Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار
نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار
نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار
Ebook682 pages5 hours

نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

"أبي تمام: قال أبو الفرج: هو حبيب بن أوس الطائي ومنشؤه منبح بقرية منها يقال لها: جاسم. شاعر مطبوع لطيف الفطنة دقيق لمعاني غواص على ما يستصعب منها ويعسر متناوله على غيره والسليم من شعره لا يتعلق به أحد. ومن الناس من يتعصب له ويفضله على جميع الشعراء من سالف وخالف، وقوم يعتمدون الرديء من شعره فينشرونه ويطوون محاسنه. وليست إساءة من أساء في القليل وأحسن في الكثير مسقطة إحسان، والتوسط في كل شيء أجمل والحق أحق أن يتبع وقد فضل أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق الطاعنون عليه غباره، ولا يدكون وإن وجدوا آثاره. وروي أن محمد بن الزيات كان يقول: أشعر الناس طراً الذي قول يعني أبا تمام: وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنتَ لي ماءَ وجهي أو حقنتَ دمي"
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 29, 1900
ISBN9786466795780
نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار

Read more from ابن المبارك

Related to نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار

Related ebooks

Related categories

Reviews for نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار - ابن المبارك

    الغلاف

    نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار

    الجزء 2

    ابن المبارك

    181

    أبي تمام قال أبو الفرج: هو حبيب بن أوس الطائي ومنشؤه منبح بقرية منها يقال لها: جاسم. شاعر مطبوع لطيف الفطنة دقيق لمعاني غواص على ما يستصعب منها ويعسر متناوله على غيره والسليم من شعره لا يتعلق به أحد. ومن الناس من يتعصب له ويفضله على جميع الشعراء من سالف وخالف، وقوم يعتمدون الرديء من شعره فينشرونه ويطوون محاسنه. وليست إساءة من أساء في القليل وأحسن في الكثير مسقطة إحسان، والتوسط في كل شيء أجمل والحق أحق أن يتبع وقد فضل أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق الطاعنون عليه غباره، ولا يدكون وإن وجدوا آثاره. وروي أن محمد بن الزيات كان يقول: أشعر الناس طراً الذي قول يعني أبا تمام: وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنتَ لي ماءَ وجهي أو حقنتَ دمي

    شعر ابن النحاس

    وممن نقل عنه صاحب 'السلافة'الشيخ فتح الله ابن النحاس المدني قال في حقه: هو ناظم قلائد العقيان، الشاعر الساحر والباهر بما هو ألذ من الغمض في مقلة الساهر فهو صانع إبريز القريض، وغن عرف ابن النحاس، ومسترق حر الكلام فما أشعار عبد بني الحسحاس، والمبرز في الأدب على من درج ودب، وحسبك من لقبه الأدباء بمحك الأدب، ولو لم تكن له الإحائية التي سارت بها الركبان، وطارت شهرتها بخوافي النسور، وقوادم العقبان لكفته دلالة على أناقة قدره، وإشراق شمسه في سماء البلاغة وبدره، وله ديوان شعر لم أره، ولكنني سمعت خبره وقصيدته المشار إليها هي قوله في الأمير محمد بن فروخ أمير حاج الشام :

    بات ساجي الطرف والشوق يلح ........ والدجى إن يمض جنح جاء جنح

    فكان الشرق باب للدجى ........ ماله خوف هجوم الصبح فتح

    يقدح النجم لعيني شرراً ........ ولزند الشوق في الأحشاء قدح

    لا تسل عن حال أربا الهوى ........ يا ابن ودي ما لهذا المال شرح

    لست أشكو حال جفني والكرى ........ إن يكن بيني وبين النوم صلح

    إنما حلي للمحبين البكا ........ أي فضل لسحاب لا يسح

    ما نداماي وأيام الصبا ........ هل لنا رجع وهل للعمر فسح

    بصحتك المزن يا دار اللوى ........ كان لي فيها خلاعات وشطح

    حيث لي شغل بأجفان الظبا ........ ولقلبي مرهم منها وجرح

    كل عيش ينقضي ما لم يكن ........ مع مليح ما لذاك العيش ملح

    وبذات الطلح لي من عالج ........ وقفة أذكرها ما اخضل طلح

    حيث منا الركب بالركب التقى ........ وقضى حاجاته الشوق الملح

    لا أذم العيس للعيس يد ........ في تلاقينا وللأسفار نجح

    قربت منا فماً نحو فمً ........ فاعتنقنا والتقى كشح وكشح

    تزودت شذاً من مرشفٍ ........ بفمي منه إلى ذا اليوم نفح

    وتعاهدنا على كأس اللمى ........ وإنني ما دمت حياً لست أصحو

    يا ترى هل عند من قد رحلوا ........ أن عيشي بعدهم كد وكدح

    كم أداوي القلب قلت حيلتي ........ كلما داويت جرحاً سال جرح

    وكم أدعو ومالي سامع ........ فكأني كلما أدعو أبح

    حسنوا القول وقالوا غربة ........ إنما الغربة للأحرار ذبح

    أشتكي برح الجوا إن لم يرى ........ كابن فروخ لم يشك برح

    أين من كان لعاب سيفه ........ ما له إلا بأعلى القرن مسح

    فاذا قيل ابن الفروخ أتى ........ سقطوا لو أن ذاك القول مزح

    كل من أسره من رعيه ........ نومه اليوم بظل السيف سدح

    بأبي أفدي أميري إنه ........ صادق القول نقي العرض سمح

    كل ما قد قيل في ترجيحه ........ في الندى أو في الوغى فهو الأصح

    كم طروس بالقنا يكتبها ........ وسطور بلسان السيف يمحو

    يا عروس السيف والخيل له ........ من قراع الخيل والأبطال صدح

    يا رجال الخيل والحرب لها ........ في حياض الموت بالأبطال سبح

    خط سيف الجود في حظي الذي ........ هو كالدهر يمني ويشح

    أنقذني واتخذني بلبلاً ........ صدح بين يدي علياك مدح

    طالع الأدبار مالي وله ........ إن يكن من كوكب الإقبال لمح

    كل بيت في العلا أنحته ........ من نضيد الدر والياقوت صرح

    ناطق عني بالفضل الذي ........ إن تبارى فله في الفوز قدح

    بقواف كسقيط الطل أو ........ إنها من وجنات الغيد رشح

    خلقت طوع يدي كيما ترى ........ إنها كمن يتبعها وهي تشح

    وله أيضاً:

    رأى اللوم من كل الجهات فراعه ........ فلا تنكروا إعراضه وامتناعهُ

    ولا تسألوه عن فؤادي فإنني ........ علمت يقيناً أنه قد أضاعه

    له الله ظبياً كل شييء يروعه ........ فيا ليت لي شيئاً يزيل ارتياعه

    ويا ليته لو كان من أول الهوى ........ أطاع عزولي واكتفينا نزاعه

    فما راشنا بالسوء إلا لسانه ........ وما خرب الدنيا سوى ما أشاعه

    أشاع الذي أغرى بنا ألسن العدى ........ وطير عن وجه التغالي قناعه

    وأصبح من أهوى على فيه قفلة ........ يكتم خوف الشامتين انفجاعه

    وآلى على أن لا أقيم بأرضه ........ وأحرمني يوم الفراق وداعه

    فرحت وسيري خطوة والتفاتة ........ إلى فائت منه أرجي ارتجاعه

    ذرعت الفلا شرقاً وغرباً لأجله ........ وصيرت أخفاف المطي ذراعه

    فلم يبق أرض ما وطئت بساطها ........ ولم يبق بحر ما رفعت شراعه

    كأني ضمير كنت في خاطر النوي ........ أحاط به واشي السرى فأذاعه

    أخلاي من دار الهوى زارها الحيا ........ ومد إليها صالح الغيث باعه

    بعيشكم عوجوا على من أضاعني ........ وحيوه عني ثم حيوا رباعه

    وقولوا فلان أوحشتنا نكاته ........ وما كان أحلى شعره وابتداعه

    فتى كان كالبنيان حولك واقفاً ........ فليتك بالحسنى طلبت اندفاعه

    أبحت العدى سمعاً فلا كانت العدى ........ متى وجدوا خرقاً أحبوا اتساعه

    فكنت كذى عبد هو الرجل والعصى ........ تجنى بلا ذنب عليه فباعه

    لكل هوى واش وإن ضعضع الهوى ........ فلا تلم الواشي ولم من أضاعه

    إذ كنت تسقى الشهد ممن تحبه ........ فدع كل ذي عذل يبيع فقاعه

    وقولوا رأينا من حمدت افتراقه ........ ولم ترنا من لم تذم اجتماعه

    وإني الذي كالسيف حداً وجوهراً ........ لمن رام يبلو ضره وانتفاعه

    وما كنتما إلا يراع وكاتبا ........ فملا وألقى في التراب يراعه

    فإن أطرق الغضبان أوخط في الثرى ........ فقولوا فقد ألقى إليكم سماعه

    وقال مضمناً:

    لا يدعي بدر لوجهك نسبة ........ فأخاف أن يسود وجه المدعي

    والشمس لو علمت بأنك دونها ........ هبطت إليك من المحل الأرفع

    وله يمدح بعض مكارم عصره:

    ألام انتظاري للوصال ولا وصل ........ وحتام لا تدنو إلي ولا أسلو

    وبين ضلوعي زفرة لو تبوأت ........ فؤادك ما أيقنت أن الهوى سهل

    جميلاً بصب زاده النأي صبوة ........ ورفقا بقلب مسه بعدك الخبل

    إذا طرفت منك العيون بنظرة ........ فأيسر شيءٍ عند عاشقك القتلى

    أمنعمة بالزورة الظبية التي ........ بخلخاله حلم وفي قرطها جهل

    ومن كلما جردتها من ثيابها ........ كساها ثيابا غيرها الفاحم الجثل

    سقى المزن أقواماً بعساء رامة ........ لقد عطلت بيني وبينهم السبل

    وحيَّا زمانا كلما جئت طارقاً ........ سليمى أجابتني إلى وصلها جمل

    تود ولا أصبو وتوفي ولا أفي ........ وأنأى ولا تنأى وأسلو ولا تسلو

    إذا الغصن غض والشباب بمائه ........ وجيد الرضى من كل ناتئة عطل

    ومن خشية النار التي فوق وجنتي ........ تقاصر إن يدنو بعارض النمل

    بروجي من ودعتها ومدامعي ........ كسمط جمان جن من سمطه الحبل

    كأن قلاص المالكية نوخت ........ على مدمعي فارفض من مدره الأئل

    وما ضربت تلك الخيام بعالج ........ لقصد سوى أن لا يصاحبني العقل

    وجدب كأن العيس فيه إذا خطت ........ تسابق ظلاً أو يسابقها الظل

    يسمن بنا الانضاء حتى كأننا ........ جياد رحى أو أرضنا معنا قفل

    إذا عرضت لي من بلاد مذلة ........ فأيسر شيء عندي الوخد والرحل

    وليس اعتساف البيد عن مربع الأذى ........ يذل ولكن المقام هو الذل

    وما أنا ممن إن جهلنا خلاله ........ أقامت به القامات والأعين النجل

    وكل رياض جئتها لي مرتع ........ وكل أناس أكرموني هم الأصل

    ولي باعتمادي أبلج الوجه راشد ........ عن الشغل في أثار هذا الورى شغل

    همام رست للمجد فيه جنب عزمه ........ جبال جبال المجد في جنبها سهل

    وليث هياج ما عيين جفونه ........ من الكحل إلا والعجاج لها كحل

    يقوم مقام الجيش إن غاب جيشه ........ ويغمد حد النصل إن غمد النصل

    زكت شرفاً أعراقه وفروعه ........ وطابت لنا منه الفضائل والفعل

    إذا لم يكن فعل الأمير كأصله ........ كريماً فما تغني المناسب والأصل

    من النفر الغر الذين تألفوا ........ مدى الدهر أن يأتي ديارهم البخل

    كرام إذا راموا فطام وليدهم ........ من الثدي خطو البخل فانفطم الطفل

    ليوث إذا صابوا غيوث إذا هموا ........ بحور إذا جادوا السيوف إذا سلوا

    وإن خطبوا مجدا فإن سيوفهم ........ مهور وأطوار القنا لهم أرسل

    إذا قفلوا تنأى العلى حيث ما نأوا ........ وإن نزلوا حل الندى حيثما حلوا

    توالت على كسب الثناء طباعهم ........ وأعراضهم حرم وأموالهم حل

    أمولاي إن تمضي فغيض سما العدا ........ وقامت قناة الدين وانتشر الفضل

    وإن يك قد أفضى الزمان بسالم ........ فإنك روض الوبل إن ذهب الوبل

    إليك ارتمت فينا قلاص كأنها ........ قسي بأسفار كأنهم نبل

    وما زجر الأنضاء سوطي وإنما ........ إليك بلا سوق تساوقت الإبل

    وكل لحاظ لست إنسانها قذى ........ وكل بلاد لست صيبها محل

    وقال صاحب 'السلافة' قد لمحت في أول الترجمة بقولي فما أشعار عبد بني الحسحاس لقوله:

    أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ........ يوم الفخار مقام الأصل والورق

    إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً ........ أو أسود الخلق إني أبيض الخلق

    وعبد بني الحساس هذا: هو سحيم، وكان عبدا اسود نوبيا، مطبوعا في الشعر، اشتراه بنو الحساس، فنسب إليهم، وهم بطن من بني أسد، وقد أدرك النبي، ويقال: انه تمثل من شعره بكلمة غير موزونة، وهي: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إنما قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً، فجعل لا يطبق فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله، وما علمناه الشعر وما ينبغي له .ويقال: أنه أنشد عمر رضي الله عنه قوله:

    عميرة ودع إن تجهزت غادياً ........ كفا الشيب والإسلام للمرء ناهيا

    فقال له عمر رضي الله عنه: لو قلت شعرك مثل هذا لأعطيتك عليه .وعن محمد بن سلام قال: كان عبد بني الحسحاس حلو الشعر رقيق الحواشي وفي سواده يقول:

    وما ضر أثوابي سواي وإنني ........ لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه

    كسيت قميصاً ذا سواد وتحته قميص من الإحسان بيض بنائقه

    وعن أبي مسهر، قال: أخبرني بعض الأعراب أن أول ما تكلم به عبد بني الحسحاس أنهم أرسلوه رائداً فجاء وهو يقول:

    أنعتُ غيثاً حسناً نباته ........ كالحبشي حوله بناته

    فقالوا شاعر والله، ثم نطق بالشعر بعد ذلك .قال محمد بن سلام: أتى عثمان رضي الله عنه بعبد بني الحسحاس ليشتريه، فأعجب به فقيل له: إنه شاعر. وأرادوا أن يرغبوه فيه، فقال: لا حاجة لي فيه فإن الشاعر لا حريم له إن شبع شب بنساء أهله، وإن جاع هجاهم، فاشتراه غيره، فلما رحل به قال في طريقه:

    أشوقاً لما تمض لي غير ليلة ........ فكيف إذا سار المطي بنا شهراً

    وما كنت أخشى مالكاً أن يبيعني ........ بشيء ولو أضحت أنامله صفرا

    أخوكم ومولاكم وصاحب سركم ........ ومن قد سوى فيكم وعاشركم دهرا

    فلما بلغهم شعره، رثوا له واستردوه وكان يشبب بنسائهم حتى قال:

    لقد تحدر من جبين فتاتكم ........ عرق على متن الفراش وطيب

    فقتلوه والله أعلم .وممن ترجم له صاحب 'السلافة'الشيخ حسن بن الشهيد الشامي العاملي، قال في حقه: هو شيخ المشايخ الجلة، ورئيس المذهب والملة، الواضح الطريق والسنن المحقق، ولا يراع له يراع والمدقق الذي راق فضله وراع المتفننين في جميع الفنون، والمتفخر به الآباء والبنون، وأما الأدب فهو روضه لأريض، ومالك زمام السجع منه والقريض، والناظم قلائده وعقوده، والمميز عروضه من تقوده وسأثبت منه ما يزدهيك إحسانه وتعطيك خرائده وحسانه .فمن ذلك قوله:

    طول اغترابي بفرط الشوق أضناني ........ والبين في غمرات الوجد ألقاني

    فما رأيتك بالآفاق معترضاً ........ إلا وذكرتني أهلي و أوطاني

    وما سمعت شج الورقاء نايحة ........ في الأيك إلا وشبت منه نيراني

    كم ليلة من ليالي البين بت بها ........ أرعى النجوم بطرفي وهي ترعاني

    كأن أيدي خطوب الدهر منذ نأوا ........ عن ناظري كحلت بالسهد أجفاني

    ويا نسيماً سرى من حيهم سحراً ........ في طيه نشر ذاك الرند والبان

    أحييت ميتاً بأرض الشام وجهته ........ وفي العراق له تخييل جثمان

    وكم حييت وكم قد مت من شجن ........ ما ذاك أول إحيائي ولا الثاني

    شابت نواصي من وجدي فوا أسفي ........ على الشباب فشيبي قبل إباني

    يا لائمي وبهذا اللوم تزعجني ........ دعني فلومك قد والله أغراني

    لا يسكن الوجد مادام الشتات ولا ........ تصفو المشارب لي إلا بلبنان

    في ربع أنسي الذي حل الشباب به ........ تمائمي وبه صيحي وخلاني

    كم قد عهدت بهاتيك المعاهد من ........ إخوان صدق لعمري أ إخوان

    وكم تقضت لنا بالحي آونة ........ على المسرة في كرم وبستان

    لم أدر حال النوى حتى علقت به ........ فغمرتي من وقوعي قبل عرفاني

    حتام دهري على الهون تمسكني ........ هلا جنحت لتسريحي بإحسان

    أقسمت لولا رجاء القرب يسعفني ........ فكلما مت بالأشواق أحياني

    لكدت أقضي بها نحبي ولا عجب ........ كم أهلك الوجد من شيب وشبان

    يا جيرة الحي قلبي بعد بعدكم ........ في حيرة بين أوصاب وأحزان

    يمضي الزمان عليه وهو ملتزم ........ بحبكم لم يدنسه بسلوان

    باق على العهد راع للزمام فما ........ يسوم عهدكم يوماً بنسيان

    فإن براني سقامي أو نأي رشدي ........ فلا عج الشوق أو هاني وألهاني

    وإن بكت مقلتي يوم الفراق دماً ........ فمن تذكركم يا خير جيران

    وقوله وهو من محاسن شعره:

    فؤادي ظاعن إثر النياق ........ وجسمي قاطن أرض العراق

    ومن عجب الزمان حياة شخص ........ ترحل بعضه والبعض باق

    وحل السقم في بدني فأمسى ........ له ليل النوى ليل المحاق

    وصبري راحل عما قليل ........ لشدة لوعتي ولظى اشتياقي

    وفرط الوجد أصبح بي خليعاً ........ ولما ينو في الدنيا فراقي

    وتبعث ناره في الروح حيناً ........ فيوشك أن تبلغها التراقي

    وأظمأني النوى وأراق دمعي ........ فلا أروى ولا دمعي براق

    وقيدني على حال شديد ........ فما حرز الرقى منه بواق

    أبى الله المهيمن أن تراني ........ عيون الخلق محلول الوثائق

    أبيت مدى الزمان لنار وجدي ........ على جمر يزيد به احتراقي

    وما عيش الزمان صفاء يوم ........ يلوذ بظله مما يلاقي

    سقتني نائبات الدهر كأساً ........ مريراً من أباريق الفراق

    لم يخطر ببالي قبل هذا ........ لفرط الجهل أن الدهر ساقي

    وفاض الكأس بعد البين حتى ........ لعمري قد جرت منه السواقي

    فليس لداء ما ألقى دواء ........ يؤمك نفعه إلا التلاقي

    وممن نقل عنه صاحب'السلافة'الشيخ زين الدين بن الشيخ محمد حسن الشامي العاملي قال في حقه: زين الأئمة، وكاشف الغمة، شرح الله صدره للعموم، وبنى له من رفيع الذكر صرحاً مع زهد أسس بنيانه على التقوى، وصلاح أهل ربه ربعه فما أقوى، وآداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلاً، وشيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا، رأيته بمكة المشرفة شرفها الله تعالى، والفلاح يشرق من محياه، وطيب الأعراق يفوح من نشر رباه، وما طالت مجاورته بها حتى وافاه، وانتقل من جوار حرم الله إلى جوار الله عز وجل توفي سنة1062 اثنتين وستين وألف رحمه الله تعالى، وله شعر خلب به العقول ويحر، وحدت رقته أنفاس نسيم السحر، فمن ذلك ما كتبه على الوالد من مكة المشرفة مادحاً له وذلك سنة 1061:

    شام برقاً لاح بالأبرق وهنا ........ فصبا شوقاً إلى الجزع وحنا

    وجرى ذكر أثيلات النقا ........ فشكى من لاعج الوجد وإن

    دنف قد عاقه صرف النوى ........ وخطوب الدهر عما يتمنى

    شفه الشوق إلى بان اللوى ........ فغدا منهمل الدمع معنى

    أسلمته للردى أيدي الأسى ........ عندما أحسن بالأيام ظنا

    طالما أمل المام الكرى ........ طمعاً في زورة الطيف وأنى

    كلما جن الدجى حن إلى ........ زمن الوصل فأيدي ما أجنا

    وإذا هب نسيم من ربا ........ حاجر أهدى له سقماً وحزنا

    يا عريباً باحمى لولاكم ........ ما صبا قلبي إلى ربع ومغنى

    كان لي صير فأوهاه النوى ........ بعدكم يا جيرة الحي وأفنى

    قاتل الله النوى كم قرحت ........ كبداً من ألم الشوق وجفنا

    كدرت مورد لذاتي وما ........ تركت لي من جميل الصبر ركنا

    قطعت أفلاذ قلبي والحشا ........ وكستني من جليل السقم وهنا

    فإلى كم أشتكي جور النوى ........ أقاسي من هوى ليلى ولبنى

    قد صحا قلبي من سكر الهوى ........ بعدما أزعجه السكر وعنى

    ونهاني عن هوى الغيد النهى ........ وحباني الشيب إحساناً وحسنا

    وتفرغت إلى مدح فتى ........ سنة المعروف والإفضال سنا

    يجد الربح سوى نيل العلى ........ في طلاب المجد خسراناً وغبنا

    لم يزل في كل حين بابه ........ مأمناً من نوب الدهر وحصنا

    غمرت سحب أياديه الورى ........ نعماً فهو للفظ الجود معنى

    ورث السؤدد عن آبائه ........ مثل ما قد ورثوا بطناً فبطنا

    حل من أوج العلى مرتبة ........ صار منها النسر و العيوق آدنى

    تهزأ الأقلام في راحته ........ برماح الخط لما تتشنى

    جادنا من راحتيه سحب ........ تمطر المسجد لا ماء ومزنا

    يا عماد المجد يا من لم تزل ........ منه معاليه ثمار الفضل تجنى

    عضني الدهر بأنياب الأسى ........ تركتني في يد الأسواء رهنا

    هائماً في لجة الفكر ولي ........ جسد أنحله الشوق وأضنى

    كلما لاح لعيني بارق ........ من نواحي الشام وأضناني وعنى

    وكبت آمالنا شوقاً إلى ........ ورد إنعامك والأنضاء سقنا

    بعدما انحلت العيس السرى ........ وأبادت في فيافي البيد بدنا

    وبأكنافك يا كهف الورى ........ من تصاريف صروف الدهر لذنا

    ونهي مجدك العالي بما ........ حازه بل كلما حاز تهنى

    وابق يا مولى الموالي بالغاً ........ من مقامات العلى ما تتمنى

    ومن قوله أيضاً:

    سئمت لفرط تنقلي البيداء ........ وشكت لعظم ترحلي الأنضاء

    ما أن أرى في الدهر غير مودع ........ خلاً وتوديع الخليل عناء

    أبلى النوى جلدي و أوقد في الحشا ........ نيران وجد ما لها إطفاء

    فقدت لطول البين عيني ماءها ........ فبكاؤها بدل الدموع دماء

    فارقت أوطاني و أهل مودتي ........ وخرائداً غيداً لهن وفاء

    من كل مائسة القوام إذا بدت ........ لجمال بهجتها تغار ذكاء

    ما أسفرت والليل مرخ ستره ........ إلا تهتك دونها الظلماء

    ترمي القلوب بأسهم تصمي وما ........ لجراحهن سوى الوصال دواء

    شمس تغار لها الشموس مضيئة ........ ولها قلوب العاشقين سماء

    هيفاء تختلس القلوب إذا رنت ........ فكأنما لحظاتها الصهباء

    ومعاشر ما كان صدق ولائهم ........ نقض العهود ولا الوداد مراء

    ما كنت أحسب قبل يوم فراقهم ........ أن سوف يقضى بعد ذاك بقاء

    فسقى ثرى وادي دمشق وجادها ........ من هاطل المزن الملث حياء

    فيها أهيل مودتي وبتربها ........ لجليل وجدي والسقام شفاء

    ورعى ليالينا التي في ظلها ........ سلقت ومقلة دهرنا عمياء

    أترى الزمان يجود لي بإيابها ........ ويتاح لي بعد البعاد لقاء

    فإلى متى يا دهر تصدع بالنوى ........ أعشار قلب ما لهن قواء ؟

    وتسومني منك المقام بذلة ........ ولهمتي عما تسوم إباء

    فأجابني لولا التغرب ما ارتقى ........ رتب المكارم قبلك الآباء

    فاصبر على مر الخطوب فإنما ........ من دون كل مرة ضراء

    واترك تذكرك الشام فإنما ........ دون الشآم أهلها بيداء

    شعر الحرفوشي

    وممن نقل عنه صاحب 'السلافة' الشيخ محمد بن علي ابن الحرفوشي الحويزي العاملي الشامي، وقال في حقه: منار العلم السامي وملتزم كعبة الفضل وركنها الشامي مشكاة الفضائل، ومصباحها المنير به مساؤها وصباحها، خاتمة أئمة العربية شرقاً وغرباً، والمرهف من كهام الكلام شباً وعربا، أماط عن المشكلات ثيابها، وذلل صعبها، وملك رقابها ألف بتأليفه شتات الفنون، و بتصانيفه الدر المكنون إلى زهد فاق به خشوعاً وإخباتا، ووقار لا توازيه الرواسي ثباتاً، وتأله ليس لابن أدهم غرره و أوضاحه، وتقدس ليس للسري سره وإيضاحه، وهو شيخ شيوخنا الذي عادت علينا بركات أنفاسه، واستضأنا من بواسطة من ضيا نبراسه، وله الأدب الذي أينعت ثمار رياضه، وتبسمت أزهار حدائق وغياضه، فمن مطرب كلامه الذي سجعت به على الأغصان أنامله على أقلامه، وقوله مادحاً شيخه شرف الدين الدمشقي سنة1026 ست وعشرين ألف .

    إذا منحت جفوني القرار ........ فمر طارق الطيف يدني المزار

    فعلك تثلج قلباً به ........ تأجج وجداً وزاد أستعار

    وانى يزور فتى قد براه ........ سقاٌ يمض ولو زار حار

    خليلي عوج على رامةٍ ........ لأنظر سلعاً وتلك الديار

    وعج بي على ربع من قد نأى ........ لأسكب فيه الدموع الغزارة

    فقلبي من يوم نم المطي ........ ترحل عني إلى حيث سار

    فهل أنشد لي وادي العقيق ........ عنه فإني عدمت القرار

    بنفسي رشاً فاتك فاتن ........ إذا ما تثنى يفوق العذارى

    وإما رنا باللحاظ أنبرت ........ قلوب الأنام لديه حيار

    ومن عجب إنها لم تزل ........ تعاقب بالحد وهي السكارى

    وأعجب من ذا رأينا بها ........ انكساراً يقود إليها انتصار

    ولم أرى منها قبلها سافكاً ........ دماءً ولم يخشى في القلب ثار

    تعير الغزالة من وجهها ........ ضياءً وتسلبُ منها النفار

    وتحمي بمرهف أجفانها ........ جنياً من الورد والجلنار

    تملكتني عنوة والهوى ........ إذا ما أغار الحذار الحذار

    يرق العذول إذا ما رأى ........ غرامي ويمنحني الاعتذار

    ومن رشقته سهام اللحاظ ........ فقد عز برءاً وناء اصطبار

    حنانيك لست بأول من ........ دعاه الغرام قلبي جهار

    ولا أنت أول صب جنى ........ على نفسه حين أضحى جبار

    فرفقاً بقلبك واستبقه ........ فقد حكم الوجد فيه وجار

    وعج من حديث الهوى واقرعن ........ ال مدح من في العلى لا يجارى

    إمام توحد في المكرمات ........ ونال المعالي والافتخارا

    وأدرك شأو العلى يافعاً ........ والبس شانيه منه الصغارا

    سما في الكلام الى غاية ........ وناهيك من غاية لا تبارى

    مناقبه لا يطيق الذكي ........ بياناً لمعشارها وانحصارا

    غدا كعبة لاقتداء الورى ........ وأضحى لباغي الكمال المنادا

    إليه المفاخر منقادة ........ أبت غيره أن يكون الوجارا

    هو البحر لا ينقضي وصفه ........ فحدث عن البحر تلق اليسارا

    إذا أظلم البحر من فكرة ........ توقد عاد لديه نهارا

    يفيد لراجي المعالي على ........ ويمنح عافي نداه النضارا

    وبكر تجرر أذيالها ........ اليك دلالاً وتسعى بدارا

    أتتك من الحسن في مطرف ........ تثنى قواماً أبى الاهتصارا

    تضوع عبيراً وتختال في ........ ملابس وشي أبت أن تعارا

    تشكي إليك زماناً جنى ........ عليها بنوه وخانوا الذمارا

    وهموا بإطفاء مقباسها ........ فلم يجدوا حين راموا اقتدارا

    فكيف وانت الذي قد قدحت ........ زناد ذكاها وأوقدت نارا

    فهاك عروساً ترجي بأن ........ يكون القبول لديها نثارا

    ومنك اليك أتت اذ غدوت ........ لها منشأ واضحاً والنجارا

    ودم واحد الدهر فرد الورى ........ تنال سمواً وتحوي وقارا

    مدى الدهر ما لاح شمس الضحى ........ وناوح بلبل روض هزارا

    وواصل صباً حبيب وما ........ تذكر نجداً فحن ادكارا

    ومن قوله ما مدح به الفاضل الأديب اللطيف المقلري حيث يقول:

    يا ليتها إن لم تجد بوصال ........ سمحت بوعد او بطيف خيال

    جنحت لما رشق الوشاة ونمقوا ........ من أنني سال ولست بسال

    كيف السلو ولي فؤاد لم يزل ........ لجحيم نيران الصبابة صالي

    ومدامع لولا زفيري لم يكن ........ ينجو الورى من سحها المتوالي

    ونحول جسم واحتمال مكارهٍ ........ وسهاد جفن وادكار ليالي

    فإلام أظمأ في الهوى ومواردي ........ فيه سراب او لموع الآل

    ولم اختباري عن فؤادي كل من ........ ألقى وقلبي عد ذات الخال

    هيفاء رنحها الدلال فأخجات ........ هيف الغصون بقدها الميال

    في خدها الورد الجني وثغرها ........ يحوي لذيذ الشهد والجريال

    حجبت محياها الجميل ببرقع ........ كرقيق غيم فوق بدر كمال

    ونضت من الأجفان بيض صوارم ........ ففرت بهن ولم تناد نزال

    فلكم عزيز يختشى من بأسهِ ........ أضحى لديها في أشد وبال

    وأخو الهوى يلفي المذلة عزة ........ ومذال أهل الحب غير مذال

    الله ليلة أقبلت بدجنةٍ ........ فرقاً من الواشين والعذال

    ووفت كما شاء الغرام وأنعمت ........ بالقرب بعد تبرم ودلال

    وحبت فؤادي بعد نار صدودها ........ برد الوصال ومنتها الآمال

    فجنيت أوراد الخدود وطالما ........ امتنعت علي وهيجت بلبالي

    وبلغت منها ما يؤمل وامق ........ ورهبت منها الوصل خوف زوال

    حتى بدا الصبح المنير كأنه ........ وجه الوحيد الماجد المفضال

    عبد اللطيف الأريحي أخي الندى ........ بدر الدجا ذي النائل الهطَّال

    الألمعي اللوذعي الهبرزي ........ الأوحدي محل كل كمال

    الفاضل الحبر الهمام ومحرز ........ قصبات سبق أواخر وأوالي

    الكامل الندب المبين بفكره ........ ما لم يلح من غامض الإشكال

    الواهب النعم الجسام ومانح العافي لجدواه جزيل بوال

    الناظم الشعر الذي لو حلت الشعرى له وفته بعض معال

    والغيد لو شاهدنه لبغينه ........ عقداً يمن به على الأمثال

    أدب يروقك بهجةٌ وشمائلٌ ........ فاقت نسيم صبا ولطف شمال

    ومآثر مروية ومفاخر ........ محوية بعزيمة ومقال

    مهلاً أمير الفضل ماذا تبتغي ........ فقت الورى إذكنت في الأطفال

    أصبحت كعبة قاصد وملاذ من ........ وافى علاك لحادث مغتال

    أممت سدنك التي قد أصبحت ........ مأوى الكمال ومعدن الإفصال

    فانقادت الآمال نحوي وانبرت ........ نحوي المطالب دون سبق سؤال

    والدهر جاءك تائباً من حشده ........ نحوي رعال الخطب إثر رعال

    ودرى بأني قد لجأت لماجد ........ رحب الفاء مؤمل الإقبال

    فإليك من دور النظام قصيدة ........ جاءتك ترفل في رداء جمال

    تمشي على مهل وتشكرك الذي ........ أوليته من فضلك المنهال

    ومتى يوفي بعض وصفك ناظم ........ وإلى علاك مآل كل كمال

    واسلم على مر الزمان مؤيداً ........ جذلان ذا نعم موفر بال

    ما أخلصت وداً صحيفة كاتب ........ وتلا مديحاً في النوال التالي

    شعر ابن يوسف الشامي

    وممن ترجم له صاحب (السلافة) الشيخ العلامة محمد بن علي بن محمود بن يوسف الشامي قال في حقه: هو الهمام البعيد الهمة، المجلوة بأنواع علومه ظلم الجهل المدلهمة، اللابس في مطارف الكمال أظرف حلة، والحال من منازل الجلال في أشرف حلة، وأطال الثنا عليه بما ليس فوقه مزيد، إلى أن قال: وأما الأدب فعليه مداره، وإليه مراده وإصداره، ينشر منه ما هو أذكى من النشر في خلال النواسم بل أحلى من الظلم يترقرق في ثنايا المباسم، وما الدر إلا ما انتظم من جواهر كلامه، ولا السحر إلا ما نفثت به سواحر أقلامه، وأقسم إني لم أسمع بعد شعرِ مهيار والرضي، أحسن من شعره المشرقي المضي إن ذكرت الرقة فهو سوق رقيقها، أو الجزالة، فهو سفح عقيقها أو الانسجام فهو غيثه الصيب، أو السهولة فهو نهجها الذي تنكبه أبو الطيب، وسأثبت منه ما يقوم بينه هذه الدعوى، وتهوي إليه أفئدة أولي الألباب وتهوى، وإن صدف عن هذا المذهب ذاهب فللناس فيما يعشقون مذاهب، وها أنا أعتذر إليه من الإيجاز في الثنا عليه فما سطرته لمحة مما أقفو :

    ويا عجباً مني أحاول وصفه ........ وقد فنيت فيه القراطيس والصحف

    وله علي من الحقوق الواجب شكرها ما يكل شبا يراعي عن ذكرها، وهو شيخي الذي أخذت عنه في بدء حالي، وأنضيت إلى موائد فوائده يعملات رحالي اشتغلت عليه فاشتغل بي، وكان دأبه تهذيب أدبي، ووهبني من فضله ما لا يضيع، وحنا علي حنو الظئر على الرضيع، ففرش لي حجر علومه، وألقمني ثدي معلومه حتى شحذ من طبعي مرهفاً، وبرى من نبعي مثقفاً، فما يسفح به قلمي إنما هو من فيض بحاره، وما ينفح به كلمي إنما هو من نسيم أسحار شعره:

    ومن منائح مولانا مدائحه ........ لأن من زنده قدحي وإيرائي

    ثم ذكر خبر ظهوره من الشام، وأنه هاجر إلى الديار الأعجمية، فأقام بها برهة محمود السيرة، عاكفاً على بث العلم ونشره، وأطال، ثم قال :وهو اليوم يتحلى بفضل تشد إليه الرحال، ويتحلى بأدب يروي الإمحال، وينيف برتبة يقصر عنها كل متطاول:

    وترجع أيدي الناس دون منالها ........ وأين الثريا من يد المتناول

    وسأثبت من نظمه ما تتعلق به البلاغة وتتمسك، ويتضوع به كافور الطروس ويتمسك، وتحسد حسن اتساقه الثغور، وتغار له نجوم السماء فتغور، فمن ذلك قوله في الغزل:

    أنت يا شغل المحب الواجد ........ قبلة الداعي ووجه القاصد

    فتَّ آرام الفلا حسناً فما ........ قابلت إلا بطرف جامد

    شأن قلبينا إذا صح الهوى ........ يا حياتي شأن قلب واحد

    أكثر الواشون فينا قولهم ........ ما علينا من مقال الحاسد

    لست أصغي لأراجيف العدى ........ من يغالي في المتاع الكاسد

    وذكر له أشعاراً ضربت عن ذكرها لأجل الاختصار، ونقلت منها قوله وهو في غاية الرقة:

    أجدك شايعت الحنين المرجعا ........ وغازلت غزلاناً على الخيف رتعا

    وطالعت أقماراً على وجرة النقا ........ وقد كنت أنها العين أن تتطلعا

    ولم أر مثل الغيد أعصى على الهوى ........ ولا مثل قلبي للصبابة أطوعا

    ومن شيمتي والصبر عندي شيمة ........ متى أرم أطلالا بعيني تدمعا

    وقور على يأس الهوى ورجائه ........ فما أتحسى الهم إلا تجرعا

    خليلي مالي كلما لاح بارق ........ تكاد حصاد القلب أن تتصدعا

    طوى الهجر أسباب المودة بيننا ........ فلم يبق في قوس التصبر منزعا

    إلى الله كم أغضبني الجفون على القذى ........ وأطوي على القلب الضلوع توجعا

    ألا حبذا الطيف الذي قصر الدجى ........ وإن كان لا يلقاك إلا مودعا

    ألم كحسوا الطير صادف منهلاً ........ فأزعجه داعي الصباح فأسرعا

    وناضلته باللحظ حتى إذا رمى ........ بسطت له حبل الهوى فتورعا

    قسمت صفايا الود بيني وبينه ........ سواء ولكني حفظت وضيعا

    وحزَّت نياط القلب أسباب نيةٍ ........ فلله قلبي ما أرق وأجزعا

    ومن قوله:

    راضتك أصعب ما تكون قيادا ........ وسلتك أهلع ما تكون فؤادا

    لانت حصاتك في يدي متغطرس ........ أحنى عليك مع الهوى أو كادا

    آلت عليك وفي أليتها الهوى ........ أن لا تمازح طيفها إن عادا

    مرت تلاعب ظلها وتكاد من ........ فرط النشاة تلاعب الآرادا

    طارت بلبك حيث طار بها الهوى ........ ورقاء قطع نوحها الأكبادا

    غنتك أحوج ما تكون إلى البكا ........ ( هل تحسنين لواجد إسمادا )

    ما أنصف الطيف الذي جلب الهوى ........ أعزاك عزاً بالغرام فزادا

    إن الذي روى الجفون من الكرى ........ أهدى إليك مع الخيال سهادا

    ما راب عينك من تلون لمةِ ........ لبست على فقد الشباب حدادا

    كذب العذول العذر أصعب مركباً ........ لا تأس إن نقص العذول وزادا

    ومُهوِن للوجد عندي قال لي ........ والعيس تقدح للفراق زنادا

    أفنيت دمعك في البكاء وما حدوا ........ عيساً وما شدوا لهم اقتادا

    لا يكذبنَّ فلقد رأيت مطيهم ........ بالأمس تنقض في الفلا أجسادا

    خفض عليك من اللام فإنني ........ عودت قلبي حبهم فاعتادا

    ومن قوله أيضاً:

    شرق على حكم النوى أو غرب ........ ما أنت أول ناشب في مخلب

    في كل يوم أنت نهب محاسن ........ أو ذاهب في إثر برق خُلَّب

    متألق في الجو بين مشرق ........ غص الفضاء به وبين مغرب

    يبكي ويضحك والرياض بواسم ........ ضحك المشيب على عذارا الأشيب

    أزعمت أن الذل ضربة لازب ........ فنشبت في مخلاب باز أشهب

    لعبت بلبك كيف شاء لها الهوى ........ مقلٌ متى جد النواظر تلعب

    زعمت عزيمة أن قلبك قد صبا ........ من لي بقلب مثل قلبك قلَّب ؟

    قد كنت آمل أن تموت صبابتي ........ حتى نظرت إليك يا ابنة يعرب

    فطربت ما لم تطربي ورغبت ما ........ لم ترغبي وذهبت ما لم تذهبي

    ولقد دلفت إليهم في فتية ........ ركبوا من الأخطار أصعب مركب

    جعلوا العيون على القلوب طليعة ........ ورموا القفار بكل حرف ذعلب

    ترمي الفجاج وقلبها متصوب ........ في البيد إثر البارق المتصوب

    هو جاء ما نفضت يداً من سبسب ........ إلا وقد غمست يداً في سبسب

    تسري وقلب البرق يخفق غيرة ........ منها وعين الشمس لم تتنقب

    تطفو وترسب في السراب كأنها ........ فلك يشق عباب بحر زعرب

    تفلي بنا في البيض ناصية الفلا ........ حتى رفعت إلى عقيلة ربرب

    وأتتك تخلط نفسها بلداتها ........ والحسن يظهرها ظهور الكوكب

    كفريدة في غبغب أو شادنِ ........ في ربرب أو فارس في موكب

    تمشي فتعثر في فضول ردائها ........ بحياءِ بكر لا بنشطة ثيب

    ومن قوله:

    أرقت وصحبي بالفلاة هجود ........ وقد مد فرع للظلام وجيد

    وأبعدت في المرمى فقال لي الهوى ........ رويدك يا شاميُّ أين تريد

    أهذا ولما يبعد العهد بيننا ........ بلى كل شيء لا ينال بعيد

    أراقوا دمي وما دمي بمحلل ........ إذا لم ترقه أعين وخدود

    أأصبر عن ليلى وليلى ذي الغضا ........ وصحبي بجزوى إنني لجليد ؟

    هي الظبية الأدماء والبانة التي ........ تميد مع الأغصان كيف تميد

    أناة كقرن الشمس أما ضياؤها ........ فدان وأما نيلها فبعيد

    وقفنا فمنا ممسك بفؤاده ........ وآخر محلول العزاء عميد

    أليفان قد طارت بشمليهما النوى ........ شريد وثاو بالعراق وحيد

    أما تتقين الله في متهالك ........ على الحب حتى ما يقال وعيد

    طوى كشحه طي السجل على الجوى ........ وبات وشيطان الهموم مريد

    إلى كم يدور الدهر بيني وبينكم ........ وتبدي الليالي كيدها وتعيد ؟

    فقد جعل الواشي وأنت اتبعته ........ من اليوم يسعى بيننا ويرود

    تم الاختيار من شعر ابن يوسف الشامي وأخباره، ويليه الاختيار من شعر ابن خان الشامي وأخباره .^

    شعر ابن خان دار الشامي

    قال صاحب (السلافة) :الشيخ حسن بن شهاب الدين بن حسين بن خاندار الشامي الكري العاملي، طود رسا في مقر العلم ورسخ، وخطة الجهل بما خط نسخ، رأيته فرأيت منه فرداً في الفضائل وحيدا، وكملاً لا يجد الكمال عنه محيداً، تحل له الحبا وتعقد عليه الخناصر، أو في على من قبله، وبفضله اعترف المعاصر، يستوعب قماطر العلم حفظاً بين مقروء ومسموع، ويجمع شوارد الفضل جمعاً، هو في الحقيقة منتهى الجموع حتى لم

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1