Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
Ebook784 pages5 hours

شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 24, 1901
ISBN9786469357367
شرح صحيح البخاري

Related to شرح صحيح البخاري

Related ebooks

Related categories

Reviews for شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح صحيح البخاري - ابن بطال

    الغلاف

    شرح صحيح البخاري

    الجزء 12

    ابن بطال

    449

    هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.

    باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (يسروا ولا تعسروا

    وكأن يحب التخفيف واليسر على الناس / 131 - فيه: أَنَس، قَالَ النَّبِى (صلى الله عليه وسلم): (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا، وَلا تُنَفِّرُوا). / 132 - وفيه: أَبُو مُوسى، لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِىّ عليه السلام وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا: (يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا.. . .) الحديث. / 133 - وفيه: عَائِشَةَ، مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ قَطُّ، إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا. / 134 - وفيه: الأزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ بِالأهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِى عَلَى فَرَسٍ، فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الْفَرَسُ، فَخَلَّى صَلاتَهُ، وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلاتَهُ، وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، تَرَكَ صَلاتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِى أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) وَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلِى مُتَرَاخٍ، فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُهُ، لَمْ آتِ أَهْلِى إِلَى اللَّيْلِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ. / 135 - وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ؟ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ - أَوْ سَجْلا مِنْ مَاءٍ - فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ).

    قد تقدمت هذه الأحاديث بأمر النبي عليه السلام بتيسر فى كتاب الحدود، وفى كتاب الأحكام. قال الطبرى: ومعنى قوله: (يسروا ولا تعسروا) فيما كان من نوافل الخير دون ماكان فرضا من الله، وفيما خفف الله عمله من فرائضه فى حال العذر كالصلاة قاعدًا فى حال العجز عن القيام، وكالإفطار فى رمضان فى السفر والمرض وشبه ذلك فيما رخص الله فيه لعباده وأمر بالتيسير فى النوافل والإتيان بما لم يكن شاقًا ولافادحًا خشية الملل لها ورفها، وذلك أن أفضل العمل إلى الله أدومه وإن قل، وقال عليه السلام لبعض أصحابه: (لا تكن كفلان كان يقوم الليل فتركه). قال غير الطبرى: ومن تيسره عليه السلام أنه لم يعنف البائل فى المسجد ورفق به، ومن ذلك أبى برزة لصلاته فرسه، وأنه رأى من تيسير النبى ماحمله على ذلك، وجماعة الفقهاء يرون أن من كان فى صلاة فانلتت دابته أنه يقطع صلاته ويتبعها؛ لأن الصلاة تدرك إعادتها وميسر دابته قاطع له. وقد تقدم فى الصلاة. قال الطبرى: وفى أمره عليه السلام بالتيسير فى ذلك معان أحدهما: الأمان من الملال. والثانية: الأمان من مخالصة العجب قلب صاحبه حتى يرى كأن له فضلاً على من قصر عن مثل فعله فيهلك، ولهذا قال عليه السلام: (هلك المتنطعون) وبلغ النبى أن قومًا أرادوا أن يختصوا وحرموا الطيبات واللحم على أنفسهم فقام النبى عليه السلام وأوعد في ذلك أشد الوعيد، وقال: (لم أبعث بالرهبانية وإن خير الدين عند الله الحنفية السمحة، وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد شدوا فشدد عليهم). وفى هذا من الفقه أن أمور الدنيا نظير ذلك فى أن الغلو وتجاوز القصد فيها مذموم، وبذلك نزل القرآن قال تعالى: (والذين أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا) فحمد الله فى نفقاتهم ترك الإسراف والإقتار وقال: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا) الآية، فأمر تعالى بترك التبذير فى سبله التى ترجى بها الزلفة لربه، فالواجب على كل ذى لب أن تكون أموره كلها قصدًا فى عبادة ربه كان أو فى أمر دنياه، فى عداوة كان أو محبة، فى أكل أو شرب أو لباس أو عرى، وبكل هذا ورد الخبر عن السلف أنهم كانوا يفعلون. وأما اجتهاده عليه السلام فى عبادة ربه؛ فإن الله كان خصهّ من القوة بما لم يخص به غيره، فكان مافعل من ذلك سهلا عليه على أنه عليه السلام لم يكن يحى ليله كله قيامًا ولا شهرًا كله صيامًا غير رمضان. وقد قيل: إنه كان يصوم شعبان كله فيصله برمضان، فأما سائر شهور السنة فإنه كان يصوم بعضه ويفطر بعضه، ويقوم بعض الليل وينام بعضه، وكان إذا عمل عملا داوم عليه، فأحق من اقتدى به رسول الله الذى اصطفاه الله لرسالته وانتخبه لوحيه.

    78 -

    باب: الانبساط إلى الناس

    وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خَالِطِ النَّاسَ وَدِينَكَ لا تَكْلِمَنَّهُ وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأهْلِ. / 136 - فيه: أَنَس، إِنْ كَانَ النَّبِى عليه السلام لَيُخَالِطُنَا، حَتَّى يَقُولَ لأخٍ لِى صَغِيرٍ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ). / 137 - وفيه: عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِىِّ، عليه السَّلام، وَكَانَ لِى صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِى - فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَىَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِى. قال المؤلف: كان النبى عليه السلام أحسن الأمة أخلاقًا وابسطهم وجهًا، وقد وصف الله ذلك بقوله: (إنك لعلى خلق عظيم) فكان ينبسط إلى النساء والصبيان ويمازحهم ويداعبهم، وروى عنه أنه قال: (إنى لأمزح ولا أقول إلا حقًا) وكان يسرح إلى عائشة صواحباتها ليلعبن معها، فينبغى للمؤمنين الاقتداء بحسن أخلاقه وطلاقة وجهه (صلى الله عليه وسلم). وقال أبو عبيد: قوله: (يتقمعن) يعنى دخل البيت وتغيبن، يقال للإنسان قد انقمع وقمع إذا دخل فى الشىء أو دخل فى بعضه بعض. وقال الصمعى: فيه سمى القمع الذى يصب فيه الدهن وغيره؛ لأنه يدخل فى الإناء. والذى يراد من الحديث: الرخصة فى اللعب التى تلعب بها الجوارى وهى البنات فجاءت فيها الرخصة وهى تماثيل، وليس وجه ذلك عندنا إلا من أجل أنها لهو الصبيان ولو كان فى الكبار لكان مكروهًا كما جاء النهى فى التماثيل كلها وفى الملاهي.

    وقال غيره: (كنت العب): منسوخ بنهى النبى عليه السلام عن الصور؛ لأن كل من رخص فى الصور فيما كان رقمًا أو فى تصوير الشجر ومالاروح له، كلهم قد أجمعوا أنه لا يجوز تصوير ماله روح. وذكر ابن أبى زيد أنه كره أن يشترى الرجل لأبنته الصور.

    79 -

    باب: المدارة مع الناس

    وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِى وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ. / 138 - فيه: عَائِشَةَ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِى عليه السلام رَجُلٌ، فَقَالَ: (ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ) فَلَمَّا دَخَلَ، أَلانَ لَهُ الْكَلامَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِى الْقَوْلِ، فَقَالَ: (أَىْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ - أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ - اتِّقَاءَ فُحْشِهِ). / 139 - وفيه: الْمِسْوَرِ أُهْدِيَتْ إلى النَّبِى عليه السلام أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: (قَدْ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ)، قَالَ أَيُّوبُ: بِثَوْبِهِ، وَأَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ، وَكَانَ فِى خُلُقِهِ شَىْءٌ. قال المؤلف: المدارة من أخلاق المؤمنين وهى خفض الجناح للناس، ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم فى القول وذلك من اقوى أسباب الألفة وسل السخيمة. وقد روى عن النبى عليه السلام أنه قال: (مدارة الناس صدقة).

    وقال بعض العلماء: وقد ظن من لم ينعم النظر أن المدارة هى المداهنة، وذلك غلط، لأن المدارة مندوب اليها والمداهنة محرمة، والفرق بينهما بين، وذلك أن المادهنة اشتق اسمها من الدهان الذى يظهر على ظواهر الشياء ويستر بواطنها، وفسرها العلماء فقالوا: المداهنة هى أن يلقى الفاسق المظر فيؤالفه ويؤاكله، ويشاربه، ويى أفعاله المنكرة ويريه الرضا بها ولاينكرها عليه ولو بقلبه وهو اضعف الإيمان، فهذه المداهنة التى برأ الله عز وجل منها نبيه عليه السلام بقوله: (ودوا لوتدهن فيدهنون). والمدارة هى الرفق بالجاهل الذى يستتر بالمعاصى ولايجاهر بالكبائر، والمعاطفة فى رد أهل الباطل إلى مراد الله بلين ولطف حتى يرجعوا عما هم عليه. فإن قال قائل: فأين أنت فى قولك هذا من فعل النبى عليه السلام حين دخل عليه المنافق فقال عند دخوله: (بئس ابن العشيرة) ثم حدثه وأثنى عليه شرًا عند خروجه؟. قيل له: إن رسول الله كان مأمورًا بأن لا يحكم على أحد إلا بما ظهر منه للناس لا بما يعلمه دون غيره، وكان المنافقون لا يظهرون له إلا التصديق والطاعة، فكان الواجب عليه أن لا يعاملهم إلا بمثل ما أظهروا له، إذ لو حكم بعلمه فى شىء من الأشياء لكانت سنة كل حاكم أن يحكم بما أطلع عليه فيكون شاهدًا وحاكمًا، والأمة مجمعة أنه لا يجوز ذلك، وقد قال عليه السلام فى المنافقين: (أولئك الذى نهانى الله عن قتلهم).

    والداخل على النبي - عليه السلام - إنما كان يظهر فى ظاهر لفظه الإيمان، فقال فيه النبى قبل وصوله إليه وبعد خروجه ماعلمه منه دون أن يظهر له فى وجهه؛ إذ لو أظهره صار حكمًا، وأفاد كلامه بما علمه منه إعلام عائشة بحاله، ولو أنه كان من أهل الشرك ورجا رسول الله إيمانه واستئلافه هو وقومه وإنابتهم إلى الإسلام لم يكن هذا ماهنة؛ لأنه ليس عليه حكم إلا منة الدعاء أى الإسلام لا من وجهة الإنكار والمقاطعة كما فعل عليه السلام مع المشرك رجاء منه وابن أم مكتوم يساله أن يدنيه ويعلمه، فأقبل على المشرك رجاء أن يدخل فى افسلام وتولى عن ابن أم مكتوم، فعاتبه الله فى ذلك، فبان أنه من رسول الله إنصاف أن يظهر لإنسان مايظهر له مما يظهره للناس أجمعين من أحواله مما لا يعلمون منه غيره كما فعل الرسول بابن العشيرة.

    80 -

    باب: لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين

    وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا حَكِيمَ إِلا ذُو تَجْرِبَةٍ. / 140 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِى (صلى الله عليه وسلم): (لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ). قال أبو عبيد: تأويل هذا الحديث عننا أنه ينبغى للمؤمن إذا نكب من وجه أن لا يعود لمثله. وترجم له فى كتاب الأمثال باب المحاذرة للرجل من الشىء قد ابتلى بمثله مرة. وفيه: أدب شريف، أدب به النبى أمته ونبههم كيف يحذرون ما يخافون سوء عاقبته، وهذا الكلام مما لم يسبق إليه النبي - عليه السلام - وقاله لأبي عزة الشاعر، وكان أسر يوم بدر فسأل النبى عليه السلام أن يمن عليه وذكر فقرًا، فمن عليه النبى وأخذ عليه عهدًا أن لا يخصص عليه ولايهجوه، ففعل ثم رجع إلى مكة فاستهواه صفوان بن أمية وضمن له القيام بعياله، فخرج مع قريش وحضض على النبى - عليه السالم - فأسر، فسأل النبى أن يمن عليه فقال: (لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين لا تمسح عارضيك بمكة وتقول: سخرت من محمد مرتين ثم أمر به فقتل). وقول معاوية: لا حلم إلا لذى تجربة. يريد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها ومايئول إليه أمر من ترك الحلم وركب السفه والسباب من سوء الانتصار منه؛ آثر الحلم وصبر على قليل من الأذى ليدفع به ماهو أكثر منه. وقال الخطابى: معنى قوله: (لا حلم إلا لذى تجربة) أن المرء لا يوصف بالحلم ولا يترقى إلى درجته حتى يركب الأمور ويجربها فيعثر مرة بعد أخرى فيعتبر ويتبين مواضع الخطأ ويجتنبها. وقال ضمرة: الحلم أنفع من العقل؛ لأن الله تسمى به.

    81 -

    باب: حق الضيف

    / 141 - فيه: عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.. .)، الحديث. وقد ذكرته فى كتاب الصوم.

    82 -

    باب: إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله تعالى: (ضيف إبراهيم المكرمين

    (

    / 142 - فيه: أَبُو شُرَيْحٍ الْكَعْبِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ). / 143 - وفيه: عُقْبَة، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِقَوْم، ٍ لاَ يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم): (إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ، فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِى لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِى يَنْبَغِى لَهُ). سئل مالك عن جائزته يوم وليلة، فقال: تكرمه وتتحفه يومًا وليلة، وثلاثة أيام ضيافة. قسم رسول الله عليه السلام أمره إلى ثلاث اقسام: إذا نزل به الضيف أتحفه فى اليوم الأول، وتكلف له على قدر وجه، فإذا كان اليوم الثانى قدم إليه مابحضرته، فذا جاوز هذه الثلاثة كان مخيرًا بين أن يستمر على وتيرته أو يمسك، وجعله كالصدقة النافلة. وقوله: (لا يثوى عنه) لا يقيم، والثواء: الإقامة بالمكان، يعنى لا يقيم عنده بعد الثلاث حتى يضيق صدره، وأصل الحرج الضيق، وإنما كره له المقام عنده بعد الثلاثة لئلا يضيق صدره بمقامه فتكون الصدقة منه على وجه المنّ والأذى فيبطل أجره قال الله تعالى: (لا تبطلوا صداقتكم بالمن والأذى (.

    وقوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) يعنى من كان إيمانه بالله واليوم الآخر إيمانًا كاملا فينبغى أن تكون هذه حالة وصفته فالضيافة من سنن المرسلين. واختلف العلماء فى وجوب الضيافة، فأوجبها الليث بن سعد فرضًا ليلة واحدة، وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما بيده، واحتج بحديث عقبة بن عامر. وقال جماعة من أهل العلم: الضيافة من مكارم الأخلاق فى بادية وحاضرة وهو قول الشافعى. وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة. وقال سحنون: إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر. واحتج الليث بقوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) أنها نزلت فيمن منع الضيافة فأبيح للضيف لوم من لم يحسن ضيافته، وذكر قبيح فعله، وروى ذلك عن مجاهد وغيره. فيقال لهم: إن الحقوق لا ينتصف منها بالقول، وإنما ينتصف منها بالأداء والإبراء، فلو كانت الضيافة واجبة لوجب عليهم الخروج إلى القوم مما يلزم من ضيافتهم. وفى قوله عليه السلام: (جائزته يوم وليلة) دليل أن الضيافة ليست بفريضة، والجائزة فى لسان العرب: النحلة والعطية، وذلك تفضل وليس بواجب.

    وأما حديث عقبة بن عامر فتأويله عند جمهور العلماء أنه كان فى أول الإسلام حين كانت المواساة واجبة، فأما إذا أتى الله بالخير والسعة فالضيافة مندوب إليها.

    83 -

    باب: صنع الطعام والتكلف للضيف

    / 144 - فيه: أَبُو جُحَيْفَةَ، قَالَ: آخَى النَّبِى عليه السلام بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِى الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِى الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَال: َ كُلْ فَإِنِّى صَائِمٌ قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ، ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ ليَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، قَالَ: فَصَلَّيَا.. .. الحديث. قال المؤلف: التكلف للضيف لمن قدر على ذلك من سنن المرسلين وآداب النبيين، ألا ترى أن إبراهيم الخليل ذبح لضيفه عجلا سمينًا. قال أهل التأويل: كانوا ثلاثة أنفس: جبريل وميكائيل وإسرافيل فتكلف لهم ذبح عجل وقربه إليهم. وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (جائزته يوم وليلة) يقتضى معنى التكلف له يومًا وليلة لمن وجد، ومن لم يكن من أهل الوجود واليسار فليقدم لضيفه ماتيسر عنده ولايتكلف له مالايقدر عليه، وقد ورد بذلك الخبر عن النبى - عليه السلام.

    ذكر الطبرى قال: حدثنا محمد بن خالد، عن خراش، حدثنا سلم بن قتيبة، عن قيس بن الربيع، عن عثمان بن شابور عن شقيق بن سلمه قال: (دخلت على سلمان فقرب إلى خبز شعير وملحًا، وقال: لولا أن رسول الله عليه السلام نهى أن تكلف أحدنا ماليس عنه تكلفت لك). فدل بهذا الحديث أن المرء إذا أضافه ضيف أن الحق عليه أن يأتيه من الطعام بما حضره، وأن لا يتكلف له بما ليس عنده، وإن كان ما حضره من ذلك دون مايراه للضيف أهلا؛ لأن فى تكلفة ماليس عنه معان مكروهة. منها: حبس الضيف عن القرى ولعله أن يكون جائعًا فيضر به. ومنها: أن يكون مستعهجلاً فى سفره فيقطعه عنه بحبسه إياه عن إحضاره ماحضره من الطعام إلى إصلاح ما لم يحضر. ومنها: احتقاره ما عظم الله قدره من الطعام. ومنها: خلافه أمر رسول الله وإتيانه ماقد نهى عنه من التكلف. وروى عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (دخل على جابر بن عبد الله نفر من أصحاب النبى عليه السلام فقرب إليهم خبزًا ثم قال: كلوا فإنى سمعت رسول الله يقول: نعم الإدام الخل، هلاك بالرجل أن يدخل إليه الرجل من إخوانه فيحقر ما فى بيته أن يقدمه إليه، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليه). وقال سفيان الثورى: قال ابن سيرين: لا تكرم أخاك بما يشق عليه وفسره الثوري فقال: أئته بحاضر ماعندك ولاتحبسه فعسى أن يشق ذلك عليه. وفى حديث أبى جحيفة زيارة الرجل الصالح صديقه الملاطف ودخوله داره فى غيبته وجلوسه مع أهله. وفيه: شكوى المرأة زوجها إلى صديقه الملاطف ليأخذ على يده ويرده عما يضر بأهله. وفيه: أنه لا بأس أن يأكل الضيف حتى يأكل رب الدار معه. وفيه: أنه لا بأس أن يفطر رب الدار لضيفه فى صيام التطوع. وفيه: كراهية التشدد فى العبادة والغلو فيها خشية مايخاف من عاقبة ذلك، وأن الأفضل فى العبادة القصد والتوسط فهو أحرى بالدوام، ألا ترى قول النبى (صلى الله عليه وسلم): (صدق سلمان). وفيه: أن الصلاة آخر الليل أفضل؛ لأنه وقت تنزل الله إلى سماء الدنيا فيستجيب الدعاء.

    84 -

    باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

    / 145 - فيه: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، أَنَّ أَبَاه تَضَيَّفَ رَهْطًا، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ، فَإِنِّى مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِى (صلى الله عليه وسلم)، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ، قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُالرَّحْمَنِ، فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: اطْعَمُوا، فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا قَالَ اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِيءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَىَّ، فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ، فَسَكَتُّ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ، فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِى لَمَّا جِئْتَ، فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ، فَقَالُوا: صَدَقَ، أَتَانَا بِهِ، قَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِى، وَاللَّهِ لا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللَّهِ لا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ، قَالَ: لَمْ أَرَ فِى الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ، وَيْلَكُمْ، مَا أَنْتُمْ؟ لِمَ لا تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ، هَاتِ طَعَامَكَ، فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، الأولَى لِلشَّيْطَانِ، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قال المؤلف: فقه هذا الحديث أنه ينبغى استعمال أحسن الأخلاق للضيف وترك الضجر لكى تنبسط نفسه، ولا تنقبض وتسقط المؤنة والرقبة خشية أن يظن أن الضجر والغضب من أجله، فلذلك من أدب الإسلام ومايثبت المودة، الا ترى أن الصديق لما رأى إبائة أضيافه من الأكل حتى يأكل معهمآثر الأكل معهم وحنت نفسه، وإنما حمله على الحلف - والله أعلم - أنه استنقص ابنه وأهله فى القيام ببر أضيافه، واشتد عليه تأخير عشائهم إلى ذلك الوقت من الليل، فلحقه ما يلحق البشر من الغضب، ثم لم يسعه مخالفة أضيافه لما أبوا من الأكل دونه، فرأى أن من تمام برهم إسعاف رغبتهم وترك التمادى فى الغضب، وأخذ فى ذلك بقوله عليه السلام: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذى هو خير)، وكان مذهبه اختيار الكفارة بعد الحنث. وقوله: (بسم الله الأولى للشيطان): يعنى اللقمة الأولى إخزاء للشيطان؛ لأنه هو الذى حمله على الحلف وسول له أن لا يأكل مع أضيافه، وباللقمة الأولى وقع الحنث وبها وجبت الكفارة. وقد تقدم تفسيره قوله: (يا عنثر) فى كتاب الصلاة فى الجزء الثانى فى باب السمر مع الضيف، وسيأتى بعد.

    85 -

    باب قول الضيف لصاحبه: لا آكل حتى تأكل

    فيه: أبو جحيفة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) / 143 - وفيه: عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، مثل حديث الباب قبل هذا، وزاد فيه: فَجَعَلُوا لا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ: يَا أُخْتَ بَنِى فِرَاسٍ، مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْنِى إِنَّهَا الآنَ لأكْثَرُ قَبْلَ أَنْ يَأَكَلُوا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى النَّبِى (صلى الله عليه وسلم) فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا. قال المؤلف: صاحب المنزل فى منزله كالأمير لا ينبغى لحد التقدم عليه فى أمر، يدل على ذلك الحديث الذى جاء عن النبى (صلى الله عليه وسلم): (لا يؤمن أحد فى سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه) فكان هذا الحديث أصلاً لهذا المعنى، ودل هذا أنه ينبغى للضيف المصير إلى مايحمله عليه ضيفه، ويشهد لهذا المعنى حديث أنس (أن غلامًا خاياطًا دعا النبى عليه السلام للطعام فقدمه بين يديه، فاكل النبى وأقبل الخياط على عمله) وقد ترجم البخارى فى كتاب الأطعمة باب من أضاف رجلا إلى طعامه وأقبل هو على عمله فدل هذا الحديث أن أكل صاحب الطعام مع الضيف ليس من الواجبات، إلا أنه جاء فى حديث ضيف أبى بكر معنى يختص بخلاف هذا الصل المتقدم، وذلك أن اضيافه اقسموا أن لا يفطروا حتى ينصرف من عند النبى عليه السلام فاحتبس عنده إلى هوى من الليل فبقوا دون أكل. وقد كان ينبغى على ظاهر الأصل المتقدم من أن صاحب المنزل لا ينبغى لأحد التسور عليه فى منزله فى أمرهم أن يفطروا حين عرض عليهم الأكل ولا يأبوه، فلما امتنعوا من ذلك وبقوا غير مفطرين إلى إقبال أبى بكر حنث نفسه أبو بكر فى يمينه التى بدرت منه إيثارًا لموافقتهم؛ بان بذلك أن يجوز للضيف أن يخالف صاحب المنزل فى تأخير الطعام، وشبهه إذا رأى لذلك وجهًا من وجوه المصلحة وأنه لا حرج عليه فى ذلك، ألا ترى أن الصديق وإن كان غضب لتأخر قراهم إلى وقت قدومه لم ينكر عليهم يمينهم، ولا قال لهم: أتيتم مايجوز لكم فعله. ولا شك أن أبا بكر أعلم بذلك النبى عليه السلام حين حمل إليه بقية الطعام، ولم يعنف القوم ولا خطأهم فى يمينهم - والله أعلم - هذا الذى يغل على الوهم؛ لأن أصاحبه كانوا لا يخفون عنه كل مايعرض لهم ليسن لهم فيه. وقد تقدم فى باب السمر مع الضيف والأهل فى كتاب الصلاة شىء من الكلام فى هذا الحديث.

    86 -

    باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال

    / 147 - فيه: رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، أَوْ حدثا أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِى النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُاللَّهِ بْن سَهْلٍ فَجَاءَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَحُوَيِّصَةُ، وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِى عليه السلام فَتَكَلَّمُوا فِى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَبَدَأَ عَبْدُالرَّحْمَنِ - وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ - فَقَالَ لَهُ النَّبِى (صلى الله عليه وسلم): (كَبِّرِ الْكُبْرَ) - قَالَ يَحْيَى: يَعْنِى لِيَلِىَ الْكَلامَ الأكْبَرُ.. . الحديث. / 148 - وفيه: ابْن عُمَر، أَنّ النَّبِىّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (أَخْبِرُونِى بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا كمَثَلُ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ، بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلا تَحُتُّ وَرَقَهَا، فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.. .) الحديث. قال المؤلف: إكرام الكبير وتقديمه فى الكلام وجميع الأمور من أدب الإسلام ومعالى الأخلاق، وذكر عبد الرازق أن فى الحديث من تعظيم جلال الله أن يوقر ذو الشبيه فى الإسلام، ولهذا المعنى قال عليه السلام: (كبر الكبر) فأمر أن يبدأ الأكبر بالكلام، فكان ذلك سنة إلا أنه دل حديث ابن عمر أن معنى ذلك ليس على العموم، وأنه إنما ينبغى أن يبدأ بالأكبر فيما يستوى فيه علم الكبير والصغير، فأما إذا علم الصغير مايجهل الكبير؛ فإنه ينبغى لمن كان عنده علم أن يذكره وينزع به وإن كان صغيرًا، ولا يعد ذلك منه سوء أدب، ولا تنقصًالحق الكبير فى التقدم عليه؛ لأن النبى عليه السلام حين سل أصحابه عن الشجرة التى شببها بالمؤمن وفيهم ابنعمر وغيره ممن كان دونه فى السن لم يوقف الجواب على الكبار منهم خاصة، وإنما سأل دونه فى السن لم يوقف الجواب على الكبار منهم خاصة، وإنما سأل جماعتهم ليجيب كل بما علم، وعلى ذلك دل قول عمر لابنه: لو كنت قلتها كان أحب إلى من كذا وكذا. لأن عمر لا يحب ما يخالف أدب افسلام سننه، وقد كان رضى الله عنه يسأل ابن عباس وهو صبى مع المشيخة وكان ذلك معدودًا من فضائله، وقد تقدم هذا المعنى فى باب الحياء فى العلم فى آخر كتاب العلم.

    87 -

    باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه

    وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) [الشعراء: 224] إلى آخر السورة. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَوْلِهِ: (فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (فِى كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ. / 149 - فيه: أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِىّ عليه السلام قَالَ: (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً). / 150 - وفيه: جُنْدَب، بَيْنَمَا النَّبِى عليه السلام يَمْشِى؛ إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ، فَعَثَرَ، فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ: (هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ). / 151 - وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِى (صلى الله عليه وسلم): (أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلُ). وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِى الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِم. / 152 - وفيه: سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىّ عليه السلام إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ، يَقُولُ:

    اللهم لولا أنت ما اهتدينا

    ولا تصدقنا ولا صلينا

    فاغفر فداء لك ما اقتقينا

    إلى آخرها.

    فَقَالَ النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ هَذَا السَّائِقُ) ؟قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأكْوَعِ، فَقَالَ: (يَرْحَمُهُ اللَّهُ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِى اللَّهِ، لَوْلا أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ، فَحَاصَرْنَاهُمْ، حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِى فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَى شَىْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: عَلَى أَى لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): أَهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: أَوْ ذَاكَ، فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا؛ لِيَضْرِبَه، ُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِى رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام شَاحِبًا، فَقَالَ لِى: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: مَنْ قَالَهُ؟ قُلْتُ: قَالَهُ فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأنْصَارِىُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِىٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ). / 153 - وفيه: أَنَس، أَتَى النَّبِى عليه السلام عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: (وَيْحَكَ، يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ). قَالَ أَبُو قِلابَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِى عليه السلام بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ. قال المؤلف: الشعر والرجز والحداء كسائر الكلام، فما كان فيه ذكر تعظيم لله ووحدانيته وقدرته وإيثار طاعته وتصغير الدنيا والاستسلام له تعالى كنحو ماأورده البخارى فى هذا الباب فهو حسن مرغب فيه، وهو الذى قال فيه عليه السلام: (إن من الشعر حمة) وما كان منه كذبًا وفحشًا فهو الذى ذمه الله ورسوله. وقال الشافعى: الشعر كلام، وحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه. وسماع الحداء ونشيد الأعراب لا بأس به؛ فإن الرسول قد سمعه وأقره ولم ينكره.

    وهذا الباب رد على من نهى عن قليل الشعر وكثيره، واتعتلوا بحديث جبير بن معظم عن النبى (صلى الله عليه وسلم): (أنه كان إذا فتتح الصلاة يستعيذ من الشيطان وهمزه ونفثه ونفخه) وفسره عمرو بن مرة وهو راوى الحديث فقال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزة الموتة التى تأخذ صاحب المس، وبحديث أبى أمامة الباهلى أن النبى عليه السلام قال: لما أنزل إبليس إلى الأرض قال: يارب، وبما روى ابن لهيعة عن أبى قبيل قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: (من قلا ثلاثة أبيات من الشعر من تلقاء نفسه لم يدخل الفردوس). قال الأعمش: تمثل مسروق بأول بيت شعر ثم سكت، فقيل له: لم سكت؟ قال: أخاف أن أجد فى صحيفتى شعرًا. وقال ابن مسعود: الشعر مزامير الشيطان. وكان الحسن لا ينشد الشعر. قال الطبرى: وهذه أخبار واهية والصحيح فى ذلك أنه عليه السلام كان يتمثل أحيانًا بالبيت فقال: هل أنت إلا إصبع دميت وفى سبيل الله مالقيت وقال عليه السلام: (أصدق كلمة قالها الشاعر لبيت لبيد) ثم تمثل بأول البيت وترك آخرون وقالت عائشة: (كان النبى يتمثل يحدو بالشعر بحضرة النبى وقال: من هذا السائق؟ فقالوا: عامر بن الأكوع فقال: يرحمه الله) وأمر حسان بن ثابت وغيره بهجاء المشركين وأعلمهم أن لهم على ذلك جزيل الأجر وقال: (هو أشد عليهم من نضح النبل). وذكر الطبرى عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وجله الصحابة أنهم أنشدوا الأشعار، وتمثل معاوية بالشعر، وكان ابن أبى مليكة وعكرمة ينشدان الشعر وكان ابن أبى ليلى ينشد والمؤذن يقيم، وعن ابن سيرين أنه كان ينشد الشعر الريق وقال معمر: سمعت الزهرى وقتادة ينشدان الشعر. قال قتادة: وكان ابن مسعود ربما تمثل بالبيت من وقائع العرب. قال شعبة: وكان قتادة ينشد الشعر فأقول له: أنشدك بيتًا وتحدثنى بحديث. وقال أهل

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1