Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ملاك الحقيقة
ملاك الحقيقة
ملاك الحقيقة
Ebook331 pages2 hours

ملاك الحقيقة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كانت وحيدة، عاشت منذ سنوات في مستشفى للأمراض العقلية في الريف الفرنسي الجميل، كانت محجوبة عن العالم الخارجي لا تعرف منه إلا ما يُخبِرُها به صديقٌ وحيد، ممرضٌ يخبرها الحكايات، كمغامراته في باريس كلما جاء وغدى منها، مرضها حير الجميع ليس لصعوبة الشفاء منه بل لامتناعها عن ذكر تفاصيله لأحد، كان أحلامها أحلامٌ كابوسية ترافقها على الدوام تخلفها غير قادرة على الحياه كباقي أقرانها، نتج عن ذلك عجزها عن السير أيضاً فصارت شابة تقارب السابعة عشر جميلة كالملائكة لكنها مقعدة وخائفة خصوصاً بعد ليلة زارتها بها تلك أحلامُها. كانت نقطة التحول بعد قدوم طبيبتها الجديدة سوزان ، لتكتشف سرها وسر أحلامها الحقيقية ، وتساعدها على التغلب على أحلامها متخطية حاجز الخوف والرهبة والعمل مع شرطة باريس لارشادهم لتلك الوجوه التي تراها في أحلامها وتخبرهم بما يقومون من جرائم ليلقبها أهل باريس بملاك الحقيقة ... القصة مليئة بالأحداث ويتخللها عنصر التشويق والإثارة فملاك الحقيقة صار عدو المجرمين والقتلة والشاهد الوحيد على جرائمهم. فهل يصلون له ؟ هل يعرفون من هي ؟ هل تستطيع النجاة؟ هل للملائكة مكان على الأرض معنا حقًا؟. حمّل هذه الرواية
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2015
ISBN9786958084279
ملاك الحقيقة

Related to ملاك الحقيقة

Related ebooks

Reviews for ملاك الحقيقة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ملاك الحقيقة - ضحى الرفاعي

    المقدمة

    عندما نرى البراءة - التي لا تليق بالبشـر - تتجسد في أحدهم، لا يستوعب عقلنا هذه النتيجة، فيرجح أن من يراه وبكل بساطة ليس إلا ملاك تشكل بهيئة البشر، فلا تليق به ضغائن وأحقاد وشرور البشر، تسعد وتشكر الله لأنك لم تمت قبل تلك اللحظة عندما ترى الملائكة يسير على الأرض ويدعي أنَهُ من البشر.

    إبحثوا عن الملائكة في قلوبكم فجميعنا مخلوقات الله.

    الفصل الأول: هذه أنا وهذه حياتي

    أخذوني للحديقة ليرتبوا غرفتي، فاليوم أبدأ معاناتي مع طبيبة جديدة بعد وفاة طبيبي السابق، لا أدري هل أنا نحس على جميع من بدأوا يعالجونني، أم أنهم جميعا أغبياء؟

    أنا لست حزينة على فراق أي منهم، وبالمقابل أيٌ منهم لم يكن حزينًا على فراقي، فتلك التي تظن أن لا أحد يفهم غيرها وفي كل شيء حتى الطقس، سافرت لأخذ درجة الدكتوراه - مع أنها تظن أن لا شيء من العلوم ينقصها لكن - هذا العالم الغبي لا يقتنع إلا بالدرجات العلمية، وأنا ذاهبة كي لا يستطيع أحد معارضتي بعد الأن. وكأن أحد كان يجرؤ على معارضتها قبل ذلك، كانت ستأكله بلا ملح، فهي تصبح مخيفة إذا انتقدها أحد.

    وذلك الذي كان أكبر من والد جدي ويسميني صغيرتي، كنت أخاف أن أنظر له، لكن تلك التي كانت قبله تقول أنني لا أخاف من شيء، وكانت تتمتع بذمي، كلما سألها المدير عن حالي، عن حالي ها! وليس عن أخلاقي، جلست تصفني بأقبح الصفات، لكني لم أكن سيئة كما كانت تدّعي، بل أنا كما يقول عني علِّي -وهو ممرض أعرفه منذ تسع أعوام عمل هنا منذ تخرجه، وابن مدير المشفى ومن أصول عربية مثلي، وهو يعتبرني صديقة له كما اعتبره:أنت ملاك سقط من السماء لكن لسوء حظه وقع في العصفورية، والعصفورية هو المصطلح المحبب له عن هذا المكان، لكنه لا يجرؤ على قوله أمام والده، لكن هذه الطبيبة -مع أنها رحلت منذ كنت في العاشرة من عمري أي منذ أكثر من تسعة أعوام - جعلت سمعتي في الحضيض، فصفاتي هي الفتاة المشاكسة، الشقية، العنيفة أحيانًا، مع أنني لست عنيفة فأنا أخاف منظر الدم على التلفاز عندما أشاهد ما يُهَرِبُ علِّي من أفلام لنشاهده ليلًا، هذا ممنوع طبعًا، لكننا لا نجرؤ على عمل ذلك إلا بالليالي التي يكون علِّي هو المسؤول عن المناوبة الليلية في قسمي، حيث يتفقدني ثلاثة مرات في الليل، هذا غير نوم الممرض المسؤول في الغرفة المجاورة لغرفتي ليصله صوتي دائمًا، لماذا دائما؟ آه لقد نسيت أن أعرفكم على نفسي وسبب وجودي هنا.

    أنا سالي فتاة مريضة في مستشفى الأمراض النفسية في أرياف فرنسا، وهي من أجمل جنان الأرض وأنا أحب هذا المكان كثيرًا فهو بيتي، صحيح أنني أغادر أحيانا في الأعياد لأرى والداي لكن في باقي أوقات السنة أبقى هُنا، أما مرضي فهو أحلامي، إنها أحلامٌ واقعيةٌ جدًا وخياليةٌ جدًا، لكن ما أنا واثقة منه، أنها تصيبني بالفزع، فلا أتوقف عن الصراخ حتى أجبر على أخذ الإبر وأتأكد أن أحدا يَهتم بي قربي ولن يفارقني فأنام، لكن إن لم يكن بقربي أحد يحبني ويقلق بشأني وأثق أنه لن يتركني فور نومي فلن تفيد أي إبرة مهدئة مهما زادت الكمية.

    يبدو أنهم نظّفوا الغرفة، وها هو علِّي قادم لأخذي، نسيت أن أخبركم بعجزي عن السير، بل أنا لم أمشِ في حياتي، منذ كنت طفلة ظللت أحبو حتى عمر ثلاث سنوات، فذهبت أُمي إِلى الطبيب فأخبرها أنني لا أملك أي عيب خلقي يمنعني من السير، لكني لا أرغب في السير وأشار علِّيها باستشارة طبيب نفسي، وهنا بدأت حالتي تُكشف فبكائي طوال الليل لم يكن طبيعيًا وهدوئي بعد كل ليلة عنيفة كهذه لم يكن طبيعيًا أيضًا، لكن أمي لم تنجب قبلي أو حتى بعدي لترى الفرق بيني وبين باقي الأطفال، ها هو علِّي، وها هو قد حملني ووضعني على الكرسي وبدأ يحادثني كعادته.

    الفصل الثاني: صديقي الأول

    حواراتي فقط مع علِّي، هو الشخص الوحيد الذي يحادثني، فباقي الممرضين يعاملونني وكأن عقلي توقف عن العمل مُذ دخلتُ هذا المكان، فكيف إن كنت هنا منذ طفولتي، والأطباء -عباقرة العصر - لا يحادثون مجنونة حتى لو كانوا يعرفون عكس ذلك، يحاول المسؤولون عني أن يحادثوني، لكنهم لا يحادثون فتاة في عمري الحقيقي بل أقل بعشر سنين، يسألوني أسئلة غبيةهل يطرق بابا نويل الباب أم يدخل من المدخنة؟، أما المرضى كبار السن أصغرهم بآخر الثلاثين من عمره.

    لكن علِّي يختلف، فهو لا يحدثني ويعاملني كالكبار فقط، بل ويخبرني بكل تفاصيل حياته، حتى أنني أعرف شكل بيته - فهو يقضي يومه هنا، لكن في الإجازات يعود الى بيته، أعرف شكل غرفته وأعرف أصدقاءه بالوصف، وأعرف باختصار كل أسراره، حتى علاقاته لقد أحب فتاة في الجامعة، لكنها لم تقبل أن يعمل في هذه العصفورية، وهو أيضًا لم يكن يحب أن يأتي إلى هنا، فوالده كان يحضر إبنته الصغرى دائمًا إلى هنا عندما كانت صغيرة، لكن علي لم يأتي المكان أبدًا قبل أن يقرر العمل هنا.

    لكن مع أن علِّي لم يكن يحب العصفورية إلا أنه أحب والده كثيرًا، ويحب أن يُريحه بعمله قربه، فقد أصابه مرضٌ لم يظن الأطباء أنه سوف يعيش بسببه لكنه قاومه حتى الآن. علِّي لم يقبل العمل بعيد عنه وهو في بداية المرض، أنا لم أصدّق الأمر بالبداية، لكنه فعلًا اختار العمل في مكان يكرهه مع والده على البقاء قرب من يُحب، فهجرها مع أنها كانت حُب حياته فكان حزينًا جدًا في أول عام له هنا.

    صحيح أنني أحب قراءة لغة الجسد والتجسس أحيانًا، لكنه يمتلك وجه المقامر، ذاك الذي لا يظهر على وجوههم أي علامات للفرح أو الحزن إن أرادوا إخفاء ذلك. وعلِّي لم تظهر عليه أيٌ من تلك العلامات أبدًا حتى جاءت تلك الليلة.

    أتى إلى غرفتي وأخبرني أنه مناوب تلك الليلة، انتظرت ساعة دون أن أنام، فالنوم تجربة لا أحب خوضها أبدًا، تسللت إلى غرفته وصرت أراقبه كان يجلس قرب النافذة، يحمِلُ كتابًا ويحاول أن يقرأه، لكن النظر إلى السماءيشتته، ولن تصدقواكان يبكي! لم أستطيع تركه تلك الليلة دون أن أعرف قصة الشاب الجديد، فأنا كما قلت لكم فضولية، وأنا أعترف بهذه الصفات، فهي صفاتي! تطلعتُ إلى نفسي وسألتُها: ما هي نقاط قوتك سالي؟

    قلت: أني قوية وجريئة وفضولية، لكن هذا الموقف لا يتطلب هذه الأمور، ابحثي عن نقاط قوة أخرى.

    فأجبت نفسي وقلت: أنا فتاة صغيرة في العاشرة من عمري تقريبًا، أسير على كُرسي متحرك، جميلة بشعر أسود كالليل وعيون سوداء حالكة، وجه صافي، أمتلك براءة الأطفال، وأستطيع البكاء حتى وأنا غير حزينة.

    - هذه هي. صففت شعري تظاهرة بالحزن وقرصت وجنتاي حتى احمرتا، وطرقت الباب، نظرت إلى الأرض، لأعطيه فرصة التنبه لوجودي ومسح تلك الدموع دون أن أحرجه، رأيت هذا يحدث من بين خصلات شعري التي إنسابت على وجهي، تغير على الفور أخذ نفسًا عميقًا ونظر بعيدًا عني للحظة ثم نظر إليّ فلم أُصَدِق، كان يبتسم ويضحك من أعماق قلبه، لم أصدق عيناي! حتى بياض عينيه كان ناصعًا، لم يكن قد احمر من شدة البكاء كما يجب ان اكون.

    تمالكت نفسي ونظرت له بعيون دامعة، فشرد قليلا ثم سألني: ما بك يا ملاك؟ أنت لم تنامي! لِمَ؟ ظننت أنك قد أرهقتِ من شدة اللعب والهروب من طبيبتك المخيفة.

    لكنه نظر يمينا ويسارًا وعاد وقال: لا تخبريها أنني قلت ذلك، ستناقشني حتى الصباح، لماذا تراني مخيفة؟ قال جملته الأخيرة مقلدا صوتها بشكل متقن، لم أتمالك نفسي، فأفلتت مني ضحكة لم تفُته فقال لي وهو يعرف:أظن أنك تشاطرينني الرأي؟ إذًا لن أخاف على سري، فهو سرٌ مشترك.

    قال ذلك ثم دنا مني وحملني، سار بي وأجلسني على الكرسي الهزاز، الذي كان يجلس عليه قبل أن أقتحم عزلته، وجلس هو على السرير المجاور، ونظر إلي بعد أن انحنى لتصير عينيه في نفس مستوى عيني، وسألني عن سبب قدومي وسبب بكائي، بل قال أن عينيّ تصبح أجمل وأنا ابكي، هذا مختلف كانت طبيبتي تهزئ بي كلما بكيت، وتقول لي: إن الصغار الضعاف هم فقط من يبكون، فجعلتني أمتنع عن البكاء حتى في أشد الأوقات، لكني منذ ذلك اليوم أحببت البكاء، وصرت أبكي كلما رغبت بذلك، لا أقصد أنني أمارس البكاء كما أمارس باقي هواياتي، بل ما قصدته أنني لم أعد أكبت البكاء في داخلي، وقد أراحني هذا في كثير من الأحيان.

    ومع ذلك غير هذه المرة التي تظاهرت بها أني أبكي لا أذكر أنني بكيت كثيرًا وبالأخص أمام أحدٍ، ربما يراني الجميع ضعيفة احتاج من ينقلني من مكان الى اخر وارتجف واصرخ عندما....

    البكاء يزيح الهموم عن النفس لكن أبدًا لن أجعل الشفقة هي سبب تقرب الناس مني، ألا يكفي الكرسي و….

    المهم أنني في ذلك اليوم شكوت له حالي، وهذا الجحيم الذي أعيشه مع هذه الطبيبة المتوحشة، وهذا المكان الذي لا أحد يلعب معي فيه، فقد كان في ذلك الوقت اللعب هو أهم إحتياجاتي التي لم تستطع هذه الطبيبة مشاركتي بها، ولا منعي عنها، كان كل اهتمامها منصبًا على العلاج السخيف بالتنويم المغناطيسي، والذي لم تكن تتقنه، انظري لقلادتي فتظل تحركها كبندول الساعة التي خلفها، لكن حركة البندول أكثر إتزانا، فأنظر له أكثر، وبالنهاية تقول لي آمرة: ارفعي يدك، أنزلي يدكوتلقي الأوامر السخيفة، حتى تأتي على ذكر تلك الأسئلة التي أخافها، هي تقترب من الخط الأحمر، وتبدأ تسألني عن أحلامي، وهذا ما لا أرغب بالحديث عنه، فأرفض الخوض في هذا الحديث، فتظن أنني استيقظت من التنويم المغناطيسي لسبب ما وتقول:سنعيد التجربة غدًا، قلت له أنني أستمتع باللعب معها هذه اللعبة، لأنها فقط في هذه الأوقات تكون هادئة ولا تصرخ في وجهي لأي شيء أقوم به، فتظل تتحدث وكأنها تزور مريضًا ينازع الموت.

    أما علِّي فلم يكف عن الضحك طوال سردي لقصصي عنها حتى أغاظني، فسألت بأعلى صوتي، وقبل أن أعرف كيف قلت ذلك: كيف تضحك و...؟ فصمتت، ونظر لي فعرفت أنني يجب أن أكمل السؤال فهو لن يطردني خارج الغرفة وأنا لا أستطيع السير أصلًا، فتابعت بصوتٍ منخفضٍ جدًا: لقد كنت تبكي منذ لحظات كيف تستطيع أن تضحك الآن؟ لكني توقفت قليلا، فنَظرَتُهُ لي أصبحت مُخيفة، بل وقف ونظر إلي متجهما ساعات وساعات أو ربما هكذا ظننت، ثم أيد ما كانت تصفني به طبيبتي وأمرني بعدم التدخل فيما لا يعنيني.

    اقترب مني، وهو بالكاد ينظر لي، وحملني ليضعني ليس على الكُرسي بل في غرفتي وعلى سريري، ثم خرج دون أن يقول كلمة، تم عاد وهو يجرّ الكرسي وينظر له دون أن يرفع عينيه، كنت أبكي بحرارة، لكني توقفت عندما عاد، فإن كان يحب عيناي وهم دامعتان فلن أدعهُ يراهما، لكنه ظل واقفا عند الباب ولم يتحرك، نظر لي طويلًا فبادلته النظر بثقة حتى ذهب دون أن ينطق بأي كلمة.

    كنت أعرف أنه كان سيقول شيء، لكنه ذهب! لم أفهمه بل وبقيت طوال الليل أفكر دون ان أصل لشيء، كان في داخلي مئة مئة سؤال، فقررت أن أسأل الشخص الوحيد الذي يتحدث معي في هذا المكان وهو تلك الطبيبة، ويا ليتني لم أفعل.

    - هل الرجال يبكون؟ كان سؤالًا عاديًا، لكنها أجابتني بصوتها البارد المتعالي:فقط الأطفال الضعفاء يبكون.

    لكن هل الرجال ضعفاء؟حاولت تتصنع أفضل حالات الجدية كي لا تستهزء بي لكنها قالتها بتهكم واضح:الرجال دائما أقوياء، فقط الأطفال يبكون".

    - هل الرجال أطفال؟لكنها أجابتني بصوت عالي ودهشة واضحة

    - كيف يكون الرجل طفلا؟ باسغراب شديد.

    - أنت أغبى مخلوق وقعت عليه عيناي!. وبعد هذه الحادثة أضيف إلى ملفي لقبالغبية، لكني لم أهتم لذلك فقد كنت سعيدة، فبالصباح بعد أن تركتني جاء علِّي لزيارتي وأحضر لي دمية من الصوف ترتدي قبعة بيضاء جميلة وثوب أحمر، وجلس دون أن يقول شيئًا سوى النظر، أخذتُ الدُمية واعتذرتُ على تطفلي عليه بالليلةِ الماضية، لكنهُ ظَل كلاعب البوكر لا تظهر تعابيرُ على وجهه ينظر إلّي، حتى بدأ يتحدث وقال لي كل شيء عن تلك الفتاة كم أحبها وكيف كانت حب حياته، وكيف أنه تعيس في هذا المشفى، وقد اختصر حياته بين المشفى والبيت، لا يتنزه إلا نادرا، لكن عدا تلك الفتاة كانت أسبابه سخيفة، وقلت له ذلك، فأنا لا أخرج أصلا من هنا، وليس لي أصدقاء، ولا أتحدث لأحد، ولا يوجد شيء أفعله سوى هذا التلفاز والذي لا يسمح لي بفتحه إلا نادرا، ولم أحب أيضا في حياتي، ولم أكن أعرف ماذا حصل لكنه بدأ يضحك ويضحك وقال لي: أنت صغيرة والحياة أمامك ستشفين وتخرجين وتحبين، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، فلا زلتُ هنا بعد قرابة العشر سنوات من تلك الحادثة، ما تغير أنني صرتُ أعرفُ كل شيء عن العالم الخارجي، فقد كان علي نافذتي على العالم، وأصبح يعلمني القراءة والكتابة باللغات الثلاث التي يعرفها«العربي والفرنسي والإنجليزي»، باختصار أصبح لي الصديق الذي أشتاق له عندما يغيب وأتلهف لرؤيته، وساعدني لإقناع المدير بخروجي في أيام الآحاد خارج المشفى، صحيح أننا لم نغادر الريف، لكنني بدأت أخرج وبدأت أحب الريف والطيور والأشجار والحيوانات وصديقي الجديد أو الأول.

    الفصل الثالث: طبيبة غير

    - اليوم سوف تتعرفين على طبيبتك الجديدة، هذا ما قاله لي علِّي بعد أن حملني ووضعني على الكرسي وقادني، سألته عنها وأخبرني أنها جميلة، فغضبت وأشحت وجهي عنه، فابتسم لي وقال بمكر: لكنني دائمًا امتدح الجميلات أتذكرين تلك الممثلة كانت رائعة الجمال. تصصنعت عدم الاهتمام بما يقول، أعرف ما تفكرون به، لقد أصبحت قريبة جدًا من علِّي لكني لا أستطيع أن أقول أنه حب، صحيح أنني أغار أحيانًا، لكنني أعرف كل شيء عنه، حتى غرامياته، نعم غرامياته فهو منذ ترك تلك الفتاة يتنقل من واحد لأُخرى، حتى فقد إيمانَهُ بالحُب، وهو عيني على الدنيا، أنا أيضًا أرى العالم كما يراه هو، فهو الأقرب لي وقد اعتدت عليه، ربما هذا ما يخيفني كلما تقرب من فتاة، أخاف أن تنهب عيني على الدنيا ليتركني عمياء، فمع عجزي يُصبح العمى شيئًا قاتل.

    - إنها في العقد الثالث، عاد وقال ذلك، لكني رددت بغضب لا أعرف سببه، أنه لا يهمني، فابتسم لي وبدأ يحدثني بجدية وقد توقف عن دفع مقعدي قرب صف من أشجار الحديقة، ونظرت له بعد أن انحنى ليصير في مستوى جلوسي، أعرف عندما يفعل هذا أنني يجب أن أستمع جيدًا ولا أقاطع، وقال: "اسمعيني عزيزتي سالي، لقد تعاقب على علاجك الكثير من الأطباء، لكنهم لم يعرفوا أقل القليل عن تلك الحالة التي تنتابك، بل إنني أظن أنها ليست مرضًا، بل شيئًا ينغص حياة ملاك، يعكر روحه الطاهرة، أتعرفين لِمَ لم ينجح أي من الأطباء السابقين؟ لأنك لم تحبي أيًا منهم، لا أقصد أن أقول أن هذا ذنبك، لا بل هم أيضا لم يفهموك. سالي لقد نظروا إليك على أنك حالة لا بشر، لم يحاولوا التقرب منك، أنا حاولت لكنني لم أدرس العلاج النفسي، لم أخبرك قبل الآن أني قرأت عشرات الكتب بالطب النفسـي، ليس لأنني أعمل هنا، بل لسبب آخر، لأجلك أنت، لقد اشتريت أول كتاب في تفسير الأحلام بعد أن تعرفت علِّيكِ، نعم كان لأجلك، بل لم أستطع تحمل هذه العصفورية إلا بسبب ملاك مقيد فيها مثلي، مع أنني لست ملاكًا ابدًا. سالي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1