Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

فلسفة المواطنة والتنوير
فلسفة المواطنة والتنوير
فلسفة المواطنة والتنوير
Ebook312 pages2 hours

فلسفة المواطنة والتنوير

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في هذا الكتاب تركز الباحثة على مسألة «المواطنة» في أعمال المفكر المصري سلامة موسى، وتعتني بمدى تواؤمها مع الآراء والمواقف والنظريات الحديثة، دون أن تغفل طبعاً عن جانب الذاتية في العمل- حيث كانت لها بعض المواقف الخاصة، التي قد يراها البعض انحيازاً للفكر الموسوي ولكنها تتناسب في نظرها، مع مقتضيات الفكر المعاصر، مقارنة بالزمن الموسوي - فقد ارتكز الكتاب على البحث عن أسس المواطنة كما تبدو في الفكر الموسوي ومستوياتها مع محاولة الإلمام بمحدداتها، سعيا إلى مقاربتها بمستوى الفكر الحديث. إذ صحيح أن مسألة المواطنة، تناولها العديد من المفكرين، واختلفت حولها الآراء، وتباينت آراء جل المفكرين على اختلاف انتماءاتهم، لكنها تظل مبحثاً أساسياً، لارتباطها المتين بمشاغل المجتمعات والشعوب. لذلك حرصت الكاتبة في هذا البحث، على التأكيد على مجموعة من المنطلقات التي حددت الخطوات العامة لبحثها، منها خصوصية انتماء سلامة موسى إلى مجتمع يعاني الاضطهاد الاجتماعي والسياسي. وقد أثر ذلك في نفسيّة المفكر المصري، كما حاولت الكاتبة من خلال فكره واتجاهه، معرفة أسس مشروعه الثقافي، الإصلاحي، باعتباره مشروعاً تقدمياً يرمي إلى بناء مجتمع تسوده الديمقراطية والمواطنة. كما أبرزت الكاتبة أهمية مشروع سلامة موسى الفكري، من أجل ممارسة الحياة السياسية، في كنف الحرية والعدالة، والدعوة المؤكدة إلى تبني المبادئ الديمقراطية في البرنامج السياسي. فالحديث عن المواطنة في الفكر الموسوي، ليس مجرد رفاهة فكرية أو ترفاً جميلاً، وإنما هو معالجة لقضية تمدين المجتمع بما هو محور التنظيم الاجتماعي والسياسي الحديث. كما مثلت المواطنة في الفكر الموسوي، المحرك الفاعل في إرساء مجتمع عربي تعددي، يتسنى فيه للأفراد التمتع بالقدر الكافي من الحريات الأساسية، وبالأساس الحرية الاجتماعية والسياسية، والفكرية، هذا المجتمع الذي - يأمله سلامة موسى - تتوحد فيه الثقافات ولا تتناحر القوميات، ويخلو من التعصب والرجعية. وفي الكتاب أيضا بينت الكاتبة كيف أن سلامة موسى، يؤكد حاجة المجتمع العربي إلى قيم المواطنة، وتحققها يبقى رهين قناعات الشعب بالتحرر من عدة قيود. فمعنى المواطنة في الفكر الموسوي كان شاملا لارتباطه أساسا بإنسانية الإنسان، حيث «أن جوهر المواطنة هو احتياجات الإنسانية وهي الرغبة والحق في البقاء».

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateSep 9, 2022
ISBN9789938230628
فلسفة المواطنة والتنوير

Related to فلسفة المواطنة والتنوير

Related ebooks

Reviews for فلسفة المواطنة والتنوير

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    فلسفة المواطنة والتنوير - عواطف الهرّابي

    عواطف الهرّابي

    فلسفة المواطنة والتنوير

    سلامة موسى أنموذجاً

    تأليف

    عواطف الهرّابي

    مدير النشر عماد العزّالي

    التصميم ناصر بن ناصر

    الترقيم الدولي للكتاب 978-9938-23-062-8

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1443 هـ / 2022 م

    العنوان: 5 شارع شطرانة 2073 برج الوزير أريانة - الجمهورية التونسية

    الهاتف : 58563568 216

    الموقع الإلكتروني : www.tunisian-books.com

    البـريد الإلكتروني : medi.publishers@gnet.tn

    ننشر هذا الكتاب تزامنا مع انطلاق أعمال كرسي الإيسيسكو

    بالقصر السعيد - قصر الثقافة والآداب والفنون بباردو - تونس

    تحذير

    المؤلّف هو المسؤول وحده عن اختيار محتويات هذا الكتاب وعرضه وعن الآراء الواردة فيه والتي لا تعبّر بالضرورة عن آراء منظّمة الأيسيسكو ولا تلزمها.

    « L’auteur est responsable du choix et de la présentation des contenus de cette publication et des opinions qui y sont exprimées, lesquelles ne sont pas nécessairement conformes à celles de L’ICESCO et n'engagent pas l'Organisation »;

    المقدمة

    اخترت الاشتغال على مسألة «المواطنة» عند سلامة موسى، لما تطرحه من إشكاليات فلسفية في مجتمعاتنا، ولما تثيره من قضايا أساسية في استشكال الحداثة والتحديث من أجل تعايش سلمي. وهي مسألة تحيل على إمكانيات توضيح علاقتها بتراثنا وتاريخنا، وعلى إشكالية الثقافة والعلاقات المتواترة مع الثقافات الأخرى، وإشكالية حرية الفكر والعقل، وإشكالية الأدب والحياة والثورات في عصر الحداثة وإشكالية النهضة والاشتراكية وغيرها من المسائل التي تعالج قضايا العصر. ويعتبر سلامة موسى، من أبرز المفكرين المصريين والعرب الذين طرحوا منذ أوائل القرن العشرين إشكاليات من هذا القبيل.

    والأكيد أنّ مفهوم المواطنة مثلما تصوره سلامة موسى ودرسه من خلال كتاباته العديدة، وأساسا كتاب «النهضة الأوروبية» الذي عرض فيه هذا المفكر الكبير تصوراته حول تكوين المواطن، يرتكز على البحث في الحرية، من حيث هي حرية الفكر وحرية ممارسة الحقوق. كما يضفي إلى اقتراح تصوّر لتربية فكرية سليمة للمواطن العربي الذي هو في حاجة إليها. وقد اعتمدنا كتاب «تربية سلامة موسى» الذي لخص فيه حياته واتجاهاته وأيضا كتاب «الثورات» الذي أكد فيه على الجانب الثوري، وسرد فيه كفاحه ونضالاته في هذا الميدان. أما فيما يخصّ حرية الفكر وأبطالها وزعمائها في التاريخ فقد صوّر لنا حقيقة المجتمع الناهض عندما يتمتع بتلك الحريات ولا تضطهد فيه الأفكار النيرة والمؤدية إلى النهضة والحداثة. وهذه المؤلفات هي من أهم الآثار التي عبر من خلالها سلامة موسى عن أوضاع الشعب المصري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مبديا آراءه وطارحا البديل عبر مقتضيات التحرر والنهضة، وأسس تحقق المواطنة والوعي بالحقوق والواجبات في مصر والأمة العربية. وقد آثرنا الاعتماد على كتاب «تربية سلامة موسى» أكثر من بقية الآثار لشموليته وعمقه ولسرده كل ما مر به سلامة موسى من أحداث أثرت في أفكاره واتجاهاته وانتماءاته. و يقول عن هذا الكتاب صاحبه: «وتربية سلامة موسى هي سيرتي ابسطها لقراء الجيل الجديد حتى يعرفوا ما لم يروه أو يختبروه من الحوادث التي مرت بنا فيما بين 1895 و1947. وقع التاريخ في نفسي. وسيرتي هي أولا وآخرا تربيتي.»1 ولكن هذا لا يعني أن بقية الآثار الموسوية ليست بنفس القيمة، بل إن آثاره كلها تقريبا متميزة بتميز مواضيعها.

    ولد سلامة موسى سنة 1887، لأبوين قبطيين ووكان لانتمائه إلى الأقلية القبطية الأثر الكبير على حياته. تلقى دراسته الابتدائية في الزقازيق، ودراسته الثانوية في المدرسة التوفيقية ثمّ سافر إلى باريس سنة 1907 وتوجه بعد ذلك إلى لندن حيث تتلمذ على جماعة العقلانيين في الجمعية الفابية. وفي هذه الفترة وتحت تأثيرها ألف أول كتاب له «مقدمة السوبرمان» سنة 1909، وبعد عودته إلى القاهرة ألف كتاب عن الاشتراكية سنة 1913 واشتغل بالصحافة فانشأ مجلة «المستقبل» الأسبوعية واصدر منها ستة عشر عددا وتلتها عدة مجلات، وتعرض إلى عدة صعوبات خاصة أثناء حكومة إسماعيل. وفي سنة 1920 ساهم في إنشاء جمعية المصري للمصري متأثرا في ذلك بالتجربة الغاندية. اصدر سنة 1927 كتابه المتميز حرية الفكر وأبطالها في التاريخ. وفي 1935 كان كتابه النهضة الأوروبية عنوانا صارخا لمناهضة التأخر ومناشدة النهضة على غرار الغرب. أما كتابه تربية سلامة موسى 1947، فقد كان مجموعة من الفصول أرخت لحياته وأفكاره واتجاهاته. لقد كان كاتبا مناضلا ثوريا ونضالاته هذه تزامنت مع عدة ثورات حصلت في مصر وغيرها، وكان مفتخرا بمنجزاتها، كما كان متابعا دقيقا للأحداث الداخلية والخارجية، بل كان مشاركا فاعلا وناشطا اجتماعيّا ولم يستنجد قط بالبرج العاجي ويكتفي بالنقد عن بعد.

    شارك في منظمات عديدة لمناهضة مظاهر التأخر السائد في مجتمعه وفي الأمة العربية. وكان مشرفا على القسم العلمي، ومحررا ليوميات الأحد، بدار أخبار اليوم حتى مماته سنة 1958. كان سلامة موسى مدركا للحالة التي عليها الشعب آنذاك، والتي في رأيه تستوجب ديناميكية فكرية، حتى يتجاوز حالة السكون والتقهقر إلى حالة الحركة والتغيير عبر المشاركة الفاعلة، وتجاوز الأفكار الخرافية والرجعية البالية وبالتالي الرقي بواسطة تجسيد مبادئ الديمقراطية والانتماء التي تنطوي عليها المواطنة، لكونها شرط تقدم المجتمع، إذ لا سبيل للديمقراطية إلا عبر تحقق بناء قيم المواطنة كالمساواة والحرية والعدالة والمشاركة السياسية وكل القيم العقلية.

    إن المتعمق في دراسة كتابات سلامة موسى، سيكتشف ذلك الوجدان الوطني القوي لديه، وسيلحظ تلك الصورة الراقية التي يأمل أن تكون عليها بلاده والأمة العربية، هذه الأمة التي يخاف عليها من التأخر والتخلف والجمود، كما يخاف على وطنه والأجيال من الذل والهوان. وقد تبيّنا من خلال كتاباته بل ونضالاته الفكرية، منهجه الإصلاحي، ومشروعه التقدمي الرائد والمتميز، حيث بشّر ببناء مجتمع مدني متطور وحديث، قوامه نظام ديمقراطي تتحقق فيه الحقوق والحريات. وكما سنتبين ذلك فإن أنجع أداة للتقدم وأقصر الطرق إلى النهضة عند سلامة موسى، هو النضال والكفاح من أجل إرساء مفاهيم المواطنة، والتي تبدأ بالإصلاحات في مختلف الميادين: الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأهمها الثورة الثقافية، القائمة أساسا على الاهتمام بالتعليم، وذلك بتقويض المنظومة السلفية، وتهميش التعليم الديني، وتعصير مناهج التعليم حتى يواكب المستجدات والإحداثيات التعليمية والنظريات العلمية الجديدة وتعميمه، والدعوة إلى قيام علم عصري على الطريقة الأوروبية. وهكذا، تكون النهضة ذات أبعاد علمية تمكن من رسم حدود الحداثة في كامل تراب الوطن المصري، ومنها إلى كل أقطار الأمة العربية باعتبار أن التقدم العلمي هو الدافع وراء حداثة الغرب وتطوره، وأن التربية على المواطنة هي من أساليب رقي هذا الغرب الذي يحيا على العلوم والصناعة والديمقراطية والمساواة بين الجنسين وجب الاقتداء به، وكسر حواجز الانغلاق التي تكبّلنا. فالتقدم العلمي والاجتماعي في رأيه هو الذي يحدد مدى تحضر الشعوب وتطورها.

    إن الممتع في هذا البحث، هو التعامل مع فكر انفتاحي تنويري، في سعي دؤوب إلى أن تتخذ العقلانية منهجا في حياتنا، على غرار الغرب الذي يجب التمثل به، سيما وأن العديد من المقولات الدينية، التي رأى فيها فكرا غيبيا، لا يخدم مستقبل بلد أرهقه الاستعمار، وهو في أمس الحاجة إلى الإصلاح والتغيير الجذري لأوضاعه، حتى ينهض ويساير الركب الحضاري. لذلك فإن إيمان سلامة موسى ببعض القيم التحررية الليبرالية في أوروبا، مثل العدالة والحرية والمساواة والعقلانية والنظام البرلماني الدستوري وكل مقومات المواطنة، دفعه إلى الدعوة المستمرة للتمثل بالغرب رمز التطور والرقي، لأنه كان يؤمن بفكرة التطور ووحدة الحضارات والتقاء الثقافات، وتحرير العقل وتحرير المؤسسات الاجتماعية والاستناد إلى الفكر العلمي الصحيح، فكان يدين بالثقافة الغربية، وأساسا الثقافة الانڤليزية، ويدعو إلى العمل بها في ثقافة تتضمن دراسة القانون والاقتصاد وهي في مقدمة العلوم التي درسها في انڤلترا.

    لقد واجه الفكر الموسوي صعوبات جمة وعراقيل تبدو غالبا إيديولوجية في سبيل طرحه لقضايا ومسائل يحدد فيها أفكاره وآرائه، لكنه ظل صامدا أمام هذه العراقيل. ولئن اختزل بعضهم أفكار سلامة موسى في الجانب العلمي والإلحادي، فإن البعض الأخر مازال إلى حد اليوم يؤمن أن فكر سلامة موسى وكتاباته تظل شعارا مرفوعا - فكرا وممارسة - في كل البلاد العربية، وأن كل مثقف عربي - حسب بعض الباحثين - يدين له بمفاتيح المستقبل، لأنه المؤسس الحقيقي للعقلانية والاشتراكية في مصر. فقد أكد سلامة موسى اتصاله بالفكر الاشتراكي الماركسي، وتأثره الكبير بالفكر التقدّمي عامة، خاصة «الجمعية الفابية البريطانية» التي كانت تدعو إلى تحقيق الاشتراكية.

    كان سلامة موسى تنويري الاتجاه، وهذه التنويرية هي التي أدت به إلى اعتناق المذهب الاشتراكي، دون أن يغوص غوصا كبيرا في الماركسية، لأن همّه الأول يتمثل في استتباب العقل والحرية داخل المجتمعات العربية، وهو أساس ترتكز عليه كل نظرية اشتراكية. وسنبين كيف أن هذه المسيرة الفكرية دليل على أن المجتمع العربي وبعض مفكريه، ليسوا في علاقة انفصام أو عداء مع المبادئ الحديثة للمواطنة والديمقراطية مدركين أن الطريق إلى الديمقراطية محفوف بالمصاعب وعملية بناء طويلة المدى يطرأ عليها العديد من التحولات، كما تتطلب المزيد من المجهودات للكشف عن سبل التقدم نحو بناء مجتمع ديمقراطي حديث. سنبين أيضا أن هناك صعوبات أمام إرساء قواعد الديمقراطية والمواطنة، مأتاها الجهل بقيمة هذه القيم إلى جانب وطأة الأوضاع المتخلفة آنذاك.

    هكذا سنركز بحثنا على مسألة «المواطنة» في أعمال سلامة موسى، ونعتني بمدى تواؤمها مع الآراء والمواقف والنظريات الحديثة، دون أن نغفل طبعا عن جانب الذاتية في عملنا - حيث كانت لنا بعض المواقف الخاصة، التي قد يراها البعض انحيازا للفكر الموسوي ولكنها تتناسب في نظري، مع مقتضيات الفكر المعاصر، مقارنة بالزمن الموسوي - فقد ارتكز عملنا على البحث عن أسس المواطنة كما تبدو في الفكر الموسوي ومستوياتها مع محاولة الإلمام بمحدداتها، سعيا إلى مقاربتها بمستوى الفكر الحديث. إذ صحيح أن مسألة المواطنة، تناولها العديد من المفكرين، واختلفت حولها الآراء، وتباينت آراء جل المفكرين على اختلاف انتماءاتهم، لكنها تظل مبحثا أساسيا، لارتباطها المتين بمشاغل المجتمعات والشعوب. لذلك حرصنا في هذا البحث، على التأكيد على مجموعة من المنطلقات التي حددت الخطوات العامة لبحثنا، منها خصوصية انتماء سلامة موسى إلى مجتمع يعاني الاضطهاد الاجتماعي والسياسي. وقد أثر ذلك في نفسيّة مفكرنا، كما حاولنا من خلال فكره واتجاهه، معرفة أسس مشروعه الثقافي، الإصلاحي، باعتباره مشروعا تقدميا يرمي إلى بناء مجتمع تسوده الديمقراطية والمواطنة، لكن ما يجب الإشارة إليه هو أن مواطنة سلامة موسى، ارتبطت بحقبة تاريخية لها مميزاتها وخصائصها الاجتماعية والسياسية ونعني «كل مظاهر الحياة المادية، والاجتماعية، والقيم الخاصة بشعب في فترة محددة من تاريخه»2. كما أبرزنا أهمية مشروع سلامة موسى الفكري، من أجل ممارسة الحياة السياسية، في كنف الحرية والعدالة، والدعوة المؤكدة إلى تبني المبادئ الديمقراطية في البرنامج السياسي. فالحديث عن المواطنة في الفكر الموسوي، ليس مجرد رفاهة فكرية أو ترفا جميلا، وإنما هو معالجة لقضية تمدين المجتمع بما هو محور التنظيم الاجتماعي والسياسي الحديث. كما مثلت المواطنة في الفكر الموسوي، المحرك الفاعل في إرساء مجتمع عربي تعددي، يتسنى فيه للأفراد التمتع بالقدر الكافي من الحريات الأساسية، وبالأساس الحرية الاجتماعية والسياسية، والفكرية. هذا المجتمع الذي - يأمله سلامة موسى - تتوحد فيه الثقافات ولا تتناحر القوميات، ويخلو من التعصب والرجعية.

    سنبين أيضا كيف أن سلامة موسى، يؤكد حاجة المجتمع العربي إلى قيم المواطنة، وتحققها يبقى رهين قناعات الشعب بالتحرر من عدة قيود. فمعنى المواطنة في الفكر الموسوي كان شاملا لارتباطه أساسا بإنسانية الإنسان، حيث «أن جوهر المواطنة هو احتياجات الإنسانية وهي الرغبة والحق في البقاء»3. ويبدو أن هذا المفهوم بالإضافة إلى شحنته الاجتماعية والسياسية والفكرية، يبحث عن مجال عقلاني يكون الأرضية الملائمة التي تسمح بتحققه، أمام العوائق المتعددة آنذاك، بفعل الجهل والفقر والاستبداد. فبين الجهل والفقر، من جهة والاستبداد الاستعماري من جهة أخرى، يظل النضال والكفاح هو السبيل، والوعي والإقدام وهو الحلّ.

    تناول سلامة موسى - كما ذكرنا - مسائل هامة والتي في نظره يمكن عند معالجتها وفهمها أن تساهم مساهمة كبيرة في إرساء مبادئ الديمقراطية وقيم المواطنة. ومن أهم هذه المسائل، المسألة المتعلقة بالدين والقومية، حيث تبين من خلال كتاباته ومن خلال كتابات عدد من المفكرين الذين كتبوا عنه - إيمان سلامة موسى بالأديان، ولكن هناك اختلاف في تحديد دينه الحقيقي. أما فيما يخص المسألة الاجتماعية، فقد وضّحنا، أنّ سلامة موسى بحث في إطار طرحه لإشكالية النظام الاجتماعي عن سبل تحقق قيم الحرية والديمقراطية والمواطنة، حيث ركّز على آلية فهم العلاقة بين المواطن والمجتمع، وطبيعة خضوع الفرد للسلطة، وبأي معنى يجب أن يكون هذا الخضوع؟. أما سياسيا ونهضويا، فقد حاولنا النظر إلى المسألة من زاوية البحث عن المأمول، وذلك - حسب سلامة موسى - بإتباع خطوات الغرب، باعتبار أن الفكر النهضوي الأوروبي، كان الأساس الذي اعتمده سلامة موسى، في بلورة أفكاره، حول مسألة المواطنة، كما تكونت في عصر النهضة الأوروبية، وفي الأنوار، وأساسا فكره السياسي، باعتباره محاولة لتطبيق تلك القيم على أفكاره، ومواقفه، وممارسته السياسية ومن أجل أن يتحد أفراد المجتمع في تقاسم أعباء النمو.

    تحلّى سلامة موسى، بالجرأة والشجاعة، والكفاح والاجتهاد، أثناء تناوله مختلف القضايا، من أجل نشر أفكاره، وآراءه وآماله بأشكال مختلفة ومتميزة. وفي هذا البحث تجنبنا الدخول في متاهات، سبق أن خرج منها بعض الباحثين بآراء متناقضة، وتناولنا المسألة كما يجب أن تكون من جهة الخلاصة الأخيرة، للمنظور الموسوي، فمثل هذه المسألة، اتخذت منحى متميزا في الفكر الحديث، من حيث التحولات والتغيرات التي تتنامى في العالم وأساسا الأمة العربية.كما سنعمل في هذا البحث على تحديد مفهوم «المواطنة» كما تصوره سلامة موسى، و لتحديده لا بدّ من التطرق إلى إشكالات أخرى تتطلبها ضرورة العمل في هذا البحث، سوف نتعرض إلى كيفية تصور سلامة موسى لمفهوم المواطنة وأسسها ومستوياتها، وماهية المعطيات الفكرية والعقلية التي يقترحها حتى يتحول الإنسان العربي، من حالة العبودية والرجعية إلى حالة الحرية والمواطنة ولذلك

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1