Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تحولات الحياة: إدارة التغيير في أي عمر
تحولات الحياة: إدارة التغيير في أي عمر
تحولات الحياة: إدارة التغيير في أي عمر
Ebook728 pages5 hours

تحولات الحياة: إدارة التغيير في أي عمر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الكتاب يتحدث عن طريقة مفصلة للتعامل مع تحولات الحياة التي نتعرض لها جميعًا، والتي صارت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، وذلك من خلال الاستشهاد بعدد من القصص الحقيقية لأناس أجرى المؤلف لقاءات معهم، استشف من قصصهم أسلوبًا عمليًّا للتعامل مع التحولات أيًّا كان شكلها التي قد نقابلها في حياتنا. على الرغم من أن تلك القصص قد لا تنطبق على كثير منا، فإنها تعطينا فكرة عما يلاقيه الناس في حياتهم من تحولات قد تقلب حياتهم رأسًا على عقب، وذلك حتى لا نشعر حين نتعرض لأي حدث من شأنه أن يغير مجرى حياتنا، أننا وحدنا في ذلك، بل ندرك أن الجميع يتعرضون لأحداث قد تجبرهم على تغيير وجهة نظرهم في الحياة، ولكن الأمر المشترك بين كل تلك القصص الواردة بالكتاب، أن جميع أبطالها نجحوا في النهاية في الخروج مما تعرضوا له من أزمات وباشروا حياتهم حتى ولو كانت قد سارت في اتجاه مختلف. فقد استطاعوا جميعًا رؤية النور في آخر الطريق المظلم
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2022
ISBN9789771461906
تحولات الحياة: إدارة التغيير في أي عمر

Related to تحولات الحياة

Related ebooks

Reviews for تحولات الحياة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تحولات الحياة - بروس فيلر

    تحولات الحيـاة

    إدارة التغيير في أي عمر

    بــروس فـيـلــر

    العنوان: تحولات الحيـاة

    إدارة التغيير في أي عمر

    تأليف: بروس فيلر

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    Original English Title: Life Is In The Transitions Author: Bruce Feiler

    © 2020 Published in English language by Penguin Press,an imprint of Penguin Random House LLC All rights reserved.

    © 2023 This Arabic edition published by Nahdet Misr Publishing House, 21 Ahmed Orabi St., Mohandiseen, Giza, Egypt. Upon arrangement with Penguin Press, an imprint of Penguin Publishing Group, a division of Penguin Random House LLC.All rights reserved.

    جميع الحقوق محفـوظـة © لـدار نهضـة مصـر للنشـر

    يحـظــر طـــبـــع أو نـشـــر أو تصــويـــر أو تخــزيــــن أي جـزء مـن هـذا الكتـاب بأيـة وسيلـة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويــر أو خـلاف ذلك إلا بإذن كتابي صـريـح من الناشـر.

    الترقيم الدولـي:978-977-14-6190-6

    رقــــم الإيـــــداع: 28609 / 2022

    طبعة: يناير 2023

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    «التحولات جزء أساسي في الحياة تمامًا مثل فترات الاستقرار فيها».

    ويليام جيمس

    مقـدمـة

    مشروع قصة الحياة

    ماذا يحدث عندما تأخذ قصصنا الخيالية منعطفًا مختلفًا؟

    لطالمــــا اعتقدتُ أن المكالمات الهاتفية لا تغير حياة الإنسان، حتى ذلك اليوم الذي تلقيت فيه مكالمة هاتفية من والدتي، قالت فيها: «والدك يحاول التخلص من حياته».

    فقلتُ لها: «ماذا تقولين؟».

    وفجأة صارت تتحدث ولم أستطع الانتباه إلى كل ما تقوله.. فكانت تتحدث عن حمام، وشفرة حلاقة، ومحاولة طعنة يائسة للتخلص من حياته.

    قلتُ لها: «يا إلهي!».

    فقالت والدتي: «ولم تكن هذه المرة الأخيرة؛ فقد حاول في وقت لاحق أن يقفز من النافذة بينما كنت أعد البيض للإفطار».

    كنت دائمًا ما أُسأل، لكوني كاتبًا، إن كنت تعلمت الكتابة من والدي، والإجابة هي «لا»؛ فقد كان أبي ودودًا بشكل استثنائي، وشخصيته جذابة ومؤثرة - وكنا نطلق عليه «مواطن سافانيّ أصيل» نسبة إلى مدينة سافانا الأمريكية التي عاش فيها على مدار ثمانين عامًا، والمطلة على البحر في ولاية جورجيا- ولكنه كان مستمعًا جيدًا، يجيد الأفعال أكثر من الأقوال، ولم يكن يهوى الكتابة. كان والدي من المحاربين القدامى في القوات البحرية الأمريكية، وناشطًا اجتماعيًّا، ومواطنًا ينتمي إلى الحزب الديمقراطي يعيش في الجنوب الأمريكي، ولم يصب بالاكتئاب ولو للحظة واحدة في حياته.

    كان ذلك حتى أُصيب بالشلل الرعاش، وهو مرض أثر على حركته ومزاجه. أُصيب جدي لأبي بنفس المرض في أواخر حياته، وأطلق الرصاص على رأسه قبل تخرجي في المدرسة الثانوية بشهر واحد. وقد تعهد والدي لسنوات بعد إصابته به ألا يرتكب مثل هذا الفعل، فقال: «أعلم جيدًا ما يسببه هذا من ألم وخزي».

    إلا أنه بعد ذلك غيَّر رأيه، أو على الأقل ذلك الجزء من عقله الذي ظل بإمكانه التحكم فيه، فقال: «لقد عشتُ حياة حافلة، ولا أريد أن يحزن عليَّ أحد، بل أريد أن تحتفوا بي».

    حاول والدي إنهاء حياته ست مرات على مدار الاثني عشر أسبوعًا التالية. حاولنا علاجه بكل الطرق التي يمكن تخيلها؛ بداية من العلاج النفسي حتى العلاج بالصدمات الكهربائية، ومع ذلك لم نتمكن من التغلب على التحدي الأساسي؛ فقَدْ فَقَد والدي سببًا يحيا من أجله.

    بدأ أفراد أسرتي، الذين كانوا منشغلين دائمًا بأنشطة وأعمال كثيرة، يشاركون في رعاية أبي؛ فتولَّى أخي الأكبر إدارة شركة العقارات التي تملكها أسرتنا، وأختي الصغرى تولت البحث عن سبل العلاج الطبي المتاحة.

    أما أنا فلم أكن أجيد إلَّا السرد؛ فقد كرست حياتي على مدار ثلاثة عقود للبحث عن قصص تعطي معنًى لحياتنا، بداية من التجمعات القبلية في العالم القديم إلى التجمعات العائلية الفوضوية التي نشهدها هذه الأيام. فلطالما استحوذت عليَّ فكرة كيف تربطنا القصص، وتقسمنا على المستوى الاجتماعي.. وكيف تميزنا، وكيف تهمشنا على المستوى الشخصي!

    وفي ضوء شغفي هذا بالسرد، بدأت أتساءل إن كان أبي يواجه صعوبة في سرد مشكلاته، فربما يتمثل الحل، إلى حد ما، في السرد.. فربما كل ما يحتاج إليه أبي هو شرارة انطلاق لإنعاش حياته مرة أخرى.

    في صباح يوم إثنين، جلستُ وفعلت أبسط وأكثر شيء وَرَدَ على ذهني مداويًا لوالدي؛ فأرسلتُ له هذا السؤال:

    «ماذا كانت ألعابك المفضلة عندما كنت طفلًا صغيرًا؟».

    ما حدث بعد ذلك لم يغير حياة أبي فقط، بل أثَّر على كل من حوله، وقادني في نهاية المطاف إلى إعادة تقييم قدراتنا جميعًا على تحقيق معنى وتوازن وسعادة في حياتنا.

    هذه هي قصة ما حدث بعد ذلك، والتي يمكننا جميعًا التعلُّم منها..

    قصة مشروع قصة الحياة.

    قصة حياتك

    توقَّفْ للحظةٍ.. واستمِعْ إلى القصة التي تدور في رأسك، في مكان ما في الخلفية..

    ● إنها القصة التي ترويها عندما تلتقي بأحد لأول مرة، وهي القصة التي تتبادر إلى ذهنك عندما تزور مكانًا مميزًا، وتتصفح صورًا قديمة، وتحتفل بإنجازٍ ما، وعندما تهرع إلى المستشفى.

    ● إنها القصة التي تحكي من أنت، ومن أين أتيت، وأين تحلم أن تكون في المستقبل.

    ● إنها لحظة وصولك إلى القمة، ولحظة انكسارك، ولحظة التحول في حياتك.

    ● إنها ما تؤمن به، وتحارب من أجله، وأهم شيء في حياتك على الإطلاق.

    ● إنها قصة حياتك، وهذه القصة ليست مجرد جزء منك فقط، وإنما هي جوهر حياتك.

    والحياة هي القصة التي تحكيها لنفسك، ولكن طريقة سرد تلك القصة أمر مهم للغاية؛ فهل أنت البطل، أم الضحية، أم المحب، أم المحارب، أم الوصي، أم المؤمن؟ والأهم من ذلك بكثير طريقة مواءمتك لتلك القصة، فكيف تراجعها وتعيد التفكير فيها وتعيد كتابتها عندما تتغير الأمور في حياتك أو تترنح أو تسوء؟!

    تعرضتُ مؤخرًا لحدث جعلني أركز على مثل هذه القضايا؛ فقد فقدت السيطرة على تلك القصة التي تدور برأسي، فظللت لفترة لا أعرف من أكون، وما وِجْهتي في الحياة!.. كنت ضائعًا..

    عندئذٍ بدأت أدرك أنه على الرغم مما حظيت به رواية القصص من اهتمام أكاديمي وشعبي كبير في السنوات الأخيرة، فلم يحظ سرد القصص الشخصية بقدر كافٍ من الاهتمام. فماذا يحدث عندما نُصاب بالارتباك في حياتنا، أو عندما يُشتِّت انتباهنا حدث طارئ، أو خطأ فادح، أو تحول ما في أقدارنا؟ وهي أمور أصبحت تحدث في عصرنا الحالي بوتيرة مزعجة..

    فماذا يحدث عندما تأخذ قصصنا الخيالية منعطفًا مختلفًا؟

    هذا ما حدث لأبي في ذلك الخريف، وحدث لي في ذلك الوقت تقريبًا، ويحدث لنا جميعًا في وقتٍ ما في حياتنا.. وحينها نصبح كالمحبوسين في غابة لا نستطيع الخروج منها.

    إلا أنني في تلك اللحظة قررت أن أفعل شيئًا وألا أقف مكتوف الأيدي؛ فبدأت أتعلم كيف أخرج من حبسي.

    كيف أصبحت راويًا لقصص الحياة؟

    توجد -بلا أدنى شك- خلفيةٌ لما فعلته لاحقًا من سفري في جميع أرجاء البلاد لجمع مئات من القصص الحياتية لأشخاص مثلي ومثلك، ثم التمعن في هذه القصص لاستخلاص أفكار رئيسة ودروس قد تساعدنا جميعًا في التعامل مع تقلبات الحياة.

    ولدت في مدينة سافانا بولاية جورجيا الأمريكية في عائلة من خمسة أجيال من اليهود في جنوب أمريكا، ولهذا السبب تلاقى بداخلي تقليدان وافدان لرواية القصص.

    انتقلت من الجنوب إلى الشمال للالتحاق بالجامعة، وبعدها تركتُ الجامعة وسافرت إلى اليابان. وهناك، في مدينة يفصلها عن العاصمة اليابانية طوكيو خمسون ميلًا وخمسون عامًا من التطور، بدأت أرسل خطابات إلى عائلتي على ورق البريد الجوي القديم، فكنت أكتب فأقول: «لن تصدقوا ما حدث لي اليوم». وعندما عدت إلى وطني، كنتُ أينما أذهبُ أجد أحدًا يقول لي: «أحببت رسائلك!».

    فكنتُ أقول: «هذا رائع! هل التقينا من قبل؟».

    اكتشفت فيما بعد أن جدتي صنعت نسخًا مصورة من رسائلي ووزعتها في جميع أرجاء المدينة! فأدى هذا إلى تداول رسائلي بطريقة قديمة الطراز. وعندئذ فكرتُ أنه إن كانت تلك الرسائل قد نالت إعجاب كثير من الناس بهذا الشكل، فلمَ لا أؤلف كتابًا؟ وحالفني الحظ، وتعاقدت مع ناشر لينشر لي كتابي. والأهم من ذلك، أنني وجدت شغفي في الحياة، فقد وجدتُ نفسي في سرد القصص.. فكانت القصص هي الوسيلة التي أعبر بها عن اضطرابي وغربتي في صيغة مترابطة.

    وعلى مدار العقدين التاليين عكفتُ على كتابة القصص، في شكل كتب ومقالات وحلقات للتليفزيون، مأخوذة من ست قارات وخمسة وسبعين بلدًا. عملتُ مهرجًا في السيرك لمدة عام كامل، وقضيتُ عامًا آخر في السفر مع مؤلف الأغاني والمطرب الأمريكي الشهير جارث بروكس. أعدتُ تعقُّب أعظم القصص التي رويت في التاريخ الإنساني، بداية من قصة سفينة نوح إلى قصة خروج اليهود من مصر، وتزوجت وأصبحت أبـًا لفتاتين توءمين متماثلتين، وكانت حياتي تسير في تحسن على جميع الأصعدة.

    كان ذلك حتى تعرضت إلى تجارب متتالية واحدة تلو الأخرى حطمت اتساق هذا المسار، وحطمت معها أي وهم لديَّ بقدرتي على التحكم في قصة حياتي.

    في البداية، تبين أنني مصاب بنوع نادر وسريع الانتشار من سرطان العظام في ساقي اليسرى. لم يكن مرضي مستقرًّا؛ فقد كان نوعًا من سرطان الأطفال الذي لا يظهر إلا بعد مرحلة البلوغ. أمضيت عامًا مخيفًا أواجه فيه الموت وجهًا لوجه، وتحملت فيه أكثر من ست عشرة جلسة كيميائية، وخضعت فيه لعملية استغرقت سبع عشرة ساعة لإزالة عظمة الفخذ في ساقي ووضع شريحة من التيتانيوم بدلًا منها، وتغيير مكان عظمة الشظية بأخذها من ساقي ووضعها في فخذي. ظللت طوال عامين أستند إلى عكازين، وبعدها اعتمدت على عصًا في السير طوال العام. ومنذ ذلك الحين، لازَمَتْ كلَّ خطوة أخطوها.. وكل قضمة آكلها.. وكل عناق أحصل عليه.. سلسلةٌ طويلة من الخوف والوهن.

    بعد ذلك، كنت على وشك الإفلاس؛ فقد دَمَّرت فترةُ الركود الكبير شركة والدي المتواضعة في مجال العقارات، فهوت معها أحلام ثلاثة أجيال، فاضطُرِرتُ إلى إنفاق كل مدخراتي. وفي الوقت نفسه، قضى اختراع الإنترنت على عالم الطباعة الذي ظللتُ أعمل به طوال عقدين كاملين، وفَقَدَ أصدقائي أعمالهم، واحدًا تلو الآخر. كنت أستيقظ من نومي ليلًا ثلاث مرات في الأسبوع وأنا شاحب الوجه، أتصبب عرقًا وأحدق شاردًا في السقف.

    ثم جاءت محاولات أبي للانتحار..

    كانت المحادثات التي دارت بيننا في خريف تلك السنة شبه مستحيلة، فلم تكن اللغة كافية للتعبير عن الخيارات التي واجهناها، وعلى الرغم من ذلك، شعرتُ في تلك الفترة بشيء مألوف إلى حد مؤلم أعادني إلى رد فعلي المعتاد تجاه أية أزمة؛ فقد كنت ألجأ إلى الحكي في وقت الاضطراب. فالحل الأمثل وقت الانكسار.. هو سرد القصص.

    ومؤخرًا حظيت هذه الفكرة برواج كبير؛ فقبل عام واحد بينما كنت أجري بحثًا من أجل تأليف كتاب حول عائلات ذوي الهمم، ذهبت إلى المدينة التي يعيش فيها الدكتور مارشال ديوك، عالم النفس الذي يعمل بجامعة إيموري بولاية جورجيا. كان مارشال وزميلته روبين فيفوش يدرسان ظاهرة لاحظتْها لأول مرة سارة زوجة مارشال. كانت سارة مدرسة لطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد لاحظت أن الأطفال الذين عملت معهم تصبح قدرتهم أفضل على التعامل مع حياتهم كلما زادت معرفتهم بتاريخ عائلاتهم. وضع مارشال وروبين مجموعة من الأسئلة لاختبار هذه الأطروحة، وهي: هل تعلم أين التقى جدك بجدتك؟ هل تعلم مرضًا أو إصابة تعرض لها والداك عندما كانا صغيرين؟ هل تعلم ماذا حدث عند ولادتك؟ وقد كان لدى الأطفال الذين سجلوا أعلى الدرجات في هذا الاختبار اعتقاد أكبر بأنه سيمكنهم التحكم في العالم من حولهم. وكان ذلك المؤشر الأول للسلامة العاطفية لدى الطفل.

    لماذا تساعدك معرفة قصة عائلتك

    في التعامل مع حياتك؟

    قال مارشال موضحًا: «تتخذ جميع قصص العائلات شكلًا واحدًا من بين ثلاثة أشكال؛ أولًا: السرد العائلي التصاعدي، كأن يقول الأفراد إنهم بدءوا حياتهم من الصفر وعملوا بجد حتى حققوا نجاحًا باهرًا. والشكل الثاني يتمثل في السرد التنازلي، كأن يقول الأفراد إنهم كانوا يمتلكون الكثير، ثم خسروا كل شيء».

    واصل مارشال حديثه قائلًا: «أما النوع الثالث من السرد فهو أكثر نوع صحي والذي يسمى السرد المتأرجح، والذي يقول فيه الأفراد إنهم مروا بكبوات وأمجاد في عائلاتهم؛ فقد كان جدنا يعمل نائب مدير بنك، ولكن منزله احترق، وكانت خالتنا أول فتاة تلتحق بالجامعة في العائلة، ولكنها أصيبت بسرطان الثدي. فالأطفال الذين يعرفون أن الحياة لا تسير على وتيرة ونسق واحد يصبحون مهيئين أكثر من غيرهم لمواجهة التقلبات الحتمية في الحياة».

    أدهشني هذا البحث للغاية، وعندما كتبت مقالًا عنه في جريدة New York Times الأمريكية، اندهش القراء أيضًا. وانتشر تداول ذلك المقال، الذي كان بعنوان «القصص التي تجمعنا» The Stories That Bind Us، انتشار النار في الهشيم؛ فقد وصلتني تعليقات عليه من آراء أولياء أمور وباحثين وقادة من جميع أنحاء العالم، وأكدوا جميعًا نفس الشيء وهو أن القصص تربطنا معًا، فتدمج الأجيال ببعضها، وتشجعنا على المخاطرة من أجل تحسين حياتنا عندما تبدو الأمور محبطة للغاية.

    لقد منحتني هذه الفكرة بعض الأمل عندما واجهت مثل تلك اللحظات المحبطة في خريف تلك السنة، فماذا لو طلبت من أبي أن يسرد قصته؟ وليس بالضرورة أن تكون طويلة، مجرد صفحة أو صفحتين. ولقد نجح السؤال الأول الذي أرسلته إليه عن ألعاب طفولته، فتبعته بسؤال آخر: «هل ما زلت على تواصل مع أحد أصدقائك من المدرسة الثانوية؟». ثم سألته: «كيف كان يبدو منزلك عندما كنتَ طفلًا صغيرًا؟». وبعدما اكتسب أبي بعض الثقة في نفسه، بدأت أرسل إليه أسئلة في صباح كل يوم إثنين عبر البريد الإلكتروني مثل: «كيف حصلت على رتبة النسر الكشفي في الكشافة الأمريكية؟»، و«كيف التحقت بالسلاح البحري الأمريكي؟»، و«كيف تعرفت إلى أمي؟».

    لم يكن أبي قادرًا على تحريك أصابع يديه في ذلك الوقت، وبالتالي لم يكن باستطاعته الكتابة على الكمبيوتر، فكان يفكر في السؤال الذي أرسله إليه طوال الأسبوع، ويملي إجابته إلى المساعد الشخصي الذكي «سيري» ثم يطبع مسودة منه ويعمل على تحريرها. ولأن أبي كان يهوى جمع الأشياء طوال حياته، بدأ في إضافة صور فوتوغرافية وقصاصات من صحف، والرسائل الغرامية التي كان يرسلها إلى أمي. وعندما أصبحت كتابات أبي أكثر جرأة، بدأت أرسل إليه أسئلة أكثر عمقًا، مثل: «ما أكثر شيء تندم عليه في حياتك؟»، و«كيف تخطيت أول انتكاسة تعرضت لها؟». استمرت هذه العملية على مدار السنوات الأربع التالية حتى قدتُ أبي، الذي لم يكن قط يكتب أي شيء أطول من مجرد ملحوظات، إلى أن كتب سيرته الذاتية، وكان هذا أبرز تحول شهده أي من أفراد عائلتنا على الإطلاق.

    ولكن ما تفسير هذا التحول بالضبط؟ وحتى أعرف المزيد، تعمقت في التعرف على التأثيرات العصبية والكيميائية الحيوية لسرد القصص؛ فأجريت لقاءات مع خبراء في الفوائد النفسية والعاطفية لذكريات الحياة، كما تابعتُ أعمال رواد في تخصصات ناشئة، مثل علم الشيخوخة السردي، والسرد في مرحلة المراهقة، والطب السردي. واكتشفتُ مجالًا ناشئًا، ولكنه متنامٍ قائم على فكرة أن إعادة تخيل قصصنا الشخصية وإعادة صياغتها أمر ضروري لنحيا حياة مُرضية.

    إلا أنني اكتشفت أيضًا أن ثمة عنصرًا مفقودًا.. فقد بدا أن أحد جوانب ما كان يمر به أبي، وما مررتُ به أنا، وما كان يمر به كل من أعرفهم تقريبًا، لم يُذكر في الحوار. ذكَّرني ذلك العنصر المفقود بالمكون الأساسي الذي حدده مارشال ديوك للقصص العائلية؛ ألا وهو شكلها.

    بدأت أعتقد أن حكاياتنا الشخصية لها أشكال، تمامًا مثل حكايات عائلتنا..

    فكل منا يحمل بداخله مجموعة من الافتراضات غير المعلنة، التي تملي علينا توقعاتنا بشأن طريقة سير حياتنا. تأتي تلك التوقعات من عدة اتجاهات، وتؤثر فينا أكثر مما نعترف به. فنحن، على سبيل المثال، ننساق إلى الاعتقاد بأن حياتنا ستكون في صعود طوال الوقت، وبدلًا من ذلك، نُصدم عندما نكتشف أن حياتنا تتأرجح. كذلك يخبرنا مجتمعنا أنه لا بد لنا أن نفتخر بإنجازاتنا، ولكن يتضح لنا من خبراتنا أن زلاتنا تقيدنا، فهل تساعدنا هذه الفجوة في تفسير القلق الذي يشعر به كثير منا؟

    احتدمت كل هذه الأفكار في رأسي في يوم غير متوقع.. يوم حفل التجمع الثلاثين لدفعة كليتي. كُنت أعاني ألمًا في ظهري، فعرض زميلي في الدراسة ديفيد أن يوصلني معه بالسيارة من مقاطعة بروكلين بولاية نيويورك حيث نعيش نحن الإثنين إلى مكان التجمع. فكرتُ في نفسي ورأيتها فرصة جيدة لنسترجع ذكرياتنا طوال الطريق، ولكن تبين لي أن ديفيد كان في سبيله إلى إتمام صفقة عقارية بعدة ملايين من الدولارات، وظل طوال الطريق يُجري مكالمات هاتفية مع محامين متحمسين من جهة، ومع زملاء مصدومين من جهة أخرى. فقد كان أحد شركاء ديفيد في العمل منهارًا بسبب فقدانه لابنه البالغ من العمر تسعة أشهر، الذي لم يستيقظ من نومه. فكانت تتملك ديفيد مشاعر متضاربة من السعادة والحزن في وقت واحد.

    كنت أدير حلقة نقاش تضم زملائي البارزين بعد ظهر ذلك اليوم، وفي خضم التحضيرات جمعتُ سيرهم الذاتية التي كانت مكتوبة بعناية ومثيرة للإعجاب. إلا أن القصة التي حكاها ديفيد هزتني، حتى إنني عندما صعدتُ على خشبة المسرح، نظرتُ إلى القاعة المليئة بالناس وأخذت السير الذاتية ومزقتها إلى نصفين، وقلت: «أنا لا أهتم بما حققتموه من نجاح، فلتقصوا تلك القصص على أمهاتكم. أنا أريد أن أستمع إلى صراعاتكم، وما تواجهونه من تحديات، وما يقلق منامكم طوال الليل».

    في مساء ذلك اليوم، تجمعت دفعة عام 78 تحت خيمة ضخمة، كان يوجد عند أحد طرفيها طاولة للمشروبات وعلى الطرف الآخر طاولة للمشويات. استغرقت ساعتين للذهاب من أحد طرفي الخيمة إلى الطرف الآخر؛ وذلك بسبب زملائي الذين استوقفوني واحدًا تلو الآخر ليحكوا لي قصصهم التي تفطر القلوب. ومن ضمن تلك القصص:

    ● دخلت زوجتي المستشفى وهي تعاني من صداع متكرر تصاب به دومًا، وتوفيت في صباح اليوم التالي.

    ● ابنتي البالغة من العمر ثلاثة عشر عامًا قطعت شرايينها.

    ● أمي مدمنة للكحول.

    ● مديري محتال.

    ● أتعرض للمقاضاة بتهمة الإهمال في عملي.

    ● أنا أتعالج من الاكتئاب.

    ● أنا خائف.

    قال الجميع، بشكل أو بآخر، الشيء نفسه: «لقد اضطربت حياتي، وتحطمت أحلامي، واهتزت ثقتي بنفسي». فتوجد فجوة كبيرة بين الحياة المشرقة والمأمونة التي فيها «يمكن حل كل مشكلة بقرص دواء، أو تطبيق إلكتروني، أو التأمل لخمس دقائق» التي تُصدَّر لنا، وبين الحياة غير المستقرة وغير المتوقعة والمتقلبة دومًا التي نضطر لمواجهتها.

    فلسان حال الناس أنهم لا يعيشون الحياة التي كانوا يتوقعونها، ويعيشون حياة تخلو من النظام.

    اتصلتُ بزوجتي في تلك الليلة وقلت لها: «توجد مشكلة، فلم يعد أحد يعلم كيف يروي قصته. لا بد أن أتوصل إلى طريقة أساعدهم بها».

    «أخبرني قصة حياتك»

    تمثلت تلك الطريقة في أني أسستُ «مشروع قصة الحياة».

    قطعت البلاد طولًا وعرضًا بحثًا عن أناس يملكون قصصًا مثيرة يمكنهم سردها، وأجريت لقاءات بالساعات مع عديد من الأشخاص تحدثنا فيها عن التحولات التي حدثت في حياتهم، وما تعرضوا له من اضطرابات وإعادة اكتشاف لحياتهم من جديد، واستخلصت من تلك القصص أنماطًا وقرائن.

    بدأت أتحدث مع الأشخاص الذين أعرفهم، ثم بالتدريج أصبحت أكثر صرامة، وسعيت للبحث عن أناس من كل الفئات السكانية، وقمت بأقدم شيء يمكن تخيله، فذهبت للتحدث مع الناس بأحدث الطرق المتاحة؛ حيث أجريت لقاءات في غرف معيشة وغرف نوم وغرف مستشفيات، بالإضافة إلى المراكب والحانات وفي المنازل المتنقلة وفي مجتمعات السكان الأصليين لأمريكا وفي مسارح برودواي وفي الأديرة. وقد أجريتُ تلك اللقاءات وجهًا لوجه وعبر التليفون المحمول والتليفون الأرضي، ومن خلال تطبيقات Zoom و FaceTime وبرنامج Skype.

    منذ مائتي عام، اعتاد الفيلسوف الأسطوري الوجودي الدانماركي سورين كيركيجارد أن يقطع عزلته ليندمج مع الناس، فينزل إلى شوارع كوبنهاجن ويكوِّن معارف، ويتحدث مع غرباء في حوارات طويلة في وقت بعد الظهيرة. وهذا ما شعرت به فظللت على مدار ثلاث سنوات أفعل مثله.

    وانتهى الأمر بي إلى أن جمعت 225 قصة حياة، أبطالها من جميع الأعمار وجميع الخلفيات ومن شتى طبقات المجتمع في جميع الولايات الأمريكية. وقد تضمنت القصص مجموعة من التجارب الشخصية المذهلة، مثل الذين فقدوا أطرافهم أو وظائفهم أو منازلهم أو غيروا دياناتهم، ومن أولئك الذين تخلصوا من الإدمان، ومن انفصل عن شريك/شريكة حياته، أو خرج من جماعة متطرفة، بالإضافة إلى العشرات الذين شهدوا تحولات يومية في حياتهم كلها أمل وانتعاش وتجديد. وفيما يلي نموذج صغير لهذه الحالات:

    ● تاجر سندات في بورصة وول ستريت أصبح روائيًّا رومانسيًّا.

    ● سائق شاحنة أصبح ممرضًا.

    ● القائد العسكري الذي اكتشف مكان صدام حسين.

    ● متعافٍ من مرض السرطان مرتين تسلق جبل «إفرست».

    ● محلل في وكالة الاستخبارات الأمريكية ترك عمله ليصبح مدربًا لكلاب الإنقاذ.

    ● كاتبة في مجلة أصبحت متعهدة جنازات.

    ● عالم في الفيزياء النظرية تخلى عن عمله أستاذًا في الجامعة وكرس نفسه لفرقته الموسيقية على موقع YouTube.

    ● مؤلف موسيقى ريفية أصبح قسًّا.

    ● قصة كفاح أفضل لاعب في دورة الألعاب البارالمبية في التاريخ الأمريكي.

    ● رئيس مجلس إدارة شركة للأدوية استقال ليرعى أولاده الثلاثة بعد أن قتلت زوجته نفسها.

    ● قصة عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي.

    ● فائز بجائزة جرامي.

    ● متعصب سابق لذوي البشرة البيضاء.

    ● سيدة أقلعت عن الكحول وذهبت إلى عشرات الأشخاص حتى أبواب منازلهم للاعتذار عن سرقتهم وهي في حالة سُكر.

    ● ثلاثة أشخاص دخلوا السجن.

    ● أربعة أشخاص كادوا يموتون وعادوا إلى الحياة مرة أخرى.

    ● خمسة أشخاص نجوا من محاولات انتحار.

    ● وأخيرًا، شريك صديقي ديفيد، الذي أخلد ابنه للنوم ولم يستيقظ بعدها.

    أقاليم مشروع قصة الحياة

    Section00004.xhtml

    الفئات العمرية في مشروع قصة الحياة

    Section00004.xhtml

    المهن في مشروع قصة الحياة

    Section00004.xhtml

    ما فعلته مع أولئك الأشخاص هو ما أسميته «مقابلات قصة الحياة». فمنذ أكثر من ثلاثين عامًا، صمم دكتور غير مشهور بجامعة هارفارد يُدعى دان ماك آدامز عملية إجراء مقابلات شخصية يتحدث فيها مع الأفراد حول حياتهم كوسيلة لفَهم كيف طوروا وصقلوا إحساسهم بنفسهم. أصبح دكتور دان رئيسًا لقسم علم النفس في جامعة نورث ويسترن، وظلت الدراسات السردية تؤدي إلى اكتشافات متقدمة من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الشيخوخة.

    تواصلتُ مع دان الذي عرض عليَّ بسخاء أن يرشدني خلال عملي بمشروعي، وشجعني على أن آخذ النموذج الذي صممه في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن بعد عمل بعض التعديلات عليه ليتماشى مع الموضوعات التي أهتم بها، وقال لي: «لا تحاول أن تكون أكاديميًّا، بل تصرَّف على طبيعتك». وكما توقع دكتور دان، بدأت موضوعات جديدة ومفاجئة تظهر بسرعة، موضوعات لم أكن قد قرأت عنها من قبل فيما كُتِب عن مسار الحياة والتنمية البشرية والتغيرات الشخصية.

    فسرعان ما اكتشفتُ أن مجموعة من القوى غير المسبوقة تعمل على إعادة تشكيل حياتنا المعاصرة - فنية، وسياسية، وروحية، وجنسية - إلا أن التقنيات التي نستخدمها لإضافة معنًى لحياتنا لم تتواكب مع تلك القوى، فنحن نمر بعمليات تحول في حياتنا بشكل متكرر، ولكن لم تتغير مجموعة أدواتنا التي نتعامل بها لمواكبة هذا الأمر.

    صممت المقابلات التي أجريتها لفهم هذه الظاهرة ومواجهتها. كان سؤالي الأول سؤالًا مفتوحًا: «أخبرني قصة حياتك من فضلك في خمس عشرة دقيقة» وقد استغرق معظم الناس أكثر من ساعة لرواية قصة حياتهم. بعد ذلك، سألتهم عن أهم لحظات في حياتهم؛ لحظة النجاح ولحظة الانكسار، ولحظة التحول، وتجربة ذات معنى، ومرحلة تحول كبيرة أجادوا التعامل معها، ومرحلة تحول أخرى أخفقوا في التعامل معها.

    وبما أن اجتياز مثل هذه التحولات سرعان ما أصبح موضوعًا سائدًا، فقد قضيت وقتًا طويلًا في بحث هذه الظاهرة التي لم تخضع للمناقشة بشكل كافٍ. سألت الأشخاص: هل التحولات التي حدثت في حياتهم كانت إرادية أم لاإرادية؟ وهل كانوا يستخدمون طقوسًا معينة لتخطي هذا الوقت؟ وما أكبر المشاعر التي عانوا منها؟ وكيف نظموا وقتهم؟ وما العادات القديمة التي تخلوا عنها؟ وما العادات الجديدة التي ابتكروها؟ وكم من الوقت استغرق هذا التحول؟

    وفي نهاية اللقاء، سألت عن الخطوط العريضة للقصة التي شكَّلت حياتهم، وأنهيت اللقاء بالسؤالين المفضلين لي، اللذين كانا الأكثر تنويرًا:

    السؤال الأول:

    بالنظر إلى قصة حياتك بكل ما تحمل من فصول ومشاهد وتحديات، هل تستطيع استنباط موضوع محوري فيها؟

    السؤال الثاني:

    إن نظرت إلى قصة حياتك بطريقة مختلفة قليلًا، فما الشكل الذي يعبر عن حياتك؟

    كان الكم الهائل من القصص المسجلة التي جمعتها مؤثرًا للغاية. فعندما انتهيت من تلك اللقاءات، كنت أملك أكثر من ألف ساعة من القصص. كانت جميعها مسجلة على جهاز التسجيل. دونت محتويات تلك التسجيلات، ووصل إجمالي صفحاتها إلى ستة آلاف صفحة. وعندما وضعت الورق فوق بعضه، وصل ارتفاعه إلى أكتاف ابنتيَّ المراهقتين، واستغرقت شهرين لقراءة هذا الورق من البداية إلى النهاية.

    كان تصنيف تلك القصص هو الخطوة التالية؛ حيث استعنت بعملية استخدمها صديقي جيم كولنز الخبير في الإدارة والدكتور دان ماك آدامز أيضًا، وجمعت فريقًا ليساعدني في تحليل القصص. قضينا عامًا كاملًا في إنشاء قاعدة بيانات عملاقة وصنفناها وفقًا لسبعة وخمسين مُتغيرًا مختلفًا. تراوحت تلك المُتغيرَات من مراحل التحولات التي وجدها الأشخاص أنها الأكثر صعوبة، حتى أشكال النصائح التي وجدوا أنها أكثر فائدة، ومن وقت وقوع أحداث محورية في حياتهم إلى ما كانت عليه طموحاتهم المستقبلية. وقد تناقشنا حول النتائج التي توصلنا إليها طوال يوم بأكمله، واستعرضنا جميع المقترحات، وتأكدنا أكثر من مرة من صحة استنتاجاتنا. ويمكنني أن أقول بكل ثقة إن 09 % من الأنماط التي اكتشفناها لم يكتب عنها أحد من قبل، ولدينا البيانات اللازمة لدعمها.

    تحولات الحياة قادمة

    قبل التوغل في تلك البيانات والقصص التي وراءها، أود أن أبدأ بملاحظة عامة، فإن أردتُ وضع ما تعلمته في معادلة بسيطة، فستكون على النحو التالي:

    انتهاء الحياة الخطية

    الحياة اللاخطية بها تحولات حياتية أكثر

    تحولات الحياة مهارة يمكن إتقانها، ويجب إتقانها.

    أدرك أن تلك العبارات قد تبدو واضحة وفي الوقت نفسه غامضة بعض الشيء. فماذا نقصد بالحياة الخطية؟ وكيف نعرف أن تحولات الحياة وفيرة إلى هذا الحد؟ وكيف نتقن تلك الأشياء إن كنا لا نعرف طبيعتها؟ حسنًا، لقد أوضحت القصص التي استمعتُ إليها كثيرًا من الأنماط وأشارت إلى ناقوس خطر جلي، ولهذا أرى أنه قد حان الوقت لنحدِّث طريقة فهمنا للحياة وتعاملنا معها.

    وفـي ظل كل هـذا، أود أن أبـدأ باقـتراحٍ ما أظنه قد يسبب كثيرًا من القلق الذي يمر به كثيرون منا، وأن أعرض ما آمل تحقيقه من هذا المشروع. فعندي، على وجه التحديد، ثلاثة أهداف، وتحذير، ووعد، وحلم طموح أخير لهذا الكتاب، فلنبدأ بالأهداف أولًا:

    الهدف الأول: هو وضع اسم لظاهرة يصعب فهمها في الحياة المعاصرة، وتلعب دورًا كبيرًا في التأثير على تفكيرنا في أنفسنا. فحياتنا لم تعد تتبع الطريق التقليدي الخطيِّ.

    في بداية مشروعي، إن طلبت مني أن أصف شكل حياتي، فسأقول إنها مثل الخط، هذا الخط يمشي في جميع الاتجاهات، بدءًا من عائلتي ثم تَقَدَّم للأمام، ثم ارتفع، ثم انخفض وفقًا لنجاحي الظاهري إلى حد كبير. وأعتقد أن الجميع يقولون شيئًا مشابهًا.

    والحقيقة أن هذا وصف خاطئ بشكل خطير وعميق؛ لأنه يغفل جزءًا أساسيًّا من الطريقة التي نعيش بها في عصرنا الحالي.

    أدركت كثير من العقول الأكثر ذكاءً في عصرنا الحالي، مثل أولئك الذين يدرسون الكمبيوتر والأحياء والرياضيات والفيزياء، أن العالم لم يعد يلتزم بإرشادات خطيَّة يمكن التنبؤ بها، بل إن الحياة مليئة بالفوضى والتعقيد، وبعض الفترات تكون منظمة وأخرى مختلة، كما توجد أوقات مستقرة وأوقات غير مستقرة. وبدلًا من الخطوط المنتظمة التي اعتدنا وصف الحياة بها، يرى الملاحظون الآن حلقات وأشكالًا حلزونية وذبذبات وكسورًا والتواءات وتشابكات وتقلبات.

    كنت أشعر بالفضول حول طريقة تطبيق هذا الأمر على حياتنا اليومية، فبدأتُ أسأل كل من أراه «ما شكل حياتك؟» وأدهشتني الأجوبة؛ حيث أشار الجميع إلى كل الأشكال؛ حياة على شكل دوائر وقلوب وفراشات وحلقات وأنهار وأشجار وجبال وأشكال حلزونية. وعندما طلبت منهم توضيحًا للأمر، كشفت إجاباتهم عن مجموعة متشابكة ومكبوتة من الرغبات والهزائم وخيبات الأمل والتي كان لها انعكاس على الأشكال متعددة الأبعاد لرواياتهم الشخصية.

    تبدو فكرة أن الحياة تتبع سلسلة من التقدم المدروس بعناية- من مرحلة الطفولة إلى الشباب ووصولًا إلى منتصف العمر ثم إلى سن الشيخوخة، ومن الخطوبة إلى الزواج إلى تكوين أسرة وتنشئة الأطفال إلى أن يصيروا كبارًا ويتركوا المنزل، والتدرج الوظيفي وصولًا إلى سن المعاش- قد عفا عليها الزمن إلى حد كبير. فبدلًا من المرور بسلسلة من مراحل الحياة المقدرة مسبقًا التي تتخللها أزمات دورية في المراحل العمرية الفارقة، فإننا نشهد دوامة معقدة من الاحتفالات والانتكاسات والانتصارات والتجديدات عبر سنوات حياتنا بالكامل.

    الأكثر من ذلك، أن الجيل إكس (وهو مصطلح يشير إلى مواليد ما بين أوائل الستينيات إلى أوائل الثمانينيات) قد شعر بهذا الأمر أكثر من الذين ولدوا في فترة طفرة المواليد (وهم مواليد الفترة ما بين 1946 إلى 1964)، وجيل الألفية (يشير إلى الجيل الذي ولد في الفترة ما بين 1981 إلى 1996) شعر بذلك أكثر من الجيل إكس. فالتوقعات الروتينية التي توجد لدى أي شخص بأن يعيش طوال حياته في وظيفة واحدة، وبعقيدة واحدة، وفي منزل واحد، وهوية واحدة، ويدخل في علاقة عاطفية واحدة- من فترة المراهقة إلى فترة الشيخوخة - اختفت في وقتنا الحالي أكثر من أي وقت مضى. وهذا هو معنى أن تعيش حياة لاخطيَّة، تؤثر بعمق في القرارات التي نتخذها جميعًا كل يوم.

    ومن أكبر العواقب التي نواجهها أنه على الرغم من كل المميزات التي قد نستفيد بها من مثل هذه الحياة؛ كالحرية الشخصية، والتعبير عن الذات، وأن نعيش حياتنا بأسلوبنا الخاص بدلًا من الحياة التي يمليها علينا الآخرون - فإنها تلزمنا جميعًا بالتعرض لمجموعة كبيرة من تحولات الحياة. وهذا الأمر يقودنا إلى هدفي الثاني وهو فهم هذه الأنواع الهائلة من أحداث الحياة.

    ويعتبر عنصر الصراع أحد الشروط المسبقة لسرد القصص؛ فمن أجل سرد أي قصة يجب أن يكون هناك حدث غير متوقع. إنه التحول المفاجئ في الأحداث الذي نراه في الأفلام السينمائية أو نقطة التحول كما يطلق عليها أرسطو. يقول جيروم برونر، الرائد في علم النفس السردي: «يتفق الجميع على أن القصة تبدأ بانتهاك من نوعٍ ما للأشياء المتوقعة. فيوجد أمر لم يَسِرْ على ما يرام، وإلا فلن نجد شيئًا يمكننا سرده». والقصة هي الأداة التي تعمل على حل مثل هذا الانتهاك.

    وأحد الأمور المحورية التي اكتشفتها في محادثاتي المعدل الذي تظهر به تلك الاضطرابات في عصرنا الحالي، وقد أثار هذا قلقي كثيرًا. فنحن نواجه طفرة من الانتهاكات والعوامل المسببة للاضطراب كما أُطلِق عليها. وكثير من الأسباب تفسر هذه الطفرة (انظر الفصل الثاني)، ولكن دعوني الآن أقول ببساطة إننا جمعنا كل التباينات الموجودة في أحداث الحياة المقلقة التي استمعت لها، ووصل إجمالي عددها إلى إثنين وخمسين نوعًا، هذا يعني وجود إثنين وخمسين مصدرًا مختلفًا من الصراعات أو الاضطرابات أو الضغوط التي قد يواجهها أي شخص. تتراوح تلك الأنواع ما بين أمور طوعية (خسارة الوزن، أو إنشاء شركة) إلى أحداث غير طوعية (فصل من العمل أو اكتشاف أن طفلك من ذوي الاحتياجات الخاصة)، أو حدث شخصي (التخلص من عادة سيئة، أو فقدان شخص عزيز)، أو حدث جماعي (الانضمام إلى حركة اجتماعية، أو التعرض لكارثة طبيعية). يبلغ عدد العوامل المسببة للاضطراب التي من المتوقع أن يعاني منها الإنسان في حياته بعد سن البلوغ حوالي 63، بمتوسط عامل واحد كل 12 إلى 18 شهرًا.

    الحقيقة أننا نستطيع تجاوز كثير من هذه العقبات مع تعرض حياتنا لاضطرابات طفيفة فحسب، فنحاول التأقلم معها، ونطلب مساعدة أحبائنا، ونعيد كتابة قصص حياتنا. إلا أنه بين الحين والآخر، ترتفع العوامل المسببة للاضطراب، سواء كان عاملًا واحدًا أو أكثر من عامل في وقت واحد، إلى مستوى يربكنا ويزعزع استقرارنا. تلك الأحداث أطلق عليها اسم «الهزات الحياتية»؛ لأن الضرر الذي تسببه قد يكون مدمرًا، فتكون عواقب تلك الأحداث في أعلى مستوياتها إن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1