Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مهد الحضارات
مهد الحضارات
مهد الحضارات
Ebook270 pages1 hour

مهد الحضارات

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب «مهد الحضارات» يمثل توثيقاً مكثفاً لمنعطفات التاريخ القديم لمنطقة الهلال الخصيب، وهو كتاب قام الأستاذ الدكتور مصعب قاسم عزاوي بإعداد  المادة العلمية الخاصة به أساساً باللغة الإنجليزية، وقام فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع بتحمل أعباء تعريب تلك المادة العلمية بأفضل شكل ممكن ضمن حدود الإمكانيات المادية المتواضعة بين يدي ذاك الفريق المتميز من المتطوعين المؤمنين بواجبهم الأخلاقي الذي لا بديل عنه في تأصيل الاستنارة والمعرفة والعقلانية والرشاد في المجتمعات الناطقة بلسان الضاد، يحدوهم أمل في أن يشكل مشروع كتاب «مهد الحضارات» جزءاً من واجب رتق  ثقوب الذاكرة التاريخية، و إعادة الاعتبار لحقائق التاريخ الحق و قيمتها المعرفية و الاجتماعية كبوصلة لا بد من استكناه آلية عملها لفهم شروخات و صدوعات الواقع الاجتماعي المعاش يومياً، و تلمس آفاق الانعتاق من حبائله الدميمة.


 

Languageالعربية
PublisherPublishdrive
Release dateNov 30, 2022
مهد الحضارات

Read more from مصعب قاسم عزاوي

Related to مهد الحضارات

Related ebooks

Reviews for مهد الحضارات

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مهد الحضارات - مصعب قاسم عزاوي

    المقدمة

    مفهوم الهلال الخصيب يمثل صورة ذهنية لبوتقة بزوغ الحضارات الكبرى في الفضاء الجغرافي لوادي الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل منذ الألف الرابع قبل الميلاد بشكل يمكن استكناه الكثير من تفاصيله الدقيقة من خلال ما تركه أولئك الأسلاف من تركة مكتوبة يمكن من خلالها تلمس صيرورة نشوء تلك الحضارات وتآثرها فيما بينها منتجة نموذجاً مبهراً من نهوض بني البشر خلال رحلتهم الأخيرة في الانتقال من نمط حياة الصيد والالتقاط إلى حقبة الاستيطان في مجتمعات زراعية منذ خواتيم العصر الجليدي الأخير الذي أكمل انحساره منذ الألف العاشر قبل الميلاد.

    وقد يكون أحد أهم العناصر المميزة لحقبة بزوغ الحضارة في الهلال الخصيب هو حالة الاتصال الحضاري الوطيد بين جميع المجتمعات التي حلت وارتحلت وتوسعت وانحسرت واندثرت من ذلك الفضاء الجغرافي، وهو اتصال فريد وعميق العرى يظهر بالتدقيق فيه بأن الفناء المكاني للهلال الخصيب كان بوتقة انصهار للعديد من المجتمعات والحضارات التي تداخلت وتشابكت في صيرورة تكونها الحضاري بحيث يصبح الكل منهلاً ورافداً لغيره من المجتمعات القرينة له أو السالفة له أو اللاحقة عليه؛ وهو ما تجلى في الصيرورة الزمنية لنهوض مجتمعات الهلال الخصيب منذ الألف الرابع قبل الميلاد سواء مع السومريين في وادي الرافدين، أو الأسرة الفرعونية الأولى في وادي النيل، وهما اللذان أصبحا حجرا الأساس لبناء كل الحضارات اللاحقة لهما في حضارات الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين والعموريين والكنعانيين والفينيقيين والعيلاميين والحوريين والنوبيين، وبشكل أقل عمقاً في تواشج العرى مع حضارات شعوب البحر المتوسط الأخرى، وأقوام شعوب بلاد الأناضول من الحثيين، وسكان الخاصرة الجنوبية لوادي النيل من الكوشيين.

    والحقيقة الأكثر رسوخاً راهناً تنطلق من أن جميع التصنيفات البائدة لحضارات الهلال الخصيب على أساس الاختلافات اللغوية بين أقوام مجتمعات المنطقة، أو بالاستناد إلى ملاحظات أركيولوجية واستنتاجات حفرية حول أنماط تشييد الأبنية وصناعة الأواني الفخارية من الصلصال وتلوينه و زخرفته، أو صناعة الحلي والأدوات الأخرى، جلها تصنيفات اعتباطية تجتزئ الحقائق، وتفسرها بشكل لا موضوعي، يتنافى مع الاكتشافات البحثية المعاصرة التي تشي بتداخل وطيد واتصال حضاري لا ينقطع بين جميع الأقوام التي سكنت منطقة الهلال الخصيب، والتي قام كل منها بالبناء على ما وصل إليه أسلافه في المنطقة من مستوى لغوي وقدرات إبداعية في شتى المجالات، بحيث لا يمكن بأي شكل موضوعي تخليق أي فاصل تعسفي لتفريق أقوام المنطقة على أساس لغوي كما كان الحال شيوعاً بين لغة السومريين ومن تلاهم في صيرورة التاريخ الحضاري لمنطقة الهلال الخصيب من الأكاديين والبابليين والآشوريين. وذلك التوصيف الأخير يعني عملياً بأن نشوء الحضارات في منطقة الهلال الخصيب كان يقوم دائماً على أكتاف الحضارات والأقوام السابقة التي لم يتم محو وجودها السالف وإبداعها الحضاري واللغوي، وإنما استدماجه في كينونة التالي لهم من أقوام ومجتمعات تمثل توسعاً واستمراراً لمن سبقهم دون أن تكون حلولاً في محلهم بأي مقاربة عقلانية علمية مدققة، وهو ما يشي بعسف منظومات التقسيم الاعتباطي للمجتمعات المعاصرة التي ما زالت تعيش في فضاء الهلال الخصيب على أسس إثنية، أو عرقية، أو لغوية، أو تاريخية تلفيقية مصطنعة، أو غيرها.

    ومن ناحية أخرى فإن قراءة مدققة لصيرورة التاريخ القديم لمنطقة الهلال الخصيب لا بد أن تفضي إلى إعادة الاعتبار لمفاهيم التحضر وقوننة العلاقات الاجتماعية بين البشر، وتأسيس عقد اجتماعي حقيقي في المجتمعات التي يعيش فيها أبناء الهلال الخصيب المعاصرين حتى لو كان على نهج الشريعة البادرية التي اختطها حمورابي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، لينصف المظلومين والمهضومين ولا يتركهم فريسة لا نصير لها حينما يتكالب على حيواتها ومستقبلها وأحلامها النهابون والأفاقون وبهلوانيو صناعة وتبرير هيمنة الأقوياء الأثرياء على المفقرين المستضعفين.

    وفي نفس السياق الأخير لا بد من التمعن في تقاليد تنصيب الملوك البابليين، والتي ورثها منهم الآشوريون من بعدهم، والتي تكرس مفهوم أن «الملك خادم لرعيته» وليس قيِّماً على قومه بما يتجاوز دوره في خدمتهم وفق الشريعة الدنيوية التي اختطها أسلافهم، حتى لو كانت من الناحية الطقسية قد تنزلت من إنليل أو مردوخ أو أي من آلهة شعوب الهلال الخصيب على اختلاف أسمائها. وهو التمعن الذي لا بد أن يفضي إلى تحريك رغبة عارمة في وجدان أخلاف أولئك الأسلاف في منطقة الهلال الخصيب لاستنهاض قدرتهم على الفعل الحضاري، والاجتهاد الجمعي، والصبر والمصابرة، في الرحلة المضنية التي لا بد من خوض غمارها، لمواجهة شرور الاستبداد المقيم والمخيم على كل تفاصيل حيواتهم وأحلامهم بصغيرها وكبيرها، بشكل أعادها في غير موضع جغرافي من فضاء الهلال الخصيب إلى مستوى حضاري تنكسي نكوصي كان أبناء نفس تلك المجتمعات قد تجاوزوه في عدة مراحل من تاريخهم السالف، ومنذ الألف الرابع قبل الميلاد، وهو ما يجعل من مهمة الاجتهاد الجمعي الواجب لمقاومة الاستبداد وغيلانه ومفاعيله مهمة ملحة لأحفاد أولئك العظام الذين كانت أرضهم «مهد الحضارات» في غابر الأيام؛ ولا بد لكل عاقل ذي ضمير حي من أولئك الأخيرين من بذل كل غال ورخيص للدفاع عن حق أبناء تلك المجتمعات الراهنين في العيش الحر الكريم العادل وعدم الاندثار «حضارياً» من خارطة المعمورة إلى حيز المجتمعات البائدة لعدم اجتهاد أبنائها في الدفاع عن وجودها وكينونتها وحقها في الاستمرار والوجود.

    نص الكتاب المعرب

    عناوين فصول الكتاب

    1 علم الآثار والبيئة

    2 بداية المدن، 3600-2900 قبل الميلاد

    3 فترة الأسر المبكرة، 2900-2334 قبل الميلاد

    4 الإمبراطورية الأكادية، 2334-2193 قبل الميلاد

    5 أسرة أور الثالثة، 2193-2004 قبل الميلاد

    6 المستعمرات الآشورية القديمة، 1950-1740 قبل الميلاد

    7 الفترة البابلية القديمة، 2004-1595 قبل الميلاد

    8 العصر البرونزي المتأخر، 1595-1155 قبل الميلاد

    9 الإمبراطورية الآشورية الجديدة، 972-612 قبل الميلاد

    10 الإمبراطورية البابلية الجديدة، 612-539 قبل الميلاد

    ملحق: التسلسل الزمني

    الفصل 1

    علم الآثار والبيئة

    كانت الحضارة في الشرق الأدنى القديم طويلة الأمد وناجحة. تشمل الثلاثة آلاف سنة من 3600 إلى 539 قبل الميلاد حقبة من الابتكار والإنجاز الرائع. تُعرف المنطقة باسم «مهد الحضارة» لسبب وجيه. هنا، حاول الرجال والنساء أولاً العيش بسلام معاً في مدن حضرية مكتظة ووجدوا طرقاً، من خلال القانون والعرف، للازدهار والتقدم. إن الصورة الشعبية للتاريخ كقصة تقدم من البربرية البدائية إلى التطور الحديث تتناقض تماماً مع دراسة الشرق الأدنى القديم. على سبيل المثال، كان للنساء في العصور المبكرة العديد من الحقوق والحريات: كان بإمكانهن امتلاك الممتلكات وإدارة الأعمال التجارية وتمثيل أنفسهن في المحكمة. سافر الدبلوماسيون بين عواصم القوى الكبرى لضمان السلام والصداقة بين الملوك. درس الكتبة والعلماء النجوم واستطاعوا التنبؤ بالكسوف وحركات الكواكب. ضاعت بعض هذه الإنجازات في القرون اللاحقة، لتولد من جديد في الأزمنة الحديثة.

    ربما يظهر الإرث الأكثر وضوحاً من الشرق الأدنى القديم في بعض وحدات القياس لدينا. اخترع سكان بلاد ما بين النهرين نظاماً رياضياً يعتمد على الرقم 60، وقد انتقلت إلينا جميع الوحدات المكونة من ستين وحدة في عالمنا الحديث (بما في ذلك الثواني والدقائق والدرجات)، بطريقة أو بأخرى، من بلاد ما بين النهرين. وصلت الموروثات الأخرى بطريقة غير مباشرة. القانون، على سبيل المثال، الذي تم اختراعه في بلاد ما بين النهرين حوالي عام 2100 قبل الميلاد، لم يُنسى أبداً، على الرغم من أن القوانين الفعلية لسكان بلاد ما بين النهرين لا تشبه كثيراً تلك المستخدمة اليوم. يمكن رؤية أصداء حضارات الشرق الأدنى القديم من حولنا.

    يعد الشرق الأدنى القديم رائعاً ومهماً ليس فقط للتأثير الهائل الذي أحدثه على الحضارات اللاحقة ولكن أيضاً للطريقة التي ضاع بها تاريخه لقرون، وعاد إلى الظهور نتيجة للحفريات الأثرية وفك رموز النصوص القديمة. التاريخ بعيد كل البعد عن الاكتمال، وهو يتغير بمهارة كل عام مع العثور على أشياء ونصوص جديدة ومع إعادة تفسير النصوص القديمة. ما يمكن تضمينه في أي تاريخ للشرق الأدنى القديم يتم تحديده بالكامل تقريباً بما تم العثور عليه في الأرض. لم يبق سوى القليل جداً من ذاكرة الحضارة على مر القرون بعد انهيارها باستثناء بضع إشارات في الكتاب المقدس وفي أعمال قلة من المؤلفين اليونانيين والرومان. قبل أن تبدأ الحفريات الأثرية وفُك رموز الكتابة المسمارية القديمة في القرن التاسع عشر، لم يخمن أحد تقريباً مدى أهمية الشرق الأدنى القديم في تاريخ العالم.

    الأدلة الأثرية

    من بعض النواحي نحن محظوظون للغاية فيما يتعلق بحوادث التاريخ التي تركت لنا أدلة أثرية على شعوب الشرق الأدنى القديم. بالنسبة للعديد من الثقافات، لا يُعرف ولا يبقى على قيد الحياة سوى القليل جدا.

    كانت إحدى الميزات العظيمة للحفاظ على الحضارة أنه في أجزاء من الشرق الأدنى، ولا سيما في جنوب بلاد ما بين النهرين حيث تم بناء العديد من المدن الأولى، كان يتوفر القليل من الحجر أو الخشب. لم يسمح المناخ الحار والجاف لجنوب بلاد ما بين النهرين بنمو أنواع أشجار الصنوبر والأرز الطويلة المستقيمة التي كانت الأفضل للبناء. يجب استيراد أي من هذه الأحطاب. كان ذلك سيئاً بالنسبة لسكان بلاد ما بين النهرين ولكنه مفيد لنا، لأنهم استخدموا الخشب فقط في الأماكن التي تكون هناك حاجة ماسة إليها (في الأسقف والأبواب، على سبيل المثال) ووجدوا طرقاً للإبداع في استخدام الطين والوحل. بنوا بالطين، وصنعوا منه أواناً، وزرعوا فيه محاصيلهم، وكتبوا عليه. وعلى عكس الخشب، لا يتحلل الطين. كما أنه، لحسن الحظ، غير قابل لإعادة التدوير بشكل خاص. في حين كان يمكن إعادة استخدام الأحطاب الخشبية أو الكتل الحجرية في مبنى تلو الآخر، كان يميل الجدار المبني من الطوب اللبن المتهالك إلى الانهيار (تاركاً قدماً أو اثنتين من الجدار واقفاً)، وتتم تسوية الطوب داخل ما كانت في الأصل غرفة من أجل إنشاء أرضية جديدة، ثم يتم توطيد الأرضية. ثم يتم إحضار طوب اللبن الجديد لبناء جدران الهيكل الجديد. وهكذا، في كثير من مناطق الشرق الأدنى، ارتفع مستوى الأرض في القرى والمدن تدريجياً مع قيام جيل تلو الآخر ببناء منازلهم فوق بقايا المباني القديمة. نادراً ما قام أي شخص بتدمير تلك المستويات القديمة؛ تم الحفاظ عليها ببساطة من خلال تجاهلها.

    من بين الحطام على أرضيات المباني المنسية، المغطاة بالطين تحت المستويات اللاحقة (ليس فقط في المنازل ولكن أيضاً في القصور والمعابد والمكاتب الحكومية وورش العمل وما إلى ذلك)، كانت توجد القمامة التي لم يهتم أحد بما يكفي لحفظها أو إزالتها. كانت الأواني المكسورة عديمة الفائدة. كانت متناثرة فوق العديد من الطوابق، إلى جانب نفايات الطعام والسلال القديمة والحصير، والوثائق التي كانت قديمة ولم تعد ذات أهمية وغالباً ما كانت مكسورة. كما كان هناك الرسائل، رسائل حول قضايا تم حلها منذ فترة طويلة، وعقود شراء ممتلكات من قبل

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1