Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة
أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة
أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة
Ebook659 pages3 hours

أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هدفُ الكتابِ هو: شرحٌ موجزٌ عنِ الإسلامِ بأقصرِ وقتٍ مُمْكِنٍ وكيف تَفوز بسعادة الدُّنيا والآخرة. عندك الكثير من الأسئلة المشروعة... لماذا خَلَقَنا اللهُ تعالى؟ لماذا أَنْزَلَنا من الجنّة؟ ما ذَنْبُنا إن كان أبونا آدمُ أكَلَ من تلك الشّجرة؟ لماذا يوجد في الكون ظُلْمٌ وحروب؟ لماذا يوجد أمراضٌ وشيخوخةٌ وموت؟ لماذا لم يَقْتُلِ اللهُ تعالى إبليسَ لترتاح منه البشريَّةُ؟ أليس الله تعالى بقادرٍ على ذلك؟ هل السَّعادةُ في الآخرة فقط بدخول الجنّة، ألا سبيل إليها في الدّنيا كذلك؟ وغير ذلك من الأسئلة الجوهريّة... إنَّ هذا الكتابَ يجيبُ عن أربعةِ وعِشْرِينَ سؤالًا قد لا تُغَيّرُ نظرتكَ فقط إلى الإسلام بل قد تُغيّرُ نظرتَك إلى الحياةِ بِرُمَّتها
Languageالعربية
PublisherSila S.A.L.
Release dateFeb 24, 2024
ISBN9783265658858
أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة

Read more from وسيم حبال

Related to أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة

Related ebooks

Related categories

Reviews for أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أربعة وعشرون سؤالاً غيّرت رؤيتي للإسلام والحياة - وسيم حبال

    1- لماذا سُمّيَ دينُ اللَّهِ الإسلامَ

    ولَم يُسَمَّ (المُحمَّديَّةَ) على اسمِ النّبيِّ محمّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؟

    الإسلامُ: كلمةٌ مشتقّةٌ منِ اسمِ اللَّهِ تعالى السَّلام.

    سُمّيَ الدّينُ بالإسلامِ؛ لأنَّ الإسلامَ دينُ اللَّهِ تعالى لجميعِ أنبيائِهِ ورسلِه، ولَم يُخَصَّ بهِ نبيٌّ مِن الأنبياءِ حتّى يُسمَّى باسمِهِ.

    ولَمّا كانَ الإسلامُ دينَ اللَّهِ - جَلَّ جَلَالُهُ -؛ فاللَّهُ - سُبْحٰانَه وَتعالىٰ - هو الذي اختارَ هذا الاسمَ للدّينِ. قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ﴾¹ وأيضًا هو مشتق من اسم اللَّه تعالى السّلام، قال عزّ وجلّ: ﴿هُوَ اللَّهُ الّذي لا إله إلّا هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يُشْرِكونَ﴾².

    وقد سمّى اللَّهُ - جَلَّ جَلَالُهُ - الجنَّةَ دارَ السَّلَامِ، ودعانا إليها، حيثُ قال: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلىٰ دَارِ السَّلَامِ﴾³. إذ ليس في الجنّةِ أيُّ نوعٍ مِن الأذى أو المكروهِ، مِن مرضٍ أو ألمٍ أو موتٍ أو عجزٍ، بل وصفَها اللَّهُ تعالى بقولِه: ﴿وَلَكُمْ فيها ما تَشْتَهي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فيها ما تَدَّعونَ﴾⁴. وما أرسلَ اللَّهُ تعالى إلينا الأنبياءَ - عَلَيْهمُ السَّلَام - بدينِ الإسلام إلّا لكي نَسْلَمَ في الحياة الدُّنيا وفي القبور وفي الحياة الآخرة الأبديّة، كما كانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يقولُ في رسائلِه إلى الملوكِ والجبابرةِ: ((أسْلِمْ تَسْلَم))⁵.

    فإنْ أردتَ سلامةَ قلبِك وبَدَنِك وجميعِ شأنِكَ في الدُّنيا والآخرَةِ؛ أَسْلِمْ وسَلِّمْ نفسَكَ وأمرَكَ إلى اللَّهِ تعالى، وكن مُوافقًا ومسَلِّمًا لقضائِه وقدَرِه، ونهيِه وأمرِه، وعطائِه ومنْعِه. فهو مَن يتولّاكَ ويُسلِّمُكَ مِن جميعِ الآفاتِ، ويتلَطَّفُ بكَ بألطافِه الخفيّة، ويُسعِدُك السّعادةَ الحقيقيّةَ في الدُّنيا الفانيةِ، وفي الآخرةِ الباقيةِ.

    والسِّرُّ كلُّ السِّرِ في صدْقِ تسْليمِكَ.

    خَلقَنا اللَّهُ تعالى مِن مُتضادَّينِ اثنَينِ: مِن جسدٍ مادّيٍّ مِن ترابٍ، له شهَواتٌ ومتطلّباتٌ مادّيةٌ، ومِن رُوحٍ نورانيّةٍ عُلْويّة، لها مَطالبُ ومَرامٍ نورانيّةٌ عِرفانيّةٌ. وهذانِ المخلوقانِ مُتعارِضانِ مُتَحارِبانِ البَتّةَ، ولن تَسعَدَ ولن تطمئنَّ أيُّها الإنسانُ ما داما كذلكَ. فإن أردتَ السّلامَ والانسجامَ بينهما؛ فَاتَّبِعْ دينَ اللَّهِ الإسلام الذي يحُلُّ لكَ لغزَ هذا التعارضِ والتضادِّ بين الرّوحِ والجسدِ، ليُصبِحا متآلفَيْنِ. فقد أعطى الإسلامُ كُلًّا منهما حقَّه، ومنَعَه ظُلْمَه؛ وجعلَ منهما معًا سِرًّا عُجابًا، يفوزُ بحُبِّ اللَّهِ تعالى وعطائِه وإنعامِه، بما لا يُعَدُّ ولا يُحَدُّ، سِرًّا مُؤهَّلًا لأن يفهمَ عن اللَّهِ تعالى السّلامِ، ويعرفَ اللَّهَ تعالى السّلامَ، ويرى جمالَ اللَّهِ تعالى، ويسمعَ جميلَ كلامِه، فيَسعَدَ بِذلك سعادَةَ الأبدِ، سعادةً تَزِيدُ وتتجَدّدُ وتتعدّدُ أبدًا أبدًا.

    وللفوزِ بالسّعادةِ في الدُّنيا والآخرةِ مِفتاحٌ واحدٌ، يجبُ عليكَ ألّا تَغفُلَ عنه، ولا تَكْسَلَ عنِ استعمالِه. هذا المِفتاحُ هُو لا إله إلّا اللَّهُ. ولهذِه السّعادةِ مراتِبُ ودرجاتٌ عِدَّةٌ في الحُبِّ والقُرْبِ، تكونُ بقَدرِ فَهْمِكَ لمعاني كلمةِ لا إله إلّا اللَّهُ وتعلُّقِكَ بها وتخلُّقِكَ وتحقُّقِكَ.

    فجميعُ الأنبياءِ وخاتمُهم سيّدُنا محمّدٌ - عَلَيْهمُ السَّلَام - جاؤوا بالإسلامِ؛ لِنشرِ السّلامِ بين النّاسِ، ولِيُعلِّموهم كيف يعيشُ واحدُهم بسلامٍ وانسِجامٍ بين رُوحِه وجسَدِه. وإنّما جَعلَ اللَّهُ تعالى تحيّةَ الإسلام: السّلامُ عليكم؛ لأنّها التزامٌ وتعهُّدٌ مِمَّن يلقيها لمن يَتَلقّاها بأنَّهُ سالمٌ منه في كلِّ ما يُؤذيه، مِن غِيبةٍ أو نميمةٍ أو غِشٍّ، أو حِقدٍ أو حسدٍ أو ظُلمٍ، ومِن إضمارِ شرٍّ أو غِلٍّ له في قلبِه، وغيرِ ذلكَ مِن الأسواءِ والأخطاءِ. ورسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عَرَّفَ المؤمنَ والمُسلمَ والمجاهِدَ والمهاجِرَ فقال في حجَّةِ الوداعِ: ((ألا أُخْبِرُكُمْ بالمُؤْمِنِ؟ مَن أَمِنَهُ النّاسُ عَلى أمْوالِهِم وأنفسِهِم، والمسلمُ: مَن سَلِمَ النّاسُ مِن لسانِه ويدِه. والمجاهِدُ مَن جاهدَ نفسَهُ في طاعةِ اللَّهِ. والمهاجِرُ مَن هَجَرَ الخطايا والذّنوبَ))⁶.

    واليدُ معناها في قولِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - آنِفًا: القدرة؛ أي: سَلِمَ النّاسُ جميعًا مؤمِنُهُم وكافِرُهُم مِمّا هو قادِرٌ على أن يفعلَه بهم مِن أذىً أو اعتداءٍ.

    والإنسانُ لا ينجو في الآخرةِ ما لَم يأتِ اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ مِن جميعِ الآفاتِ والأمراضِ المذكورةِ آنفًا، فلا يتعلَّقُ قلبُه بغيرِ اللَّهِ تعالى، ولا يُضمِرُ في قلبِه أذىً أو حِقدًا أو حسدًا لأحدٍ. قال اللَّهُ تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنونَ، إِلّا مَنْ أَتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ﴾⁷. وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: ((قيل لِرسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: أيُّ النّاسِ أفضلُ؟ قال: كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوقِ اللّسانِ. قالوا: صدوقُ اللّسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: هو التّقيُّ النّقيُّ، لا إثمَ فيه ولا بغْيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ))⁸.

    ســـــــَـــــــــــــــــــــلْ نفســـــــــــــــــــــــــــــك:

    •مَن غَيْرُ الإنسانِ يُمْكِنه أن يختارَ ويقرّر؟

    •ما المشكلة في أن يكون كلُّ ذلك مصادفةً؟

    •أليس غريبًا أن تكون الكائِنَ العاقِلَ الوحيدَ بين المخلوقاتِ كُلّها؟

    2- لماذا خلَقَنا اللَّه تعالى؟

    اللَّهُ غنيٌّ عن كلِّ مخلوقاتِه، ولكنّهُ أحبَّ أن يُعْرَفَ، وأن يَتكَرّم على خلْقِه، فخَلقَ الإنسانَ، وجعلَه خليفتَه في الأرضِ، وسخَّرَ له السّمواتِ والأرضَ وما فيهما. والقصدُ مِن خَلْقِ الإنسانِ معرفةُ خالقِهِ وبارِئِه، الّذي ليس كمِثْلِه شيءٌ، قال اللَّهُ تعالى: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدونِ﴾⁹. قال ابنُ عبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: (لِيَعبدون، أي: لِيَعرِفونِ). ومعرفةُ اللَّهِ تعالى تكونُ بمعرفةِ أسمائِه الحسنى التي سَمَّى نفسَه بها. وأسماءُ اللَّهِ الحسنى لا حصرَ لها ولا عددَ. وقد خلَقَ اللَّهُ تعالى الإنسانَ المكوَّنَ مِن جسدٍ ورُوحٍ بحيثُ يكونُ فيه القابليّةُ لمعرفةِ أسماءِ اللَّهِ تعالى كلِّها. وقد أَنزَلَ اللَّهُ تعالى الإنسانَ إلى الأرضِ لِيعرفَ تسعةً وتسعينَ اسمًا مِن أسمائِه تعالى، فمَن نجَحَ بذلكَ أدخلَه اللَّهُ الجنّةَ، وهناك يَعرفُ باقي أسماءَ اللَّهِ تعالى التي لا حصرَ لها ولا عَدَّ. قال رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ((إنّ للَّه تسعةً وتسعينَ اسمًا، مَن أَحصاها دخلَ الجنّةَ))¹⁰.

    وفي الجنّةِ يُعرِّفُ اللَّهُ تعالى الإنسانَ في كلِّ يومِ جُمُعةٍ اسمًا جديدًا مِن أسمائِه، ويستمرُّ ذلك أبَدَ الآبادِ. وهذا أجملُ ما في الجنّةِ وأحلاه وأعظَمُه. قال اللَّهُ تعالى: (وجوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إلى رَبِّها ناظِرَةٌ)¹¹. وقال سبحانه: (لَهُمْ ما يَشاءونَ فيها ولَدَيْنا مَزيدٌ)¹². فلا سعادةَ ولا أُنْسَ ولا حُبَّ ولا جَمَالَ ولا كَمَالَ أعظمُ للإنسانِ مِن رُؤْيتِهِ اللَّهَ تعالى في الجنّةِ كلَّ يومِ جُمُعةٍ، حيثُ يتجلّى اللَّهُ تعالى عليه باسمٍ لَم يعرفْه قبلُ!

    وفي عالَمِ الدُّنيا هذا، معرفةُ اللَّهِ تعالى ومعرفةُ أسمائه وصفاتِه مِن أشرفِ المعارفِ والعلومِ، وأجلِّها على الإطلاقِ؛ لأنّ شرفَ العلمِ بشرفِ المعلومِ، والمعلومُ في هذا هو اللَّهُ - جَلَّ جَلَالُهُ -. ومعرفةُ أسماءِ اللَّهِ الحسنى يكونُ بالنظرِ في مخلوقاتِه، والتّأمّلِ في إبداعاتِه وقدرتِه وحكمتِه، وفي تجلّياتِ أسمائِه وصِفاتِه في المخلوقاتِ وفي الحوادثِ والأحوالِ التي يتعرّضُ لها الإنسان.

    فالنّظرِ في الرّحمةِ التي يُمِدُّ اللَّهُ تعالى بها قلوبَ الأمّهاتِ؛ نعرفُ اسمَه تعالى الرّحيم. وبالتّأمّلِ في أطوارِ خَلْق الجنينِ في بطنِ أمّهِ وما يتعرّضُ له مِن مخاطِرَ؛ نعرفُ أسماءَ اللَّهِ تعالى الخالق و المصوِّر و اللّطيف. وبالنّظرِ في الأسبابِ التي خلقَها اللَّهُ تعالى ورَبطَ بها ظاهِرًا النّتائجَ ليَنتَظِمَ هذا الكونُ؛ نعرفُ اسمَ اللَّهِ الحكيم. وبالنّظرِ في الفضاءِ وسعَتِه؛ نعرفُ اسمَ اللَّهِ الواسع وهكذا.

    ولأنَّ مِن أسمائه تعالى التّوّابَ و الغفُورَ و الحَلِيمَ؛ كان لا بُدَّ للإنسانِ أن يُخْطِئَ حتى يتوبَ اللَّهُ عليه، فَيَعْرِفَ اسمَه تعالى التّوّاب، وأن يُذْنِبَ فيستغفرَ فيَغفِرَ اللَّهُ له؛ فيعرفَ اسمَه تعالى الغفور، وأن يتكرّرَ منه الذَّنْبُ؛ فيعامِلَه اللَّهُ تعالى بالحِلْم فلا يُعاجِلُهُ بالعُقُوبَةِ، بل يُمْهِلُه لعلَّه يتوبُ؛ فيعرفَ اسمَ اللَّهِ الحليم.

    ســـــــَـــــــــــــــــــــلْ نفســـــــــــــــــــــــــــــك:

    •كم نِعْمَةٍ تطوف بك؟ تشعر بها وتستمتع؟

    •في أي مَوْقِعٍ مِنْ هذِهِ النِّعمِ تَجِدُ نِعْمَةَ المَعْرِفَةِ والفَهْم؟

    •هل تتمنى لو كُنْتَ كائِنًا غَيرَ عَاقِلٍ؟

    3- لماذا اختارَ اللَّهُ تعالى الإنسانَ ليكونَ خليفَتَهُ في الأرضِ؟

    قال اللَّهُ تعالى: (وإذ قالَ رَبَّكَ للمَلائِكَةِ إنّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَليفَةً قالوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفَكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لكَ قالَ إنّي أَعْلَمُ مالا تَعْلَمونَ)¹³.

    عَرَفتِ الملائكةُ أنّ هذا الإنسانَ مَخلوقٌ مِن جَسَدٍ مادّيٍّ ورُوحٍ نُورانيّة، وأنّه إذا طغى جسدُهُ على رُوحِه؛ فسيَطغى ويُفسِدُ في الأرضِ ويَسْفِكُ الدِّماء. حَتّى أنَّ المَلائِكَة تَعَجَّبَتِ مِن اختيارِ اللَّهِ تعالى الإنسانَ ليكونَ خليفةً له في الأرضِ، ومِن عدمِ اختيارِه مِنَ الملائكةِ المخلوقةِ مِن الرُّوحِ النُّورانيّةِ. فالملائكةُ ليس لهم شهواتٌ ماديّةٌ، ولا يَعصُونَ اللَّهَ، ولا يكونُ منهم فسادٌ أو أذى.

    وقد أجابَهم اللَّهُ تعالى عن سؤالِهم هذا، وَأَرَاهُمْ عِدّةَ أشياءَ مختلِفةً مِمّا خَلَق: (وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى المَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئوني بِأسْماءِ هَؤُلاءِ إنْ كُنْتُمْ صادِقينَ* قالوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا إنَّكَ أَنْتَ العَليمُ الحَكيمُ)¹⁴.

    سألَهم اللَّهُ تعالى قراءةَ مخلُوقاتِهِ بأسمائِهِ الحسنى، فقالوا: (قالوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا إنَّكَ أَنْتَ العَليمُ الحَكيمُ)، مثلًا: ما هو اسمُ اللَّهِ تعالى المتجلّي في المرضِ؟ أو ما هو اسمُ اللَّهِ تعالى المتجلّي في الشّفاءِ؟ أو في الجوعِ أو في الشِّبَع؟ أو في الغضبِ أو في الحِلمِ؟ أو في قضاءِ الحوائِجِ؟ أو في الشَّمسِ أو في القمرِ؟ أو في البحرِ أو في الطّيرِ أو في الشّجرِ؟ أو في التُّرابِ أو في الماءِ أو في الهواءِ أو في النّارِ أو...؟ فلَم تُعْطِ الملائكةُ لذلكَ جوابًا!

    وعَلَّمَ اللَّهُ تعالى سيّدَنا آدمَ - عَلَيْهِ السَّلَام - الأسماءَ كلَّها: (قالَ يا ءادَمُ أَنْبِئْهُم بِأَسْمائهِمْ فَلَمّا أنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ)¹⁵، علَّمَه ربُّه أسْمَاءَ المَخْلُوقَاتِ كُلَّها المُشْتَّقةِ عَنْ أسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنى؛ فصارَ يُخبِرُهُمْ عن كُلِّ مخلوقٍ عرَضَه اللَّهُ عليه باسمِه واسمِ اللَّهِ تعالى المتجلّي فيه.

    فعَلمتِ الملائكةُ سِرَّ اجتماعِ الجسدِ بالرُّوحِ، المُسَمَّى بالإنسانِ. صحيحٌ أنّ جَسَدَ الإنسانِ إذا طغى على الرُّوحِ أفسدَ وسفكَ الدِّماءَ، ولكن إذا أسلمَ هذا الإنسانُ للَّهِ تعالى حقًّا؛ تجلّى اللَّهُ تعالى عليهِ باسمِهِ السّلام؛ فانسجمتْ رُوحُهُ معَ جسدِه وتناغمَتْ؛ فكان منهما هذا السِّرُّ العجيبُ المؤهَّلُ لتَعلُّمِ أسماءِ اللَّهِ الحسنى، والتّخلُّقِ بها، ومعرفةِ اللَّهِ. فالإنسانُ -دونَ غَيْرِه مِن المخلوقاتِ- اختارهُ اللَّهُ تعالى؛ ليكونَ خليفتَهُ في الأرضِ.

    ومِن ثَمَّ نَفْهَمُ سَبَبَ نزولِ أَوَّلِ آَيَةٍ على قَلْبِ سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ)¹⁶.

    أي: اِقرأْ بأسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنى كلَّ ما تراهُ مِن خَلْقِ اللَّهِ؛ فكلُّ ما تراهُ يُعرّفُكَ باللَّهِ، ويَدلُّكَ عليه، ويُقَرِّبُكَ إليه! وهذه هي مهمّةُ الأنبياءِ، خُلفاءُ اللَّهِ في الأرضِ، أن يَدُلّوا النّاسَ على اللَّهِ، ويعلِّموهم كيف يَقرَؤونَ بأسماءِ اللَّهِ مخلوقاتِ اللَّهِ، وكُلِّ ما يتعرَّضُونَ له مِن أحوالٍ وحوادِثَ. فكلُّ شيءٍ يحدثُ معهم يزيدُهم باللَّهِ تعالى معرفةً وحُبًّا وتعلُّقًا.

    ســـــــَـــــــــــــــــــــلْ نفســـــــــــــــــــــــــــــك:

    •هل أنت راضٍ عن اسْمِكَ؟

    •لو لم يَكُنْ اسْمُكَ على ما هو عليه الآن، ماذا ترغبُ أن يكون؟

    •هل لك من اسمك نصيب؟

    4- ما معنى قَولِهِ تعالى: (وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْماءَ كُلَّها)؟

    وما مَصْدَرُ أسماءِ الأشياءِ في الوجود؟

    عَلَّمَ اللَّهُ تعالى اسماءَهُ الحسنى لسيّدنا آدم - عَلَيْهِ السَّلَام -، وعلّمه كيفيّةَ اشتقاقِ أسماءِ الأشياءِ من أسماءِ اللَّهِ تعالى الحسنى وعلّمه البيان.

    فقد شق اللَّه تعالى مثلاً اسْمَ الإسلام من اسمه تعالى السّلام، وَاسْمَ الاحسان من اسمه تعالى المحسن وَاسْمَ الرّحِمِ مِنِ اسْمِهِ تعالى الرَّحمن.

    عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رسول اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَقولُ: ((قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: أَنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَها اسْمًا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَها وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَها بَتَتُّهُ))¹⁷.

    وقد أنشد حسان ابن ثابت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في مدح النّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -:

    وضمَّ الإلهُ اسمَ النّبيّ إلى اسمهِ

    إذا قالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ

    وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلّهُ

    فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمّدُ

    ومن الإسمين العظيمين الرّحمن و الرّحيم اشتُقَّتِ الرّحمةُ، والرّزْقُ من اسمه الرَّزّاقِ، والعِلْمُ من اسْمِهِ العليم، والجلالُ مِنِ اسْمهِ الجَليلِ والهِدايَةُ مِنِ اسْمِهِ الهادي والعِزُّ مِنْ اسْمِهِ المُعِزِّ والذُّلِّ مِنِ اسْمِهِ المُذِلِّ

    والعَطاءُ من اسْمِهِ المُعْطِي والمَنْعُ مِنِ اسْمِهِ المانِعُ وهَكَذا...

    وهذا العِلْمُ مِنْ أَسْبابَ خَلْقِ الإِنْسانِ ومِنْ أسْبابِ تشريفهِ بسجودِ الملائكةِ لأبيه سيّدِنا آدمَ - عَلَيْهِ السَّلَام -، قال اللَّه تعالى: (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ)¹⁸.

    وهكذا من تعليم اللَّه تعالى أسماءه لسيّدنا آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - نستقي أنَّ المقصودَ من خَلْقِكَ أنت أيُّها الإنسانُ هو التعرُّفُ على اللَّهِ تعالى من خلال التَعرُّفِ على أسمائِه الحُسْنى وصفاتِه العُلَى. وهذا التعرّفُ يكون من خلال اسم اللَّه تعالى الرَّحمن، فكيف عَرَّفَكَ أنت على أسمائه الحُسْنى؟ بتعليمِكَ القرآن. وكيف علّم القرآن قبل أن يَخْلُقَ الإنسانَ كما قال تعالى في سورةِ الرَّحمن: (ٱلرَّحمٰنُ* عَلَّمَ ٱلقُرءَانَ* خَلَقَ ٱلإِنسَٰنَ* عَلَّمَهُ ٱلبَيانَ)¹⁹.

    فاللّهُ هُو الّذي أَهَلَّ روحَكَ لِهَذا العِلْمِ الجَليل.

    والمخلوقات هي من مظاهر تجليَّاتِ أسماءِ اللَّهِ الحُسنى في هذا الكون، فالجبالُ مثلًا من مظهر تجلّياتِ اسم اللَّه تعالى القَويّ المتين، والسَّمَاءُ مَظْهَرٌ لاسْمِهِ تعالى العليِّ اللّطيفِ، والمَاءِ مَظْهَرٌ لاسُمِهِ تعالى المُحْيِي، والعَرْشُ مَظْهَرٌ لاسْمِهِ العظيم وكُلُّ جَمالٍ في الكون مَظْهَرٌ لاسْمِهِ الجَميلِ والأَمْنُ والأمَانُ مَظْهَرٌ لاسْمِهِ المُؤمِنِ وَهكذا...

    ســـــــَـــــــــــــــــــــلْ نفســـــــــــــــــــــــــــــك:

    •لماذا تسعى إلى تدليلِ نفسكَ في هذه الحياة الدُّنيا؟

    •هل تشعرُ أنَّه من حقكَ أن تكون مدلَّلًا في هذه الحياة الدُّنيا؟

    •هل ترضى أن تكون مُهْمَلًا في هذه الحياة الدُّنيا؟

    5- ما معنى قولُ اللَّه تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ)؟²⁰

    حكايةٌ لِلْعِبْرَةِ:

    إنَّ الأمَّ الحنون، والمُحبِّة جدًّا لولدها، والرَّحيمة، والعطوفة عليه، لم تُنْجِبْهُ إلَّا لِتُكرِمَهُ، وتُعْطِيَهُ، لا لِتُعذِّبَهُ أو تُشقِيَهُ.

    فهي من قَبْلِ أن يولَدَ هيَّأتْ لَهُ غُرفةَ نومٍ هادئةٍ، وجميلةٍ، بألوانٍ متناسقةٍ، وسريرٍ مريحٍ، واشترت له أَجْمَلَ الثِّيابِ، والحاجاتِ، والألعابِ.

    وأمضت جُلَّ وَقْتِهَا تقرأُ، وتُثَقِّفُ نَفْسَها، لتُحْسِنَ تربيَتَهُ، وتعليمَهُ بأفضلِ أُسلوبٍ، وأخذت تَهتَمُّ بأدقِّ التَّفاصيلِ في حياته، وذلك حتَّى يَنْشَأَ وَلَدُها بِصِحَّةٍ جَيَّدَةٍ، وهو مُرْتاحٌ، وسعيدٌ، مثقَّفٌ، وناجحٌ.

    ومرَّت الأيّام، وكَبُرَ الصَّغيرُ، وتخرَّج من الجامعةِ، بعد طول سهرِ الأمِّ على رعايته، وتدريسه، ومساعدته في جميع تفاصيل مشواره العلميِّ والحياتيِّ.

    وأحبَّت الأمُّ أن تُفرِحَ ولدَهَا، وتُكرِمه بإقامة حفلٍ جميلٍ له. وراحت تُعِدُّ هذا الحفل بعنايةٍ بالغةٍ، واهتمامٍ دقيقٍ بكلِّ التَّفاصيل التي تُعْجِبُهُ ويُحِبُّهَا.

    فقامت بِتَزيينِ المكانِ بالألوانِ والوُرُودِ التي يَعْشَقُها، ثمَّ رشَّتْ المكانَ بأطيَبِ العُطُورِ التي يُفَضِّلُها، وأَحْضَرَتْ أطْيبَ الطَّعامِ، وأشْهى الحَلْوى التي يُحِبُّها، ثمَّ وَضَعَتْ في هذا الحَفْلِ الأنْغامَ التي يرغَبُ بِسَمَاعِهَا، وَدَعَتْ أَعَزَّ أصدقائِهِ على قَلْبِهِ لِتَكْتَمِلَ فَرْحَتُهُ بهم.

    وبعد انتهاء الحفل، ذهب الشَّابُّ إلى سريره للنَّومِ، وهنا أَخَذَ يُفَكِّرُ طويلًا بما فَعَلَتْهُ أمُّهُ الحَنُون لِأَجْلِهِ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفارِهِ إلى هذا اليوم، ويتأمَّلُ بعمقٍ أدقَّ التَّفاصيلِ التي حَرَصَتْ عليها لإرضائِه وإدخالِ البهجةِ على قلبِهِ، وما ذلِكَ إلَّا لِشدَّةِ حُبِّها لَهُ، وَرَغْبَتِهَا في إسْعَاِدهِ. وهنا شَعَرَ بِعَجْزِهِ الشَّديدِ عن رَدِّ الجَميلِ لها، فازْدَادَ لها حبًّا، تقديرًا، وامتنانًا.

    وللَّه تعالى المثلُ الأعلى...

    - اللَّه تعالى خلقنا في أحسن صورة، لأنَّه يُحبُّنا.

    قال اللَّه تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنا الإِنسَانَ في أَحْسَنِ تَقْويمٍ)²¹.

    وقال اللَّه تعالى: (يا أَيُّها الإِنسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ* الَّذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ*

    في أَيِّ صورَةٍ مّا شاءَ رَكَّبَكَ)²².

    - واللَّه تعالى فضَّلنا على جميع المخلوقات، ِليُكْرِمَنَا.

    قال اللَّه تعالى: (ولَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ وحَمَلْناهُمْ في البَرِّ والبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضيلًا)²³.

    - واللَّه تعالى جعل فينا الرُّوحَ المقدَّسةَ التي نفخها في أبينا آدمَ - عَلَيْهِ السَّلَام -، ليُظْهِرَ فَضْلَنَا على باقي المخلوقات.

    - واللَّه تعالى خلقنا لنتعرَّفَ عَلَيهِ، ونتعلَّقَ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنى، ونتخلَّقَ بها.

    - واللَّه تعالى سخَّر لنا ما في السَّماوات وما في الأرض، وأسبغ علينا نعمه الهائلة، فخلق لأجلنا كلَّ ما في الوجود، الطُّيورَ، والبحارَ، والأنهارَ، والثِّمارَ، والورودَ، والجمالَ، والغذاءَ، وما لا يُعَدُّ ولا يُحْصَى من النِّعَمِ، وذلك لأنَّه يُحِبُّ أن: يَرْزُقَنَا، ويُكْرِمَنَا، ويُعْطِيَنَا.

    فقال تعالى في سورة الرَّحمن: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)²⁴.

    أي: فبأيِّ نِعَمِ اللَّه تجحدون وتنكرون؟!

    معنى قول اللَّه تعالى: (اقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَم)

    أي اقرأ كلَّ ما في الوجود على أنَّه إكرامُ اللَّه تعالى لك.

    وكلُّ ما حباك اللَّهُ تعالى به مِن النِّعم، سواءً ما عَلِمْتَها وما لم تَعْلَمْهَا، هو إكرام من اللَّه تعالى لك.

    - فاللَّه تعالى خَلَقَكَ لِتَسْعَدَ لا لِتَشْقَى.

    قال تعالى: (طه * ما أَنزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَىٰ)²⁵.

    ومعنى هذا: يا أيُّها الإنسان إنَّ الهدف من التَّكاليف التي أُنزلت في القرآن الكريم هو:

    إسْعَادُكَ لا شقاؤك، وإن كُنْتَ تظنُّهَا شَاقَّةً ومُتْعبة.

    مثلًا: حين يُرسل الأبُ وَلَدَهُ إلى المدرسة، هو يُرْسِلُهُ ليتعلَّمَ ويترَبَّى، ولِيَسْعَدَ بِمُسْتَقبلٍ مشرقٍ، ولا يرسله ليشقى، وإن كان الولد يظنُّ غير ذلك في البداية.

    مثلًا: قد يرسل الوالد الغنيُّ ولده ليعمل عند أحد أصدقائه، وذلك حتى يُهذِّبَهُ، ويُعَلِّمَهُ، فَيَكْسَبَ مِهْنَةً مُعَيَّنةً، ثمَّ يعيشُ بَعْدَها حياةً سعيدةً، فهو لا يُرسِلُهُ لِيُعذِّبَهُ أو لِيُتْعِبَهُ.

    - واللَّه تعالى يدعوك أَن تقرأَ كلَّ ما تراهُ في الوجودِ على أنَّهُ رِسَالَةُ حُبٍّ، وإكرامٍ مِن اللَّه تعالى لك.

    معنى قول اللَّه تعالى: (اقْرَأ وَرَبُّكَ الأَكْرَم):

    - اقرأ أيُّها الإنسان نِعَمَ اللَّه تعالى الّتي خصَّك بها.

    - واقرأ أيُّها الإنسان عنايةَ اللَّه تعالى بك.

    - واقرأ أيُّها الإنسان رسائلَ الحبِّ والإكرام الّتي أَرْسَلَهَا اللَّهُ تعالى لك.

    واعلم أنَّ اللَّه تعالى سخَّر كلَّ شيء خَلَقَهُ لِأجْلِكَ، وما ذاكَ إلَّا لِيَهْدِيَك إليه، ويعرِّفَك عَلَيه، فتزداد إكرامًا وسعادة.

    أمثلة تدلُّ على فَهْمِ الأنبياء على اللَّه تعالى:

    سؤال: كيف قرأ سيِّدنا يوسف - عَلَيْهِ السَّلَام - حياته؟

    الجواب: قرأ سيِّدنا يوسف - عَلَيْهِ السَّلَام - حياته باسم اللَّه الأكرم.

    فكان حامدًا وشاكرًا للَّه تعالى، وكان قلبه مُمْتَلِئًا حُبًّا وثقةً بأنَّ كلَّ ما يحدث معه هو خيرٌ له، لأنَّه من ربِّه الأكرم.

    وقد عبَّر عن ذلك بقوله في آخر حياته: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَني مِن تَأْويلِ الأَحاديثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسْلِمًا وَأَلْحِقْني بِالصَّالِحينَ)²⁶.

    سؤال: كيف قرأ سيِّدنا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - حياتَه؟

    الجواب: قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ)²⁷ لذلك كان سيِّدنا محمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أفضل من يَقرأ رَسائِل رَبِّهِ الأكْرمِ، فكان يرى عظيم الإِكْرَام والحُبِّ من اللَّه تعالى له لقوله سبحانه: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)²⁸ وقوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)²⁹ وقوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ)³⁰...، حتى امتلاء قَلبَهُ الشَّرِيفَ بالحُبِّ والحِكْمَةِ والامتنانِ لله تعالى.

    ولذلك سُمِّيَ أحمد، أي: أنَّهُ أَكْثَرُ الخَلْقِ حَمْدًا للَّهِ تعالى. فَحَمِدَتْهُ المَلائِكَةُ وسَائِرُ المخلوقاتِ على ذلك، لذا سُمِّيَ مَحْمودًا. وإنَّ اسْمَ مُحَمَّدٍ قد جَمَعَ اسمين معًا: أحمد ومحمود. وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - صَاحِبَ لواءِ الحَمْدِ.

    - واللَّهُ تعالى قد افتتحَ القرآنَ الكريمَ بسورةِ الحَمْدِ فقال:

    (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحيمِ * الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ)³¹.

    - فبالحَمْدِ يَسْعَدُ الإنسانُ، وبه يُرضي الرَّحمن.

    - وبالحمدِ نَقْرَأُ القرآن، وبه نَدْخُلُ في الجِنانِ.

    - وبالحمد تدوم النِّعم، وبه يُبَارِكُ الحنّانُ المنّانُ.

    نصيحةٌ هامَّةٌ:

    يا أيُّها الإنسانُ لا تبخلْ بِأَنْ تَقرَأَ رسائِلَ الحُبِّ والإكرامِ التي تَسْمَعُهَا بِأُذُنَيْكَ، والتي تراها بِعينَيْكَ، والتي انطَبَعَتْ صورتُها في فؤادِكَ.

    كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)³².

    لذا علينا أن نَسْتَشْعِرَ كَرَمَ اللَّهِ تعالى، ونِعَمَهُ علينا، ونَحْمَدُهُ عليها حمدًا كثيرًا.

    سؤال: كيف نساعد أنفسنا على تَذَكُّرِ النِّعَمِ؟

    الجواب: بأن: نكتُبَ في أوّل كلِّ يومٍ على مُفكِّرَة (الأجندة الخاصَّة) حمدًا للَّه تعالى على نِعْمَةٍ لم نحمده عليها من

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1