Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أوهام حقيقية
أوهام حقيقية
أوهام حقيقية
Ebook535 pages6 hours

أوهام حقيقية

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

لعل طبيعة عملي مهندساً مدنياً لفترة تزيد على أربعين عاماً، قضيتها متنقلاً بين مختلف بلدان العالم، أجبرتني على تكوين علاقات إنسانية مع طبقات متباينة في ثقافتها، ووضعها الاجتماعي، مما دفعني بالنهاية إلى الهروب من هذا الواقع الممل، والتحليق في هذا الفضاء الشاسع المحيط بنا. وكانت القصة القصيرة التي طالما استهوتني، وخدرتني، وأنا أقرؤها، هي النافذة التي أحب أن أطل منها على القارئ؛ ليشاركني فيها ملامح هذه الأوهام التي رسمتها الحياة أمامنا.
Languageالعربية
Release dateMay 31, 2019
ISBN9789948374220
أوهام حقيقية
Author

أمين الساطي

ولد الكاتب في دمشق عام 1941.. درس في أمريكا، وتخرج من جامعة ولاية أوكلاهوما في عام 1965؛ عمل مهندساً مدنياً في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان لمدة عامين؛   عاد بعدها إلى سوريا وتوظف في وزارة الأشغال العامة؛ أرسلته الوزارة بمنحة دراسية إلى هولندا عام 1971؛ عاد بعدها عام 1972 إلى وظيفته السابقة في وزارة الأشغال العامة؛ وفي العام 1983 سافر إلى السعودية؛ ليعمل في مكتب الرشيد للاستشارات الهندسية، وبقي موظفاً في نفس المكتب حتى العام 2016؛ في عام 2016 تقاعد عن العمل وسافر إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة.

Related to أوهام حقيقية

Related ebooks

Reviews for أوهام حقيقية

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

2 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أوهام حقيقية - أمين الساطي

    الانهيار

    نبذة عن الكتاب على الغلاف الخلفي

    لعل طبيعة عملي مهندساً مدنياً لفترة تزيد على أربعين عاماً، قضيتها متنقلاً بين مختلف بلدان العالم، أجبرتني على تكوين علاقات إنسانية مع طبقات متباينة في ثقافتها، ووضعها الاجتماعي، مما دفعني بالنهاية إلى الهروب من هذا الواقع الممل، والتحليق في هذا الفضاء الشاسع المحيط بنا. وكانت القصة القصيرة التي طالما استهوتني، وخدرتني، وأنا أقرؤها، هي النافذة التي أحب أن أطل منها على القارئ؛ ليشاركني فيها ملامح هذه الأوهام التي رسمتها الحياة أمامنا.

    ولد الكاتب في دمشق عام 1941..

    درس في أمريكا، وتخرج من جامعة ولاية أوكلاهوما في عام 1965؛

    عمل مهندساً مدنياً في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان لمدة عامين؛

    عاد بعدها إلى سوريا وتوظف في وزارة الأشغال العامة؛

    أرسلته الوزارة بمنحة دراسية إلى هولندا عام 1971؛

    عاد بعدها عام 1972 إلى وظيفته السابقة في وزارة الأشغال العامة؛

    وفي العام 1983 سافر إلى السعودية؛ ليعمل في مكتب الرشيد للاستشارات الهندسية، وبقي موظفاً في نفس المكتب حتى العام 2016؛

    في عام 2016 تقاعد عن العمل وسافر إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة.

    أوهام حقيقية في عيون الصحافة

    نقلت عدة صحف ومواقع إعلامية وأخرى مهتمة بالأدب والرواية؛ مقالات وأخباراً عن مجموعة الكاتب القصصية أوهام حقيقية.

    صحيفة الوطن السورية وبقلم الكاتبة الصحفية سارة سلامة، أفردت مقالاً مطولاً للحديث عن مجموعة الكاتب أمين الساطي القصصية أوهام حقيقة؛ سلطت فيه الضوء على كافة زواياه الفنية والإبداعية، وسلطت الضوء على جانب من حياة الكاتب أمين الساطي، التي فصلت فيها بعضاً من أهم مفاصل حياته، والتي كانت دافعاً له للكتابة، والإبداع في الابحار في لجة الخيال الممزوج بنكهة واقعنا المعاش.

    الروائي والكاتب مقبل الميلع؛ صاحب رواية مقبرة العظماء الشهيرة، والتي ترجمت للغة الإنجليزية، كتب في مقال له على مدونة (عرب تايمز) عن مجموعة أوهام حقيقة القصصية، واصفاً كل جزء منها بطريقته الفنية المعروفة، واصفاً إياها بأنها درة من درر أدب الجريمة والرواية البوليسية، والتي نبعت من غزارة ثقافة الكاتب أمين، وترفه الفكري.

    الإهــــــــــــــــــداء

    إلى ولديَّ؛ منير وعمر خاصة..

    وكل الأصدقاء الذين شجعوني؛

    وألهموني إشباع هوايتي بكتابة القصص القصيرة، ثم ساعدوني في

    مختلف مراحل العمل؛ لتحويل هذه الأحلام والهواجس إلى كتاب..

    أتقدم بخالص شكري ومحبتي...

    حقوق النشر ©

    أمين الساطي (2019)

    يمتلك أمين الساطي الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة.

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأية وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الطبعة الأولى: نشر ذاتي (2018)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب) 978-9948-37-424-4 غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب978-9948-37-422-0 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب: MC-02-01-6740080

    التصنيف العمري: 17+

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    اسم المطبعة:

    مسار للطباعة والنشر (ش.ذ.م.م)

    عنوان المطبعة:

    دبي، الإمارات العربية المتحدة

    هذه الطبعة (2019)

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    +971 655 95 202

    مقدمة اكتاب

    الرغبات العنيفة التي تختلج صدورنا، لا تلبث أن تسيطر علينا، فنصبح عبيداً لها، وبالنهاية تقودنا إلى الطريق الذي تختاره لنا، بينما يتملكنا في الوقت نفسه الشعور بالعجز عن مقاومتها.

    هذه كانت مشاعر بطل قصة الإشارة، عندما أخذت تتوضح له حقيقة رغباته المكبوتة بشكل إشارات وأرقام يشاهدها بشكل طبيعي خلال يومه العادي، وأخذ يفسر هذه الرموز بالشكل الذي يشبع تلك الرغبات.

    من الممتع أن يتخدَّر الواحد منَّا أحياناً بالطريقة المناسبة له، ولو لفترة قصيرة؛ ليستمتع خلالها بأوهامه، ويستعيد توازنه النفسي في هذه الحياة القاسية، لكن الخطورة تتحقق عندما ينفصل الإنسان كلياً عن العالم المحيط به، ويبدأ في تنفيذ هذه الهواجس التي تدور في رأسه بشكل عملي على أرض الواقع، مدمراً كل من يقف في وجهه.

    بينما نجد أنَّ صاحبنا في قصة النوم بجانب الأعداء، كان أضعف من أن يحوّل هذه الرغبة المكبوتة التي تعتريه إلى حقيقة يعيشها على أرض الواقع، فاكتفى بأن يعيشها في أحلامه؛ لينفّس بها عمّا في داخله، ويحصل على الراحة بشكلٍ مؤقت...

    كما حصل لجميع أبطال قصصنا؛ إذ كان لكل واحد منهم طريقته الخاصة؛ للتعبير والتعويض عن رغباته المكبوتة، على الرغم من أنه قد يضطر في بعض الأحيان لاستبدالها برغبات مماثلة، ولكنها أقل حدةً منها؛ ليجعلها مقبولة من الأشخاص المحيطين به؛ وليتجنب تهمة الانحراف.

    النوم بجانب الأعداء

    منذ فترة، كنت أقلّب صفحات إحدى الجرائد، لفت انتباهي مثلٌ مكسيكي شعبيٌّ اسمه النوم بجانب الأعداء. للوهلة الأولى وجدت نفسي مشدوداً إلى هذا العنوان الغريب؛ لأنه يحمل في طياته الكثير من التناقضات، بعدها أدركت أنه يعني؛ كيف يمكن للزوج أن ينام ببساطة بجانب زوجته في كل ليلة دون تردد أو خوف؛ فمن المعروف أنّ المشاعر والعواطف البشرية تتبدل دائماً مع مرور الأيام، وغالباً ما تتحوّل هذه العواطف مع رتابة الحياة الزوجية إلى مزيج من الملل، والكراهية، واللامبالاة!

    ولقد جرت العادة في مجتمعنا على تحميل الزوجة مسؤولية كل الأمور السيئة التي تحصل بعد الزواج.

    خلافاً للفكرة التي يروج لها الكثير من المتزوجين، من أنّ المعاملة الطيبة بعد الزواج، قد تتحول مع مرور الوقت إلى نوع من المودة والحب؛ فإنه في واقع الحياة، كلما ازدادت معرفتنا بالأشخاص الذين نتعامل معهم، ازدادت كراهيتنا لهم؛ لأننا نجد فيهم كل الأشياء التي نكرهها في أنفسنا. يلجأ الأشخاص عادة إلى نكران هذه الفكرة، خوفاً من أن يكتشف الآخرون حقيقة مشاعرهم.

    لا حدود مرسومة لقدرتنا على خداع أنفسنا؛ من أجل المحافظة على بريق الأنا الموجود في أعماق كل واحدٍ منّا. يهرب المتزوجون في كثيرٍ من الأحيان إلى استعمال بعض الحيل النفسية بطريقة لا شعورية؛ لتسويغ تصرفاتهم، ولتقليل التوترات الناجمة عنها.

    أخذت تتقاذفني الأفكار والهواجس؛ حول هذا الطريق المسدود الذي انتهت إليه حياتي الزوجية، ولطالما كنت أتخيّل كيف كان يمكن أن تكون حياتي، لو كان هناك ولد أو ولدان في بيتنا الصغير الذي نعيش فيه؟. لا شك أن وجود الأولاد يغيّر من طبيعة العلاقة الزوجية، حتى أنني بدأت أتصور أنه من المستحيل للحياة الزوجية أن تستمر من دون وجود الأولاد.

    تحت إلحاح زوجتي الذي لا يمكن أن ينتهي إلا بانتهاء حياتها، راجعت أنا وهي عدداً كبيراً من الأطباء المختصين، ولقد حمّلوني مسؤولية عدم الإنجاب. في بعض الأحيان كنت أميل إلى الشك في قدرة هؤلاء الأطباء على تشخيص السبب الحقيقي لعدم إنجابي للأطفال، ولطالما ذهبت بي الظنون إلى وجود مؤامرة بين زوجتي وحماتي والأطباء؛ لتحميلي هذه المسؤولية، لكن أكثر ما كان يخيفني، أنني بدأت أفقد احترامي لذاتي تدريجياً في كل يوم، بسبب عدم قدرتي على الإنجاب.

    الجميع يعلم أنّ شاشة التلفاز هي أرخص وأسهل وسيلة للهروب من هذا الواقع الذي نعيشه؛ ومنذ صغري، كنت أهرب دائماً إلى هذا العالم الساحر؛ لأجد نفسي وقد تقمصت شخصية البطل، وأصبحت جزءاً من هذا الفيلم! وعلى الرغم من كثرة الأفلام التي شاهدتها طوال حياتي، فما زلت أذكر بوضوح بعض المقاطع واللقطات التي أثارت مخيلتي أثناء مشاهدتي هذه الأفلام، وخطرت لي جملة كنت قد سمعتها في أحد الأفلام البوليسية على لسان زعيم المافيا، وهو يوجه النصيحة إلى ابنه قائلاً: إذا لم تكن هناك جثة؛ فلن يكون هناك داعٍ لانعقاد المحكمة.

    أخذني التفكير إلى القصص الكثيرة التي كنت قد قرأتها في الجرائد عن الزوجات اللواتي يذبحن أزواجهن، ويقطّعن جثثهم إلى قطعٍ صغيرة، ثم يرمينها إلى كلاب الشوارع الشاردة في مناطقهن.

    العجيب في الأمر أنّ المرأة أدركت بسليقتها حكمة رئيس المافيا، بأنه من المستحيل على مخفر الشرطة أن يوجه التهمة للزوجة بقتل زوجها، من دون وجود جثة هذا الزوج، وكانت الزوجة بعد أن تتخلص من جثة زوجها، تقوم مباشرة بإبلاغ أقرب مخفر للشرطة، بأنّ زوجها قد هرب مع صاحبته، ومن ثم تبدأ بالبكاء في المخفر، مطالبةً مدير المخفر بإصدار مذكرة بحث بحق زوجها الذي هرب، وترك لها مسؤولية تربية الأولاد. وغالباً ما تكون الزوجة قد نفّذت خطتها بمساعدة عشيقها، أو أحد أقاربها؛ ليصفو لها الجو بعد رحيل المرحوم.

    لا أحد يستطيع أن يفهم ماذا تريد المرأة من هذه الحياة.

    هناك شعور غامض يجمع بين الأشخاص الذين يرتكبون جريمة مشتركة، ولا أدري فيما إذا كان الخوف من القانون، أم أنهم يشعرون بأن هناك أشياء سرية مشتركة تجمع بينهم، لا يعرفها سواهم، مما يؤدي إلى تقاربهم في بادئ الأمر، ثم لينتهي بشهادتهم ضد بعضهم بعضاً في المحكمة خوفاً من حبل المشنقة.

    التخطيط للتخلص من شخص تكنّ له كراهية كبيرة، أسهل بكثير من التخطيط لشخص تكنّ له بعض الكراهية الممزوجة بالشفقة! ولعل ذلك يعود إلى ضعف الحافز الذي يدفعك إلى ضرورة التخلص منه.

    عندما يبدأ الإنسان بالتفكير جدياً بتنفيذ خطته، تشتد عليه الهواجس، وقد يدفعه الخوف إلى التفكير بإلغاء هذه الفكرة، ومحاولة التأقلم من جديد مع حياته الحالية، لكن تكرار الخلافات والاحتكاكات اليومية، تدفع الإنسان مرة ثانية من جديد للعودة إلى هواجسه القديمة، بحيث يصبح من جديد أسيراً لها، وعاجزاً عن مقاومتها.

    هناك أشخاص كثيرون في هذا العالم لا يستطيعون تحمّل رؤية الدم، ولا حتى في الأفلام السينمائية، ولقد اعتدت منذ صغري أن أغلق عينيّ عند مشاهدة لقطات الدم في السينما. ليس من الغريب أنني تصورت أنّ الأقراص المنومة ربما تكون أسهل وسيلة للتخلص من الحياة، وتذكّرت أنّ مارلين مونرو، وهي في قمة شهرتها، قد استعملت الأقراص المنومة؛ لتتخلص من حياتها، على الرغم من كثرة الحاسدين لجمالها، ولمستوى معيشتها في كل أنحاء العالم.

    الآن بدأ هاجس الأقراص المنومة يسيطر على تفكيري، ووجدت نفسي، لا إرادياً، أسير في الطريق متجهاً إلى صيدلية الحارة؛ لشراء بعض الأقراص المنومة، وقبل أن أصل إلى الصيدلية بأمتار قليلة، خطر لي أنه من الأفضل لي أن أتجه إلى صيدلية أخرى بعيدة عن منطقتنا، وأن أشتري الحبوب من صيدلاني لا يعرفني؛ في حال بدأت الشرطة مستقبلاً بإجراء بعض التحقيقات عن سبب انتحار زوجتي. الميزة الكبيرة عندنا، أنه يمكنك أن تشتري من الصيدلية كل ما يخطر في بالك من أدوية من دون وصفة طبية، ما دمت قادراً على دفع ثمنها.

    دخلت الصيدلية وأنا أتظاهر بالتعب، وأخذت أشتكي للصيدلي قلة النوم الذي أعانيه منذ أسبوعين، ففاجأني الصيدلي بقوله: إنّ وجهك يبدو عليه التعب.. وتظهر عليك آثار الإعياء وقلة النوم!، وسألته عن طريقة استعمال الدواء، وعن عدد الأقراص التي يجب عليّ تناولها قبل النوم، متصوراً أنني بهذه الأسئلة، قد أبعد عني الشبهات التي قد تحوم حولي في المستقبل.

    اشتريت علبة أقراص منومة مصنوعة في إيطاليا؛ اعتقاداً مني بأنّ مفعولها أقوى من الأقراص المصنوعة محلياً.

    في طريق عودتي، انتابني شعور عميق بالخوف، وفكرت أن أؤجل هذا الأمر، لكنني وبالوقت نفسه، شعرت بلذة كبيرة، وأنا أغرق في عالمي الخاص الذي نشأ عن مشاعر الوحدة والخوف من الآخرين، وكنت أحاول دائماً أن أقنع نفسي، بأنّ اختلافي عن جميع الأشخاص الذين أعرفهم، ربما جعلني أفضل بكثيرٍ منهم.

    خطر لي أن أعرج إلى المقهى لأجلس مع أصدقائي؛ لنتحدث كعادتنا في مشكلاتنا التي تدور حول نفسها باستمرار، والتي تبدو أنها لن تنتهي. فكرت بأنّي ربما أتمادى في الكلام عن مشكلاتي مع زوجتي، مما قد يثير الريبة في أي تحقيق قد تقوم به الشرطة مستقبلاً، فألغيت هذه الفكرة من رأسي.

    قررت الذهاب مباشرة إلى منزلي، وأنا مصمم على إنهاء هذا الأمر، إذ أنّ كثرة التردد في تنفيذه بدأت تقودني إلى الجنون.

    دخلت المنزل، وأنا أفكر كيف يمكنني أن أقنع زوجتي بابتلاع عشرين قرصاً من هذا الدواء دفعةً واحدة.

    أدركت للوهلة الأولى، بأنه من المستحيل تنفيذ هذه الفكرة، وشعرت باليأس يغمرني من جديد، وانتابني الشعور القديم بأنني إنسان فاشل، لا يصلح للتخطيط لأبسط الأمور!

    جلست على الكرسي مواجهاً النافذة، وأنا أنظر إلى الغيوم وهي تتجمع بشكل غريب في السماء، وقادني تفكيري إلى أنها قد تكون إشارة من السماء؛ لترشدني إلى ضرورة الاستمرار في تنفيذ هذه الخطة.

    قاطعني صوت زوجتي، وهي تصرخ كعادتها: قاعد وشارد! روح دوّر على شغلة تانية بعد الظهر تسند فيها راتبك...!، وعادت إلى أسطوانتها القديمة، وبدأت تندب حظها الذي ورّطها بالزواج من مدرس في المدارس الحكومية، غير قادر على إعالتها، وتأمين معيشتها على المستوى نفسه الذي كانت تعيشه في بيت أهلها، ثم عرجت إلى قصة مستوى معيشة أختها وزوج أختها. انزعجت من مقارنتها لي مع زوج أختها اللّحام الجاهل، ولكني تمالكت نفسي في اللحظة الأخيرة؛ كمحاولةً مني لإنهاء هذه المناقشة.. ومن طبيعة زوجتي أنها عندما تبدأ حديثها، تجد صعوبة كبيرة في إنهائه.

    صمتت لفترة قصيرة، فتوقعت أن المحاضرة قد انتهت عند هذا الحد، ولكنها عادت لتتابع حديثها من جديد، ثم أخذت تذكُر عدد الخاطبين الذين تقدموا لخطبتها، وكيف أنّ الله قد أعمى قلبها، واختارتني أنا وحدي من بين عشرات الخاطبين.

    حاولت أن أجد بعض العزاء لنفسي؛ لأن زوجتي اختارتني من بين هذا العدد الكبير من الخاطبين، ولكنها لم تترك لي أيّ فرصة، وعاودت الحديث مرة ثانية عن جارنا (أبا سعيد) صاحب التاكسي الذي يسكن أسفل منّا مباشرة، وكيف أنّ هدفه في الحياة تلبية مطالب (أم سعيد).

    انتابني شعور يائس بالضيق والضجر، وشعرت أنني أغرق وأتلاشى في هذه المقارنات والتفاهات التي لا تنتهي.

    لا شك أنّ زوجتي شاهدت تعابير وجهي، فآثرت الانسحاب إلى البلكونة الصغيرة؛ لتدخن سيجارتها، ولعلها كانت تدرك – لا شعورياً – بأنها بهذه الحركة قد حاولت أن تقيم حاجزاً نفسياً يفصل بيننا، ولكنها لم تتصور أبداً، أنّ الأمور كانت أكبر من ذلك.

    بحركة لا شعورية، اندفعت إلى البلكونة وشددت زوجتي بعنف، وكانت نحيفة وقصيرة، ما ساعدني على حملها بسهولة لم أكن أتوقعها. ارتعبت زوجتي من هذه الحركة السريعة، على الرغم من أنها لم تستوعب الهدف منها، فسكت لسانها، ولم تنطق بكلمة واحدة، ولم تبدِ أيّ مقاومة، مما أعطاني شعوراً بالثقة بنفسي، لم يخالجني منذ فترة طويلة.

    اقتربت من جانب البلكونة، ودفعتها إلى الأسفل، من دون أن أفكر بنتيجة هذا التصرف، ولم تكن الأمور واضحة لي تماماً، وتوهمت بأنني أتصرف رغماً عني، وأنّ هناك قوة خارجية لا أستطيع مقاومتها تسيطر على تفكيري، وبما أننا كنّا نسكن في الطابق الأول؛ فإن المسافة التي كانت تفصلنا عن أرضية مدخل البناء لا تزيد على ستة أمتار. غاب عن ذهني أنّ الصدمة التي تنتج عن سقوط الجسم من هذه المسافة القريبة، قد لا تكون مميتة في أغلب الأحيان، ولاسيما إذا كان الشخص خفيف الوزن وصغير الحجم.

    هالني سماع صوت ارتطام جسمها بأرضية المدخل، ثم بدأت أسمع صوتها المتهدج، وهي تكيل السباب والشتائم: قتلني ابن الحرام.. والله لأخرب بيته.. والله لخليه يتختخ بالحبوس.. دخيلكم الحقوني.. دخيلكم خدوني عالمستشفى.

    في البداية لم أستطع أن أنظر إلى الأسفل، ثم شددت نفسي ونظرت إليها وهي ممددة على الأرضيّة، فشعرت بنوعٍ غريب من الشفقة عليها لم أشعر به من قبل، وتمنيت لو أني لم أفعل ذلك. كان هناك اثنين من الجيران قد تجمّعا حولها؛ ليعرفا ماذا حدث للمسكينة، ثم جاء جارنا (أبو سعيد) وانضم إليهما، ثم سمعت صوت أحد الجيران وهو يطلب من (أبي سعيد) أن ينقل زوجتي بسيارته إلى المستشفى، بينما اقترح الشخص الآخر استدعاء الشرطة للتحقيق معها، قبل أن يتمّ نقلها إلى المستشفى. أدركت من هذه الأحاديث، أنّ حادثة سقوطها من البلكونة ليست بتلك الخطورة التي كنت أتوقعها، ولا أنكر أنني شعرت بارتياح عميق، من أنها لم تمت نتيجة هذا السقوط.

    الآن أدركت أنني قد انتهيت تماماً، وبدأت أفكر بموقفي أمام أصدقائي عندما ينتشر هذا الخبر، وبأنني حاولت أن أقتل زوجتي بدفعها من بلكونة غرفة الجلوس، وكيف أنني سأصبح سخرية أمام طلابي وزملائي في المدرسة، وشردت بي الأفكار إلى أمي المسكينة، وكيف سيكون موقفها أمام أهل زوجتي، وأمام الأقارب والجيران!

    سمعت رنين جرس الباب، فأيقنت أنّ الشرطة قد وصلت للتحقيق معي واقتيادي إلى السجن.

    الآن تأكدت أنّ الأمور فعلاً قد انتهت، وأنّ جميع تطلعاتي وأحلامي الصغيرة قد أصبحت ورائي.

    أيقظني من هذا الكابوس صوت زوجتي: مالك سمعان صوت المنبه؟! العمى ما بتشبع نوم؟! الساعة صارت سبعة وأنت نايم!، فقفزت من فراشي وأنا أشعر بالنشاط والغبطة على غير عادتي، وارتديت ملابسي بسرعة؛ لكي لا أتأخر عن دوام المدرسة، وانتابني إحساس غامر بالسعادة لم أعرفه منذ فترة طويلة. وبينما كنت أهمّ بمغادرة المنزل، سمعت صوت زوجتي يلعلع من جديد: لا تنسى اليوم بعد الضهر تبدأ معاملة تحويل شهادة السواقة الخاصة لشهادة عمومي.. الشغلة بدها حركة.. ادفعلك مية ليرة للموظف براني حتى يعجّل بالمعاملة.. لأن جارنا (أبو سعيد) وافق يشغلك عنده على التاكسي بالليل.. والله حظك بيفلق الصخر.. في ألف واحد واقفين بالصف عينهم على هالوظيفة. فابتسمت من تعليقات ونصائح زوجتي، وانصرفت إلى مدرستي على عجل، وأنا أشعر بنوع غريب من الاطمئنان، كنت قد افتقدته منذ زواجي، ووجدت نفسي أحمد الله على أنّ القصة قد انتهت بهذا الشكل.

    الإشارة

    الكثير من الأشخاص في هذا العالم الذي نعيش فيه يؤمنون بالإشارات، ولكنهم يخجلون من الاعتراف بذلك. حتى إنّ البعض منهم يذهب للاعتقاد بأنّ السماء تخصه مباشرة ببعض هذه الإشارات دون غيره؛ لتقوده إلى تحقيق تطلعاته وأحلامه، بينما قد يتصور البعض أنها إشارة من العالم الآخر، أرسلها له أحد والديه أو أقاربه المتوفين؛ لمساعدته على شقّ طريقه في هذه الحياة الصعبة.

    وبما أني كنت من الذين يؤمنون بالإشارات، حدث أني استيقظت في هذا اليوم متأخراً على غير عادتي نحو الساعة الثامنة صباحاً، وبعد أن ارتديت ملابسي على عجل، خرجت مسرعاً من بيتي لأركب الباص؛ ليقلني إلى مكان عملي. نظرت فجأة إلى لوحة رقم الباص قبل أن أهمّ بركوبه، فلفت انتباهي أنها تبدأ بالرقم ثمانية، بدأت أبحث عن هذا الرقم في ذاكرتي؛ محاولاً إيجاد صلة تربط بين أحداث اليوم وبين الرقم ثمانية، إذ لا بدّ من تتابع هذه الإشارات مع بعضها خلال وقت قصير؛ لكي تتحول إلى رؤيا، ثم تتحول الرؤيا إلى حقيقة ملموسة، نعيشها في حاضرنا.

    عندما وصلت إلى مكتبي في الشركة التي توظفت فيها منذ أسبوعين، كنت مازلت أفكر بطريقةٍ تقودني إلى مزيدٍ من الإشارات التي تحتوي على الرقم ثمانية.

    جلست وراء مكتبي وأشعلت سيجارتي، وحاولت أن أعود إلى الماضي، وأن أتذكر تاريخ ميلاد زوجتي أو ابنتي الوحيدة؛ لكي أربطهما بهذا الرقم، ولكنني لم أجد شيئاً.

    وجدت نفسي مدفوعاً لإيجاد علاقة ما تربطني بالرقم ثمانية، ولكن من دون جدوى. شعرت بأنّ الرقم ثمانية أصبح يسيطر على تفكيري، ولا بدّ من أن أجد له علاقة تربطني بهذا اليوم الذي أنا فيه؛ لعلها تخرجني من دوامة الفشل الذي مازال يطاردني طوال حياتي! وبينما أنا شارد في محاولة البحث عن رابط يجمعني بهذا الرقم، استيقظت على صوت رنين الهاتف الموجود على مكتبي، ورفعت السماعة، لأسمع صوت سكرتير مديري وهو يقول بغلاظة لم أعهدها منه من قبل: المدير طالبك.. احضر فوراً إلى مكتبه.

    نظرت إلى ساعتي، كانت تشير إلى العاشرة وثماني دقائق، فانتابني شعور غامض بالسعادة، بأنّ الرقم ثمانية أخيراً قد بدأ يعمل لمصلحتي، وأيقنت بأنّ هناك خبراً ساراً بانتظاري عند المدير، فأحسست برغبة قوية لرؤيته، متناسياً أنني أكنّ له كراهية كبيرة بأعماقي تعود إلى اليوم الأول الذي قابلته فيه.

    عندما وصلت إلى مكتب المدير، سألني سكرتيره أن أجلس على الكنبة المواجهة لطاولته وأنتظر؛ لأنَّ المدير مشغولٌ حالياً مع أحد الموظفين في مكتبه. جلست على ملل، وأنا أحصي الدقائق؛ لكي أتمكن من ربطها بالرقم ثمانية.

    بينما أنا غارق في هذه المحاولات، أيقظني صوت السكرتير وهو يقول: تفضّل إلى مكتب المدير، نظرت إلى ساعتي، فكانت تشير إلى العاشرة وخمس عشرة دقيقة؛ وهذا يعني أنه قد مضى على وجودي في مكتبه سبع دقائق فقط، فانتابني شعور بالقلق وعدم الارتياح، وأدركت أنني في هذه اللحظة بحاجة إلى دقيقة واحدةٍ؛ لكي تتيسّر أموري لهذا اليوم.

    دخلت الغرفة فتملكني شعور بالخوف، وأخذ العرق البارد يتصبّب من رقبتي، ولعل المدير شعر بأنني في وضع غير طبيعي، فبادرني بقوله: اجلس يا بنيّ، شكلك تعبان، فجلست على الكنبة المقابلة لمكتبه، ثم رفع سماعة الهاتف الموجود على طاولته، وطلب من البوفيه فنجانين قهوة إسبريسو، وبعد أن استرددت أنفاسي تابع حديثه: ما القصة كل يوم تتأخر عن الدوام؟ صار لك في الشركة أسبوعان وأنت جالس شارد على مكتبك، من دون أن تعمل شيئاً؟.

    بدأت أفكر بالكلمات التي سأقولها للرد عليه، لكن خطر لي أنّ الرقم سبعة بدأ يلعب ضدي، ولم أعد أعرف ماذا عليّ أن أقول، لقد أصبح الأمر خارجاً عن إرادتي، ندمت؛ لأنه لم يخطر على بالي أن أتخلص من هذا المدير التعيس بعد حصولي مباشرةً على وظيفتي في هذه الشركة؛ لأنني أدركت منذ اليوم الأول الذي قابلته فيه، أنّ هالته المغناطيسية، لا تتوافق مع هالتي المغناطيسية. ومما زاد في هذه الكراهية؛ أنه من الأبراج النارية، بينما أنتمي أنا إلى برج الحوت، وهو من الأبراج المائية، فهناك عداوة أزلية بين الماء والنار. استأنف المدير حديثه: أنا لا أريد أن أتدخل في أمورك الشخصية، ولكن يجب عليك أن تغيّر من نمط حياتك، ونظر إلى عينيّ مباشرةً، وهو يتحداني قائلاً: هل تتعاطى الأدوية المهدئة للأعصاب؟.. أدركت بأنه يعرف الكثير عني، فأصابتني نوبة من الهلع، وللخروج من هذا الوضع، حاولت أن أهرب إلى أحلام اليقظة، ولكني لم أستطع!

    نظراً لطبيعة هذا الموقف؛ ولتداخل الأرقام مع بعضها بعضاً، لم يعد أمامي سوى أن أواجهه، ولكني أضعف من ذلك.. وكعادتي في كل مرة، قررت الهروب من هذه المواجهة، فأقنعت نفسي بأني إذا حافظت على صمتي، فلربما يعطيني فرصة ثانية.

    أثناء هذا الحديث، دخل (أبو سعيد) مسؤول البوفيه، وهو يحمل بيده صينيةً عليها فنجانان من القهوة.. شاهدني وأنا جالس مع المدير، وكنت قد أخبرته منذ يومين بأنني مدعوم من المدير، بحكم أنه من أصدقاء زوج عمتي، وبعد أن غادر (أبو سعيد) المكتب، عاد المدير بوجهه المكتنز اللئيم؛ ليتابع حديثه قائلاً: طولت بالي عليك طول هذه المدة إكراماً لزوج عمتك، أما الآن فأنصحك بتقديم استقالتك إلى مديرية خدمات الموظفين بالطابق الثاني؛ حفاظاً على كرامتك أمام الموظفين، وأمام أهلك وأصدقائك. خرجت منزعجاً، ونظرت مرةً ثانيةً إلى ساعتي، فكانت تشير إلى العاشرة وثلاثٍ وعشرين دقيقة، أي أنّ محادثتي قد استغرقت ثماني دقائق، فشعرت بنوعٍ من الارتياح، على الرغم من هذه المصيبة.

    عدت إلى مكتبي، وأنا أحاول جاهداً إخفاء الرجفة في يدي اليمنى، التي لم أعد أستطيع السيطرة عليها، فوضعتها في داخل جيب سترتي، حتى لا يلاحظها زملائي في المكتب. جلست على طاولتي بتكاسلٍ، وأشعلت سيجارتي؛ لاستعادة هدوئي وتركيزي.

    الآن أدركت هول هذه الكارثة، لقد خرجت الأرقام فعلاً عن السيطرة، وأنا على أبواب أن أخسر وظيفتي من جديد، شرعت بصياغة الجمل والأعذار التي سأسردها لزوجتي عندما أعود إلى البيت، وسيكون من الأفضل لكي أمتصَّ غضبها، أن أبدأ من الغد بالبحث عن وظيفةٍ جديدةٍ، وكأنّ مسلسل كابوس البحث عن الوظائف لن يتوقف أبداً!

    الغريب أنه مع كل هذه الضغوطات الخارجية، مازلت مقتنعاً بأنّ الأمور سوف تتحسن.

    إنّ المقابلة مع مديري استغرقت ثماني دقائق، وهذه إشارة خاصة تعني بأنه يجب ألّا أتقدم اليوم باستقالتي إلى شؤون الموظفين؛ إنني على يقين بأنّ الرقم ثمانية سيساعدني على إيجاد حلّ لمشكلتي. للأرقام عالمها الممتلئ بالسحر، ولكل رقم من الأرقام عالمه الخاص، ومنطقته المحدودة التي يعيش فيها ويسيطر عليها، كما أنَّ لكل رقم من هذه الأرقام، معنىً محدداً في هذا الكون الذي نعيش فيه.

    أطلق الإغريق اسم العدالة على الرقم ثمانية، وهو يرمز إلى القضاء والقدر.. كل ما يلزمني في الوقت الحاضر؛ أن أغمضَ عينيّ، وأستمع إلى صوت الرقم ثمانية وهو يعمل في داخل عقلي؛ ليلهمني الطريقة التي يجب أن أتَّبعها خلال الساعات القليلة القادمة؛ للخروج من هذه الأزمة التي لم أكن أتوقعها؛ نظراً للصداقة التي تربط بين زوج عمتي ومدير شركتنا.

    اكتشفت أنّ الوقت يمر بسرعةٍ كبيرةٍ، فتركت مكتبي، ونزلت إلى الشارع،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1