Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات
الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات
الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات
Ebook287 pages1 hour

الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

نشأت حضارة الغرب متأثرة بالحضارة الإسلامية، لكن الأدوار انقلبت بعد عصر النهضة، وأخضع الغرب الثقافات والحضارات، بما في ذلك الإسلام. ورغم التقدم العلمي والتكنولوجي، فإن البشرية تمر بأزمات تهدد وجودها، فهذا التقدم لم يوقف زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولم يمنع النمو في الأمراض الجسدية والنفسية، ولم يقلل خطر الإبادة النووية ومخاطر تغير المناخ. في الوقت الذي يشهد العالم فيه تصعيدًا في الاستقطاب بين الإسلام والغرب.

يحفِّز الكتابُ الفكرَ، بدعوته القراء إلى الاطلاع على الأزمات التي تواجههم وإعادة اكتشاف العلاقة بين الإسلام والغرب من خلال منظور مختلف، فالكاتب يرى أن مقياس النجاح الحقيقي يستقيم عبر التوازن بين الاحتياجات الروحية والمادية للإنسانية؛ ما يجعل من الممكن العيش في وئام مع الآخرين.
Languageالعربية
Release dateJul 6, 2023
ISBN9789927164095
الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات

Related to الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات

Related ebooks

Reviews for الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الإسلام والغرب - نظرة جديدة إلى عصر الأزمات - كيلر أحمد بول

    التصدير

    الوقت أواخر شهر مارس 2019، الشحارير تصدح، وأشجار الكرز قد أينعت. موسم تجدُّدٍ أضع فيه اللمسات الأخيرة على هذا الكتاب الذي بدأت في تأليفه قبل سبع سنوات، وأنا على مشارف عامي السبعين. شجعني كثيرون على كتابة الأفكار والتأملات التي شاركتها مع الأصدقاء والزملاء على مدى سنوات عديدة. كنت مترددًا بشأن تأليف هذا الكتاب، ولكن بعد أن تلقيت الدعوة من مركز الدراسات الإسلامية في جامعة كمبريدج لأكون زميلًا زائرًا، تيسَّر لي اختبار أفكاري في محاضرات وندوات أجريتها مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، فكان الاختبار محفزًا لي على إكمال المهمة.

    لقد نشأت في ظل السحابة الكثيفة للقنبلة الذرية، وما زلت أذكر مقدار الرعب الذي أثاره إلقاء تلك القنبلة في النفوس. كنت من أول جيل يُدرك أن بإمكان البشر تدمير أنفسهم، وإفناء الحياة بكافة أشكالها على سطح الأرض.

    هذه القوة الجديدة تفصل جيلنا عن جميع الأجيال السابقة. فمنذ تصنيع القنبلة الذرية، طوَّر البشر العديد من الوسائل الأخرى للتدمير الشامل. ونحن الآن محاصرون بأزمة بيئية، وبتحذيرات العلماء من الأخطار التي تواجهنا، والتي صار صوتها أعلى من أي وقت مضى. إن الأثر الذي يتركه إنتاج البشر على الطبيعة هائل للغاية، إلى درجة أننا نتسبب في تغيير المناخ. والاحتباس الحراري هو تذكير دائم لنا بأن أمرًا ما أساسيًّا يكتنفه الخطأ، وأننا نتجه صوب كارثة.

    لكن الأزمة البيئية ليست وحدها ما يهدد بقاءنا. فنحن محاصرون بمشكلة الانفجار السكاني، وبالأزمات المالية، وبعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وبزيادة الأمراض النفسية في أوساط الشباب، فضلًا عن مجموعة من المشكلات الأخرى؛ إذ يبدو أن البشرية قد ضلت طريقها. لكننا جميعًا في مركب واحد، ونتشارك كلنا هذا الكوكب الأزرق البديع الذي رأيناه للمرة الأولى عن بعد، عندما التقطت صوره من سطح القمر. وإذا لحق دمار بالأرض، فسوف نتأثر جميعنا بطبيعة الحال.

    إن ما يحدث في ركن من أركان عالمنا المترابط، يصل تأثيره إلى باقي أركانه في التو واللحظة. فنحن نشهد التوترات المتزايدة، واندلاع العنف بين الدول وفي المجتمعات المحلية داخل الدول، في الوقت الذي تتكشف فيه فصول تلك الأحداث.

    نحن ممزقون في المملكة المتحدة بسبب انفصالنا عن المجموعة الأوروبية، فهذا الانفصال مزق أمتنا، وسمَّم حياتنا السياسية. ومنذ مدة قُتل خمسون مصليًا وهم يؤدون صلاة الجُمُعة في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلاند(1). وتزامنت تلك المذبحة مع اكتظاظ الميدان الرئيسي في المدينة بآلاف الأطفال. كان هؤلاء الأطفال يتظاهرون ضد الاحتباس الحراري في إطار حركة متسعة على نطاق العالم، ويلقون باللوم على البالغين لعدم تعاملهم بجدية مع مشكلة التغير المناخي ومما يهدد مستقبلهم. وفي إنجلترا، في اليوم التالي للمجزرة، جرى تحطيم نوافذ خمسة مساجد. وفي هولندا، قَتَلَ مسلم خمسة أشخاص في عربة ترام(2). يفاقم الخوف والكراهية والانتقام من فداحة دائرة الرعب.

    لكن شتان بين تلك الأحداث والمشهد الحاصل منذ نحو أربعين عامًا مضى! ففي عام 1976 أقيم مهرجان في لندن احتفاءً بحضارة الإسلام. وقد شمل «مهرجان العالم الإسلامي» –كما أطلق عليه– عشرات العروض التي نسقها مجلس بريطانيا العظمى للفنون، وافتتحته جلالة الملكة. في تلك الفترة، لم يعرف الناس عن الإسلام سوى القليل، وكانت الاستجابة للمهرجان رائعة. كانت روعة الحضارة الإسلامية وإنسانيتها وعبقريتها التي هيمنت على العالمين الإفريقي والأوراسي لأكثر من ألف عام بمثابة كشفٍ. واستقبل الجمهور ذلك الحدث استقبالًا حسنًا لحرصه على التعرف إلى عالم غير مألوف بالنسبة له. غير أن هذا الاستفتاح الواعد سرعان ما طواه النسيان؛ إذ لم تنقضِ سوى ثلاث سنوات حتى هيمنت على المجال العام صورة مختلفةٌ تمام الاختلاف عن الإسلام مع اندلاع الثورة الإيرانية. كانت تلك بداية استقطاب بين صورتين مشوهتين للإسلام والغرب، كانت ذروته بعد أحداث سبتمبر و«الحرب على الإرهاب».

    تقع في مركز هذا الكتاب فكرة أننا نعيش الآن في «عصر الأزمات»، ونحن مستمرون على هذا الوضع منذ تصنيع القنبلة الذرية. إن الواقع الدائم المتمثل في أننا يمكن أن ندمر أنفسنا ونمحو جميع صور الحياة على كوكب الأرض بطرق عديدة يحيق بوجودنا. وتتضمن الصفحات الآتية محاولة لفهم كيف وصلنا إلى عصر الأزمات، ومحاولة تفكيك الالتباس والعداء اللذين يحكمان العلاقة بين الإسلام والغرب الآن.

    ولكي يتحقق ذلك، أقترح تغيير المنظور عبر إيجاد سردية جديدة تشتمل على مجموعة معايير. إن سردية التقدم هي التي تقود العالم الحديث، ولقد حشدت التاريخَ كله في أعقابها؛ بينما يُنظَر إلى الإسلام وثقافات ما قبل العصر الحديث من منطلق تلك السردية الزجاجية. لكن الفكرة الحديثة عن التقدم تخص الغرب على نحو استثنائي، ويصبح حظُّها من المنطق قليلًا عندما تطبَّق على الإسلام ومجتمعات ما قبل العصر الحديث؛ لذا أقترحُ على مدى الصفحات الآتية أن نستبدل بمعيار التقدم معيار التوازن، وهو مبدأ محوري في الحضارة الإسلامية، وهو بحق شرط مسبق أساسي لاستدامة أي ثقافة أو حضارة. يمكن النظر إلى عصر الأزمات بوصفه ناجمًا عن اختلال التوازن الذي حدث في أسلوب حياتنا الحديث؛ أي اختلال التوازن بين الجانبين المادي والروحي، وبين أنفسنا وبيئتنا التي نحيا فيها.

    يبدأ الكتاب بمقدمة تعرض الحجج المؤيدة لسردية جديدة، وتوجز معيار التوازن الكامن خلف هذه الأطروحة. ويتألف الجزء الرئيسي من الكتاب من سبعة فصول، يشتمل ستة منها على موضوعات تطبَّق أولًا على الإسلام ثم على الغرب. وهذه الموضوعات قد نسميها مكونات رئيسية في تشكيل العالَمين وتطورهما التاريخي. أما الفصل الأخير فيتناول عصر الأزمات، وتلخص خاتمة موجزة كيف ينظر إلى الإسلام والغرب من منظور التوازن. وأضفتُ مسردًا بمصطلحات ومبادئ ظهرت في هذه الدراسة، وبعضها مصطلحات صُكَّت حديثًا.

    والمأمول أن ييسر هذا التحليل المقارن فَهْمَنا لعصر الأزمات، وأن ينير أفهامنا كي ندرك العالم الحديث، ويمكِّننا من رؤية الإسلام والحضارة الإسلامية في ضوء أوضح.

    إن هذا الكتاب هو ثمرة خبراتي في الحياة، وعلى طول رحلتي أسهم كثيرون في فتح عيوني على أمور كثيرة وأسهموا في نمو إدراكي بشأنها؛ لذا أود أن أشكرهم جميعًا، لا سيما من دعموا بحثي وشجعوه وأسهموا فيه، ومن عملوا على تحرير هذا الكتاب وإنتاجه على مدى السنوات السبع الماضية. أما أي خطأ أو سوء تقدير فيه فيقع على عاتقي وحدي بطبيعة الحال.

    كمبريدج، مارس 2019


    (1) نفَّذ عنصري أسترالي هجمة إرهابية على المسجدين في 15 مارس 2019 في أثناء صلاة الجُمُعة، راح ضحيتها 51 مصليًا، وجُرح أكثر من 40 آخرين. [المترجم]

    (2) أطلق تركي مسلم النار في ترام في مدينة أوتريشت في 18 مارس 2019. [المترجم]

    المقدمة

    سلطة السردية الحالية

    يرتبط العالمان الإسلامي والغربي بجيرة تتجاوز 14 قرنًا. وقد اشتد عود العالم الغربي تحت ظل الحضارة الإسلامية، ثم غزا الغرب بقية العالم، وأخضع جميع الثقافات والحضارات الأخرى بما فيها العالم الإسلامي، في انقلاب درامي للأدوار، عقب عصر النهضة الأوروبية. أذِنَ هذا التحول ببروز العالم الحديث، وهي حقبة لا تشبه مطلقًا أي حقبة أخرى سبقتها. وقد حدث تطور رئيسي في هذا التحول في عصر الاستنارة(3) إذ برزت سردية طرحت فكرة التقدم الإنساني. كان ذلك المفهوم ثوريًّا وحل محل السردية المسيحية للخلاص.

    رأت هذه السردية الجديدة أن الألفية المسيحية المنصرمة كانت عصرًا للظلمات خضع لهيمنة الجهل والخرافة. وصارت تلك الألفية تعرف باسم العصور الوسطى، وهي فترة تقع بين التنوير الذي أتى به القدماء والنور الذي أتى به العالم الحديث. ثم أُدرجت الحضارة الإسلامية في هذه السردية تحت عنوان «العصر الذهبي الإسلامي» الذي تزامن مع العصور المظلمة لأوروبا، وهو عصر حافظت فيه الحضارة الإسلامية على مشعل المعرفة اليونانية والرومانية مضيئًا. وقيل إن المسلمين انزلقوا إلى حالة تدهور وركود بعدما سلموا مشعل المعرفة إلى الأوروبيين الذين سرَّعوا عجلة التقدم. والعالم الإسلامي الآن هو جزء من العالم النامي الذي يتعين عليه اللحاق بالغرب. وخلاصة القول: إن هذه السردية تحكي عن انتصار الغرب، وكيف تأخرت باقي المجتمعات بما فيها المجتمع الإسلامي.

    قارب فلاسفة ومفكرو القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تجلي فكرة التقدم التي صاغوها بطرق متباينة تمام التباين. فقد رأى إيمانويل كَنْت التقدم بحسبانه «خروج الإنسان من شرنقة انعدام النضج التي فرضها على نفسه». أما هيغل فقد رأى أن الهزات الاجتماعية والثورات المستمرة في التاريخ الأوروبي الحديث تعني حتمًا أن الحرية والتقدم يتجسدان في الأوروبي وحده. وبحسب ما يرى هيغل، فعندما تهتز الحالة السياسية والاجتماعية الراهنة (الفرضية thesis) بسبب صراع أو معارضة (الفرضية النقيضة antithesis)، تنتج الثورة حريةً إنسانية وتقدمًا اجتماعيًّا أكبر (التخليق synthesis). ورأى هيغل أن فترات السعادة هي صفحات بيضاء في التاريخ، وهي أوقات تغيب فيها الفرضية النقيضة، ووصل إلى استنتاج مفاده أن «تاريخ الصين لم يُظهر أي تطور. فالصين والهند يقعان خارج مسار التاريخ العالمي». أما كارل ماركس فرأى أن المجتمعات البشرية وهي تسير في طريقها نحو التقدم لا بد لها أن تمر في مرحلة الشيوعية البدائية، ومجتمعات العبيد، والإقطاع، والرأسمالية، والاشتراكية قبل أن تصل في نهاية الأمر إلى الشيوعية الكاملة. أما أوغست كونت فرأى أن الأسلوب العلمي هو الضامن الوحيد للمعرفة؛ وقد حل الأسلوب العلمي محل الميتافيزيقا في التطور الاجتماعي للإنسان. ورأى كونت في قانونه عن التقدم الإنساني أن المجتمعات البشرية لا بد أن تمر عبر ثلاث مراحل: اللاهوتية، والميتافيزيقية، والإيجابية أو العلمية. بينما رأى هربرت سبنسر، سيرًا على خطى تشارلز داروين، أن التقدم ليس حادثًا بل ضرورة؛ إذ يجب أن تتطور الإنسانية حتى تصبح كاملة ومثالية، وهذا الكمال ليس متاحًا إلا للأوروبيين بما أن السمات الجسدية النمطية للتقدم لها حضور «أقوى عند الأوروبي مقارنة بالهمجي». وكان سبنسر هو من صك مصطلح «البقاء للأقوى»، لا داروين.

    إن سردية التقدم راسخة في أعماق وعينا، وتغذي لغتنا، وقد شكلت الطريقة التي نفكر بها، وهي السردية العالمية التي تدفع العالم الحديث. وفي ثقافتنا المعاصرة ثمَّ تمييز حادٌّ بين الكلمات الإيجابية مثل: «ابتكار»، و«تطوير»، و«تغيير»، و«أحدَثَ ثورةً»، و«متطور» من ناحية، والكلمات التي تحمل دلالات سلبية مثل: «العصور المظلمة»، و«العصور الوسطى»، و«رجعي»، و«ماضوي»ـ من ناحية أخرى.

    إن ما يبدو إنجازًا للحداثة لا يقبل الجدل، قد صاغه الاقتصادي الأسترالي وولفغانغ كاسبر بوضوح على هذا النحو:

    «في مقابل الركود والبؤس لأمد بعيد، إن سجل الرخاء المتزايد على مدار القرنين الماضيين، لا سيما على مدى السنوات الخمسين الماضية، مذهل بحق».

    ويجادل أنتوني بِرتون في كتابه «صعود الملك القطن وسقوطه» (The Rise and Fall of King Cotton) بأن الثورة الصناعية أنقذت البشرية من المشقة والجوع اللذين كانا من سمات الماضي:

    «كان العالم القديم معنيًّا في الأساس بالبقاء على قيد الحياة. كان ذلك مجتمعًا زراعيًّا، متوازنًا دومًا، على حد الكفاف الذي يفصل الكفاية عن التضور جوعًا. أما العالم الحديث فهو دينامي، متأقلم مع فكرة النمو الاقتصادي المتواصل. ولن يجادل سوى قلة قليلة من الناس بأن التضور جوعًا أفضل من الكفاية ورغد العيش، ولن يكون في وسعهم أن يجادلوا بأن الانتقال من حالٍ إلى أخرى كان ممكنًا من دون التحول إلى التصنيع؛ لذا، من المنطق أن نقول: إن التحول إلى التصنيع مرحلة أساسية لا بد أن يمر بها الإنسان حتى يحظى بحياة كريمة».

    ويغذى الإيمان بالتقدم الإنساني، الذي لا يرقى إليه شك، السياسة عبر أرجاء العالم، على نحو ما نتبين سواء من تصريح السيِناتور الأمريكي جون

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1