Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ما جرى يوم الخميس
ما جرى يوم الخميس
ما جرى يوم الخميس
Ebook100 pages43 minutes

ما جرى يوم الخميس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعري "جمال ناجي" في مجموعته القصصية هذه الواقع اليومي لشخصيات قصصه القصيرة. يدخل في أعماق ذواتهم المتشظية عبر مرآة اللغة والدلالات والتوصيف الدقيق لشخصيات تتفاوت نسبياً في طريقة رؤيتها لذاتها وللحياة بكل شعابها وتعقيداتها الأيديولوجية والثقافية، حيث يطغى الاغتراب الداخلي لشخوص الرواية التي ساقها بلا أسماء وبلا أماكن واقعية ومعلومة باستثناءات لا تذكر في متن سرده القصصي يرسمها "ناجي" بدقة لتؤشر على البعد العام لشرائح ونماذج تتشابه طبقياً واجتماعياً في موقعها وواقعها، وتعاني بمجملها من عاطفة مثبطة نتيجة الفوضى والاضطراب التي تسود علاقات الأفراد فيما بينهم أو في علاقتهم مع المجتمع. تتضمن هذه المجموعة قصصاً قصيرة محكمة النصوص راسمة شكلها ومضمونها القصصيين في بعدها الإنساني العميق. عند قراءتنا للنصوص نجد أن الروائي يقودنا في قصة "رجل لا يحسن الحب" إلى الاشتباك مع علاقة غامضة بين أب وابنه، حيث يبدأها بعبارة "أكرهه" "هذا الابن بالذات أكرهه. ألا يحق للأب أن يضيق بواحد من أولاده؟". يقول الأب متسائلاً عن سر كرهه لولده: "كثيراً ما تساءلتُ: أيمكن أن يكون إخفاقي في علاقاتي مع زملاء العمل هو السبب في سخطي عليه؟ أيمكن أن يؤدي فشلي في النجاح والارتقاء بمرتبتي الوظيفية إلى مثل هذه النتيجة؟". هذا التدرج الرشيق في القص يكشف عن علاقة سيكولوجية معقدة ومدمرة في التعامل بين الأب والابن، ليصل بنا الروائي في نهاية القصة، إلى رغبة الأب المدفونة في أعماقه في قتل الابن الشبيه، أو قتل طفولته ذاتها التي تجلت في ملامح الابن الشبيه، حيث يتساءل الأب في نهاية القصة بحرقة: "كيف لم أنتبه إلى هذا الشبه؟". أما في قصصه اللاحقة يدخل الروائي في دغل العلاقات الاجتماعية، وما يمكن أن تتركه هذه العلاقات تجريحات وربما من اعوجاجات في بنية الروح الإنسانية، وما يمكن أن تخلقه هذه العلاقات من التباسات. وهذه القصص جاءت بعناوين مختلفة تحتاج إلى دراسة مستقلة بسبب عمقها ودخولها إلى تفاصيل حياة الإنسان في مجتمعنا العربي الذي يتميز بخصوصية يختلف بها عن غيره من بقية الثقافات وهذه القصص هي: "مجتمع مدني"، "يومياً ترجل مكتوف اليدين"، "ما جرى يوم الخميس"، "ألجهات الخمس"، "عوني ابن خالتي"، "مقاومة بيضاء"، "عادي"، "ألعود"، "أحياء سبق أن ماتوا"، وأخيراً "قلب أخضر".
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2017
ISBN9786488464060
ما جرى يوم الخميس

Read more from جمال ناجي

Related to ما جرى يوم الخميس

Related ebooks

Reviews for ما جرى يوم الخميس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ما جرى يوم الخميس - جمال ناجي

    رجل لا يحسن الحب

    أكرهه !

    هذا الإبن بالذات أكرهه. ألا يحق للأب أن يضيق بواحد من أولاده ؟

    هو لا يدري لماذا أباغته بسهام غضبي وغيظي، لا يعرف لماذا يتغير صوتي المتراخي ويخرج من بين شفتي باستقامة وقسوة حين أسلطه نحوه، لكن جسمه النحيل يتضاءل كلما استبدت بي واحدة من نوبات عدائي المباغتة له.

    أحياناً،أقرأ في عينيه الفزعتين تساؤلات بريئة مذعورة، ليست من ذلك النوع الذي يمكن إجماله بالاحتجاج التقليدي:

    ما الذي فعلتُهُ لأستحق كل هذا ؟

    إنما هي تساؤلات حول ما إذا قررتُ قتله أم لا ؟

    ألقتل هنا لا يعني سوى الإجهاز عليه وإنهاء حياته. هذا ما أقرؤه في حبّتي عينيه المستغيثتين.

    كثيراً ما تساءلتُ: أيمكن أن يكون إخفاقي في علاقاتي مع زملاء العمل هو السبب في سخطي عليه ؟أيمكن أن يؤدي فشلي في النجاح

    والإرتقاء بمرتبتي الوظيفية إلى مثل هذه النتيجة ؟

    لكن لو كان الأمر كذلك لوزعتُ غيظي على كل أبنائي الذين تختلط عليّ أشكالهم، بسبب تقارب أعمارهم وانشغالي الدائم عنهم، بل ربما كانت حصته من العقاب أقل من غيره، فهو الأكثر وداعةً وبراءة بين أبنائي الثمانيه.

    إن نظرة واحدة إلى جبهته الناعمة ووجنتيه المحمرتين تكفي لقراءة صفحات أعماقه المسالمة، ونواياه التعاونية، وإقباله على الحياة.

    لكن هذا كله لا يشفع له إذا كسر كوباً زجاجياً، أو تثاءب بحرية واستمتاع.. يزعجني تثاؤبه المتبوع بمط الذراعين والهمهمة غير المفهومة.

    أكرهه !

    وعلى الاغلب أنه مثلي، لا يعرف أسرار تلك الغارات التي أشنها عليه من وقت لآخر.

    هاتفني ذات مرة، إستسمحني بالتأخر عند صديق له، سألته عما إذا كان ذلك التأخر ضرورياً، فخفت صوته حتى كاد يتلاشى، ربما حرجاً من صديقه، ربما لسبب آخر.

    حينها تفجر الغيظ في رأسي:

    لماذا اختنق صوته ؟ألم يغادر براءته البليدة؟ ألم يصبح شاباً؟

    وبّختُهُ وأرغمتهُ على العودة إلى البيت فوراً من دون أن أمنحه فرصة التوضيح أو الشرح.

    سمعتني زوجتي التي لا تتكلم كثيراً، إقتربت مني، سألتني عما أثارني، جلستُ على المقعد، غطيت وجهي بكفي، أجبتها:

    لا شيء.

    شيء ما يدعوني إلى محاصرته ومراقبة سلوكه بدقة ويقظة، ليس بالضرورة من أجل تصويب ما قد يرتكب من حماقات أو أخطاء، إنما لأسباب أخرى لا أستطيع تحديدها، وإن كانت كلها تعذبني وتسهم في تدمير مساحات السلام الذي يحل بيني وبينه، أحياناً.

    ومع أنني أمتلك قلباً يتسع للحب والحنان، تاكدتُ من هذا حين فتح الأطباء صدري ووجدوا فيه قلباً نابضاً كبقية الخلق،إلا أن ما يرْشَح عنه من حنان إزاء ذلك الإبن، يكاد لا يكفي لترقيع النسيج الممزق بيننا.

    حين يهدُرُ صوتي وأنفجر فيه، فإن جسده يبدو لي أصغر من حقيقته، أما تقاطيع وجهه فسرعان ما ترتدي دفاعات براءة مذعورة تدعو إلى الإشفاق.

    هنا بالضبط يخفت الضجيج في رأسي، أصمت، أتنهد، أشعل سيجارة. أبتعد عن حطامه..

    ذلك الفتى يتحول إلى حطام.

    أجلس وحيداً، أتعقب تفاصيل ما حدث، وحين أبلغ النقطة التي بدأت فيها زوبعة غضبي، أكتشفُ أن الفتى مظلوم

    ، وأنني قسوت عليه، فتتحرك قدماي، أسير نحوه، أحتضنه، أربّت على كتفه، أمسد شعره الأسود بكف يدي معتذراً له.

    كثيراً ما أسفتُ أمامه عما بدر مني، إلى حد أن اعتذاراتي بهتت، وربما فقدت معانيها.

    لو أتيح لأحد أن يرقب علاقتي معه، لسألني على الفور: لماذا تقسو عليه من دون اخوته ؟ولأجبته بحيرة: لا ادري. فانا لا أزجر أياً منهم، ليس لأنهم أكبر أو أصغر منه سناً، أو لأنهم أكثر أدباً أو اجتهاداً في مدارسهم، كلا كلا، المسألة مختلفة، لكنني لا أستطيع تشخيص أسبابها على الرغم من محاولاتي المخلصة للتوصل إلى أسرار تسلطي عليه، تلك التي اخفقتُ في النفاد إليها.

    إستعان بي مرة أثناء مراجعته واجباته المدرسية، سألني ما إذا كان الزيتون من فصيلة الحبوب أم الخضار أم الفواكه ؟

    فكرتُ. قلت:

    ألزيتون نوع من الخضار.

    كتب في دفتره كلمة خضار.

    فكرتُ ثانية وقلت:

    قد يكون نوعاً من الحبوب.. لكن من المؤكد أنه ليس فاكهة.

    أمسك ممحاته ملتفتاً إليّ، فلمحتُ في عينيه حيرة ممزوجة بالإستغراب.

    سألني:

    ماذا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1