَمة، والتَّأثِير في وجهات النظر والسلوك(17). فالحِجَاج لديهم يُستخدم فيه المنطق للتأثير في الآخرين، ويُعدُّ مجالاً من مجالات التَّداوُليَّة، إذ يرتبط مفهومه بالأفعال اللُّغَوية، وفي هذا المجال يعرفه (ماس، Mass) بأنَّه:سياق من الفعل اللُّغَوي تعرض فيه فرضيات (أو مُقَدمات) وادعَاءات مختلف في شأنها، هذه الفَرضِيات المقدمة في الموقف الحِجَاجي هي مُشكل الفعل اللُّغَوي (18).

    ومن الباحثين من يرى أنَّ الحِجَاج:فَعَاليَّة لُغَوِية اجتماعية وعقلانية، غايتها إقْنَاع المعترض العاقل بمقبولية رأي من الآراء، وذلك عبر تقديم جملة من القضايا المثبتة أو النافية لما ورد في هذا الرأي من قضايا(19).

    ومنهم من يصف الحِجَاج بأنَّه:جنس خاص من الخِطَاب، يُبنى على قضية أو فرضية خلافية، يعْرِض فيها المتكلم دعواه مدعومة بالتبريرات، عبر سلسلة من الأقوال المترابطة ترابطًا مَنطِقِيًّا، قاصدًا إقْنَاع الآخر بصدق دعواه، والتَّأثِير في موقفه أو سلوكه تجاه تلك القضية(20).

    فالحِجَاج وَفقَ هذا المفهوم يتمثل في الخطوات التي يحاول بها الشخص توجيه المستمع إلى تَبنِّي موقف معيِّن، أو رأي محدد، بالاعتماد على تمثيلات ذهنيِّة مجرَّدة أو حسيِّة ملموسة، أو على قضايا جازمة تهدف في الأساس إلى البَرهَنَة على صلاحيِّة رأي أو مشروعيته(21)، و:مِنْ ثَمَّ يمارسها مع الآخرين دفاعًا عن أفكاره ومعتقداته، عَارضًا أو مُفنِّدًا، مُحاورًا أو مُقْنعًا(22).

    ب - مَفاهِيم ذَات جُذور بَلاغيَّة إقناعيَّة

    ترى أنَّ هدفَ الحِجَاج الإقْنَاعُ، ووسيلتَه هي اللُّغَة، باختيار المرسل وسائله اللُّغَوية، وآليَّاته الحِجَاجيَّة، لـ:ترجيح خيار من بين خيارات بواسطة أسلوب هو في ذاته عُدُول عن إمكانيات لُغَوِية إلى أخرى يتوقع أنَّها أكثر نَجَاعة في مَقَام معين(23).

    كما تشير إلى أنَّ الحِجَاج علاقة تخاطبية تقوم على فنِّ الإقْنَاع حول موضوع ما، بين المتكلم الذي يدعم قوله بالحُجَج والأدلة والبَرَاهِين، لإقْنَاع المستمع بما يذهب إليه من آراء، فيتمثل في:توجيه خِطَاب إلى متلقٍ ما؛ لأجل تعديل رأيه أو سلوكه أو هما معًا(24). فهو موجه:للتأثير المباشر في آراء المخاطب وسلوكاته، بوساطة تقديم الحُجَج والأدلة المؤدية إلى نتيجة معينة، أو إنجاز تسلسلات استنتاجية داخل الخِطَاب(25).

    وعرَّفه (بيير أوليرو، Oleron Pierre):بأنَّه مسعى يحاول فرد أو جماعة إقْنَاع مخاطب بتبني موقف ما، وذلك بالاستعانة بتمثيلات أو دعَاوى (حُجَج) تهدف إلى البَرهَنَة على صِحَة الموقف أو شرعيته، ويقوم على تداخل عدة عناصر اجتماعية(26).

    وعرَّف (شيفرين، Schiffrin) الحِجَاج بأنَّه:جِنس من الخِطَاب، تُبنى فيه جُهود الأفراد دَعامة مواقفهم الخاصة، في الوقت نفسه، الذي ينقضون فيه دَعامة موقف خصومهم(27). كما يحدِّد مفهومه بأنَّه:خِطَاب إقْنَاعي، هدفه التَّأثِير في المتلقي، إمَّا لتدعيم موقفه، وإما لتغيير رأيه فيتبنَّى موقفًا جديدًا، سواء كان هذا الموقف يقتصر على الاقتناع الذاتي، أو يقتضي فعلاً ما (28).

    ج - مَفاهِيم ذَات نَزعَة لُغويِّة تواصليَّة

    ترى أنَّ الحِجَاج:إنجاز متواليات من الأقوال، بعضها هو بمثابة الحُجَج اللُّغَوية، وبعضها الآخر هو بمثابة النتائج التي تُستَنتج منها(29)، فاللُّغَة بطبيعتها تحمل سِمَة حِجَاجِيَّة؛ لأنَّ آلِيَّتها الخَطَابية محددة بوساطة بِنْيَة الأقوال الـمُكونة للتراكيب اللُّغَوية، التي تؤدي دورًا إقْنَاعيًّا وتأثيريًّا، وتتمثل هذه البِنْيَة في الملفوظات اللُّغَوية التي تَمَّ تَوظِيفها في داخل الخِطَاب الحِجَاجي(30). فـ:اللُّغَة تعدُّ بذاتها ذات بُعد حِجَاجي في جميع مستوياتها؛ لأنَّ المتكلم يستخدم الوحدات اللِّسانِية حَسْب ما يريد إبلاغه من أفكار، وبالقدر المقصود، ويَبْني هذه الوحدات وَفْقًا لأغراض التواصل المختلفة(31).

    كما عرفه بعضهم بأنه: علم يدرس أشكال ووسائل التَّأثير في المتلقي، التي تتم في إطار النص اللُّغَوي، أو في الإطار السِّيميَائِي العام بهدف الإقناع بفكرة ما، أو الدفاع عن فكرة ما، أو الهجوم على فكرة ما، للوصول إلى الإقناع أو الإفحام(32).

    وطَوَّر بعض الباحثين هذا المفهوم فجعل الحِجَاج إستراتيجيةً لُغَوِيةً، تكتسب قيمتها من الأحوال المصاحبة للخِطَاب؛ لأنَّ اللُّغَة:نشاط كلامي يتحقق في الواقع وَفْقَ معطيات معينة من السياق(33)، الذي يَتَوسَّل بالحِجَاج لـ:يسعى إلى الإقْنَاع، ويقدم البَرَاهِين التي تسمح لفكر ما أنْ يعلو على فكر، أو غَلَبَة موقف على موقف، أو رأي على رأي(34).

    وأفاد آخر من المفهوم السابق، فذكر أنَّ هذه الإستراتيجية تُعنى بـ: الخِطَاب الهادف إلى الأسْر والاستمالة، وذلك بُغية إحداث تأثير في المخاطب بالوَسَائِل اللِّسانِية والمقومات السِّياقية، التي تجتمع لدى المتكلم أثناء القول، من أجل توجيه خِطَابه والوصول إلى بعض الأهداف الحِجَاجيَّة(35).

    ومن الباحثين من تناول الحِجَاج بصفته أحد أنماط الخِطَاب الإقْنَاعي فيعرفه بأنَّه:نشاط إنساني، يتخذ أوضاعًا تواصليةً متعددةً، ووسائل متنوعة، ويهدف إلى إقْنَاع شخص، أو مستمع أو جمهور ما، بِتَبنِّي موقف ما، أو مشاركة في رأي ما(36)، فالحِجَاج وفقَ هذا المفهوم: لا ينحصر في استعمالات خَطَابية ظرفية، وإنما هو بُعْد ملازم لكل خِطَاب على وجه الإطلاق(37)، وهذا التَّلازم هو الـمُشرع للأهداف التَّواصُليَّة، لأنَّ كل خِطَاب موجه إلى الطرف الآخر، و:يهدف إلى الإقْنَاع، يكون له بالضرورة بُعْد حِجَاجي(38).

    ولذا – حسب هذا المفهوم – فإنَّ:أهمَّ شيء تَتَأسَّس عليه دِلالَة الحِجَاج هو وجود اختلاف بين المرسل للرسالة اللُّغَوية والمتلقِّي لها، ومحاولة الأول إقْنَاع الثاني بوِجهَة نظره، بتقديم الحُجَّة والدَّلِيل على ذلك، فالحِجَاج انتهاج طريقة معينة في الاتِّصال، غايته استمالة عقول الآخرين والتَّأثِير فيهم، وبالتالي إقْنَاعهم بمقصد معين(39).

    لذا فـ:"الحجاج مبحث خاص في الدراسات

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1