Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

لعلكم تتقون: شهر رمضان شهر السلام
لعلكم تتقون: شهر رمضان شهر السلام
لعلكم تتقون: شهر رمضان شهر السلام
Ebook767 pages4 hours

لعلكم تتقون: شهر رمضان شهر السلام

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هل الصوم هو فقط ترك الطعام؟
نضع بين أيديكم دليلاً عمليّاً للصوم الذي يحبّه الله تعالى ورسوله ﷺ حتّى يدرك المسلمون عظيم فضل الله تعالى عليهم ومنّته بهذا الشّهر الكريم، ويدرك العالم أجمع تأثير شهر رمضان الكريم على البشريّة كافّة
:ومن بعض محتوياته
* أسئلة وأجوبة عن حقيقة الصوم ومقاصده وأحكامه
* اثنان وخمسون خلقاً من الأخلاق المحمّديّة
* أسرار الصوم
* أدعية مختارة واستغفارات مباركة
Languageالعربية
PublisherSila S.A.L.
Release dateFeb 24, 2024
ISBN9787439704952
لعلكم تتقون: شهر رمضان شهر السلام

Related to لعلكم تتقون

Related ebooks

Related categories

Reviews for لعلكم تتقون

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    لعلكم تتقون - وسيم حبال

    لَعَـلَّكُمْ

    تَتَّقُـونَ

    شهر رمضان شهر السّلام

    إصدار شركة صِلة للدّراسات التّربويّة

    جميع الحقوق محفوظة لشركة صِلَة لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أيّ جزء منه أو نقل رسومه أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أو نقله بشكل من الأشكال دون إذن خطّيّ مسبق من شركة صِلَة.

    9611316222+ | 96171165707+

    www.Kalimahtayebah.com

    Kalimah Tayebah

    Kalimah Tayebah

    info@kalimahtayebah.com

    شركة صِلَة 2021 ©

    الطّبعة الثانية

    1444هـ - 2023 م

    ISBN: 978-743-970-495-2

    فهرس لعلّكم تتقون

    الفصل الأوّل: التّعريف بحقيقة الصّيام ومقاصده بطريقة السّؤال والجواب

    1. لماذا فرضَ الله تعالى علينا الصّيام؟

    2. ما الفرق بين عبادة الصّيام وباقي العبادات، كالصّلاة والزّكاة والحجّ؟

    3. ما معنى قول الله تعالى في الحديث القدسيّ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لي وَأَنا أَجْزي بِهِ))

    4. ما جزاء الصّائمين؟ ولماذا؟

    5. ما علاقة ختام شهر رمضان بختام حياةِ الإنسان؟

    6. ما مهمّتي الأساسيّة في شهر رمضان؟

    7. لماذا امتاز شهر رمضان بالتّوبة عن غيره من الشّهور؟

    8. إذا كانت الشّياطين تُصَفَّدُ في شهرِ رمضان، فلماذا ما زلتُ أعصي ﷲ تعالى وأرى كثيرًا من النّاس يَعصون ﷲ تعالى في شهر رمضان؟

    9. كيف أستطيع أن أتخلَّصَ مِن ذُنوبي الّتي اعتَدْتُ عَلَيْها؟

    10. هناك معاصٍ لا أستطيع الآن الإقلاع عنها، فماذا أفعل؟

    11. ماذا ينبغي عليّ أن أفعل إذا وقعت في معصية؟

    12. ما علاقة القرآن وشهر رمضان بالإنسان؟

    13. شهر رمضان شهر السّلام في العالم، لماذا؟ ولماذا سمّيت ليلة القدر... بليلة القدر؟ ولماذا هي ليلة السّلام؟

    14. ما معنى من صام رمضان ثمّ أتبعَهُ ستًّا من شوّال كان كَمَنْ صامَ الدّهر؟

    15. كيف أحافظ على ما اكتسبته في شهرِ رمضان بعد رمضان؟

    الفصل الثّاني: التّعريف بكبائر الذّنوب الّتي يحبّ اللّه تعالى أن نتركَها وهي سبعون

    1. الشِّرك بالله

    2. الإصرار على المعصية وتبريرها

    3. القُنوط من رحمةِ ﷲ

    4. الأمنُ مِنْ مَكرِ ﷲ

    5. شهادة الزّور

    6. اليَمين الغموس

    7. قذف المؤمِنِ المُحصن من الرِّجال والنِّساء

    8. السِّحر

    9. الرِّبا

    10. أكلُ مالِ اليتيمِ وَظُلمُه

    11. شُربُ الخمرِ وكُلّ مُسكّر

    12. السَّرقة

    13. قتل النَّفس بغير حقّ

    14. الزّنا

    15. اللّواط وهو فعل قـوم لـوط أي المثليّين

    16. الفرار من الزَّحفِ والفرار من قتالِ الأعداء

    17. عقوق الوالدَيْنِ

    18. ترك الصَّلاة وتأخيرها عن وقتها

    19. عدم إخراج الزَّكاة

    20. إفطار يوم من شهر رمضان بدون عذر

    21. تركِ حجّ الفريضة

    22. قطيعة الرّحم أو هجر أحد الأقارب

    23. الكذب على ﷲ-عز ّوجلّ- وعلى رسوله صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ

    24. الفحش في الكلام والسّباب والشَّتائم

    25. كشف العورة (للنِّساء والرِّجال)

    26. الكِبر

    27. القمار والميسر

    28. قطع الطّريق ولو للإضراب لأنَّه يسبب الأذى لعامّة النّاس

    29. الظّلم

    30. الحِقد، ويدخل فيه الدُّعاء على المسلمين

    31. أكل لحم الخنزير والميتة وما ذُبِح على غير اسم ﷲ

    32. العُجُب والرِّضا عن النَّفس

    33. الكذب، في غالب أقواله

    34. القاضي السّوء والاحتكام بالهوى

    35. أخذ الرَّشوة

    36. نقص الكيل والوزن والمواصفات أو زيادتها وما شابه ذلك

    37. الدَّيّوث، الّذي لا يغار على زوجته

    38. الخلف في الوعد مع المقدرة على الوفاء

    39. عدم التّنزّه من البول (للرّجال والنّساء)

    40. الرِّياء

    41. الخيانة

    42. المَنّ

    43. التّكذيب بالقَدَرِ والاعتراض على قضاء الله وسبّ السّاعة

    44. التّجسّس والتّنصّت على النّاس وما يُسِرّون

    45. النّميمة

    46. الغيبة

    47. الغدر وعدم الوفاء بالعهد

    48. تصديق الكاهن وعالم الفلك والبصّارة

    49. نشوز المرأة على زوجها، وظلم الزّوج لزوجته

    50. صناعة التّماثيل، والوشم ووصل الشّعر والنّمص

    51. اقتناء الكلب لغير الحراسة أو الصّيد

    52. الاستطالة على الضّعيف

    53. أذيّة الجار

    54. الشّحناء والبغضاء والغلّ

    55. أذيّة عباد ﷲ والتّطاول عليهم والسُّخرية منهم (التّسلّط والتّنمّر)

    56. إيذاء الطّبيعة وتغيير خلق اللّه تعالى

    57. سوء الظّنّ بعباد ﷲ

    58. اللّعن

    59. سوء الظّنّ بالله تعالى والتّشاؤم

    60. غشّ الإمام الرّعيّة وظلمه لهم

    61. الجدل والمراء واللّدد (المُشاحنة)

    62. الهمز واللّمز للغير والاعتماد على غير الله تعالى

    63. تشبّه النّساء بالرّجال وتشبّه الرّجال بالنّساء

    64. ذو الوجهين واللِّسانَيْنِ

    65. أذيّة أولياء ﷲ تعالى الأحياء منهم والأموات

    66. تارك الجمعة الّذي يصلّي وحده بغير عُذر

    67. الحسد وتمنّي زوال النّعمة عن الغير

    68. الإضرار بالوصيّة

    69. كشف عورات المسلمين

    70. سبّ أحد الصّحابة، رضوان الله عليهم

    لائحة الكبائر

    الفصل الثّالث: اثنان وخمسون خُلُقًا من الأخلاق المحمّديّة صَلَّى الله ُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ

    1. السّلام الحسن الجميل

    2. لا تَكُنْ عيّابًَا

    3. لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ (القناعة)

    4. الوفاء بالوعد

    5. تعظيمُ شَعائر ﷲ تعالى ومنها تعظيم الأخلاق والقيم ومن عمل بها ودعا إليها

    6. المواساة والمؤازرة والإحسان إلي الآخرين

    7. الحبّ في ﷲ تعالى والإيثار (السلامة من الأنانية)

    8. الأناة (التّأنّي)

    9. أُذكر وتذكّر محاسنَ الآخرين (الوفاء)

    10. لا تبخسوا النّاسَ أشياءهم

    11. بِرّ الوالدين

    12. الاعتراف بالخطأ والاعتذار

    13. الاستقامة

    14. الصدق

    15. فِعْلُ الخيرِ والعملُ التطوعي مع الإخلاصِ فيه بلا رياءٍ ولا سُمعَةٍ

    16. السّلامَةُ من الكِبر (التّواضع)

    17. السّلامَةُ من العُجبِ

    18. السّلامة من الغُرور

    19. التّناصر والعمل الجماعيّ وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة

    20. الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

    21. الصّبر

    22. الشّكر

    23. صِلَةُ الأرحام، وما أمر الله به ان يوصل

    24. العدل

    25. لا تتحدّثْ بما لا تَعلَم ولا تنقُل خَبراً مِن غيرِ تَثَبُت

    26. حُسنُ الظَّنّ بالله تعالى

    27. حُسنُ الظّنّ بالنّاس وسلامة الصدر

    28. التّوكّل على الله تعالى وإتقان العمل

    29. الحبُّ (حبُّ الله تعالى وحبّ الرّسول - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -)

    30. الدُّعاء والشَّكوى إلى الله تعالى وحده

    31. لا تغضب، (الحُلم)

    32. السّلامةُ من الحقدِ وفضيلة الرّفق واللّين وسعة الصّدر

    33. السّلامة مِن الحسد وَمِن الطّمع في الدُّنيا حتّى تحبَّ لأخيك ما تحبُّه لنفسك

    34. الاتّعاظ وأخذُ العِبرة

    35. التَّطَهُّر ظاهِرًا وباطِنًا

    36. الرّحمة والرّأفة

    37. لا تُقَلِّدْ غَيرَكَ تَقليدًا أعمى

    38. الطلّب المستمرّ للعلم النّافع ونشره

    39. الكرم

    40. أن يسلمَ النّاس من لسانك ويدك وجميع أنواع الأذي (الغيبة والنّميمة)

    41. التّفكُّر والتّدبُّر

    42. الحياء

    43. التّقوى والإتقان ومحاسبةُ النّفس على الخطأ والتّقصير

    44. السّلامةُ مِن المِراءِ والجِدالِ وحبُّ الإنجاز والعمل

    45. السّلامَةُ مِن العِنادِ والحَرَد

    46. العِفّة والقناعة و إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله

    47. جَبرُ الخواطِرِ وعدمُ التّدقيق في أخطاء الآخرين

    48. الأمانة - الأمانة العلميّة - النّصيحة

    49. الشّجاعة والنّخوة والمروءة

    50. الحكمةُ والثّباتُ عليها

    51. السّلامة من التّفاخر والتّكاثر

    52. المبادرة إلى الإصلاح وإماطةُ الأذي عنِ الطّريق والمبادرةُ الفرديّة

    لائحةُ الأخلاقِ المُحمَّدِيَّة

    الفصل الرّابع: أحكام الصّيام بطريقة السّؤال والجواب

    الفصل الخامس: أسرار الصّيام

    الفصل السّادس: دعاء مُقترح قبيل الإفطار وعند السّحور

    الفصل السّابع: الإستغفارات المباركة

    أسماء اللّه الحسنى وأدلّتها من القرآن الكريم والسّنة المشرّفة

    المصادر والمراجع

    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ) [البقرة:183]

    اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمّيِّ الرَّسول، صلاةً توفّقنا بها لإتمام الأصول، وتبلّغنا بها تمامَ الوصول، وتعطينا بها من فضلك كلّ سول، مقرونًا بعوافي الدّارَيْن، بجاه سيّد الكَوْنَيْن صلّى الله عليْه وعلى آله وصحبه أجمعين، أبَدَ الآبِدين، ودهر الدّاهرين. وآخرُ دعْوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين، آمين آمين آمين.

    تأليف

    د. وسيم سعد الدّين الحبّال

    المراجعة الشّرعيّة والمراجعة العامّة

    د. وسيم سعد الدّين الحبّال

    مراجعة وتدقيق وتصحيح وتنسيق نص

    لينا المعلّم عويدات

    مراجعة عامة وتدقيق نصّ

    رنا موفق العجّة عماش

    رلى يحيى شاتيلا

    رنا الدّبس حاسبيني

    هالة عطار زيدان

    تخريــــج آيـــات وأحـــاديث

    رلى يحيى شاتيلا

    ندى ديب البيطار الشّامي

    طباعة وتدقيق مطبعيّ ومراجعة عامة

    ندى ديب البيطار الشّامي

    إصدار شركة صِلة للدّراسات التّربويّة

    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على إمام المتّقين وسيّد الأوّلينَ والآخرينَ وحبيب ربّ العالمين سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فقد قَالَ رَسُولُ الله ِ - صَلَّى الله ُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ الله ُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي))¹.

    إذن... الصّيام عبادةٌ مختلفةٌ عن باقي العِباداتِ... وَمن يَفهم عبادَةَ الصّيامِ حقًّا يَفهَمُ أنّها عبادَةُ تَرْكٍ وَلَيْسَتْ عِبادَةَ فِعلٍ. (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) فشهر رمضان ينبغي أن يكونَ شهرَ تركٍ ليس فقط للمفطرات المعروفة من طعام وشراب وشهوة، ولكن أيضًا تركٌ للمعاصي وتوبةٌ منها، وتركٌ للأخلاق الذميمة والإقلاع عنها.

    شهرٌ يعيشُ فيه المسلمونَ معَ القرآنِ الكريمِ يتدبّرون معانيَه، وَيُجاهِدون أنفسَهم ليعملوا بما فيه.

    شهرٌ يَتَطَهَّرُ فيه المسلمون مِن ذُنوبِهِم وَيَعملون على إصلاحِ عُيوبِهِم.

    شهرٌ يَتعرّفونَ فيه على أسماءِ الله ِ الحُسنى، ويَتَحلَّون فيه بأخلاقِ نبيّهم صلّى الله عليه وآلِهِ وسلّم.

    فَمَنِ اغتَنَمَ شهرَ رمضان للتّوبة مِنَ الكبائر والذّنوب وللتّخلّق بأخلاق النّبيّ - صَلَّى الله ُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، وخَلُصَتْ نيّتُهُ بأن يتركَ ما نُهي عنه ابتغاءَ مرضاة الله تعالى ((... من أجلي)) وحبًّا بالله ِ جلّ في عُلاه، فقد وُفِّق لتحقيقِ المقصودِ مِنَ الصِّيامِ ألا وهو التّقوى (...لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ). وهذا العبد الموفّق وَعَده الله تعالى في الحديث القدسي بقوله (وأنا أجزي به)، لتَكتَمِلَ فرحتُهُ بجزائه الموعود عند لقاءِ رَبِّهِ. ومع فهمِ هذا المعنى، يصيرُ شهرُ رمضان شهرَ صدقٍ وإتقانٍ للعمل... شهرَ تَوْبَةٍ وإقلاعٍ عن الذّنوب... شهرَ تَحلٍّ بِمكارِمِ الأخلاق وشهرَ تغيير وإصلاحٍ للأمّة... شهرَ سلامٍ للعالم أجمع.

    المقدِّمَة

    بِسْمِ الله ِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

    نضعُ بين أيديكم دليلًا عمليًّا للصِّيامِ الصّحيحِ الّذي يُحبُّهُ الله تعالى ورسولهُ - صَلَّى الله ُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كما صامَهُ الصّحابَةُ الكِرام وآلُ البيتِ العِظام والسّلفُ الصّالحُ، حتّى يدركَ المسلمونَ عظيمَ فَضلِ الله تعالى عليهم ومنّتَهُ بهذا الشّهر الكريم، ويدركَ العالَمُ أجمع تأثيرَ شهرِ رمضانَ الكريمِ على البشريّةِ كافّةً.

    وهذا الكتاب مؤلّفٌ من سبعَةِ فُصول:

    الفصل الأوّل: التّعريف بحقيقة الصّيام ومقاصده بطريقة السّؤال والجواب.

    الفصل الثّاني: التّعريف بكبائر الذّنوب الّتي يحبُّ الله تعالى أن نتركَها وهي سبعون.

    الفصل الثّالث: اثنان وخمسون خلقًا من الأخلاق المحمّديّة - صَلَّى الله ُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -.

    الفصل الرّابع: أحكام الصّيام بطريقة السّؤال والجواب.

    الفصل الخامس: أسرار الصّيام.

    الفصل السّادس: أدعية مختارة قبيل الافطار وفي وقت السحر.

    الفصل السّابع: الاستغفارات المباركة.

    الفصل الأول

    التّعريف بحقيقة الصّيام ومقاصده بطريقة السّؤال والجواب وفيه خمسة عشر سؤالًا

    س. لماذا فرضَ الله تعالى علينا الصّيام؟

    ج. المقصود من الصّيام التّقوى كما نصَّ القرآنُ الكريمُ بقوله تعالى: (يا أيُّها الَّذين آمَنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ)². والتّقوى: أن تَجتَنِبَ ما نهى ﷲُ تعالى عنه وتفعلَ ما أَمَرَ ﷲُ تعالى به، وأن تتخلَّقَ بالأخلاقِ الحَسَنَةِ وتبتعدَ عَنِ الأخلاقِ السّيّئة. وَقَد فرضَ ﷲُ تعالى علينا الصّيام لكي نَصِلَ إلى مقاماتِ المُتّقين.

    فإذا لم تُحقِّقْ هذه الأمورَ الأربعة في شهرِ رمضانَ فقد أَضَعْتَ المقصدَ الأساسيَّ لِصِيَامِكَ. كما قال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزّورِ والعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ))³. إذًا المقصد الأساسيّ من الصّيام في شهر رمضان هو تصحيحُ المسار والتّغيير. وذلك من خلال التّوبة من الذّنوب وإصلاح ما أفسدته، ووضع خطّةٍ لتغيير حياتك لتسير على صراط ﷲ تعالى المستقيم.

    وفي الآية (لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ): أي كي تتدرّجوا في مقاماتِ التّقوى عامًا بعد عام. وقد قال تعالى: (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله ِ أَتْقاكُمْ)⁴، وقال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((... أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ على عَرَبِيٍ... إِلّا بِالتَّقْوى...))⁵.

    س. ما الفرق بين عبادة الصّيام وباقي العبادات، كالصّلاة والزّكاة والحجّ؟

    ج. معظم العبادات هي أفعال تؤدّى، كالصّلاةِ والزّكاةِ والحَجِ أمّا الصّيام فهو عبادةُ تركٍ وإمساك.

    عبادة الصّيام هي أن تتركَ لا أن تفعلَ. لذلك السّؤال الأهمّ هو ماذا ستترك في شهر رمضان وليس ماذا ستفعل؟ فالصّيام تخلية وباقي العبادات تحلية، وبِقَدْرِ تمامِ التّخلية يكونُ نَفْعُ التّحلية: أي بَقدرِ تَرْكِكَ للمعاصي يكونُ نفعُ الطّاعات، وَبَقدْرِ تَرْكِكَ للأخلاقِ الذّميمَةِ يكونُ قبولُ عباداتِك.

    قال عبد ﷲ بن عمر -رَضِيَ ﷲُ عَنْهُ-: ((لو صلّيتم حتّى تكونوا كالحنايا وصمتُم حتّى تكونوا كالأوتار لم يقبل ذلك منكم إلّا بورع حاجز))⁶.(أي بوَرعٍ يحولُ بينكَ وبينَ ارتكابِ المعاصي).

    ولقد حذَّرَ السّلفُ الصّالحُ من أكلِ الحرام فقال ابن المبارك: (لأَنْ أَرُدَّ دِرْهَمًا مِنْ شُبْهَةٍ؛ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفٍ)⁷.

    وغالبًا ما يكونُ تركُ بعضِ المعاصي أصعبَ على النّفس من كثيرٍ من س. العبادات. مثال: مَن بينه وبينَ مُسلم قطيعَةٌ وبغضاءُ، قد يَجِدُ أنّه أسهل عليه أن يعتمرَ وَيُصلّيَ التّراويح عشرين ركعة في المسجد طيلة شهر رمضان، وأن يقرأَ عدّة ختمات للقرآن الكريم مِن أن يسامحَ هذا الإنسان ويعفوَ عنه وَيَصِلَهُ بعدَ قطيعة.

    س. ما معنى قول الله تعالى في الحديث القدسيّ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لي وَأَنا أَجْزي بِهِ))؟

    ج. عن أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ ﷲُ عَنْهُ-، قالَ: قالَ رَسولُ ﷲِ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِها إِلى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قالَ ﷲُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلاّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لي، وَأَنا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعامَهُ مِنْ أَجْلي))⁹.

    لِنفهمَ هذا الحديث علَينا هُنا أن نفهمَ الحبَّ وعلاماته.

    فما علامة المحَبَّة؟

    إنَّ علامَةَ المحَبَّة: التّضحية. أي أن تتركَ ما تُحبُّه لأجلِ ما يُحبُّه محبوبُكَ وأنت فرِحٌ لأنّكَ أدخلتَ الفرحَ إلى قلبه. ففرحُ حبيبِكَ فرحُك وحُزنُهُ حزنُكَ.

    وَلله تعالى المَثَلُ الأعلى، ولنأخُذ مثال الأمّ، فهي تحبُّ أولادَها، وتُضحّي مِن أجلهم، وتُؤْثِرُ سعادَتَهُم على سعادَتِها وراحتَهُم على راحَتِها.

    وَقَد تَمنَعُ نفسَها اللّقمةَ الّتي تُحبُّها لِتُعطيَها لِوَلَدِها؛ فإذا رَأَت وَلَدَها يَأكلُها وهوَ فرِحٌ، فَرِحَت بِفَرَحِ وَلَدِها أكثرَ ممّا تَفرَحُ إذا أكَلَتْها.

    ففي الحديث القدسيِّ: ((كلُّ عملِ ابنِ آدم له، الحسنة بعشِر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)) أي كلّ عمل ابن آدم يؤجَرُ علَيْهِ وَيفعلُهُ ابتغاءَ الأجر والثّواب مِن ﷲ تعالى، إلّا الصّومَ فإنّه يَصومُ حبًّا لله تعالى، لأنَّ الصّومَ أن تتركَ ما تحبُّ لما يحبُّهُ ﷲ تعالى لذلكَ قالَ في الحديثِ القدسيّ: ((يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعامَهُ مِنْ أَجْلي)).

    وكما قال ابنُ عطاءِ ﷲِ السكندريّ صاحبُ الحِكَم: ((ما أحببتَ شيئًا إلّا كنتَ له عبدًا (أي مُطيعًا)، وهو لا يُحبُّ أن تكونَ لغيرِهِ عبدًا)).

    وإنّ المحبّ لِمَن يُحبُّ مطيعٌ، فعلامَةُ أنّك تُحبُّهُ أن تتركَ ما تشتهيه نفسُكَ وتهواهُ طلبًا للفوزِ بحبِّهِ ورضاهُ.

    وأنشدوا:

    أينَ المحبّونَ الّذين عليهِمُ

    بَذْلُ النّفوسِ معَ النّفائِس هانَ

    فمَنْ طلبَ الأجرَ والثّوابَ، أُعطيَ أجرُه مِن وراء الباب، ومن تركَ ما يهواه، سعيًا في نيلِ رضى ﷲ، فَتَحَ له الأبوابَ، وأَدخَلَهُ مَعَ الأحباب.

    إنَّ علامةَ حبِّ ﷲ تعالى هي اتّباعُ النّبيّ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -. فقد قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ ﷲ فَاتَّبِعوني يُحْبِّبْكُمُ ﷲ...)¹⁰. وَالنّبيُّ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ - من شِدّة حبِّهِ لربِّهِ كان هواهُ تبعًا لما يُحبُّهُ ﷲُ تعالى ويرضاهُ فقال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((لَا يُؤْمِن أَحَدُكُمْ (أي الإيمان الكامل) حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ))¹¹.

    س. ما جزاء الصّائمين؟ ولماذا؟

    ج. في الحديثِ القُدسِيّ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثالِها إِلى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قالَ ﷲُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لي، وَأَنا أَجْزي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعامَهُ مِنْ أَجْلي))، وذلكَ إشارةٌ إلى أنَّ الصّومَ الحقيقيَّ جزاؤُهُ ليس بكثرةِ الحسناتِ ولا بعظيمِ المضاعفاتِ، بل جزاؤه الفوزُ بحبِّ ﷲِ تعالى، كما قال: ((إِلّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لي وَأَنا أَجْزي بِهِ)) أي أنا جزاؤه. أي جزاؤه الفوز بحبِّهِ تعالى ورضاه، فيُقَرّبُك إليهِ ويُتِمُّ فضلَهُ عليكَ.

    إلهي ماذا وجدَ مَن فقدَكَ، وماذا فقدَ مَن وجدَكَ؟

    وإليكَ مثالاً يوضّحُ الفرقُ بينَ جزاءِ مَن أعطاهُ ﷲُ تعالى الأجرَ والثّوابَ ولو كان مضاعفًا وبين مَن كان ﷲ تعالى جزاءَهُ وفازَ بالله ِ تعالى.

    أراد أحدُ الأثرياء يومًا أن يجبرَ خاطرَ مِئةِ يتيمٍ ويحقّقَ لكلِّ واحدٍ منْ هؤلاء الأيتامِ طلبَهُ مهما كان، وعاهدَ ﷲَ تعالى على ذلك. فاتّصلَ بِمديرِ الميتمِ وأخبرَهُ بِنيّتِهِ وطلبَ منه أن يختارَ له مئة يتيم تتراوح أعمارهم بين الخمس والثّماني سنوات ليحقّق لكلّ يتيم رغبته. فلّما وَقَفَ أمام الأيتام وبرفقته مساعدهُ سألهم فردًا فردًا عن رغباتهم.

    قال الأوّل: أنا أريدُ درّاجةً.

    قال الثّاني: أنا أريدُ سيّارةً لألعبَ بها.

    قال الثّالث: أنا أريدُ ثيابًا جديدة.

    قال اليتيمُ العشرون: أنا أريدُ أن تتكفّلَ بتعليمي إلى مرحلةِ الجامعةِ.

    فذُهِل الثّريُّ لدى سماعه هذا الطّلبَ، واستجابَ لطلبه مُطأطِئًا رأسَهُ.

    ثمّ قال اليتيمُ الوّاحد والعشرون: وأنا أريد ساعةً جديدةً.

    قال الولد الثّاني والعشرون: وأنا أريد سريرًا جديدًا ومريحًا.

    وقال اليتيم السّبعون: وأنا أريد أن تكفلَني وأن تحِبَّني وتعامِلَني كولدٍ من

    أولادِكَ في كلّ شيء في حياتِكَ وبعدَ مماتِكَ.

    فأجابه الثّريُّ: ما رأيُك لو أُعطيكَ جميعَ ما طلبَهُ رفاقُك مقابلَ هذا الطّلبِ؟

    فقال: لا، لا أريد أيًّا من هذه الأشياء، فأنا لا أريد سيّارةً ولا ثيابًا ولا درّاجة، بل أريد أن أصبحَ حبيبًا لك، أي كولدك تمامًا فتعاملني كما تُعامِلُ وَلَدَك.

    فطأطأ الرّجلُ رأسَهُ موافقًا، فقد عاهد ﷲ من قبلُ على تلبيةِ جميعِ مطالبِ هؤلاءِ الأيتامِ. ثمّ عَلِمَ أنّ هذا هو معنى كفالةِ اليتيم الّتي قال عنها النّبيُّ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((أَنا وكافِلُ اليَتيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وَقالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبّابَةِ وَالوُسْطى))¹².

    لقد فازَ كلُّ وَلَدٍ بِطَلَبِهِ وفاز الولدُ السّبعون بهذا السّيّدِ الكريمِ. وبهذا فقد فازَ بالحبِّ والحنانِ والرّعايةِ والاهتمامِ والألعابِ، إضافةً إلى أنّه قد أمّنَ علمَهُ إلى الجامعة في أفضلِ المدارسِ والجامِعاتِ وأمّن زواجه وَمِن ثَمَّ عمله، حتّى إنّه سَيُعطيه مِن ثلثِ تِركتِه.

    وما هذا إلّا مَثَلٌ بسيطٌ جدًّا يوضِحُ الفرقَ بين مَنْ يفوزُ بالأجرِ والثّوابِ من ﷲ تعالى وبين مَن يفوز بالله ِ تعالى.

    فجميعُ العباداتِ تجعلُكَ تفوزُ بالأجر والثّواب، أمّا الصّومُ الصّحيحُ، الّذي هو أن تتركَ ما تحبُّه وتهواهُ لِما يحبُّهُ ربُّك ويرضاه، يجعلُكَ تفوزُ بالله ِ تعالى وهو الّذي أشار إليه الحديثُ بقوله: ((وأنا أجزي به)) ¹³ أي وأنا جزاؤه.

    ومن تفاسير الدّعاء: اللَّهُمَّ اجعلْ سيّئاتي سيّئاتِ مَن أحببت ولا تجعل حسناتي حسناتِ مَن أبغضت. فإنّ السّيّئةَ لا تضرُّ مع الحبّ منك وإنّ الحسنة لا تنفعُ مع البغض منك. (لأنّ المسيء المحبوب لا بدّ أن يلهمه الله ُ التوبة، أمّا صاحبُ الحسنة الّذي يبغضه الله فإنّه لم يبغضه إلّا لسابق علمه بسوء منقلبه وبمرض خطير في قلبه كالكبر والرّياء ولو كانَ اليومَ من المحسنين ظاهرًا).

    س. ما علاقة ختام شهر رمضان بختام حياةِ الإنسان؟

    ج. مثلُ شهرِ رمضان كمثلِ حياةِ الإنسانِ، فكما يمرُّ شهرُ رمضان سريعًا هكذا تمُرُّ حياةُ الإنسان سريعًا فينسى كلَّ تَعَبٍ وَيَفرحُ بِما أنجز كما يفرحُ الصّائمُ بقدومِ العيد.

    وإنّ ﷲ تعالى ما نهاكَ عمّا نهاك َعنه في هذه الحياة الدُّنيا إلّا لكي تتعرَّفَ عليه وتتقرّب إليه ولكي يُكرمَك ويُعطيَك، فإذا ما انتهتِ الحياةُ انتَهَت المَوانِعُ والمُحرَّماتُ وَبَدَأتِ المَكْرُماتُ والمَسَرّاتُ، كما ينتهي شهر رمضان وينتهي معه الإمساك عنِ الطّعام والشّراب ويأتي العيد. قال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((لا راحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دونَ لِقاءِ الله ِ -عَزَّ وَجَلَّ-))¹⁴.

    وقال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((لِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقاءِ رَبِّهِ))¹⁵.

    فعيدُ الصّائم بلقاءِ ﷲ تعالى. أي جزاء الصّائم يكون بلقاءِ ﷲ جلّ في علاه، وهذا أجمل من كلّ جميل وأعظمُ من كلّ عطاء.

    وَمَن صامَ بِتَرْكِ ما يُحِبُّهُ ويَهواهُ لِما يُحبُّهُ رَبُّهُ وَيَرضاه، فقد فازَ عند الموتِ بِلِقاءِ ﷲ تعالى وفازَ في الجنّة برؤية ﷲ جلّ في علاه كما قال تعالى: (وُجوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)¹⁶. وما أعظمَ هذا الفوزَ!

    وشتّان بينَ من يفوزُ بالجنّة مع أهلِ اليمين بعد حسابٍ وعِتابٍ، وبينَ مَن يفوزُ بالله ِ تعالى ويُكرَم برؤيته مع المقرّبين المقرّبين بلا حِسابٍ ولا عِتابٍ ولا سابقةِ عذابٍ، فَمَن فازَ بِلِقاءِ ﷲ تعالى عند الموت حَيّاهُ ﷲ تعالى بالسّلام، فقد قال تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ...)¹⁷. ومَن حَيّاهُ ﷲ تعالى بالسّلام لا يرى ما يسوؤه بعدها أبدًا، وأُزْلِفت (أي أُدْنِيَت) منه الجنّةُ دارُ السّلام فيكون قبرُهُ رَوضةً مِن رياضِ الجِنان، يأتيه مِن نعيمِها وَجمالِها قبل أن يدخُلَها وَيكون سالِمًا مِن كُلّ المُنَغّصاتِ، ثمّ يَدخلُها مِن بابِ الرّيّان وَيُكرَّمُ بِرُؤية المَلكِ الدّيّان.

    فنيّتُنا بالصّيام يجبُ أن تكونَ: أنّنا نصومُ للفوز بالله ِ تعالى؛ أي الفوز بقربِهِ وَحُبِّهِ ورِضاه، والفوز بلقائه عند الموت، والفوز برؤيته في الجنّة مع المُقرّبين المَحبوبين.

    س. ما مهمّتي الأساسيّة في شهر رمضان؟

    ج. الكلّ يضع برنامجًا لِما سيفعله في شهر رمضان، فإن أردتَ أن تصومَ كما يحبُّ ﷲ تعالى ويرضاه، عليكَ أن تضعَ برنامجَ ما ستتركُه في شهر رمضان، ثمّ تضعُ برنامجَ ما ستفعلُه حسب استطاعتك، كما قال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ))¹⁸.

    ومن المهمّ معرفة أنَّ ختماتِ القرآنِ الكريمِ وصلاةَ التّراويح في المسجدِ وصلاةَ قيام اللّيل وكلَّ عمل صالح لا يتمّ نفعه إلّا إذا تُرِكت الكبائرُ. فقد قال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((رُبَّ صائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيامِهِ إِلّا الجوعُ، وَرُبَّ قائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيامِهِ إِلّا السَّهَرُ))¹⁹.

    فإذا ركّزت كلّ جهدك في هذا الشّهر الفضيل على التّوبة وترك الكبائر، وأكثرت من النّوافل قدر استطاعتك، دخلت في قوله تعالى في الحديث القدسيّ: ((وأنا أجزي به، يدع شهوتَه وطعامَه من أجلي)) وفي قوله تعالى: (...إنَّ الله َ يُحِبُّ التَّوّابينَ...)²⁰.

    وإذا كنت موظفًا لا يجوز لك مطلقًا أن تقصّرَ في عملك في شهر رمضان، سواءٌ في دوامك أو إنتاجيّتك لأنّك تقوم اللّيل، فإعطاء صاحب العمل حقّه فرضٌ وقيام اللّيل سنّة، فلا تقدّم السّنّة على الفرض، ولا تجعل قيامَك سببًا في مَعصِيَتِكَ. وإن كنت صاحبَ عملٍ فإيّاك أن تغشَّ في المُواصفاتِ فيحبَطَ أجرُ صيامِكَ وقيامِكَ.

    وإن كان بينك وبين مسلمٍ قطيعةٌ وبغضاء وشحناء، فبادِر إلى أن تَصِلَ مَن قَطَعَكَ وأن تنظّفَ قلبَك مِنَ الحِقدِ، فليس فقط قيامك في شهر رمضان لا يُقبل، بل قيامك واستغفارك في ليلة النّصف من شعبان لا يُقبل كما في الحديث الشّريف: ((يَطَّلِعُ الله ُ إلى خَلْقِه في ليلَة النِّصْفِ من شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خلقِه إلّا لمُشْرِكٍ أو مُشاحِن))²¹. وقال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((إِذا كانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ اطَّلَعَ الله ُ إِلى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِ، وَيُمْلي لِلْكافِرينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتّى يَدَعوهُ))²². والمُشاحِن هو المخاصمُ الّذي بَلَغَ في خُصومَتِهِ غايةَ العداوةِ. والشّحناء هي الّتي تشحنُ القلب غيظًا وبُغضًا، فتحمله على الهجرِ للصّديق والجار، والقطيعة لذي الرّحم، والعدوان بغير الحقّ. فإن كنت قد آذيتَ جارك أو تؤذيه فأصلح الأمر فورًا، واسمع قول النّبيّ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ - عندما سُئِل عن امرأة صوّامة قوّامة تؤذي جيرانَها. قيلَ لِرَسولِ الله ِ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((إِنَّ فُلانَةَ تُصَلّي اللَّيْلَ وَتَصومُ النَّهارَ وفي لِسانُها شَيْءٌ يُؤْذي جيرانَها سَليطَةٌ، قالَ: لا خَيْرَ فيها هِيَ في النّارِ وقيلَ لَهُ: إِنَّ فُلانَة تُصَلّي المَكْتوبَةَ وَتَصومُ رَمَضانَ وتَتَصَدَّقُ بِالأَثْوارِ ولَيْسَ لَها شَيْءٌ غَيْرُهُ وَلا تُؤْذي أَحَدًا قالَ: هِيَ في الجَنَّةِ))²³.

    وإنْ كنتَ تُسيءُ إلى الأُجَراء عندك في البيت أو العمل برفعِ الصّوتِ والإهاناتِ والسّباب فأصلح ذلك، فإنّ ذلك ممّا يحبطُ أجر الصّائم.

    روى ابن أبي شيبة عن جابر -رضي ﷲ عنه- قوله: ((إِذا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسانُكَ عَنِ الكَذِبِ وَالمَآثِمِ، وَدَعْ أَذى الخادِمِ ولْيَكُنْ عَلَيْكَ وقارٌ وَسَكينَةٌ يَوْمَ صِيامِكَ، ولا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيامِكَ سَواءً))²⁴.

    أمّا الغيبةُ والنّميمةُ فلا تُحبِطانِ أجرَ الصّيامِ فحسب كما قال - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -، بل تُفَطِّران الصّائمَ وعليه القضاء. وقال أيضًا: ((خَصْلَتانِ مَنْ حَفِظَهُما سَلِمَ لَهُ صَوْمُهُ: الغيبَةُ، وَالكَذِبُ))²⁵.

    روى أحمد والدّرامي عن أبي عبيدةَ بنِ الجرّاح- رضي ﷲ عنه- قال: ((سمعتُ رسولَ ﷲ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ - يقول: الصّومُ جُنَّةٌ، ما لم يخرقها))²⁶، (جُنّة أي وقاية من الوقوع في المحظورات)، قال الدّارمي: يعني بالغيبة. وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ الغيبة تضرّ بالصّيام.

    وقد حُكي عن أمِّ المؤمنين عائشة- رضي ﷲ عنها-: ((إنّ الغيبةَ تُفطرُ الصّائمَ، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم)) وبه قال الأوزاعي. وقال سفيان الثّوريّ: ((الغيبة تفسد الصّوم))²⁷.

    وعن أبي هُريرةَ -رضيَ ﷲ عنهُ- قَالَ: ((سُئِلَ رسولُ ﷲ - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ - عَنْ أَكثرِ ما يُدْخِلُ النّاسَ الجَنَّةَ، قالَ: "تَقْوى الله ِ وَحُسْنُ الخُلُق...))²⁸ فإنّك إذا اجتنبتَ الكبائرَ غفرَ ﷲ تعالى لك الصّغائرَ، كما قال تعالى (إنْ تَجْتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَريمًا)²⁹.

    لذلكَ ستجدُ في الفصل التّالي لائحةَ الكبائر معَ شرحٍ موجزٍ لكلّ كبيرة، ولائحةَ الأخلاق المحمّديّة مع شرح موجز لكلّ خلق.

    فما عليك إلّا أن تدرسَ لائحةَ الكبائِر ابتداءً من أوّل ليلة من شهر رمضان فتتنبه إلى تقصيرك، وتضعَ علامةً على المعاصي الّتي أنت واقعٌ بها، ثمّ تتوب منها ابتداءً من أوّل شهر رمضان وتُقْلِع عنها طيلة الشّهر.

    وكذلك تدرس في كلّ يوم من أيّام شهر رمضان لائحة الأخلاق المحمّديّة وتحاول أن تطبّقَ منها خُلقًا أو أكثر، بحيث لا يمرّ عليك يوم من أيّام شهر رمضان إلّا وطبّقت خُلُقًا من هذه الاخلاق.

    وكما أخبر - صَلّى الله ُ عَلَيْهِ و آلِهِ وسَلّمَ -: ((ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ... الصّائِمُ حينَ يُفْطِرُ))³⁰ أي قبل الغروب من كلّ يوم، دعاؤك أيّها الصائم مستجاب فتدعو ﷲ تعالى³¹ وتسأل ﷲ تعالى أن يثبّتَك على التّوبَةِ مِن هذه الذّنوب الّتي أقلعت عنها في رمضان وبعده. وكذلك تتحرّى أوقات استجابة الدّعوات كالثُّلُثِ الأخير من اللّيل، وَتسأل ﷲ تعالى بتَذَلُّلٍ وَانكسارٍ أن يَنزَعَ مِن قلبك حبَّ هذه المعاصي وَيثبّتَك على تَرْكِها في رمضان وبعده.

    س. لماذا امتاز شهر رمضان بالتّوبة عن غيره من الشّهور؟

    ج. شهر رمضان فرصةٌ حقيقيّة لكلّ مؤمن يُحبّ ﷲ تعالى، ويريد أن يثبتَ لِنَفْسِهِ ولربِّه أنّه يُحِبُّه. كلّ مؤمِنٍ يعلمُ أنّ ﷲ تعالى يُحِبُّه أن يتركَ المعاصي وبخاصّةٍ الكبائر، ولكنّه ضعيف أمام شهواتِهِ وأمام وسوسة الشّيطان وأمام وسوسَةِ رفاقِه وَمُجتمَعِه.

    إنّ ﷲ تعالى يُعطي كلَّ مؤمن في شهرِ رمضان فرصةً نادرَةً وعظيمَةً جدًّا. فهو سبحانه يصفّدُ لك الشّياطين أي يُكبّلُها. ليس شيطانك فقط بل شياطين رفاقك ومجتمعك، أي يُضعِفُ لك وسوسَتَه كما يُضعِفُ وسوسَتَهُ لِرفاقِك ومجتمعِك كثيرًا ، ويُضعِفُ نفسَكَ وَشهواتِكَ بالصّوم. فتنتهي أسبابُ المعصية تقريبًا، وما عليك إلّا أن تَنويَ وتعزمَ على التّوبة وَمِنْ ثَمَّ تُقلع عَنِ الذّنبِ، لأنّ أسباب المعصية ثلاثة هي:

    1- نفسك وشهواتك.

    2-

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1