Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سحر الدنيا
سحر الدنيا
سحر الدنيا
Ebook464 pages3 hours

سحر الدنيا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الكتاب يتناول تأثير الدنيا على العباد بسحرها، وكيف أنها تغوص في النفس الإنسانية، وتتفاعل مع رغباتها وشهواتها وملذاتها، فتفتنهم بسحرها ومتعها وتصيبهم بالغفلة.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2019
ISBN9789771458432
سحر الدنيا

Read more from مصطفى حسني

Related to سحر الدنيا

Related ebooks

Reviews for سحر الدنيا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سحر الدنيا - مصطفى حسني

    الغلاف

    سلسلة بناء العبد الرباني

    مصطفى حسني

    سحر الدنيا

    تأليف: مصطفى حسني

    مراجعة علمية: د. سيد عبد الباري

    مدير عام المراكز الثقافية

    بوزارة الأوقاف ومن علماء الأزهر الشريف

    إشـراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 978-977-14-5843-2

    رقـــم الإيــــداع: 2019 / 27080

    الطبعة الثانية: ينايــر 2021

    Section0001.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    إهداء.. 

    إلى والدَيَّ اللذين علَّماني وصبرا عليَّ وسعيا أن أرى الدنيا على حقيقتها..  وألا أسحر بدنيا هى فانية..

    إلى والدَيَّ اللذينِ صبرا على تكاسلي حتى تنبهت أن للكسل سحرًا، إن تماديت بالاستمتاع به فسأتحول لشخص غير مسئول لا يُعتمد عليه.. 

    إلى من تقبلا آرائي وإن كنت مخطئًا، فأوصلا لي أن أتمسك بها لكن دون أن أرفض آراء الآخرين فقط لأنها تختلف معي.. 

    إلى من ظلا ينبهانني ويقفان وراء خطواتي وقراراتي حتى لا أُفتن ببلاء قد مررت به أو بصحبة سوء أتبعها دون أن أفكر، أو أن أستسلم لغضب يدفعني للانتقام لحظ النفس.. 

    إلى من رسَّخا بمعتقدي أن ربي هو من سيهديني.. فيا رب.. ارحمهما كما ربياني صغيرًا وكبيرًا..

    ما هي سلسلة بناء العبد الرباني؟

    الأزمة الحقيقية التي يواجهها عالمنا الإسلامي هي الفهم السليم ثم التطبيق الرحيم للدين الإسلامي العظيم .. فهناك فجوة بين الشريعة الكاملة النقية وبين فهم العقول لمراد الله منها، وكيفية تطبيقها بالشكل الصحيح على واقع العصر الذي نحياه معًا.

    وطالما حلمتُ بأن أسهم بما أتعلم من العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية في بناء شخصية مؤمنة تحمل بين جنبيها نفسًا سوية وعقلًا مستنيرًا، نفسًا تصلح أن تكون خليفة الله في الأرض، نفسًا تحب العلم وتحترمه وتبحث عن صفات الله الظاهرة في الكون لتتعرف إليه .. لتتعلق به وتحبه،  ثم تنشر هذه الصفات بين الخلق، فترحم برحمة الله، وتعطي بكرم الله، وتسامح كما رأت ربها يعفو ويسامح، نفسًا ترى عمارة الأرض واجبًا لا يقل عن الصلاة التي تقدسها بين يدي ربها.

    وهذا مصداق قول الله في آية وصفت المتقين الصادقين:

    ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾ [البقرة : 177]

    دين شامل .. عقيدة أثمرت عبادة ظهرت آثارها في رقي معاملة الخلق وبناء الحضارة ..

    وهذا هو غاية الهدف والرسالة السامية التي أحملها على كتفي منذ أن بدأت طريق الدعوة من سنين عديدة، وهو بناء العبد الرباني العابد لسيده ومولاه، المنشغل بعمارة وطنه وأرضه، والمتخلق مع الخلق بأخلاق ربه حتى نعمل بوصية الله الخالدة لنا

    ﴿وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ﴾ [آل عمران : 79]

    ستجدون في سلسلة بناء العبد الرباني:

    كتبًا تتناول البناء الكامل المتزن لهذا العبد الذي نحلم به.

    كتبًا في بناء العقل السوي المستنير وضبط المفاهيم.

    كتب إصلاح القلب وتأهيله للفهم عن رب العالمين ليظهر ذلك في سلوكيات من يحمل الخير والحق والجمال للخلق.

    كتبًا عن العبادات فهمًا لمعناها، وتعلُّمًا لكيفيتها والسعي لارتقاء الروح بها.

    كتبًا عن المهارات الشخصية وتطوير النفس التي هي أمانة الله لتصبح أكثر فاعلية في الحياة العملية وعمارة الأرض.

    كتب المعاملات بين المسلمين للارتقاء في معاملاتنا بعضنا مع بعض، وتقبُّل الطبيعة البشرية لكلٍّ منا.

    كتبًا عن السيرة النبوية وقصص الأنبياء العظيمة والتي نستوحي منها الطرق العملية للتصرُّف السليم في كافة المواقف التي نتعرض لها في حياتنا اليومية.

    كتبًا عن القرآن الكريم وتعلُّم كيفية فهمه وتدبُّره وتطبيقه بشكل عملي في حياتنا حتى نكون من «أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته».

    وأسأل الله أن يمن علينا بالعلم النافع، والرزق الواسع، والقلب الرحيم، والعقل الواعي المستقيم .. وصلِّ اللهم وسلم على راحم المساكين .. والحمد لله رب العالمين.

    التعامل مع الدنيا.. كيف؟!

    هذا الكتاب هو رحلة، نغوص فيها داخل أعماق النفس البشرية؛ لنتأمل كيف تفاعلت مع رغباتها وشهواتها تجاه متع الدنيا وملذاتها، وهل كانت الدنيا طريقًا لمعرفة الله (عز وجل) أم أننا فُتنَّا بها، وسحرتنا.... فهيا معي نواجه أنا وأنت أنفسنا، هل نحيا بقلوب يقظة، مراقِبة لله (عز وجل) أم فُتِنَّا بمُتع الدنيا، وأصابتنا الغفلة، فانحرفنا بعيدًا عن مراد الله من هذه الحياة الدنيا؟

    أناس على مختلف الألوان والأجناس.. أحداث تتوالى.. أموال وصراعات.. أفراح وأتراح... إنه صخب الدنيا... وأنت أمام خيارين: إما أن تكون ذاكرًا لله تعالى، تستخيره في كل شئونك، وتفوض إليه كل أمورك، وإما أن تنجرف بعيدًا عن ساحل الإيمان، وتنغمس في مغريات الدنيا، فتصير حجابًا بينك وبين الله..

    خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) وأسكنه وزوجَه الجنة، فلما عصى آدم ربه، أسكنه الأرضَ؛ لتكون مستقرًّا ومتاعًا له ولذريته إلى يوم البعث والحساب، وحذره -جل في علاه- من أن تفتنه الدنيا، فقال تعالى:

    ﴿وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]

    أي إنها متعة زائلة فلا تغتروا بها، وقال تعالى:

    ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ (15) أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [هود: ١٥-١٦]

    أي من أراد بعمله الحياة الدنيا، فسوف يوفيهم الله جزاءهم في الدنيا، وفي الآخرة ليس لهم إلا النار؛ لأنهم ما أرادوا بأفعالهم وجه الله، وهؤلاء يقول الله تعالى عنهم:

    ﴿إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمٗا ثَقِيلٗا﴾[الإنسان: ٢٧]

    ﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ﴾[القيامة: ٢٠-٢١].

    لذا أوصانا رب العالمين أن نبتعد عن هؤلاء الذين شغلتهم الحياة الدنيا عن الآخرة:

    ﴿فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا﴾[النجم: ٢٩]

    وذكر لنا الحكمة من فتن الدنيا، وما سوف تصير إليه، فقال تعالى:

    ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا (7) وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزًا﴾[الكهف: ٧-٨]

    فالله ما خلق الدنيا إلا لتكون معبرًا للدار الآخرة، فمن حسُن عمله في الدنيا، فهو إلى نعيم سرمدي لا نهاية له، ولا يكدره أي منغصات أو ابتلاءات، فالدنيا دار عمل وابتلاء، وكل ما عليها من منافع للعباد سيزول بزوال الدنيا، يقول تعالى:

    ﴿يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ﴾[إبراهيم: ٤٨]

    أما الآخرة فهي دار الحساب والجزاء، ومع ذلك على الإنسان أن يسعى ليصيب السعادة والغنى والنجاح في الدنيا، ولكن المهم ألا يغفل عن الله (عز وجل) وعن يوم الحساب، يقول تعالى:

    ﴿وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾[البقرة: ٢٠١].

    هل يُعقل أن يبيع إنسانٌ علاقته بالله من أجل جناح بعوضة؟!

    نعم، فهذا وصف نبينا الكريم للدنيا، قال ﷺ:

    Section4.xhtml

    «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»(1).

    Section4.xhtml

    وفي معرض المقارنة بين الدنيا والآخرة يقول ﷺ:

    Section4.xhtml

    «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَضَعُ أحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي اليَمِّ فَلْيَنْظُرْ بمَ يَرْجِعُ!»(2).

    Section4.xhtml

    فهذه الأرض بجبالها وسهولها، وأنهارها وبحارها، وكل ما فيها من حيوانات وزروع وثمار، والسماء بما فيها من نجوم، وأجرام، وطيور تسبح في الفضاء، هذه الدنيا لا تعدو أن تعدل في مُلك الله نصف قطرة ماء! فاحذر أن تُسحر بها، وكن فطِنًا، فلا تعطها أكبر من قدرها.

    واعلم أنَّ التحدي الحقيقي الذي يواجه الإنسان هو أن يكون مأمورًا بعبادة الله (عز وجل) وفي الوقت نفسه مسئولًا عن عمارة الأرض، التي اختارها الله (عز وجل) لتكون دارًا للاختبار والامتحان، وجعلها محفوفة بالفتن والمغريات، قال سيدنا محمد ﷺ:

    Section4.xhtml

    «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ...»(3).

    Section4.xhtml

    نعم الدنيا حلوة مزينة، فاحذر أن تغرك، فتغفل عن الآخرة.. يقول النبي ﷺ:

    Section4.xhtml

    «...مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أخْشَى أنْ تُبْسَطَ الدُّنيَا عَلَيْكُم كَمَا بُسِطَتْ علَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُم»(4).

    Section4.xhtml

    فالنفس البشرية تريد حظها من ذلك النعيم، وبها من الرغبات والشهوات ما قد يأخذ بالإنسان -إن لم يكن يقظًا- بعيدًا عن اتباع ما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه.

    Section4.xhtml فكرة سحر الدنيا

    كل نعمة في الدنيا أعطاها لك رب العالمين لتلبي احتياجًا ما في نفسك، لكن في ذات النعمة تكمن شهوة ساحرة، هي التي تدفع الإنسان لا لأن يأخذ حظ نفسه منها وفقًا لمراد الله؛ بل يتعدَّى به الأمر فتستحوذ عليه النعمة، ويصير عبدًا لشهوته فيها.. يقول تعالى:

    ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا﴾[آل عمران: ١٤]

    قال المفسرون في تلك الآية إن هذه النعم مباحة للإنسان، لكن الله زين له الحلال منها، وزين له الشيطان الحرام فيها! والشخص المسحور هو الذي استعبده المال، واستعبدته النساء، وانساق وراء شهوات النفس، فأصابه الهم والبأس.

    * والناس في تفاعلهم مع نعم الدنيا وشهواتها على ثلاثة مستويات:

    «المفتون الكافر» وهي أقصى درجات السحر، ثم «المسحور الغافل»، ثم «اليقظ العاقل»:

    ١ Section4.xhtml المفتون الكافر «منكر الإله»:

    هو شخصٌ أسرف على نفسه، فانساق وراء متع الحياة، يستمتع بها وقتما شاء، وكيفما شاء، رافضًا كل ضوابط الشرع، بل إنه رفض فكرة وجود إله لهذا الكون، يأمره وينهاه؛ فكفر بالله، وعاش للذته وهواه، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- هذا الصنف في القرآن فقال:

    ﴿وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ﴾[الأحقاف: ٢٠].

    ٢ Section4.xhtml المسحور الغافل:

    هو شخص يؤمن بالله ورسوله، لكن هناك نعمة ما استحوذت على قلبه، وتعلق بها، فتملكته، وصارت مركزية حياته، فأخذ يسعى لها بكل سبيل، لا يأبه بالحلال أو الحرام، المهم هو إشباع لذته وشهوته فيها ما أمكنه ذلك، فكأنه صار عبدًا لها بوصف رسول الله ﷺ حين قال:

    Section4.xhtml

    «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَة..»(5).

    Section4.xhtml

    وقد حُكي عن مالك بن دينار(6) أنه قال: «اتقوا الدنيا فإنها سحَّارة تسحر قلوب العلماء». فحتى العلماء، وهم أقرب الناس إلى الله، وأعرفهم بالله، قد تخطف الدنيا قلوبهم إن لم يكونوا على قدر من اليقظة والحذر من مفاتنها...

    وعلى سبيل المثال، الحب بين الرجل والمرأة، ليس أمرًا حرامًا؛ بل ديننا جعل هذا الحب من أرقى العبادات التي تقرب إلى الله، ولكن له ضوابط، إن لم يؤخذ بها ويتم مراعتها ينقلب فتنة تأخذ بالإنسان بعيدًا عن طريق الله، ونذكر هنا امرأة العزيز، التي شُغف قلبها بحب نبي الله يوسف Section4.xhtml حتى صار أمرها لا يخفى على أحد، يحدثنا القرآن في ذلك:

    ﴿وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾[يوسف: ٣٠]

    والمسحور لا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل؛ لذا كان من دعاء سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعَه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابَه»؛ لأن المسحور يرى كل ما يُرضي شهوته حقًّا، وكل ما يحول بينه وبينها باطلًا، فاستعبدته فتن الدنيا، وأفقدته نور البصيرة.

    قوم لوط سحرتْهم شهوتهم، فأسرفوا على أنفسهم في ارتكاب الفواحش والزنا، حتى فقدوا لذتها، فانتقلوا يلتمسون في علاقة الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، نوعًا آخر من اللذة تشبع شهوتهم، فقال سيدنا لوط (عليه السلام) يزجرهم:

    ﴿أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ﴾[النمل: ٥٥]

    فما كان منهم إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا آل لوط من قريتكم، إنهم أناس يتنزهون عن الفواحش، وإتيان الذكور، يقول تعالى:

    ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوٓاْ ءَالَ لُوطٖ مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ﴾[النمل: ٥٦].

    وهناك نوع آخر من سحر الغفلة وهو سحر الجاه والسطوة، أن يُحب الإنسان أن تكون له منزلة عالية، وكلمة نافذة، ينقاد له الجميع، ويخضعون لأوامره، فها هو فرعون يرفض ما جاء به موسى ويخاطب قومه قائلًا:

    ﴿مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ﴾[غافر: ٢٩].

    وجاء في الأثر أن الدنيا تصورت لسيدنا عيسى (عليه السلام) امرأةً عجوزًا، تتزين بالذهب والفضة، فقال لها: «من أنتِ؟». قالت: «أنا الدنيا». قال: «كم تزوجتِ؟» -أي كم استحوذت من قلوب الناس؟- قالت: «لا أحصيهم عددًا». فلما رآها وحدها قال: «أكلهم تركوكِ؟». قالت: «لا، بل كلهم قتلتُ». أي «فتنتهم حتى أهلكتهم».

    والمحرك لكل تلك الشهوات الزائفة هو الشيطان، يقول تعالى:

    ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ﴾ [النمل: ٢٤]

    زين لهم كل فتنة حرام بداخل كل نعمة مباحة، فخطف قلوبهم..

    ﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾[المجادلة: ١٩]

    ولما استحوذ عليهم الشيطان نسوا الرجوع إلى الله، والبعث، والحساب..

    ﴿بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ﴾[المؤمنون: ٦٣]

    .. فانشغلوا عن الله بالشهوات، واستحوذت عليهم، فانحرفوا عن طريق الهدى والرشاد.

    ويفيق الإنسان من سحر الدنيا بأحد الأمرين: إما بالرسالة تلو الرسالة تأتيه من الله؛ ليعلمه أنه حاد عن الطريق المستقيم، فإن أعرض عنها، وأصر على ما هو فيه، يأتيه الأمر الثاني: الموت بشدته؛ ليعلم أن الله هو الحق ذو القوة المتين، وأنه كان في غفلة وضلال مبين...

    ﴿وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ (20) وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ (21) لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ﴾[ق: ١٩-٢٢]

    حينها يدرك الإنسان، وهو يُساق إلى المصير المحتوم، أنه كان في غفلة، ويُكشف عنه غطاء الشهوات التي أعمت قلبه وبصيرته، ويرى كل ما أنكره من الحقائق في الدنيا واضحًا لا لبس فيه، قال ﷺ:

    Section4.xhtml

    «لَا ألْفَيَنَّ أحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاء، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي. فَأقُولُ لَهُ: لَا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلغْتُكَ»(7).

    Section4.xhtml

    فمهما كان المجتمع الذي أنت فيه منساقًا لأي نوع من الشهوات، فليس هذا مبررًا لأن تخوض فيها، فلن يحمل أحد وزرك عنك يوم القيامة.

    ٣ Section4.xhtml اليقظ العاقل:

    وهو الشخص الذي استمتع بمتع الدنيا على مراد الله -سبحانه وتعالى- فحقق الاتزان الذي ذكره الله في القرآن:

    ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ﴾[الحج: ٤١]

    فأقاموا الصلاة، وأخرجوا زكاة أموالهم، وأمروا بكل ما أمر الله به من حقوقه، وحقوق عباده، ونَهوا عن كل ما نهى الله عنه ورسوله... فمن البدهي أن يعصي ابن آدم، وأن تصيبه الغفلة، لكن اليقظ هو من يستشعر تلك الوحشة في قلبه إن حاد عن منهج الله، فيئوب إلى خالقه سريعًا، ويستغفر مما كان منه؛ لأنه يعلم يقينًا أنه سيقف بين يدي الله (عز وجل) ليُسأل عن كل صغيرة وكبيرة.. فيكون حاله حال الصالحين الذين فازوا بمتاع الدارين..

    ﴿وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾[البقرة: ٢٠١].

    Section4.xhtml منهج الكتاب..

    في كل موضوع من موضوعات هذا الكتاب سأتناول نعمة من نعم الله Section4.xhtml وكيف يمكن أن تستغلها وتستمتع بها دون أن تُسحر بها، كما سأخبرك بعلامات المسحور؛ لتسأل نفسك هل أنت هذا الشخص المسحور أم لا، وسأحكي لك قصة مسحور فَتَنتْه تلك النعمة، لعلك تكون قد عشت تجربة مشابهة من قبل في حياتك، وسأخبرك أيضًا بالعواقب، والثمن الذي يدفعه كل مسحور، حتى تدرك خطورة الأمر، ثم أذكر لك العلاج؛ وكيف تتخلص من هذا السحر، وتحت عنوان مقام اليقظة، سأذكر نموذجًا لشخصية يقظة، لم تُسحر بتلك النعمة، سواء أكانت من التراث الإسلامي القديم أم من حياتنا المعاصرة؛ لتدرك كيف استطاع أناس، على مدار التاريخ قديمًا وحديثًا، أن يستمتعوا بالنعم دون أن تستعبد نفوسهم، وتُسيطر عليهم، وتسحرهم.

    Section4.xhtml انتبه...

    لكي تنتفع بهذا الكتاب.. لا بد أن تفتح له قلبك وعقلك، وأن تشعر وكأنني أخاطبك أنت، فالحديث عن الفتن والمعاصي أمر تكرهه النفس؛ لذا ينبغي أن تكون صادقًا مع نفسك، وتواجهها بالعلامات حتى تعرف هل أنت مسحور أم لا، فإن وجدت نفسك كذلك، فخذ القرار بالعلاج فورًا.. واستعن بالله، وجاهد نفسك حتى تتخلص من هذا السحر.

    1 رواه الترمذي.

    2 رواه مسلم.

    3 رواه مسلم.

    4 متفق عليه.

    5 رواه ابن ماجه.

    6 هو أبو يحيى مالك بن دينار البصري، من أعلام التابعين، قال الذهبي: «علم العلماء الأبرار، معدود في ثقات التابعين. ومن أعيان كتبة المصاحف، كان من ذلك بلغته». ولد في الكوفة وتوفي عام 748م.

    7 متفق عليه، واللفظ لمسلم.

    النفس والشيطان

    عَدوَّان لدودان للإنسان لا يزالان به، يدفعانه نحو انتهاك المحارم، والإغراق في الشهوات والملذات حتى يصير عبدًا للدنيا أسيرًا للذاتها ورغباتها.. إنهما النفس والشيطان..

    Section5.xhtml

    والآن بعد أن أوجزت لك في نقاط مراحل سحر النفس والشيطان، إليك تحليلًا وافيًا لكل مرحلة لتتعرف من خلاله مكانك منها:

    أولًا Section5.xhtml مرحلة التمني

    وهي بداية التفات نفس الإنسان لحظِّها من النعم، حظها في أن تمتلك مالًا يوفر لها حياة كريمة، حظها في أن تحوز منصبًا يحقق لها مكانة في المجتمع، حظها في أن تبحث عمن تهوى وتعشق لتكمل معه مسيرة الحياة.

    هذه في الأصل كلها نعم الاستمتاع بها شيء أباحه الله، بل أحبه لنا، غير أننا لا بد ألا ننسى حق الله فيها، وذلك في الحصول عليها أولًا بشكل مشروع، ومن ثَمَّ التمتع بها وفقًا لمراد الله، وحمد الله وشكره عليها.

    غير أن بعض الناس يلتفتون إلى غيرهم ممن حصلوا على تلك النعم ولكن عن طريق مُحرَّم، وتبدأ النفس تُحدِّث صاحبها: لم لا تحصل على ما تريد بدون تلك القيود الصارمة من «افعل ولا تفعل»؟ ومن هنا توشك النفس أن تفتح تلك الملفات، إنها ملفات الشهوات المركبة فينا، والتي ما وضعت تلك القيود الصارمة إلا لنتحكم فيها ونمسك بزمام النفس

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1