Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ما وراء الثقوب الصغيرة
ما وراء الثقوب الصغيرة
ما وراء الثقوب الصغيرة
Ebook610 pages4 hours

ما وراء الثقوب الصغيرة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

ما وراء الثقوب الصغيرة هي رواية مؤثِّرة ومشوِّقة للغاية بأحداثها الغامضة والغريبة.  تأخذ الرواية القارئ في رحلة مليئة بالمطبَّات عبر مرض الوسواس القهري وانفصام الشخصية التي تعاني منه البطلة، فيجد القارئ نفسه في متاهة مشوِّقة ومليئة بالإثارة مِن الأحداث التي تبدو غير مفهومة، ولكنَّها شيئًا فشيئًا تبدأ بالتكشُّف. رواية تضع القارئ وجهًا لوجه مع المعاناة التي تنتج منه، ترينا ما بين الثقوب الصغيرة في عقل البطلة، التي تتشكَّل بداخلها عوالم مختلفة تبدو أنَّها حقيقية.  هي رواية تجمع بين الدراما والتشويق، وتطرح تساؤلات فلسفية عميقة عبر مفهوم الخير والشر، والمقاومة وعدم الاستسلام، ومعنى الأنا، والحقيقة ونسبيَّتها.
Languageالعربية
Release dateJun 23, 2023
ISBN9789948794677
ما وراء الثقوب الصغيرة
Author

مهدي عصام

نبذة عن المؤلف عندما نظرت لهذه الخانة في الكتاب تساءلت هل يهتم القارئ بهذه الفقرة عن المؤلف هل يجب أن أتحدث عن نفسي هنا؟ اليكم ما في الأمر فهذا الكتاب ليس عني نهائيا ولكن سوفَ أحاول كتابة ما قد تقوله شخصية في الكتاب عن كاتبها أن كنتم مهتمين بهذه الفقرة التعريفية قبل البدأ. "مليء بالاستيقاظ من سباتٍ في محاولة تشبُّث لا يُطال.. أيّ ركيزة واقعة هي تلك فالجميع موهم بينما يحاول إيجاد الثبات وتحقيقه!" وشخصٌ حقيقي قال عني: لم يتزوَّج، ولا يمتلكُ أبناءً بالتَّبني؛ ولكنَّهُ والدٌ بكلِّ ما تعنيه الكلمةُ من معانٍ, أب! كم احبه صديقي وابني على ما اظن في هذا السياق وهذا كل ما هناك والد بلا ابناء ومؤلف يحاول ايجاد الثبات في الرواية والان لنتناول المهم والأسئلة الحقيقية التي لا يجرؤ أحد على طرحها ولكنها أول ما يجول في رأس كل واحد منكم مهمن كنتم! لماذا يجب علي الاصغاء اليك تحديدا؟ بالنسبة الي هذا هو أهم سؤال لماذا يجب عليك الإصغاء الى هذا الكتاب المعلق في الرف بجانب مئات ومئات الكتب؟ لماذا يجب عليك اقتناءه وتوفير اهتمامك وتخصيص بعض من وقتك فقط للنظر اليه؟! لنكن صادقين قليلاً.. لأن في الحقيقة الأسلوب الذي استعمله ليس أسلوب طبي انا فقط سأشاركك معاشرتي لهذا المرض انا لن أملئ وقتك بكل التعاريف والشروحات واثقفك بجلسة أشبه بحصة دراسية لا.. لا.. انا سأجعلك تعيش هذا المرض وعلى الرغم من تنوع السلوكيات لدى المرضى المصابين بالوسواس القهري وانفصام الشخصية الا انه كما ذكرت هذا ليس كتابًا طبياً ولن أستخدم مقولة "أسال مجرب ولا تسأل طبيب" لأني أكثر من مجرد "مجرب" وهي مقولة مبتذلة على أي حال فكما ذكرت سابقاً لقد عاشرت المرض على السرير وأنجبت هذا الكتاب لك! سوف ترى كيف هو الشخص المصاب بهذا المرض يفكر وينظر للأمور من حوله وسوف تتنفس الهواء الذي يستنشقه لأنك ستدرك أن هذه الناس لها وجود وليس هذا فحسب بل هي موجودة حولك وكيف تتعامل معها؟ وبالطبع أنت على دراية بوجود أناس تعاني بالطبع هذا ليس بالأمر الجلل أو الجديد عليك هناك أناس يعانون بكل مكان! ولكن هنا بيت القصيد هؤلاء ليسوا مجرد أناس ونقطة! لا هم أخ و أخت لأحدهم و أبن خال وخاله لأحدهم و أب و أم لأحدهم ففي الحقيقة هؤلاء ليسوا مجرد ناسٍ وانتهينا و الله يشفيهم هؤلاء لهم وجود وبصمة و ستشعر بالوجود هذا من خلال الرحلة التي ستعيشها مع البطلة في الكتاب و هذا هوا السبب الذي يوجب عليك الإصغاء في الحقيقة .. أتعلم عندما يخبرونك خذ الحكمة من افواه المجانين؟ انا سوف أعرض لك نافذة تطل على المعنى الحقيقي للجنون في رحلة خيالية تمامًا ولكنها في نفس الوقت انعكاس لكل شيء حقيقي وفي اللحظة التي تضيع فيها بين الأوهام التي يتجلى منها ضوء الحقائق سوف تكتشف انه لربما الفرق بينك وبينهم ليس بكبير للغاية في نهاية المطاف .. ليس بالشكل الذي كنت تتوقعه على الأقل.. فعلى سبيل المثال هل تظن انك تمتلك نفسك؟ أنا أعني هل تظن أنك تمتلك خياراتك حقًا ورأيك الذي تفتخر وتصيح فيه بكل مكان؟ هل تظن فعلاً أنك تعرف نفسك لو سألتك سؤال سخيف وبسيط مثل: حدثني عن نفسك وشغفك؟ الكتاب سوف يجعلك تعرف أن جميعنا مرضى! ويمكن أن يكون العاقل الوحيد فينا هو الشخص الحكيم ذاك الذي قال لنا في بداية الحديث أن نأخذ الحكمة من مفهومه.. مجنون آخر يخبرك بأن تصغي هذا هو المعنى الحرفي للمثل وهذه هي نفحه مما سنراه داخل الكتاب. على ماذا سأحصل عند قراءة كتابك ما لذي سأستفيده؟ ثاني أهم سؤال ولا يشمل من يحبون تصوير القهوة بجانب الكتب فهذا السؤال يهم كل شخص عداهم! لنكن صادقين قليلاً.. هنالك أقاويل تقول شيء من هذا القبيل " العالم لا يدور حولك فقط.. " ولكنني سأجعلك تدور و تدور و تعرف أنك كنت تتراقص حول نفسك ومع نفسك وعن نفسك بقدر ما تحب، سوف تشاهد انعكاسات نفسك بين طيَّات الصفحات ويظل السؤال الحقيقي هو.. ما الَّذي تراه تحديدًا؟! أتمنا أن يعجبك على أي حال! لأنني معجب بمسكتك للكتاب الان.. ونظراتك هذه الي أتمنا فقط أن لا نبدأ بإطلاق الأحكام بهذه السرعة ولكنني فضولي بإطلاق تعريف لهذه النظرات التي تعتليك الان! هل بوسعي القول عنها نظرةً شرعية؟ ما رأيك هلا تباشر بدفع المهر ونقرأ الفاتحة لنبدأ؟

Related to ما وراء الثقوب الصغيرة

Related ebooks

Related categories

Reviews for ما وراء الثقوب الصغيرة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ما وراء الثقوب الصغيرة - مهدي عصام

    ما وراء الثقوب الصغيرة

    مهدي عصام

    Austin Macauley Publishers

    ما وراء الثقوب الصغيرة

    نبذة عن المؤلف

    الإهـداء

    حقوق النشر©

    شكر وتقدير

    ماوراء الثقوب الصغيرة

    الصَّوتُ الصَّامت

    لم أكُنْ كما أنا الآن

    موعدٌ مع الحاكم

    فجرٌ جديد

    لصّ صاحب كرامة

    السَّعادة لا تولَد من سعادةٍ، بل هي ألمٌ!والعكسُ صحيح.

    لا أمتلكُ احتراما لآراء فاقدها

    أمَّا بعد

    أوقاتٌ متأخِّرة معك

    نقطةُ تحوّل

    الموتُ على الجنودِ حقٌّ

    هل يمكِنُكَ رؤيتي الآن؟

    العشاء الأخير

    الخلاص

    نبذة عن المؤلف

    عندما نظرت لهذه الخانة في الكتاب تساءلت هل يهتم القارئ بهذه الفقرة عن المؤلف هل يجب أن أتحدث عن نفسي هنا؟ اليكم ما في الأمر فهذا الكتاب ليس عني نهائيا

    ولكن سوفَ أحاول كتابة ما قد تقوله شخصية في الكتاب عن كاتبها أن كنتم مهتمين بهذه الفقرة التعريفية قبل البدأ.

    مليء بالاستيقاظ من سباتٍ في محاولة تشبُّث لا يُطال.. أيّ ركيزة واقعة هي تلك فالجميع موهم بينما يحاول إيجاد الثبات وتحقيقه!

    وشخصٌ حقيقي قال عني: لم يتزوَّج، ولا يمتلكُ أبناءً بالتَّبني؛ ولكنَّهُ والدٌ بكلِّ ما تعنيه الكلمةُ من معانٍ, أب!

    كم احبه صديقي وابني على ما اظن في هذا السياق

    وهذا كل ما هناك والد بلا ابناء ومؤلف يحاول ايجاد الثبات في الرواية والان لنتناول المهم والأسئلة الحقيقية التي لا يجرؤ أحد على طرحها ولكنها أول ما يجول في رأس كل واحد منكم مهمن كنتم!

    لماذا يجب علي الاصغاء اليك تحديدا؟

    بالنسبة الي هذا هو أهم سؤال لماذا يجب عليك الإصغاء الى هذا الكتاب المعلق في الرف بجانب مئات ومئات الكتب؟ لماذا يجب عليك اقتناءه وتوفير اهتمامك وتخصيص بعض من وقتك فقط للنظر اليه؟! لنكن صادقين قليلاً..

    لأن في الحقيقة الأسلوب الذي استعمله ليس أسلوب طبي انا فقط سأشاركك معاشرتي لهذا المرض انا لن أملئ وقتك بكل التعاريف والشروحات واثقفك بجلسة أشبه بحصة دراسية لا.. لا.. انا سأجعلك تعيش هذا المرض وعلى الرغم من تنوع السلوكيات لدى المرضى المصابين بالوسواس القهري وانفصام الشخصية الا انه كما ذكرت هذا ليس كتابًا طبياً ولن أستخدم مقولة أسال مجرب ولا تسأل طبيب لأني أكثر من مجرد مجرب وهي مقولة مبتذلة على أي حال فكما ذكرت سابقاً لقد عاشرت المرض على السرير وأنجبت هذا الكتاب لك! سوف ترى كيف هو الشخص المصاب بهذا المرض يفكر وينظر للأمور من حوله وسوف تتنفس الهواء الذي يستنشقه لأنك ستدرك أن هذه الناس لها وجود وليس هذا فحسب بل هي موجودة حولك وكيف تتعامل معها؟ وبالطبع أنت على دراية بوجود أناس تعاني بالطبع هذا ليس بالأمر الجلل أو الجديد عليك هناك أناس يعانون بكل مكان! ولكن هنا بيت القصيد هؤلاء ليسوا مجرد أناس ونقطة! لا هم أخ و أخت لأحدهم و أبن خال وخاله لأحدهم و أب و أم لأحدهم ففي الحقيقة هؤلاء ليسوا مجرد ناسٍ وانتهينا و الله يشفيهم هؤلاء لهم وجود وبصمة و ستشعر بالوجود هذا من خلال الرحلة التي ستعيشها مع البطلة في الكتاب و هذا هوا السبب الذي يوجب عليك الإصغاء في الحقيقة .. أتعلم عندما يخبرونك خذ الحكمة من افواه المجانين؟ انا سوف أعرض لك نافذة تطل على المعنى الحقيقي للجنون في رحلة خيالية تمامًا ولكنها في نفس الوقت انعكاس لكل شيء حقيقي وفي اللحظة التي تضيع فيها بين الأوهام التي يتجلى منها ضوء الحقائق سوف تكتشف انه لربما الفرق بينك وبينهم ليس بكبير للغاية في نهاية المطاف .. ليس بالشكل الذي كنت تتوقعه على الأقل.. فعلى سبيل المثال هل تظن انك تمتلك نفسك؟ أنا أعني هل تظن أنك تمتلك خياراتك حقًا ورأيك الذي تفتخر وتصيح فيه بكل مكان؟ هل تظن فعلاً أنك تعرف نفسك لو سألتك سؤال سخيف وبسيط مثل: حدثني عن نفسك وشغفك؟ الكتاب سوف يجعلك تعرف أن جميعنا مرضى! ويمكن أن يكون العاقل الوحيد فينا هو الشخص الحكيم ذاك الذي قال لنا في بداية الحديث أن نأخذ الحكمة من مفهومه.. مجنون آخر يخبرك بأن تصغي هذا هو المعنى الحرفي للمثل وهذه هي نفحه مما سنراه داخل الكتاب.

    على ماذا سأحصل عند قراءة كتابك ما لذي سأستفيده؟

    ثاني أهم سؤال ولا يشمل من يحبون تصوير القهوة بجانب الكتب فهذا السؤال يهم كل شخص عداهم! لنكن صادقين قليلاً..

    هنالك أقاويل تقول شيء من هذا القبيل العالم لا يدور حولك فقط.. ولكنني سأجعلك تدور و تدور و تعرف أنك كنت تتراقص حول نفسك ومع نفسك وعن نفسك بقدر ما تحب، سوف تشاهد انعكاسات نفسك بين طيَّات الصفحات ويظل السؤال الحقيقي هو.. ما الَّذي تراه تحديدًا؟! أتمنا أن يعجبك على أي حال! لأنني معجب بمسكتك للكتاب الان.. ونظراتك هذه الي أتمنا فقط أن لا نبدأ بإطلاق الأحكام بهذه السرعة ولكنني فضولي بإطلاق تعريف لهذه النظرات التي تعتليك الان! هل بوسعي القول عنها نظرةً شرعية؟ ما رأيك هلا تباشر بدفع المهر ونقرأ الفاتحة لنبدأ؟

    الإهـداء

    هذا الكتابُ إهداءٌ إلى والدي رحمة الله عليه، كنت أتمنَّى إنهاءه ليتسنَّى له القراءة ورؤية ما فعلتُ لأجله وبسببِه، لكن كلُّ شيءٍ يسير حسب الخطَّةِ الإلهيَّة, أعلمُ أنَّهُ يراني الآن ويقدِّرُ إصغاءَ كلِّ واحدٍ منكم لهذي النّبذة من الرِّحلة التعريفيَّة الخياليَّة الّتي تحكي كيفَ عاشَ رغم مرضهِ النَّفسي وصراعهِ الدَّائم.. أتمنَّى أن تجد السعادة أينما كنت، أنا أعلمُ أنَّكَ تستطيعُ صنعها كيفما كانت حالك ! أنا مدينٌ لكَ دائمًا، وسأُحدِّثُ النَّاسَ عن ذلك الدّين العظيم!

    حقوق النشر©

    مهدي عصام 2023

    يمتلك مهدي عصام الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أيّ جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أيّ فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948794660 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948794677 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب: MC-10-01-6151208

    التصنيف العمري: +17

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية الَّتي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب.

    الطبعة الأولى 2023

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971+

    شكر وتقدير

    أشكرُ والدتي و والدي، لولا الله ثمَّ هو لما كانَ للكتاب وجود، أستطيعُ تأليف كتاب كامل وإن نُشرَ فهذا يعني أنَّني نجحتُ، ولكنِّي أيضًا فشلتُ؛ إعجازًا وليس تعجيزًا.. في التّعبير عمَّا قدَّمه لي عطاءً دونَ لقاءِ. ما أنا عليه الآن تكوينٌ من صنيعكَ! ولرفيقة دربي الطَّويل سوس! ملهمتي في عثراتي، ومعرِّفة هويتي وسط جائحة حياتي، نجمةٌ متفجِّرَة مازالَت تضيءُ لي طريقي, أردِّدُ فيه: أنتَ يا الله، ثمَّ هي، ثمَّ سلامٌ على رغد الغد منتهاي بها ومبدئي.

    ماوراء الثقوب الصغيرة

    اللحظَة التِي أُصْبِح فِيها مُتَيَقِّنةً مِئةً في المِئة سَأكُونُ حِينَها مُجَرَّدَ مُتَغَطْرِسَةٍ حَمْقَاء لا تَفقَهُ شَيء، وحدَهُم مَنْ تُسَاوِرُهُم الشُكُوكْ هُم العُقَلاء، بِمَعْرِفَتِهِم أنَّهُم لَم يَعْرِفُوا شَيئاً بَعد.

    مايوسومي

    اسمي مايوسومي، أبلغ من العمر اثنتين وعشرين عامًا، مصابةٌ بمرض نفسيٍّ يُدعى الوسواس القهري؛ أمَّا تشخيصي الطبيّ الأخير أضيفَ إليه: انفصام شخصيَّة. هكذا تبنى السيرة الذاتيَّة على ما أعتقد، وهذه هي قصتي لنهاية نهاياتي! فجميع خاتماتي لطالما كانت من وحي خيالي.

    أنا لم أستطعْ وضع خاتمة لأيِّ جزءٍ منِّي ماعدا هذه، هي روايةُ حياتي!

    لنبدأْ من البداية، وكما يقول عمر بن الخطَّاب:

    لو عُرضَتِ الأقدارُ على الإنسان, لاختار القدرَ الَّذي اختارَهُ اللهُ لهُ.

    استيقظتُ في ليلةٍ عاديَّة تستطيع الشعور بذلك من هدوء العالم حولك وسماع دقَاتِ السَّاعة في المنزل: تِك تُك تِك تُك..

    لا أعلمُ ما كانَ يحدث لي! فحين ذاك شعرتُ بوخزات في مؤخِّرة رأسي, أقرصات بعوض؟ همم، فتحتُ باب غرفتي لأنزل للطَّابق السُّفلي؛ كنَّا نمتلكُ قصرًا كبيرًا في قرية ريفيَّة بقرب طوكيو. صُدمْتُ بحطامِ منزلي، وبالخشب المحروقِ، بالحيطان.. ونموّ الأشجار منه عابرةً النوافذَ لداخل الممرَّات كما لو أنَّ المكان هُجر منذ آلاف السنين! نزلت مسرعةً على الدَّرج مناديةً بصوتٍ خافت ومرعوب: هل يوجد أحد هنا؟! أمّي، أبي!

    لا أحد!

    أنا قلقة ممَّا حدث، ذهبتُ للخارج لأتفاجأ أنَّ الشوارعَ خاليةٌ تماماً من أي أثر لأي كائن حيٍّ كما لو أنَّ دهرًا قد مرَّ وأنا نائمة!

    انتظرتُ أمّي وأبي في المنزل لساعاتٍ حتَّى أحسستُ بالجوع، كلُّ شيء كان مهجورًا ولم يتبقَّ غيرُ المعلَّبات، تناولتُ البعض وبقيتُ هكذا أنتظر حتَّى غفوت، لأستيقظَ بعد عدَّةِ ساعاتٍ على أشعَّة الشَّمس تضرب عينيَّ

    لا أحد..! لا يوجد أيُّ أحد على الإطلاق! بقيتُ أنتظر لساعات بلا طائل، فقرَّرتُ حزم حقيبة والدي الَّتي كان يعدُّها للرَّحلاتِ ثمَّ الذَّهاب لإحضارِ بعض الطَّعام من المتجر. وبينما أسير في الطُّرقات لم يكن هنالك أثرٌ لأيِّ كائنٍ حيٍّ, كنتُ الفتاة الوحيدة بالقرية، المعامل والصَّالات, والمحلَّات.. جميعها فارغة ومهجورة! نظرتُ من حولي ثمَّ شعرتُ بوكزةٍ خلف رقبتي مجدَّدًا ولكن هذه المرَّة شعرتُ أنَّ نظري تلاشى لثوانٍ سريعة! غبار يحجبُ رؤيتي وجوٌّ عاتم وسط سطوع الشَّمس، كلُّ هذا حدث بومضاتٍ سريعة. لم أُعطِ للأمر أي بالٍ وبقيتُ أسيرُ حتَّى وصلتُ لوجهتي المتجر كان مهجورًا ولكن مليئًا بالبضائعِ، كما لو أنَّ لاشيء تعرَّض للَّمسِ بمكانه، هل فقط غادرالجميع فجأةً؟ كيف يعقل ذلك؟! سحقًا! أينَ الجميع؟! لمَ لا يوجد أي أثرٍ للحياة؟! أخذتُ بعض المعلَّبات من المتجر وعلبة مياهٍ مع ملابس للطَّريق، ثمَّ تابعت السير.. لم أعلمُ إلى أينَ أنا ذاهبة؟! أو أينَ هي وجهتي تحديدًا؟! تائهةٌ خائفة وأشعر بقليلٍ من الدُّوار، كلُّ ماكنتُ أُفكِّر فيه أن أجد أيَّ شخصٍ، أو أيَّ أثرِ لما حدث هنا, سلكتُ الطريق المؤدِّي إلى المدينة, المركباتُ فارغة ولا آثار لأيِّ حطامٍ عليها، هي فقط تُركَت هكذا بمنتصَف الطّرقِ لا تعمل، والكهرباءُ على ما يبدو أنَّها انقطعَت منذ سنواتٍ ونمَت حولها الأشجار.. لا أثر لأيِّ حيوانٍ؛ قطٍّ أو كلبٍ أو جارتنا. سلكتُ ذلك الطريق الطويل على أمل العثورِ على شيءٍ يجيبُ تساؤلاتي, هل يُعقَل أنِّي اّخرُ إنسانة على وجه الأرض؟

    سمعتُ صوتًا خافِتًأ لم يكن واضحًا كفاية لأتعرَّفَ عليه، ولكنَّه كان ضخمًا كبيرًا كالصدَّى الاّتي من بعيد: هل تساءلتم يومًا ما هوَ الصوت الَّذي لا يصمتُ عن العالم؟! الصوت الوحيد الَّذي لا ينقطعُ عن الكرة الأرضية! أذكر أنَّ أبي أخبرني عن شيءٍ مشابهٍ لهذا.. أوه، تذكَّرتُ: إنَّه صوتُ الآذان!

    ابي، هل كنتُ سيَّئةً يا أبي؟!

    بدأتُ أتمايلُ بخطوات غير موزونة، أتخيَّل صورةً لعائلتي على مائدة الطعام وأبي يمسكُ بحزام سرواله ويصرخُ عليَّ: لماذا لا تفعلين كما أُخبرُكِ به دائماً؟ وجوههُم ليست واضحةً، أعود مجدَّدًا لوعيّ لأكملَ طريقي نحو المدينةِ، استغرق الأمر أسبوعًا منّي أبحثُ عن أيّ شيءٍ, توقَّفتُ عند نهرٍ لأستحمَّ, خلعْتُ ملابسي متأمِّلةً جسدي النَّحيل المهجور وقدميَّ الَّلتين لم أعد أشعرُ بهما من شدَّة الألم. كان النَّهر بقُرب قرية على الطَّريق، وكانت هناك مثل الأرجوحة المعلَّقَة بجذع شجرةٍ تتدلّى على الماء، فتأرجحتُ بها وألقتني عاليًا نحوَ المياهِ لاغوصَ داخلها, وحين أصبحتُ داخل الماء رأيتُ أمّي بالأعلى تصرخُ عليَّ: مايوسومي! فلتخرجي حالًا، أنا و والدك وأخوك الصغير ننتظرُكِ. كانت تحملُ بين ذراعيها عصاةَ أمِّها المتوفاة. انتقلْتُ لتلك اللحظات بذاكرتي عندما كنا نعيش في مزرعة جدّي وجدتي؛ كانت أمّي سعيدةً جدًّا ودائمة الابتسام، لم أفهم لماذا تجرُّني في كلِّ مرَّةٍ إلى حظيرةٍ صغيرةٍ لتبدأ بضربي بقسوة. لسببٍ ما كنتُ خائفةً من الطّلوع لسطح الماء ثمَّ تهيَّأ لي مخلوقًا صغيرًا يقفُ على كتفها ويقول لي: لا تخافي، اقتربي! بدأتُ بالاختناق داخل الماء، رغبت بشده في البقاء عميقًا لكن سرعان ما بدأ وضوح رؤيتي يتلاشى، وعندما أوشكتُ على الغرق شعرتُ بيدٍ تُمسكُني وترفعُني إلى الأعلى والابتسامة الَّتي أجهلُ ارتسامها على وجهي وأنا أرتفع.. عندما صعدتُ على سطح الماء لم يكن هنالك أحد، فقط أنا ونفسي.. وحيدة مجدَّداً! استلقيتُ تحت الشَّجرةِ المعلَّقةِ بها الأرجوحة أمسح جسدي الهالك المترف وأفكِّر في أُمّي الَّتي اعتادت على غسلي وفرك ظهري، كنتُ كلَّما أتخيَّلُها تمسحُ على ظهري بأشواك من اللِّيفةِ بدل تلك الَّتي تستعملُها لغسلِ الأطباق في المطبخ لتجعل ظهري ينزفُ وأتقطَّع.

    حينَها وبلا شعور منّي كنتُ ممسكةً على يدي أخدشُها بأظافري متسبِّبةً بجروحٍ على سطح ذراعي دون إدراكٍ منّي وأُتمتمُ تنهيدةً اعتدتُ أن أسمعها من جدَّتي حينَ أستلقي في حضنِها في شُرفتِنا أمامَ الحديقةِ المنزليَّة، وهي تُلامس بأناملها شعري بخفَّةٍ وتمشِّطه لي.. (تنهيدة):

    "أنا المتجوِّلةُ بالطُّرقاتِ.. أنا حبيسةُ نفسي..

    أووه! أيَّتُها الرُّوح الضَّالةُ، ارجعي لتغمريني بجميعِ المشاعرِ، لتجعلي أنفاسي ودقَّاتِ قلبي تنبضُ بالحزن والفرحِ والغضب...

    نُفيتُ ولم يستوطنني أحد!

    لقد أحببتُ جدَّتي, سألتُها ذاتَ مرَّةٍ بتهكُّم ولم يكن سؤالًا حقًّا أكثر ممَّا هوَ تذمُّرٌ، سائمة من الحال: ألا تكتفين من الاستيقاظ باكرًا للغاية؟ لدرجة مسابقتِكِ موعد إستيقاظ الدَّجاج، ثمَّ تفتحين جميع الأبواب بما في ذلك النوافذ، وتتسببين لي بالعمى من نور الشَّمس السَّاطعة؟

    فأجابتني بنبرةٍ غاضبةٍ ولكنَّها كانت مبتسمة وقالت: ولو كان بيدي لضربتُكِ، وفتحتُ جسدكِ منشئةً نافذةً تطلُّ على قلبكِ، وأطلقتُ روحَكِ للخارج لتتهوَّى!

    لقد أحببتُها كثيرًا, كنتُ مغمورةً بأفكاري من التَّعب، حتَّى لمحتُ شيئًا يتحرَّكُ بين الأشجار، صرختُ خائفة: مَن هناك؟! لم يُجبْ أحدٌ. ذهبتُ مسرعة لأرتدي ملابسًا أخذتُها من المتجر معي, سمعتُ مجدَّدًا صوت شخصٍ ما, لم أكُنْ مدركةً ما هوَ بالضبط, ولكن كان هنالك أحدٌ بالطَّبع! صرختُ مجدَّداً: هل يوجد أحد هنا؟ مرحباً..

    لم يُجبْ أحدٌ! أخذت أغراضي وواصلت التقدُّمَ شاعرة بتلك الوخزة مجدَّدًا خلفَ رأسي، وهذه المرَّة كانَت قويَّةً قليلاً، انعدَمت رؤيتي لثوانٍ, لا أعلمُ هل أخسرُ بصري؟ أم ماذا؟! سمعتُ صوتَ شخصٍ يهمسُ لي ويضحك: أكملي، لا تتوقَّفي!

    لا أستطيعُ أن أرى بوضوحٍ، لا أعلمُ ما الَّذي يحدثُ لي؟! ضرباتُ قلبي تتسارعُ، وبالكاد أرى الطَّريق، ألتفتُ يميني وشمالي، ولكن لا أحد! فقلتُ: أرجوكُم، هل يوجدُ أحدٌ؟ أيّ شخصٍ! ثمَّ لمحتُ شيئًا يتحرَّكُ خلف منزل صغيرٍ.. ذهبتُ راكضة إليه، ولكن لم يكُن سوى رافعة مياهٍ فارغة يحرِّكُها الهواء تضربُ بالأرض! أُصبتُ بالإحباط والقلق وبدأ يتسلل لي الخوف, اعتلتني رغبةٌ في رمي نفسي بذلك البئر المهجور أمامي.. وفي تلك اللَّحظاتِ سمعتُ صوتًا خلفي يقول:

    المعذرة! هل أنتِ من هنا؟

    كادَ قلبي أن يتوقَّفَ، صرختُ ملتفتةً خلفي لأتحقَّقَ، وكانت النَّتيجة.. يوجدُ حقًّا شخص! يوجد شخصٌ آخر عداي! كانَت غريبةَ المنظر قليلاً، ولكن لم أُبدي للأمر أيّ اهتمامٍ، ضحكتُ من الخوفِ وقلتُ لها: هل تعيشين هنا؟ من أنتِ؟ هل تعلمين ما الَّذي حدث؟ لماذا لا تجيبين؟ هل يوجدُ أحدٌ غيركِ هنا؟

    بداخلي كنتُ أقول: يجب أن تهدئي، وتتمالكي نفسَك.)

    هطلتِ الأمطار وتغيَّرَ الجوُّ بلحظاتٍ، كما لو أن السماء كانت غاضبةً حقّاً، تلاشى ضوءُ النهار وأحاطتنا الغيوم.

    فأشارَت لي بيدِها نحوا كهفٍ ليس ببعيدٍ، وتعابير وجهها كانت.. مشوشةً! هل هذه هي الكلمة المناسبة لوصف مظهرِها؟! أنا حقًّا لا أعلمُ، كانت خائفةً وحزينةً، قويَّة وحادَّة النَّظرات، تتقلَّب لتصبحَ تعابيرها بين هذا وذاك في ثوانٍ معدودةٍ، وحين اقتربتُ منها أكثر توقَّفَت أخيرًا على وجهٍ واضحٍ استطعتُ أن أراها بوضوح الآن.. كانَت طفلةً! تعابير وجهها ونظراتُها اختفَت منها الحدَّةُ والخشونة، كانت البراءة تملأُ عينيها, ابتسمَت لي، حينها نظرتُ إلى الكهف لأراها تنظر إليه، ثمَّ تركضُ نحوه مسرعةً، وأناديها: انتظري! سآتي معكِ! هنالك الكثير من الأمور الَّتي أحتاج فهمها..

    فقالَت الفتاة بصوتٍ مرتفعٍ مع ضحكاتٍ وسعادة تغمرُها: بالمناسبة: أنا تاناكا!

    قلت بنفسي: (ماذا؟ أليس هذا اسم صبي؟!)

    لحقتُها، وحين أصبحنا داخل الكهفِ المظلم بدَت على ملامحها القلق، سألتُها: هل أتيتِ هنا من قبل؟ هل هذه أوَّل مرَّةٍ لكِ هنا؟ فقالت لي بأنفاسٍ متقطِّعةٍ مرعوبة:

    أنا اسمي أمايا، بالمناسبة ول..ل.. لا أ..أعلم، لكن يراودُني شعورٌ س..ييء حيال الأمر، لِ..لِ..لنعدْ أدراجنا..!

    وبنفس اللَّحظات تغيَّرت نبرةُ صوتها الخائفة ومظهرها المرعوب، وبدا على وجهها ملامح الغضب لتقول:

    الى أينَ؟ أنت دائمًا تنتابُك هذه المشاعر، سنبقى اللَّيلة هنا حتَّى تهدأَ العاصفة، أليس كذلك يا.."

    كانت تنظر لي وأنا محدِّقةٌ بها تنتابني الدَّهشة والاستغراب. (هل كانَت تخاطبُني، أم تُخاطب نفسها؟)

    تنتظرُني أن أأُعرِّفَ بنفسي وأُخبرها باسمي! فأجبتُها بارتباك: أ..أهلًا! أنا مايوسومي!

    ردَّت عليَّ: مرحبًا مايوسومي! أنا ازامي! وعندَما هممتُ بالرَّدِ عليها قالت مسرعةً وبتغيُّرٍ آخر في صوتها ليصبحَ حادًّا:: فكرة جيّدة.!

    أنا حقًّا خائفةٌ، ولا أعلمُ ما الَّذي أصابَ هذه الفتاة؟ تتصرَّفُ بغرابةٍ هكذا! ولكن نحتاج المكوث في هذا الكهف الآن.

    أخذتُ كشافًا صغيرًا من حقيبتي وبدأتُ في التقدُّمَ لأستكشفَ المكانَ. كانَ مخيفًا جدًّا، ولكن كانَ أمرُه غريبًا! فأخبرتني تلك السيّدة بطريقةٍ حادّة الطِّباع:

    بالطَّبع لاحظتِ الأمر أيضًا، لا يوجد صدىً بالمكان، ممَّا يعني.. أوه! المعذرة."

    بدأَت بالضَّحكِ وأكملت أينَ لباقتي؟ أنا أريسو! تغيَّر وجهها مرَّة أخرى مجدَّداً، وهذه المرَّة انتابني الفزعُ حقًّا من تصرُّفاتها وسط هذا الظلام ومع أصوات الرَّعد الَّتي تُمزِّق السَّماء فوقنا, لا أعلمُ ما الَّذي يحدث لها حقاً؟! شاهدتُها تقتربُ منّي كثيرًا وتقولُ بشكلٍ مريب:

    أنا ازامي، ونحن لسنا وحدَنا يا مايوسومي، يوجد شيء هنا، شيءٌ ضخمٌ أيضاً، ما هوَ ؟ ما هوَ ..؟!

    وتعودُ لتلك الطّباع والملامح الصّغيرةِ، تصرخ بأعلى صوتها:

    مغامرة! أررر! جميل! لنستكشف المكانَ.

    ركضَتِ الفتاةُ بين الظَّلام لداخل الكهف متعمِّقةً, وعندَما لحقتُ بها لم أجدها، لقد اختفَت! صرختُ بصوتٍ عال:

    إلى أينَ ذهبتِ يا صاحبةَ الأوجهِ المتعدِّدة؟!

    لم يُجبْ أحدٌ. التفَتُ حولي ولم أعد أرى المدخلَ! هل تهتُ؟ هل سأكون بخير؟ لا أعلمُ! أعتقدُ بأنَّه يجب أن أتابعَ التقدُّمَ فحسب.. وبعد أن تعمَّقت في متاهاتِ الكهفِ رأيتُ ضوءًا خافتًا في الأسفلِ، وعندما خطوت قليلًا منه انزلقَت قدمي متدحرجةً إلى حفرةٍ متوهِّجةٍ, نظرتُ حولي, كانت غرفةً كبيرة من الحجارة الَّتي تملؤها النقوش والعبارات الَّتي وقعَت عينايّ عليها:

    كلُّنا نجومٌ إن أنطفأَ نورُ نجمةٍ أضاءتها ما حولها.

    لم أشاهد أيّ شيءٍ مشابه لها من قبل، وكان يوجد على بابها رجلٌ متكئٌ على بعضٍ من الصّخورِ يُشاهدُني بصمتٍ طوال الوقت! أفزعني الأمرُ بشدّةٍ حتَّى تصلَّبتُ في مكاني أحدِّقُ فيه بثباتٍ متسائلةً إن كان ميتًا؟ اقتربتُ منه ببطءٍ وإمعانٍ، فرأيتهُ يتنفَّسُ، سألتُه بخوفٍ: مَن أنـ...، ولكن قبل أن أُنهي سؤالي قال لي بصوتٍ خافتٍ:

    مرحبًا بكِ، هل كنتِ تعلمين أنَّه لم يأتِنا زوّارٌ منذ خمسةٍ وخمسين عامًا؟ ان لم تكوني تعلمين، فأنتِ تعلمين الآن! ضحكَ وأكمل ضاحكاً

    تفضَّلي، تفضَّلي!

    فتحَ بابًا قديمًا ظننتُه حجارة لوهلةِ قائلةً داخلي: حسنًا! لربَّما مرّت تلك المعتوهة من هنا، ويوجد شخص ما حقًّا، ولربَّما يوجد أشخاص آخرون كذلك بداخل هذا الكهف الغريب!

    وضعتُ قدمي وتقدَّمتُ من خلال الباب، فانزلقَت قدمي وأصبحتُ أتزحلق للأسفل! صرختُ بشدَّةٍ وسط الظلام حتَّى شعرتُ بصوتي ينطلقُ في الفراغ، ولم أعد أنزلق بل أطير! شعرتُ بدقَّاتِ قلبي بوضوحٍ، كان الموتُ على بُعد ثوانٍ من ارتطامي بأيِّ شيء، ولكن لحُسن حظّي وقعتُ على ساحةٍ تملؤها الحجارة والازهار السوداء! الإنارة خافتة بالكاد أستطيعُ الرّؤية، القيت نظرةً حولي وعندما بدأتُ في تكوين فكرة عن مكاني، قلتُ بنفسي: ل..ل..لحظة! هل هذه مقـ..بـ..رة؟!

    الظَّلام حالكٌ في أرجاء المكان، وبالكاد أستطيعُ رؤية أينَ تطأ قدماي!

    صرختُ قائلةً: هل يوجد أحد هنا؟ هل يسمعني أحد؟ أخذتُ نظرة سريعة من حولي ورأيت ضوءًا خافتًا من بعيد، وكلَّما اقتربتُ منه ارتفع الضَّوء للأعلى! وأنا أشاهدُ الأمر وأركض نحوه، رأسي يرتفع للأعلى لأشاهد بوَّابة كبيرة جدًّا على ارتفاعٍ شاهقٍ! وخلف تلك البوابة رأيت بلدةً كبيرة ببيوتٍ مظلمةٍ وشوارع فارغة ساكنة لا وجود لأي نوعٍ من الحياة عليها، فكيف لأناس قد يعيشون في هذا الظَّلام الدّامس ومع وجود تلك الإضاءات الخافتة المعلَّقة على منازلهم؟!

    سمعتُ صوتًأ خلفي: هل هل ح..ح..حقًّا يوجد أناس هنا؟ قفزت من مكاني, كانت تلك الفتاة الغريبة مرَّةً أُخرى, حدَّقتُ بها بغضبٍ وشكوك وقلتُ لها: أينَ كنتِ يا..؟

    فأجابتني: أمايا!

    مايوسومي: حسنًا يا أمايا، بحثت عنكِ في كلِّ مكانٍ، ولا يهمُّ الآن.. فقط أخبريني ماهذا المكان؟! كيفَ وصلنا إلى هنا؟ أنا لا أشعرُ أنَّي بخير, هل سبقَ لكِ المجيء إلى هنا؟

    سمعْتُ صوتًا غريبًا بمقربةِ البوَّابة يقول: مع مَن تتحدَّثين يا أنسة؟!

    مايوسومي بتوتُّرٍ: ماذا؟ مَن أنت؟! لحظة، أنا أعرفكَ، أنتَ ذلك الرَّجل الَّذي كان على البوابة بالأعلى!

    بالطَّبع هذا أنا, وأنتِ الآن في مدينة ديرنكويو، مرحبًا بك يا أنسة.

    مايوسومي فرحة: هل تصدِّقين هذا يا أمايا، مدينة تحت الأرض؟! شكرًا لكَ أيُّها البوَّاب، أنا حقًّا أحتاج لبعضٍ من الرَّاحة، وأنتَ أيضًا تستحقُّ البعض منها، لا أعلمُ ما بها نظراتُك، وعلامة الدهشة والاستغراب هذه؟! لماذا تنظرُ لي على هذا النحو؟!

    البوَّاب بتوتُّر: لا، لا، لا عليكِ آنستي! توجَّهي لذلكَ المنزلِ، يوجدُ مسكنٌ للـ..زوَّارِ به، وهناك سيعتنون بكِ، أنا قلقٌ من أنَّ سقوطك قد أضرَّكِ, هل أنتِ بخير؟

    مايوسومي: شكرًا لكَ، سأكون بخير! هيَّا بنا يا أمايا.

    وعندما مررتُ بذلكَ الرَّجل اشتدّت علامةُ الغرابة في وجهه، لربَّما لم يرَ أحدًا من قبلُ ومنذُ وقتٍ طويل كما قالَ سابقاً، ولكنَّ تلك النَّظراتِ الغريبةَ لا تُعجبني حقّاً، وأعتقد أنَّ فمه كان مفتوحًا قليلًا، هذا حقًّا غيرَ لائق! لا يهمُّ، توجَّهتُ حينها لذلكَ المسكنِ دون النَّظر خلفي متأمِّلةً سارحةَ الرُّشدِ في المدينة والطُّرق الخالية، تستطيع الشعور بهواءٍ قليلٍ خانق في الأرجاءِ، والكآبة تعمُّ المكانَ، لا يوجد أثرٌ لأيِّ حياةٍ! إلى أن اقتربتُ من باب المسكنِ الَّذي أخبرني به ذلك البوَّاب الغريب. وعندما فتحتُه صدَمتني الإضاءة العاليةُ، وأصواتُ الضَّحك بالأرجاء، والرِّجال على الطاولات يشربون, المكان مكتظٌّ بالحياة. وفور دخولي التفتَ إلي البعضُ يحيُّونني ويضحكون، ومن الواضح أنَّهم أكثرو الشَّرابَ، توجَّهتُ إلى الساقي لأخبرَه إنَّي أريد غرفةً لأرتاح، التفتَ إليَّ وقالَ: آه! أنتِ الفتاةُ الجديدة بالبلدةِ، مرحباً، مرحبًا بكِ في حانتنا المشرقة!

    مايوسومي باندهاش: ماذا؟ كيفَ عرفتَ؟!

    قالَ لي الساقي: لكي أكون صريحًا معكِ، لم أرَ في حياتي زائرًا قط! ولكنَّ أمّي أخبرتني إنَّ تلكَ البوابة الَّتي فُتحَت بالسَّماء لثوانٍ معدودة خرجَ منها ضوءُ الإله، وهذا يعني أنَّ أحدًا قادمٌ! والبلدة سرعان ما شاهدوا ذلك الضَّوءَ وانتشرتِ الشّائعاتُ والأخبار والحديثُ بسرعةِ البرق عن قدوم أحدٍ ما!

    مايوسومي بدهشة وحيرة: ماذا؟! لم أفهم شيئًا!

    صوتُ امرأة عجوز من الجهة المقابلة: لقد أَخبرتُكم إنَّ هنالك زائرًا قادمٌ، اخفضوا أصواتكم قليلًا، ولا تُكثِروا من الشرابِ، لكي تستطيعوا رؤية طريق العودة لمنازلكم.

    فأخبروها الرجال: لا عليكِ، لا عليكِ يا سيّدتي، انظري! انظري لها تقفُ هناك بوجهِها المضيءِ، تلكَ الفتاة ملاكٌ حقًّا مُرسَلةٌ إلينا من الآلهة نفسها!

    علَت أصواتُ هتافِهم وضحكاتِهم، كانَت تبدو عليهم ملامحُ الحزن! أعرف تلكَ النَّظراتِ الَّتي عاشت في ظلامٍ طوال حياتِها، كيف تبدو عندَما تحتفلُ بشيءٍ ما أو تضحك! رغم ضحكاتِهم إلَّا أنّي أحسستُ بحزنٍ وأسىً شديدين، تلك الهالة اسفلَ أعينهم تدلُّ على عدم الرَّاحة ومعاناتهم مع الأرق.

    مايوسومي: حسنًا يكفي، سأتوجَّهُ إلى الغرفةِ، هيّا بنا يا... لحظة، أينَ ذهبَت! أينَ ذهبت تلك المعتوهه المثيرة للرّيبة؟!

    العجوز: مرحبًا يا صغيرتي، أنتِ بالتَّأكيد متعبةٌ! لا عليكِ من هؤلاء الحمقى، تعالي معي، رافقيني! توجدُ غرفةً أعددتُها لكِ، ليسَت بالأمر الجليل ولكن أفضل من الكثير في هذه الأرجاء.

    مايوسومي: هل يوجدُ سريران يا سيدتي؟

    العجوز بتعجُّبٍ: وما حاجتُكِ لسرير إضافيّ؟

    مايوسومي: توجد فتاةٌ أُخرى برفقتي.. لا أعلمُ أينَ هي الآن، فهي تتصرَّفُ بغرابةٍ ولكنَّها تبعتني إلى هنا منذُ قليل.

    العجوز بتعجُّبٍ: ماذا؟ حقاً! لا يوجدُ أحدٌ غيركِ هنا، والحارس لم يخبرنا بتواجُد زائر آخر سواك!

    مايوسومي بنبرة شكٍّ: بالطّبع يوجدُ! وذلك البواب الَّذي تقصدينه كانَ يتصرَّفُ بغرابةٍ معي طوالَ الوقتِ، لربَّما السّاقي رآها بالجوار عندما دخلَت معي إلى هنا، لا أعلم..!

    العجوز: يا بنيَّ، هل رأيتَ الشَّخصَ الآخر الَّذي قدمَ مع هذه السيدة؟

    الابن: لا يا أمّي، لم أُشاهدْ أحدًا غيرها! هل يوجدُ غيرك يا أنسة؟

    مايوسومي بانزعاجٍ: بالطَّبع! حسنًا! لا يهمُّ، هي غريبةٌ في تصرُّفاتها ولكن عندَما تأتي إليكم أخبروها أنّي بالغرفةِ نائمةً وأحتاجُ أن أتحدَّثُ معها غدًا.

    صعدتُ السَّلالمَ الَّتي بالكاد كانَت تحملُني، أحسستُ الخشب تحتَ قدمَيَّ خفيف، أستطيعُ الشعور أنّي سوف أسقطُ في أيِّ لحظةٍ رغم شدَّةِ الإضاءة في المكان إلّا أنَّ الجدرانَ كانت عتيقةً، يبدو أنَّه مرَّ دهرٌ من الزَّمن على المكان دونَ أن يترمَّم. توجَّهتُ نحوَ الممرِّ، لم يكن هنالك سوى ثلاثةِ أبوابٍ؛ أحدهما مغلقٌ، ففتحتُ الباب الآخر ذلك الباب الخشبيّ وصوت صريره العالي شعرتُ أنَّه سيسقط لا محال من فتحي له!

    سمعتُ صوتًا من الدَّاخل يقول: ما الَّذي آخَّركِ؟ أنا حقًّا متعبةٌ ولا أعلمُ ما الَّذي يجول بخاطرك؟! ولكنّي أحتاج لبعض من الراحة، كان

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1