Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

من مقالات الغزالي ج ٤
من مقالات الغزالي ج ٤
من مقالات الغزالي ج ٤
Ebook601 pages4 hours

من مقالات الغزالي ج ٤

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

صحيح أننا نحن المسلمين نعرف على أية مبادئ اجتمعنا ، وإلى أى الأهداف انبعثنا واتجهنا ، وصحيح أننا نوقن بسلامة برنامجنا الذى لا يعدو فى نصوصه آيات القرآن واحدة بعد واحدة ، ولا فى طريقه ما سنه الرسول خطوة إثر خطوة وصحيح أننا نرى فيه وحده الخلق الفاصل للفرد ومعانى الإخاء الوثيق للمجتمع وعناصر الغاية العليا للسياسة ، وصحيح أننا ما حيينا لن نرتد إلى جاهلية نبذناها أو نطرح هداية أكرمنا الله بها وأننا ولله المنة على العهد الذى يعلم منا وعلى الحالة التى يرضى لنا حتى نلقاه .
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2008
ISBN9783743682986
من مقالات الغزالي ج ٤

Read more from محمد الغزالي

Related to من مقالات الغزالي ج ٤

Related ebooks

Reviews for من مقالات الغزالي ج ٤

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    من مقالات الغزالي ج ٤ - محمد الغزالي

    Section00001.xhtmlSection00001.xhtml

    مــــن مقــــــالات

    الشيخ محمد الغزالي

    «الجزء الرابع»

    جمع وتقديم/ خالد كمال الطاهر

    39

    طبعـة جديـدة ومنقحـة

    العنوان: من مقالات الشيخ (محمد الغزالي) الجزء الرابع

    المؤلف: الشيخ / محمد الغزالي

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن

    أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولـي: 978-977-14-2041-0

    رقــــم الإيـــــداع: 2002 / 19672

    الطبعة الرابعة: يونية 2008

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    المقدمة

    عرف العالم الإسلامي الشيخ محمد الغزالي واحدًا من كبار علماء الدين الإسلامي في العصر الحديث، ورائدًا من رواد الفكر الإسلامي المستنير القائم على الاجتهاد والتجديد، وعلمًا من أعلام الدعوة إلى الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها، جمع الله عليه من أسباب التميز والتفرد ما جعله في مصاف القادة النابهين لموكب الحياة الإسلامية، يقيم فيها ما اعوج، ويصلح ما فسد، ويبني ما انهدم- يحدوه في دعوته الإسلامية تلك إيمان راسخ وفقه ذکي، ونفس شاعرة، وأدبية مبدعة، وبيان ساحر رائع، وسريرة نقية صافية، وعزيمة قوية، وثبات على الحق.

    لم يأل الشيخ في دعوته جهدًا إلا بذله، ولم يترك منبرًا إلا صعده، ولا سبيلًا إلا ورده فلم يكن داعية بلسانه فحسب، ولا بسلوكه وكفى، بل كان - كذلك - داعية بقلمه الذي تقلده سلاحًا نافذًا في أعتى المعارك.

    ومن هنا كانت الكتابة أبرز منابر الدعوة الإسلامية في حياة الشيخ الغزالي، خاصة أن اتجاهه إليها جاء تلبية لميول فطرىة وموهبة أدبية أصيلة في نفسه، مما وثق ارتباطه بالقلم وزاد من عشقه للقراءة والكتابة الذي نشأ معه منذ كان صبيًّا يافعًا.

    يقول الشيخ : «بدأت الكتابة منذ الشباب الباكر، وكانت هواية عندي، ورغبة أجد راحة في تحقيقها. ولم أتوجه إلى الكتابة الدينية إلا بعد أن اشتغلت بالدعوة الإسلامية».

    أي أن إقبال الشيخ على الكتابة كان لذاتها، وأن حبه لها كان خالصًا. ولعل ذلك من أهم ما ميز فن الكتابة لديه حين بدأ يعرف لها قيمتها النافعة في خدمة الدعوة، ودورها المهم في نشر الوعي اليقظ والفكر الصحيح بين أبناء الأمة.

    - فلا غرو - إذن - أن الشيخ الغزالي على الرغم من براعته في فن الخطابة كان أشد ميلًا إلى الكتابة، إذ يرى أنها الوعاء الخالد للفكر والعاطفة معًا عبر العصور، كما أن الكتابة «تتجه إلى العقل، وتقوم على الاستعراض المنظم المتأني للأدلة المؤيدة والمفندة... ثم إن الخطابة موقوتة الفرص منتهية بانتهاء مجالها، وانفضاض مجامعها، أما الكتابة فهى أخلد على الزمن، وأعصى على الفناء...»(1).

    هذا وإن كان الشيخ الغزالي يعد من العلماء القلائل الذين تميزوا بغزارة إنتاجهم الذي أثرى به المكتبة الإسلامية من أسفار قيمة وكتب متنوعة تجاوزت خمسة وخمسين كتابًا، تمثل روافد عذبة تصب في شتى نهر المعرفة الإسلامية المختلفة، فتضيف إليها الجديد، أو تنفي عنها ما تلبث بها من رواسب معوقة أو شوائب معكرة خلقتها يد الزمان في عُصُره السالفة، لتعود صافية كما كانت.

    إن كان الأمر كذلك فيجب أن ندرك أن الفضل في تكوين الغزالي الكاتب والمؤلف، يرجع إلى حسه الصحفي فكرًا وأسلوبًا، فلقد كان فضل الصحافة على الشيخ الغزالي عظيمًا وهو ما يفصح عن نفسه بوضوح في جل كتب الشيخ التي يغلب على منهج تأليفها الأسلوب المقالي القائم على تنوع الأفكار، وتعدد العناوين، مع استقلالية كل فكرة عن الأخرى أحيانًا في الكتاب الواحد، لا فرق في ذلك إن كانت تلك الأفكار تعالج موضوعًا واحدًا، أو لا.

    الشيخ الغزالي والصحافة

    لقد بدأت رحلة الشيخ الغزالي مع الصحافة منذ زمن بعيد، يسبق تاریخ صدور أول مؤلفات الشيخ «الإسلام والأوضاع الاقتصادية» (1947) بثماني سنوات تقريبًا. فقد بدأت هذه الرحلة عام 1939 حين نشر له أول مقال وهو لا يزال طالبًا في الفرقة الثالثة بكلية أصول الدين.

    كانت بدايته قوية تلفت النظر، وتنبئ عن عالم وأديب من طراز مختلف بما لديه من سحر البیان، وعنفوان الأسلوب، وقوة التعبير، وعشق للحرية، واستقلالية الذات والفكر، والتمرد على التقاليد الراكدة التي ابتليت بها الأمة الإسلامية حتى أضحى- وهو شاب صغير - موضع إعجاب الجميع، وعلى رأسهم الإمام حسن البنا الذي شجعه وسجل إعجابه به في رسالة أرسلها إليه يقول فيها:

    أخي الأستاذ محمد الغزالي - وكان لا يزال طالبًا - قرأت مقالك، فطربت لعباراته الجزلة ومعانيه الدقيقة، وأدبه العف الرصين هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان - اكتب وروح القدس يؤيدك، والله معك.

    كانت بداية الشيخ الغزالي مع الصحافة :

    مع مجلة جريدة (الإخوان المسلمين)(2)، ثم كان انطلاقه الحقيقي مع مجلة (المنار) (3) الشهرية.

    ثم استمرت هذه الرحلة الطويلة العامرة، في المدة من عام 1939 م إلى عام 1954م إلا أنه قد برز في الأهم فقط من هذه الإصدارات مثل مجلة (التعارف - الأسبوعية)، ومجلة (الإخوان المسلمون) نصف الشهرية، ومجلة (الكشكول الجديد)، ومجلة (المباحث القضائية) الأسبوعية، وصحيفة (الدعوة)(4) الأسبوعية، كان يكتب في هذه الدوريات بصفة منتظمة، وربما لم يخل بعضها من مقال الشيخ منذ عددها الأول إلى عددها الأخير - كمجلة (التعارف).

    هذا بالإضافة إلى انتظام الشيخ في كتابة مقالاته لدى بعض الصحف الأخرى في تلك الحقبة الثرية في تاريخ الصحافة المصرية والإسلامية بوجه خاص- مشاركًا بذلك بعضًا من كبار علماء الدين والدعوة، وأشهر رجالات الفكر والأدب، من هذه الدوريات (منبر الإسلام) الشهرية، ومجلة (نور الإسلام) الشهرية، ومجلة (السيدات المسلمات) الأسبوعية، ومجلة (الفكر الجديد)، إلى غير ذلك، وهي ما يمكن أن نطلق عليها الصحافة الإسلامية غير الحزبية.

    - لهذا تعد هذه المرحلة من حياة الشيخ الغزالي منذ عام 1939م إلى عام 1960م تقريبًا، من أخصب مراحل حياته وأثراها في ميدان الكتابة - والمقالية منها خاصة - مما كان له أكبر الأثر في بنائه الفكري وتأليفه العلمي - إذ جمع أكثر هذه المقالات التي سبق نشرها ونظمها في سياق واحد يخرج على الناس كتابًا عزيزًا تتلقفه أيادي القراء بنهم وشغف، حتى صارت (الكتب المقالية) ظاهرة شائعة لديه، على عادة كثير من أدباء ومفكري العصر الحديث - ولا فارق إن كانت هذه الكتب المقالية في تراثه العامر ذات موضوع واحد، أو ذات موضوعات مختلفة - من هذه الكتب المقالية ذات الموضوع الواحد والتي جمعت في تلك الأثناء (من هنا نعلم) و (الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين). ومن الكتب المقالية المتنوعة الموضوعات : (تأملات في الدين والحياة) و(في موكب الدعوة).

    * ثم تأتي مرحلة الستينيات وإلى منتصف السبعينيات من رحلة الشيخ الغزالي الفكرية والتي تميزت بكثرة إنتاجه في ميدان التأليف للكتب، مع قلة في جانب الكتابة المقالية. المنبثة في بعض الدوريات بصورة غير منتظمة وإن جمع أكثرها في كتابه (حصاد الغرور).

    ومنذ أواخر السبعينيات تبدأ مرحلة جديدة من كفاح الشيخ الغزالي الفكري والأدبي، وتستمر إلى وفاته - رحمه الله - في 9/3/1996م، وقد تميزت هذه المرحلة بنشاط غير عادي في تحبير ونشر مقالات الشيخ بصفة دورية في صحف ومجلات مختلفة - وإن كانت مقالات تتسم بالقصر إلى حد «الخاطرة» أحيانًا.

    من هذه الصحف والمجلات صحيفة (المسلمون السعودية)، (جريدة الشعب المصرية)، وجريدة (الشرق الأوسط) ومجلة (سیدتي) السعوديتان. وقد جمعت جل هذه المقالات في كتابي الشيخ (الحق المر) ستة أجزاء، و(قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة).

    ** هذه المقالات:

    وها نحن أولاء اليوم نضع بين يدي القارئ کنزًا ثمينًا من تراث الشيخ الغزالي. إذ تحوي صفحات هذا الكتاب المجموعة النادرة، بل الوثائقية لمقالات الشيخ، والتي لم تجمع من قبل في كتاب من كتبه المقالية، خاصة أنها نشرت في المرحلة الأولى من حياته العامرة فقد ظلت هذه المقالات حبيسة الصحف والمجلات القديمة منذ عام 1940 م إلى يومنا هذا، وهو وقت طويل، لم تتح فرصة لعيني قارئ أن يطالعها بعد نشرها للمرة الأولى وقتئذ.

    ولهذه المقالات طابع خاص يميزها عن مثيلاتها في تراث الشيخ الغزالي، ذلك كونها مقالات جديدة قديمة، أصيلة معاصرة في آن واحد، لم يسدل عليها الزمان ستائر البلى، ولم تفقد قيمتها في دروب النسيان، بل هي كالمعدن النفيس. لم يتأثر بتعاقب السنين ومرور الحقب إلا بذرات من غبار الزمن ما إن تمحوها يد خبير بقيمته إلا عاد من جديد أثمن مما كان عليه في سابق عهده.

    ومن هنا فمعاصرة هذه المقالات من نوع مختلف، معاصرة اكتسبت رسوخها اليوم من ثبات جذورها في الأمس، كما أن الابتكار والجدة فيها قام حاضرها على أساس من ماضيها، فحملت إلينا التراث القديم في عبقه وهيبته، وربطته بحاضر المسلمين اليوم بما اشتملت عليه من معالجات فكرية ودينية واجتماعية وسياسية لكثير من قضايا الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان.

    وفي الوقت نفسه تعكس هذه المقالات صورة حية قريبة الملامح لفكر الشيخ الغزالي في مراحله الأولى، خاصة في تلك الآونة العصيبة من تاريخنا السياسي، كما تكشف عن جذور متشابكة لبعض القضايا التي تعانيها الأمة في وقتها الراهن، وكيف تصدى الغزالي - الشاب الأزهري الثائر - للتيارات الوافدة التي قصدت القضاء على أمة الإسلام في صلابة وشجاعة وثبات تبين عن مدى سبق هذا العالم الجليل لزمانه بفكره الثاقب وآرائه المتجددة. التي لم يخش عند نشرها في الله لومة لائم.

    وقد وُفقت - بعون الحق سبحانه - للكشف عن هذه المقالات ثم جمعها وتحقيقها من خلال رحلة إعداد رسالتي العلمية لنيل درجة الماجستير في الأدب والنقد - والتي حملت عنوان (المقال وخصائصه عند الشيخ محمد الغزالي)، وذلك من خلال العكوف على الدوريات القديمة والمندثرة بالبحث والدراسة لوقت طويل حتى خرجت بهذا الكنز القيم الذي أتقرب إلى الله عز وجل بتقديمه بين يدي القارئ المسلم ذي الثقافة الأصيلة، والرغبة الصادقة في تحصيل ما ينفعه في دينه ودنياه.

    هذا ولا يخفى ما في هذا العمل من تواضع شديد إذا ما قيس بالجهود المضنية التي بذلت في جمع تراث الشيخ الغزالي. ولكن حسبي أنه أضاف لبنة جديدة في الصرح الغزالي الشامخ الذي ينشر أشعة الهداية للمسلمين وسط غياهب الظلام، ويمهد لهم سبيل الرشاد إلى صراط الله المستقيم.

    خالد كمال الطاهر

    مدرس مساعد في كلية اللغة العربية

    جامعة الأزهر - بالقاهرة -

    (1) مع الله - للشيخ محمد الغزالي، ص 268 - 269، دار نهضة مصر، ط أولی 1997م.

    (2) العدد الأول منها في 21 من صفر 1352هـ، 15 من يونية 1933، ثم توقفت في 12 من رمضان 1357هـ، 4 نوفمبر 1938م.

    (3) أصدر الشيخ فيها مقالين مهمين الأول في إبريل - 1940م، والثاني في مايو، 1940م وكان عنوانهما (في محيط الدعوات).

    (4) انظر تفصيلًا دقيقًا لتاريخ الشيخ الغزالي مع الصحافة وصلة ذلك بمؤلفاته القيمة (المقال وخصائصه عند الشيخ محمد الغزالي) ص140-218 رسالة علمية نال بها الباحث درجة الماجستير من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة.

    1- أولئك الذين هدى الله

    لا أسوق الحديث إلى قوم كلما نظروا إلى هذه الأمة وإلى ما ران عليها من رکود صاحوا صيحة القانط الفزع: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ وفي معنی رفع الكتفين ومط الشفتين ينزوون بعيدًا من حركة إصلاحية قرب مداها أو بعد، وانفسحت آفاقها أو اقتربت، كلا فما إلى هؤلاء يساق حدیث وكيف يرجى الخير من نفس قل إيمانها فضعفت عزيمتها وأحبط رجاؤها ومات نشاطها؟ إنما نوجه كلامنا إلى كل أخ قسم حياته إلى عمل في اليوم وأمل في الغد، ويود أن يفيض مما يشتعل بين جوانحه من جهاد ونشاط على كل ما حواليه ليرى من الاستكانة السائدة ثورة جارفة، ومن الميادين الراكدة ساحات صراع للحق وتوثب دائب نحو المجد، نعم نحو المجد الحقيقي فيما رضيه الإسلام أمثلة عليا للحياتين الأولى والآخرة... إلى أمثال هذا الأخ نسوق الحديث.. فلقد ضاق المرء ذرعًا بفوضى الدعوات في مصر، وكثرت وسائل الإغراء فيما يعرض على الجمهور من برامج، حتی لیکاد الناس يزهدون في الحق والباطل على السواء، ويرتاحون من عناء الكشف عن حقيقة هذا اللبس المقيت، ناهيك بما ركم قبل وجود عدة أحزاب تتنازع الإخلاص في خدمة هذه البلاد المنكوبة من أثر بالغ في نفسية الشعب وحالة تستلزم أعظم الحكمة في قيادته.

    صحيح أننا -نحن المسلمين - نعرف على أي مبادئ اجتمعنا.. وإلى أي الأهداف انبعثنا واتجهنا.. وصحيح أننا نوقن بسلامة برنامجنا الذي لا يعدو في نصوصه آيات القرآن واحدة بعد واحدة ولا في طريقه ما سنه الرسول خطوة إثر خطوة، وصحيح أننا نرى فيه وحده صور الخلق الفاضل للفرد ومعاني الإخاء الوثيق للمجتمع وعناصر الغاية العليا للسياسة.... وصحيح أننا ما حيينا لن نرتد إلى جاهلية نبذناها، أو نطرح هداية أكرمنا الله بها، وأننا - ولله المنة - على العهد الذي يعلم منا وعلى الحالة التي يرضى لنا حتى نلقاه ؛﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(5).

    ... صحيح كل هذا وعلى ضيائه سنعرف الناس وعلى منطقه سنعاملهم، فعلى أي الأسس بعد ذلك ننشئ علائقنا بغيرنا إنشاء يستقيم مع التعصب للحق وحياطته واستمرار الدعوة له وتكثير أنصاره؟

    نحن لا نرسل القول في نزق فنقول: من ليس منا فهو علينا، كلا فإن لنا نظرة أصدق وأعمق، نعم هنالك فئات من مرضى القلوب لم تخالطهم بشاشة الإيمان يسيرون تحت كل راية إلا راية «القرآن» ويدعون إلى كل شيء إلا هذا الإسلام السمح العظيم، ويكتبون التراجم المستفيضة عمن يرونهم أبطالًا من أهل «أوربا» وعلمائها وأدبائها، ويحشدون فيها عبارات التقدير والمودة والثناء على حين تتقصف أقلامهم عند الكتابة عن أبطال الإسلام ومشاهير قادته وعلمائه. هؤلاء وأضرابهم وأشياعهم ممن يتنكرون لتراث «محمد» ودينه ولغته يستحيل أن نكن لهم إلا أعنف ألوان الخصومة وظاهر أمرنا من باطنه في احتقار كل ما يأتون به وهدمه وقد آذناهم بهذه الحرب على سواء﴿أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾(6).

    ولكن هناك فئات أخرى ترى أنها تعمل للإسلام وهي إنما تعمل على وفق ما يروقها من طرائق، على أنها بحکم استقلالها في نظمها الخاصة قد لا تعنيها ملاحظاتنا عن عقم هذه الطرائق أو إنتاجها، وعلى أي الأحوال فإنه إلى أجل محدود لا نريد أن يكون بيننا وبين هؤلاء نقاش ولا حساب، وحسبنا اليوم أن نقول لهم: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾(7).

    ولئن صدقوا الله وقصدوا وجهه حقًّا فستنتهي مصايرهم إلينا وسيلتقون بنا في نهاية الأمر كما تلتقي مياه الأنهار الجارية بلجج الخضم العظيم، ذاك كما قلنا إلى أجل محدود قبل أن تتحول الجمعيات الإسلامية المبعثرة إلى ما يشبه مساجد الضرار فتكون مثابة المنافقين وأوكار الفاتنين ومثار الفرقة القاتلة والجهود الفاشلة في صفوف العاملين، وهو يوم نضرع إلى الله ألا يكون، فإنه موقف يعيد مرة أخرى موقف المنافقين من أصحاب رسول الله ﷺ والمؤمنين حين اتخذ أولئك لأنفسهم ﴿مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾(8) إن عملنا واضح وخير ما نصفه به وصفًا يحدد مناهجه أنه عمل الرسول قبل «بدر» يدير المنطق على لسانه قبل أن يدير السلاح في يده، أليس في هذا ما هو خليق بأن يجيب المتسائل حين يسأل: ما الذي حققوه من نتائج؟ بلى، وإنه لعجيب أن توجد مثل هذه الغباوة الظاهرة بطبيعة الدعوات ونشأتها وتطورها، وليست هذه الغباوة أسوأ ما تنطوي عليه هذه الأسئلة بل هناك النكوص عن مواجهة الحقائق والتضليل المكشوف لمن يأخذون على عاتقهم القيام بأخطر الرسالات وأشق المشاريع ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾(9).

    عمل الرسول إذن قبل «بدر» من نشر الدعوة بين شتى البطون والعشائر واتخاذ الأنصار والأعوان وغرس روح التضحية والفداء وإلهاب المشاعر حمية للدين وإخلاصًا لقيادته وتفانيًا في نصرته، ذاك أو قريب منه ما نقصده. إن ألف صيحة تتجاوب طالبة الإصلاح، ولكن من أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين؟ وألف صوت يدعو صاحبه إلى العمل وكل عمله أن يقول نريد العمل! أوليس في الإسلام أشق الجهاد وأضنى العمل؟

    ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾(10).

    (5) الأنعام: 71.

    (6) المجادلة: 19.

    (7) الشوری: 15.

    (8) التوبة: 107.

    (9) الأنعام: 25.

    (10) الأنعام: 90.

    2- عسى أن يكون قريبًا

    قد يفجأ النفس المسلمة من أحداث الحياة في هذا العصر ما تغص به. بل قد يكون في بعض الوقائع المحرجة ما يثير في صدور المؤمنين عواصف بعيدة الصدی يمتزج فيها الغضب بالأسف، والاستهجان الشديد بالحسرة العميقة. ولعل مما حفره الزمن في الذاكرة فلن تضل عنه حتى الممات ما ذكرته إحدى الصحف أن جماعة من الأجانب النازحين إلى مصر (توطنوا) ضاحية قريبة وابتسم لهم الحظ فأترفوا في حياتهم وأترفوا في مساكنهم بينما (نزل) قريبًا منهم فريق من العمال المصريين وأقاموا في أكواخ مهينة تمثل نوعًا عجيبًا من التعاسة الشرقية، فكان السادة الأجانب يمرون عليها بسياراتهم الفخمة حتى إذا خرجوا من نطاقها إلى حيث يقصدون قالوا «لقد خرجنا من عزبة المسلمين» نعم، وما أصح الإطلاق! فمنطق هذا الثراء الأجنبى ما دام يعيش على حساب الغفلة السادرة والانحلال السائد والضعف المشين.. نعم أيها السادة «عزبة المسلمين» الذين يعيشون على فتات موائدکم، ويسعون في مزدحم أقدامكم ويركضون لإيماءة من أصابعكم.. يا للذل!!!

    لكأنما أحسست بكل شبر من الأرض يتبرم بمن فوقه ويتنكر لهؤلاء المسلمين الذين توارثوا عن آبائهم دولة طائلة ما رعوا لها حرمة.. ولا حفظوا لها عهدًا، فهم اليوم يقتطعون أنصبتهم منها عزبًا حقيرة. على حين ينزل نزاع الدنيا وشذاذ الآفاق منها أكرم المنازل...

    وجلست مرة إلى المذياع. فحدثتنى النفس أن أستمع إلى المحطات الخارجية. وكان أن قيض الله إلي المذيع العربي (لمحطة باري) يسرد قائمة أخباره المعتادة، فما راعني إلا حديث عجيب. أتدري أيها الأخ عن ماذا؟ عن مستعمرات إيطاليا الإسلامية!!! تردد الصوت في أذني طويلًا.. ووعيت في شبه غيبوبة أن البلاد الإسلامية المجيدة قد استحالت مزقًا يتفاوت الفاتحون الغربيون في حيازتها.. إننا مخدرون تخديرًا يجعل إحساسنا بالحقائق المرة ضئيلًا أو معدومًا.

    فأين نحن من هذا العالم الصاخب المائج؟ لقد تبدلت الأرض غير الأرض فما تكاد معالم الحياة تبين مما أدركها من تشويه!!. «مستعمرات إسلامية» يا للمنكر! أتلك أنقاض ما بنى الأولون الأمجاد، فقرَّ الرسم ليس فيه معلم صدق ينبئ عما كان من فخامـة. أو تستقر الأمـور على ذلـك؟ لا والله. فما نهدأ حتى تنمحي من بين الأحياء هذه الكلمة الملعونة، ولئن طابت نفوس أقوام بالخنوع في مهاد الذل فما تطيب نفوسنا - نحن المسلمين - حتى نبيد أو تلقانا أوبة الظافرين.

    مستعمرات إسلامية!! أخرس الله لسانًا ينطق بها لا يظهر عورتها، وفؤادًا تمر به لا يستشعر سوءتها، فمتى كانت قسمة المسلمين من الحياة أن يعيشوا كذلك قطعانًا من السوائم يفزعها تلويح العصا؟! كلا كلا، علم الله.. تلك أمثلة قليلة لكثير مما يقع تحت العين والأذن يصطدم فيها الحاضر البغيض بذكريات ماضينا العزيزة أو بآمال غدنا الحارة صدامًا يدع النفس شعاعًا واللب شاردًا. إن الكريم قد تزحزحه الليالي عن منزلته، ولكن نفسه الكبيرة لا تفتأ فوق متناول الإهانات حتى إذا أصابه مطعن مباغت لا يعترف بما أبقى له الزمن من كرامة جريحة كان أساه لما ناله لا يقدر. وقد كتب الله لنا - نحن المسلمين - أن نكون شهداء على الناس، وأن نهيمن على مشارق الأرض ومغاربها ممسكين بأيدينا أعنة أمورها متولین مقاليد أحكامها. وأن نصرف شئون الأمم تصريفًا يحميها الفوضى والعدوان. وكاد مشعل الهدى المحمدي يبلغ ضياؤه كل أفق مغمور. وإذا بالأحوال تنتكس والآيات تنعكس. والطالب يطلب. والغالب يغلب والمُصْعِد الماضي إلى الذروة يتدهده رأسًا على عقب، وينقلب ظهرًا إلى بطن. فلا يقفه عن هبوطه إلا السفح المستقر، ولا يرده عن تسفله إلا الرغام المهين، وإذا المسلمون في عرف أوربا المتحكمة المتكبرة ليسوا خيرًا من الزنوج قبولًا لما يفرض عليهم من ذل واستساغة لما يراد بهم من استعمار!! فلله ما أوسع المسافة بين ما كنا فيه وما صرنا إليه! وما أبعد الشقة بين ما يجب علينا وما يحدث منا! ولشدة ما يتألم المسلم المخلص عندما يتحسس الدرك الذي هوى إليه قومه أو عندما يصيخ إلى أصوات بعض المخدوعين يزعمون ذلك ضربة لازب. ويحتسبونه أمرًا طبيعيًّا معقولًا.. وكأن فيما حدث ما لا يطفح به الكيل، ويحرج منه الصدر!! فنسمع أن هناك اعتداءات جديدة تبيت للأمم المسلمة، ونقرأ بين الحين والحين أن العراق وإيران وأفغانستان ودول الشرق الأدنى جميعًا في خطر زحف أحمر وسط عاصفة هوجاء، بل ما لنا نذهب بعيدًا؟ أو ليس من الجائز أن مصر يمسها أوار هذه الحرب الضروس فتخوضها مرغمة؟ وسواء صدقت الإشاعات أو كذبت فإنه لن يكون حسب أولئك المسلمين من جهاد أن يردوا كيد كل عاد إلى نحره وأن يحموا قلب الإسلام ونواة نهضته. کلا..

    فما أبلغ الأشيــاء عنــدى حزازة

    بـأن أُبــتُ مزريًّا عليك وزاريـا

    ولكن سيكون هذا الدفاع استعدادًا لهجرة أعظم ووثبة أوسع يعقبها تحریر المسلمين في فجاج الأرض قاطبة. ولقد بذلنا كما بذل إخواننا في كل قطر مجاهد ثمنًا غاليًا من الدماء والأموال في سبيـل الاقـتراب من هـذه الغـايـة، فلتكن الهـدأة الحـاضرة استجمامـًا للعمـل المنتـج نحـو النصر المبين ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾(11).

    * * *

    (11) الإسراء: 51.

    3- وقال الملأ من قوم فرعون...

    خلال هذا القرن المشئوم كانت خسائرنا - نحن المسلمين - جسيمة، اختفت معالم الحكم الإسلامي على وجه الأرض تقريبًا، وتراجعنا بعد صراع عنيف أثرت في أدواره فوضى الدفاع أبلغ مما أثرت فيه شدة الهجوم، وبدأت أعلام الحق تطوى في ميادين «الشرق الأدنی» ومن قبل ذلك كانت النكبة قد حلت بأجزاء كبيرة من وطن المسلمين الأعظم، وحاقت اللعنة بالمفرطين الغافلين، فهم اليوم في جاهلية وضيعة يقتتل على سومهم الخسف من آل أمر الدنيا وقيادها إلى أيديهم.. من كان يبلغ آباءنا أن الباطل إذا ملك استشرى، وأن الجريمة كل الجريمة في إهمال ما ينبغي من تأهب، وطرح ما يفترض من تحفز، وأن لابد للحق من حدة تكسر شِرَة الباطل، وفورة تعلو على نزوته، وأن الأمر أخطر من خسارة عدة أقطار يستغلها هذا أو ينتفع بها ذلك، فإنما يتقن هذا الحساب سائر دول «أوربا» التي تعيش لتأكل، ولكنه في حساب الحكم المسلم والأمة المسلمة إنقاذ الإنسانية وتحطيم العوائق التي تحجب النور الإلهي عن أبصار البشر الكليلة، ولكنه كذلك توسيع المدى الحيوي الواجب لرسالة «القرآن» وتعميم هدايته حتى لا يختص بها مكان دون مكان، هل آمنا بأن لابد للحق من سياج يصونه، وقوة تنصره؟ نعم آمنا، ولكن بعد أن أدركنا الغرق، وكأن القرآن لم يحذرنا بطش القوى الضالة، أو لم يعرفنا سفالة الأساليب التي تتخذها تلك القوى تجاه الحق الأعزل! أو لم يبصرنا بسياسة القرن العشرين في تسويغ الاستعمار سرقة الأمم، أو لم يوضح لنا كيف اتخذت هذه السياسة من قبل حذوك النعل بالنعل!!

    ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1