Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الحرملك 2
الحرملك 2
الحرملك 2
Ebook232 pages2 hours

الحرملك 2

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

وراء الباب والدريشة يحدث ليس فقط ما لا نرى, وإنما أيضا ما لا نتصور أو نتخيل أو نظن .. لا تغمضوا العيون .. ولا تدفنوا الرؤوس فما يحدث في الواجهة ليس حقيقتنا زليس حقيقة مجتمعنا .. ببساطة ما يحدث خلف هذه الأبواب هو الحقيقة .
Languageالعربية
Release dateAug 9, 2022
ISBN9781545755457
الحرملك 2

Related to الحرملك 2

Related ebooks

Reviews for الحرملك 2

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

1 rating0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الحرملك 2 - آمنة الغنيم

    المقدمة

    أصدقاء الزمن الجميل

    أفرح حين ألتقي بإحدى قارئاتي صدفة.

    حين تأتي بابتسامتها لتعرِّفني بنفسها يرنّ اسمها في ذاكرتي فتجتاحني فرحة، أشعر بأني قابلت صديقة قديمة، فقرّائي هم أصدقاء الزمن الجميل، الذين رافقوني مراحل عمري كلها.

    عرفوني وأنا شابة صغيرة أتعثر بخجلي، وقاسموني كل الأيام الحلوة والمرّة.

    كنت أكتب وأنا حامل بطفلي، أرسل الحلقة ليلا،ً وفي الصباح يأتي هو وصراخه وفرحي.

    أكتب وأنا أذاكر لأطفالي، وأكتب في عيادة الأطباء بانتظار دوري.

    أكتب في مقاهي بوينس آيرس الجميلة وأصوات التانجو تصدح في المكان، وأكتب في برلين وندف الثلج تتساقط من النافذة، أكتب في شرفتي في تونس والبحر الأزرق والبيوت البيضاء بنوافذها الزرقاء تغفو تحتي.

    أكتب في تركيا وأنا أجهز مائدة الغداء لزوجات الدبلوماسيين، يأتون بلغاتهم و لهجاتهم التي تتطاير كموسيقى جميلة في أرجاء المكان.

    أكتب في القطار في فرانكفورت والخضرة والحقول تتراكض خارج النافذة وصخب من المشاعر يجتاحني.

    كتبت في كل مدينة احتضنتني، وكُنتُم دوماً معي تقاسموني غربتي وفنجان قهوتي.

    كنتم دوماً أصدقاء الزمن الجميل.

    واستطعت أن أنتقم لنفسي

    منذ زواج أمي، وكل شيء في البيت صار له طعم ولون آخر. لم يعد بيتنا هو نفسه بجدرانه وأسقفه بل صار أشبه بزنزانة تقبض على روحي.. ولم تعد أمي هي أمي تلك المرأة الرزينة الوقور بل صارت امرأة أخرى. أصبحت أشبه بمهرّجة بتلك الأصباغ التي تضعها على وجهها والملابس الملونة التي تلبسها، حتى ابتسامتها تحولت إلى ضحكات بلهاء تحاول بأي طريقة إرضاء هذا الرجل، بينما هو يبدو كالطاووس يأمر وينهي داخل البيت، وهي تسرع لتلبية حاجاته. صار هو محور حياتها.. الطعام تعدّه كما يحب ونظام البيت يسير وفق رغبته هو.. بينما أنا أصبحت أحيا على هامش حياتها، بعد أن عشت سنوات عمري وأنا محور حياتها.

    منذ وفاة أبي وأنا كل شيء في حياتها.. كنا نعيش في منزل أسرة أمي، كنت سعيدة بحياتي معها، حتى جاء اليوم الذي فاتحتني فيه بأمر زواجها. لحظتها شعرت بشيء أشبه بالصدمة.. إذ ما تخيّلت للحظة أن أمي ممكن أن تتزوج بعد وفاة أبي وتأتي برجل آخر يعيش بيننا.

    لاحظتْ الحزن الذي كسى وجهي، وقالت في وقتها إن زواجها لن يغير أي شيء وإني سأظل ابنتها الحبيبة.. لم أعلق بشيء. ما كنت موافقة على زواجها، ولكن ما كنت أستطيع الوقوف أمام رغبتها.. تمنيت لو يحدث أي شيء ليحول دون هذا الزواج كأن أمرض مثلاً أو تحدث أي حادثة، ولكن.. كل شيء سار كما خطط له.

    انتقلنا الى بيتنا الذي أقفلناه بعد وفاة أبي، وجاء زوج أمي ليعيش معنا.. رضخت للأمر الواقع.. ومنذ ذلك اليوم، وشعور الوحدة لا يفارقني. كل يوم أعود من ثانويتي لأنزوي في غرفتي، لا أكاد أرى أمي وزوجها إلا خلال وجبتي الغداء والعشاء، وأما بقية الليالي فكنت أقضيها في البكاء.. فقد شعرت بأني فقدت شيئا كبيراً في حياتي.

    لم تعد أمي تهتم بأن تسأل عني وأصبح زوجها كل شيء في حياتها.. كنت أكره تلك اللحظة التي أرى أمي وزوجها يتضاحكان. كنت أتضايق بشدة وأنسحب لغرفتي بسرعة متعللة بالتعب أو الصداع، ولكن ما كانت أمي تكلّف نفسها حتى بالاطمئنان علي.. وشيئا فشيئا كانت لدي كراهية تتنامى تجاه أمي.

    كرهتها وكرهت اهتمامها الشديد بزوجها، بينما أنا لم أعد أي شيء بالنسبة لها.. ولا أعرف كيف جاءتني تلك الفكرة المجنونة بأن أخطف منها زوجها. كانت ثورتي على أمي وحقدي الشديد قد تعاظم بداخلي. وببساطة صرت أنفذ خطتي، لم أعد أنزوي في غرفتي، صرت أحاول أن أتجاذب الحديث مع زوج أمي وأطلب منه توصيلي للمدرسة أو أحيانا لمنزل صديقتي. وشيئا فشيئا تنامت العلاقة بيننا، صار يُخرجني معه للنزهات ويشتري لي الهدايا، ويطلب مني أن أخفي أمرها عن والدتي.. ومع مرور الأيام صار يبث لي مشاعره ويدغدغ حواسي بكلمات عذبة لم أسمعها من أحد من قبل. ومع الوقت شعرت بانجذاب نحوه، وصار هو كل عالمي.. فكل أغنية أسمعها كنت أتخيل نفسي معه، وكل فيلم أراه أتخيله البطل وأضع نفسي مكان البطلة.. نسيت انتقامي لأمي، ولم أعد أفكر في إهمالها لي.

    أمي كانت فرحة لأن العلاقة أصبحت جيدة بيني وبين زوجها.. وبسذاجتها ما كانت تفكر في طبيعة تلك العلاقة. كانت تنام مبكّرا لتتركنا سهرانين وحدنا.. ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بيننا وصارت أشبه بعلاقة الأزواج!

    لحظتها ما فكرت بأبعد من تلك النقطة.. لم أفكر بمستقبلي أو بحياتي بعده، فقد كان يكفيني أنه يعيش بقربي وأنه سيكون لي طول العمر.. وقتها لم أفكر في الوضع الشاذ الذي وضعت نفسي فيه.. فقد كنت غارقة في عالم آخر.. عالم لا أرى فيه سواه. وفي غمرة مشاعري واندفاعي نحوه، بدأت ألحظ تحولاً كبيراً في مشاعره نحوي.. لم يعد يبدي اهتمامه بي كالسابق، بل صار دائم التغيب خارج المنزل، ولا يعود حتى ساعات متأخرة من الليل.

    اندهشت من أمره! حاولت أن أعرف سر تغيره، ولكنه كان دائم التعلل إما بانشغاله بالعمل أو بالتعب.. ولكن إحساسي الداخلي كان يؤكد أن الأمر أكبر من مجرد تعب أو انشغال في العمل.. تملكتني حيرة شديدة.

    أيام وأسابيع حتى اكتشفت سر هذا التحول. الصدفة وحدها هي التي عرفتني أن هناك امرأة أخرى بحياته، سمعته يحادثها في التلفون.. لم يكن يعلم بوجودي داخل البيت.. كان يحسبني خارجة مع أمي.. انتظرته حتى أنهى مكالمته.. واجهته ولم ينكر.. ببساطة قال لي أنه على علاقة بها وينوي الزواج منها.. ثرت ثورة شديدة وصرخت فيه «وماذا بشأني أنا؟!».

    ولكنه لم يعر لثورتي أي اهتمام. لحظتها شعرت أني خسرت أشياء كثيرة، لم أفكر أن أخبر أمي لأنها أضعف من أن تتخذ موقفاً. وكأي فتاة بريئة اتجهت إلى الأخصائية الاجتماعية في مدرستي.. وكضحية صرت أسرد عليها قصتي مع زوج أمي الذي غرّر بي، وبأدمع زائفة غلّفت الحادثة بهالة من الحزن. تأثرت الأخصائية وتعاطفت معي إدارة المدرسة.. استدعي زوج أمي للتحقيق، وحوّل للنيابة.. بينما لم تطالني يد القانون باعتباري فتاة قاصر.

    لم يهمني المصير الذي انتهى إليه، ولا أدمع أمي التي تسفكها ليل نهار، ولا الشحوب والهزال الذي بدا عليها. كل ما يهمني أنني استطعت أن أنتقم لنفسي.

    ٢٧ مايو ١٩٩٤

    ليتني لم أسمع كلامه

    «زوجك تزوج! يرددونها على مسامعي تزوج؟! من هذا الذي تزوج؟! زوجي أنا في الكويت.. تزوج في الكويت؟! لا.. قطعا هناك خطأ ما». كنت أنا والصغار هناك معه ننام على أصوات الرصاصات ونصحو على الأخبار تتناثر من موجات الراديو.

    كان عصبياً، نعم أتذكر كيف كان متوتراً ومرعوباً، لا يمكن لأحد بهذا الوضع أن يفكر بشيء كالزواج. كانت أخبار التفتيش وحوادث الاغتصاب تملؤه ذعراً وهلعاً علينا أنا والصغار، فلا ينام لأنه كان يفكر في مصيرنا.

    قال لي أخاف على شرفكم، أخاف لو يهتك عرضكم بينما أنا أقف أعزل. أخفّف عنه أحاول أن أطرد عنه الأفكار السوداء، ولكنه كان يصرخ، لا تحاولي أن تقولي أي شيء، أنا مدرك لفداحة الكارثة التي تحيط بنا وما أقوله ليس وساوس أو أوهام بل هو واقع نحياه كل يوم. كنت أصمت، فأخبار الاعتقالات والاغتصاب تتردد على مسامعنا كل يوم.

    - «ارحلوا!».

    قالها لي زوجي واندهشت من الكلمة، ليس لغرابتها فقد كان شيئاً يتكرر كل يوم، عوائل ترحل وبيوت تقفل. ولكن دهشت لأني أنا بالذات لم أفكر فيها قط، لم أفكر في أن أرحل وأترك مكاني وبيتي. لا أستطيع للحظة واحدة أن أتخيل أنني ممكن أن أرحل عن هنا. ولكن كان زوجي مصرا على رحيلنا، قال لي كلاما أوجعني:

    - «أتدرين كيف سيكون حالي لو تعرض لكم أحدهم؟! أرحمي بحالي وارحلي أنتِ والصغار!».

    أذعنت لمطلبه، كنت أحمل حاجياتي أنا والصغار بصمت، وبفكر غائب أشعر بأن التي تتحرك هذه امرأة أخرى غيري، فحتى تلك اللحظة، لم أستطيع أن أتخيل أنني يمكن أن أترك بيتي وزوجي وأخرج مع الصغار يبتلعنا مصير مجهول.

    - «ليس هناك خطر». قال لي زوجي يطمئنني.

    سأتبعكم حتى نقطة الحدود، وحين تصلون لمنطقة الخفجي اتصلي بشقيقك في الدمام ليأتِ لأخذك أنتِ والصغار. انزلقت دمعة على وجنتي، شعرت بها تلسعني.. أحقا سأترك بيتي؟! السيارة تلتهم الأرض، صغاري يلقون نظرة أخيرة على كل شيء بحزن وألم صامت.

    اختلط كل شيء، لم أعد أرى طريقي من أدمعي حتى وصلت إلى نقطة الحدود. هالتني الأعداد الكبيرة من الناس الخارجة نحو الجنوب، سرب طويل من السيارات أمامي. تعرضنا لتفتيش دقيق من قبل الجنود العراقيين، أخذوا مني كل شيء حتى دبلة زواجي خلعوها من أصبعي، ونقوداً كنت قد خبأتها تحت مقعد السيارة. صمتُّ ولم أنطق بحرف واحد، كان كل ما أحلم فيه لحظتها هو أن أتخلص أنا والصغار من قبضتهم.

    كنت أوبخ نفسي لأني رضخت لرأي زوجي وألوم زوجي الذي ألحّ علي بالخروج وأتساءل، أليس بقاؤنا في منزلنا آمن لنا من التعرض لمثل تلك المواقف؟ أوقفنا الجنود أربع ساعات حتى سمحوا لنا في النهاية بالخروج من الحدود.

    سرب من الراحة حطّ على قلبي حين خرجنا من قبضة الجنود لندخل الأراضي السعودية. اجراءات طويلة علينا أن نمر بها. هناك طلبوا اسم أحد من الكويتيين للتعرف علي، قدمت لهم اسم شقيقي، حاولت الاتصال به، وبعد ساعات كان هناك يقود فينا السيارة إلى الدمام. سكنّا مع شقيقي وعائلته في بيته. دخلت في دوامة كبيرة من الوقوف في صف الإعانات وإجراءات مدارس الصغار.

    منذ لحظة خروجي من الكويت ومشاعر من الكآبة تأبى أن تفارقني، كأنني تركت جزءاً مني هناك. صار للطعام والشراب مرارة غريبة. منذ الليلة الأولى فارقتني لذة النوم، كل ما كنت أفعله طوال

    اليوم هو متابعة الإذاعة والتلفزيون بحثاً عن خبر يبشرنا بانسحاب قريب، ولكن لا جديد. حاولت الاتصال بزوجي عن طريق النداءات التي ترسل بالإذاعة، بعثت له رسالة برقمي وعنواني أطلب منه أن يطمئنني عن طريق أي شخص يخرج من الكويت ولكن لم أتلق منه أي رد حتى تحررت الكويت. الكل استطاع التحدث مع أهله بداخل الكويت، إلا أنا لم أتلق أي مكالمة منه رغم افتتاح سنتراليْن داخل الكويت يمكّنهم الاتصال من خلاله بالخارج، سألت عنه معارفي وأقربائي، الكل قال إنه لا يعرف عنه شيئاً، صار لدي إحساس كبير بأنه إما أسير أو شهيد، فتملّكتني مشاعر الحزن.

    وحين حل شهر رمضان، جاءني أهل أمي وشقيقاتي من الكويت، وراعهم شحوب وجهي والحزن الذي أغرق نفسي فيه، وأنا أسألهم بلهفة عن زوجي وما إذا كان قد استشهد أم مازال

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1