Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

فإني قريب
فإني قريب
فإني قريب
Ebook358 pages2 hours

فإني قريب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

رب عوضني خيرًا عن كل شيء انكسر بنفسي وكل يأس أصاب قلبي ، ولا تجعل لي رجاءً عند غيرك، اللهم سر قلبي بفرحة تغنيني بها عن كل تعب، اللهم عوضني بالأجمل، وأرح قلبي بما أنت أعلم به. يارب إنك تدرك دعواتي حتى لو لم أنطق بها، اللهم اكتب لي الخير فأنت تعلم السر وما يخفى، واجعلني يا رب ممن نظرت إليه فرحمته، وسمعت دعاءه فأجبته..
Languageالعربية
Release dateOct 1, 2023
ISBN9789778971231
فإني قريب

Related to فإني قريب

Related ebooks

Reviews for فإني قريب

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    فإني قريب - د. وجيه يعقوب السيد

    الغلاف

    فإني قريب

    (خواطر إيمانية وتربوية)

    بقلم : أ .د/ وجيه يعقوب السيد

    الأستاذ بكلية الألسن - جامعة عين شمس

    تصميم وتنفيذ الغلاف

    محمـود عبد الباسـط

    Y12-02.xhtmlY12-02.xhtml

    مقدمة . .

    يعيش العالمُ بأسره هذه الأيام أجواءَ محنةٍ عاصفة كئيبة؛ محنةِ انتشار هذا الوباء الغامض على نطاق واسع، وما صاحب ذلك من حالة هلع وذعر شديد لدى الناس كافة.

    رؤساءُ دولٍ ومسئولون كبار يبكون وينهارون تمامًا، ويعلنون صراحةً عن عجزهم التام عن فعل أي شيء حيال هذا الفيروس، رئيسُ وزراء دولة أوروبية يعلن: لا تُوجَد لدينا حلولٌ في الوقت الراهن للقضاء على هذا الوباء، وننتظر الحلول من السماء، في إشارة إلى الله خالق السماوات والأرض، القادر على كل شيء، الرحمن الرحيم، وآخَرُ يُعلِن في استسلام أنه بات علينا أن نتأهب لفقد مزيد من أحبابنا، بسبب هذا الوباء القاتل.

    كلُّ شيء في العالم توقف تقريبًا؛ السفر، والتجوال، والبيع، والشراء، والرياضة، والسياحة، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث في الغد القريب أو البعيد، وبات الجميعُ مشغولين بمتابعة أعداد المصابين والمتعافين والمتوفين؛ وهو ما تسبَّبَ في انتشار الفزع والخوف في النفوس، بل والانهيار التام وعدم القدرة على التماسك في أحيان كثيرة.

    وفي هذه الأجواء المظلمة والكئيبة التي تلف الكونَ بأسره، علينا أن نتشبث بأهداب الأمل، ونتطلع إلى منبع النور في السماء، وأن نلجأ إلى الله طالبين منه أن يمنحنا الشعور بالأمن والسكينة؛ فهو اللطيف بعباده، الرءوف الرحيم، الذي يكشف السوء ويجيب المضطر إذا دعاه.

    فكم من أزمة ومحنة مَرَّتْ بها البشرية ثم تجاوزتها؛ بالصبر، وبصدق التوجه إلى الله، وبالأمل، وبالتفاؤل، والأخذ بالأسباب، وكم من أزمة ومحنة عاشها الإنسان وضاق بها ذرعًا، ثم كشفها الله عنه بفضله وعظيم إحسانه، ليظهر لهذا المخلوق أمورًا وحقائقَ ومعانيَ كثيرة كان يجهلها.

    إن هذا الكتاب ما هو إلا محاولة للتعامل بصورة إيجابية مع الأزمات والمحن، من خلال تسليط الضوء على كثير من الموضوعات؛ الإنسانية، والدينية، والاجتماعية، والأخلاقية، والأدبية، التي تأخذ بأيدينا إلى الطريق الصحيح، فلا جزع ولا خوف ولا اضطراب؛ وكما قيل: بدلًا من أن تلعن الظلام، فأوقد شمعة تبدد بها هذا الظلام، وهانحن نحاول أن نقتبس من وحي القرآن الكريم، وكلام سيد الخلق، وسِيَرِ الصالحين، وتجارب الحكماء والأدباء والمثقفين، ما نبدد به تلك الظلمات، وإني على يقين أن وراءَ كلِّ محنة منحةً عظيمةً، وعطاءً لا حدود له، فلنعلن معًا: اشتدي أزمة تنفرجي، فإذا كانت الأزمة كبيرة ومستعصية على الحل، فهناك رب عظيم لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو الذي يدبر الأمر، بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير.

    Y12-03.xhtml

    المؤلف: د. وجيه يعقوب السيد

    فإني قريب

    يقول تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة: 186 ].

    سأل قومٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله، أقريبٌ ربُّنا فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟ فنزلتْ هذه الآيةُ الكريمةُ تجيبهم بأن الله قريب من عباده، حبيب إليهم، لا يغيب عنهم، يسمع سرَّهم ونجواهم، ويصرف عنهم الضر والسوء إن شاء.

    وما أجمل هذا المعنى وما أعظم أثره في القلوب؛ فالذي يتأمل نَظْمَ الآية الكريمة، ويمعن النظر في ألفاظها ومعانيها، يدرك أن الله تعالى أراد أن يتعرَّف إليه عبادُه بأعظم صفاته وأحبها إلى نفوسهم، وهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن خالقه ورازقه؟ وهل بمقدوره ذلك؟

    كلنا نتعلق بأهداب الأمل، ونتسربل برحمة الله التي وسعت كل شيء، ونسأله التوفيق والسداد، وندعوه أن يوسع في أرزاقنا، ويبارك في أعمارنا، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، ولا نمل من ذلك، ولا يمل الله من سماع دعاء عباده أبدًا، بل إنه يحثهم على دعائه، والإلحاح في الطلب منه سبحانه.

    Y12-04.xhtml

    هل لاحظت معي تكرار حروف اللين (المد) في الآية الكريمة؟ لقد تكررت حروف المد عشر مرات في هذه الآية القصيرة، وحروفُ المد واللين تناسب الدعاء، وما يكون عليه العبد من خشوع ولين وتذلل، كما أنها تعكس رغبة العبد في إطالة وقوفه بين يدي الله -عز وجل- ومناجاته.

    ولو أمعنت النظر في كلمتي (الداعِ) و(دعانِ)، ستجد أنهما كُتِبَتَا دون الياء، وذلك حرصًا من كاتب المصحف على تجسيد سرعة الإجابة، فلذلك لم يفصل بين الدعاء والإجابة، ولو بمجرد حرف. وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة تؤكد أن كتابة المصحف تراعي معنى الآيات.

    وإليك هذه الملاحظة السديدة التي ذكرها العلماء والمفسرون الكبار، وهي في الحقيقة بشارةٌ عظيمةٌ؛ فالمولى عز وجل قد أراد أن يرفع قدرَ عبادِه ويُشَرِّفَهم، فجاءت الإجابةُ على سؤالهم منه مباشرةً دون واسطة، فلم يقل عز وجل: وإذا سألك عبادي عني فقل لهم كذا وكذا، كما في سائر الآيات الشبيهة، وإنما قال: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب»، أي أنا أتولى الإجابة عليهم بنفسي ودون واسطة، وهل هناك تشريف وتكريم أعظم من أن يجيب الله على سؤال عباده بنفسه دون وسيط؟

    أليس هذا دليلَ حُبِّه لك؟ ألا ترى كيف أجابك؟ وبم وصفَ عز وجل نفسَه؟ إنه الجواب الذي تطمئنُّ به القلوبُ، وتهدأ المخاوفُ، وتزول الهواجس إلى غير رجعة.

    ولكن لماذا هذه الآية وحدها هي التي جاءت على هذا النحو وهذا السياق؟

    ذلك، لأن المؤمنين سألوا الرسولَ الكريمَ عن صفات ربهم، وسؤالُهم عن صفاته -عز وجل- يدل على تعظيمهم لله -عز وجل- ويعكس رغبتهم في التقرب من خالقهم والتذلل إليه، فهم لم يسألوا عن مصلحة شخصية أو أمر دنيوي، فناسب ذلك أن يُجيبهم الله بما تقرُّ به عيونهم.

    ومن جميل ما قاله الإمام القشيري في هذا المعنى في كتابه الفريد لطائف الإشارات: الذين يَسْأَلون عن الجبال وعن اليتامى وعن المحيض وعن الأهلة ونحوها يُجَابون بالواسطة، وأما الذين يَسْأَلون عني فإني أرفعُ الوسائطَ بيني وبينهم.

    والقرب هنا معناه: أن من طلبني بعقله وجدني وعرفني، وذلك من خلال ما يراه من دلائل عديدة على عظمة الخالق، وإنما أرسل الله الرسلَ زيادةً في التعرف ورفعًا للحرج بسرِّ التلطف، ولا شك أن سرعة إجابته تعالى لعباده حجةٌ عليهم؛ فعلى الرغم من أنه الإلهُ المعبودُ، ذو الجلال والإكرام، مالكُ الملك، فهو لا يخذل عبدَه ولا يترك إجابتَه، فمن بابٍ أولى أن يُجيب العبدُ سيدَه ويطيع مولاه، فهو الغنيُّ وعبدُه هو المحتاج، وهو القويُّ وعبدُه هو الضعيف.

    وما أروعَ إجابةَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي الله عنه وأرضاه- حين سُئِل: كم بين السماء والأرض؟ فقال: دعوةٌ مستجابةٌ.

    إنها إجابةٌ عبقريةٌ وفريدةٌ حقًّا، فالمسافة بين السماء والأرض بعيدة جدًّا؛ ملايين الكيلومترات تفصل بينهما، لكنها قريبة جدًّا أقرب مما نتصور، حين نكون على يقينٍ بأن دعاءنا يصعد إلى الله في نفس اللحظة التي يصدر فيها، ويُكتَب له القبولُ والإجابةُ من الله تعالى القريب المجيب، وصدق الشاعر:

    Y12-04.xhtml

    *******

    لكن ما بالُنا ندعو اللهَ فلا يُستجابُ لنا؟

    سُئل إبراهيمُ بن أدهم رضي الله عنه: ما بالُنا ندعو اللهَ فلا يُستجابُ لنا؟

    فقال: لأنّكم عرفتُم اللهَ فلم تطيعوه.

    وعرفتُم الرسولَ فلم تتّبعوا سنّتَه.

    وعرفتُم القرآنَ فلم تعملوا بما فيه.

    وأكلتُم نعمة الله فلم تؤدّوا شكرَها.

    وعرفتُم الجنّةَ فلم تطلبوها، وعرفتُم النارَ فلم تهربوا منها.

    وعرفتُم الشّيطانَ فلم تحاربوه ووافقتموه.

    وعرفتُم الموتَ فلم تستعدّوا له.

    ودَفنتُم الأمواتَ فلم تعتبروا بهم.

    وتركتُم عيوبَكم واشتغلتُم بعيوبِ الناس.

    ويا لهَا من كلمات بليغة صادقة، خرجتْ من قلب صاحبها لتسكنَ قلبَ السائل، وهي تجيب عن كثير من أسئلتنا وحيرتنا بإزاء تأخر إجابة الدعاء، نحن في الواقع مطالبون بالدعاء واللجوء إلى الله تعالى، واللهُ تعالى يتولى إجابةَ الدعاء في الوقت الذي يريد، وعلى النحو الذي يريد سبحانه، كلُّ ما علينا أن نتوكل على الله، وأن نأخذ بالأسباب، وألا نتعجل الإجابة وألا نَيْئَس، وأن نراعي شروط الدعاء: من خضوع وتذلل لله، وأن يكون مطعمُنا من حلال، وملبسُنا من حلال، وأن نكون على يقين أن الله تعالى هو وحده القادر على إجابة دعوتنا، فهو القائل: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }. [ غافر: 60 ]، فهل يطلب منك أن تدعوه وتلجأ إليه ثم يخذلك ولا يستجيب لك؟

    حقًّا، إنه ما ألهمك الدعاء ولا أرشدك إلى التذلل بين يديه، إلا ليجيبك ويرفع ما نزل بك من بلاء وضر. كل ما عليك: أن تصبر ولا تسمح للقلق والجزع والاستعجال أن تتسرب إلى نفسك.

    مناجاة

    اللّهُمَّ إني عبدُك، ابنُ عبدك، ابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فِيَّ حُكمُك، عَدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سَمّيتَ به نفسَك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علّمتَه أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآنَ الكريمَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حُزْني، وذهابَ هَمِّي.

    كان من دأب النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أن يدعو ربه بهذا الدعاء، وهو دعاء جامع مانع؛ يقر فيه النبي بداية بالعبودية التامة لمولاه والتذلل بين يديه، فهو عبدٌ ابنُ عبدٍ عريق في العبودية، خاضع لحكم ربه، مالك الملك، الحكم العدل، المتصف بكل صفات الكمال والجمال والجلال، وهو خضوع نابع عن محبة الرب -عز وجل- ومعرفته معرفة حقيقية، لكن هل تأملت الدعوة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم ربه، التي وصفناها بأنها جامعة مانعة؟ إنه لم يدع ربه بطول العمر، ولا بالزيادة في المال، ولا بكثرة الولد، وإنما دعا بما هو أشمل وأعم من ذلك كله؛ دعا بأن يكون القرآن ربيع قلبه ونور صدره وجلاء همه وحزنه، ولعمري إذا كشف الله عن العبد هذه الهموم، وأبعد عنه الأحزان والخوف والقلق والتوتر، إنه لذو حظ عظيم وعطاء كبير ورزق واسع عميم، نسأل الله أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا.

    إلهي

    Y12-06.xhtml

    *******

    { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }

    رُوِيَ أن موسى عليه السّلام اشتكى وجعًا أصاب أسنانه، فأوحى الله إليه أن يضعَ عُشْبَةً على ضِرْسه، فوضَعَ موسى عليه السلام تلك العشبة على ضرسه ثمّ دعا ربّه، وأثنى عليه، فذهب عنه الألم، وبعد مدّة عاود الألمُ موسى عليه السلام، فوضعَ من تلقاء نفسه العشبةَ على ضرسه، فزادَ الوجعُ ولم يتوقّف كما حدث في المرّة السابقة، فناجى موسى ربَّه واستغاثَه قائلًا: إلهي، ألستَ أمرتني بوضْع هذه العشبة على أسناني، ودَلَلْتَنِي عليها حتّى يزول وجعي؟ فأوحى اللهُ تعالى إليه: يا موسى، أنا الشّافي، وأنا العافي، وأنا الضّار، وأنا النّافع، قصدتني المرّةَ الأولى فأزلتُ مرضَك، والآن قصدتَ العشبةَ وما قصدْتني.

    وهذه القصة التي رُوِيَتْ في أكثر من مصدر، تبيّن أنّ الإخلاصَ في الدّعاء، وصدقَ الالتجاء إلى الله، هما سرُّ إجابة الدّعاء، وسببٌ لتفريج الكرْب والبلاء، وأنّ قلبَ الدّاعي إذا امتلأ رغبة ورهبةً وجلالًا وتعظيمًا لربه، كان ذلك كله أدعى لإجابة دعوته، وكشفِ ما به من ضر.

    ويُروَى أن امرأةً ضاع ابنُها فذهبت للإمام الجنيد، وطلبت منه الدّعاء بأن يردَّ اللهُ لها ابنها سالمًا، فدعا له بالسلامة ونصحها قائلًا: اذْهبي واصْطبري، فمضتِ المرأةُ ثمّ عادتْ له ثانية، وهي تقول مثلَ ما قالته في المرّة الأولى، فلم يزد على ما قاله في المرّة السّابقة، وبعد مدّةٍ نفدَ صبرُ تلك المرأة، فجاءتِ الجنيد باكية، وقالت: لقد عِيلَ صبْري، وما بَقِيَتْ لي طاقةٌ؛ فادْعُ الله لي، فقال لها: إنْ كان الأمرُ على ما ذكرتِ، فارْجعي إلى بيتك فستجدينَ ابنَك قد عاد بإذن الله، فعادتِ المرأةُ إلى بيتها لتجد ابنَها قد عاد بالفعل، كما أخبرَ الإمام الجنيد، فخَرَّتِ المرأةُ ساجدة لربها الذي رد لها ابنها فلذة كبدها، وأرسلتْ للجنيد تخبره بأن ابنها قد عاد إلى أحضانها، وأخذت الدهشة بمجامع الحاضرين فسألوا الإمام الجنيد: بمَ عرفتَ ذلك يا إمام؟ قال: من قوله تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [ النمل: 62 ].

    وهذا من فقه الرجل الصالح؛ فهو لا يرجم بالغيب، ولا يملك قوة خارقة تعينه على معرفة مثل هذه الأمور، ولكنه فَهِمَ ذلك من صريح النص القرآني؛ فاللهُ تعالى يجيب دعوة المضطر، الذي لا سند له سوى الله، وعلى العبد أن يتضرع إلى ربه ويوقن بإجابة دعوته، فأمرُه تعالى بين الكاف والنون، يقول للشيء: كن فيكون. وشبيه بهذه القصة موقف حدث مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- حيث جاءه رجل يشكو ما أصاب قومه من ضر وقحط وشدة، وقال في حزن وألم: يا أمير المؤمنين، قحط المطر، وقلّ الغيث، وقنط الناس؟ فقال الفاروق رضي الله عنه: مُطِرْتُم إن شاء الله. ثم قرأ قوله تعالى:

    { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }.

    [ الشورى: 28 ]

    فسبحان من يجيب دعوة المضطرين، ويكشف السوء والهمَّ عن المهمومين، وسبحان من طلب من عباده أن يتوجهوا إليه وحده بالدعاء، ليكشف ما بهم من ضر وبلاء، فهل مَنْ كانت هذه صفاته، يغفل العبدُ عن دعائه، أو يَيْئَس من نعمائه وعطائه؟

    من آداب الدعاء

    للدعاء آدابٌ وشروطٌ لا يُستجاب إلّا بها؛ فأوّلُ شرائطه إصلاحُ الباطن باللقمة الحلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «يا سعد، أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة». ومن شرائطه الإخلاصُ وحضورُ القلب، كما قال الله تعالى: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [ غافر: 14 ]، فإنّ مجرد الدعاء باللّسان دون حضور القلب، لا قيمة له، ولا يجلب الإجابة لصاحبه، فالقلبُ الحاضرُ والمستغرقُ في الله يدني صاحبه من ربه، ويكون سببًا في إجابة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1