Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574
مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574
مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574
Ebook630 pages4 hours

مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تأتي أهمية الكتاب من أهمية دراسة المجتمع الحضري بإفريقية في العهد الحفصي، وذلك يعود لأن السلطنة الحفصية مرت بمراحل وأحداث ميزتها عن غيرها من الكيانات السياسية السابقة لها في هذه المنطقة. فهي أول دولة تستقل عن الموحدين ببلاد المغرب لكنها كانت آخر دولة من معاصراتها في المنطقة تسقط، وهذه المدة الطويلة تمثل ظاهرة جديدة تتناقض مع الحقيقة التاريخية التي عبر عنها ابن خلدون بتحديد عمر الدولة بثلاثة أجيال لا يتعدى فيها الجيل أربعين سنة. ويناقش الكتاب كيف أن الدولة الحفصية لم تسقط نتيجة العصبيات الدينية – القبلية بل نتيجة تدخل خارجي.

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateAug 15, 2022
ISBN9789938230406
مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574

Related to مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574

Related ebooks

Reviews for مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مجتمع المدينة و دولة السلطان بافريقية في العهد الحفصي 1227-1574 - إبراهيم جدلة

    أ.د. إبراهيم جدلة

    مجتمع المدينة ودولة السلطان

    بإفريقيّة في العهد الحفصي (1227- 1574)

    تأليف

    أ.د. إبراهيم جدلة

    مدير النشر عماد العزّالي

    التصميم ناصر بن ناصر

    الترقيم الدولي للكتاب 978-9938-23-040-6

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1441 هـ / 2020 م

    العنوان: 5 شارع شطرانة 2073 برج الوزير أريانة - الجمهورية التونسية

    الهاتف: 58563568 +216

    الموقع الإلكتروني: www.mediterraneanpub.com

    البـريد الإلكتروني: medi.publishers@gnet.tn

    المقـدمة

    تلعب المدن دورا هاما في الحياة السياسية والاقتصادية لكل دولة وخاصة منها المدن الإسلامية لأن الحضارة الإسلامية هي قبل كل شيء حضارة مدن. والمجتمع الحضري هو قلبها النابض وعادة ما تم اعتباره كركيزة للسلطة وأداة للدفاع ضد المناهضين في الداخل والأعداء في الخارج.

    وتعتبر المدينة بصفة عامة كتجمع للسكان والحاجات والإمكانيات المختلفة مع امتلاك القدرة الخاصة على التنظيم والتبليغ¹، لذلك نلاحظ أن عالم المدينة هو أكثر تعقيدا من الوسط الريفي أو البدوي إذ تتنوع فيه العناصر البشرية وتتشابك داخله الانتماءات العرقية والأسرية وفيه تلعب المصالح دورا هاما في تفكيك العلاقات الدموية. وهذا العالم هو الميدان الأقل خضوعا لمحك العصبيات. وحتى تنوع العناصر البشرية المختلفة الأصول لم يمنع من اتجاهها نحو نوع من الامتزاج الذي يعبر في حد ذاته عن وحدة داخل الاختلاف:

    وحدة المظهر واللغة ومستوى العيش... وهو ما يعطي للمجتمع الحضري خصوصيات لا نجدها خارجه. وبإمكاننا أيضا أن نلمس عبر هذه الوحدة وهذا الإختلاف على السواء كيفية وأبعاد تشكل البنى الاجتماعية وتفاعلها في حدود ولاءات مرتبطة بالأصول العرقية والمعتقدات والمذاهب الفقهية والأحياء السكنية...

    وتكتسي دراسة المجتمع الحضري بإفريقية في العهد الحفصي أهمية كبرى لأن السلطنة الحفصية كانت قد مرت بمراحل وأحداث ميزتها عن غيرها من الكيانات السياسية السابقة لها في هذه المنطقة. فهي أول دولة تستقل عن الموحدين ببلاد المغرب لكنها كانت آخر دولة من معاصراتها في المنطقة تسقط. وهذه المدة الطويلة تمثل ظاهرة جديدة تتناقض مع الحقيقة التاريخية التي عبر عنها ابن خلدون بتحديد عمر الدولة بثلاثة أجيال لا يتعدى فيها الجيل أربعين سنة². إضافة لذلك وكنتيجة حتمية لهذا الواقع الجديد نلاحظ اختفاء ظاهرة العصبيات الدينية/القبلية التي تأتي من خارج المدن لتفتك السلطة، فالدولة الحفصية لم تسقط نتيجة هذه الظاهرة الداخلية بل نتيجة تدخل خارجي.

    هل كانت هذه التحولات تعبر عن حيوية السلطة السياسية أم عن بروز نمط جديد للدولة يختلف عن الدولة العصبوية؟

    وما هي مدى مساهمة المجتمع الحضري في هذا التحول وما هو دوره في الأوضاع الجديدة؟

    قبل التطرّق لهذه التساؤلات يجب أن نلاحظ أنه ومن جهة أخرى قد تزامن العهد الحفصي مع نوع من التدهور السياسي العام والتقهقر الاقتصادي النسبي بالمقارنة مع الغرب المسيحي.³

    وبما أن المدن كانت تمثل الميدان الأكثر ولاء للسلطة فإن دراسة المجتمع الحضري ستفتح حتما لنا آفاقا كبيرة نحو تفهم أسباب ونتائج هذا التدهور الذي لم ينفك يتفاقم منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا والذي حظي باهتمام العديد من الباحثين وأثار العديد من التساؤلات حيث تعددت التفسيرات وتضاربت الافتراضات. وتبرز أهمية دراسة المجتمع الحضري بإفريقية بصفة خاصة لأن جل الدراسات الاجتماعية السابقة والتي تهم إفريقية وبلاد المغرب بصفة عامة ركزت اهتماماتها على المجتمع الريفي وعلى الهياكل القبلية دون غيرها وأصبح تقليدا اعتبار هذه الهياكل مفتاحا لكل مشاكل الواقع المغربي.

    ومن هذا المنطلق حبذت دراسة المجتمع الحضري بافريقية في العهد الحفصي خصوصا انه ليس من المعقول أن تبقى المدينة وهي المركز السياسي والإداري والديني مهمشة لعدة قرون.

    هل كان ذلك لأسباب داخلية تهم ديناميكية المجتمع الحضري أم لأسباب خارجة عن نطاقه: طبيعة السلطة المركزية أو قوة القبائل البدوية؟ وهذا يجرنا بدوره إلى التساؤل عن دور المدينة التي تعتبر ركيزة السلطة: هل كان يتمثل في المحافظة على النظام القائم والدفاع عنه أم يتمثل في المحافظة على استقلالية السكان الحضر ومواجهة هذا النظام؟

    كانت المدينة الحفصية مؤهلة أكثر من غيرها لأن تلعب دورا هاما في حياة الدولة وذلك من حيث الدفاع عن البلاد ضدّ الهجومات الخارجية إذ أن أكبر المدن وأهمها أصبحت ساحلية، والدفاع عن شرعية السلطة أمام عداء الأعراب. كذلك أصبحت المدينة مركز إشعاع للمذهب المالكي وبالتالي مركز القرار الذي ينظم حياة المجتمع. وفي هذا الإطار بالذات يتحتم علينا معرفة تشكّل وتنضيد وتفاعل الهياكل الاجتماعية التي كانت وراء هذا الدور المناط بعهدة المدينة. كذلك لابد من معرفة وتحديد المؤسسات الحضرية ودورها في تنظيم حياة المجتمع. وتبعا لذلك يصبح من الضروري الإجابة على العديد من التساؤلات ستمثل في حد ذاتها آفاق عملنا: كيف تم اندماج قبائل الموحدين في المجتمع المحلي؟ ما هي الشرائح أو الفئات التي أصبحت تمثل قوى اجتماعية منظمة؟ ما هو مدى استقلالية السكان الحضر على مستوى التصرف الإداري والتنظيم الاقتصادي والممارسة الدينية؟

    وإذا ما حاولنا الإجابة عن هذه التساؤلات فإننا لا محالة سنقترب أكثر من فهم عدة نقاط لا تزال محلّ جدال مثل: مسألة أسباب اختلاف التطور بين المجتمعات الأوروبية والمجتمعات الإسلامية في نهاية القرون الوسطى، ومسألة ظروف إمكانية تحول الدولة العصبوية (دولة الولاء) إلى الدولة القومية (دولة المؤسسات) في تلك الفترة، وأخيرا مدى إمكانية مقاومة المجتمع للتدخل الخارجي وتجنب الحضور العثماني. ويمكن اعتبار هذه النقاط كأهداف لدراستنا هذه والتي يمكن تلخيصها في تساؤل واحد: هل كانت المدينة محرك تطور وعامل توحيد أم لا؟ وفي كلتا الحالتين لماذا؟

    وقد قسمت البحث إلى ثلاث أقسام كبرى، أولهما: الإطار الذي يضم هذا المجتمع أي المدينة، وهو قسم وصفي يهم المدن وأنشطتها انطلاقا من التحديد الزماني (الإطار التاريخي) والمكاني (التوزيع الجغرافي) مرورا بنمط العيش الذي يميز السكان الحضر عن غيرهم وانتهاء بالواقع الاقتصادي بمختلف مظاهره من أنشطة وأسعار وأجور وضرائب.

    ويخص القسم الثاني تصنيف المجتمع الحضري وقد اعتمدت في ذلك على أهم معايير التمايز الاجتماعي لذلك العصر، أولها : الجاه، مع تمييز من يملكه عن فاقده. وثانيها: الدين والانتماء العرقي وذلك بترتيب المجموعات الدينية والعرقية مع ذكر أهم خصائصها وأدوارها وعلاقاتها بالسلطة وتفاعلها فيما بينها... أما المعيار الثالث لهذا التصنيف فهو يتشابك مع سابقيه نظرا لأنه يمكن أن يهم كل التقسيمات المذكورة آنفا فهو يعتمد التصنيف حسب ملكة العلم ونوع المهنة والتمتع بالحرية أم فقدانها... وهي من المقاييس التفاضلية داخل مختلف المجموعات خالقة نوع من التقسيم الأقرب إلى الأوضاع الطبقية منها إلى العلاقات الدموية.

    وهذا يجرنا، في القسم الثالث، إلى البحث في إشكاليات العلاقات الاجتماعية داخل المدينة الحفصية وهل هي تعتمد بدرجة أولى على الارتباطات الدموية والعصبوية أم لا؟ هذه الإشكاليات تجعلنا نعمق التساؤلات حول دور النسب في هذا المجتمعن إضافة إلى دور المرأة ووضعيتها ومن ورائها الأسرة ، وهل أن لحمة القرابة كانت طاغية على التمايز الاجتماعي الطبقي أم لا؟

    وإضافة للديناميكية الداخلية للمجتمع أرى من الضروري البحث في آليات التطور التي تتمحور حول نسق التصرف المنظم الذي تفرضه الحياة الفكرية والممارسة الدينية والذي يؤدي في نهاية الأمر إلى مراقبة مختلف مظاهر الحياة الحضرية وكبح المبادرة الفردية وكل توق إلى ما هو أفضل. غير انه لا بد من التأكيد على أن هذه المراقبة لم تكن مطلقة حيث يظهر من وراء الستار الديني والأخلاقي عالم آخر يمتزج فيه العجيب بالغريب وتتشابك فيه الشهوات مع المحرمات مفضية في نهاية الأمر إلى عالم قريب منا ومن عصرنا إلى درجة تجعلنا نتساءل بحيرة إن كانت قد مرت عليه فعلا أكثر من خمسة قرون أم لا؟

    وأخيرا لا بد من التثبت في مظاهر تحول المجتمع أو ركوده وكيف كانت العلاقات بين العامة والخاصة من جهة وبين المدينة والأعراب من جهة أخرى دون أن نهمل العلاقة بين السلطة والمجتمع الحضري في عهد اتسم باستبداد السلاطين وعدوانية البدو.

    وفيما يخص المراجع التي اعتمدتها فإنها كثيرة ومتنوعة نظرا لان الفترة الحفصية تعتبر من أخصب الفترات إنتاجا خاصة بالمقارنة مع العهود السابقة لها وبإمكاننا حاليا استغلال عدد كبير من المصادر سواء المطبوعة منها أو المخطوطة بالإضافة لوثائق الأرشيف الموجودة في العديد من المكتبات الأوروبية والتي تم حصر ونشر الجانب الأوفر منها⁴. غير انه يتعين علينا ملاحظة صعوبة استغلال كل هذه المراجع لدراسة المجتمع الحضري إذ أن جل المصادر لا تهم إلا الأحداث السياسية وبعض مظاهر الحياة الدينية... وبذلك أصبحت المعلومات التي تهم موضوعنا بصفة مباشرة متفرقة وتتفاوت في الأهمية من مصدر إلى آخر. والعقبة الرئيسية التي تعترضنا هي عدم اهتمام المصادر الإسلامية بالجانب الاجتماعي وقد لاحظ المرحوم حسن حسني عبد الوهاب ذلك قائلا:

    «أما مبلغ علمنا نحن في شكل تأليف الهيئة الاجتماعية والحياة المنزلية لذلك العهد فانه ما زال قاصرا مقتضبا ملتقطا بكل كد وعناء من غضون الرحلات ومعاجم التراجم نظرا لقلة عناية العلماء ومتأخري الإخباريين بتدوين الأخلاق والعادات والرسوم وغيرها... والسر في ذلك اعتبارهم إياها تقاليد راسخة غير قابلة للتحول والتبدل ولو مع تغير الحوادث وتكيف الأسباب وتنوع العوامل وتعاقب العصور، فانصرفوا عن ضبط وتدوين ما كان يدور حولهم من المشاهد والمحسوسات ولم يرووا لنا شيئا من ذلك يجدر بالباحث العصري أن يبني عليه حتى يعلم كنه ما وصل عليه أسلافنا في التمدين والحضارة والعمران...»⁵.

    ورغم هذا فإن تنوع المصادر قد ساعدنا على الحصول على نصيب وافر من المعلومات. وفي ما يخص المصادر الإخبارية التي تهم التاريخ السياسي العام فهي متعددة ويمكن استغلال العديد منها مثل: كتاب العبر لابن خلدون (ت: 808 هـ/1406م) وكتاب الفارسية لابن القنفد القسنطيني (ت: 810 هـ /1407م) والأدلة البينة لابن الشماع (تاريخ تأليفه سنة 861 هـ /1457م) وتاريخ الدولتين للزركشي الذي ينتهي بأحداث عام 882 هـ (1477 - 78م) غير أن أبي دينار يروي لنا أحداث نقلها عن نفس الكتاب وقعت سنة 932هـ/1525م وهو أمر يدعي إلى الحيرة لأنه لا يمكن باي حال من الأحوال أن يكون الزركشي قد عاش نصف قرن بعد أحداث 882 هـ، والأمر لا يتعدى خطأ وقع فيه ابن أبي دينار أو أحد ناسخي كتابه. أما المخطوطات التي تنتمي لهذا النوع من المصادر فهي لا تأتي بالجديد لأنها مجرد نقل متأخر زمنيا للمعلومات الموجودة في المصادر المطبوعة السالفة الذكر. ومن بين هذه المخطوطات نذكر: ... في عدد السلف من أيام الملوك الحفصيين ( قطعة ضمن مجموع 1011 د. ك. و. تونس وقد حققته و نشرته بعد كتابة هذا البحث في الكراسات التونسية عدد 159- 160 ،1992 ،ص 123 - 168) و تاريخ الحفاصة (ضمن مجموع 15082) وتقريب أسماء ملوك الدولتين الذي يرجع تاريخ تأليفه إلى سنة 823 هـ /1420م (ضمن مجموع 1011). ولعل أوفر هذه المخطوطات معلومات وليس أهمها «تاريخ الدولة الحفصية» لصاحبه صالح الكواش (مخ 338) وقد نسخ المخطوط من طرف أحد تلاميذ المؤلف سنة 1172هـ /1758م أي أن صاحبه قد عاش قبل ذلك بقليل أي في النصف الأول من القرن 12هـ /18م وقد اعتمد فيه أساسا على ابن الشمّاع والزركشي ثم على مصدر آخر لم يصل إلينا وهو «القول المؤنس في ملوك تونس» لصاحبه أبي الفتح بن سلام.⁶

    وبهذا المخطوط نقص في أوله حيث يبدأ بأحداث سنة 678هـ وينتهي بأحداث عام 882هـ وهو لا يضيف أي شيء على المعلومات الموجودة بالمصادر المطبوعة. كذلك لا يمكن الاستغناء عن «تاريخ عرّوج وترجمة أخيه خير الدين وقدومها إلى الجزائر» (مخ 13754) الذي يصور لنا الأوضاع في بداية القرن العاشر هجري (16م) وخاصة دخول خير الدين تونس وموقف الأهالي منه. وبصفة عامة اهتمت جل هذه المصادر بالأحداث السياسية مع التركيز على السلطان وحاشيته وعلى القوى الاجتماعية التي برزت من حين لآخر مع عدم إهمال ذكر أهم رجالات الفكر والدين في ذلك العصر وقد تميز بذلك خاصة تاريخ الدولتين للزركشي. أما كتاب المؤنس لابن أبي دينار (انتهى منه سنة 1092هـ /1681م) وإن يبد ولأول وهلة بدون أهمية نظرا لكونه متأخر زمنيا ولتكراره للمعلومات التي أوردها كل من ابن الشماع والزركشي فإنه يحتوي على معلومات جديدة تغطي نقص المعلومات حول القرن العاشر (16م)، وأهم من ذلك الخاتمة التي انفرد بالتحدث فيها عن مدينة تونس وعن بعض عادات وتقاليد وأعياد سكانها. وقد استقى ابن أبي دينار هذه المعلومات بالسماع⁷ ومنها نقله عن شخص يدعى الشريف بركات⁸. ونقل كذلك عن والده بعض الفقرات من كتاب له يسمى: «تأهب الفصيح لفتح الجامع الصحيح»⁹.

    أما الموسوعات مثل المقدمة لابن خلدون و صبح الأعشى للقلقشندي (ت: 821هـ /1418م) وبدائع السلك في طبائع الملك لابن الأزرق الأندلسي (ت: 896هـ /1491م) فإنها تحتوي على معلومات هامة لكنها كثيرا ما كانت عبارة عن ملاحظات عامة تهم المجتمعات والتاريخ الإسلامي بصفة عامة دون اعتبار الحدود الزمنية ولا المكانية. وتفقد المعلومات المضبوطة الموجودة في صبح الأعشى أهميتها بسبب نقلها عن ابن فضل الله العمري. أما ابن الأزرق فهو يكرّر بصفة تكاد تكون حرفية ما جاء في المقدمة.

    وفي ما يخص أدب الرحلة والجغرافية الذي يهم العهد الحفصي نلاحظ نوعا من الإختلاف بالنسبة للفترات السابقة إذ أن مفهوم الرحلة قد تغير نسبيا فبعد أن كانت تعني رحلة التجارة أو الإطلاع وهو ما يجعلها غنية بمعلومات ذات فائدة، أصبحت رحلة حج وعلم، تهتم أكثر بالمعالم الدينية وبالاتصال بالفقهاء وعلماء العصر قصد الأخذ عنهم، مما أفقد هذه الرحلات نسبة كبيرة من أهميتها. ولم يمنع هذا من وجود مصادر من هذا النوع في غاية الأهمية مثل: «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» لابن فضل اللّه العمري (ت: 758هـ /1347 – 48م) وقد نشر منه المرحوم حسن حسني عبد الوهاب الجزء الخاص ببلاد المغرب تحت اسم: «وصف افريقية والمغرب والأندلس». وفي الحقيقة لم يزر العمري البلاد بل أخذ عن مغاربة رحلوا إلى الشرق. وقد اعتمد على كتاب المغرب لابن سعيد (خاصة القسم الذي كتبه بالقاهرة 641ه/ 1243- 44م) وسمع بقية المعلومات عن شخص يدعى السلاليحي وعن القاضي أبي القاسم بن بنون وعن عيسى الزواوي (ت: بالقاهرة 743ه /1342م) وعن ابن القوبع (ت: 738هـ /1338م). ونظرا لتعدد مصادر العمري أصبح من الصعب تحديد المعلومات التي أوردها من الناحية الزمنية إذ شملت مدة قرن كامل. وعلى عكس ذلك الامتداد الزمني كانت رحلة التجاني محصورة بين سنتي 706هـ /1306 م و708هـ /1309م وقد احتوت على معلومات حية سجلها صاحبها كشاهد عيان. أما أكثر هذه الرحلات إفادة فقد وقعت في النصف الثاني من القرن التاسع هجري (15 م) وفي بداية القرن العاشر هجري (16م)، وهي على التوالي رحلة عبد الباسط بن خليل التاجر المصري الذي زار إفريقية سنة 866هـ/1462م وأورد مشاهداته ضمن كتابه «الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم» وقد نشر منه الأستاذ برانشفيق الجزء الخاص بإفريقية سنة 1936. وبعد هذه الرحلة بقليل يزور البلاد الرحالة البلجيكي آدورن سنة 874هـ /1470م. وأثناء رجوعه لبلاده، دوّن ابنه هذه الرحلة التي نشرها كذلك الأستاذ برانشفيق سنة 1936¹⁰. وقد قدم كل منهما ملاحظات هامة حول بعض مظاهر الحضارة الإفريقية في تلك الفترة مثل : القصور والحدائق والأطعمة والأدب... أخيرا لا بد من ذكر «وصف إفريقيا» للحسن الوزان (ليون الإفريقي) الذي زار البلاد مع بداية القرن العاشر هجري(16م). (حوالي 921هـ/1515م) وترك لنا صورة حية وان كانت قاتمة عن مختلف مظاهر الحياة داخل المدن التي زارها وعن سكانها ونمط عيشهم.

    أما كتب المناقب فرغم تعددها فإن أهميتها ضئيلة بسبب طغيان الطابع الخرافي على هذا النوع من الكتابات. وعادة ما نجدها في شكل مجاميع مخطوطة مع استقلال كل جزء منها عن الآخر من حيث المؤلف وتاريخ التأليف. ولذلك يجب اعتماد المعلومات الواردة فيها بحذر شديد لأن تخيّل وتصوّر تلك الأحداث من طرف واضعيها يجعلنا نشكّ حتّى في المعلومات التي تهم الأطر المكانية والزمانية والجزئيات التي نحن في حاجة إليها. وقريبا من هذا النوع من الأدب نجد التصنيفات الخاصة بالوفيات والطبقات وهي اقرب إلى الواقع من المناقب لذلك فهي تكتسي أهمية خاصة. وان كانت كتب الوفيات مثل: «وفيات» ابن القنفد و«وفيات» الونشريسي (ت: 914هـ/1508م) و«لقط الفرائد» لإبن القاضي (ت: 1025هـ/1616م) مقتضبة وتقتصر أحيانا على ذكر أسماء الإعلام وسنوات وفاتهم فإنه بالإمكان استغلالها بالنسبة لفئة العلماء سواء من حيث توزيعهم وأصولهم الجغرافية أو انتماءاتهم إلى بعض المدارس الفقهية... وتبدو كتب الطبقات أكثر أهمية نظرا لوفرة المعلومات التي تمدنا بها حول الأعلام وحول محيطهم الاجتماعي وأهم هذه المصادر: «الدّيباج المذهّب» لابن فرحون (ت: 799هـ/1396م) والجزء الرابع من «معالم الإيمان» لابن ناجي (ت: 837هـ/1433م) و«درّة الحجال في أسماء الرجال» لابن القاضي و«نيل الابتهاج بتطريز الديباج» لأبي العباس أحمد التنبكتي (ت: 1032هـ /1623م).

    ولعلّ أكثر المصادر ثراء بالنسبة لدراسة المجتمع الحضري كتب الحسبة والأحكام والفتاوى لأنها تبحث عادة في أمور تهم الواقع اليومي للسكان. وبالنسبة للصنف الأول نجد مصدرين هامين، الأول منهما معاصر للفترة الحفصية وهو كتاب «تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر» لمحمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني (ت: 871هـ/1467م) أما الثاني فهو متأخر زمنيا وهو كتاب «التيسير في أحكام التسعير» لأحمد بن سعيد المجيلدي (ت: 1094هـ/1683م) وكلاهما يورد معلومات نظرية عامة مع ذكر بعض الحالات والأخبار التي تتصل مباشرة بإفريقية أثناء العهد الحفصي. أما الصنف الثاني الخاص بالأحكام فمنه ما هو نظري بحت وليست فيه إفادة كبرى مثل كتاب: «الفائق في معرفة الأحكام والوثائق» لأبن راشد القفصي (ت: 736هـ/1335م) ومنه ما هو بالغ الأهمية مثل: «الإعلان في أحكام البنيان» لمحمد بن إبراهيم اللخمي المعروف بابن الرامي، وهو معلم بناء عاش بمدينة تونس أثناء القرن الثامنهجري (14م) وكان من أعوان قاضي الجماعة ابن عبد الرفيع الذين يطلق عليهم اسم أهل البصارة أو عرفاء البناء وكان يراقب البناءات والأزقة مع محاولة منع أي ضرر يلحق بالمتساكنين بسبب استعمال خاطئ أوغير مشروع. وفي نفس مستوى أهمية هذا الكتاب نجد «شرح مسائل ابن جماعة» (ت: 712هـ/1312م) لأبي العباس أحمد بن قاسم القباب (ت: 780هـ/1378م) الذي يفيدنا من خلال شروحه بالعديد من المعلومات حول بعض مظاهر الحياة اليومية. وفي ما يخص الفتاوى نجد مصدرين رئيسيين وهما: نوازل البرزلي (ت: 841هـ/1437م) المعروفة بـ«جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام». والمصدر الثاني هو: «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب» لأحمد بن يحي الونشريسي (ت: 914ه/1508م). ورغم الإهتمام الكبير الذي وجهه العديد من الباحثين نحواستغلال النوازل الفقهية لدراسة المجتمعات¹¹ فإننا نلاحظ أن الاستفادة من هذه المصادر محدودة بالنسبة لإفريقية في العهد الحفصي رغم معاصرتها لها وذلك لأسباب عدة منها:

    - أن هذه الفتاوى لم تكن دائمة محل ثقة. وكان أبو عبد الله محمد المقري (ت: 759/1358م) يعتبر أنها «تنقل من كتب لا يدري ما زيد فيها مما نقص لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها ... »¹²

    - أن هذه النوازل لا يمكن حصرها زمنيا في العديد من الحالات وهي تخص وضعيات مقصودة لا تعتبر الزمن ولا الأشخاص.¹³

    - أن المسائل غالبا ما تكون خيالية وفي العديد من الأحيان يقع استعراضها في مجالس الدرس.¹⁴

    وفي ما يخص نوازل البرزلي، تأتي محدوديتها كذلك من أن النسبة الهامة منها ترجع للعهد الزيري، أو أنها مسائل وقعت أو سئل عنها في الأندلس ولوأخذنا مثالا على ذلك باب الحبس من الجزء الرابع (مخ 4851 الورقات 1ظ - 75 ظ) نلاحظ أنه يحتوي على 80 مسألة منها إحدى عشر فقط ترجع إلى العهد الحفصي ويمكن تعميم ذلك على بقية الأبواب.

    أما بالنسبة للمعيار فإن الدراسة التي قام بها محمد مزين¹⁵ حول الجزء الثامن منه تثبت أن المسائل التي ترجع إلى العهد الحفصي لا تفوق 22 مسالة على مجموع 186 مسالة ومن هذه الأخيرة 76 تخص إفريقية قبل العهد الحفصي و70 تخصّ الأندلس و18 تهم المغرب الأقصى. وبصفة عامة ورغم هذه النواقص يمكن استغلال ما توفر من النوازل إما مباشرة وذلك باستغلال المعلومات الموجودة فيها أو بصفة غير مباشرة وذلك في إطار عام نظري يهم تنظيم المجتمع ومراقبته دينيا.

    أخيرا أود أن أبدي بعض الملاحظات حول الدراسات التي اهتمت سواء من قريب أو بعيد بإفريقية في العهد الحفصي وفي هذا الإطار لا يشك أحد في أعظم وأشمل دراسة، تلك التي قام بها برانشفيق¹⁶ منذ أكثر من أربعة عقود. وان اهتمت بجميع المظاهر السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، فإن صاحبها لم يهمل الجانب الذي يخص المجتمع الحضري مخصصا لذلك أكثر من 100 صفحة في الجزء الأول ونسبة كبيرة من الجزء الثاني وذلك في إطار دراسة المجتمع ككل أي بدون استثناء المجتمع الريفي. وهذا العمل المتكامل والموثّق بصفة جيّدة يجعل مهمة التجديد والإضافة صعبة لكن استعمال أساليب علوم الاجتماع الحديثة تجعلنا نطمح إلى إثراء ما هو موجود.كذلك وبعد إنجاز هذا العمل ناقش الأستاذ محمد حسن ثم نشر أطروحته الموسومة ب «المدينة والبادية في العهد الحفصي» (نشر كلية العلوم الإنسانية و الإجتماعية،تونس1999).

    وإذا استثنينا بعض المقالات المتفرّقة فإن أولى المحاولات الجادة جاءت عشرين سنة بعد دراسة برانشفيق وكان إطار هذه الأعمال ما قام به بعض المؤرخين تحت شعار: Décoloniser l’Histoire وجاءت المحاولة الأولى بقلم الجغرافي: ايف لاكوست تحت عنوان¹⁷: «ابن خلدون: ولادة التاريخ الماضي للعالم الثالث» وهي محاولة لتقصّي الأوضاع المغربية في القرن الثامن هجري (14م) من خلال ما كتبه ابن خلدون. وقد تعرّض ايف لاكوست للأوضاع السياسية والاجتماعية سواء في المدينة أو في الريف لكنه أكّد على الأوضاع القبلية مع تعميم مفهوم «الدّيمقراطية العسكرية» على المجتمعات المغربيّة في القرون الوسطى في حين أنه يمكن أن ينطبق على الحياة القبلية دون غيرها. أما المحاولة الأخرى الجادة فهي من عمل عبد اللّه العروي¹⁸ تحت عنوان: «تاريخ المغرب، محاولة تأليفيّة». ورغم طابع التجديد في هذه المحاولة والفكر الاستنتاجي الذي ميزها فان الجانب السياسي للدراسة طغى على بقيّة الجوانب. ومن جهة أخرى وخارج نطاق الدراسات التاريخية فإن علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا حاولوا كذلك فهم المجتمعات المغربية ما قبل الرّأسماليّة سواء البدوية منها أو الحضرية¹⁹. لكن ملاحظاتهم كانت في اغلبها معممة على القبائل البدوية والمدن على السواء وكثيرا ما كانت على المستوى الزمني تشمل نظريا كل الماضي الشمال الإفريقي لما قبل دخول الاستعمار أي دون تحديد فترة زمنية معينة بل وكثيرا ما كانوا يقومون ببعض التحقيقات حول قبائل تعيش في القرن العشرين ثم يسلّطون نتائجهم على أوضاع ترجع إلى عدة قرون إلى الوراء (أنظر أعمال: مونتاني - جاك بارك - ارنست جلنار ...) وترى أغلب هذه الدراسات أن مفتاح تاريخ المغرب بماضيه وحاضره يكمن في الهياكل القبليّة لذلك فإنها أكّدت على هذا الجانب. ولا يمنعنا هذا من الاعتراف بأن هذه الدراسات أثرت الجانب النظري للمؤرخ.

    وبما أنه لا بد من مقارنة الأوضاع بإفريقية مع جيرانها في العالم الإسلامي وفي أوروبا ومحاولة معرفة مدى تأثيرها في هذه المناطق ومدى تأثرها بها فإننا نجد أنفسنا أمام الكثير من الأعمال غير أنه، ولربح الوقت يصبح من الضروري اعتماد أكثر الدراسات عمومية وشمولا في الآن نفسه. وبالنسبة لإسبانيا والأندلس إلى جانب كتاب راشال أربي: «اسبانيا القطلانيّة زمن بني نصر (1232-1392)» تبرز دراسة بيار قيشار حول: «الهياكل الاجتماعية الشرقية والغربية في إسبانيا المسلمة» كما لا يمكن الاستغناء عن كتاب دوفورك الذي يبحث في العلاقة بين «إسبانيا القطلانية والمغرب في القرنين الثالث عشر والرابع عشر ميلادي» وهو عمل قيم يضم جزء هاما من المعلومات الموثقة التي تهم العلاقة بين اسبانيا وافريقية. وفي إطار المقارنة بين الأوضاع الأوروبية والإفريقية في تلك الفترة اعتمدت على بعض الدراسات مثل كتاب امانيوال بارل: «أروبا وآسيا» وكتاب جاك هيرس: «الغرب في القرنين الرابع عشر والخامس عشر»، ودراسة جان جيمبال: «الثورة الصناعية في القرون الوسطى». وفيما يخصّ الشرق نجد العديد من المؤلفات حول الذولة المملوكيّة مثل كتاب: «الدولة المملوكية: التاريخ السياسي والاقتصادي والعسكري» لأنطوان خليل ضومط، أو كتاب «المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك» لسعيد عبد الفتاح عاشور. ولعل أهم الدراسات في هذا النطاق دراسة ايرا مارفان لا بيدوس: «المدن الإسلامية في نهاية القرون الوسطى» التي تعطينا أفكار مفيدة عن مدن الشام وخاصة مدينة حلب قبل خضوعها للعثمانيين.

    أما بالنسبة للمقالات التي اعتمدتها فهي كثيرة ويبرز من بينها بجانبه النظري مقال ماكسيم رودنسون حول «التاريخ الاقتصادي وتاريخ الطبقات الاجتماعية في العالم الإسلامي» وهو ليس غنيا بالمعلومات التي تهم موضوعنا بصفة مباشرة، بل هو عبارة عن دليل نظري لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لمن ينوي دراسة المجتمعات الإسلامية.


    1 J. Beaujeu – Garnier, Géographie urbaine, Paris 1980, p.16

    2 ابن خلدون، المقدّمة، مكتبة لبنان، بيروت 1970، جI، ص: 257، 306، 308

    3 A.LAROUI, L’ Histoire du Maghreb, Ed. Maspero, Paris 1976, TI p. 206

    4 AMARI, Diplomi arabi del réale archive Fiorentino, Florence, 1863 ; De Mas Latrie, Traités de paix et de commerce, Paris, 1866. Voir Brunschvig, la Berberie orientale, T I, p. XXVI.

    5 حسن حسني عبد الوهاب، شهيرات التونسيات، مكتبة المنار، تونس 1968، ص 108.

    6 تاريخ الدولة الحفصية، مخ 338، ورقة 43 ظ.

    7 ابن أبي دينار، المؤنس في أخبار افريقية وتونس، تونس، 1967، ص 161.

    8 ن.م. ص 161.

    9 ن.م. ص 318.

    10 R. BRUNSCHVIG, Deux récits de voyages inédits en Afrique du Nord au XVe siècle, Abd-Al-Basit b. Halil et Adorne, Edit Larose, Paris, 1936.

    11 أنظر الحوصلة التي قام بها محمد مزين: التاريخ المغربي ومشكل المصادر، مجلة كلية الآداب، فاس، عدد 2، 1985.

    12 ابن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، الجزائر، 1908، ص 217.

    13 J. BERQUE, Les Hilaliens repentis, AESC, n°25, 1970, p. 1325.

    14 سعد غراب، كتب الفتاوى، حوليات الجامعة التونسية، ع 16، 1976، ص 72.

    15 محمد مزين، التاريخ المغربي ومشكل المصادر ... (انظر الجداول في آخر المقال).

    16 La Berbérie orientale sous les Hafsides des origines à la fin du XVe siècle, (2ème V), Maisonneuve et Larose, Paris, 1940-1947.

    17 Yves, LACOSTE, Ibn Khaldoun, Ed., Maspero, Paris 1966.

    18 A., LAROUI, l’ Histoire du Maghreb, Coll maspero, (2T), Paris 1976.

    19 أنظر مختلف العناوين بالبيبليوغرافيا.

    القسم الأول

    المدينة الحفصية

    المدينـــة الحفصيـــة

    قبل التطرق المباشر إلى الحديث عن المجتمع الحضري يبدو من الضروري وضعه في إطاره أي المدينة التي تحتضن هذا المجتمع والذي يستمد بدوره فحوى حياته منها. فهذا المجتمع يتطور أو يتقلص حسب تطور أو انتكاس الحياة الحضرية المرتبطان بالاستقرار السياسي وبتوزيع المدن وتزايد السكان ووفرة موارد العيش...

    وقد شهدت الحياة الحضرية أثناء العهد الحفصي تفاعلا بين ارث ثقيل ناتج عن الزحف الهلالي وتحولات جديدة أحدثها الاستقرار النسبي للأوضاع في ذلك العهد. ومن هذا المنطلق رأيت من المفيد تقديم دراسة الإطار التاريخي على الإطار الجغرافي خاصة إن هذا الأخير لا يهم التوزيع الجغرافي للمدن فقط بل يتعدى ذلك إلى دراسة البنية الديموغرافية وحركات السكان والإسهامات العرقية التي غذت المجتمع الحضري طوال العهد الحفصي.

    ونظرا لان السكان الحضر يتميزون عن بقية السكان بنمط عيشهم فأني رأيت من الضروري إبراز أهم مظاهر الحياة اليومية داخل المدينة الحفصية انطلاقا من لغة التخاطب ومرورا بالأعياد والاحتفالات وانتهاء بالمأكل والملبس والمسكن.

    ويجرنا الحديث عن نمط العيش أيضا إلى تقييم مستوى العيش والبحث عن الأنشطة الاقتصادية الطاغية داخل المدينة وعن التقنيات المستعملة وهو ما ييسّر لنا التعرف على طبيعة علاقات الإنتاج الاجتماعية اعتمادا على دراسة الأسعار والأجور والجبايات. وربما مكّننا ذلك من البحث عن إمكانية توفر الشروط الضرورية التي تجعل من ساكن المدينة «أكثر عرضة للتنقل الاجتماعي والجغرافي واضعف ولاء للجماعة.»¹

    I. ارث ثقيـل وتحـوّل بطـئ

    أ. الإطار التاريخي

    تحاشيا الخروج عن الموضوع حبذت آن يكون الإطار التاريخي مقتصرا على استعراض الخطوط

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1