Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الحداثة والسياسة: كيف يفكر العالم؟
الحداثة والسياسة: كيف يفكر العالم؟
الحداثة والسياسة: كيف يفكر العالم؟
Ebook702 pages4 hours

الحداثة والسياسة: كيف يفكر العالم؟

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

"لقد أصبح مفهوم الحداثة مفهومًا مسيطرًا على الوجهين الظاهر والباطن للكرة الأرضية في الآونة الأخيرة

وقد صارت العلوم والتكنولوجيا هي المتحكم الأول في مصائر الأمم، ومن يعبأ بها هو من يعبأ بمستقبل أفضل، وبحياة أكثر سلاسة وتطورًا."
Languageالعربية
Release dateMar 28, 2024
ISBN9789778063233
الحداثة والسياسة: كيف يفكر العالم؟

Related to الحداثة والسياسة

Related ebooks

Reviews for الحداثة والسياسة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الحداثة والسياسة - أحمد المسلماني

    الحـــداثـــة

    والسيــاســة

    أحمـــد المسلمانـــي: الحـــداثـــة والسيــاســة، كتاب

    طبعة دار دَوِّنْ الأولى: يناير ٢٠٢٣

    رقم الإيداع: ٢٥٣٠٣/٢٠٢٢ - الترقيم الدولي: 3 - 323 - 806 - 977 - 978

    جَميــعُ حُـقـــوقِ الطَبْــعِ والنَّشرِ محـْــــفُوظةٌ للناشِرْ

    لا يجوز استخدام أو إعادة طباعة أي جزء من هذا الكتاب بأي طريقة

    بدون الحصول على الموافقة الخطية من الناشر.

    إن الآراء الــــواردة فــــي هـــذا الكتــــاب

    لا تُعبـــر عــن رؤيـــة الناشـــر بالضـــرورة

    وإنمــا تعبــر عــن رؤيــة الكــــاتب.

    © دار دَوِّنْ

    عضو اتحاد الناشرين المصريين.

    عضو اتحاد الناشرين العرب.

    القاهرة - مصر

    Mob +2 - 01020220053

    info@dardawen.com

    www.Dardawen.com

    أحمـــد المسلمانـــي

    الحـــداثـــة

    والسيــاســة

    كيف يفكر العالم؟

    إهداء

    إلى الشيخ محمد المسلماني.. والدًا ومعلمًا، عاش حياته كلّها ينتظر ما هو أفَضَل.

    انتهى الانتظار.. ولم يشهد ذلك الأفَضَل.

    لكنه أمضى حياته.. ممتلئًا بالقوة والثِّـقة.

    لقد كان يملك تلك الطّاقة الأسطورية التي لا تنتهي.. الأَمـَل.

    * * *

    إلى أمي السيدة سعاد الصاوي

    التي علمتني أن المنزل وطن صغير

    وأن الوطن منزل كبير

    وأن انهيار الأحلام الصغرى لا يعني شيئًا

    ما دام حلمٌ واحدٌ كبير.. لا يزال بالإمكان.

    أحمد المسلماني

    تقديم

    السياسة من دون حداثة.. هى بناءٌ في الفراغ.. تشييد قلاعٍ من رمال.. كتابة موسوعة كبرى على قمم الأمواج.

    السياسة من دون حداثة تجعل الدولة تدور في الفراغ.. والحداثة من دون سياسة.. تدفع المجتمع إلى ثقافة الغرائب، وفوضى اللامعقول.

    * * *

    ثمّة كتب ومقالات لا نهاية لها حول مفهوم الحداثة وأطروحاتها. وقد حظيْت نظريات الحداثة في الآداب والفنون باهتمامٍ واسعٍ.. ثم جاءت أطروحات «ما بعد الحداثة» لتضيف إلى أطروحات الحداثة.. أرففًا جديدة في المكتبات.. ورسائل متجدِّدة في الجامعات.

    وفي العالم العربي.. كان المشهد مثيرًا للغاية.. حيث جرى الانشغال بـ»الحداثة» ثم الانشغال بـ»ما بعد الحداثة».. وبدأ البعض يتحدث عن «ما بعد بعد الحداثة» أو «بعد ما بعد الحداثة».. على الرغم من أن معظم العالم العربي كان يُسرع الخُطى خارج التاريخ!

    * * *

    لقد انشغلَ بعض الفكر الإسلامي بنقد الحداثة، وبينما حاول البعض التوفيق بين الإسلام والحداثة.. قال البعض الآخر بالخلاف بينهما.

    تركّز النقد الديني للحداثة على أطروحات: إلغاء الماضي، ونسْف الموروث، وإزاحة الدين.. والتحرُّر من كل شئ.

    لم تكن هذه هى بالضبط أُسُس الحداثة.. ولكنّ المعركة مع مِثل هذه الأفكار.. هى معركةٌ ضروريةٌ وصحيحةٌ.. ذلك أن الدفاع عن الدين وقيم الإيمان هو أمرٌ واجبٌ على معسكر المؤمنين جميعًا.

    القضية هى أن الإسلاميين اختاروا الحداثيين المتطرفين.. لإطلاق المعركة مع الحداثة.. وكان أداء الحداثيين المتطرفين.. داعمًا للطرف الآخر، ومعزِّزًا لوجوده.

    * * *

    في تقديري.. أن جانبًا كبيرًا من هذه المعركة كان مفتعلاً، وأن تلك المعركة كانت أشبه بقنابل غبار جرى تفجيرها لإضعاف الرؤية.. وإرباك الطريق.

    إن الحداثة ليست كلمة «مقدسة» لها نصها وسياقها الثابت.. بل هى كلمة فلسفية فكرية يمكن تعريفها على النحو المناسب.. ولا يوجد تعريف يمكنه أن يعلن امتلاكه الخاصّ لها.. ونفى كافة التعريفات الأخرى.

    وعلى ذلك يمكن القول.. أن الحداثة هى سيادة العقل.. وأن عصر الحداثة هو تحكيم العلم في إدارة شئون الحياة.

    وما يخصّ زيادات المتزيّدين عن إلغاء التراث وإزاحة الدين.. فيجب إلغاؤه تمامًا.. والاكتفاء في مشروع الحداثة.. بالعلم والبحث والعقل والمنطق.. إلى غير ذلك من أسس الحضارة الحديثة.

    * * *

    وإذا كان الأمر كذلك.. فإن الحداثة هى سياق إسلامي.. وليست سياقًا معاديًا للإسلام.. فلا معنى لأن يلهث الإنسان وراء تطوير المادة مع إلغاء الروح.. أو تطوير المبنى مع تدمير المعنى.. أو تحديث الاقتصاد وإلغاء الرسالة.

    لتكن إذن المصالحة بين الإسلام والحداثة، وبين الأصالة والمعاصرة.. والدين والدنيا.

    بالنسبة لنا.. فإن عصر العقل لم يسُد، ونداء العلم لم يصِل.. ولاتزال معظم مجتمعاتنا تعيش في حقبة ما قبل الحداثة.

    ولقد جاءت جماعات الإسلام السياسي المتطرفة.. لتدفع العالم الإسلامي أبعد وأبعد نحو الخروج من حقائق العصر.. والانجراف خارج حركة التاريخ.

    * * *

    إن أزمة الحداثة والسياسة لا تخصّ العالم العربي والإسلامي وحده، فلقد دخل الغرب أزمة كبرى جرّاء عنف العولمة، والاستخدام اللأخلاقي للعلم.. ثم صعود الأيديولوجيات المتطرفة من اليسار الفوضوي إلى النازيين الجدد.

    ولقد جاءت جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، والأزمة الاقتصادية العالمية.. لتضع ميراث الحداثة بأكمله أمام مفترق الطرق.

    * * *

    هذه مقالات منفصلة متصلّة.. فيها من استقلالية الفكرة وفيها أيضًا من اتصّال الطّرح.

    تكشف فصول هذا الكتاب عن جوانب من حركة العلم والسياسة، وكذلك الفكر والتاريخ.. وقد سبق نشر بعضٍ منها في صحيفة الأهرام وكذلك صحيفة الوطن المصرية، وصحيفة الاتحاد الإماراتية، وصحيفة أساس اللبنانية، وموقع ساينتيفيك أميريكان.

    والغاية الرئيسية من ذلك العرض المتنوع.. والممتد من الدولة إلي الكون.. هو تعزيز فكرة الثقافة الموسوعية من جهة، وتمديد أفق الرأي والرؤية.. إلي مساحات جديدة وأطروحات عديدة.

    إنني أتمني للسادة القراء.. المتعة والفائدة علي نحو ما كان يقول أبوحيان التوحيدي، وأن تدفع هذه الموضوعات.. إلي تعزيز العقل، وتمكين العلم.. وتعظيم المعرفة.

    أحمد المسلماني

    القاهرة ٢٠٢٢

    ما بعد الإيمان.. الوثنيّون الجُدد

    في أثناء الحرب في أفغانستان قام قائد وحدة عسكرية نرويجية بإلقاء كلمة حماسية يحثُّ جنوده فيها على الشجاعة حتى الموت. وكانت المفاجأة أنه قال: إن من يمُت منكم سيذهب إلى جنة الإله ثور!

    ينتمي ذلك القائد إلى «الوثنية الجديدة»، وهو واحدٌ من عشرات الآلاف في شمال أوروبا الذين تركوا المسيحية، وعادوا إلى الديانات السابقة عليها.

    لقد اعتنقت الدول الإسكندنافية المسيحية قبل ألف عامٍ تقريبًا. وكانت الديانة السائدة قبل مجيء المسيحية هي عبادة «آلهة الفايكنج». كانت أصنام تلك الآلهة توجد في كلِّ مكان. وكان أقواها هو الإله ثور. إنَّهُ -بحسب الفايكنج- إله الغابات والعواصف.. وهو الإله الذي أشار الضابط النرويجي إلى رضاه.. وإلى جنته!

    في عام ٢٠١٠ اعترفت بريطانيا رسميًّا بالديانة الوثنية «درويدري»، وفي عام ٢٠١٥ بدأ بناء أول معبد وثني في آيسلندا بموافقة حكومية. واليوم يزيد عدد الوثنيين الجُدد على نحو مستمر. ولقد تطورت تلك الديانات القديمة-الجديدة، بحيث بات لها كهنة وطقوس.. ويلتزم أعضاؤها بتلك الطقوس على نحو مثير.

    * * *

    تبدأ القصة في جمهورية آيسلندا عام ١٩٧٢، حيث قاد شاعر وراعي غنم يُدعى «بينتينسون» مبادرةً لإعادة إحياء الديانة الوثنية القديمة. وأسَّس لذلك الغرض التجمع الوثني «آساترو».

    وبحسب موقع «بي بي سي».. فبينما كان وزير العدل يدرس طلب الموافقة على اعتبار الوثنية الجديدة، ديانة معترف بها.. هبّت عاصفة رعدية، وأصابت صاعقة محطة الطاقة، وغرقت البلاد في ظلام دامس. وهنا ظنّ الناس أن ذلك تحذير من الإله ثور، وبعدها استسلم الوزير ووافق على الطلب.

    بعد ثلث قرن من تلك الموافقة بدأ «التجمع الوثني» بناء أول معبد لآلهة الفايكنج في العاصمة ريكيافيك. تم اختيار موقع يطل على العاصمة، وفيه تم جمع كل الآلهة لأول مرة منذ دخول المسيحية.

    تضاعفت أعداد الوثنيين الجدد في آيسلندا أربع مرات في السنوات العشر-الأخيرة. لقد وقع الأمر نفسه في بريطانيا، حيث تعود ديانة «درويدري» الوثنية إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.

    لكن الوضع الديني في بريطانيا باتَ أكثر تدهورًا منه في آيسلندا. ذلك أن بريطانيا ببساطة لم تعد دولة مسيحية. وقد صُدم الرأي العام البريطاني؛ حيث نشرت جامعة «سانت ماري» البريطانية دراسة في مارس ٢٠١٨ انتهت فيها إلى أن المسيحية في بريطانيا قد تراجعت إلى (٤٣٪)، في حين ارتفعت نسبة اللا دينيين إلى (٤٩٪) من البريطانيين. وهكذا فإن خريطة الدين في بريطانيا كالتالي: اللا دينيون (٤٩٪)، المسيحيون (٤٣٪)، المسلمون (٤٪)، الهندوسية وديانات أخرى (٤٪).

    جاءت الدراسة صادمة للدولة والمجتمع، ذلك أن الملكة هي الحاكم الأعلى للكنيسة، وهي حامية الإيمان. كما أن صليب القديس جرجس يتصدّر علم الدولة.

    علَّقت صحيفة ديلي تليجراف على نتائج الدراسة قائلة: «بريطانيا لم تعُد دولة مسيحية.. تقبلّوا الأمر». لا يقف الأمر عند بريطانيا أو آيسلندا، ذلك أن أوروبا التي بدأت خريف الإيمان المسيحي في القرن الثامن عشر، قد أضحت اليوم أقلّ إيمانًا من أيّ وقتٍ مضى.

    * * *

    في دراسة حديثة بشأن حالة الدين في أوروبا جاءت النتائج أن (٥١٪) فقط من سكان دول الاتحاد الأوروبي هم من يؤمنون بالمسيحية. وبينما يؤمن (٢٥٪) من الأوروبيين بفكرة «الروح الخارقة».. لا يؤمن (٢٠٪) بأيّ دين!

    وبحسب صحيفة الجارديان، فإنّ غالبية الشباب في عشر دول أوروبية لا يتبعون دينًا بعينه، وأن الدين يتراجع على نحو أكبر في دول شرق أوروبا ذات التراث الشيوعي. وتُعد التشيك وإستونيا الأقل تدينًا. وبينما تذهب دراسة «هارييت شيروود» إلى أن (٧٠٪) من الشباب في بريطانيا يقرّون أنهم بلا دين، يذهب أستاذ اللاهوت وعلوم الدين في جامعة سانت ماري «ستيفن بوليفانت» إل أنّ (٩١٪) من الشباب في التشيك يُقرّون أنهم بلا دين.

    يقول البروفيسور ستيفن تعليقًا على دراسته «الشباب والدين في أوروبا»: «معظم الشباب الآن بلا دين. إن الدين في أوروبا يُحتضر. تتجِّه أوروبا نحو «اللادين»، والمتدينون يرون أنهم يسبحون ضدّ التيار. لقد ذهب الدين إلى الأبد.. ولن يعود -على الأقل- في خلال المائة سنة القادمة».

    تلغي هذه الدراسات -تمامًا- تلك الفرضيات العنصرية حول أن الإسلام يُهدِّد الهويّة المسيحية لأوروبا، ذلك أن أوروبا نفسها تفقد هويتها المسيحية بغض النظر عن وجود المسلمين فيها. وربما هذا ما يُفسِّر تراجع رجل دين مثل الكاردينال النمساوي «كريستوف شونبورن»، الذي هاجم المسلمين في إحدى عظاته، وقال: «إنّنا نشهد محاولة ثالثة للإسلام لاجتياح أوروبا».. ثم عادَ وقال: «إن أوروبا تفقد إرثها المسيحي بسبب فتور العلاقة بين المسيحيين والمسيحية.. كلُّ الناس في النمسا يعرفون ما هو شهر رمضان، لكنّ كثيرين لا يعرفون ما هو صيام الجمعة. علينا ألّا نخشى الإسلام، بل علينا أن نخشى تراجع المسيحية».

    * * *

    الحقيقة أن معسكر الإيمان في العالم كله بات مُهدّدًا، فالإلحاد يكتسح اليهودية، وموجة شك متزايدة باتت تجتاح قطاعات من الشباب المسلم. وبحسب مركز بيو الأمريكي فإن عدد الملحدين في العالم زاد على المليار نسمة. لقد صعد «الإنسان» مقابل «الدين».. أي «الإيمان بالإنسان» مقابل «الإيمان بالله».

    وبحسب دراسة عباس يونس «تاريخ موجز الإلحاد من عصر النهضة إلى القرن التاسع عشر» الصادرة عن مؤسسة طابة.. فإنّ «دينيس ديدرو» كان أول فيلسوف ملحد يُقرُّ بإلحاده، ولقد تبعه بعد ذلك فلاسفة الثورة الفرنسية، ثم الفلاسفة الألمان.. وانتشرت آراء فيورباخ وكارل ماركس وسيجموند فرويد وداروين ونيتشه.. وهم من أوصلوا الإلحاد إلى عتبة القرن العشرين.

    لكن الإلحاد المعاصر لا يقوم على المزاعم العلمية أو الفلسفية وحدها.. بل يقوم -أيضًا- نتيجة الاقتصاد والسياسة والمجتمع، ضغوط العولمة، ومعركة الوظيفة والدخل، وسطوة الفردية وانهيار القيَم.

    * * *

    تتبدّى الانعكاسات الدينية للعولمة في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من غيرها، حيث الطوائف العديدة، والأديان الناشئة والأنبياء الجُدد. لقد تأسست وظائف ومصادر دخل من جرّاء استخدام من يُطلقون على أنفسهم «المعلمون الروحانيون» لحالة الفراغ الديني والقلق الوجودي.

    يُسمى القادة الروحانيون «الغورو»، وفي الولايات المتحدة يحظى هؤلاء بفرصٍ كبيرة. وبحسب مناضل عقلاني يُدعى «ريك روس»: «إذا كنت زعيم طائفة تعال إلى أمريكا، وإذا أعلنت عن تأسيس دين جديد ستكون لك الحماية، وسيجري إعفاؤك من الضرائب». من هنا أصبح «الغورو» هم ملوك الطوائف الجدد، إنهم يُنشئون أديانًا ومذاهب، ويستقطبون أتباعًا ومؤمنين. وهم يحصلون مقابل ذلك على الكثير من المكانة والأكثر من الأموال.

    * * *

    في عام ٢٠٢١ بثّ التليفزيون الألماني «DW» الوثائقي المثير «أنبياء أمريكا الجدد.. البحث عن السعادة بأي ثمن».

    بذلت «فلورا ديسبونتس» و»غاري غرابل» جهدًا كبيرًا من أجل إبراز بعض جماعات «حركة العصر الجديد». وسوف يندهش المشاهد حين يرى فتاة تُدعى «يونيكول» تزعم أنها مخلوق فضائي، وأنها هبطت في جسم إنسان، وقد كلفها الفضائيون بتأسيس ديانة جديدة في عام ٢٠١٢. وسوف يندهش المشاهد أكثر حين يرى أعداد المؤمنين بها، والمعتنقين لدينها، والذين يذهب بعضهم إلى صحراء نيفادا لمخاطبة الفضائيين هناك من خلال عملية التخاطر!

    يعرض الوثائقي أيضًا معلمة روحية أخرى تتواصل مع الكائنات الفضائية، وقد أسست دينًا يمكن تسميته «اليونية» حيث ترى هي وأتباعها أنهم سوف ينقذون الكوكب ببركة «يوني»، وحينئذٍ يكون «الفرح الخالص». وفي كل صباح أحد يصلّي هؤلاء ليوني قائلين «روح يوني في داخلي، روح يوني لطيفة، نحن أعظم من البشر». وتحصل مؤسسة الديانة على آلاف الدولارات شهريًّا من بيع المنتجات الدينية على موقعها الإلكتروني.

    ثمّة ثالث يُدعى «ديوريك شامان» أسس «دين الفودو»، قال إن جدته القادمة من هاييتي قد أبلغته بهذا الدين، وطلبت منه نشره بين الناس. تتضمن الطقوس الصراخ من أعماق الجسد بصوت مرتفع للغاية، ثم الضحك الهستيري الصاخب، ثم الارتعاش البدني من أجل ضبط كهرباء الجسد. ثم يكون الشكر «شكرًا لك يارب، شكرًا يا أرواح النور».

    أصبح مؤسس الطائفة بالغ الثراء، وفي كل عام يُقام حفل سنوي كبير في فيلا فاخرة في لاس فيجاس يحضرها نجوم هوليوود.

    هناك أيضًا «جيمس آرثر» الذي جمع (١٠) مليون دولار من العمل الروحي، ثم دخل السجن ثم عاد إلى الأضواء، وهنك كذلك مؤسس «طائفة نيكسيام» الذي حُكم عليه بالسجن (١٢٠) سنة بتهمة العمل القسري والإتجار بالجنس.

    بحسب «ريك روس» لـ»DW»: يجب العمل على إيقاف غسيل المخ هذا، وكشف كل ما يحدث، وتوعية الناس، وتحرير الأشخاص الذين يقعون في براثن الغورو المتلاعبين.

    إن أمريكا لا تعاني صعود اليسار أو النازية أو الجماعات المسلحة فحسب، فهناك أيضًا الهيبيون الجُدد، حيث الفراغ والانكسار والعدم.

    * * *

    إن فراغ القلب وتحطُّم الروح هو ما جعل الإنسان يخرج من الدين، أو يعود إلى ما قبل الدين. إنّه ذلك الحزن وتلك المساحة الهائلة من الخوف والقلق.

    الإيمان من دون اقتصاد يساوي موت الجسد، والاقتصاد من دون إيمان يساوي موت الروح. يحتاج العالم إلى الإيمان والاقتصاد.. معًا.

    توم كروز الفنان من دون الإنسان..

    ديانة الساينتولوجيا

    اسم هذه الديانة صعب.. هذا صحيح. اسمها «الساينتولوجيا» أو «العِلمولوجيا». واسم المؤمنين بها «الساينتولوجيون». وحين يمتدح أحدهم تقوى زميله يقول: إنه ساينتولوجي صالح.. ملتزم بساينتولوجيته!

    إنَّهُ دين «توم كروز» و»جون ترافولتا» وغيرهما من الذين يفخرون بخروجهم من المسيحية واعتناقهم الدين الجديد. وقد اندهش الملايين حول العالم وهم يتابعون ما نشرته الصحافة بشأن امتناع توم كروز لقاء ابنته ذات الاثنتي عشرة عامًا.. لأنها ترفض ترك المسيحية واعتناق الساينتولوجيا. ثم اتضح للقرَّاء.. أن الديانة الساينتولوجية تمنع لقاء الأهل والأقارب حتى لو كانوا من الأبناء.. إذا لم يدخلوا في دين آبائهم.. وأن ذلك الامتناع قد يصل إلى أعوام طويلة، وقد يمتد إلى العمر كله!

    * * *

    تأسست ديانة «الساينتولوجيا» في الخمسينيات من القرن العشرين.. أسسها كاتب أمريكي في أدب خيال علمي.. صاغ الكاتب رواية باتت «الكتاب المقدس» لمن اتبعوه.. وآمنوا به.

    تقوم أركان هذا الدين على الإيمان بأن البشر قد عاشوا في كوكب آخر. وأن زيادة عدد السكان جعل من الحياة على ذلك الكوكب عبئًا كبيرًا. وأنَّ «طاغية كوْني» قد قرّر إنقاذ الكوكب.. وذلك بتجميد الملايين منهم، ونقلهم وهم «مجمَّدون» إلى كوكب الأرض.

    ثم إنَّه ألقاهم في فوهات البراكين.. ثم ضربهم بالقنابل الذرية.. حتى ماتوا. وبعد ذلك أخذ أرواح هؤلاء الموتى الذين أزعجوا كوكبهم الأصلي.. وزرعها في أجسادٍ جديدةٍ.

    وهكذا بدأت الحياة البشرية على كوكب الأرض. وحين يموت الإنسان في نهاية الحياة.. فإن روحه تصعد من تلقاء نفسها إلى «كوكب الزهرة».. حيث يتم إعادة برمجتها من جديد.. ثم إيداعها في جسدٍ آخر. وهكذا تظل الروح دائرة في بشرٍ كثيرين.. من جسدٍ إلى آخر.

    * * *

    تقوم العقيدة في هذا الدين على أنه يجب أن يكون الإنسان بلا عاطفة أو مشاعر.. أن يكون الإنسان كالآلة.. إنسان من دون خصائص إنسانية.

    إن «ميكنة الإنسان» وإلغاء حياته النفسية هي أساس العقيدة.. فلا بكاء ولا ضحك.. لا سعادة ولا تعاسة.. إلّا بقرار.. مثل قرار تشغيل الآلة تمامًا. الضحك إرادة وقرار.. لا إحساس أو شعور.

    إن أول علم يجري التخلص منه هو «علم النفس».. حيث لا علم نفس.. لأنه ببساطة لا نفس أصلًا.. بل إنسان يسيطر على ذاته تمامًا. إنه إنسان آلي حقًّا لكن مع امتلاك الروح التي تعطيه الحياة. إنه يشترك مع الإنسان الآلي في باقي صفاته.. من إلغاء العاطفة.. بكلِّ أشكالها.. إلغاءً تامًّا.

    هنا يمكن فهم.. لماذا لم يلتقِ الممثل توم كروز ابنته.. وإعلانه أنه لن يلتقيها أبدًا.. ما لم تنضم إلى دينه. ذلك أن الممثل الشهير قد حصل على أعلى رتبة دينية في هذا الدين.. وبحسب العقيدة الدينية.. فإنه أصبح يسيطر على نفسه تمامًا.. من دون مشاعر أو عوارض الضعف الإنساني كالحب والانتماء.

    * * *

    ثار جدل كبير في الغرب حول الدين الجديد.. وتم رفع دعاوى قضائية ضدّه.. لكن القضاء البلجيكي حكم في ربيع ٢٠١٨ لصالح الدين.. وعدم إدانة أعضائه. تعترف إسبانيا وأستراليا بديانة الساينتولوجيا.. لكن أمريكا وبريطانيا وألمانيا لا تعترف.

    يواجه الدين الجديد نقدًا شديدًا من المثقفين والباحثين.. يقول نقَّاد الدين: إن مؤسس الدين كاتب خيال علمي.. جعل من أفكارٍ مسلّية دينًا جديدًا. ويروي باحثون أن أصل الفكرة كان مجرد «رهان» على أسرع طريقة لكسب مليون دولار.. وأن المؤسس قال إنه سيكسب الرهان.. ويحقق المليون دولار من فكرة جديدة.. وهي تأسيس دين جديد.. وجمع التبرعات لأجل هذا الدين.

    وبحسب شهادة زوجته.. فإن مؤسس الديانة كان «مضطربًا نفسيًّا».. وأنه اختطف ابنته ذات يوم، وقال لزوجته: أنا في كوبا.. وابنتنا معي.. وأنا سأقطِّعها وأطعِم بها الأسماك!

    يشعر علماء السياسة والاجتماع بالقلق الشديد من ديانة الساينتولوجيا.. ذلك أنه دين يلغي الإنسان.. ويجعله مجرد آلة تخضع لعلم الهندسة وليس لعلم النفس. ثم إن ذلك خطر كبير على الدستور والديمقراطية.. وفكرة الدولة والوطن.. والمبادئ الإنسانية وقيَم العائلة.

    ثمّة من يتهمون قادة ديانة الساينتولوجيا التي تمتلك عدة منشآت دينية فاخرة.. بجني أموال طائلة تصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار.. وأن الديانة تلاحق من يخرج عليها.. أو يعود إلى سابق أفكاره وإيمانه.

    * * *

    إنه الفراغ الروحي في العالم المعاصر.. الحاجة إلى الإيمان.. والإشباع النفسي.. واستقرار القلب والعقل.

    كثيرة هي الديانات الجديدة التي تحاول ملء هذا الفراغ الكبير.. عبادات وعقائد.. لا تبدو مقنعة حتى للأطفال حديثي الولادة. ولكنها تمضي إلى أتباعٍ وأتباع.. وأموالٍ وأموال.. ونجوم ومشاهير. إنهم أناس غير محظوظين نهائيًّا.. إنهم يبحثون عن الارتياح بعيدًا بعيدًا.

    ليس أسوأ حظًّا ممن راح يبحث عن الإيمان بعيدًا عن الله.. وليس أوفر حظًّا ممن رضي الله عنه.. فأوصله إليه.. فعاش وقد ذاق حلاوة الإيمان الصحيح.. تلك الروعة التي لا تفوقها روعة.. روعة الإيمان بالله.

    إن المرء ليُذهَل وهو يجد عقولًا كبيرة.. وأسماء رفيعة.. وهي تقطع آلاف الأميال في الطريق الخطأ.. ثم لا تصل إلى شيء. إن أروع عبارات الحمد والثناء.. التي تتردد على أسماعنا في كل جمعة: الحمد لله الذي هدانا لهذا.. وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

    الفيزياء والاستخبارات

    في عام ١٩٣٩ توصًّلَ عالم الفيزياء الفرنسي الحائز على جائزة نوبل «فردريك جوليو-كوري» إلى رؤية كاملة لصناعة القنبلة الذرية.. عبْر انشطار اليورانيوم ٢٣٥. لم يصبح عالم الفيزياء ومختبراته وحدهم في خطر، بل أصبحت فرنسا كلها في قبضة العدو الألماني. نقل «فردريك» كل المواد التي عمل عليها إلى بريطانيا. وفي لندن بدأ العلماء الإنجليز محاولات صناعة القنبلة الذرية.

    كان الألمان في الوقت نفسه يحاولون الوصول إلى القنبلة.. لكن هتلر لم يعطِ الاهتمام الكافي.. كما أنَّ علماء ألمانيا اليهود وعلى رأسهم «أينشتاين»، كانوا قد غادروا ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكان اليابانيون في شرق العالم يحاولون الوصول قبل الغرب إلى صناعة القنبلة.

    * * *

    لم يصل أحدٌ إلى القنبلة الذريّة.. لا الإنجليز ولا الألمان ولا اليابانيون.. وحدهم الأمريكيون وصلوا إليها. كانت الولايات المتحدة قد شكلَّت فريقًا علميًّا أسطوريًّا.. يضم اثني عشر عالمًا من الحائزين على جائزة نوبل، وطاقمًا علميًّا فذًّا من الباحثين والمهندسين والفنيين.. يعملون جميعًا تحت رئاسة العالم الأشهر «روبرت أوبنهايمر».

    لم يكن أحدٌ في أمريكا يعرف شيئًا -أي شيء- عن هذه التجارب العلمية.. حتى «هاري ترومان» شخصيًّا والذي كان نائب الرئيس لم يكن يعرف معلومةً واحدة عن المشروع.. وقد سمع ترومان -للمرة الأولى- بالمشروع النووي.. حين أصبح رئيسًا للولايات المتحدة.

    بحسب برنامج «رحلة في الذاكرة» على قناة «روسيا اليوم»، فقد بدأت فرنسا برنامجها النووي عام ١٩٣٩ لكن احتلالها أوقف البرنامج. ثم بدأت بريطانيا عام ١٩٤١، وبدأت أمريكا عام ١٩٤٣.. ولم يبدأ الاتحاد السوفيتي إلّا في عام ١٩٤٤.

    * * *

    كان الاتحاد السوفيتي يعلم أن الحلفاء الأوروبيين يسعَون نحو القنبلة الذرية.. لكنه لم يجد الوقت لأي عمل آخر.. ذلك أن العدو الألماني كان يحتل غرب الاتحاد السوفيتي.. وكان هتلر على أبواب موسكو. لكن الاتحاد السوفيتي بدأ في عام ١٩٤٤ الطريق إلى القنبلة.

    في عام ١٩٤٥ انتهت الحرب العالمية الثانية بعد مقتل نحو سبعين مليونًا من البشر. كان نصيب الاتحاد السوفيتي منهم ثلاثين مليونًا. وشكلَّت موسكو فريقًا علميًّا يوازي فريق أوبنهايمر في أمريكا.. وكان الهدف أن يصل قبل أمريكا.. أو بعدها بقليل.

    نجحت أمريكا في أن تكون أول دولة نووية في التاريخ.. إنها لم تنجح فقط في صناعة القنبلة.. ولكنها تمكنت من نقلها على الطائرات، ثم قصف هيروشيما ونجازاكي.. بالجحيم الجديد.. وسط ذهول العالم، وصدمة إنسانية في كل مكان.

    كانت هيروشيما رسالةً إلى الاتحاد السوفيتي قبل أن تكون رسالةً إلى اليابان.. راح الاتحاد السوفيتي يتعامل مع الرسالة.. ويسابق الزمن من أجل الوصول إلى القنبلة الذريّة.

    كان يمكن للعلماء السوفييت أن يصلوا إلى القنبلة عام ١٩٥٥ أو بعد ذلك بقليل. لكن الحرب الكورية كانت قد اندلعت عام ١٩٥٠.. وكانت إحدى خطط هيئة الأركان الأمريكية إلقاء (٣٠٠) قنبلة ذريّة على (٧٠) مدينة سوفيتية.. وإنهاء وجود الاتحاد السوفيتي.. مرةً واحدةً.. وإلى الأبد.

    * * *

    كان تقدير الاتحاد السوفيتي أنّه لن يصل إلى القنبلة الذرية في الوقت المناسب، وأنَّ الولايات المتحدة تُخطط لضربه بالسلاح الذّري الجديد.. قبل أن يصل إلى ذلك السلاح غير المسبوق.

    هنا كان عمل المخابرات السوفيتية إلى جوار العلماء السوفييت.. فريقًا واحدًا. يعمل العلماء في مختبراتهم، ويعمل رجال المخابرات والعلماء العاملون معهم.. من أجل سرقة أسرار القنبلة الذرية من الولايات المتحدة.

    كان كل شيء سريًّا للغاية، ولم يكن ممكنًا اختراق المختبرات الأمريكية بالغة التحصين. لكن ما حدث كان مثيرًا بلا حدود.

    كان الحزب الشيوعي الأمريكي قويًّا للغاية، كما أنَّ الناقمين على النموذج الرأسمالي -منذ سنوات الكساد الكبير في الثلاثينيات- كانوا جزءًا من حالة غضب واسعة على النموذج الاقتصادي للولايات المتحدة. هنا كان مدخل الاتحاد السوفيتي إلى قلب واشنطن. فقد قرَّر عددٌ من الشيوعيين الأمريكيين العمل لصالح الاتحاد السوفيتي.. تغلَّب الانتماء الفكري على الانتماء الوطني.. وتغلَّبت «الأيديولوجيا» على «الدولة».

    قاد عدد من «اليهود الأمريكيين الشيوعيين» فكرة العمل لصالح الاتحاد السوفيتي. كان اليهود مغتاظين للغاية من العداء الأوروبي لهم، ومن المظالم الكبرى التي وقعت عليهم في عهد القياصرة الروس.. ولذا وجدوا أن الثورة الشيوعية السوفيتية هي الحليف الأنسب والأوثق.. ذلك أن القادة السوفييت عملوا ضدَّ حكم القياصرة حتى أسقطوه، ويعملون ضد هتلر حتى هزيمته.. وهي معارك اليهود أيضًا.

    إن مصلحة اليهود ومصلحة الشيوعيين في معاداة «القومية» وسيادة «الأمميّة».. واحدة.

    * * *

    التقطت المخابرات السوفيتية «شيوعيًّا يهوديًّا أمريكيًّا» هو «موريس كوهين».. وبحسب المصادر الروسيّة.. فقد عمل «موريس كوهين» وزوجته «لونا كوهين» مع المخابرات السوفيتية.. منذ عام ١٩٣٦.. حين كان «موريس» يقاتل ضمن «الألوية الأمميّة» في الحرب الأهلية الإسبانية.

    قام الزوجان «كوهين» بتجنيد طالب أمريكي عبقري يدرس الفيزياء في جامعة هارفارد، ثم انتقل للعمل في المختبرات الذريّة تحت رئاسة أوبنهايمر.. بالإضافة إلى آخرين عملوا لصالح المخابرات السوفيتية.. كان أغلبهم من اليهود الشيوعيين.

    ما إنّ اندلعت الحرب العالمية الثانية.. حتى تمّ استدعاء «موريس كوهين» للخدمة العسكرية، ثم ذهب إلى جبهة القتال في أوروبا. لكن زوجته «لونا كوهين» واصلت العمل لصالح المخابرات السوفيتية.. وكان دورها مذهلًا.. بل إنّه كان أساسيًّا في صناعة تاريخ العالم المعاصر.

    نجح طالب الفيزياء العبقري في الحصول على صور لأكثر من (١٥٠) وثيقة علمية.. من المختبرات النووية الأمريكية. كانت رسومًا هندسية، ومعادلات رياضية، وصورًا لأجهزة وآلات ومنشآت نووية. كانت كنزًا ثمينًا بلا حدود.

    هنا جرت واحدةٌ من أكثر عمليات الجاسوسية إثارة وخطورة.. انتهت بحصول «لونا كوهين» على الوثائق النووية.. كما استطاعت أن تتجاوز كلَّ التحديات الأمنية.. حتى وصلت «الرسومات» إلى موسكو.

    لقد تمكن الاتحاد السوفيتي بفضل جهود طالب هارفارد العبقري، ولونا كوهين من الوصول إلى صناعة القنبلة الذرية عام ١٩٤٩.. أي قبل عامٍ واحدٍ من الخطة الأمريكية لإنهاء الوجود السوفيتي في العالم.. في حال قصفه بـ(٣٠٠) قنبلة ذرية.

    لولا «الجاسوسة الأمريكية اليهودية الشيوعية» لكانت حركة التاريخ قد مضت إلى سياقٍ آخر: العالم من دون توازن نووي.. العالم من دون الاتحاد السوفيتي.. وربما العالم من دون دول أخرى.

    * * *

    لم يكن «موريس كوهين» وزوجته «لونا» وحدهما.. منْ عمِلا لصالح المخابرات السوفيتية حتى حصلتْ على أسرار القنبلة الذرية. كانت هناك أسطورة علمية واستخباراتية حاسمة: إنَّهُ البروفيسور «كلاوس فوكس».

    كان «موريس كوهين» يهوديًّا، وكان «كلاوس فوكس» مسيحيًّا.. كما كان «موريس كوهين» أمريكيًّا.. وكان «كلاوس فوكس» ألمانيًّا. لكن العقيدة الشيوعية كانت أساس الولاء والانتماء.. كانت الأيديولوجيا فوق الوطن.. أو كانت الشيوعية هي الوطن.

    ساعدت العقيدة الشيوعية كثيرًا في عملية تجنيد العملاء.. وهي التي دفعت البعض للسعي إلى العمل لصالح المخابرات السوفيتية. وأيًّا ما كانت الأوطان الأصلية أو الجنسيات القائمة أو الأديان السابقة.. فإن الشيوعية أصبحت بالنسبة إليهم كل شيء.. الدين والوطن.

    لقد كان «كلاوس فوكس» كما كان «موريس كوهين» واحدًا من هؤلاء.

    * * *

    وُلد الدكتور «كلاوس فوكس» في ألمانيا عام ١٩١١.. نبغَ في التعليم كما اهتمَّ بالسياسة.. انضمَّ إلى قوى اليسار حتّى أصبح عضوًا في الحزب الشيوعي الألماني.

    كان النازيون يصعَدون.. وكان اضطهاد النازيين للشيوعيين يتصاعد هو الآخر. ثم أصبحت ملاحقة النازيين للشيوعيين.. أساسًا في رؤية الحزب النازي للخريطة السياسية الألمانية.

    في عام ١٩٣٣، هربَ «فوكس» إلى فرنسا.. ثم إلى بريطانيا. وهناك في جامعة بريستول.. بدأت ملامح العالم الكبير تتبلور.. حيث حصل «فوكس» على درجة الدكتوراه في «الفيزياء النظرية». كان النبوغ العلمي للدكتور «فوكس» واضحًا للجميع.. لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية وضعتْ حدًّا لوجود الألمان في بريطانيا. وكان «فوكس» واحدًا من المبعدين الألمان إلى كندا.. كإجراء احتياطي اتخذته السلطات البريطانية.

    كانت بريطانيا تسابق الزمن من أجل الوصول إلى «القنبلة».. وأشار العلماء إلى ضرورة أن يكون الدكتور فوكس موجودًا في لندن. وهو ما حدث. تمّ استدعاؤه من كندا.. وأصبح في بدايات عام ١٩٤١ واحدًا من العلماء الذين يحضِّرون للقنبلة الذريّة في المختبرات البريطانية.

    * * *

    لقد كان التحوّل الدرامي الكبير في مسار الحرب العالمية الثانية صيف ١٩٤١ صادمًا للكثيرين.. ومن بينهم فوكس. فقد قام هتلر بغزو الاتحاد السوفيتي.. وهنا صعدتِ العقيدة الشيوعية عند «فوكس» إلى السطح... حين تأكد العالم الألماني أنَّ الحلفاء الغربيين للاتحاد السوفيتي قد تركوه وحيدًا يواجه ألمانيا.. وأنه لا يتشارك أيّة أبحاث عسكرية مع الحليف السوفيتي.

    رأى «فوكس» في ذلك خيانة للحليف.. وأنه يجب أن يعمل على تصحيح ذلك.. بالعمل على دعم الاتحاد السوفيتي وإعطائه نتائج الأبحاث النووية. اتصل «فوكس» بصديقٍ ألماني يعمل لصالح السوفييت، تحدثَّ معه عن مسار الأبحاث السريّة بشأن السلاح الخطير الذي يعمل الغرب على صناعته، وأبلغه أنه سيعطي تلك الأبحاث للجانب السوفيتي. وعلى إثر ذلك، تواصل «فوكس» مع ضابط استخبارات عسكرية في السفارة السوفيتية.

    في عام ١٩٤٢ حصل العالم الألماني على الجنسية البريطانية.. وفي ١٩٤٣ سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل أستاذًا في جامعة كولومبيا في نيويورك.. وواحدًا من فريق العلماء في مشروع مانهاتن لصناعة القنبلة الذرية. وهنا انتقل ملف «العالم-الجاسوس» من جهاز الاستخبارات العسكرية إلى جهاز الاستخبارات الشهير «كي جي بي».

    * * *

    لم ينجح «مشروع فيرونا» السوفيتي لصناعة القنبلة الذرية.. ونجح مشروع مانهاتن الأمريكي نجاحًا كبيرًا. وهنا عمل الدكتور فوكس بقوة لصالح الاتحاد السوفيتي.. وفي خلال عامي ١٩٤٦ و١٩٤٧ قدم معلومات مذهلة.. كانت هي الأساس في سرعة وصول السوفييت للقنبلة الذرية عام ١٩٤٩.

    كان «فوكس» عالم الفيزياء النووية «الألماني-البريطاني-الأمريكي» واحدًا من العلماء الذين طوّروا المعادلات الرياضية والحسابية لصناعة القنبلة الهيدروجينية.. كما أنه عمل الكثير من أجل صناعة القنبلة الذرية.. وهو صاحب تصميم «صاعق تفجير كتلة البلوتنيوم» داخل القنبلة. وترتبط بعض العمليات الرياضية الخاصة بتفجير القنبلة.. باسمه حتى الآن.

    في عام ٢٠١٨

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1