Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

العصير الأحمر: مجموعة قصصية
العصير الأحمر: مجموعة قصصية
العصير الأحمر: مجموعة قصصية
Ebook384 pages3 hours

العصير الأحمر: مجموعة قصصية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تعالى صوت المؤذن.. إنه المغرب.. الظلام لم يسدل ستاره كاملاً بعد، كأنه ستارة نصف قاتمة، باطنها فيه ظلمة وظاهرها من قبلها نور. تذكَّرت شجرة نخيل صغيرة كانت منتصبة بالقرب من قبر أبي، لمحتها من بعيد، كأنها شبح رمادي يمد ذراعيه في ظلمة مترددة، سرت بخطى مضطربة خائفة، أتلمّس طريقي بحذر، أحاول أن أدرك هل هناك قبر تحتي حتى لا أطأه، تذكَّرت أمي تركض خلفي وأنا صغير، محاولاً أن أتجاوز القبور، لكن ليس هناك نور الآن، وأنا الآن أتلمّس خطاي أكثر وأكثر، أحاول الوصول إلى شجرة النخيل قبل أن تختفي في حلكة الظلام العاتية. أتحرك ببطء... هذا تراب يرتفع مقدار قدم عن الأرض.. أرجِع قليلاً للوراء.. أغيّر مساري لعلَّه قبر.. أسير.. هذا تراب أعلى بنحو قدم أيضاً، لكن رجلي قد وطأته بكاملها.. أستمر رغماً عني. أرفع رأسي.. أنظر إلى النخلة.. هي قريبة الآن، نحو عشرين خطوة سوف أصل، هي الآن ليست شبحاً يقوم في ظلام متردد، إنما هي لوحة لرسام سوداوي المزاج!
Languageالعربية
Release dateJun 30, 2021
ISBN9789948844457
العصير الأحمر: مجموعة قصصية
Author

شهاب حسن

شهاب حسن؛ حاصل على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة الخرطوم عام 2013. يعشق قراءة الأدب والقصص والروايات؛ وذلك ما قاده إلى كتابة عدد من القصص القصيرة أدرجها في كتابه (العصير الأحمر).

Related to العصير الأحمر

Related ebooks

Reviews for العصير الأحمر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    العصير الأحمر - شهاب حسن

    العصير الأحمر

    مجموعة قصصية

    شهاب حسن

    Austin Macauley Publishers

    العصير الأحمر

    شهاب حسن

    الإهـــــداء

    حقوق النشر ©

    شكر وتقدير

    الجاثوم

    أحمد ومريم

    القبر اليتيم

    ساء سبيلاً

    فتاة المقهى

    فوبيا أنثى

    سائق الرافعة

    العصير الأحمر

    الحب في زمن الثورة

    صراع حول البراءة

    خطيئة الرجل الصالح

    الوحيد

    شهاب حسن

    شهاب حسن؛ حاصل على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة الخرطوم عام 2013.

    يعشق قراءة الأدب والقصص والروايات؛ وذلك ما قاده إلى كتابة عدد من القصص القصيرة أدرجها في كتابه (العصير الأحمر).

    الإهـــــداء

    إلى الطيب صالح ودوستويفسكي...!

    إلى أمّي هويدا جمال الدين..

    إلى أخي طارق، وأختيَّ آن، وآية..

    وإليكِ أروى الحاج..

    حقوق النشر ©

    شهاب حسن (2021)

    يمتلك شهاب حسن الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948844464 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948844457 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-6448187

    التصنيف العمري: 17+

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقاً لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    الطبعة الأولى (2021)

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    شكر وتقدير

    أودُّ أن أشكر كل من اقتطع من وقته الثمين وقرأ قصة من قصصي قبل صدور أولى أعمالي القصصية في هذا الكتاب، وكذلك دعمني وشجعني على الاستمرار في الكتابة، وأخص بالشكر، خطيبتي أروى الحاج، وأصدقائي الأعزاء: زينب العوض، حازم عز الدين، عمران علي، ريهام عمر، شروق الحسين، وتهليل ابن عمر. لن أنسى لكم هذا الفضل ما حييت.

    يا لهؤلاء الكتَّاب القصاصين!

    إنَّهم بدل أن يقصّوا علينا شيئاً نافعاً ممتعاً مريحاً، يهتكون جميع أسرار الحياة على هذه الأرض، ويزيحون الحجب عن جميع مبائس الوجود!

    لو كان الأمر لي لنهيتهم عن الكتابة! فكّروا في النتائج التي يؤدي إليها هذا! إنَّ المرء يقرأ ما يكتبون، فإذ هو على غير إرادةٍ منه، يأخذ يتأمل...

    وإذا بجميع أنواع الأفكار العجيبة المستحيلة تغزو رأسه.

    حقاً لو كان الأمر لي لنهيتهم عن الكتابة، أو لمنعتهم من نشر ما يكتبون...

    الأمير ف. ف. أودويفسكي

    الجاثوم

    من أين أبدأ لكم رواية قصتي! ولماذا أود أن أدوّنها؟ لا أدري لماذا! ما هي الفائدة يا ترى التي ستعود لمن يقرأ قصتي؟ لا أعتقد أنَّ ثمة فائدة.. لكن لعلَّ هناك أحدهم سيقرؤها مصحوباً بحب استطلاع البشر الذي لا سبيل إلى كبح جماحه، أو ربما شخصاً آخر يعاني من نفس الذي أعاني منه، لعلَّ عزائي في أن أواسيه ويواسيني... يواسيني! لم يعد الآن مهماً بالنسبة لي أن يواسيني أي كائن كان، لقد انتظرت عمراً طويلاً أن يواسيني أي إنسان، ولكن صبري كان قد نفذ منذ مدةٍ طويلة، ولا أريد الآن أن يواسيني شخصٌ وأنا على مقربةٍ من الموت. فما لا يخفى عليكم هو أنَّني ربما سوف أموت بعد بضعة أيام، بل إنَّ – ربَّما – هذه قد تفتح باباً للأمل، لذلك حريٌّ بي أن أكتب – أنه مؤكَّد – أنَّني سوف أموت، والسبب يُعزى لقلة النوم... إنَّني لم أنم منذ أسبوع! هل منكم من يتصور هذا الأمر؟ لكنَّها الحقيقة على أي حال... عذراً! ولكن ما همَّني إن صدَّقتموني أو لم تصدِّقوني؟ سيَّان عندي! لربما أموت غداً أو بعد غد. إنَّني لفرحٌ مسرورٌ إن تمَّ لي مرادي وأُخذت روحي، ذلك لأنَّ حياتي صارت كئيبةً موحشةً ومخيفةً بالنسبة إلّي، لم أهنأ فيها طوال فترة عيشي، ثم هأنا أعيش في دوامةٍ من الكوابيس الموحشة التي لا يبدو أنَّ لها نهاية. في البدء ظننته حلماً مخيفاً، ككلِّ الأحلام المخيفة التي تراود معظم البشر، لكنه ما لبث يطاردني من ليلة إلى أخرى، آتياً في أشكال عدة، متخذاً طرقاً متنوعةً في ترويعي وإدخال الرعب في نفسي، حتى صرت شخصاً مضطرباً، وبدأت تظهر على وجهي أمارات الجنون، وبدأت هالاتٌ سوداء تتكون حول عينيَّ من قلة النوم، حتى إنَّ من يراني يظن أنَّني خيال مآتة من شدة هزالي، أو يعتقد أنَّني أحتضر من فرط شحوبي. وكذلك لكثرة التوجُّس من أنظار الناس إليّ وكثرة حملقتي فيهم بأعينٍ مضطربة مترددة خائفة، ثم ارتعاش أناملي المستمر كأنَّني عجوزٌ هرم.

    إنَّني أخشى النوم، وتلك هي المشكلة، ترتعد فرائصي منه، وقد حاولت الهرب منه بكل الطرق التي اهتديت لها، لقد تعاطيت كل أنواع المشروبات التي تحوي الكافيين، كالقهوة، والشاي، حتى مشروبات الطاقة المركزة الكافيين مثل (ريد بول)، كنت قد جربتها، وذلك على الرغم من التحذير المكتوب على عبوته المعدنية لا تتناول أكثر من عبوتين من حجم المئتين والخمسين ملي لتراً في اليوم الواحد.

    كيف لي أن أنام! وأنا معرَّضٌ أن أواجه الخوف كل يوم، ذلك لأنه يكون قابعاً في أحد أركان غرفتي، وهذه إحدى الأشياء التي تخيفني، أعني أنَّ هنالك مخاوف أخرى سوف أسردها لكم لاحقاً. أنا لا أدري ما الذي يدفعني للكتابة حقيقةً! المهم أنَّ الذي يكون قابعاً في ركن الغرفة، في عتمة الظلام، لهو وجهٌ لا أرى منه سوى نابين طويلين، يشبهان نابي الفيل، وعينين محمرَّتين كأنهما الجمر المتقد. إنَّ أسوأ ما في الأمر، أنه يوقظني من نومي، لا أدري كيف! ليس له يدٌ حتى يوقظني بها، ولكني على حين فجأة، أرى عينيّ مستيقظتين جاحظتين وتنظران إلى ركن الغرفة التي يقبع فيها هذا الوجه المخيف. والأسوأ من كل ذلك أنني لا أستطيع الحركة، فلو كنت أستطيع الحركة، لعلي قمت من سريري وركضت دون أن أنظر ورائي. لكن كان هناك شيءٌ يشلُّ حركتي تماماً، فأشعر كأن يديَّ قد تم تكبيلهما بحبل بصورة موثوقة، ثم شُدَّ الحبل إلى جسدي، وكذلك الحال وقدماي.

    إنَّ هذا الوجه يظل ينظر إليّ وأنظر إلى عينيه المحمرتين لمدَّة ليست قصيرة، حتى إنَّه ليخيَّل إليّ أحياناً أنني قد انتقلت من الحياة إلى الموت، وأنَّ هذا الشيطان الذي أراه لهو قريني، يذكِّرني بالأيام التي أغواني فيها، بأني قد ارتكبت أفظع الآثام، وأسوأ الأفعال. ذلك لأنَّني كنت أعاقر الخمر كل ليلة تقريباً، منذ أن اشتدَّ عودي، وتركت منزلنا في عمر العشرين. إنَّ السؤال الذي يلح عليكم الآن، أنا أعرفه جيداً، لعلكم تسألون، لماذا تركت البيت بعد عمر العشرين مباشرة، وأنا لا أنتمي إلى مجتمع غربي، حيث إنَّ هذه عادة طبيعية ومحمودة عندهم. إنَّ الإجابة تكمن في أنَّ أبي قد طردني من منزله، نعم منزله، لأنه قال لي: اخرج من منزلي، لذلك لأنه منزله هو وليس منزلي، وظلت هذه الكلمة يتردد صداها في أذني كثيراً. وإنَّه على حق، وصادقٌ في هذا الأمر كل الصدق، وإني لأستعجب، من ابن من الأبناء يطلق على المنزل الذي يسكن فيه مع والديه منزله. إنَّ هذا خطأٌ شائعٌ جداً، لا بد للناس أن يأخذوه بعين الاعتبار، ويأخذوا كذلك الحيطة والحذر ويسموا الأشياء بمسمياتها. إنَّ منزل الأسرة، يظل منزل الأب، ومن حقه يا سادة أن يطرد منه من يشاء، ويدع فيه من يشاء، أوليس هو رب الأسرة، ورب الدار؟!

    خلاصة القول، إنَّه قد طردني من منزله، والسبب يعزى إلى أنَّني قد واجهته بالحقيقة المرة، إنَّه... آه اعذروني، إنَّني لا أستطيع أن أحكي أكثر من هذا، إنَّ هذا لأمر وضيع حقير، ثم إنَّني أشعر بالاشمئزاز والتقزز كلما تذكرت ذلك. لكنَّني رأيته بأم عيني، يفعل فعلته الحقيرة، في غرفة نومه، في منتصف النهار، ذلك أنَّ أمي في ذلك اليوم، كانت قد ذهبت لزيارة أختها، وقد أعلمته بخروجها عند الصباح وهو يهم بالخروج إلى العمل، فربما ومضت الفكرة في عقله، واتَّخذ قراره حينها، ونسي بأنَّني يوم الخميس، أعود من المدرسة مبكراً عند الساعة الواحدة ظهراً وليس عند الثالثة كبقية الأيام. وعندما دلفت إلى داخل البيت، تداعت إلى أذني أصوات آهات ونهنهات مصدرها غرفته، فتسلَّل الرعب إلى قلبي، وخطوت إلى غرفته بخطوات بطيئة متوجسة بدون أن أصدر أيّ صوت، وعندما فتحت الباب برويَّة، وجدته... لا أستطيع أن أحكي كل شيءٍ بالتفصيل... المهم، أنَّ الباب الموارب، قد أصدر صريراً، فاسترعى انتباههما، فوجدني حقيقةً أنظر إليه وهو يفعل فعلته تلك. صرخ في وجهي، فحملت نفسي وركضت مسرعاً إلى غرفتي.

    آه، إنَّني لست بصدد تذكر أو رواية تلك الحادثة، ولكنَّكم من حملتموني على الإجابة عن سؤالكم، ثم هذا يعزى إلى أنَّ ذكريات وأفكار كثيرة تداهمني وأنا أكتب، ثم إنَّني أكتب تحت اضطرابٍ وحالةٍ نفسيةٍ سيئةٍ أرزح تحت وطأتها ردحاً من الزمن، حتى إن ذلك قادني إلى الحيد عن الشيء الأساسي الذي كنت أود أن أرويه، لكن لعلَّ تلك الحادثة كانت سبباً في أنَّني صرت شخصاً منحرفاً عن طريق الجادة والصراط المستقيم. وبعدها صرت مشرداً بدون مأوى أو ملجأ، فتلقفني الشارع وأنا في ذلك العمر الصغير، واحتضنني اللصوص والسكارى والعرابيد، وأسوأ البشر طراً. حاولت أن أستمر في الدراسة ولكن دون جدوى، فليس لدي المال الكافي لسداد رسوم الجامعة. ثم إنَّ الخمر الذي بدأت بمعاقرته، جعل من الصَّعب عليّ الالتزام بالحضور إليها، فتركتها هكذا بدون أن أقرر تركها، كمعظم الأشياء التي تحدث لنا في الحياة دون إرادتنا.

    *****

    إنَّني لأبدأ أن آتي إلى وصف الغرفة التي أنام فيها، إذ إنها في حد ذاتها تؤازر الوجه المرعب الذي يمارس تخويفي بالصورة المثلى. إنَّها غرفةٌ معزولةٌ عن بناء المنزل الذي أسكن فيه، وهذا المنزل يتبع إلى أحد تجار المخدرات، بمدينة ق...، وسبب أنه يملك هذا البيت في تلك المدينة، هي أن المدينة متاخمة لحدود دولتين، أتحفّظ عن ذكر اسميهما، ذلك لأنَّني لا أريد أن يقبض عليّ، ولا أريد أن أوشي بالشخص الذي أكرمني وأدخلني إلى بيته، حتى وإن كان تاجر مخدرات، لكنَّه على الأقل، كان أفضل من أبي. فقد قال لي عندما أتى بي إلى مسكنه: هذه غرفتك، ولذا أحسست بأنَّها ملكي، أليس هو إذاً خيرٌ من أبي الذي طردني من منزله؟ لذلك، فإن أنا وشيت به، أكون قد قطعت يد العون التي مُدَّت لي، وأكون بذلك لا أضمن لي أيَّ مستقبل. عذراً، هل قلت مستقبلاً؟ هذا خطأٌ أعتذر عنه، لأنَّني على الأرجح سوف أموت في الأيام القادمة. إنَّ هذه الغرفة ليست بالسيئة على الإطلاق، فهي مدهونةٌ بدهانٍ أبيضٍ ما زالت رائحته تنبعث في أرجاء الغرفة. وبها سريرٌ مصنوعٌ من الحديد أنام عليه، بالإضافة إلى خزانة ملابس صنعت من خشب الموسكي (السُّوِيد)، وخوان قصير كذلك مصنوع من خشب الموسكي. هذا كل ما يوجد في هذه الغرفة، لقد أحببتها في بادئ الأمر، إلى أن بدأت تراودني تلك الكوابيس.

    إنَّ تلك اللحظة التي لا أعلم فيها أنني ميت أو حيّ، من أشد اللحظات رعباً على الإطلاق، إنَّ جسدي كله يكون مكبلاً مثلما قلت لكم، لكن عقلي يكون واعياً، وعيناي تكونان مفتوحتين، وأدرك ما يحدث حولي، لكنَّني لا أستطيع الحركة. أحياناً، يخيَّل إليّ أنَّني حقيقةً قد فارقت الحياة. وأحياناً، أحاول أن أحرِّك جسدي، أدفع ذلك الشلل كله بقوة لا تستجيب لإرادتي، قوة داخلية أحاول بها أن أحرِّك يديَّ. إنَّ هذا الأمر يبلغ من الرعب والخوف أنَّني أعجز عن تصويره لكم على الوجه الدقيق. ولا بدَّ لكم أن تخوضوه بأنفسكم حتى تعلموا إلى أي درجة هذا الأمر جدُّ مخيف. لقد كان ينتهي هذا الأمر عادة، بأن أقوم بالصراخ بشدة، ثم أقول بأعلى صوتي يا ألله! حينها أشعر أنَّ الدم بدأ يجري داخل عروقي، وأشعر بأعضائي تستجيب لأوامر ذهني أخيراً، في تلك اللحظة أتنفس الصعداء.

    إنَّ الغرفة الكئيبة الموحشة بعيدة عن فناء الدار وكأنَّ بعدها هذا هو ما يغري هذا الوجه لأن يزورني من ليلة إلى أخرى. لكن الأمر ليس مرتبطٌ بها وحدها، أعني أنني إذا تركت الغرفة فسوف لن تتوقف كوابيسي، لأنني كنت أنام أحياناً في فنادق، أو منازل أخرى عندما أكون متنقلاً لأبيع المخدرات في مدن أخرى، فيظهر لي نفس الوجه أيضاً، بنابيه العاجيين، وعينيه الحمراوتين. لقد كنت أظنُّ أيضاً أنَّ ذلك بسبب الخمر الذي أعاقره، لكن ذلك ليس صحيحاً. إذ إنَّني جربت ذات مرة أن أنام بدون أن أشرب تلك الخمرة اللعينة، لكنَّه أتاني في شكل آخر: نمت ليلةً من الليالي على جانبي الأيمن، كأنني أدع للشيطان يرتاح عند جانبي الأيسر، لا أزعجه ولا يزعجني، إذ إنَّني أحياناً أشعر بأنه يجثم على صدري، ويخنقني بكلتا يديه، وأمارس معه صراعاً محموماً، ونداءات استغاثة ليست ذات جدوى. نداءاتٌ داخليةٌ صامتةٌ، لعلّي أستطيع الإفلات من قبضته. ولكن هيهات، إلى أن أقول مرةً أخرى يا ألله، فتنفكُّ الكوابل التي كانت تقيدني، ورغم علمي أن لفظ الجلالة هو الذي سوف ينجيني من براثن الشيطان، إلاَّ إنَّني لا أهتدي إلى نطقه إلاَّ بعد طول عناء ومشقة. ثم بعدها أجلس على السرير والعرق يتصبب من جبهتي، وتتعالى ضربات قلبي وزفرات أنفاسي. لكن لم يكن ذلك ما أصابني تلك الليلة، بل هو أمرٌ آخر.

    لقد استيقظت على حين فجأة، وقمت من على سريري، وفتحت خزانة الملابس، فوجدت فيها بدلةً تشبه البدلة التي يرتديها تشارلي تشابلن، ما الذي أتى ببدلة تشارلي تشابلن إلى هنا؟ لا أدري! قمت بارتدائها، وانتعلت حذاءً أسودَ كلاسيكياً كان عليه غبرة، فقمت بإزالتها مستعملاً ملمعاً للأحذية وجدته بالقرب من الحذاء، ثم خرجت من الغرفة وأنا أرفل داخل البدلة وأتبختر بها. كان فناء المنزل مقفراً، والدنيا كلها صامتة، وكان القمر منيراً وقريباً من الأرض، لدرجة أنَّه قد خُيّل إليّ أنَّني أستطيع أن ألمسه بيدي. وذلك ما حاولت فعله، إذ ظللت أقفز وأقفز، لكنَّني لم أكد أن أصله. أمَّا النجوم، يا لجمالها! كادت تملأ صفحة السماء من شدة كثافتها، وكانت براقةً لامعةً، كلُّ مجموعة منها تشكِّل صورة من الصور. كنت أستمتع بالمنظر إلى حد السعادة، لدرجة أنني شعرت بأنّي قد قبضت أثراً من آثارها. ثم فجأةً، وأنا أتطلَّع للسماء، إذا بالوجه ذي النابين العاجيَّين والأعين المحمرَّة المتَّقدة كالجمر يظهر فجأةً، ويصير الوجه الذي بدأ ضئيلاً في بدايته يكبر ثم يكبر ثم يكبر، ثم فجأةً ظهر له فمٌ وأنف، وكانت هذه أوَّل مرة أعلم أنه يمتلك فماً وأنفاً، فصرخت، وصرخت... إلاَّ أنَّني وجدت نفسي ما زلت أرقد على سريري، إنَّني ما زلت نائماً، لا صاحياً، لا نائماً... مرهقٌ، متعبٌ، مخيفٌ هذا الأمر، هل أنا نائمٌ أم يقظ؟ هل هذا حلمٌ أم حقيقة؟ أخيراً أدركت أني ما زلت نائماً، فأيقظت نفسي، وقمت من السرير، وفتحت خزانة الملابس، فوجدت مرةً أخرى بدلة تشارلي تشابلن الأنيقة والحذاء الأسود نفسه، وملمع الأحذية كذلك، ترددت في ارتداء البدلة وانتعال الحذاء، لكني كرَّرت الأمر مرة أخرى. عندما خرجت، لم يكن ليلاً ولكنَّ الوقت كان عصراً والسماء ملبدةٌ بالغيوم، ثم بدأ الرعد يهدر والبرق يلمع على صفحة السماء التي صارت شبه سوداء قاتمة على حين فجأة، ثم نزل مطراً مهداراً، فتقهقرت على إثره إلى ناحية الغرفة، لكنَّني وأنا أحاول أن أفتح مزلاق بابها، صارت يدي تنزلق ولا ينفتح الباب، حاولت دفعه بكل ما أوتيت من قوة، إلاَّ أنَّه لم ينفتح. وفجأةً، ترامى إلى سمعي صوتٌ آتٍ من خلف الباب، يقول لي: إذا دخلت فلن تخرج مرةً أخرى، ثم بدأ الصوت وكأنه يأتي من خلفي، فالتفتُّ بجسدي كله. إنَّه الوجه مرة أخرى، وقد بدا بأنَّ لديه يدين وساقين يقف عليهما، بدا لي وكأنَّه من فصيلة القرود، لكنَّه ضخمٌ ومخيف. كان جسدي قد امتلأ بالماء حين ما قرر الوجه أن يركض إلى جهتي مسرعاً، ولما صار على بعد ذراع مني.. وجدت أنَّني ما زلت على سريري لم أتحرك منه، وما زالت عيناي مغمضتين. ولما فتحتهما وجلست على السرير محاولاً أن أسترد أنفاسي، وجدت أنَّ جسدي بكامله يتصبب عرقاً، كأنه ماء المطر الذي بلَّلني في الحلم!

    *****

    إنَّ صاحب المنزل، تاجر المخدرات المخضرم، كان يمحضني عناية خاصة، خصوصاً في الفترة الأخيرة التي تدهورت فيها صحتي. كان يأتيني عند الصباح، حاملاً معه إبريقاً من الشاي، إذ إنَّني كنت من محبي احتساء الشاي عند الصباح. كان يطرق باب غرفتي، ثم يدفع الباب ويدخل. يقف أمام الباب متطلعاً إلى هيئتي، متتبِّعاً حركاتي وسكناتي، ثاقباً نظره في عينيّ، ثم يقول فجأة: مرحباً، أما زال الأرق يستحوذ على لياليك؟، ثم يضع الصينية التي تحوي إبريق الشاي والأكواب على الخوان. عندها، أقوم بقوة خائرة متهالكة من على سريري، سببها بالتأكيد النوم المتقطع والكوابيس والهلوسات التي تجتاح نومي كل ليلة. عندما يدخل صاحب المنزل، أظلُّ أتطلَّع إليه مدة طويلةً، زامّاً شفتيَّ، لا أنبس ببنت شفه. لكنَّ أسئلته الكثيرة، لا تدع لي مجالاً طويلاً حتى أستمر في الصمت، إذ إنَّني أشعر بأنَّ رأسي مثقل وبالكاد أستطيع تحريك لساني. لكنَّني أؤكد لكم أنَّني لم أعاقر الخمر في تلك الليلة بالذات. سألني صاحب المنزل، تاجر المخدرات المخضرم عدة أسئلة:

    - ما هو نوع الأحلام التي تأتيك بالليل؟ هممم (كأنَّه يشم شيئاً)، هل هي دائماً كوابيس؟ همممم، هممم، هل هي مزعجة إلى درجة تجعلك لا تستطيع النوم؟ هممم، لا تستطيع النوم؟"

    إنَّ هذا الرجل كان كثيراً ما يمارس هذا النوع من الـ (هممم همممم)، هذه الشمشمة – إن صحَّت الكلمة – لأنه بطبيعة الحال معتاد على تعاطي المخدرات. كما إنَّه كان يكرر آخر جملة في نهاية حديثه باستمرار. رددت عليه وأنا أجلس على حافة السرير:

    - إنَّها في بادئ الأمر تكون أحلاماً جميلة، وتبقى جميلة وسعيدة مدة من الزمن، ثم بعدها تستحيل إلى كابوس مزعج.

    قال تاجر المخدرات المخضرم:

    - همممم، دعنا من الكوابيس، لنبقى مع بداية الحلم، همممم، والذي يكون جميلاً، إلى أي درجة هو جميل؟ أخبرني، همممم، أخبرني!

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1