Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أسر مسممة
أسر مسممة
أسر مسممة
Ebook530 pages4 hours

أسر مسممة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

«هل استخدم والداك العقاب البدني لتهذيبك؟ »
«هل أخبرك والداك أنك سيئ أو أنك الأسوأ؟ »
«هل شعرت بالخوف دومًا من والديك؟ »
هل تسبب أي من والديك في الإساءة إليك -نفسيًّا أو بدنيًّا- وسعيت لجعل ذلك أحد أسرارك
الدفينة؟
هل لا يزال والداك يعاملانك كطفل صغير؟
هل يتحكم فيك والداك عن طريق التهديد أو إشعارك بالذنب؟
هكذا سعت دكتورة «سوزان فورورد » المتخصصة في العلاقات الإنسانية لتسليط الضوء عبر حالات وقصص ومواقف واجهتها في عيادتها النفسية للإجابة عن تلك الأسئلة في كتاب باع أكثر من مليون نسخة عند صدوره باللغة الإنجليزية، لعلاج ما يصيب شخصية الأبناء من تشوهات نتيجة أخطاء في التربية يمارسها الآباء والأمهات. اليوم تقدم دار نهضة مصر الكتاب بنسخته العربية إدراكًا منها أن ملامح شخصية الإنسان ما هي إلا
نتاج التربية وعلاقة الإنسان بوالديه من البداية، وكيف أن ما نزرعه في أطفالنا -سلبًا أو إيجابًا -هو ما يمنحنا سمات كل شخص في النهاية. فاحذروا أن ترتكبوا تلك الأخطاء حتى لا تمنحوا المجتمع شخصيات مسممة.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2016
ISBN9789771454960
أسر مسممة

Related to أسر مسممة

Related ebooks

Reviews for أسر مسممة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أسر مسممة - سوزان فورورد جريج باك

    أُسر مسمَّمة

    تغلب على آثار تربيتك المسممة

    واستعد حياتك

    دكتورة/ سوزان فورورد

    بالتعاون مع/ جريج باك

    من أفضل مبيعات نيويورك تايمز

    أكثر من مليون نسخة وزعت بالإنجليزية

    تـرجـمــة: رحاب ولي الدين - دعاء الحفناوي

    مـراجـعـــة: داليا مجدي إبراهيم

    إشــراف عـــــام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 0-5496-14-977-978

    رقـــم الإيــــداع: 2016/26992

    طبعة: يناير 2017

    50813.png

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    تقديم المراجع

    «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا»

    قد يظن البعض أن هذا الكتاب دعوة للحنق على الوالدين؛ ولكن الأمر على العكس تمامًا. الدعوة هي دعوة لفتح الأدراج وإخراج ما يعتمل في الصدور، والإبحار في رحلة شفاء تنتهي في نهاية المطاف إلى تصفية القلوب والإبقاء على الحب الحقيقي القائم على قبول من نحب مع إدراكنا لنواقصه ونقاط ضعفه كأناس طبيعيين لا يرتقون للكمال وليسوا كآلهة مؤلَّهة.

    قد تشعر بالغضب من والديك إذ تقرأ هذا الكتاب وتكتشف أنهما قد يكونان قد أخطآ في حقك. لا تتعجل فحين تمر برحلة التداوي لآخرها، سينطفئ هذا الغضب وستبقى مشاعر الحب الطبيعية التي تكنها لهما.

    اخترنا ترجمة هذا الكتاب لإدراكنا أهمية علاج جروحنا وحل اشتباكاتنا واضطراباتنا الداخلية لنستطيع بناء مستقبل أفضل وإيقاف سلسال المشكلات الأسرية عندنا حتى يتمتع أبناؤنا بحياة أيسر وأكثر طيبًا مما عاشته الأجيال السابقة.

    مـقـدمـــة

    «صحيح أن أبي اعتاد الاعتداء علي بالضرب؛ ولكنه لم يفعل ذلك إلا ليؤدبني، كيف يكون لذلك علاقة بفشل زواجي؟».

    جوردون

    جوردون، جرَّاح عظام يبلغ من العمر ثمانيًا وثلاثين سنة، أتى لزيارتي حين تركته زوجته بعد زيجة دامت ست سنوات. كانت لديه رغبة شديدة لاستعادتها، ولكنها صرحت بأنها لن ترضى بالعودة إليه أو مجرد التفكير فيه ما لم يسع لعلاج طبعه الحاد المتعذر السيطرة عليه. نوبات غضبه المفاجئة كانت تفزعها وعانت الأمَرَّين من نقده المستمر. كان جوردون يعرف أنه عصبي المزاج وأنه يكثر من التذمر أحيانًا، ولكن هذا لم يقلل من صدمته حين تركته زوجته.

    طلبتُ من جوردون أن يخبرني عن نفسه، وأرشدته خلال حديثنا عن طريق توجيه بعض الأسئلة. عندما سألته عن والديه، ابتسم ورسم صورة براقة، وبالأخص لوالده وهو طبيب قلب معروف في وسط غرب الولايات المتحدة. قال عنه:

    لولاه لما أصبحت طبيبًا. إنه الأفضل. يعتبره جميع مرضاه قديسًا.

    سألته عن طبيعة علاقته بوالده الآن، فضحك بعصبية وقال:

    كانت علاقتي به رائعة... حتى صرحتُ له عن عزمي دخول مجال الطب الشمولي. لو رأيتِ ردة فعله لظننتِ أنني أردتُ أن أصبح سفاحًا. صرحتُ بذلك منذ حوالي ثلاثة أشهر، ومنذ ذلك الحين كلما تحدثنا قام بتأنيبي قائلًا إنه لم يبعث بي إلى مدرسة الطب لأصبح مطببًا روحانيًّا. وقد ساءت الأمور فعلًا بالأمس. غضب وطلب مني أن أنسى أنني كنت يومًا جزءًا من أسرته. آلمني ذلك كثيرًا. لا أدري. ربما لا يكون الطب الشمولي فكرة جيدة على أيةِ حال.

    إذ استرسل جوردون في وصفه لوالده، بدا لي واضحًا أنه ليس بالروعة التي أرادني جوردون أن أصدقها عنه، لاحظت أنه بدأ يحرك يديه بطريقة تنم عن توتر شديد. وحين لاحظ ما يفعل، كبح جماح نفسه فشبَّك أصابع كفيه كما يفعل أساتذة الجامعة عادة وهم جلوس إلى مكاتبهم. بدت هذه الحركة كموروث ورثه عن أبيه.

    سألتُ جوردون إذا كان والده يتسم بصفة الطاغية هكذا دائمًا.

    حقيقةً لا. صحيح أنه اعتاد أن يكثر من الصراخ والهياج، ويضربني في بعض الأحيان مثل أي طفل آخر، ولكني لا أستطيع أن أقول إنه طاغية.

    كان هناك أمر ما بشأن الطريقة التي قال بها كلمة «يضربني»: تغير انفعالي طفيف في صوته لفت انتباهي بشدة. سألته عن سر هذا التغير فتبين أن والده كان «يضربه» مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع بالحزام! ولم يكن الضرب يستلزم من جوردون عمل الكثير: مجرد صدور كلمة منه بها طابع التحدي، أو انخفاض علاماته بالمدرسة، أو نسيانه لمهمةٍ ما موكلة إليه؛ كانت تعتبر جميعها «جرائم» تستوجب عقاب الجرائم. لم يكن والد جوردون يضربه في موضع معين، فقد ذكر جوردون أنه ضُرِب على ظهره وساقيه وذراعيه ويديه وردفيه. سألت جوردون عن مدى الأذى البدني الذي ألحقه به والده.

    جوردون: لم أكن أنزف أو أي شيء من هذا القبيل. أقصد أن الأمور سارت على ما يرام، فهو كان يحتاج فقط إلى تأديبي.

    سوزان: ولكنك كنت تخشاه، أليس كذلك؟

    جوردون: كنت أخشاه خشيتي للموت، ولكن ألا يكون هذا هو الحال المفترض مع الوالدين؟

    سوزان: جوردون، هل هذا هو الشعور الذي تريد أن يحس به أطفالك تجاهك؟

    تجنب جوردون النظر في عيني، كان هذا الحوار يبعث في نفسه شعورًا قويًّا بعدم الارتياح. قربتُ مقعدي منه وتابعتُ حديثي برفق:

    زوجتك طبيبة أطفال. لو أنها رأت طفلًا في عيادتها يحمل على جسده نفس العلامات التي كنتَ تحملها أنت نتيجة ضرب والدك لك فهل كانت عندئذ مضطرة بحكم القانون إلى إبلاغ السلطات بهذا الأمر؟

    لم يكن جوردون محتاجًا إلى الإجابة عن سؤالي. امتلأت عيناه بالدموع إذ أدرك الحقيقة، وهمس قائلًا:

    أشعر بتقلصٍ شديد في معدتي.

    انهارت دفاعات جوردون. اعتصر الألم قلبه، ولكنه - وللمرة الأولى - اكتشف السبب الأساسي وراء حدة طباعه، سببًا ظل مختبئًا لفترة طويلة جدًّا. ظل محتفظًا بداخله منذ طفولته ببركان غضب تجاه والده، وكلما زاد الضغط عن قدرته على الاحتمال، انفجر في وجه أي شخص يتصادف وجوده أمامه في ذلك الوقت، وعادةً ما يكون ذلك الشخص زوجته. عرفتُ ما علينا فعله: الإقرار بوجود هذا الصبي الصغير المنتهك داخله والعمل على علاجه.

    حين عدتُ إلى بيتي في تلك الليلة، وجدتُ نفسي أفكر في جوردون. لم أنفك أرى عينيه وقد اغرورقتا بالدمع إذ تبين له أنه قد أسيئت معاملته. فكرت في آلاف الرجال والنساء الراشدين الذين عملتُ معهم والذين تأثرت حياتهم اليومية بأنماط تعامل فُرضت عليهم في طفولتهم من قبل آباء وأمهات مسيئين عاطفيًّا. أدركتُ أنه لا بد أن يكون هناك ملايين غيرهم لا يدركون سبب الخلل في حياتهم، رغم أنه ما زال بالإمكان مد يد المساعدة إليهم. فقررتُ حينئذ أن أكتب هذا الكتاب.

    لماذا ننظر إلى الوراء؟

    قصة جوردون لا تخرج عن المألوف. رأيتُ آلافًا من المرضى خلال الثمانية عشر عامًا التي قضيتُها في عملي كمعالجة نفسية، من خلال الجلسات العلاجية الخاصة أو ضمن المجموعات العلاجية في المستشفيات. عانت غالبية عظمى منهم من فقد الشعور بقيمتهم الذاتية نتيجة سوء المعاملة المستمرة التي لقوها من أحد الوالدين كالضرب أو الانتقاد، أو «المُزاح» بشأن مدى غبائهم أو قبحهم أو كونهم غير مرغوب فيهم، أو إشعارهم بالذنب، أو التحرش بهم جنسيًّا، أو إلقاء قدر مبالغ فيه من المسئولية على كواهلهم، أو المبالغة المفرطة في حمايتهم. مثل جوردون، لم تربط إلا قلة قليلة من هؤلاء الأشخاص بين علاقتهم بوالديهم ومشكلاتهم الخاصة في الحياة. هذه منطقة عاطفية لا يراها الكثيرون: منطقة عمى البصر. يصعب على الكثيرين إدراك التأثير البالغ لعلاقاتهم مع والديهم على حياتهم الخاصة.

    الاتجاهات العلاجية، التي اعتمدت بشكل زائد على تحليل الخبرات الحياتية المبكرة، قد حولت التركيز من «آنذاك» إلى «هنا والآن». تحول محور الاهتمام لينصب على فحص السلوكيات والعلاقات والمواقف الراهنة في حياة الأشخاص والعمل على تغييرها. أعتقد أن هذا التحول جاء نتيجة لرفض المرضى تحمل التكلفة الوقتية والمالية الكبيرة التي تتطلبها طرق العلاج التقليدية، والتي كثيرًا ما تحقق نتائج محدودة.

    أنا من كبار مؤيدي العلاج قصير الأمد الذي يركز على تغيير الأنماط السلوكية المدمرة. ولكن خبرتي علمتني أن علاج الأعراض وحده لا يكفي وأنه يجب على المرء كذلك التصدي لمصادر هذه الأعراض. يكون العلاج أشد فعالية حين يسير في اتجاهين في الوقت ذاته: تغيير السلوك الانهزامي الراهن والانفصال عن خبرات الماضي الصادمة.

    على جوردون أن يتعلم طرقًا للتحكم في غضبه، ولكن لتكون التغييرات دائمة وتصمد تحت وطأة الضغوط، وجب عليه كذلك العودة إلى ما قد مضى والتعامل مع آلام طفولته.

    يزرع آباؤنا وأمهاتُنا داخلنا بذورًا عاطفية وذهنية، بذورًا تنمو معنا إذ نتقدم في السن. في بعض الأسر، تكون تلك بذور حب واحترام واستقلالية، بينما تكون في أسر أخرى كثيرة بذور خوف أو التزام مرضي أو شعور بالذنب.

    إذا كنتَ تنتمي إلى المجموعة الثانية، فهذا الكتاب لك. أثناء مراحل نموك المختلفة وإلى أن كبرت، نمت هذه البذور وأصبحت حشائش ضارة غزت حياتك بطرق لم تدركها قط. قد تكون سيقانها أضرت بعلاقاتك أو مستقبلك الوظيفي أو أسرتك، ومما لا شك فيه أنها قد قللت من ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك.

    سأساعدك في العثور على هذه الحشائش الضارة وانتزاعها من جذورها.

    ما المقصود بوالدين مُسمِمَين؟

    لا يكاد أي أب أو أم يخلوان من العيوب. ارتكبتُ أنا نفسي أخطاءً فادحةً مع أطفالي سببت لهم (ولي) ألمًا لا يستهان به. لا يوجد أب أو أم يستطيعان أن يوفرا الدعم العاطفي لأبنائهما طيلة الوقت. من الطبيعي أن يصرخ الآباء والأمهات في وجوه أبنائهم بين الحين والآخر. وقد تغلب نزعة سيطرة زائدة على جميع الآباء والأمهات من آنٍ لآخر. معظم الآباء والأمهات يؤدبون أبناءهم بالضرب أحيانًا مهما ندُر ذلك. فهل تسمهم هذه الهفوات بسمة القسوة أو تجعل منهم آباءً وأمهات غير مناسبين؟

    بالطبع لا، فالآباء والأمهات بشرٌ أيضًا ولديهم مشكلات بدورهم؛ يستطيع معظم الأطفال التعامل مع نوبات الغضب العارضة ما دامت توفر لهم الحب والتفهم بقدر يسمح لهم بالتغلب على آثار تلك النوبات.

    ولكن هناك الكثير من الآباء والأمهات ممن تكون أنساق السلوك السلبي لديهم متسقة ومسيطرة على حياة الطفل. وهؤلاء هم الآباء والأمهات الذين يتسببون في الأذى.

    بحثتُ عن مصطلح يصف الأرضية المشتركة بين هؤلاء الآباء والأمهات المؤذين، فترددت في ذهني كلمة «سام». تمامًا مثل السموم الكيميائية، ينتشر الضرر العاطفي الذي يسببه هؤلاء الآباء والأمهات ليملأ كافة جوانب وجود الطفل، وإذ ينمو الطفل، ينمو معه الألم. أي كلمة أفضل من كلمة «سم» تصف الآباء والأمهات الذين يُنزِلون بأطفالهم الصدمات المستمرة ويسيئون إليهم ويحطون من شأنهم، وقد يستمرون في ذلك حتى بعدما يكبر الأطفال؟

    توجد استثناءات فيما يخص «الاستمرارية». - على سبيل المثال -، الاستغلال الجنسي أو الإساءة البدنية يسببان ضررًا عاطفيًّا هائلًا حتى ولو حدث الأمر مرة واحدة فقط.

    لسوء الحظ، لا تزال التربية - وهي إحدى مهاراتنا الأكثر أهمية - تعتمد على حدس واجتهاد الوالدين. توارث آباؤنا وأمهاتنا هذه المهارة من والديهم الذين ربما لم يؤدوا هذه المهمة على أكمل وجه. الكثير من أساليب التربية المتوارثة من جيل إلى جيل ما هي في حقيقة الأمر إلا نصائح سيئة ترتدي قناع الحكمة (أتذكر حكمة «إذا طرحت العصا جانبًا يفسد الطفل»).

    كيف تتأثر بسموم الوالدين؟

    من كانوا أطفالًا لآباء وأمهات سمموا حياتهم حين كانوا صغارًا بضربهم، أو تركهم بمفردهم لأوقات أطول من اللازم، أو بالتحرش بهم جنسيًّا، أو معاملتهم كحمقى، أو بالإفراط في حمايتهم، أو المبالغة في بث الشعور بالذنب بداخلهم يعانون جميعًا من أعراض تكاد تكون متطابقة بشكلٍ مدهش: يتدمر شعورهم بتقدير الذات، مما يؤدي إلى سلوك تدميري للنفس. بطريقة أو بأخرى يكاد جميعهم يشعرون بانعدام القيمة وبأنهم غير محبوبين وذلك فضلًا عن شعورهم بالخيبة.

    تنبع هذه المشاعر إلى حدٍّ بعيد من حقيقة أن هؤلاء الأطفال يلومون أنفسهم على المعاملة السيئة التي تلقوها من أبويهم، وهم يقومون بذلك أحيانًا بوعيٍ وإدراك وأحيانًا أخرى بلا وعيٍ أو إدراك. يفضل الطفل، الذي لا يملك وسائل للدفاع عن نفسه ولا يستطيع الاعتماد على نفسه، أن يتحمل ذنب ارتكابه لخطأٍ يستحق غضب والديه على أن يقبل بالحقيقة المفزعة أن والده، ذلك الذي هو مصدر الحماية، شخص غير أهل للثقة.

    إذ يشب هؤلاء الأطفال ويصبحون راشدين، يستمرون في تحمل عبء الشعور بالذنب وعدم الكفاءة بشكل يجعل تكوين صورة ذاتية إيجابية لأنفسهم أمرًا غاية في الصعوبة. وينتج عن ذلك افتقار إلى الثقة بالنفس والقيمة الذاتية، الأمر الذي قد يلقي بظلالٍ قاتمة على كافة جوانب حياتهم.

    قياس نبضك النفسي

    ليس من السهل تبين ما إذا كان والداك قد بثا سمومهما في حياتك أم لا. كثير من الأشخاص تربطهم بآبائهم وأمهاتهم علاقات شائكة. وهذا وحده لا يعني أنهما انتهجا ممارسات تفضي إلى التدمير العاطفي. العديد من الأشخاص يجدون أنفسهم مذبذبين ولا يعرفون ما إذا كانوا قد أسيئت معاملتهم بالفعل أم أنهم يعانون من «حساسيةٍ مفرطة».

    قمتُ بتصميم الاستبيان التالي لأساعدك على الفصل في هذا الأمر. قد تبعث بعض هذه الأسئلة فيك شعورًا بالقلق أو عدم الارتياح. لا بأس بذلك؛ فمن الصعب أن نصارح أنفسنا إلى أي درجة قد يكون آباؤنا وأمهاتنا قد آلمونا. قد يكون الأمر مؤلمًا، لكن الانفعال أمر طبيعي.

    بغرض تبسيط الأمور، يشير هذا الاستبيان إلى الوالدين معًا رغم أن إجاباتك قد تنطبق على أحد الوالدين دون الآخر.

    1. علاقتك بوالديك حين كنتَ طفلًا:

    1. هل قال لك والداك إنك طفلٌ سيئ أو عديم القيمة؟ هل نعتاك بصفاتٍ مهينة؟ هل كانا ينتقدانك باستمرار؟

    2. هل كان والداك يلجآن إلى العقاب البدني لتأديبك؟ هل كانا يضربانك بالسوط أو العصا أو غيرهما؟

    3. هل تعاطى والداك الخمور أو المخدرات؟ هل كنت تشعر بالحيرة أو عدم الارتياح أو الفزع أو الألم أو الخزي بسبب ذلك؟

    4. هل كان والداك يعانيان من اكتئابٍ حاد أو لا يلقيان إليك بالًا بسبب صعوبات عاطفية أو أمراض عقلية أو بدنية يعانيان منها؟

    5. هل كان لزامًا عليك العناية بوالديك بسبب مشكلاتهما؟

    6. هل فعل بك والداك أي شيء لزم إبقاؤه سرًّا؟ هل تم التحرش بك جنسيًّا بأي طريقة كانت؟

    7. هل كنت تخشى والديك أغلب الوقت؟

    8. هل كنت تخشى التعبير عن غضبك من والديك؟

    2. حياتك كراشد:

    1. هل تجد نفسك منغمسًا في علاقات مدمرة أو تلقى فيها معاملة سيئة؟

    2. هل تعتقد أنك إذا تقربت إلى شخصٍ ما بشكل زائد فإن هذا الشخص سيجرحك أو يهجرك؟

    3. هل تتوقع الأسوأ من الآخرين من الحياة بشكل عام؟

    4. هل تلاقي صعوبة في معرفة نفسك وحقيقة مشاعرك وما تريد؟

    5. هل تخشى أنه لو عرف الناس حقيقتك فإنك لن تلقى إعجابهم؟

    6. هل ينتابك القلق حين تحقق النجاح وتفزع لشعورك بأن شخصًا ما سيكتشف أنك مخادع؟

    7. هل تشعر بالغضب أو الحزن دونما سبب واضح؟

    8. هل تسعى للكمال؟

    9. هل يصعب عليك الاسترخاء أو الاستمتاع بوقتك؟

    10. على الرغم من كل محاولاتك بنوايا حسنة، هل تجد نفسك تتصرف «مثل والديك تمامًا»؟

    3. علاقتك بوالديك كراشد:

    1. هل لا يزال والداك يعاملانك كما لو كنتَ طفلًا؟

    2. هل الكثير من قرارتك الحياتية الهامة تعتمد على موافقة والديك؟

    3. هل تبدي ردود أفعال عاطفية أو بدنية حادة بعدما تقضي وقتًا أو تتوقع قضاء وقت مع والديك؟

    4. هل تخشى أن تختلف مع والديك؟

    5. هل يؤثر عليك والداك عن طريق اللجوء إلى التهديد أو بث الشعور بالذنب في نفسك؟

    6. هل يؤثر عليك والداك بالمال؟

    7. هل تشعر بمسئوليتك عما يشعر به والداك؟ إذا كانا يشعران بالتعاسة فهل تشعر بأن ذلك نتيجة خطأ من جانبك؟ هل تقع على عاتقك مهمة أن تحسِّن حياتهما؟

    8. هل تشعر بأنك مهما تفعل فإن هذا لا يكون كافيًا في نظر والديك؟

    9. هل تؤمن بأنه في يوم ما وبطريقة ما سيتغير والداك إلى الأفضل؟

    إذا جاءت إجاباتك بنعم على ثلث الأسئلة على الأقل، فقد يساعدك هذا الكتاب كثيرًا. على الرغم من أن بعض الفصول قد تبدو غير ذات صلة مباشرةً بظروفك، تذكر أن كل السموم التي ينفثها الأهل بغض النظر عن طبيعة معاملتهم السيئة تخلف وراءها الندوب نفسها - على سبيل المثال - ربما لم يكن والداك مدمنَين، ولكن طابع الفوضى وعدم الاستقرار وفقد الإحساس بالطفولة الذي يطغى على منازل المدمنين يبدو مماثلًا بنفس القدر في حالات الآباء والأمهات الذين ينفثون أنواعًا أخرى من السموم في حياة أطفالهم؛ ومبادئ وأساليب الشفاء متشابهة كذلك. ولذا أحثك على ألا تُفوت أيًّا من فصول الكتاب.

    كيف تحرر نفسك من إرث سموم الوالدين؟

    إذا كنت ابنًا راشدًا لوالدين بثا سمومهما في حياتك، فبوسعك أن تفعل الكثير لتحرير نفسِك من إرث الشعور بالذنب والشك في النفس. سأناقش هذه الاستراتيجيات المختلفة عبر أجزاء هذا الكتاب. أريدك أن تمضي قدمًا متسلحًا بقدر كبير من الأمل. لا أقصد بذلك أملًا خادعًا بأن والديك سيتغيران بطريقةٍ سحرية، وإنما أمل واقعي في قدرتك على تخليص نفسك من التأثير المدمر القوي الذي تخلفه المعاملة السيئة من الوالدين. عليك فقط التحلي بالشجاعة التي تكمن داخلك.

    سأقوم بتوجيهك من خلال سلسلة خطوات ستساعدك على رؤية هذا التأثير بشكل واضح ثم التعامل معه، بغض النظر عما إذا كنتَ حاليًّا في نزاع مع والديك، أو تربطك بهما علاقة متحضرة ولكن سطحية، أو لم ترهما منذ سنواتٍ عديدة، أو حتى لو كان أحدهما أو كلاهما قد وافته المنية!

    قد يبدو ذلك غير مألوف، ولكن الكثير من الناسِ يظلون واقعين تحت سيطرة والديهم حتى بعد رحيل الوالدين. قد لا تكون الأشباح التي تطاردك حقيقية، ولكنها كذلك بالمعنى النفسي. فقد تستمر متطلبات أحد الوالدين وتوقعاته وما يبثه في نفس أبنائه من شعور بالذنب طويلًا بعد وفاة ذلك الوالد.

    قد تكون أدركتَ حاجتك إلى تخليص نفسك من تأثير والديك بالفعل. قد تكون حتى واجهتهما بذلك. كانت إحدى عميلاتي تكرر مرارًا: «ليس لأيٍ من والديَّ أي قدر من السيطرة على حياتي...أنا أكرههما وهما يعلمان ذلك». ولكنها سرعان ما أدركت أن إطلاقها لنيران غضبها، يعني أن والديها لا يزالان يؤثِّران عليها، وأن الطاقة التي تُهدر في التعبير عن غضبها تستنفد أجزاء أخرى من حياتها. المواجهة ضرورية لطرد أشباح الماضي وشياطين الحاضر، ولكن لا ينبغي أن تتم أبدًا وسط نيران الغضب المستعرة.

    «أليس من المفترض بي أن أكون مسئولًا عما أنا عليه؟»

    ربما تدور في ذهنك الآن فكرة مفادها: «تمهلي يا سوزان. تقول غالبية الكتب والخبراء الآخرين إنه لا ينبغي لوم الآخرين على مشكلاتي».

    هُراء. والداك مسئولان عما فعلا. لا شك أنك مسئول عن حياتك كراشد، ولكن هذه الحياة قد تشكلت إلى حدٍّ كبير بناءً على خبرات لم يكن لك السلطة عليها. الواقع يقول:

    أنت غير مسئول عما فُعل بك حين كنتَ طفلًا بلا حول ولا قوة!

    أنت مسئول عن اتخاذ خطوات إيجابية لعمل شيء بهذا الشأن الآن!

    كيف يمكن أن يساعدك هذا الكتاب؟

    نحن بصدد أن نبدأ رحلة هامة معًا: رحلة بحث عن الحقيقة وكشف غوامض الأمور. في نهاية هذه الرحلة ستجد نفسك أكثر تحملًا لمسئولية حياتك أكثر من أي وقت مضى. لن أعدك وعودًا براقة باختفاء مشكلاتك بطريقة سحرية بين عشية وضحاها، ولكن إذا كنت تتمتع بالشجاعة والقوة لتأدية العمل الذي يحويه هذا الكتاب، فستتمكن من أن تستعيد من والديك كثيرًا من قوتك كشخص راشد والكرامة التي تستحقها كإنسان.

    ثَمَّ كلفةٌ عاطفية لهذا العمل. حين تزيح دفاعاتك جانبًا، ستكتشف مشاعر غضب وتوتر وألم وحيرة وعلى الأخص أسى. فتدمير الصورة التي ترسخت في ذهنك طيلة حياتك عن والديك قد يُفجر أحاسيس قوية بالخسارة والهجران. وأنا أريدك أن تسير في تطبيق محتوى هذا الكتاب بالسرعة التي تناسبك، إذا كان بعض من هذا العمل يثير فيك شعورًا بعدم الراحة، فأتح لنفسك الكثير من الوقت. المهم هنا هو التقدم وليس السرعة.

    للدلالة على المفاهيم الواردة في هذا الكتاب، استعنت كثيرًا بأمثلة لحالات التقيتها خلال ممارسة عملي. بعض هذه الأمثلة تم نسخها مباشرةً من شرائط صوتية، بينما قمت بكتابة البعض الآخر من الذاكرة بالاستعانة بملاحظات كنتُ قد دونتها. كل الخطابات الواردة في هذا الكتاب مأخوذة من ملفاتي وتم نسخها بالضبط كما كُتبت. أما الجلسات العلاجية التي قمت بكتابتها من الذاكرة فلا تزال حاضرة في ذهني، وقد بذلتُ جهدي لأعيد كتابتها بالضبط كما حدثت. لم أقم بتغيير أي شيء سوى الأسماء والظروف التي قد تكشف عن هوية الأشخاص وذلك لأسباب قانونية. لم يتم صياغة أي من هذه الحالات «بشكل درامي» زائد.

    قد تبدو هذه الحالات مثيرة ولكنها في واقع الأمر تقليدية. أنا لم أبحث بين ملفاتي عن الحالات الأكثر إثارة أو دراميةً، وإنما اخترتُ حالات تنم بوضوح عن نوعيات القصص التي أسمعها كل يوم. ما أتناوله في هذا الكتاب ليس انحرافًا عن الحالة الإنسانية وإنما هو جزء منها.

    ينقسم هذا الكتاب إلى قسمين. سنكتشف في القسم الأول كيف يتصرف الأهل المسممون على اختلاف أنواعهم. سنلقي الضوء على الطرق المتنوعة التي قد يكون والداك آلماك أو لا يزالان يؤلمانك بها. هذا الفهم سيعدك للقسم الثاني الذي سأقدم لك فيه تقنيات سلوكية لتمكينك من قلب توازن القوى في علاقاتك مع والديك.

    خطوات تقليص سيطرة والديك عليك بشكل سلبي خطوات تدريجية. ولكنها في نهاية الأمر ستطلق قواك الداخلية من عقالها، ستُظهر النفس التي توارت طيلة هذه السنوات المنقضية، ذلك الشخص المتفرد والمحب الكامن بداخلك. معًا سنتعاون لتحرير هذا الشخص حتى تصبح حياتك أخيرًا ملكًا خالصًا لك.

    الفصل الأول

    سموم الوالدين

    1

    الوالدان المؤلََّهان

    أسطورة الوالدين المثاليين

    اليونانيون القدامى عانوا مشكلة. كانت الآلهة تنظر إليهم من ملعبها الأثيري العالي على قمة جبال الأوليمب، وتُصدر أحكامها على كل ما يفعلونه. إذا حدث ولم ترض الآلهة، كانت تسارع بإنزال العقاب عليهم. لم يكن لزامًا عليهم أن يكونوا رحماء أو عادلين أو محقين. في واقع الأمر، قد يكونون غير عقلانيين بمعنى الكلمة. كان بوسعهم، ووفق أهوائهم، أن يحيلوك إلى صدى أو يجعلوك تدفع صخرة إلى أعلى تل للأبد. غني عن القول أن عدم القدرة على التنبؤ بأفعال هؤلاء الآلهة الأقوياء قد نشر قدرًا لا يستهان به من الخوف والحيرة بين أتباعهم.

    يشبه ذلك العديد من العلاقات بين الأطفال والوالدين المدمرين، يرى الطفل ذلك الوالد الذي لا يمكن توقع أفعاله كإلهٍ مخيف.

    حين نكون صغارًا، يكون الوالدان أشبه بالآلهة، يمثلان كل شيء بالنسبة لنا. دونهما نصبح بلا حب، بلا حماية أو مأوى أو غذاء، ونعيش حالة ارتعاب مستمر. نعرف أننا لا نستطيع العيش بدونهما. في نظرنا، هما يوفران احتياجاتنا ويتمتعان بقدرة مطلقة. نحن نحتاج وهما يوفران.

    لأنه ليس عندنا شيء أو شخص نقارنهما به، فإننا نفترض أنهما والدان مثاليان. وإذ يتسع نطاق عالمنا خارج نطاق مهدنا، تنشأ لدينا الحاجة للحفاظ على هذه الصورة المثالية كوسيلة دفاعية في مواجهة المجهول الكبير الذي نواجهه بشكل متزايد. ما دمنا مستمرين على اعتقادنا بأن والدينا مثاليان، نشعر بأنه ثَمَة من يحمينا.

    في عامينا الثاني والثالث من الطفولة، نبدأ في تأكيد استقلاليتنا. نقاوم التدرب على استخدام المرحاض ونرتع في «عمر السنتين اللعين». نتبنى كلمة «لا» لأنها تمنحنا نوعًا من التحكم في حياتنا، بينما تمثل «نعم» الإذعان. نكافح لأجل تكوين هويتنا المتفردة، وإرساء أسس إرادتنا الخاصة.

    تبلغ عملية الانفصال عن الوالدين ذروتها أثناء فترة البلوغ والمراهقة، حين نتحدى بشكل صارخ قيم الوالدين وذوقهما وسلطتهما. في الأسر المستقرة نوعًا ما، يتمكن الوالدان من تحمل قدر كبير من الاضطراب الناشئ عن هذه التغيرات. وفي معظم الأحوال، يحاولان أن يتحملا استقلالية طفلهما الناشئ - وإن لم يشجعاه تمامًا. تعبير «إنها مجرد مرحلة» يصبح تأكيدًا تقليديًّا للوالدين المتفهمين اللذين يتذكران سنوات مراهقتهما ويقدران التمرد كمرحلة طبيعية من مراحل النمو العاطفي.

    الآباء والأمهات الذين ينفثون السموم ليسوا بهذا القدر من التفهم. بدايةً من التدرب على استخدام المرحاض ووصولًا إلى المراهقة، يميلون إلى رؤية التمرد أو حتى الفوارق الشخصية بمثابة هجوم شخصي عليهم، فيدافعون عن أنفسهم بالتأكيد على اعتمادية طفلهم وقلة حيلته. بدلًا من تعزيز النمو الصحي، يقوضونه دون وعي، وكثيرًا ما يفعلون ذلك معتقدين أنهم إنما يتصرفون كذلك لصالح طفلهم. قد يستخدمون عبارات مثل «هذه التربية تبني الشخصية» أو «إنها بحاجة إلى أن تتعلم الصواب من الخطأ». غير أن مخـزونهم من السلبية يضر تقدير طفلهم لذاته مما يقف حائلًا دون النمو باستقلال. مهما كانت درجة إيمان هؤلاء الآباء والأمهات، تكون الإهانات محيرة بالنسبة للطفل، ومربكة بطابعها العدائي واحتدامها وفجائيتها.

    تكاد تُجمع ثقافاتنا وأدياننا على إعلاء

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1