Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الفلسفة والسلم
الفلسفة والسلم
الفلسفة والسلم
Ebook334 pages2 hours

الفلسفة والسلم

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

في هذا الكتاب يأتي زهير المدنيني بعد حوالي قرن من الزمان إلى ما بدأه أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل ومترجم كتابات أرسطو في الأخلاق والسياسة ويحاول أن يقف موقفه في دراسته للأخلاق وكيف تسهم في التعاون الدولي، في المرحلة التي نحياها في ظل الحضارة الغربية الرأسمالية المهيمنة في صورتها العولمية الحالية التي يطلق عليها توني نيجري ومايكل هارت الإمبراطورية. ومن خلال مؤلفه هذا يسعى المدنيني إلى بلورة صورة إنسانية تفتح على أفق مواطنات جديدة تنتشل الإنسان من المسخ السياسي اليوم الذي «احتلّ مسرح ما بعد الحداثة «من أجل استئناف التفكير في الإنساني المتشوّف إلى مواطنة عالمية راسخة في فضاء المعمورة يمكن أن يمنحنا إمكانات جديدة لتصوّر كوني لا يرادف العولمة. كما يهدف إلى استئناف التفكير في الكوسموسياسي الكانطي من أجل تخليص الكوني من العولمي. ذلك أنّ القصد من إعادة طرح مسألة الكوسموسياسي اليوم كما يرى إنّما يرتبط بتداعيات عنف العولمة، وتسلّط آلة الحرب تحت توجيه غطرسة الأقوى على العلاقات البشرية، ومن هنا يتجه طرق مسألة المواطنة العالمية؛ ضمن نطاق «قراءة بعدية» لمشروع السّلم الذي كان كانط قد أثاره في مشروعه الكوسموسياسي. ومن هنا لا يوجد كما يقول ما يعبّر عمّا تشهده الإنسانية اليوم في أرجاء العالم من عبارة «الانسداد السياسي»، بل توشك السياسة أن تتلاشي وتتوارى أو تختفي في ظلّ ما يشهده العقل من «عجز» عن إيجاد سبل مجابهة الخطير الإمبراطوري ، هذا إن لم يكن العقل نفسه قد انزاح «رغما عنه» عن الطريق الذي يفترض أن يسلكه انسجاما مع مبادئه وأعمق رهاناته الإيتيقية. ويرى المدنينى أننا لو نظرنا في طبيعة العولمة على نحو مستقلّ ومنفصل عن الكوني، لاكتشفنا أنّ طبيعة الكوني مختلفة جذريّا عن العولمة، فكلاهما يلغي الآخر ، ولا يستقيم وجود أحدهما في ظلّ حضور الآخر، فالعلاقة بينهما هي علاقة تناف متبادل، إذ إنّ العولمة يخترقها تناقض حادّ بين سياق مهيمن للرّأسمالية الشّاملة التي لا تخلو من غموض، وسياسة ذات حمولة عالميّة مطالبة بالتصدّي لما يترتّب عنها (أي العولمة) من آثار.

Languageالعربية
Publishertevoi
Release dateSep 10, 2022
ISBN9789938230499
الفلسفة والسلم

Related to الفلسفة والسلم

Related ebooks

Reviews for الفلسفة والسلم

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الفلسفة والسلم - زهير المدنيني

    الفلسفة والسّلم

    تأليف

    د. زهير المدنيني

    المراجعة لغوية

    د. محمّد بن عبد الجليل

    تأليف

    د. زهير المدنيني

    مدير النشر عماد العزّالي

    التصميم ناصر بن ناصر

    الترقيم الدولي للكتاب 978-9938-23-049-9

    جميع الحقوق محفوظة

    الطبعة الأولى

    1442 هـ / 2021 م

    العنوان: 5 شارع شطرانة 2073 برج الوزير أريانة - الجمهورية التونسية

    الهاتف : 58563568 +216

    الموقع الإلكتروني : www.lecteurtunisien.com

    البـريد الإلكتروني : medi.publishers@gnet.tn

    ننشر هذا الكتاب تزامنا مع انطلاق أعمال كرسي الإيسيسكو

    بالقصر السعيد- قصر الثقافة والآداب والفنون بباردو- تونس

    تحذير

    المؤلّف هو المسؤول وحده عن اختيار محتويات هذا الكتاب وعرضه وعن الآراء الواردة فيه والتي لا تعبّر بالضرورة عن آراء منظّمة الأيسيسكو ولا تلزمها.

    « L’auteur est responsable du choix et de la présentation des contenus de cette publication et des opinions qui y sont exprimées, lesquelles ne sont pas nécessairement conformes à celles de L’ICESCO et n'engagent pas l'Organisation »;

    الإهداء

    إلى أستاذي

    الدكـتور فتحي التريكي

    تقديم

    التأسيس والتجاوز في الفلسفة والسلم

    الدكتور /أحمد عبد الحليم عطية

    {1}

    عادة ما يكون تقديم عمل جديد لكاتب متخصص، عرضا وبيانا لموضوع العمل وجدته والإضافة التي أتى بها المبدع وتقييما وتقديرالأهميته وما يمثله من كشف جديد في مجاله عن وجه حق في معظم الأحوال، وهذا ما نقره ونؤكد عليه وإن كنا لن نسير على هذا النهج في هذا التقديم؛ ليس لأن زهير المدنيني يواصل اجتهاداته السابقة في هذا المجال ويضيف إليها؛ بل لأنه يقدم أطروحة وإشكالية وقضية يدافع عنها، ظهرت مضمرة في أعماله السابقة واليوم يقدمها ليس بصفته باحثا يعلق على الموضوع بل باعتباره صاحب وجهة نظر يمتلك رؤية آن أوان الإفصاح عنها.

    وهي وجهة نظر جديرة بالتأمل فيها والنقاش حولها والتأكيد عليها؛ باعتبار صاحبها متفلسفا وباعتباره متفلسفا عربيا، في وقت تحولنا فيه جميعا إلي معلقين؛ شارحين؛ عارضين. وهو بهذا الوصف مثل معظم مثقفي زماننا في يوم العالمين هذا؛ يحيا اللحظة الحالية؛ لحظة المعية الزمانية لتقنيات الحضارة المعاصرة الواحدة، غربية الانبثاق؛ كونية الحضور؛ حتمية التأثير؛ وهو ما لا يمكن أن يتغافل عنه متفلسف معاصر؛ يحيا تاريخه وخصوصية الهوية التي تمتد إلى التاريخ العربي الإسلامي وما يسبقه وما يعاصره من حضارات شرقية قديمة؛ تكاد تتلاشي في حضور الحضارة الغربية الرأسمالية الواحدة الوحيدة التي تهيمن على الكون تلك التي يعاديها البعض وينبهر بها الأكثرون، والتي تطلق عليها تسميات متعددة من وجهات نظر متنوعة مثل؛ العالمية والعولمية والكونية والكوكبية والامبراطورية والاستعمارية وما بعد الاستعمارية.

    وكل تسمية من تلك التسميات السابقة تحمل شحنة دلالية؛ تاريخية وإيديولوجية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فهي اقتصادية في النظام العالمي الجديد والعولمة، وهي سياسيا امبراطورية، وفكريا وثقافيا هي الكونية، وتقنيا يطلق عليها الكوكبية، وتاريخيا واجتماعيا وقيميا وأخلاقيا هي عالم واحد مشترك وحياة إنسانية سويّة. فمنا من يغلب الاقتصاد والسياسة ويتحدث عن العولمة، التي تحكم العالم تقنيا ومنا من يسلك المسلك التاريخي الاجتماعي فينظر إلى حضارتنا النظرة القانونية والأخلاقية. ذلك هو الاستقطاب الذي نحياه جميعا على كافة الأصعدة وعلى مختلف مراحل التاريخ، التي عاشها أجدادنا منذ المأمون بين الوافد والموروث وفي العصر الحديث زمن الإصلاح الديني وتقدم الغرب وتخلف الشرق بين الأصالة والمعاصرة ،وهو مايحياه الجيل الحالي بين المحلية والعولمة أو ما يراه البعض من التسميات بين الأخلاق والسياسة، ويجده بعضنا بين الحداثة وما بعد الحداثة أو بين هابرماسوهيدجر، الذين اهتمّ كل منهما بكانط على اختلاف توجهاتهما. ومن أبحاثه كانط يبدأ المدنيني مضيفا إليه الفارابي ومن قبله وهابرماس ومن بعده. ومن كانط والفارابي كانت أبحاثه المبكرة.

    إلاّ أنّ هناك من يسبق الفارابي في تقليده السياسي الأخلاقي وهناك من يتلو كانط ويواصله في مشروعه للسلام الدائم، وهذا هو المنطلق الذي يبدأ منه المدنينيويواصله، ويؤصّله ، ذلك هو النهج الذي أطلقت عليه في أعمالي الأخيرة ومعظمها لم ينشر بعد – التأسيس والتجاوز، وأنجزت فيه كتابيّ «نحن وهيجل» و «نحن وكانط». وقد أرسلت الأخير إلى الأستاذ زهير مدنيني - دون تواعد مسبق- في نفس اللحظة التي وصلني فيها كتابه «الفلسفة والسلم»؛ الذي يتناول فيه السلم العالمي بعد كانط وهو إشكالية اشتغل بها كثيرا وبطرق مختلفة في أعماله المبكرة التي ربما كانت تمهيدا وتعبيدا للطريق إلى هذا العمل الذي نحن بصدده.

    والتأسيس والتجاوز جوهر الفلسفة الكانطية وهما ما يميز العقلانية النقدية عند كانط، ليس فقط كما يظهر فيما كتبه عن المعرفة والأخلاق في النقد الأول والثاني للعقلين النظري والعملي ولا في مقاليه عن: ما التنوير؟ وما الثورة؟ ولكن الأهم بالنسبة إلينا وإلى عموم الجنس البشري هو الدين في حدود العقل وحده، وفي مشروع للسلام الدائم. وكان حضور هذه الأعمال في الثقافة والفكر العربي على نفس التتابع الذي ذكرناه، قد عرّف الرواد كفيلسوفللمعرفة والأخلاق حتى ما بعد منتصف القرن العشرين وفي فترة السبعينيات والثمانينيات باعتباره صاحب أنطولوجيا العصر وفيلسوف التنوير ومع مطلع القرن الحالي كان انشغالنا بكتابيه؛ الدين في حدود العقل، والسلام العالمي. وركز الأوائل من أساتذتنا على النقد والتأسيس واشغتل المعاصرون منا بالتجاوز والتأويل.

    والتجاوز فعل فلسفي على الأصالة كما كتب شيخ الكانطيين العرب المعاصرين، بعد عثمان أمين وتوفيق الطويل، ونعنى به اللبناني موسى وهبه وإن كان تعاملنا مع الكانطية يسبق ذلك بكثير حيث تعرفنا على كانط منذ العقود الأولى للقرن العشرين، فقد وجدنا بين أهم مفكرينا الليبيراليين من يوظف كتاب «مشروع للسلام الدائم» في المطالبة باستقلال مصر من الاحتلال الإنجليزي كما فعل ذلك أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل ومترجم كتابات أرسطو في الأخلاق والسياسة وذلك في ما كتبه عن : الأخلاق وكيف تسهم في التعاون العالمي. وهناك صلة ما بين ما كتبه لطفي السيد وما كتبه زهير المدنيني رغم اختلاف التوجه، والمرحلة التاريخية، وتطور الشعوب والأمم والحضارة الإنسانية، فكلاهما يواجه حضارة متفوقة بأسلحتها وهي الفكر الاجتماعي السياسي الأخلاقي.

    يأتي المدنيني بعد حوالي قرن من الزمان إلى ما بدأه لطفي السيد ويحاول أن يقف موقفه في دراسته للأخلاق وكيف تسهم في التعاون الدولي فما هي السبل والمناهج التي يواجه بها المدنيني، المرحلة التي نحياها في ظل الحضارة الغربية الرأسمالية المهيمنة في صورتها العولمية الحالية التي يطلق عليها توني نيجري ومايكل هارت الإمبراطورية. ذلك هو موضوع كتابه «الفلسفة والسلم».

    {2}

    إنّ استئناف التفكير في الإنساني على ما يقول صاحب الفارابي ضمن إطار طرح مغاير لمسألة المواطنة العالمية يرمي إلى تسويغ إمكانات جديدة لتصوّر الكوني على نحو ينبّه إلى أخطار تداعيات العصر الامبراطوري. ومن هنا يسعي المدنيني إلى بلورة صورة إنسانية تفتح على أفق مواطنات جديدة تنتشل الإنسان من المسخ السياسي اليوم الذي «احتلّ مسرح ما بعد الحداثة «من أجل استئناف التفكير في الإنساني المتشوّف إلى مواطنة عالمية راسخة في فضاء المعمورة يمكن أن يمنحنا إمكانات جديدة لتصوّر كوني لا يرادف العولمة.

    يهدف المدنيني إلى استئناف التفكير في الكوسموسياسيالكانطي من أجل تخليص الكوني من العولمي. ذلك أنّ القصد من إعادة طرح مسألة الكوسموسياسي اليوم كما يرى إنّما يرتبط بتداعيات عنف العولمة، وتسلّط آلة الحرب تحت توجيه غطرسة الأقوى على العلاقات البشرية، ومن هنا يتجه طرق مسألة المواطنة العالمية؛ ضمن نطاق «قراءة بعدية» لمشروع السّلم الذي كان كانط قد أثاره في مشروعه الكوسموسياسي. ومن هنا لا يوجد كما يقول ما يعبّر عمّا تشهده الإنسانية اليوم في أرجاء العالم من عبارة «الانسداد السياسي»، بل توشك السياسة أن تتلاشي وتتوارى أو تختفي في ظلّ ما يشهده العقل من «عجز» عن إيجاد سبل مجابهة الخطير الإمبراطوري ، هذا إن لم يكن العقل نفسه قد انزاح «رغما عنه» عن الطريق الذي يفترض أن يسلكه انسجاما مع مبادئه وأعمق رهاناته الإيتيقية.

    وبقدر ما تبدو العولمة السّياسية رؤية «كونية»، فإنّ هذه الكونية لا تخلو من محاذير ناجمة عمّا ترسّخ من تواشج بين «الكوني» و «العولمي». يرىالمدنينى أننا لو نظرنا في طبيعة العولمة على نحو مستقلّ ومنفصل عن الكوني، لاكتشفنا أنّ طبيعة الكوني مختلفة جذريّا عن العولمة، فكلاهما يلغي الآخر ، ولا يستقيم وجود أحدهما في ظلّ حضور الآخر، فالعلاقة بينهما هي علاقة تناف متبادل. إنّ العولمة يخترقها تناقض حادّ بين سياق مهيمن للرّأسمالية الشّاملة التي لا تخلو من غموض، وسياسة ذات حمولة عالميّة مطالبة بالتصدّي لما يترتّب عنها (أي العولمة) من آثار.

    وإذا كان غلوكسمان يثبت الأفق المتأزّم الذي تزجّ فيه العولمة الإنسانية بأسرها، ويؤكّد على أنّ هذا المآل الحتمي للعولمة لا يمكنه أن يخرق قاعدة الوجود البشري التاريخية، وهي : تناوب السّلم والحرب دون أن يوجد بالضّرورة وضع نهائيّ قائم من خلال أحدهما دون الآخر. إن ما يهّمنا في هذا الطّرح، إلى جانب التعرّف إلى أفق الأزمة التي يشهدها الكوني تحت عنوان الحرب كما يبين المدنيني، هو مسألة السّلم باعتبارها مطروحة في سياسة المعمورة رهانا أقصى ترنو إليه الإنسانية.

    إنّ كلّ المؤشّرات في بداية القرن الجديد تدل على وجود ابتعاد متزايد، وعلى نحو مقلق وخطير، عن الطّموح الفلسفي للسّلام. ومن هنا يتوقف المؤلف عند قضية المواطنة العالمية في سياق العولمة.

    {3}

    يمكن النّظر إلى المواطنة العالمية بصفتها نوعا من «الارتباط المدني « أو «علاقة ذكية» بين أنداد متساوين ، تحترم استقلالية الآخر. لا تستقيم المعمورة دون اختلاف ولا تبلغ درجة التّوازن دون تنوّع في القيم والعلاقات بين الشّعوب والدّول. ليست العولمة اليوم سوى حلقة من حلقات تاريخ المستقبل الإنساني ، لكنها ليست الحلقة الأخيرة. ومن هنا يؤكد المدنيني أنّنا في حاجة إلى ضبط ملامح التمشّي الذي يمكّن من بلورة السّبيل / أو السّبل القادرة على طرح «التّعايش التّسالمي» باعتباره مبدءا أقصى للتّفكير السّياسي الرّاهن.

    وهو يصف في بداية الفصل الثاني: آفاق السّلم الكوني، مظاهر الوضع العالمي ويحددها في ثلاثة هي :

    - ضيق مجال العلاقة بين الأفراد داخل المجتمع بالنّظر إلى تطوّر وسائل الفهم وأدوات التّواصل.

    - تراجع مفهوم الدّولة القوميّة في ظلّ ما فرضه الواقع الجيو-سياسي الجديد

    - تشكّل بوادر مشروع فلسفي لم يتّخذ بعد صورته النهائيّة ما دامت مكوّناته ومضامينه ما زالت «متناثرة» بين توجّهات فكريّة متنوّعة لكلّ منها إطار اهتمامها وطريقة مقاربتها تحت تأثير تعمّق الاختصاصات المعرفيّة وتعدّد مجالاتها. هذه المظاهر تكتسي عنده أهمية بحيث لا يمكن قراءة الوضع الإنساني الرّاهن بمعزل عنها، ويرى أن أيّ تأويل لهذا الوضع يشترط الأخذ بعين الاعتبار لأمرين هما المطلب الأساسي لهذا العمل:

    - ارتباط المعرفة بالقوّة مهما كان الشّكل الذي تفرزه علاقتهما: معرفة القوّة وقوّة المعرفة.

    - انفصال الأخلاق عن السّياسة مهما كانت الدّلالة التي يتّخذها هذا الانفصال بينهما.

    تساعدنا منطلقات هذه القراءة في الوضع السّياسي الرّاهن فيما يرى على رصد ثلاث نقاط رئيسة بالنّسبة إلى السياسة الدولية.

    - بلورة الآليّة التي تسمح بالانتقال من المواطنة العالمية بالمعنى الموروث عن فلسفة التّنوير إلى مواطنة عالمية راهنة تتجلّى مظاهرها في ما يمكن تسميته بالمدنية الكونيّة.

    توحيد الآراء حول مفاهيم مشتركة بين النّاس في مختلف أرجاء المعمورة،مثل معنى الحقّ ومعنى العدل، ومعنى التّسالم... هذا ما يعني استثمار ما جعله الفارابي خاصّا بمدينة أو أمّة في مجال أوسع هو مجال المعمورة ممّا يخوّل الحديث عن آراء مدنيّة كونيّة.

    - إرساء ما يمكّن من تحقيق انسجام الآراء مع الأفعال تمهيدا للانخراط ضمن أفق التسالم.لنتوقف عند عباراته التي تقول:

    تتأسّس فكرة حقّ المواطنة العالمية التي لا يستقيم السّلم دون الانخراط ضمنها، على «الدّخول إلى مجتمع من الأمم يمكن فيه لكلّ دولة، بما في ذلك الدّول الصّغرى، أن تأمل في ضمان حمايتها وحقوقها، ليس بمقتضى قوّتها الخاصّة أو التّقدير الخاص لحقّها، وإنّما أساسا عن طريق هذا المجتمع الكبير من الأمم»، ويرى أنه بصرف النظر عن الأسباب التي حملت كانط على استبدال فكرة «المدينة الكونيّة» أو مجتمع الأمم، بفكرة الضّيافة العالميّة المبنيّة على مبدأ الزّيارة، فإنّ حلّ المسألة السياسية على صعيد المعمورة لا يكون بعيدا عن المسلمات الأخلاقية، فلا مناص من البحث عن حلول أخلاقيّة للأزمة السّياسية. فما المقصود بهذا الفضاء العمومي؟ إلى أيّ مدى يمكن أن يسهم في مواجهة الصّعوبات التي تعترض المواطنة العالمية اليوم؟

    والفضاء العمومي العالمي هو هذا الفضاء؛ الذي يلتقي حوله جميع قاطني المعمورة على نحو يسمح لهم بالتّواصل والحوار بشكل ديمقراطي في كنف السّلم،ويضيف اعتبارات مرتبطة بالديمقراطية تتنزّل بمثابة شروط إمكان التسالم في المعمورة انطلاقا من فلسفة الفارابي: ومن هنا يؤكد أنه ينبغي أن ننظر إلى المدينة الديمقراطية لا على أنّها الغاية القصوى للسياسة، بل بما هي الأرضيّة المبدئيّة والأوّليّة التي تساعد البشر تدريجيّا على بلوغ وضع من الاختلاط والتّعايش لا يماثله أيّ وضع موجود في الواقع التّاريخي. ومع هذا فإنه لا وجود لما يثبت في واقع السّياسة العالميّة اليوم أنّ العلاقات الإنسانيّة مبنية على احترام حقّ المواطنة العالمية، حتّى وإن كان ثمة من المؤسّسات الدّولية والمنظّمات الحقوقيّة والإنسانيّة ما يعبّر عن هذا الحقّ، ويقدّمه عنوانا بارزا في سياستها السّلمية، لكنّ ذلك لا يعني فيما يرى امتناع هذا الحقّ عن التّطبيق أو استحالته من النّاحية الواقعيّة. نستنتج من كلّ ما سبق، أنّه لا مناص للإنسانيّة من أمور ثلاثة يمكنها أن تساعد على إرساء قواعد سياسية مقبولة من الجميع بصورة تمكّن من إقامة التّسالم بين النّاس:

    الأمر الأوّل: يخصّ التّضامن، الذي لا يستقيم دون مبدأ المحبّة الذي جعله الفارابي شرطا لتحقيق الانسجام في المعمورة.

    الأمر الثّاني: يخصّ مسألة الوعي بالحاجة إلى الفضاءات العموميّة المفتوحة على نطاق واسع من المعمورة، وليس بصفة مخصوصة ومحصورة في الفضاء الغربي المحكوم بالإيديولوجيا الرّأسمالية.

    الأمر الثالث: يخصّ ترسيخ إيتيقا المسؤولية، التي من شأنها أن تجعل الأخلاق مقترنة جوهريّا بكلّ وعي ديمقراطي حقيقي... ويمكن في هذا الصّدد أن نرسم أفق تضامن متلائم مع أيّ مشروع مدني سواء كان قوميّا أو أمميّا أو كوسموسياسيا. هكذا، تسمح هذه الأمور بإقامة رباط النّاس على أسّ الإنسانيّة التي لا يمكن أن يكون ثمة ما هو أبلغ من التّعبير عنها من التّضامن بما هو قيمة، أو التّعاون بما هو مبدأ والمحبّة بصفتها قاعدة للتّواصل.

    إنّ استئناف التفكير في المواطنة العالمية ليس إلاّ مقاربة لإعادة النّظر في علاقة الأخلاقي والسّياسي، ومسعىمن أجل إرساء قواعد الممارسة السّياسية على أساس مفهوم التعقّل باصطلاح الفارابي أو الفرونيزيس باصطلاح أرسطو. فالتفكير في المواطنة العالمية يزمع البحث عن سبل تأصيل السّياسة أخلاقيّا.

    يمكن تتويج هذا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1