Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التفسير البسيط
التفسير البسيط
التفسير البسيط
Ebook708 pages5 hours

التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 12, 1901
ISBN9786437642921
التفسير البسيط

Read more from الواحدي

Related to التفسير البسيط

Related ebooks

Related categories

Reviews for التفسير البسيط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التفسير البسيط - الواحدي

    الغلاف

    التفسير البسيط

    الجزء 4

    الواحدي

    468

    يعتبر كتاب التفسير البسيط – الواحدي من المؤلفات القيمة لدى الباحثين في مجال علوم القرآن والتفسير على نحو خاص، وعلوم الدعوة والعلوم الإسلامية بوجه عام حيث يدخل كتاب التفسير البسيط – الواحدي في نطاق تخصص العلوم القرآنية وعلوم التفسير ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل أصول الفقه، والدعوة، والعقيدة

    (6) ذكره الفراء في معاني القرآن 1/ 49.

    (7) انظر: تهذيب اللغة (نهر) 4/ 3674، الصحاح (نهر) 2/ 840.

    (8) البيت لقيس بن الخطيم.

    . فأنهرت فتقها (1)

    والنهر: اتساع الضياء، والنهر: أوسع من الجدول، والانتهار: إظهار الزجر، لا يكنى عنه، والنهار: ولد الكروان (2)، لأنه مشبه بالنهار لبيضه.

    وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} قيل: أراد به جبل موسى، لما تجلّى ربه للجبل جعله دكّاً (3).

    وقال ابن الأنباري: يجوز أن يجعل الله تعالى للحجر عقلاً فيخشاه، كما جعل بحراء (4) عقلاً حتى عرف خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (5)، وكذلك ما (1) تمام البيت:

    مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ مِن دُونها ما وَراءَها

    سبق البيت وتخريجه.

    (2) قال الليث: فرخ القطاة، وقال الأصمعي: فرخ الحبارى. انظر: تهذيب اللغة (نهر) 4/ 3674، الصحاح (نهر) 2/ 840، وفي القاموس: فرخ القطا أو ذكر البوم، أو ولد الكروان أو ذكر الحبارى (نهر) ص 489.

    (3) انظر: تفسير الطبري 1/ 364، معاني القرآن للزجاج 1/ 135، تفسير الماوردي 1/ 373، تفسير ابن عطية 1/ 357 - 358.

    (4) في (ب): (لحراء).

    (5) لعله بهذا يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد مسلم (2414). كتاب فضائل الصحابة، فضائل طلحة والزبير، وأخرج أبو داود نحوه وفيه. أثبت حراء .. سنن أبي داود (4648)، كتاب: السنة، باب: الخلفاء، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (فضائل العشرة).

    صحت الأخبار به من تسبيح الحصا في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1). وكذلك قوله تعالى: في قصة داود {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10]، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إني لأعرف (2) حجراً بمكة كان يسلّم عليّ كلّما مررتُ به (3).

    وروي أنه قال: كان موسى عليه السلام يخرج من الرَّوحاء يؤمُّ هذا البيت يُلبّي، ومقامُ الروحاء يُجاوبه (4). وكذلك قوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21] يدل على عقل (1) أخرجه البيهقي بسنده عن أبي ذر - رضي الله عنه -، وفيه: (.. وبين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع حصيات، أو قال: تسع حصيات فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن، حتى سمعت لهن حنينًا كحنين النحل .. الحديث) وفي بعض رجاله ضعف. انظر: دلائل النبوة 6/ 64، 65، وذكر الحديث ابن حجر في الفتح وعزاه للبزار، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الدلائل، وقال: (.. وأما تسبيح الحصى فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها ..) فتح الباري 6/ 592.

    (2) في (ب): (لا أعرف).

    (3) أخرج مسلم نحوه عن جابر بن سمرة ولفظه: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم

    علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" مسلم (2276). كتاب الفضائل، فضل نسب

    النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسليم الحجر عليه)، وأخرجه الترمذي (3624) أبواب المناقب، باب

    (في إثبات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما خصه الله به). معه عارضة الأحوذي ، والدارمي في

    سننه باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم والجن 1/ 12، وأحمد في

    مسند 5/ 89، 95، 105.

    (4) لم أجده بهذا اللفظ، وأخرج أحمد بسنده عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بوادي الأزرق، فقال: أي واد هذا؟ ، قالوا: هذا وادي الأزرق، فقال: كأني انظر إلى موسى عليه السلام وهو هابط من الثنية وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية .. المسند 1/ 215، 216. وأخرج عن ابن عباس وفيه: وأما موسى عليه السلام. فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه إذا انحدر من الوادي يلبي المسند 1/ 277، وانظر البداية والنهاية 1/ 316.

    يُركَّب في الجبل لو أنزل القرآن عليه، لأنّ في القرآن أمراً ونهياً، ولا يؤمر ولا ينهى (1) من لا يعقل (2).

    وقيل: إن الخشية في اللفظ للحجر، وفي المعنى للناظر إلى الحجر، وذلك (3) أنه تعالى يهبط الحجارة [دلالة للناظر على قدرة الله، فيحمله ذلك على الخشية، فنسب الخشية إلى الحجر] (4) لما كان منه بسبب مجازاً (5)، كما تقول العرب: لفلان ناقة تاجرة، أي: تامة سمينة تُنفِّق نفسها وتدعو إلى (6) شرائها والتجارة فيها، كذلك قال: الحجارة خاشية من الله، أي: داعية إلى الخشية (7)، ومعنى الآية: وإن منها ما يهبط فيدعو الناظرَ إليها إلى (8) خشية الله.

    وقال مجاهد: كلُّ حجر تفجّر منه الماءُ أوتشقّق عن ماء أو تردّى من (1) في (ج): (وينهى).

    (2) ذكر نحوه الطبري في تفسيره 1/ 365، تفسير الماوردي 1/ 374، تفسير ابن عطية 1/ 357 - 358.

    (3) في (ب): (وقيل أنه تعالى).

    (4) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).

    (5) في (ب): (مجاز).

    (6) في (ب): (إلى الله سرابها).

    (7) ذكر الطبري في تفسيره نحوه 1/ 365، تفسير الماوردي 1/ 374، تفسير ابن عطية 1/ 357 - 358، قال الزجاج: (وقال قوم إنها أثر الصنعة التي تدل على أنها مخلوقة، وهذا خطأ، لأن ليس منها شيء ليس أثر الصنعة بينًا في جميعها، وإنما الهابط منها مجعول فيه التميز ..) معاني القرآن 1/ 130، وانظر: تفسير القرطبي 1/ 395، تفسير ابن كثير 1/ 121 - 222.

    (8) (إلى): ساقط من (ب).

    يجعل على لفظ الغيبة ليعطف بالغيبة على مثله، كما عطفت الخطاب على مثله، ويجوز فيما كان قبله لفظ (1) غيبة: الخطاب، ووجه ذلك: أن يجمع بين الغيبة والخطاب، فتغلب (2) الخطاب على الغيبة، لأن الغيبة يغلب عليها الخطاب، فيصير (3) كتغليب المذكر على المؤنث. ألا ترى أنهم قدموا الخطاب على الغيبة في باب الضمير، فقالوا (4): أعطاكهو (5) ولم يقولوا: أعطاهوك، فعلمت أن الخطاب [أقدم في الرتبة كما أن المذكر مع المؤنث كذلك، ويجوز في الخطاب] (6) بعد الغيبة وجه آخر، وهو: أن يراد به: وقل لهم أيها النبي: وما الله بغافل عما تعملون. ومعناه (7): وعيد لهم وتهديد (8).

    75 - وقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} يعني النبيَّ والمؤمنين (9). ومعنى الطمع: تعليقُ النفس بما يُرجى ويُظَنّ (10). وَالألف فيه ألفُ (1) في (ب): (فيما كان لفظه غيبة).

    (2) في (ب): (فيغلب).

    (3) في (ب): (فتصير).

    (4) في (ب): (فقال).

    (5) كذا في جميع النسخ، وفي الحجة (اعطاكه) 2/ 113، وهو الصواب.

    (6) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).

    (7) قوله: (ومعناه) ساقط من (ب).

    (8) انتهى من الحجة لأبي علي 2/ 113 - 114، وانظر: حجة القراءات لابن زنجلة ص101، الحجة لابن خالويه ص 82، الكشف 1/ 448.

    (9) ينظر: تفسير الطبري 1/ 366، تفسير ابن أبي حاتم 1/ 149، عن ابن عباس والربيع بن أنس والحسن، تفسير الثعلبي 1/ 994.

    (10) ينظر المصباح المنير ص 348.

    هذا كلام أهل المعاني في معنى خشية الحجارة (1)، والصحيح: أنها تخشى الله حقيقة كما قال مجاهد، ولكنا لا نقف على كيفية ذلك كسجود الجمادات لله تعالى، ذهب كثير من المفسرين إلى أنها تسجد لله تعالى على الحقيقة ولا نقف عليه نحن.

    وقوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} اختلف القراء في مثل هذا، فقرأوا بالياء والتاء (2).

    والقول في جملة ذلك (3) أن ما كان قبله خطاب جعل بالتاء ليكون الخطاب معطوفاً على خطاب مثله، كقوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} ثم قال: {عَمَّا تَعْمَلُون} فالتاء هاهنا حسن، لأن المتقدم خطاب.

    ومن (4) قرأ بالياء (5) فمعناه: ما الله بغافل عما يعمل هؤلاء الذين أقتصصنا عليكم قصّتَهم (6) أيها المخاطبون، وأما إذا كان قَلَبه غيبةً حَسُنَ أن (1) انظر: تفسير الطبري 1/ 365، وقد قال بعد أن ذكر هذه الأقوال: (وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها، فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها)، 2/ 243، وإلى نحو هذا مال القرطبي في تفسيره وقال: إنه لا يمتنع أن يعطي الله الجمادات المعرفة والعقل ولا ندرك نحن كيفيته، 1/ 465، وانظر: تفسير ابن كثير 1/ 121، وبهذا أخذ الواحدي كما يأتي قوله.

    (2) قرأ ابن كثير بالياء، وبقية السبعة بالتاء في هذه الآية، انظر: السبعة ص 160، التيسير ص 74، حجة القراءات لابن زنجلة ص 101.

    (3) نقله عن الحجة لأبي علي بتصرف 2/ 113.

    (4) في (ب): (فمن).

    (5) في (ج): (الياء) بسقوط الباء.

    (6) في (ب): (قصته).

    يعني به الذين غيّروا أحكام التوراة وبدّلوا الحرام بالحلال، وغيروا آية الرجم، وصفة محمد - صلى الله عليه وسلم - (1).

    وعلى هذا القول معنى قوله: {يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ} أي: من موسى أو ممن سمعوه كما أنزل ثم غيّروه. ويجوز أن يكون معناه: يفهمون كلامَه. وقال ابن عباس (2) ومقاتل (3): نزلت هذه الآية في السبعين، الذين (4) اختارهم موسى وذهبوا معه (5) إلى الميقات، وسمعوا كلام الله عز وجل وهو يأمره وينهاه، فلما رجعوا إلى قومهم سألهم الذين لم يذهبوا معهم، فقالت طائفة منهم لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس (6). = الثعلبي في تفسيره 1/ 994 وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 90 ابن كثير ص 122 - 123.

    (1) وهذا قول جمهور المفسرين، ينظر: تفسير الثعلبي 1/ 994، الوسيط للواحدي 1/ 160 أسباب النزول للواحدي ص 31 وعزاه لأكثر المفسرين، تفسير البغوي 1/ 113 وتفسير ابن كثير ص 1/ 122 - 123، ورجَّحه ابن الجوزي في زاد المسير 1/ 103.

    (2) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 148 وذكره الثعلبي 1/ 994، والواحدي في أسباب النزول ص 27، والوسيط 1/ 160، والبغوي 1/ 113.

    (3) تفسير مقاتل 1/ 116، وذكره عنه الثعلبي في تفسيره 1/ 994، والواحدي في أسباب النزول ص 31، الوسيط 1/ 160.

    (4) ليست في (أ).

    (5) قوله: (وذهبوا معه): ليست في (م).

    (6) وروي هذا القول عن ابن إسحاق والربيع بن أنس، رواه عنهما الطبري 2/ 246، وابن أبي حاتم 1/ 148وذكره ابن كثير 1/ 105، ورجحه الطبري محتجًّا بأن الله أخبر أن التحريف كان ممن سمع كلام الله، وهؤلاء الذين كانوا في عهد = استخبار، يجري في كثير من المواضع مجرى الإنكار والنهي، إذا لم يكن معها نفيٌ، كأنه آيَسَهم من الطمع في إيمان هذه الفرقة، فإذا كان في أوّل الكلام نفيٌ، فإنكار النفي تثبيت (1)، نحو قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [تبارك: 8] وسيأتي بعد هذا لِمَ جعل الاستفهام للإنكار (2).

    وقوله تعالى: {أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} يعني به: جماعة اليهود (3)؛ لأنّه قال: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البقرة: 145]. يعني به: جماعتَهم؛ لأن الخاصةَ تتبعُ العامة.

    {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ} أي: جماعة. وأصله من الفَرْق، ومعناه: طائفة فرقت من الجملة كالفئةِ، قالوا: أصلها من فأوتُ (4) رأسَه: أي: شَقَقْتُه (5).

    واختلفوا في هذا الفريق، فقال مجاهد (6) وقتادة (7) والسُدّي (8): (1) فصَّل هذه المسألة ابن هشام الأنصاري في كتابه مغني اللبيب عن كتاب الأعاريب 1/ 17.

    (2) في (م): (الإنكاري) وفي (أ): (الإنكار).

    (3) ينظر: تفسير الطبري 1/ 366، تفسير الثعلبي 1/ 994.

    (4) هذا مما يذكر في الواوي واليائي، أي فأوت وفأيت، وقوله: الفئة على وزن فعة، قال الأزهري في تهذيب اللغة: وكانت في الأصل فئوة بوزن فعلة فنقص. انظر لسان العرب 6/ 333.

    (5) ينظر: تفسير الطبري 1/ 366.

    (6) رواه مجاهد في تفسيره ص 80 ومن طريقه (الطبري) 2/ 245، ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 149، وذكره الثعلبي في تفسيره 1/ 994 وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 103 - 104، ابن كثير في تفسيره ص 122 - 123.

    (7) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 149 وذكره الثعلبي في تفسيره 1/ 994، ابن كثير في تفسيره ص 122 - 123.

    (8) رواه الطبري في تفسيره 1/ 367، ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 149 وذكره = اليأس وبين قطع الطمع. وليس قولُ من قال: المراد بالفريق هاهنا الذين سمعوا كلامَ الله في وقت المناجاة أولى من القول الأول بأن هؤلاء سمعوا كلام الله على الحقيقة (1)، من جهة أن الكلام يضاف إلى المتكلم على وجهين، وكلاهما حقيقة: أحدهما: يضاف إليه على أنه المظهر له.

    والآخر: يضاف إليه على معنى الحكاية لما كان مظهرًا له.

    يوضح ذلك أنك تقول: هذا كلام سيبويه (2) بعينه إن لم يحكه الحاكي على المعنى دون تأدية اللفظ (3)؛ ولهذا نقول: القرآن كلام الله على الحقيقة، وإن كنا لا نسمعُ الله يقولُ ذلك عند تلاوته.

    وقوله تعالى: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} التحريفُ: تفعيلٌ من الحَرْف، والحَرْفُ في أصل اللغة: حدّ الشيء وحِدَتُهُ، ومِنْه يقال: طعامٌ حِرِّيْفٌ، يراد حِدَّتُهُ، فالتحريف أن يَجْعَلَ للشيء حَرْفًا كتحريف القلم. هذا أصل معناه في اللغة، ثم استعمل في معنى الإمالة والتغيير، وهذا المعنى راجع إلى أصله في اللغة؛ لأن بالإمالة يصير الشيءُ ذا حَرْفٍ، ألا ترى أن القلم إنما يصير مُحَرَّفًا إذا أُمِيلَ قَطْعُهُ في أحد الجانبين، فصار التحريف اسمًا لتغيير الشيء عن وجهه (4). (1) يريد: سمعوا كلام الله من رسوله أو من كتابه المنزل.

    (2) هو: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، وقد تقدمت ترجمته في المقدمة.

    (3) يريد: إن حكاه الحاكي بلفظه. ينظر: تهذيب اللغة 1/ 883، اللسان 2/ 954، مقاييس اللغة 2/ 42.

    (4) ينظر: تفسير الطبري 1/ 368، تهذيب اللغة 1/ 786، المفردات للراغب ص 121 وقال: وتحريف الشيء إمالته كتحريف القلم، وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين.

    فغيّروا ما سمعوا، ولم يؤدّوه على الوجه الذي سمعوه، فقيل في هؤلاء الذين شاهدهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنهم إن كفروا وحرفوا فلهم سابقة في كفرهم، وهذا مما يقطع الطمع في إيمانهم (1)؛ لأن الطمعَ قد ينقطعُ بغلبةِ الظن كما ينقطع مع العلم، فإذا ظهرت الأمارات التي توجب غلبة الظن انقطع الطمع. بيان ذلك: أنا لا نطمع في إيمانِ ملكِ الرومِ مع غلبةِ الظن أنه لا يؤمن، كما لا نطمع في إيمان أبي جهل (2)، مع العلم بأنه لا يؤمن وقد هلك، واليأس إنما يكون مع اليقين أنه لا يقع، وهذا هو الفرق بين = النبي - صلى الله عليه وسلم - من نسلهم أحرى بالجحود والتحريف؛ لأن أسلافهم سمعوا من الله وحرفوا متعمدين التحريف، وهؤلاء سمعوا منكم أنتم، ولذا قطع الله أطماع المؤمنين في إيمانهم. ثم رد ابن جرير على أصحاب القول الأول قولهم، بأنه لوكان المراد: سمعوا التوراة، لم يكن لذكر قوله: (يسمعون كلام الله) معنى مفهوم، لأن ذلك قد سمعه المحرف وغيره، فخصوص المحرف بالسماع لا معنى له. وقد بين ابن كثير ص 1/ 122 - 123 أن القول الأول أعلم، وأنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون سمعه منه كما سمعه الكليم قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] أي: يسمعه مبلغًا إليه. وممن ضعف القول الثاني ابن عطية 1/ 359 فقال: وفي هذا القول ضعف، ومن قال: إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى عليه السلام واختصاصه بالتكليم، ونقله القرطبي 2/ 1، وقال ابن الجوزي في زاد المسير 1/ 103: وقد أنكر بعض أهل العلم، منهم الترمذي صاحب النوادر، هذا القول إنكارًا شديدًا. وقال: إنما خص بالكلام موسى وحده، وإلا فأي ميزة، وجعل هذا من الأحايث التي رواها الكلبي، وكان كذابًا. وينظر: العجائب 1/ 262.

    (1) ينظر: تفسير الطبري 1/ 367 - 368.

    (2) هوة عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، أحد سادات قريش في الجاهلية، وأشد الناس عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صدر الإسلام، حتى كانت وقعة بدر الكبرى فشهدها مع المشركين فكان من قتلاهم. ينظر: السيرة النبوية 2/ 358.

    ابتدأت فتحه، كما يبتدأ الدخول إلى الشيء بفتح بابه، ومنه: الفتّاح للحاكم؛ لأنه يفتح القضيّة المستغلقة (1). وأما (يستفتحون) بمعنى: يستنصرون، فهم يسألون الفتح.

    ومعنى قوله: {بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} قال ابن عَبَّاسٍ (2) وأبو العالية (3) والحسن (4) وقتادة (5) أي: من العلم بصفةِ محمد - صلى الله عليه وسلم - المبشَّر به ونعتِهِ.

    وقوله تعالى: {لِيُحَاجُّوكُمْ} معنى المحاجة: المجادلة والمخاصمة. وأصل الكلمة: من القصد، ومنه: حَجَّ البيتَ، والحجة: النكتة (6) التي هي القصد في تصحيح الأمر، والمحجة: الطريقُ القاصدُ بك إلى الغرض الذي تؤمّه (7).

    ومعنى قوله: {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ} أي: ليجادلوكم، يعني: أصحاب محمد، ويقولون: قد أقررتم أنه نبي حقٌّ في كتابكم ثم لا تتّبعونه، فهذه حجة لهم عليكم (8).

    وقوله تعالى: {عِندَ رَبِّكُم} قال أبو بكر (9): معناه: في حكم ربكم، كما تقول: هذا حلال عند الشافعي، أي: في حكمه، وهذا يحل عند الله: (1) ينظر: تفسير الطبري 2/ 254 تفسير الثعلبي 1/ 995، القرطبي 2/ 3.

    (2) أخرجه الطبري في تفسيره 1/ 370.

    (3) أخرجه الطبري في تفسيره 1/ 370، وابن أبي حاتم 1/ 781.

    (4) بنحوه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 785، 787.

    (5) أخرجه الطبري 1/ 370 بأسانيد عن قتادة.

    (6) في (م): (النكة). والنكتة هي النقطة.

    (7) ينظر: تهذيب اللغة 1/ 744 - 746 مادة حج، مقاييس اللغة 2/ 29 - 31.

    (8) ينظر: تفسير الثعلبي 1/ 996.

    (9) يعني: ابن الأنباري.

    وقوله تعالى: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: يعلمون أنّ الذي حرفوا ليس من قبل الله، إنما هو مفتعل من جهتهم. أعلمنا الله تعالى أنهم لم يحرفوا ما سمعوا على جهة النسيان والخطأ، بل جهة القصد والتعمد. وقيل: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن الذي يفعلونه مُكسِبٌ للأوزار (1).

    وقوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} قال ابن عباس (2) والحسن (3) وقتادة (4) (5): يعني منافقي اليهود، كانوا إذا رأوا المؤمنين قالوا: آمنّا بمحمد أنه نبي صادق نجده في كتابنا، فإذا رجعوا إلى رؤسائهم لاموهم على ذلك (6).

    وقالوا: {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}. ومعنى التحديث: الإخبار عن حوادث الزمان. وأصل الفتح: نقيض الإغلاق، ثم يدخل في هذا فتح البلاد، وفتح المِغْلاق، وفتح المُشكل من الحكم، وفتح الباب، وكلّ مَا بَدَأتَ به فقد استفتحته، وبه سميت فاتحة الكتاب، ومعنى استفتحته: (1) ينظر: تفسير الطبري 1/ 368، ابن أبي حاتم 1/ 149، زاد المسير 1/ 104.

    (2) رواه الطبري في تفسيره 2/ 249، 250.

    (3) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 151.

    (4) رواه الطبري في تفسيره بمعناه عنه 1/ 369، وذكره ابن أبي حاتم 1/ 149، وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 90.

    (5) أخرج أثر ابن عباس: ابن جرير الطبري 1/ 369. وأخرج ابن أبي حاتم أثر الحسن 1/ 785، وذكره عن قتادة 1/ 779، 787، ونسبه السيوطي في الدر المنثور 1/ 157 إلى عبد بن حميد.

    (6) روي هذا القول أيضًا عن السدي وأبي العالية، والربيع بن أنس، ومجاهد وعطاء وابن زيد، ينظر: تفسير الطبري 1/ 369 - 370، ابن أبي حاتم 1/ 149 - 150 زاد المسير 1/ 104، الدر المنثور 1/ 157.

    فقلبت الواو ياءً لسكونها ثم أدغمت (1)، ويجوز في أداء (2) جَمعها التخفيف على نقصان إحدى الياءين (3)، وكذلك ما كان على هذا الوزن من الجمع الصحيح ففيه لغتان، نحو: قرقور وقراقر (4) وإن شئت: قراقير، وحواجب وحواجيب، وجلابب وجلابيب.

    فأمَّا الغواشي والجوابي (5) والجواري والليالي فليس فيها إلَّا التخفيف؛ لأنّها منقوصات، وواحدَتُها خفيفة (6).

    والأمنيَّة: من التمنّي، كالأغنية من التغنّي. قال الكسائي: أصل التمني في اللغة: حديثُ الرجلِ نفسَه، والعرب تقول: تركتُه قاعدًا يتمنى، أي: يحدث نفسَه.

    وأنشد لكعب بن مالك (7) يرثي أباه: (1) ينظر: تهذيب اللغة 4/ 3254

    (2) ساقطة من (أ) و (ش).

    (3) قال أبو حاتم: كل جمع من هذا النحو، واحده مشدّد فلك فيه التخفيف والتشديد، مثل: بَخَاتي، وأثافي، وأغاني، وأماني ونحوها ينظر: تفسير الطبري 1/ 376 - 377، تهذيب اللغة 4/ 3454، المحتسب لابن جني 1/ 94 تفسير الثعلبي 1/ 999.

    (4) القرقور: السفينة العظيمة الطويلة.

    (5) في (م): (الجواني).

    (6) ينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 49، معاني القرآن للأخفش الأوسط 1/ 117 - 118، تفسير الطبري 2/ 376 - 377، معاني القرآن للزجاج 1/ 159، تهذيب اللغة 4/ 345، المحتسب لابن جني 1/ 94.

    (7) هو: كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم، اختلف في تاريخ وفاته بين 40 و50 هـ وغيرها. ينظر: أسد الغابة 4/ 487 - 489، الإصابة: 3/ 302.

    أي: في حكمه، فعلى هذا معناه: لتكون لهم الحجة عليكم عند الله في الدنيا والآخرة. ويحتمل: أنه أراد عند ربكم في الآخرة؛ لأنهم يقولون لكم: يا معشر اليهود آمنا بمحمد ولم نقرأ صفته، وكفرتم به بَعْد أن وقفتم على صِدقه في التوراة. {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية (1). وهذا من كلام رؤسائهم لهم في لومهم إياهم، فقال الله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي: من التكذيب {وَمَا يُعْلِنُونَ} من التصديق.

    78 - قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} قال أبو إسحاق: معنى الأمي في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلّة (2) الأمة: أي: لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه (3).

    وقال غيره: قيل للذي لا يكتب: أمِّي؛ لأن الكتابة مكتسبة، فكأنه نُسِبَ إلى ما ولد عليه، أي: هو على ما ولدته أمّه.

    وقال ابن الأنباري: إنما سمّي الذي لا يكتب، ولا يقرأ: أمّيّاً؛ لأنه نسب إلى أمّه، إذ كان النساءُ لا يكتبن في ذلك الدّهر (4).

    وقوله تعالى: {إِلَّا أَمَانِىَّ} جَمْعُ أُمْنِيّة، وأُمْنِيَّة في الأَصْلِ. أُمْنُوية (1) تفسير الثعلبي 1/ 997.

    (2) في (ش): (حيلة).

    (3) معاني القرآن 1/ 159. وفي تهذيب اللغة 1/ 204 مادة (أم) النص هكذا: معنى الأمي في اللغة المنسوب إلى ما عليه جبلته أمه.

    (4) ينظر. تهذيب اللغة 1/ 204 - 205، والمحيط في اللغة للصاحب بن عباد 10/ 459، تفسير القرطبي 2/ 4، واللسان 1/ 123.

    حُروفه من غير زيادة.

    وقال ابن السكيت: يقال: هو مُنّي (1) بمَنَى مِيل، أي: بقدر ميل (2).

    وقال الفراء: يقال: مَنىَ الله لك ما يَسُرّك، أي: قَدّر لك. وأنشد:

    ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله ... حتى تَبَيّنَ (3) ما يَمْني (4) لَكَ الماني (5)

    أي: ما يقدر لك القادر (6).

    فأمَّا التفسير، فقال ابن عباس: {إِلَّا أَمَانِيَّ}: إلا أحاديث (7)، قال: لا يعلمون إلّا ما حُدّثوا.

    وقال الفرَّاء: الأماني: الأحاديث المفتعلة، يقول الله: لا يعلمون الكتاب ولكن هو أحاديث مفتعلة ليست من كتاب الله يسمعونها من كبرائهم (8)، وهذا قول الكلبي (9). واختاره الزجّاج في أحد قوليه، وقال: (1) في (ش): (تمني).

    (2) نقله عنه في تهذيب اللغة 4/ 3454 ولم أجده في كتابيه:تهذيب الألفاظ، وإصلاح المنطق.

    (3) في (م): (يبين). وفي (ش): (بين) وفي تهذيب اللغة 4/ 3454: تُلاقيَ.

    (4) في (ش): (تمنى).

    (5) البيت لأبي قلابة الهذلي، في شرح أشعار الهذليين ص 713، ولسويد بن عامر المصطلقي في لسان العرب 7/ 4282، وذكره في تهذيب اللغة عن الفراء ولم ينسبه 4/ 3454.

    (6) لم أجده في مظنته من معاني القرآن للفراء، ونقله عنه في تهذيب اللغة 4/ 3454.

    (7) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره 2/ 261، وابن أبي حاتم 1/ 152.

    (8) ينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 49 - 50.

    (9) ذكره الثعلبي في تفسيره 1/ 999، وينظر: البغوي 1/ 88، الخازن 1/ 77.

    تمنّى كتابَ الله أولَ ليلِهِ ... وآخرها (1) لاقى حِمَام المقادر (2)

    أي: قرأ، يسمّى (3) القراءة تمنِّيًا، لأنها تشبه التحدث، وما تمناه الإنسان فهو مما (4) يحدث به نفسه (5)؛ ولهذا فُسِّرت الأماني في هذه الآية بالأحاديث.

    وقال غيره: أصل هذه الكلمة عند أهل اللّغة من التقدير. والتمني: هو تقدير شيء تودُه، والمنيّة مقدرةٌ على العباد، والمَنَى الذي يوزن به: مقدار معروف، والمَنِيُّ: الذي يقدَّرُ منه الولد، والتمني: التلاوة؛ لأنها حكاية على مقدار المحكيِ، والمنا (6): الحذاء؛ لأن أحد الشيئين بإزاء الآخر على مقداره (7)، ومُنيت (8) بكذا أي: قُدَر علَيّ.

    والأمنية في هذه الآية: التلاوة؛ لأنها حكاية للكلام على مقدار (1) كذا في الأصل: وآخرها، وفي تفسير الثعلبي 1/ 1000، اللسان 7/ 4284، تفسير القرطبي 2/ 6: وآخره.

    (2) البيت في ديوانه ص 294 قاله في رثاء عثمان بن عفان، وينظر تفسير ابن عطية 1/ 169، القرطبي 2/ 5، وقيل: هو لحسان بن ثابت كما في تفسير أبي حيان 6/ 386، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب 7/ 4284، ومقاييس اللغة 5/ 277، وكتاب العين 8/ 390. ينظر المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية، للدكتور/ أميل بديع يعقوب 3/ 370. وحمام المقادر: الموت.

    (3) في: (م) لعلها (يسمي).

    (4) في (م) و (ش): (ما).

    (5) في (ش): تحدث نفسه.

    (6) في (م): (المنا الذي).

    (7) ينظر: القاموس 1336: (مادة: المنا).

    (8) في (م): (أمنيت).

    رأس جبل فهو من خشية الله [نزل به القرآن (1).

    وقال بعض المتأولين: من قال: المراد بالحجارة في قوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}] (2) أنه يركَّب فيها التمييز والعقل، فقد أخطأ (3)، إذ كان لا يُستنكر ذلك ممن جُعِل فيه التمييز، ولكن هذا على جهة (4) المثل، كأنه يهبط من خشية الله لما فيه من الانقياد لأمر الله الذي لو كان من حيّ قادر لدلَّ على أنه خاشٍ لله كقوله: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]، أي: كأنه مريد. وكقول جرير:

    لمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سُورُ المدينةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ (5)

    أي: كأنها خاشعة للتذلل الذي ظهر (6) فيها كما يظهر تذلل الخاشع، (1) ذكره الطبري في تفسيره 1/ 364، وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 433، تفسير الماوردي 1/ 374، انظر: تفسير ابن عطية 1/ 356 - 357، تفسير ابن كثير 1/ 121 - 122.

    (2) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).

    (3) نسب الرازي هذا القول للمعتزلة 3/ 131.

    (4) في (ب): (على وجه).

    (5) من قصيدة قالها جرير في هجاء الفرزدق، يقول: لما وافى خبر قتل الزبير إلى المدينة تواضعت هي وجبالها وخشعت حزنا له، لأن قاتل الزبير من رهط الفرزدق. ورد البيت في مواضع كثيرة منها،الكتاب 1/ 52، مجاز القرآن 1/ 197، الكامل 2/ 141، المقتضب 2/ 197،المذكر والمؤنث لابن الأنباري ص 595، جمهرة أمثال العرب 2/ 3339، الأضداد لابن الأنباري ص 296، معاني القرآن للفراء 2/ 37، والطبري في تفسيره 1/ 261، 365، الخزانة 4/ 218، الخصائص 2/ 418، المخصص 17/ 77، تفسير القرطبي 1/ 395، البحر المحيط 1/ 266، رصف المباني ص 244، ديوان جرير ص 270.

    (6) في (ب): (للتذل ظهر الذي فيها).

    إلّا أكاذيب، والعربُ تقول: أنت إنما تتمنى (1) هذا القول، أي: تختلقه (2). وقال أحمد بن يحيى: التمني: الكذب، يقول الرجل: والله ما تمنيت هذا الكلام ولا اختلقته (3).

    قال ابن الأنباري (4): والمُنى تشبه الكذب لأنه لا حقيقة لها، والعرب تذمّها كما تذم الكذب، قال الشاعر:

    فَلا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ ومَا وَعَدَتْ ... إنَّ الأمَانِيَّ وَالأحْلامَ تَضْلِيلُ (5)

    وقال أبو عبيدة (6) وابن الأنباري (7) وابن قتيبة (8) والزجَّاج (9) في أحد قوليهِ: الأماني: التلاوة، واحتجوا ببيتِ كعبٍ، فأرادَ أنّهم يقرؤون عن ظهر القلب ولا يقرؤون في الكتب (10).

    وقيل: يقرءون في الكتاب ولا يعلمونه بقلوبهم، فهم لا يعلمون (1) في (ش): (تتمنى). في (أ) و (م): (تمتني)، وما في (ش) موافق لما في معاني القرآن للزجاج 1/ 159.

    (2) معاني القرآن للزجاج 1/ 159.

    (3) نقله عنه في تهذيب اللغة 15/ 534.

    (4) في (م): (الأنبار).

    (5) البيت لكعب بن زهير، ينظر: ديوانه ص 9، لسان العرب 7/ 4284، المعجم المفصل 6/ 347.

    (6) ينظر: تفسير الثعلبي 1/ 999، وليس هو في مجاز القرآن لأبي عبيدة.

    (7) ينظر: تهذيب اللغة 4/ 3456

    (8) ينظر: تفسير غريب القرآن ص 46.

    (9) معاني القرآن للزجاج 1/ 159.

    (10) ينظر: تفسير الثعلبي 1/ 999، تفسير البغوي 1/ 88 زاد المسير 1/ 105.

    الكتاب إلا تلاوة ولا يعملون به (1)، فليسوا كمن يتلونه حقّ تلاوته، فيُحِلّون حلالَه، ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه (2).

    قال ابن الأزهري: والتلاوة سميت أمنية؛ لأن تالي القرآن إذا مر بآية رحمة تمنّاها، وإذا مرّ بآية عذاب تمنّى أن يُوَقّاه (3).

    وقال الحسن (4) وأبو العالية (5) وقتادة (6): أي: إلّا أن يتمنوا على الله الباطل والكذب، ويتمنون على الله ما ليس لهم، مثل قولهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة: 80]، وقولهم: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} [البقرة: 111]، وقولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ} [المائدة: 18]. قال ابن الأنباري: والاستثناء على هذا التأويل منقطع عن الأوّل، يريد. لا يعلمون الكتاب البتة، لكنهم يتمنون على الله مالا ينالون (7). (1) في الأصل (يعلمون)، وهو تحريف.

    (2) ينظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 56.

    (3) تهذيب اللغة 15/ 534.

    (4) ذكره الثعلبي في تفسيره عنه 2/ 1001، وينظر: الوسيط للمصنف 1/ 162، والبغوي 1/ 88.

    (5) أخرجه الطبري في تفسيره بمعناه 2/ 374 - 375، وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 152، وذكره الثعلبي في تفسيره 2/ 1001.

    (6) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/، وفي تفسير الطبري بمعناه 1/ 375، وذكره أبن أبي حاتم 1/ 152 عنه وعن الربيع بن أنس بلا إسناد، وينظر: التفسير الصحيح 1/ 180.

    (7) وقد رجح الشنقيطي هذا القول في أضواء البيان 1/ 141 وبين أن مما يدل لهذا القول: قوله تعالى {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة: 111] وقوله {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء: 123] وبين أن القول الأول لا يتناسب مع قوله: ومنهم أميون لأن الأمي لا يقرأ. = وقوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أي: لا يعلمون، (1) أراد: ما هُمْ إلا ظانّينَ ظنًّا وتوهمًا لا حقِيقَةً ويقينًا (2) (3). وجعل الفعل المستقبل في مَوضع الحَالِ؛ لأنه يصلح للزمانين.

    قال ابن عبّاس في قوله: (وإن هُم إلّا يظنون): أي: لا يعلمون الكِتَابَ، ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظَنّ (4).

    قالَ أصحاب المعاني: ذمّ الله بهذه الآية قومًا من اليهود، لا يحسنون شيئًا وليسُوا على بصيرة إلّا ما يحدّثونَ به، أو إلّا ما يقرءون عن غَيْرِ عِلم به (5). ففيه حثٌّ علَى تعلّم العلم؛ حتّى لا يحتاج الإنسان إلى تقليد غيره، وأن يقرأ شيئًا لا يكون له به معرفة.

    قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآية. قال ابن عباس: الوَيْل شِدّة العَذَاب (6). = ويؤيد ذلك ما ورد بأسانيد صحيحة عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وأبي العالية. ينظر: التفسير الصحيح 1/ 180.

    (1) زيادة من (ش).

    (2) ينظر: تفسير الطبري 1/ 377، تفسير الثعلبي 1/ 1001، تفسير البغوي 1/ 115.

    (3) نقل القرطبىِ في تفسيره 2/ 6 عن أبي بكر الأنباري عن أحمد بن يحيى النحوي: أن العرب تجعل الظن علمًا وشكًّا وكذبًا، وقال: إذا قامت براهين العلم فكانت أكثر من براهين الشك فالظن يقين، وإذا اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك، وإذا زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب.

    (4) رواه الطبري في تفسيره 1/ 277.

    (5) ينظر: المحرر الوجيز لابن عطية 1/ 365، تفسير القرطبي 2/ 6.

    (6) ذكره الثعلبي في تفسيره 2/ 1003، والبغوي في تفسيره 1/ 115، وأخرجه الطبري في تفسيره 1/ 378 بلفظ: فالعذاب عليهم.

    وقال الزجّاج: الويل كلمة يستعملها كل واقع في هَلَكة، وأصله في اللغة: العذاب (1).

    وقال ابن قتيبة: قال الأصمعي: الويل تقبيح (2)، قال الله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].

    وروى الأزهري عن المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال: قولهم: ويل (3)، كان أصلها (وي) وُصِلت بـ (له)، ومعنى (وي): حزن، ومنه قولهم: ويه (4) معناه: حزن، أُخْرج مُخْرجَ الندبة (5) (6).

    وحكى ابن الأنباري عن الفراء: أن أصل هذه الكلمة: وي لفلان، وهو حكاية صوتِ المصاب وَي وَي، فكثر الاستعمال للحرفين، يعني: وي لفلان فوُصِلتْ اللام بوي وَجُعِلَتْ معها حرفًا واحدًا، ثم خُبِّر عَن ويل بلام أُخرى.

    وقرأت على أبي الحُسين الفسوي، فقلت: أخبركم حمد بن محمد الفقيه، قال: أخبرني أبو عمر (7)، قال: حضرنا مجلس أبي العباس أحمد (1) ينظر: معاني القرآن للزجاج 1/ 160.

    (2) ينظر: اللسان 11/ 739.

    (3) في تهذيب اللغة: (ويله).

    (4) في الأصل ويه، والمثبت من اللسان.

    (5) الندبة: وهي نداء متفجع عليه حقيقة أوحكما أو متوجع منه. ينظر: طرح التثريب 1/ 154، المصباح المنير ص 597.

    (6) تهذيب اللغة 4/ 3969.

    (7) هو: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر اللغوي الزاهد، المعروف بغلام ثعلب، لازم ثعلبًا في العربية فأكثر عنه إلى الغاية، له مصنفات كثيرة منها: فائت الفصيح، والياقوتة، وغيرها، توفي سنة 345 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 15/ 508 - 513، وتاريخ بغداد 2/ 356 - 359.

    أبن يحيى، فأقبل علينا، فقال:

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1