Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عقيدة المسلم
عقيدة المسلم
عقيدة المسلم
Ebook514 pages2 hours

عقيدة المسلم

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الكتاب موجّه لكل المسلمين بشكل عام , وسيعود بالنفع على كل فرد مسلم مهما كان مستواه العلمي و تحصيله الشرعي . باختصار , الكتاب للمسلم الذي يريد أن يتعلم عقيدته 
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2019
ISBN9783076795094
عقيدة المسلم

Read more from محمد الغزالي

Related to عقيدة المسلم

Related ebooks

Reviews for عقيدة المسلم

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عقيدة المسلم - محمد الغزالي

    Section00001.xhtmlSection00001.xhtml

    عقيـدة المسلـم

    42

    طبعـة جديـدة ومنقحـة

    العنـــوان: عقيدة المسلم

    تأليــــف: الشيـــخ / محمــد الغزالــي

    إشـــراف عـــــام: داليـــا محمـــد إبراهيـــــم

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولى: 978-977-14-2691-5

    رقــــم الإيــــداع: 2004 / 5870

    طبعــــــة: ينايـــــر 2020

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    مُقَدِّمة

    هذه بحوث في العقيدة، دفعتني إلى كتابتها قلةُ الرسائل التي تُعْنى بهذا اللون من علوم الدين، وتعرضه في أسلوب يتفق مع حاجة المسلمين المعاصرين.

    وقد رأيت أن أسوق الأصول العلمية لعقيدة المسلم، في نسق يخالف ما أَلِفَ الناس قراءته من هذه الأصول في مظانِّها من ثقافتنا الدينية.

    لا لأني سآتي بجديد في هذا الميدان، بل نزولًا على منطق التجارب، وانتفاعًا بما اكتنف جوانب التاريخ الإسلامي من أحداث، وتوخِّيًا للسير في هدى النصوص المجردة من الكتاب والسنة.

    فالذي يقرأ شيئًا عن عقيدة المسلم في العلم الموسوم بـ«علم الكلام» أو «علم التوحيد»، لا يعوزه أن يسجل ملاحظات مهمة عن المسائل التي خاض فيها العلماء، والمجادلات التي دارت بينهم، والنتائج التي تمخضت عنها مناظراتهم، وعن أثر ذلك كله في إيمان العامة والخاصَّة جميعًا!

    والذي آخذه على منهج البحث في «علم الكلام» - في حدود ما درسنا من كتبه - أنه:

    1- نظريٌّ بحتٌ، يُنظِّم المقدمات ويستخلص النتائج، كما تصنع ذلك الآلات الحاسبة في عصرنا هذا، أو الموازين التي تضبط أثقال الأجسام، ثم تسجل الرقم، وتقذف به للطالبين.

    كذلك سارت الاستدلالات في هذا العلم الخطير، فتكلمت عن الله - سبحانه وتعالى - وعن صفاته الكريمة، وانتهت إلى حقائق جيدة، يستريح إليها العقل الحصيف.

    بَيْدَ أن الإسلام في تكوينه للعقيدة يخاطب القلب والعقل، ويستثير العاطفة والفكر، ويوقظ الانفعالات النفسية مع إيقاظه للقوَى الذهنية.

    وقد كنت أرقب - عن كثب - ما تخلفه دروس التوحيد من كتبه المقررة، فما كنت أجد فارقًا يُذْكَر - لدَى السامعين - بينها وبين شروح المعادلات الجبرية مثلًا.

    كلاهما ترويض للعقل، مبتوت الصلة بالفؤاد. فكأن الطالب يذكر طائفة من الأدلة على الوجود الدائم لـ«واجب الوجود»، ولا يستشعر في قرارة نفسه عظمة الخالق المتعال، أو يختلج في بدنه عِرْقٌ من الرغبة أو الرهبة نحو مَنْ سوَّاه، وألهمه فجوره وتقواه.

    أفهكذا تُدرس العقيدة؟

    وقد فزع العامة إلى علوم التصوف يستكملون منها ما عزَّ عليهم إدراكه في علم الكلام، ولكن التصوف ميدان كثير المزالق وشطحات السائرين فيه أكثر من سدادهم.

    ولا شك أن هذا العلم أنعش عاطفة الحب الإلهي، وربط قلوب الناس ربطًا رقيقًا ببديع السموات والأرض، إلا أن مخاطر الشغل به تجعلنا نتوجس منه.

    وقد حاولت في أثناء الكتابة عن عقيدة المسلم أن أرطب جفاف التفكير العقلي برشحات من المشاعر الحيَّة، ولم أتكلف لذلك إلا أن أجعل نصوص الكتاب والسنة نُصْبَ عيني.

    فلا يستكثرن القارئ إيراد الشواهد منها، فإن لذلك حكمة مقصودة تعرف بعد مطالعتها في سياقها.

    2- وللظروف التي نشأ فيها «علم الكلام» أثر سيئ في سَرْدِ حقائقه وصَوْغِ دقائقه، فإن جحيم السياسة، وتطاحن الأحزاب المختلفة، أرسل شواظًا من الأحكام الإسلامية، لا نزال إلى اليوم نشقَى بها، برغم القرون الطويلة التي مرَّت عليها!!

    وفي ضجيج الخصومة السافرة يعسر البحث عن الحقيقة! ولو أمكن الوصول إليها، فإنه يصعب الاقتناع بها!

    ومن الغفلة أن نحسب تكوين العقيدة يتم في مجلس مناظَرة، تُتَصَيَّدُ فيها النصوص، ويُنْشَدُ فيها الغَلَبُ، ويُلْعَبُ فيها بالألفاظ، ويُستَغل منطق «أرسطو» في المخاتلة وإيقاع الخصم أمام العامة!

    وعفا الله عن أجدادنا، فقد أُولِعُوا بذلك، وأعانَهم عليه أن الدولة الإسلامية كانت سيدةَ العالَم، فلا بأس على رجالها أن يشتغلوا بالترف العقلي، وأن يحوِّلوا فراغَهم من الجهاد في سبيل الله إلى الجهاد في هذا الميدان الخطر، فانشغلوا بأنفسهم عن أعدائهم، ثم ذهب الرجال وبقي الجدال.. بقي إلى اليوم يهدِّدُ وحدة الأمة ويهزُّ كيانها! ومع أن الدولة الإسلامية جَثَتْ على قدميها أمام الصليبية الغازية، واقترب الخطر على الإسلام من صميم عقائده وصميم دياره، فإن الريح النَّتِنَة لهذا الجدل ما تزال تهب من بعض الجماعات التي تحترف - للأسف الشديد - خدمة الإسلام.

    ولا أحسب أمة تحتاج إلى وحدة الأفكار والمشاعر مثل هذه الأمة الإسلامية.

    فإذا نشب خلاف على شيء ما، فإن تحويل هذا الخلاف من الأدمغة المفكرة إلى صفوف الأمة يُعَدُّ جريمة في حق الله ورسوله ﷺ وجماعة المسلمين...

    يقول الأستاذ الجليل «أحمد عز باشا» - معلقًا على الخلافات الناشبة في علم الكلام: «كانت هذه الخلافات في الأصل مما لا ينبغي أن يتجاوز حدود المناظرات المنطقية والعلمية والفنية، ولكنا أقحَمْنا اسم الله في مناقشاتنا التي لا معنى لها.

    فحاول كل فريق منا إسناد الكفر والإلحاد إلى الفريق الآخر، فقَلَبْنا الخلاف البدائى خصومة دينية لا تهدأ.

    فاختلاف الجهمية والمعتزلة نشأ - في أصله - عن التعبير بأن العبد خالق لفعله، بدل التعبير بأنه فاعل لفعله، وعن تصور الاستقلال التام في الإرادة البشرية.

    وهذه العقيدة - خطأ كانت أو صوابًا - صالحة لتكون موضع مناقشة علمية يستطيع فيها الطرفان مناقضة بعضهما بعضًا ونقده، بل استجهاله واستحماقه! ولكن المسألة لم تقف عند هذا الحد.

    فقالت القدرية: إن عدم القول بعقيدتنا يعني إسناد الظلم إلى الله في عذاب الآخرة.

    وقال معارضوهم: إنكم تنكرون عموم القدرة والإرادة الإلهية.. وهذا كفر.

    نشأ أولًا هذا الخلاف، ثم توسَّعَ على مرور الزمن، حتى تولدت منه مبادئ غريبة غير معقولة..».

    والولع بالخلاف سَرى حتى ضمَّ إلى العقائد أمورًا مضحكة.

    فهناك خلاف بين المعتزلة وأهل السنة على حقيقة السحر، وعلى تكون السحب، فأي خلط هذا؟

    وبين المسلمين اليوم نزاع يفصم وحدتهم حول ما دار بين علي بن أبى طالب وغيره من الصحابة في مسائل الخلافة.

    فهل على وجه الأرض أمة تجتر ماضيها السحيق لتلوك منه خلافات قاسية كهذه الأمة؟

    ولماذا نقحم هذه الأمور إقحامًا في شئون العقيدة؟

    ولماذا لا تبقى في نطاق الذكريات التاريخية التي تُدْرَس كأي تاريخ لتؤخذ منه العبرة فحسب؟

    وما صلة الإيمان بالله واليوم الآخر بحُكمنا أن هذا أصاب، وهذا أخطأ، والله يقول: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134].

    وإنى لأقرأ في صحفنا الدينية اليوم نِزاعًا بين أتباع السلف والخلف - كما أسمَوْا أنفسَهم- وأسمع ألفاظ الكفر تتبادل كما تتبادل الكرة أرجلُ اللاعبين، فأهزُّ رأسى عجَبًا، إن أعراضَ المرض لا تزال تعرو الأمة المنهوكة، وما تزال بحاجة إلى عناية الراشدين المخلصين من الأطباء الماهرين.

    ***

    وقد استقَرَّتْ رواسب هذا الخلاف الطائش في أذهان العامة، ثم سيطرت على سلوكِهم بعدما أخذوا أسوأ ما فيها، ورفضوا أفضل ما فيها.

    فإذا اختلف القدامى: هل العمل ضرورة للإيمان أو كمال فيه؟ ترجَّح لدَى العامة أنه كمال فقط.

    فيستفيد المجتمع من هذا الخلاف ترك العمل!

    وإذا اختلف القدامَى: هل للإنسان قدرة وإرادة يفعل بهما ويترك أو هو مقهور مكتوف اليدين؟ ترجَّح لدى العامة أن المرء لا عزم له ولا حول ولا طول. فيستفيد المجتمع من هذا الخلاف سقوط الهمة وخَورَ العزيمة!

    وإذا تجادل القدامى: هل للمسلم حق الالتجاء إلى الله دون وساطة الصالحين من الأحياء أو المقبورين؟

    ترجح لدَى العامة أن المسلم لا يستغني عن معونة الأولياء، وأنه إذا ذهب إلى ربه من دونهم فالوَيْلُ له!

    فيستفيد المجتمع من هذا الخلاف شيوع الشرك، وضعف الصِّلة برب الأرض والسماء!

    وهكذا لصقت بالمجتمع الإسلامي مجموعة خسائس لا شك في أنها بعيدة الأثر فيما لحقه من اضمحلال وهَوان.

    وقد بذلت جهدي - حين تصديت لتصوير عقيدة المسلم - أن أتجنب أشواك هذا الخلاف، فإذا استطعت طَيَّه في السياق المطرد؛ طويته وتجاهَلْته. وإذا اضطررْت إلى خوضه عالجته على كُرْهٍ، وذكرت ما استبان لي أنه صواب، وقد أستجهل الطرف المقَابل ولا أكفره؛ لأن الجهل الفاضح - كما ظهر لي - أساس كثير من المشكلات العلمية المبهمة.

    وربما لمحت في أخلاق بعض المجادلين عوجًا، وفي أسلوبهم عنفًا، فأوثر مغفرة هذا على مقابلة السيئة بمثلها؛ لأننا أمة فقيرة جدًّا إلى التجمع والائتلاف. فلندفع ثمن هذا من أعصابنا، والمرجع إلى الله.

    3- وإذا كان علم التوحيد على النحو الذي وصفنا، فإن كتبه التي تشيع بيننا الآن فشلت في أداء رسالتها شكلًا وموضوعًا.

    فمن ناحية الشكل لا معنى ألبتة لعرض علمٍ ما، في توزيع مضطرب بين متنٍ وشرح وحاشية وتقرير، وفي لغة ركيكة اللفظ، سقيمة الأداء، لغةٍ تصوِّر سقوط البلاغة العربية على عهد الحكم التركي.

    وتطور الأدب في عصرنا هذا لا ينكر، وقد بلغ من تمكن المؤلفين والمتأدبين في اللغة العربية أن تناولوا الموضوعات التافهة فأخرجوها في ألبسة زاهية، ووجَّهوا ألوف القرَّاء - بسحر بيانهم - إلى ما يريدون.

    فهل يبقى الكلام في العقائد وحدها حِكْرًا على هذا النمط الزري من الحواشي والمتون؟!

    على أننا إذا تغاضَيْنا عن الشكل، وتعرضنا للجوهر بالنقد والتمحيص، لا نلبث أن ندرك أن هذا الجانب الإلهي من الثقافة الإسلامية طغت عليه الفلسفات الغربية التي نقلها السريان عن اليونان وغيرهم، فإذا بعلوم العقيدة تتحول عن مجراها العتيد، وإذا بكتب التوحيد تزدحم باصطلاحات الفلاسفة وطرائق تفكيرهم.

    ويبدو أن الأسلاف الباحثين في هذه الناحية من الإسلام قد فتنهم الإعجاب بما نقله إليهم التراجمة من ثمرات العقل اليوناني.

    ولسنا بصَدَدِ الحكم على قيمة هذا العمل وحكمته، وإن كنا ننَوِّه بدلالته على مدى الحرية التي منحها الإسلام أتباعَه، وعلى أن الدائرة التي يعمل فيها العقل الإسلامي تسَعُ العالَم أجمَعَ، فليست مغلقة على عصبية جنسية أو فكرة محلية. غير أن عناصر العقيدة كادت تتيه وسط هذا الركام من النقول والأقيسة والمصطلحات، فوجب تجميعها في نسق متقارب.

    ثم إن غرسها في الأفئدة لن يثمر ويزدهر إلا بأسلوب الإسلام نفسه.

    ومن العجيب أنك تقرأ في أمهات الكتب الكلامية، وتطوي الصفحات الطوال، فلا تكاد تعثر على آية أو حديث، إلا اقتباسات يسيرة تبدو كالزهرات المنفردة في الأرض السبخة.

    ربما استراح عشاق البحث الفلسفي المجرد لهذه الكتب، ولا عليهم! لكن هذا لا يغنينا عن عرض العقيدة الخالصة من خلال حقائق تتصل عن قربٍ بمصادرِها الأولى، ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4].

    محمد الغزالي

    الـحـقيـقــة الأولـى

    هذا الاسم الكريم عَلَمٌ على الذات المقدسة التي نؤمن بها ونعمل لها، ونعرف أن منها حياتنا وإليها مصيرنا.

    والله - تبارك وتعالى - أهلُ الحمد والمجد، وأهل التقوى والمغفرة، لا نحصي عليه ثناء، ولا نبلغ حقه توقيرًا وإجلالًا.

    لو أن البشر - منذ كتب لهم تاريخ، وإلى أن تهمد لهم على ظهر الأرض حركة - نسوا الله وكفروا به، ما خدش ذلك شيئًا من جلاله، ولا نقص ذرة من سلطانه، ولا كفَّ شعاعًا من ضيائه، ولا غضَّ بريقًا من كبريائه، فهو - سبحانه - أغنى بحوله، وأعظم بذاته وصفاته، وأوسع في ملكوته وجبروته من أن ينال منه وَهْمُ واهمٍ، أو جهل جاهل.

    ولئن كنا في عصر عكف على هواه، وذَهَل عن أخراه، وتنكر لربه، إن ضير ذلك يقع على أم رأسه، ولن يضر الله شيئًا.

    ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [الحج: 3، 4].

    ***

    وُجُــــودُه

    وجود الله تعالى من البداهات التي يدركها الإنسان بفطرته، ويهتدي إليها بطبيعته، وليس من مسائل العلوم المعقدة، ولا من حقائق التفكير العويصة.

    ولولا أن شدة الظهور قد تلد الخفاء، واقتراب المسافة جدًّا قد يعطل الرؤية، ما اختلف عن ذلك مؤمن ولا ملحد.

    ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [إبراهيم: 10]

    وقد جاءت الرسل لتصحيح فكرة الناس عن الألوهية.

    فإنهم وإن عرفوا الله بطبيعتهم إلا أنهم أخطأوا في الإشراك به، والفهم عنه.

    ﴿هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [إبراهيم: 52]

    ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: 19]

    والبيئة الفاسدة خطر شديد على الفطرة، فهي تمسخها وتشرد بها، وتخلف فيها من العلل ما يجعلها تعاف العذب وتسيغ الفجَّ.

    وذاك سر انصراف فريق من الناس عن الإيمان والصلاح، وقبولهم للكفر والشرك! مع منافاة ذلك لمنطق العقل وضرورات الفكر وأصل الخلقة.

    «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم..».

    وقد اقترنت حضارة الغرب - التي تسود العالم اليوم - بنزوع حاد إلى المماراة في وجود الله، والنظر إلى الأديان - جملة - نظرة تنقُّص، أو قبولها كمسكنات اجتماعية لأنصارها والعاطفين عليها.

    ولا شك أن المحنة التي يعانيها العالم الآن أزمة روحية، منشؤها كفره بالمثل العليا التي جاء بها الدين من الحق، والإنصاف، والتسامح والإخاء.

    فلا نجاة له مما يرتكس فيه إلا بالعودة إلى هذه المثل، يهتدي إليها بفطرته، كما يهتدي سبيلَه الجنينُ في ولادته، والفرخُ من بيضته.

    ومتى هُدِيَ العالم إلى الفطرة؛ هُدِيَ إلى الإسلام، فإن الإسلام هو دين الفطرة.

    ولا بأس من سوق طائفة من الدلائل التي تفتق للذهن الغافل منافذ يبصر بها ويلتفت لما وراءَها.

    ( أ ) إن الإنسان لم يخلق نفسه، ولم يخلق أولاده، ولم يخلق الأرض التي يدرج فوقها، ولا السماء التي يعيش تحتها.

    والبشر الذين ادعوا الألوهية لم يكلفوا أنفسهم مشقة ادعاء ذلك.

    فمن المقطوع به أن وظيفة الخلق والإبراز من العدم لم ينتحلها لنفسه إنسان ولا حيوان ولا جماد.

    ومن المقطوع به كذلك أن شيئًا لا يحدث من تلقاء نفسه، فلم يبق إلا الله وقد قرر القرآن الكريم هذا الدليل: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35، 36].

    ويلفت أنظار العرب إلى مظاهر الإبداع في المجتمع الساذج الذي يحيون فيه.

    ﴿ أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].

    ويسمى هذا الدليل: دليل الإبداع.

    (ب) لو دخل المرء دارًا، فوجد بها غرفة مهيأة للطعام، وأخرى للمنام، وأخرى للنظافة، وأخرى للضيافة... إلخ، لجزم بأن هذا الترتيب لم يتم وحده، وأن هذا الإعداد النافع لا بد قد نشأ عن تقدير وحكمة، وأشرف عليه فاعل يعرف ما يفعل. والناظر في الكون وآفاقه، والمادة وخصائصها، يعرف أنها محكومة بقوانين مضبوطة، شرحت الكثير منها علوم الطبيعة والكيمياء والنبات والحيوان والطب، وأفاد منها الناس أجل الفوائد.

    وما وصل إليه علم الإنسان من أسرار العالم حاسم في إبعاد كل شبهة توهم أنه وجد كيفما اتفق.

    كلا. إن النظام الدقيق المختفي في طوايا الذرة مطرد فيما بين أفلاك السماء الرحبة من أبعاد.

    ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62] ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 12، 13].

    وفي القرآن الكريم آيات شتى، تقرر هذا الدليل، ويسمى: دليل العناية.

    (جـ) هل فكرت في هذه السيارات المنطلقة - أعني هذه الكواكب التي تخترق أعماق الجو والتي تلتزم مدارًا واحدًا لا تنحرف عنه يمينًا ولا يسارًا، وتلتزم سرعة واحدة لا تبطئ فيها ولا تعجل، ثم نرتقبها في موعدها المحسوب فلا تخالف عنه أبدًا؟

    إن الكرة تنطلق من أقدام اللاعبين ثم لا تلبث أن تهوى بعد تحليق، أما هذه الكرات الغليظة الحجم، الحي منها والميت، المضيء منها والمعتم؛ فهي معلقة لا تسقط، سائرة لا تقف، كل في دائرته لا يعدوها.

    وقد يصطدم المشاة والركبان على أرضنا وهم أصحاب بصر وعقل.

    أما هذه الكواكب التي تزحم الفضاء فإنها لا تزيغ ولا تصطدم.

    ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (38) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 38 - 40].

    من الذي هيمن على نظامها وأشرف على مدارها؟ بل من الذي أمسك بأجرامها الهائلة، ودفعها تجري بهذه القوة الفائقة؟

    إنها لا ترتكز في علوها إلا على دعائم القدرة، ولا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1