Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

يوم الصواري
يوم الصواري
يوم الصواري
Ebook233 pages58 minutes

يوم الصواري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

مُنذ إعتلاء قنسطانز الثاني عرش بلاد الروم، وهو محزون مهموم، لا يرى إلا عابس الوجه، شارد النظرات، شديد القلق، يقلب في رأسه أفكارا كثيرة تملؤه ثم تتركه وتذهب عنه، لتخلي مكانها لأفكار غيرها، باحثاً عن رأي ينتهي إليه ويريح نفسه الثائرة. أيام طويلة وهو على هذه الحال، لا ينطبق له جفن ولا يقر له جنب، يذهب مرة إلى مكان بعيد عن القصر، لا يسمع فيه غير أصوات الأمواج التي تضرب السور العالي الملتف حول القلعة، يجلس وحده يمد فكره بعيداً بعيداً. وتارة يصعد في برج من الأبراج المقامة في ذلك السور، ينظر منه إلى البحر الواسع، والسماء المنبسطة، والنجوم والكواكب، ويحادثها بعينيه الغائرتين مثل قلبه، لعلها تقرأ ما في صدره وتلهمه الحل الذي يرضيه. وتارة أخرى يأوى إلى مخدعه، ويقضي ليله يتقلب في جوانبه، يحاول أن يجذب النوم إليه، علّه يرى فيه حلماً شافياً، يزيحُ عن صدره الأثقال الضخمة التي انحطت عليه وأوجعته.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2011
ISBN9784510305114
يوم الصواري

Read more from عبد السلام العشري

Related to يوم الصواري

Related ebooks

Reviews for يوم الصواري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    يوم الصواري - عبد السلام العشري

    أيَّامُ العَرب

    4

    يَوْمُ الصَّوَاري

    بقلم

    عَبدالسَّلام العَشْرِي

    NM%20Publishing%20and%20Pri%20gs.EPS

    جميع الحقوق محفوظة © لشركة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع

    يحظر طبع أو نشر أو تصوير أو تخزين

    أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصوير أو خلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريح من الناشر.

    الترقيم الدولي: 3-1607-14-977

    رقم الإيداع: 2010/11194

    الطبعة الثانية: مايو 2010

    تليفون : 33466434 - 33472864 02

    فاكس : 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    NM%20Publishing%20and%20Pri%20gs.EPS

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    الفَصْلُ الأوَّلُ

    - 1 -

    مُنْذُ اعْتَلَى قُنُسْطَانْزُ الثَّانِي عَرْشَ بِلاَدِ الرُّومِ، وَهُوَ مَحْزُونٌ مَهْمُومٌ، لاَيُرَى إِلاَّ عَابِسَ الْوَجْهِ، شَارِدَ النَّظَرَاتِ، شَدِيدَ الْقَلَقِ، يُقَلِّبُ فِي رَأْسِهِ أَفْكَارًا كَثِيرَةً، تَمْلَؤُهُ، ثُمَّ تَترُكُهُ وَتَذْهَبُ عَنْهُ، لِتُخْلِيَ مَكَانَهَا، لِأَفْكَارٍ غَيْرِهَا، بَاحِثًا عَنْ رَأْيٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَيُرِيحُ نَفْسَهُ الثَّائِرَةَ.

    أَيَّامٌ طَوِيلَةٌ وَهُوَ عَلَى هذِهِ الْحَالِ، لاَيَنْطَبِقُ لَه جَفْنٌ وَلاَ يَقَرُّ لَهُ جَنْبٌ، يَذْهَبُ مَرَّةً إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْقَصْرِ، لاَيَسْمَعُ فيِهِ غَيْرَ أَصْوَاتِ الْأَمْوَاجِ، الَّتِي تَضْرِبُ السُّورَ الْعَالِيَ المُلْتَفَّ حَوْلَ الْقَلْعَةِ، يَجْلِسُ وَحْدَهُ، يَمُدُّ فِكْرَه بَعِيدًا بَعِيدًا. وَتارَةً يَصْعَدُ فِي بُرْجٍ مِنَ الْأَبْراجِ الْمُقَامَةِ فِي ذلِكَ السُّورِ، يَنْظُرُ مِنْهُ إِلَى الْبَحْرِ الوَاسِعِ، وَالسَّماءِ المُنْبَسِطَةِ، وَالنُّجُومِ وَالْكَواكِبِ، وَيُحَادِثُهَا بِعَيْنَيْهِ الْغَائِرَتَيْنِ مِثْلَ قَلْبِهِ، لَعَلَّها تَقْرَأُ مَا فِي صَدْرِهِ، وَتُلْهِمُهُ الْحَلَّ الَّذِي يُرْضِيهِ.

    وَتَارَةً أُخْرَى يَأْوِي إِلَى مَخدَعِهِ، وَيَقْضِي لَيْلَهُ يَتَقلَّبُ فِي جَوَانِبِهِ، يُحاوِلُ أَنْ يَجْذِبَ النَّوْمَ إِلَيْهِ، عَلَّهُ يَرَى فِيهِ حُلْمًا شَافِيًا، يُزِيحُ عَنْ صَدْرِهِ الْأَثْقَالَ الضَّخْمَةَ، الَّتِي انْحَطَّتْ عَلَيهِ وَأَوْجَعَتْهُ.

    وَذَاتَ لَيْلَةٍ دَخَلَتْ عَلَيهِ الْمَلِكَةُ وَهُوَ غَارِقٌ فِي ذلِكَ التَّفْكيرِ، فَحَيَّتْهُ تَحِيَّةً رَقِيقَةً، ثُمَّ قَالَتْ فِي صَوْتٍ مَمْلُوءٍ بِالدَّهْشَةِ وَاللَّوْمِ: مَا هَذا أَيُّهَا الْإمْبِرَاطُورُ الْعَظِيمُ؟! وَإِلَى مَتَى تَظَلُّ فِي هذَا الْمَوْجِ الْمُتَلاَطِمِ، تَسْبَحُ فِي لُجَجِهِ الْعَمِيقَةِ، وَلاَ تَنْتَهِي مِنْهُ إِلَى شَاطِئٍ تَرْسُو عَلَيْهِ؟!

    تَرَكْتَ مَلَذَّاتِ الْحَيَاةِ كُلَّهَا، وَلَمْ يَعُدْ يَطِيبُ لَكَ طَعَامٌ

    وَلاَ شَرَابٌ، وَلاَ يَحْلُو فِي سَمْعِكَ غِنَاءٌ وَلاَ تَغْرِيدٌ، وَلاَ يُحَرِّكُ قَلْبَكَ فُكَاهَاتٌ وَلاَ تَطْرِيبٌ!

    انْصَرَفْتَ عَنِ الصَّيْدِ وَالْقَنْصِ، وَمَجَالِسِ المُتْعَةِ وَالْأُنْسِ، وَجَعَلْتَ أَيَّامَكَ كُلَّهَا مَجَالِسَ حَرْبٍ، تَتَحَدَّثُ فِيهَا عَنِ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، وَالرُّءُوسِ الَّتِي تَطِيرُ، وَالصُّدُورِ الَّتِي تَنْشَقُّ، والدِّمَاءِ الَّتِي تَتَفَجَّرُ، فَهَلْ تَرى الْحَيَاةَ الْحُلْوَةَ خُلِقَتْ لَذلِكَ الْغَمِّ وَالْهَمِّ؟! وَمَا آخِرُ هذا التَّعَبِ الَّذِي تُلاَقيهِ، وَالْقَلَقِ الَّذِي تُعَانِيهِ؟!

    جَذَبَ الْمَلِكُ نَفَسًا طَوِيلاً مَلَأَ بِهِ صَدْرَهُ الْوَاسِعَ، ثُمَّ زَفَرَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهُوَ يَجْهَدُ فِي إمْسَاكِ دُمُوعِهِ فِي عَيْنَيْهِ، لِكَيْلاَ تَسِيلَ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا مِنْ خَلْفِ تِلْكَ الدُّمُوعِ، وَقَالَ فِي صَوْتٍ مَخْنُوقٍ: وَكَيْفَ يَصْفُو لِي وَقْتٌ، أَوْ تَحْلُو لِي مُتْعَةٌ، أَوْ أَرَى جَمَالَ الدُّنْيَا وَبَهَاءَهَا، وَدَوْلَتُنَا العُظْمَى تَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَقْطَعُ الْعَرَبُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا قِطْعَةً عَزِيزَةً عَلَيْنَا، أُحِسُّ بِأَنَّهَا ذِرَاعٌ تُبْتَرُ مِنْ جِسْمِي، أَوْ رِجْلٌ تُفْصَلُ مِنْ جَسَدِي، أَوْ فِلْذَةٌ تُقَدُّ مِنْ كَبِدِي؟!

    وَلَوِ اسْتَمَرَّ الْعَرَبُ فِي زَحْفِهِمْ عَلَيْنَا، لَاَنْتَزَعُوا مِنْ أَيْدِينَا كُلَّ الْبِلاَدِ الَّتِي نَحْكُمُهَا، وَالَّتِي انْتَزَعْنَاهَا بِسُيُوفِنَا وَرِمَاحِنَا، وَغَدَتْ جُزْءًا مِنْ بِلاَدِنَا، وَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْنَا وَيَغْزُونَا فِي دَارِنَا، وَيَطْرُدُونَا مِنْهَا كَمَا طَرَدُونَا مِنَ الشَّامِ وَمِصْرَ!

    لاَ تَعْجَبِي يَا عَزِيزَتِي، فَذلِكَ مَا يُفَكِّرُونَ فِيهِ، وَيَعْمَلُونَ جَاهِدِينَ لِبُلُوغِهِ، فَهُمْ لَا يَقْنَعُونَ بِمَا أَخَذُوا مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا، فَدِينُهُمُ الْجَدِيدُ يَدْفَعُهُم بَقُوَّةٍ إِلَى أَنْ يَفْتَحُوا الْبِلاَدَ كُلَّهَا،

    وَلاَ يَبْقَى مَكَانٌ تَحْتَ الشَّمْسِ إِلاَّ دَخَلُوهُ، وَبَسَطُوا سُلْطَانَهُمْ عَلَيْهِ، وَنَشَرُوا فِيهِ دِينَهُمْ. يَقُولُونَ إِنَّ نَبِيَّهُمْ بُعِثَ بِدِينِ الْحَقِّ إِلَى الْجِنِّ كَمَا بُعِثَ بِهِ إِلَى الْإنْسِ، وَإنَّ عَلَيْهِمْ لِيُرْضُوا رَبَّهُمْ، أَنْ يَسِيرُوا بَذلِكَ الدِّينِ إِلَى كُلِّ بُقْعَةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَيَنْشُرُوهُ فِيهَا، بَعْدَمَا أَتَمُّوا نَشْرَهُ فِي بِلاَدِهِمْ!

    إِنَّهُمْ أَيَّتُهَا الْمَلِكَةُ شَدِيدُو الْإِيمَانِ بِذَلِكَ الدِّينِ، خَلَطُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَقُلُوبُهُمْ تَنْبِضُ بِهِ، وَدِماؤُهُمْ تَبُثُّهُ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَتَدْفَعُهُمْ إِلَى نَشْرِهِ، لِيَكُونَ إِيمَانُهُم صَادِقًا، وَيُدْخِلَهُمْ رَبُّهُمْ جَنَّاتِهِ الْعَالِيَةَ، الَّتِي أَعَدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ كَمَا يَقُولُونَ!

    فَهَلْ نَقِفُ مَكْتُوفِي الْأَيْدِي أَمَامَ هذَا الْمَدِّ الْمُتَدَافِعِ إِلَيْنَا، تَدَافُعَ السُّيُولِ الْجَارِفَةِ الْمُنْحَطَّةِ مِنْ أَعْلَى الْقِمَمِ، لاَ يَرُدُّهَا سَهْلٌ وَلاَ يَقِفُ أَمَامَهَا جَبَلٌ؟ وَلَسْتُ أَدْرِي لِمَ سَكَتَ هِرَقْلُ عَنْهُمْ وَعَنْ نَبِيِّهِمْ، حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى ذلِكَ الدِّينِ. بَلْ حِينَ ظَهَرَ ذلِكَ النَّبِيُّ فِي مَكَّةَ، وَلَم يُرْسِلْ إِلَيْهِ مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، وَيَقْتُلُ دِينَهُ فِي مَهْدِهِ، قَبْلَ أَنْ يَدْرُجَ مِنْهُ؟!

    لَوْ صَنَعَ هِرَقْلُ ذلِكَ فِي حِينِهِ، مَا صِرْنَا إِلَى هذَا الَّذِي أَصْبَحْنَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ الشَّدِيدِ، فَقَد كَانَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ حِينَذَاكَ قِلَّةً، شَرَارَةً ضئِيلَةً يَسْهُلُ إِطْفَاؤُهَا بِأَقَلِّ جُهْدٍ، وَلَوْ مَدَّ إِصْبَعَهُ إِلَيْهَا لَأَخْمَدَهَا. فَتَرَكَهَا حَتَّى كبُرَتْ، وَغَدَتْ نَارًا مُسْتَعِرَةً لَمْ تَثْبُتْ لَهَا جُيُوشُنَا الْعَاتِيَةُ، وَلَا تَزَالُ تُلاَحِقُنَا، تُرِيدُ أنْ تُحْرِقَنَا كُلَّنَا، كَمَا أَحْرَقَتِ الْفُرْسَ الَّذِينَ اسْتَهَانُوا بِهَا كَما اسْتَهَنَّا بِهَا، وَتَرَكُوهَا حَتَّى الْتَهَمَتْهُمْ جَمِيعًا، فَمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ وَعُيُونُهُمْ تَبْرُقُ، وَأَفْوَاهُهُمْ تَزْأَرُ؟!

    - 2 -

    ازْدَحَمَ الْحُزْنُ فِي صَدْرِ الْمَلِكِ، وَعَقَدَ لِسَانَهُ، وَأَسَالَ الدُّمُوعَ فِي خَدَّيْهِ، فَصَمَتَ لَحَظَاتٍ يَلْتَقِطُ فِيهَا أَنْفَاسَهُ الْحَائِرَةَ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ كُوبَ الشَّرَابِ الَّذِي طَلَبَتْهُ الْمَلِكَةُ لِيَشْرَبَهُ، عَلَّهُ يُخَفِّفُ بَعْضَ مَا بِهِ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا فِي عَجَبٍ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَعْصِرُ عَيْنَيْهِ:

    - لا شَرَابَ وَلاَ مُتْعَةَ، حَتَّى أَقْضِيَ عَلَى الْعَرَبِ!

    وَعَادَ يَجْتَرُّ هَمَّهُ، يُعِيدُ مَا يَخْتَزِنُ في صَدْرِهِ مِنَ الْحِقْدِ، وَيُرَجِّعُ فِي صَوْتٍ مُتَقَطِّعٍ قَائِلاً: وَيْلَاهُ، ثُمَّ وَيْلاَهُ، ثُمَّ وَيْلاَهُ! كَانَ أُولِئَكَ الْعَرَبُ قَبْلَ ذلِكَ الدِّينِ فِي جَزِيرتِهِمْ، مُتَخَاصِمِينَ مُتَنَازِعِينَ، مَشْغُولِينَ بِنِزَاعِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ، يَطْرُقُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبْوَابَنَا وَأَبْوابَ الْفُرْسِ، مَادِّينَ أَيْدِيَهُمْ يَطْلُبُونَ إِحْسَانَنَا، فَرِحِينَ بِمَا نُلْقِي إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَلِيلِ، فَوَحَّدَهُمْ ذلِكَ الدِّينُ السَّاحِرُ، وَبَعَثَهُمْ قُوَّةً شَدِيدَةَ الْبَأْسِ، وَزَادَ حَمَاسَتَهُمُ الْتِهَابًا حِينَ عَاوَنَهُمْ عَلَى مُخَالِفيهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1