الدولة التعارفية
()
About this ebook
جاء هذا البحث في أجواء الربيع العربي وليد معاناة وتفكير وتأمل في تاريخ وواقع العلاقات البشرية غير الإنسانية التي اتسمت بالعنف في معظم الأحقاب التاريخية، وهذا ما أعاد الباحث وآخرين إلى التفكير في الجذور ومحاولة الإجابة عن الباحث وآخرين إلى التفكير في الجذور ومحاولة الإجابة عن الأسئلة الرئيسة التي تدور حول ماهية الإنسان والهويات الاجتماعية والعقد الاجتماعي والعلاقة بين الفرد والجماعة وشرعية الدولة ونظام الحكم فيها.
Related to الدولة التعارفية
Related ebooks
أخلاقيات العيش المشترك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء: أندرو ديكسون وايت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعضلات المدنية الحديثة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين الدين والعلم: أندرو ديكسون وايت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبحوث في نهج البلاغة: الطبقات الاجتماعية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsروح عظيم المهاتما غاندي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsThe Sociology of Religion Arabic Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلا شيوعية ولا استعمار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمستقبل حوار الحضارات في ظل العولمة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsألوان من القصة القصيرة في الأدب الأمريكي: نقد ونماذج مترجمة من أدب القصة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدين والوحي والإسلام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالوحي المحمدي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقلت لحماري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعملية تذويب العالم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأثر النقل على لغة العرب وفكرها قديماً وحديثاً Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحماري في شوارع نيويورك والعراق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحياة الحقائق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفقراء و المهمشون بافريقية في العهد الحفصي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرسالة في بيان كيفية انتشار الأديان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتمثلات قيم المواطنة والانتماء لدى الشباب القطري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsللخلف در: بين الدين والسايسة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقادة الفكر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعلم والحياة: علي مصطفى مشرفة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفلسفة والسلم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفلسفة القرآنية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأزمتنا.. صراع بين الأصالة والاستنساخ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsKnowledge: Is Knowledge Power? Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفلسفة المواطنة والتنوير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالثوابت والمتغيرات في الفكر الباديسي Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for الدولة التعارفية
0 ratings0 reviews
Book preview
الدولة التعارفية - علي محمد أسعد
Ali Muhammad Asaad ©2022
الفصل الأول - اللغة والثقافة والمفاهيم الثقافية
اللغة هي وعاء الثقافة وأداتها وعنوانها. تقدم كل أمة حية محصولها الثقافي والفكري الخاص وتضعه بلغتها الخاصة بين أيدي أبنائها وأبناء الأمم الأخرى. يضم هذا المحصول مختلف المفاهيم والمصطلحات والمعتقدات والأمثال والآداب والفنون. فإذا بلغت المفاهيم الثقافية أو الآداب أو الفنون أو المعتقدات مستوياتٍ إنسانية عليا تصبح مفاهيمَ عالمية عابرة للحدود والثقافات والأمم. بالمقابل، هناك مفاهيم ثقافية مرحلية تتعارف عليها الأمة في ظروف سياسية واجتماعية تاريخية خاصة تمرُّ فيها. تبقى هذه المفاهيم محلية فلا تصلح للأمة في عصر آخر ولا تصلح لغيرها من الأمم فتبقى جزءاً من التراث الثقافي لهذه الأمة حصراً.
كل الأمم تملك بطبيعة الحال القدرة على إنتاج مفاهيم وآداب إنسانية عالمية تسهم من خلالها في الفكر العالمي المشترك. تنتشر هذه المفاهيم والآداب من اللغة الأم إلى اللغات الأخرى عبر الترجمة وعبر المؤتمرات والندوات الثقافية العالمية وعبر التعليم العابر للقارات ووسائط الإعلام الحديثة والشبكة العنكبوتية. إن الانتشار بهذه الوسائل يكون سلساً ومحبباً للغاية لأنه عفويٌ واختياري، وهو ما يُطلق عليه مصطلح الانفتاح الثقافي فيما بين الأمم ومختلف الثقافات.
في المقابل، هناك نموذج مخالف وغير عفوي لنشر الفكر والمفاهيم الثقافية. ففي بعض الظروف الاستثنائية تعاني الأمة من استبداد داخلي أو استعمار خارجي يؤدي إلى نشوء ظاهرة الاستلاب الفكري أو الاغتراب الثقافي، تتجلى باستيراد نخب الأمة لمفاهيم ثقافية غريبة عن ثقافة أمتها رغم وفرة المخزون الثقافي والعقول لديها.
يحدث الاغتراب والتغريب الثقافي أيضاً عندما يقوم المستعمِر نفسه بنقل مفاهيمه وأدبياته الثقافية والسياسية، ومنظومته الاجتماعية المحلية إلى مجتمعات الدول التي يستعمرها، ولأجل ذلك تجده يفرض لغته القومية أولاً على هذه المجتمعات، فمن دون اللغة لن تكتمل له السيادة عليها.
يؤدي استيراد هذه المفاهيم من قِبَل بعض النخب أو فَرْضها من قِبَل المستعمِر إلى حدوث صراع فكري واجتماعي وسياسي داخل المجتمع، ينتهي في المستقبل بانقسام المجتمع على نفسه لأن النشر القسري للمفاهيم الغريبة خاصةً تلك التي لم تحظ بمستوى عالمي والتي نشأت أصلاً في بيئة المستعمِر المختلفة عن بيئة المجتمع المستعمَر وأنتجتها ثقافة المستعمِر المختلفة عن ثقافة المستعمَر وبلغة غير لغته – يؤدي النشرُ القسري لها إلى سلوكيات ومنظومة علاقات تتنافر مع هوية المجتمع المستعمَر وخصوصيته الثقافية. في هذه الحالة، يحاول كل مجتمع الدفاع عن ثقافته و عن أصالته بعصبيةٍ قومية أو فكرية فتتشكل ظاهرة التعصّب الثقافي.
مفاهيم البحث
ما هي المفاهيم التي يركز عليها هذا البحث تحديداً؟ وما الصراع الذي سببته؟
إنها المفاهيم ذات الصلة بهوية الإنسان والعلاقات الإنسانية وعلم الاجتماع السياسي وبطبيعة الدولة ونظام الحكم الذي يقودها. ففي الغرب مثلاً، سعى المفكرون والفلاسفة هناك لإيجاد حلول للصراع الذي نشب حول دور الكنيسة والدين والدولة وطبيعة الحكم ومشروعيته وغيرها من المشكلات التي عانت منها المجتمعات الأوروبية. خرج هؤلاء الفلاسفة بعدة فلسفات ونظريات سياسية منها فلسفة هيجل «المثالية » فكانت الليبرالية إحدى مخرجاتها، وفلسفة ماركس )الجدلية المادية( فكانت ديكتاتورية البروليتاريا والشيوعية من مخرجات هذه الفلسفة. لذلك لا يمكن فصل نشوء هذه الفلسفات والنظريات عن الصراع المذكور بين الشعوب الأوروبية في القرون الوسطى من جهة، والدولة «الدينية » التي تقودها الكنيسة هناك من جهة أخرى. في هذا السياق التاريخي انتشرت بعض المفاهيم مثل مفهوم الدولة «العلمانية » و «المدنية » بمواجهة مفهوم «الدولة الدينية » للتخلص والخلاص من سيطرة الكنيسة. لقد كان صراعهم صراعاً تاريخياً عميقاً لم يتوقف عند حدود الفكر طبعاً بل بلغ حد الصراع السياسي المباشر وأخذ طابعاً مسلحاً في معظم الحالات وتَرَك تأثيرات مباشرة على حياة الفرد والمجتمع هناك. على أية حال، لم تتحول كل الدول الأوروربية إلى العلمانية وهذا ما سيتم توضيحه في الفصل السادس.
انتقل الصراع المذكور آنفاً إلى مجتمعاتنا في بدايات القرن العشرين على أيدي بعض المفكرين والمثقفين العرب (مسلمين ومسيحيين) في سياق بحثهم أيضاً عن حلول لمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، فاستورد بعضهم مفهوم العلمانية ومفاهيم الفكر الماركسي والفكر الليبرالي رغم أنها كانت مفاهيم مرحلية أنتجتها نخب الأمم التي خاضتْ صراعاً خاصاً في مرحلة محددة من تاريخها هي حصراً. وأبدعَ البعض الآخر من مثقفي مجتمعاتنا فلسفة بديلة شكَّلتْ قاعدة معرفية لنظرية سياسية تجيب عن التحديات المعاصرة وتقدم حلولا لقضايا الأمة والعقد الاجتماعي والدولة والاقتصاد[١].
انقسم مثقفو مجتمعاتنا إلى تيارات سياسية وأحزاب إيدولوجية متصارعة حمل بعضها شعار العلمانية وحمل بعضها الآخر شعار الدولة الإسلامية وضاع دعاة الدولة المدنية ما بين العلمانيين والدينيين. لم تأتِ هذه الأحزاب والتيارات بأية إنجازات عملية لصالح مجتمعاتنا، بل لربما يتحمل بعضها مسؤولية الكوارث التي حلت بها إما بسبب الاغتراب الثقافي الذي عاشته بعض هذه الأحزاب والنخب وهجرانها للغة الأم واعتمادها على ما ينتجه الغرب، أو بسبب التعصب الثقافي لدى البعض الآخر الذي رفض التجديد واستخفَ بدور العقل وحرّم الاجتهاد واستنكر التنوير فاكتفى بما جاء به السلف الديني أو القومي. وما أحوج مجتمعاتنا للتدافع أو الانفتاح الثقافي بدل التعصّب والاغتراب. فلماذا غاب التدافع والانفتاح؟
لأن الانقسام المذكور أعلاه لم يتوقف عند حدود التيارات السياسية وأحزابها ومثقفيها. فإن إلقاء نظرةٍ عامةٍ على تاريخ وواقع المجتمعات في مختلف أرجاء العالم يكشف أنه قلّما شهدتْ العلاقات الاجتماعية بين الناس - أفراداً وجماعات- استقراراً معتَبراً. وقلّما حققتْ هذه العلاقات مستوياتٍ مقبولة من التفاهم والرضا والرقي، بل سيطر الصراع والتنافر على مختلف العلاقات البشرية وليس فقط على العلاقات المهنية والسياسية والدولية فأصاب العلاقات داخل الأسرة الواحدة والحي الواحد والطبقة الواحدة والطائفة الواحدة