Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الحق المر ج 2
الحق المر ج 2
الحق المر ج 2
Ebook704 pages4 hours

الحق المر ج 2

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

فى حياتنا قد تلقى الكلمه الكلمه كما تلقى فى الأفق سحابه سحابة، فينشأ من تلاقيهما مطر ىهمى وبرق يضئ. فلنطالع هذه الفصول من الحق المر ففيها ان شاء الله ما ىكفى ويشفي. انها حلقه من سلسله تمتد ما بقى الأجل، لعل فيها بلاغا للناس.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2005
ISBN9784898124123
الحق المر ج 2

Read more from محمد الغزالي

Related to الحق المر ج 2

Related ebooks

Reviews for الحق المر ج 2

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الحق المر ج 2 - محمد الغزالي

    Section00001.xhtmlSection00001.xhtml

    جرعات جديدة من

    الحق المر

    12

    الجزء الثاني

    العنوان: الحق المر الجزء الثانى

    المؤلف: الشيخ / محمد الغزالي

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولـي: 978-977-14-3043-2

    رقــــم الإيـــــداع: 2004 / 8684

    الطبعة الأولى: مايو 2005

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    مقدمة الناشر

    هذه مقالات قيمة كتبها الشيخ محمد الغزالي من سلسلة مقالات «الحق المر» على امتداد فترة زمنية ليست بالقصيرة، هب فيها للدفاع عن الإسلام والمسلمين والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبأسلوبه الذي يتميز بالعمق والبساطة في آن واحد.

    هذه صفحات جهاد ونضال كتبها الشيخ الغزالي لمواجهة عدو من أشد أعداء الأمة العربية والإسلامية، والذي استطاع أن يغزو هذه الأمة في عقر دارها، وأن يستلب منها أرضًا غالية هي أرض فلسطين. إن الاستعمار الغربي الصليبي والصهيونية زحفا إلى ديار الإسلام منذ بداية القرن العشرين وأقاما دولة إسرائيل فوق الأرض العربية المقدسة.

    إن من يقرأ هذه الصفحات يشعر بأنها قد كتبت لتوها ويتقبلها القارئ ويتفاعل معها، والسبب صحتها وصدقها الشديد. إن كل يوم يمر يؤكد صحة ما كتبه الشيخ محمد الغزالي عن اليهود ودولتهم العنصرية إسرائيل، وعن الغرب الصليبي الحقود على الإسلام والمسلمين، بل لا يخامرنا شك في أن الأجيال القادمة التي سوف تقرؤها ستستشعر صدقها وصحتها كما فعلت الأجيال التي سبقتها، والسبب أن الرجل قدم للناس حقائق عن اليهود تعلمها من كتاب الله وسنة رسوله ونظرة ثاقبة للتاريخ ووقائع الأحداث القريبة والبعيدة، مع تحليل صحيح لها.

    لم يكن يبغي إلا وجه الله وحده لا نوال شكر أو إرضاء بشر.

    الناشر

    الجهاد

    في أواسط القرن الرابع عشر الهجري تحركت اليهودية وتذكرت بغتة أن لها صلة بفلسطين، وبدأ الهجوم الصهيوني على مراحل، وفرض على العرب أن يستسلموا، فإذا وجدت رصاصة في البيت نسفت جدرانه وسوي بالركام، كم يبلغ قتلانا في فلسطين منذ بدأ غزوها؟ ألوف وألوف؟

    ومطلوب من المسلمين الآن أن ينسوا ويستكينوا أن الذين قاتلوا الإسلام من قديم لاتزال قلوبهم مغلفة بالضغائن، ولا يزالون يبيتون الشر لمحمد وتراثه.

    والغريب بعد ذلك كله أن يتهموا الإسلام بالعدوان، وهم الذين اسودت قلوبهم وصحائفهم بالمنكر من الأقوال والأفعال، هل يترك هذا الطغيان يحق الباطل ويبطل الحق؟ هل يترك ليذل العزيز ويعز الذليل؟ لقد أمر المسلمون أن يعتمدوا على الله، ويقاوموا هذا العنف، وقيل لهم: لا تقبلوا الضيم، ولا ترخصوا الحق: ﴿فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾.

    إن السلام هنا يعني الضياع المادي والضياع الأدبي، ولا يتقبلهما إلا جبان خاسر الدين والدنيا.. وهذا سر عشرات ومئات الأحاديث والآيات التي أوصت بالجهاد، وهو جهاد. -كما علمت - في سبيل الله لا إشبًاعا لغرور، ولا تمشيًا مع طمع، ولا جريًا وراء جاه، ولا عصبية لجنس، ولا دعمًا لباطل في هذه الحياة، إنه منع للشرك أن يقهر التوحيد، ومنع للظلم أن يجتاح الحقوق، ومنع للقوة أن تمحو العدل!

    في جو من التوقير والتهيب نرمق رجالًا صنعهم محمد المحب لربه، الراضي عنه، الفاني فيه، نفخ فيهم من روحه فإذا هم ليوث بالنهار، رهبان بالليل، يؤثرون الله على أنفسهم، وينشدون قبوله بالنفس والنفيس.

    هم مجاهدون أتقياء، أشداء على الكفار رحماء بينهم، من قتل منهم مات شهيدًا في سبيل الله، ومن عاش منهم بقي حارسًا يقظًا لكلمات الله.

    كان الواحد منهم ينزع نفسه من أحضان عروسه ليلقي - في سبيل الله - حتفه وهو سعيد، كان الواحد منهم يزهد عن الأهل والعشيرة، في مجتمع قوامه العصبية للأهل والعشيرة، ويتغرب بعقيدته مستبدلًا أهلًا بأهل، وعشيرة بعشيرة. وعندما أنظر إلى دنيا الناس الآن أرى العجب، لقد رأيت كثيرين باعوا دينهم بعرض من الدنيا، وقالوا كلمات الكفر؛ حرصًا على منصب أو تطلعًا إلى آخر، أو تركوا الحق يموت مستوحشًا؛ لأن إيناسه يغضب بعض الكبراء!

    أين هؤلاء الصغار من الرجال الذين رباهم محمد فاستقر بهم التوحيد وكان مطاردًا، وعرفت الآخرة في سيرتهم وكانت مجهولة؟

    في المجتمع العالمي الآن يقال: إن خطتنا بناء دار لكل شاب، وتمليك سيارة لكل أسرة، وتمكين أفراد العائلة من كذا وكذا من وسائل الرفاهية، ثم ماذا؟ لاشيء، الحديث عن الله والآخرة شيء مضحك.

    أما محمد الوافد الغريب على أنصاره بالمدينة فيتوجه أول ما يتوجه إلى بناء المسجد منشدًا مع البناة المتطوعين من صحبه: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة.

    قد بدأ يبني جيش الحق بكلمات من نور، أو من نار، يقول: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها»، وفي رواية: «عدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس.

    «ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله».

    «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها».

    « رباط شهر خير من صيام دهر».

    «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير؛ فقد غزا».

    «ما خالط قلب امرئ رهج - فزع وقلق - في سبيل الله إلا حرم عليه النار».

    «من بلغ العدو بسهم رفع الله له درجة، ما بين الدرجتين مائة عام».

    « مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة».

    «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف ».

    وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : « يضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي ، فهو ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجر، أو غنيمة.

    والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني.

    والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل».

    هذه الكلمات إلى جانب آيات الكتاب العزيز، إلى الجانب التطبيقي العملي لرسول ظل نحو ربع قرن - هو أمد الرسالة - دءوبًا منتظمًا في نصرة ربه كأنه كوكب دوار، لا توقف ولا شرود، ذلك كله صنع الجيل الذي ثبت أركان الحق، وأرسى قواعده إلى آخر الدهر.

    * * *

    هل سيعود العرب إلى الإسلام؟

    لم يصور العهد القديم شيئًا من الفضائل والمثل، إن الأسفار الخمسة التي تمثل التوراة، وهي دستور الحكم في إسرائيل، أو دستور القيم الموجود الآن دوليًّا ومحليًّا لبني إسرائيل، إن هذه الأسفار الخمسة ليس فيها شيء يعني الإنسانية ويشبع جوعها الروحي، كل ما في الأسفار الخمسة أن هناك شعبًا مختارًا مقدسًا أوذي ويجب أن يملك وأن يحكم العالم بامتيازه الشخصي، بقداسته الذاتية، بكبريائه العنصرية.

    هذا شيء غريب، ليس هناك في أسفار التوراة ما يحكم العالم حكمًا راشدًا، إن حاجة العالم إلى القرآن، والقرآن كتاب شرف الله العرب فأنزله بلغتهم، وجعلهم لهذا الميراث السماوي قادرين على أن ينقلوا هداية الله إلى الناس، هل يعرف العرب أن شرفهم بالإسلام؟ وأن كرامتهم بالقرآن؟ وأن عظمتهم في الانضواء تحت لواء النبي العربي محمد ﷺ ؟ يوم يعرف العرب في هذه المنطقة - في مصر وسورية والأردن والجزيرة وكل من ينطق باللغة العربية - يوم يعرف العرب أن فخرهم وتاريخهم ويومهم وغدهم في الإسلام، ويوم يقررون بجد أن يعودوا للإسلام، قوانين وتقاليد، وتعليمًا وتربية، موضوعًا وعنوانًا ، تاريخًا قديمًا وحضارة معاصرة، يوم يعرف العرب هذا، ثم يديرون المعركة مع اليهود ومن وراءهم - لو قررنا هذا مساء اليوم - فإن صبيحة الغد ستشهد يوم النصر.

    الأمر كله في النزاع القائم بين إسرائيل والعرب مرتبط بجواب واحد: هل سيعود العرب إلى الإسلام؟ هل ستكون قضية فلسطين إسلامية؟ هل سير كل العرب بأقدامهم التشريع الوافد -القانون الاستعماري - ويجيئون بدله بقوانين الإسلام وتعاليم الإسلام؟ هل سيحترمون لغتهم العربية ويجعلونها لغة التخاطب، ولغة العلم، ولغة الكتابة، ولغة التأليف، ولغة عالمية؛ لأنها لغة رسالة عالمية؟ هل سيعرف العرب أن قدرهم ليس من عروبتهم، العروبة وحدها لا تنشئ شرفًا، ولا تكون جاهًا، ولا تحبو أصحابها قدرا، بل على العكس ستهبط بهم أسفل سافلين. إذا لم يعد العرب إلى الإسلام، ويبدأ نزاعهم مع إسرائيل بأخذ هذا الطابع الديني المقابل للطابع الديني الإسرائيلي، فإن المعركة لن تكون لنا.

    إن الله - عز وجل - قد تفضل على العرب بالإسلام هدية اجتباهم بها واختارهم لها، فإن رفضوا الهدية عوقبوا وذلوا، وإن قبلوا الهدية استراحوا وأراحوا.

    لما تحدثت سورة الجمعة عن الرسالة الخاتمة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)﴾ [الجمعة 2-4].

    بعد هذا بينت السورة أن قيادة العالم لا تملك بالادعاء، إن أي سيارة تفقد الوقود لابد أن تقف في الطريق؛ لأنها ما تسير إلا بوقودها، والأمم إنما تسير بقوی تمدها بالطاقة والحماسة، وتغريها بالانطلاق واجتياح العقبات، والأمة التي تفقد مؤهلات الزعامة تنحى - يقينًا - عن الزعامة؛ لأن الله قال مبينًا لِمَ نَحّى بني إسرائيل :﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)﴾ [الجمعة 5]

    والقوم - أعني بني إسرائيل - الذين لم يهذبوا أنفسهم لا يؤتمنون على تهذيب الناس. الذين لم يرتفع مستواهم لا يكلفون برفع مستوى الخلق، الذين قيل فيهم: إنهم لم يفقهوا التوراة، ولم يحسنوا الأخذ بها، بل هم قد أصبحوا كالدواب الناقلة للكتب، والدواب الناقلة للكتب لا تتغير طبائعها لأنها حملت كتبًا، إن الكتب تغير طباع الناس يوم يقرءونها، ويدرسونها، ويقفون أنفسهم بها، ويحسنون أخلاقهم بآدابها، ويحكمون غرائزهم بقيودها، هذه طبيعة الكتب عندما تنشئ حضارة وتجعل أمة ما قديرة على القيادة.

    فليسأل العرب أنفسهم: هل زكوا أنفسهم بالقرآن؟ هل شرفوا سريرتهم وعلانيتهم بآداب الإسلام؟ هل نقوا بيوتهم وشرائعهم بتقاليد الوحي و قوانین السماء؟ لا.. إذن يوم يتقهقرون فالعيب عيبهم، والذنب ذنبهم: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [الإسراء 7]، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ [الأنعام 104].

    إننا يجب أن نصحو من نومنا، لا يزال هناك نفر هم - في نظري - تماثيل للغباوة، هذا النفر تمتلئ به وسائل الإعلام، لا تنقصه الجهالة ولا الحماقة، هؤلاء لا يعرفون عن الصراع العربي اليهودي شيئًا؛ لأنهم فارغون، كل امرئ يقول لكم إن الصهيونية شيء واليهودية شيء، اعلموا أنه شخص جهول، ما قرأ العهد القديم، ولا قرأ كتب القوم ولا آمالهم، ويريد أن يفرض جهله علينا.

    * * *

    فلسطين قضية دينية

    إن الكوارث العسكرية التي أصابتنا خلال معظم معاركنا مع اليهود مزقت الملاءة المسدلة على جسم ممدد معتل، تسرح الجراثيم القاتلة في أوصاله طولًا وعرضًا، وأظنه ظهر لكل ذي عينين أن الأمة الرائعة، الفارعة، التي طوفت بالإسلام في المشارق والمغارب، قد استحالت أمة واهية الخلق، معوجة السلوك، ضعيفة الأخذ لربها ولنفسها، يفكر شبابها في الملذات العاجلة، ويتسابق نساؤها وراء الزينات الفاضحة، ويذهب حكامها عن شرائع الله وحدوده المقررة، وتتقطع علاقاتهم الروحية والاجتماعية به، فما يصطفون له في الصلوات الجامعة والعبادة الخاشعة. أفهذه مؤهلات النصر المرتقب، ومستنزلات التأييد الأعلى من المعز المذل؟ وزاد الطين بلة أن الأمة التي استرخت قبضتها على تعاليم السماء عجزت كذلك أن تمسك بأسباب النجاح الدنيوي المعتاد، فظلال فشلها الديني امتدت إلى شئونها السياسية والاقتصادية والفنية والإدارية، فأصبح العمل الإنساني الميسور للآخرين يخرج من بين يديها كما يخرج السقط من بطن الأم لا تعرف له ملامح، ولا يرجى له بقاء.

    وقد تذكرت ببصر دامع وقلب مكلوم هزيمة 1967، كان قائد الأعداء واسع الخبرة والحيلة، وصل إلى منصب القيادة بعدما دمي بدنه، وهو يصعد من السفح إلى القمة، وكان كما ظهر من سيرته محدود الشهوة، ممدود الفكرة، خدومًا لعقيدته، معتزًّا بدينه وكتابه، يقود جيشًا على غراره إيمانًا ونظامًا أما نحن فقد اجتمعت في قياداتنا نقائص كل الصفات التي توافرت لدى عدونا، فهل كان الحكيم الخبير يلغي سننه الكونية وقوانينه الأزلية الأبدية، فيجعل الفوضى تهزم النظام، والهوى يغلب العقيدة؟

    لقد انتهى العرب إلى النتيجة التي صنعوا مقدماتها، دينًا ودنيا، وسيبقون على خط الهزيمة ما بقيت تلك المقدمات موطدة لديهم.

    ولقد كشفت هذه الهزائم - خلال السنوات التي مضت على قيام إسرائيل، بل منذ وعد بلفور 1917 - أن الأدوية التي وصفها الزعماء السياسيون للأمة المريضة لم تكن أدوية شافية، بل كانت سمومًا كاوية، فإن أغلب هؤلاء الزعماء تشابهت قلوبهم في مخاصمة الدين ونبذ شرائعه وفضائله، ثم اختلفوا، فمنهم من أعلن كفره بالإسلام عقيدة وشريعة وعبادة وتقاليد وأخلاقًا، ومنهم من طوى هذا الكفر في صدره، من باب السياسة والكياسة وخداع الجماهير ثم مضى في طريقه يبعد الأمة عن دينها عمليًّا، فلا يرى نورًا للإسلام إلا أطفأه، ولا نشاطًا إلا عوقه، وخلال هذه المدة المتطاولة من 1917 إلى الآن استطاع اليهود - باسم الدين - أن يحولوا وعدًا خياليًّا إلى حقيقة واقعة.

    أما نحن الذين أبعدنا الإسلام عن المعركة، فقد ظللنا نتدحرج حتى بلغنا الوهدة التي سقطنا فيها، وها نحن أولاء نحاول جاهدين أن نخلص منها، وأن نقف على أقدامنا مرة أخرى، ومن العجز أن نولول في آثار نكبة لحقتنا، إلا أنه من العقل أن نحول دون تكرار هذه النكبات، ومن العقل أن ننصح المخطئين، وأن نصدهم عن المضي في طريق الخطأ القديم، وإذا كانوا لا يحسنون إلا السير في هذا الطريق؛ فليذهبوا إلى حيث ألقت، وليتركوا الأمة لتعود إلى دينها، وتعالج قضاياها بمنطق العقيدة والجهاد، ألا فليعلموا أنه عرض على اليهود وطن قومي لهم في أوغندة، وفي مهاجر أخرى، فأبوا إلا فلسطين! لماذا؟ قالوا: هناك نداء الإيمان والذكريات والتاريخ الأول، وانقاد الاستعمار لهم، ومنحهم أرضنا.

    فلنتدبر هذا المنطق اليهودي، ولنقس به مقررات أحد المؤتمرات العربية التي انعقدت من بضع سنين ورأت أن قضية فلسطين قضية عربية بحتة، وقالت للمسلمين في كل مكان: لا شأن لكم بها، أي لغو وأي إفك ؟! إن قضية فلسطين طول أدوار التاريخ قضية دينية، الغزاة الجدد هجموا - كما زعموا - ملبين نداء الدين، فلحساب من توصف قضية فلسطين بأنها عربية من شأن العرب؟

    إن الذين فعلوا ذلك لم يحرفوا مفهوم القضية فقط، ولم يحرموها تأييد جماهير المسلمين فقط، بل فعلوا ذلك ليمسخوا معناها الحقيقي عند العرب أنفسهم، ولينفسوا عن حقد ضد الإسلام تعلموه من زبانية الغزو الثقافي المسيطرين على تيارات الفكر في بلادنا، إن عاطفة التدين تشد زناد النشاط الإنساني بقوة، وتبلغ به أبعد الآماد.

    وعندما يفقد المسلمون هذه العاطفة بتأثير الاستعمار الثقافي، وهم يقاتلون إسرائيل؛ فإنه يساوي حصول إسرائيل على الانتصار الكامل علينا، على أننا لانطالب بالعودة إلى الإسلام لتكون هذه العودة إنقاذًا لسمعة العرب السياسية والعسكرية، واستردادًا لخسائر لم ينقطع إلى اليوم سيلها.

    لا، إن هذه النتيجة المحققة سوف تجيء من تلقاء نفسها.

    ولكننا نطلب العودة إلى الإسلام؛ لأن الإسلام حياتنا ورسالتنا، ومعاشنا ومعادنا، واختيار الله لنا، وتشريفه لماضينا ومستقبلنا.

    * * *

    كيف النجاة؟

    يجب أن يعلم اليهود أن ما يدعون من حق في أرض فلسطين لا يقوم على سند دیني محترم، فهم لم يغيروا شيئًا من خلائقهم التي أحلت بهم سخط الله في الدنيا والآخرة.

    هم يعلمون أن لعنة الله تبعتهم وهم يفرون من بلد إلى بلد، فماذا صنعوا للخلاص منها؟

    لا شيء، إنهم وراء جميع الأزمات الروحية والمادية التي تدوخ الجنس البشري، وتميل به عن الصراط المستقيم.

    والذين يختبئون وراء إسرائيل يعلمون أن الوجه الديني لربيبتهم يخفي وراءه نيات سوداء للبشرية جمعاء.

    والحق أن إسرائيل تجسيد لكل الأحقاد التي طفحت ضد العروبة والإسلام، وأن الأساس الوحيد لقيامها لا يلتمس في المشارق والمغارب، وإنما يلتمس في منطقة الشرق الأوسط هذه، أعني قلب الأمة العربية.

    إن تفريط العرب في الإسلام، ونسيانهم لرسالتهم العظمى، وتحولهم إلى شعوب متعطلة متبلدة هو الذي خلق هذه المأساة.

    إننا لم نخف الله فخوفنا الله بذباب الأرض.

    وجعل الأقربين والأبعدين ينظرون بشماتة وازدراء إلى جراحاتنا التي لا ينقطع لها نزيف.

    إن عشرات الدول الكبرى والصغرى نظرت إلى اللص يسطو على البيت فانضمت إليه ضد رب البيت الذي شرع يدافع بدهشة ولهفة عن مسكنه.

    إنه يدافع منتظرًا أي عون إنساني من أولئك المتفرجين على المعركة.. وهيهات!

    ولو تسللت إلى ضمائر هؤلاء المشاركين في الهيئة الدولية لوجدتهم يقولون: هذا اللص أولى من هذا المتخلف الذي يقطن الدار، إنها داره ولكنه لا يستحقها.

    تلك هي سريرة عدد كبير من الدول التي تسخر من ضعفنا، وبالتالي تحكم علينا لا لنا.

    والسبب؟ السبب نحن لا غيرنا، وذاك أرفق عقاب ينزله الله بأمة تخلت عن دينه، وأدارت ظهرها لتعاليمه. وسوف يبقى الوضع كذلك حتى نذَّكَر أننا مسلمون، وأن الإسلام يفرض علينا تشكيل أوضاعنا السياسية والاقتصادية والخلقية والفكرية والاجتماعية والتشريعية على نحو آخر.

    إننا نطلب العودة إلى الإسلام؛ لأن الإسلام حياتنا ورسالتنا، ومعاشنا ومعادنا، واختيار الله لنا، وتشريفه لماضينا ومستقبلنا

    فكيف نرتد على أعقابنا وننسى الرسالة العظمى التي آثر الله بها جنسنا ولغتنا، ورفع بها قدرنا وتاريخنا؟

    ثم ماذا أفدنا من جحد الإسلام؟

    الهزائم التي تسود بها الوجوه، والتي جعلت البغاث يستنسر بأرضنا، والتي حقرتنا عند أنفسنا وعند الناس، ألا إنه لا يعترض العودة إلى الإسلام إلا أحد رجلين: مرتد يكره هذا الدين، ويميل بهواه مع أعدائه الكثيرين في الشرق والغرب.

    أو جاهل يظن التمسك بالإسلام رجعية توصم بالتعصب، ويرى في القومية المجردة طريقًا لبناء الدولة الحديثة بعيدًا عن الطائفية وشتى التهم.

    فها نحن أولاء، ندور في عاصفة تريد اقتلاع جذورنا، ومحو أوطاننا، فماذا كسبنا من هذه القومية الكافرة؟

    لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، لا نجاة للعرب إلا إذا ألقوا أنفسهم في أحضان الإسلام.

    عندئذ تطلع الشمس وتختفي الأشباح

    * * *

    مخططون .. وغافلون

    كان اليهود ومن وراءهم يرون أن تكون قوة إسرائيل معادلة لقوى العرب أجمعين، أي قوى عشرين دولة أخرى، وذلك لضمان بقائها على تغير الأحداث، ولكن هذا التفوق الساحق أخذ طابعًا أقسى عندما تقرر أن تكون إسرائيل وحدها هي المالكة للقنبلة الذرية في المنطقة كلها، إن ذلك لا يعني التقدم اليهودي فقط، بل یعني فرض صَغار أبدي على العرب، يجعل أرضهم ورسالتهم ومستقبلهم تحت أقدام الصهيونية العالمية، ويجعل إسرائيل الكبرى قضاء مبرمًا لا فرار منه.

    يقول «موشي دیان» أمام الغرفة التجارية الإسرائيلية الأمريكية: على إسرائيل أن تؤمن نفسها بامتلاك السلاح النووي، وأن تنتج وحدها صواريخ أرض - أرض بعيدة المدى، إننا نملك الآن القدرة على تفجير الذرة، وذاك لا بد منه لدولة صغيرة، ولنعلم أن الولايات المتحدة ليست شرطي العالم الذي يستنجد به، فلنعتمد على أنفسنا وحدها.

    وقال أيضًا: على إسرائيل امتلاك الخيار الذري حتى يعرف العرب أننا نستطيع تدميرهم إذا نشأ وضع أحسسنا معه أن دولتنا معرضة للخطر

    وفي لقاء لشارون مع الشيخ الأمریکي جون جلين والسفير الأمريكي صموئيل لويس سنة 1982 قال شارون: إذا أقيم مفاعل نووي جديد في العراق فسوف نهاجمه وندمره، ولن نسمح بوجود سلاح ذري لدى جيراننا العرب، ولن ننتظر هذه المرة حتى يصبح المفاعل النووي العربي في وضعه الساخن، ثم قال: لقد رسمت إسرائيل خطًّا أحمر للأسلحة التي تسمح للعرب بحيازتها، هذا أمننا، ولن نسمح لأي بلد عربي أن يعكره بامتلاك القنبلة الذرية.

    إن اليهود - انبعاثًا من عقيدة توراتية راسخة - ماضون في إقامة إسرائيل الكبرى بالسلاح الذي يفني العرب كلهم إذا اقتضى الأمر، ولست متجافيًا عن الحق إذا قلت: إنني وسائر المسلمين نؤثر الموت المجهز على ترك إسرائيل تفعل ذلك، ونحن نرفض هذا المصير، وليكن ما يكون.

    لقد نجح العراق في بناء مفاعل نووي من عشر سنين، ثم استطاعت إسرائيل تحطيمه في غارة جوية ضحك العالم بعد وقوعها، ولم يصنع شيئًا، وكان بين العراق وبين صنع قنبلة جديدة عام ونصف كما يقول المحققون، ولكن حرب الخليج أجهزت على هذا السلاح قبل اكتماله.

    ولست آسى على شيء كما آسى لما يصنع العرب بأنفسهم، إنهم ينتحرون قبل أن يشتبك العدو معهم، من قال من أهل الأرض: إن اليمن هي الطريق إلى القدس حتى يرسل الجيش المصري إليها ليفقد خيرة قواته، فإذا وقعت حرب سنة 1967 انهزمنا في ست ساعات، وضاعفنا مساحة إسرائيل ثلاث مرات؟!

    ومن قال: إن الكويت هي الطريق إلى القدس حتى يستدرج الجيش العراقي إلى غزوها والفناء فيها، ثم ترك تقدمه الذري نهبًا في أيدي الحلفاء؟!

    إن مؤتمر السلام الحالي هو معالجة يائسة لآثار هذه الهزيمة المخزية. إنني أتحدث وقلبي ينفطر، وعلى لساني قول الشاعر القديم:

    إن العرب يستطيعون أن يفعلوا الكثير، وأن يمحوا الغرور اليهودي، وأن يؤمنوا المسجد الأقصى، وأن يغيثوا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين أكلهم الذل داخل سجون إسرائيل، إنهم يستطيعون ذلك يوم يغيرون خططهم القديمة، ويفتحون صدورهم لمبادئ الإسلام وتوجيهاته، ويستهدون بالله في حربهم وسلامهم.

    ماذا يصنع العرب الآن؟ يقولون لليهود: نترك لكم ما أخذتم سنة 1948 وتردون لنا ما أخذتم سنة 1967، ويجيب اليهود: لا لن نترك من «أرضنا» شيئًا؟

    إن تفاوضنا حين يدور مع اليهود على هذا المحور، إن دل على شيء فعلی أن العرب منهزمون نفسيًّا، وأنهم يجهلون طبيعة المعركة القائمة، وأنهم لاينبعثون عن صلة بالله الذي اصطفاهم لرسالته، واختار لهم الإسلام دينًا.

    * * *

    هم بنو إسرائيل.. فبنو من نحن؟

    أصغيت بانتباه إلى إذاعات عربية كثيرة شاركت في الاحتفال بـ«يوم الأرض» وهو يوم حزين يخرج فيه عرب فلسطين المحتلة ليحيوا ذكرى شهدائهم الذين قاوموا الاغتصاب اليهودي لترابهم الوطني، هذا الاغتصاب الذي تحول إلى اجتياح مسعور بعد هزيمة سنة 1967م، وشعرت بالسخط وأنا أسمع ما قيل من شعر ونثر، إذ كان المتحدثون يؤكدون عروبة فلسطين، لأن الكنعانيين هم أصحابها الأوائل، والكنعانيون والعدنانيون والقحطانيون جميعًا عرب، أما بنو إسرائيل فهم طارئون غرباء، وحاولت أن أتسمع معنى آخر يربطنا بأرضنا فلم أرجع بطائل، ما تحدث أحد عن الله ورسوله ﷺ ، ما تحدث أحد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وتسلمه الأرض من النصارى لا من اليهود، ما تحدث أحد عن أصلنا الديني وتاريخنا الإسلامي، ما تحدث أحد عن انتهاء الدور الروحي والحضاري لليهود وبزوغ رسالة أخرى بعيدة عن الأثرة والحقد، ما تحدث أحد عن أن وظيفة الهيكل وكونه مسكنًا للرب قد ألغيت وأن الوظيفة الجديدة هي لمسجد يصيح في أرجاء العالمين، الله أكبر.. كان التنادي بالعودة إلى الأرض وحق أبناء كنعان في وراثتها، إن دوران المعركة على هذا المحور هدف استعماري انزلق إليه العرب في محنتهم النفسية والعسكرية، ولن ينالوا من ورائه خيرًا، فاليهود يديرون المعركة على أساس ديني بحت، ويستقدمون أتباع التوراة من المشرق والمغرب قائلين: تعالوا إلى أرض الميعاد، تعالوا إلى الأرض التي كتبها الله لأبيكم إبراهيم كما أكد العهد القديم.

    في تقرير لـ «فرانس برس» نشرته صحيفة «الراية القطرية» 2/5/1982م تحت عنوان «مستوطنون باسم التوراة» التقى الكاتب بنفر من اليهود في المستعمرات التي أنشأوها، وتحدث معهم ليستكشف سرائرهم وأسباب مجيئهم، ومدى حرصهم على البقاء مع المقاومة العربية المتصلة، قال «هارون» الذي يقيم في مستعمرة «أوفرا» من خمس سنين: «إنني أمتلك ما لديَّ باسم التوراة، واعتراضات العرب لا وزن لها، ويبلغ هارون من العمر 40 سنة، وهو يضع مسدسًا في حزامه، ويوالي حركة «جوش أمونيم» كتلة الإيمان الدينية المتطرفة، والواقع أن الاتجاه الذي يمثله هو الغالب على جمهور المستوطنين الإسرائيليين، وفي «كريات أربع» وهي مستعمرة بجوار مدينة الخليل يؤكد «شالوم» - عمره 33 عامًا. ما ينتويه فيقول: «إن اهتمامي الرئيسي منصب على عودة الشعب اليهودي للإقامة بأرضه، وإذا كان العرب يرون أن نصوص التوراة ليست سببًا كافيا لحق الملكية فليست هذه مشکلتی»، وتقول «مريم لوينجر» وهي قرينة حاخام يهودی مشهور: «إن علينا أن نطيع أوامر الله الذي طلب منا العودة إلى الأرض المقدسة وهي تقيم مع أحد عشر ابنا لها وسط مدينة الخليل العربية على أنقاض معبد قدیم». ويقول هارون وشالوم ومريم جميعًا: «إن أمام العرب الفلسطينيين متسعًا في الدول العربية المجاورة، فليهاجروا إليها»، ويقول كاتب التقرير: «إن حدود إسرائيل . كما يرسمها هؤلاء . أبعد من الحدود الحالية، فإسرائيل المذكورة في التوراة تشمل جانبًا كبيرًا من لبنان، ودولة الأردن كلها، وشبه جزيرة سيناء حتى قناة السويس، والمستوطنون مسلحون جميعًا بالمسدسات أو المدافع الرشاشة، ولهم فرق حراسة تدور حول المستعمرات ليلًا ونهارًا». وختم الكاتب تقريره بهذه العبارات على لسان «هارون»: «لقد صاح وهو يطل من النافذة ويشير إلى مزارع الفاكهة: هذا البلد ملك لنا، عندما وصلنا هنا لم تكن توجد إلا تلال وحجارة، لقد خضرنا الصحراء، ولقد ساعدنا الله منذ ألفي عام ولن يمتنع عن ذلك فجأة، بل سوف يساعدنا على حل مشكلاتنا مع العرب».

    أرأيت أيها الأخ فلسفة القادمين الجدد، وأحاديثهم السرية والعلنية؟ الله ومواعيده لشعبه المختار، التوراة والحدود التي رسمتها، حق التملك للأرض باسم الدين اليهودي، وجهود البناء والتعمير، ليكن العرب أبناء كنعان أو قحطان، فليعيشوا بعيدًا عنا، وما يقوله رجل الشارع العادي هو ما يردده رئيس الوزراء المسئول، فكيف برب الأرض والسماء يصرخ القوم بانتمائهم وننسلخ نحن من هذا الانتماء مؤثرين عليه انتماء عرق لايقدم ولا يؤخر؟! وعندما يتكلم السياسي اليهودي رافعًا بيمينه كتابه المقدس، فهل يسكته سیاسي عربي يستحي من كتابه، ولا يذكره في محراب ولا في ميدان؟؟

    * * *

    الزحف اليهودي لا يوقفه إلا الإسلام

    نريد أن نلقي الضوء على بني إسرائيل أو اليهود. والحديث عن بني إسرائيل له مصادر كثيرة، ولكن المصدر الذي نأنس إليه، ونعتمد عليه، ونعتقد أنه تضمن جملة الحقائق الأولى والأخيرة في هذا الموضوع هو القرآن الكريم، فإن هذا القرآن حکی عن ماضي بني إسرائيل ومستقبلهم ما يكفي ويغني، وفي هذا يقول الله جل شأنه:

    ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)

    والنزاع بين العرب والمسلمين وبين اليهود قد يطول سنين عددًا لا نعرف مداها، ولاندرك بالضبط متى تنتهي الحرب بيننا وبينهم، لكننا ندرك عن يقين جازم أن هذه الحرب تتوقف بقدر ما يثوب المسلمون إلى رشدهم ويعودون إلى دينهم، فإذا رجع المسلمون مساء اليوم إلى دينهم؛ فإن هذه الحرب تنطفئ صباح الغد، وإذا رفض المسلمون اعتبار قضية فلسطين إسلامية، وإذا خجلوا من

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1