Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

إعلام الموقعين عن رب العالمين
إعلام الموقعين عن رب العالمين
إعلام الموقعين عن رب العالمين
Ebook696 pages5 hours

إعلام الموقعين عن رب العالمين

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

إعلام الموقعين عن رب العالمين كتاب ألفه ابن قيم الجوزية جمع مصنفه فيه بين الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية مستعيناً بأول ما أخذ وتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن انتشر عنهم الفقه والدين، ثم تكلم عن الاجتهاد و القياس في بحث مطول. وصل به إلى نهاية المجلد الثاني مع أمثلة مطولة ثم تناول بعد ذلك دراسة تفصيلية في مجموعة كبيرة من الفتاوى في مسائل مهمة في مباحث القضاء والعقيدة والعبادات والمعاملات والزواج والطلاق و الربا وأيضاً بعض الفتاوى عن الضرورات التي تبيح المحضورات وغير ذلك.... فأحسن اختيار الاستشهادات وتروى في الترجيح
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 20, 1902
ISBN9786453240613
إعلام الموقعين عن رب العالمين

Read more from ابن قيم الجوزية

Related to إعلام الموقعين عن رب العالمين

Related ebooks

Related categories

Reviews for إعلام الموقعين عن رب العالمين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    إعلام الموقعين عن رب العالمين - ابن قيم الجوزية

    الغلاف

    إعلام الموقعين عن رب العالمين

    الجزء 4

    ابن قيم الجوزية

    751

    إعلام الموقعين عن رب العالمين كتاب ألفه ابن قيم الجوزية جمع مصنفه فيه بين الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية مستعيناً بأول ما أخذ وتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن انتشر عنهم الفقه والدين، ثم تكلم عن الاجتهاد و القياس في بحث مطول. وصل به إلى نهاية المجلد الثاني مع أمثلة مطولة ثم تناول بعد ذلك دراسة تفصيلية في مجموعة كبيرة من الفتاوى في مسائل مهمة في مباحث القضاء والعقيدة والعبادات والمعاملات والزواج والطلاق و الربا وأيضاً بعض الفتاوى عن الضرورات التي تبيح المحضورات وغير ذلك.... فأحسن اختيار الاستشهادات وتروى في الترجيح

    فصل

    [و] قالت الحنابلة والشافعية (5): لو تزوجها على أن يَحُجَّ بها لم تصح التسمية ووجب مهر المثل، وقاسوا هذه التسمية على ما إذا تزوجها على شيء لا يدرى ما هو، ثم قالت الشافعية: لو تزوج الكتابية على أن يعلمها القرآن جاز، وقاسوه على جواز إسماعها (6) إياهُ، فقاسوا أبعد قياس، وتركوا محض القياس، فإنهم صَرَّحُوا بأنه لو استأجرها ليحملها إلى الحج جاز، ونزلت الإجارة على العُرْفِ، فكيف صح أن يكون مورد العقد الإجارة ولا يصح أن يكون صداقًا؟ ثم ناقضتم أبين مناقضة فقلتم: لو تزوجها على أن يردَّ عبدَها الآبقَ من مكان كذا وكذا صح مع أنّه قد يقدر على رده وقد يعجز عنه؟ فالغَرَرُ الذي في هذا الأمر أعظم من الغرر الذي في حملها إلى الحج بكثير، وقلتم: لو تزوجها على أن يُعَلمها القرآن أو بعضَه صح، وقد تقبل التعليم وقد لا تقبله، وقد يطاوعها لسانها وقد يأبى عليها، وقلتم: لو تزوجها على مهر المثل صحت التسمية مع اختلافه (1) في المطبوع: في الماء والمائع.

    (2) في (ق): وغيرهما مع استوائهما.

    (3) في (ق): ينجس.

    (4) في المطبوع: فترشرش.

    (5) في (ن) و (ق) و (ك): وقالوا، وما بين المعقوفتين سقط من (ح) و (ق).

    (6) في (ق): سماعها.

    لامتناع مَنْ يساويها من كل وجه أو لقربه (1) وإن اتفق مَنْ يساويها في النسب فنادر جدًا من يساويها (2) في الصِّفات والأحوال التي يقل المهر بسببها ويكثر، فالجهالة التي في حجه بها دون هذا بكثير، وقلتم: لو تزوجها على عبد مطلق صح ولها الوسط، ومعلوم أن في الوسط من التفاوت ما فيه، وقلتم: لو تزوجها على أن يشتري لها عبدَ زيدٍ صحت التسمية، مع أنه غرر ظاهر؛ إذ تسليم المهر موقوف على أمر غير مقدور له، وهو رِضَى زيد ببيعه، ففيه من الخطر ما في رد [عبدها] (3) السابق، وكلاهما أعظم خطرًا من الحج بها، وقلتم: لو تزوجها على أن يرعى غنمها مدة صح، وليس جهالة حملانها [إلى الحج] (3) بأعظم (4) من جهالة أوقات الرعي ومكانه، على أن هذه المسألة بعيدة من أصول أحمد ونصوصه، ولا تُعرف منصوصة عنه، بل نصوصه على خلافها، قال في رواية مهنأ، فيمن تزوج على عبد من عبيده جاز: وإن كانوا عشرةَ عبيدٍ يُعْطِي من أوسطهم، فإن تشاحَّا أقرع بينهما، قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال: نعم (5)، وقلتم: لو خالعها على كفالة ولدها عشر سنين صح، وإن لم يذكر قدر الطعام والإدام والكسوة، فياللَّه العجب (6)! أين جهالة هذا من جهالة حملانها إلى الحج؟!

    فصل

    وقالت (7) الشافعية: له أن يجبر ابْنَتَه البالغة المفتية (8) العالمة بدين اللَّه التي تفتي في الحلال والحرام على نكاحها بمن هي أكره الناس له، وأشد الناس نُفرة عنه بغيَر رضاها، حتَّى لو عينت كفوًا شابًا جميلًا ديِّنًا تحبّه وعَيَّنَ كفوًا شيخًا مشوّهًا دميمًا كان العبرة بتعيينه دونها، فتركوا مَحْضَ القياس والمصلحة ومقصود النكاح من الود والرحمة وحسن المعاشرة، وقالوا: لو أراد أن يبيع لها حَبْلًا (9) أو عُودَ أراكٍ من مالها لم يصح إلَّا برضاها، وله أن يرقَّها مدة العمر عند مَنْ هي (1) في (ق) و (ك): من يساويهما من كل وجه والقرابة.

    (2) في (ق) و (ك): وإن اتفق تساويهما في النسب فنادر جدًا تساويهما.

    (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

    (4) في (ق): أعظم.

    (5) نقل ابن رجب في قواعده (3/ 221) (بتحقيقي) رواية مهنأ هذه.

    (6) في (د): فياللعجب.

    (7) في (ق): قالت.

    (8) في (ق): المعنسة. وقال (د) و (ط): في نسخة: الغنية.

    (9) قال (د) و (ط): في نسخة: جلا.

    أكرهُ شيء فيه بغير رضاها، قالوا: وكما خرجتم عن محض القياس خرجتم عن صريح السنة؛ فإنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - خَيَّرَ جاريةً بكرًا زوَّجَها أبوها وهي كارهة (1)، وخيَّر أُخرى ثيبًا (2)، ومن العجب أنكم قلتم: لو تصرَّفَ في حبل من مالها على غير وجه الحفظ لها كان مردودًا، حتَّى إذا تصرَّف في بُضْعها على خلاف حظها كان لازمًا، ثم قلتم: هو أخبر بحظها منها، وهذا يرده الحس؛ فإنها أعلم بميلها ونفرتها وحظها ممن [تحب أن] (3) تعاشره وتكره عشرته، وتعلقتم بما رواه مسلم من حديث ابن عباس يرفعه: الْأَيِّمُ أحَق بنفسها من وليها، والبكر تُسْتَأذن في نفسها، وإذْنها صُمَاتها (4) وهو حجة عليكم، وتركتم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه: لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن (5) (1) ورد في الباب أحاديث عديدة، منها: ما أخرجه أحمد (1/ 273)، وأبو داود (2096)، والنسائي في الكبرى -كما في التحفة (6001) - وابن ماجه (1875) عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكرًا أتت النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرت له أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-".

    هكذا رواه جرير بن حازم يزيد بن حبان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلًا، كما عند أبي داود (2097) وهو المحفوظ، على ما ذكر البيهقي (7/ 117) وهذا الذي رجحه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 414 رقم 1243) عن أبيه، والدارقطني والحديث صحيح بمجموع طرقه، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 249 - 250): فأما قصة الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة، تظاهرت بها الروايات، من حديث ابن عمر وجابر وابن عباس وعائشة قال: ذكر فيها أبو داود حديث ابن عباس، وهو صحيح، ولا يضرّه أن يرسله بعض رواته، إذا أسنده من هو ثقة.

    وانظر تتمة كلامه، ونصب الراية (3/ 190 - 191) والحنائيات (رقم 232) وتعليقي عليه.

    (2) يشير إلى ما أخرجه البخاري في صحيحه (5138، 5139) كناب النكاح: باب إذا زوّج ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود عن خنساء بنت خذام الأنصاريّة أنَّ أباها زوَّجها وهي ثيّبٌ، فكرهت ذلك، فأتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردّ نكاحه.

    وانظر حديثًا آخر في مصنف عبد الرزاق (6/ 146)، وسنن البيهقي (7/ 120)، وانظر الكلام عليه في الأحكام الوسطى (5/ 168)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 82).

    وانظر: زاد المعاد (4/ 2 - 3)، تهذيب السنن (3/ 40 - 43 مهم).

    (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق) والعبارة قبلها: أعلم بميلها وحظها ونفرتها.

    (4) أخرجه مسلم (1421): كتاب النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت.

    (5) أخرجه البخاري (5137): كتاب النكاح: باب لا يُنْكِح الأبُ وغَيرُه البكر والثَّيِّب إلَّا = وفيهما أيضًا من حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه تُسْتأمر النساء في أبْضَاعهن؟ قال: نعم، قلت (1): فإن البكر تُسْتَأذن فتستحيي، قال: إذْنُهَا صِمَاتهَا (2) فنهى أن تنكح بدون استئذانها، وأمر بذلك وأخبر أنه (3) هو شَرْعه [وحكمه] (4)، فاتفق على ذلك أمره ونهيه وخبره، وهو محض القياس والميزان.

    فصل

    وقالت الحنابلة والشافعية والحنفية: لا يصح بيع المَقاثِي والمَباطِخ والباذنجان إلَّا لقطة (5)، ولم يجعلوا المعدوم تبعًا للموجود مع شدة الحاجة إلى ذلك، وجعلوا المعدوم مُنزلًا منزلة الموجود في منافع الإجارة للحاجة إلى ذلك، وهذا مثله من كل وجه؛ لأنَّه يُستخلف كما تُستخلف المنافع، وما يقدر من عروض الحظر له فهو مشترك بينه وبين المنافع، وقد جوَّزوا بيع الثمرة إذا بدا الصلاح في واحدة منها، ومعلوم أن بقية الأجزاء معدومة فجاز بيعها تبعًا للموجود، فإن فرّقوا بأن هذه أجزاء متصلة، وتلك أعيان منفصلة، فهو فرق فاسد من وجهين:

    أحدهما: أن هذا لا تأثير له ألبتة.

    الثاني: أن من الثَّمرة التي بدا صلاحها (6) ما يخرج أثمارًا متعددة كالتوت والتين فهو كالبطيخ والباذنجان من كل وجه، فالتفريق خروجٌ عن القياس والمصلحة، وإلزام بما لا يُقدر عليه إلَّا بأعظم كلفة ومشقة، وفيه مفسدة عظيمة يردها القياس؛ فإن اللقطة لا ضابط لها، فإنه يكون في المقاثي (7) الكبار والصغار وبين ذلك، فالمشتري يريد استقصاءَها، والبائع يمنعه من أخذ الصغار، فيقع بينهما من التنازع والاختلاف والتشاحن ما لا تأتي به شريعة (8)، فأين هذه = برضاها، و (6946) كتاب الإكراه: باب لا يجوز نكاحُ المكرَه، و (6971) كتاب الحيل: باب في النكاح، ومسلم (1420) كتاب النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت.

    (1) في (ق): فقلت.

    (2) انظر الحاشية (5) من الصفحة السابقة.

    (3) في (ق): بأنه.

    (4) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك) ووقع في (ق): واتفق.

    (5) في (ق) و (ن) و (ك): لقطة لقطة.

    (6) في (ك): أن الثمرة التي بدا صلاحها وعندها أشار في الهامش لعله: منها.

    (7) في المطبوع و (ق): المقثأة.

    (8) في (ق) و (ك): فيقع بينهما التنازع والاختلاف والتشاحن وما لا يأتي به الشريعة.

    المفسدة العظيمة التي هي منشأ النزاع التي من تأمَّل مقاصد الشريعة علم قصد الشارع لإبطالها وإعدامها إلى المفسدة اليسيرة التي في جعل ما لم يوجد (1) تبعًا لما وجد لما فيه من المصلحة؟ وقد اعتبرها الشارع، ولم يأتِ عنه حرف واحد أنه نهى عن بيع المعدوم (2)، وإنما نهى عن بيع الغرر (3)، والغررُ شيء وهذا شيء، ولا يُسمَّى هذا البيع غررًا لا لغة ولا عرفًا ولا شرعًا (4).

    فصل من تناقض القياسيين مراعاة بعض الشروط دون بعضها الآخر

    وقالت الحنفية والمالكية والشافعية: إذا شَرَطت (5) الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بلدها أو دارها أو أن لا يتزوج عليها ولا يَتسرَّى فهو شرطٌ باطل، فتركوا محض القياس، بل قياس الأولى، فإنهم قالوا: لو شرطت في المهر تأجيلًا أو غير نقد البلد أو زيادة على مهر المثل لَزِمَ الوفاء بالشرط، فأين المقصود الذي لها في الشرط الأول إلى المقصود الذي في هذا الشرط؟ وأين فواته إلى فواته؟ وكذلك من قال منهم: لو شرط أن تكون جميلة شابة سويَّة فبانت عجوزًا شمطاء قبيحة المنظر أنه لا فسخ لأحدهما بفوات شرطه، حتَّى إذا فات درهم واحد من الصداق فلها الفسخ لفواته قبل الدخول، فإن استوفى المعقود عليه ودخل بها وقضى وَطَره منها ثم فات الصداق جميعه ولم تظفر [منه] (6) بحبةٍ واحدةٍ فلا فسخ لها، وقستم الشرط الذي دخلت عليه على شرط أن لا يؤويها ولا يُنفق عليها (7)، (1) في (ق) و (ك): ما لا يوجد.

    (2) حول بيع المعدوم وأنواع المعدوم انظر: زاد المعاد (4/ 262 - 266)، وتهذيب السنن (5/ 158).

    (3) النهي عن بيع الغرر أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب البيوع): باب بطلان بيع الحصاة، (10/ 156 - نووي) من حديث أبي هريرة.

    (4) اختار ابن القيم -رحمه اللَّه - جواز بيع المقاثي والمباطخ والمغيبات في الأرض بعد أن يبدو صلاحها، وناقش الخلاف فيها، والحيلة في الجواز على قول الممانع، ورجح وضع الحوائج فيها، فانظر: زاد المعاد (4/ 267 - مهم)، وبدائع الفوائد (4/ 15، 74).

    (5) في (ق): اشترطت.

    (6) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك) وقال في (ق) قبلها: ولم يظفر.

    (7) في (ق) و (ك): على شرط ألا يؤدها ولا ينفق عليها.

    ولا يطأها و (1) لا ينفق على أولاده منها ونحو ذلك مما هو من أفسد القياس الذي فرّقت الشريعة بين ما هو أحقُّ بالوفاء منه وبين ما لا يجوز الوفاء به، وجمعتم بين ما فرَّق الشرع والقياس بينهما، وألحقتم (2) أحدهما بالآخر، وقد جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - الوفاء بشروط النكاح التي يَستحلُّ بها الزوج [فرج] (3) امرأته أولى من الوفاء بسائر الشروط على الإطلاق (4)، فجعلتموها أنتم دون سائر الشروط وأحقها بعدم الوفاء وجعلتم الوفاء بشرط الواقف المخالف لمقصود الشارع كترك النكاح وكشرط الصلاة في المكان الذي شَرَطَ فيه الصلاة وإن كان وحده وإلى جانبه المسجد الأعظم وجماعة المسلمين (5)، وقد ألغى الشارع هذا الشرط في النذر الذي هو قُرْبَة محضةٌ وطاعة فلا تتعين عنده بقعة عَيَّنها الناذر للصلاة إلَّا المساجد الثلاثة، وقد شرط الناذر في نذره تعيّنه؛ فألغاه الشارع لفضيلة غيره [عليه] (6) أو مساواته له فكيف يكون [شرط الواقف] (7) الذي غيره أفضل منه وأحب إلى اللَّه ورسوله لازمًا يجب الوفاء به؟ وتعيين الصلاة في مكان مُعيَّن لم يرغب الشارع فيه ليس بقربة، وما ليس بقربة لا يجب الوفاء به في النذر، ولا يصح اشتراطه في الوقف.

    هل يعتبر شرط الواقف مطلقًا

    [فإن قلتم: الواقفُ لم يخرج ماله إلَّا على وجه معين، فلزم اتباعُ ما عَيَّنه في الوقف] (8) من ذلك الوجه، والناذر قصد القربة، والقُرَبُ متساوية في المساجد غير الثلاثة، فتعيّن (9) بعضها لغو.

    قيل: هذا الفرق [بعينه] (8) يوجب عليكم إلغاء ما لا قربة فيه من شروط (1) في المطبوع: أو.

    (2) في (ق): فألحقتم.

    (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

    (4) يشير المصنف -رحمه اللَّه - إلى ما أخرجه البخاري (2721) (كتاب الشروط): باب الشروط في المهر عند عُقدة النكاح، و (5151) (كتاب النكاح): باب الشروط في النكاح، ومسلم (1418) (كتاب النكاح): باب الوفاء بالشروط في النكاح عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أحق الشُّروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج.

    (5) انظر: زاد المعاد (4/ 4 - 5، 8).

    (6) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

    (7) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): الشرط في (ك): شرط.

    (8) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

    (9) في (ق): فتعيين.

    الواقفين (1)، واعتبار ما فيه قربة، فإن الواقف إنما مقصوده بالوقف التقريب إلى اللَّه فتقربه بوقفه كتقربه بنذره؛ فإن العاقل لا يبذل ماله إلَّا لما له فيه مصلحة عاجلة أو آجلة؛ والمرء في حياته قد يبذل ماله في أغراضه، مباحة كانت أو غيرها وقد يبذله فيما يقربه إلى اللَّه، وأما (2) بعد مماته فإنما يبذله فيما يظن أنه يقرب إلى اللَّه، فلو (3) قيل له: إن هذا المصرف لا يقرب إلى اللَّه [عز وجل] (4)، أو إن غيره أفضل وأحب إلى اللَّه منه وأعظم أجرًا لبادر إليه، ولا ريب أن العاقل إذا قيل له: إذا بذلت مالك في مقابلة هذه الشروط (5) حصل لك أجر واحد، وإن تركته حصل لك أجران فإنّه يختار ما فيه الأجر الزائد، فكيف إذا قيل له: إن هذا لا أجر فيه ألبتة فكيف إذا قيل [له] (6): إنه مخالف لمقصود الشارع مضاد له يكرهه اللَّه ورسوله؟ وهذا كشرط العزوبية مثلًا وترك النكاح، فإنه شرط لترك واجب أو سنّة أفضل من صلاة النافلة وصومها أو سنَّة دون الصلاة والصوم، فكيف يلزم الوفاء بـ[شرط] (7) ترك الواجبات والسنن اتباعًا لشرط الواقف وترك شرط اللَّه ورسوله الذي قضاؤه أحق وشرطه أوثق؟

    يوضحه أنه لو شرط في وقفه أن يكون على الأغنياء دون الفقراء كان (8) شرطًا باطلًا عند جمهور الفقهاء، قال أبو المعالي الجويني -هو إمام الحرمين-[-رضي الله عنه-] (9): ومعظم أصحابنا قطعوا بالبطلان، هذا مع أن وصف الغنى وصف مباح ونعمة من اللَّه وصاحبه إذا كان شاكرًا فهو أَفضل من الفقير مع صبره عند طائفة كثيرة من الفقهاء والصوفية (10)، فكيف يلغى هذا الشرط ويصح شرط الترهب (11) (1) انظر: إغاثة اللهفان (1/ 378).

    (2) في (ق): فأما.

    (3) في (د): ولو.

    (4) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (5) في المطبوع: هذا الشرط.

    (6) ما بين المعقوفتين سقط من (د).

    (7) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

    (8) في (ق): أكان.

    (9) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (10) انظر في المفاضلة بين الفقر والغنى: تفسير القرطبي (3/ 329 و 5/ 343 و 14/ 306 و 15/ 216 و 19/ 213)، وعدة الصابرين (ص: 193 - 195، 284، 203 - 204، 208 - 209، 217، 313 - 314، 317 - 322)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (11/ 21، 69، 119 - 121، 195 و 14/ 305 - 306)، ورسالة محمد البيركلي (ت: 981 هـ): المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر وهي مطبوعة عن دار ابن حزم - بيروت سنة 1414 هـ في 64 صحيفة، وانظر: الموافقات (1/ 187 - 188 و 5/ 366 - 367 - بتحقيقي).

    (11) في (ك): الترهيب.

    في الإسلام الذي أبطله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله: لا رهبانية في الإسلام (1)؟

    يوضحه أن من شرط التعزُّب فإنما قصد أن تركه أفضل وأحب إلى اللَّه، فقصد أن يتعبد الموقوف عليه بتركه، وهذا هو الذي تبرأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - منه بعينه فقال: مَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي (2)، وكان قصد أولئك الصحابة هو قصد هؤلاء الواقفين بعينه سواء، فإنهم قصدوا ترفيه (3) أنفسهم على العبادة وترك النكاح الذي يشغلهم تقربًا إلى اللَّه بتركه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - فيهم ما قال، وأخبر أنه من رغب عن سنته فليس منه؛ وهذا في غاية الظهور، فكيف يحل الإلزام بترك شيء قد أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - أَنَّ مَنْ رغب عنه فليس منه؟ هذا ممَّا لا تحتمله الشريعة بوجه.

    عَرْض شروط الواقفين على كتاب اللَّه

    فالصواب الذي لا تسوغ الشريعة (4) غيره عرض شروط الواقفين على كتاب اللَّه سبحانه وعلي شرطه، فما وافق كتابه وشرطه فهو صحيح، وما خالفه (1) قال في كشف الخفاء (2/ 377): قال ابن حجر: لم أره، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند البيهقي: إن اللَّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة اهـ.

    قلت: هو عند البيهقي في السنن الكبرى (8/ 78).

    وأخرج عبد الرزاق (10375)، وأحمد (6/ 106، 226، 268)، والبزار (1458 - زوائده)، وابن حبان (9 - الإحسان) عن عائشة مرفوعًا: يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا.

    وإسناده قوي

    وأخرجه الدارمي في سننه (كتاب النكاح): باب النهي عن التبتل (2/ 133) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قال رسول اللَّه لعثمان بن مظعون: يا عثمان إني لم أؤمر بالرهبانية.. . ".

    (2) أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب النكاح): باب الترغيب في النكاح (9/ 104/ رقم 5063)، ومسلم في الصحيح (كتاب النكاح): باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة (2/ 1020/ رقم 1401) من حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، وأخرجه البخاري في الصحيح (كتاب فضائل القرآن): باب قول المقريء للقاريء: حسبك، (9/ 94/ رقم 5052) دون لفظة: من رغب.. . ، وهي ثابتة من طريق سند البخاري؛ كما عند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 97).

    (3) الترفيه: التسكين والأقامة على الشيء (د، ط، ح)، وقال (و): رفا فلانًا سكن من الرعب، والمقصود جعل أنفسهم تسكن إلى العبادة.

    قلت: وانظر: لسان العرب (3/ 1698 - 1699)، ووقع بدلها في (ق): توفية.

    (4) في (ق): لا يسوغ في الشريعة.

    كان شرطًا باطلًا مردودًا، ولو كان مئة شرطٍ، وليس ذلك بأعظم من رد حكم الحاكم إذا خالف حكم اللَّه ورسوله، ومن رد (1) فتوى المفتي، وقد نص اللَّه سبحانه على رد وصية الجانف في وصيته والآثم فيها، مع أن الوصية تصح في غير قربة، وهي أوسع من الوقف، وقد صرح صاحب الشرع برد كل عمل ليس عليه أمره، فهذا الشرط مردود بنص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - (2) فلا يحل لأحد أن يقبله ويعتبره ويصححه.

    ثم كيف يوجبون الوفاء بالشروط التي إنما أخرج الواقف ماله لمن قام بها وإن لم تكن قربة ولا للواقفين فيها غرض صحيح، [وإنما غرضهم ما يقربهم إلى اللَّه] (3)، ولا يوجبون الوفاء بالشروط التي إنما بذلت المرأة بَضْعَها للزوج بشرط وفائه لها بها، ولها فيها (4) أصح غرض ومقصود، وهي أحق من كل شرط يجب الوفاء به بنص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - (5)؛ وهل هذا إلَّا بخروج (6) عن محض القياس والسنّة؟

    خطأ القول بأن شرط الواقف كنص الشارع

    ثم من العجب العجاب قول من يقول: إن شروط الواقف كنصوص الشارع، ونحن نبرأ إلى اللَّه من هذا القول، ونعتذر ممَّا جاء به قائله، ولا نعدل بنصوص الشارع غيرها أبدًا، وإن أحسنَّا الظن بقائل هذا القول حُمل كلامه على أنها كنصوص الشارع في الدلالة، وتخصيص عامِّها بخاصها، وحمل مطلقها على مقيدها، واعتبار مفهومها كما يعتبر منطوقها، وأما أن تكون كنصوصه في وجوب الاتِّباع وتأثيم من أخلّ بشيء منها فلا يُظن ذلك بمن له نسبة ما إلى العلم، فإذا كان حكمُ الحاكمِ ليس كنص الشَّارعِ، بل يرد ما خالف حُكمَ اللَّه ورسوله من ذلك، فشرط الواقف إذا كان كذلك كان أولى بالرد والإبطال، (1) في (د): ورد.

    (2) هو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد.

    أخرجه البخاري في الصحيح (كتاب البيوع): باب إذا اصطلحوا على صلح جور؛ فالصلح مردود (رقم 2697)، ومسلم في الصحيح (كتاب الأقضية): باب نقض الأحكام الباطلة (رقم 1718)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.

    (3) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): ولا يقربهم وفي (ك): ولا ما يقربهم.

    (4) كذا في (د)، وفي سائر النسخ فيه وله وجه.

    (5) سبق تخريجه قريبًا.

    (6) في (ك): خروج.

    فقد (1) ظهر تناقضهم في شروط الواقفين وشروط الزوجات، وخروجهم [فيها] (2) عن موجب القياس الصحيح والسنّة، وباللَّه التوفيق.

    يوضح ذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - كان إذا قَسَم يُعطي الآهل حَظَّين والعزب حظًا (3)، وقال: ثلاثةٌ حق على اللَّه عونهم (4) ذكر منهم الناكح يريد العفاف؛ ومصححو هذا الشرط عكسوا مقصوده، فقالوا: نعطيه ما دام عزبًا، فإذا تزوج لم يستحق شيئًا، ولا يحل لنا أن نُعينه؛ لأنَّه ترك القيام بشرط الواقف وإن كان قد فعل ما هو أحبُّ إلى اللَّه ورسوله؛ فالوفاء بشرط الواقف المتضمن لترك الواجب أو السنة المقدمة على فضل الصوم أو (5) الصلاة لا يحلُّ (6) مخالفته، ومن خالفه كان عاصيًا آثمًا، حتى إذا خالف الأحب إلى اللَّه ورسوله و [خالف] (7) الأرضى له كان بارًّا مثابًا قائمًا بالواجب عليه!

    يوضح بطلان هذا الشرط وأمثاله من الشروط المخالفة لشرع اللَّه ورسوله أنكم قلتم: كلُّ شرط يخالف مقصود العقد فهو باطل، حتى أبطلتم (8) بذلك شرط دار الزوجة أو بلدها، وأبطلتم اشتراط البائع الانتفاع بالمبيع مدة معلومة، وأبطلتم اشتراط الخيار بعد (9) ثلاثة، وأبطلتم اشتراط نفع البائع في المبيع ونحو ذلك من الشروط التي صححها النَّصُّ والآثار عن الصحابة والقياس، كما صَحَّح عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان (10) اشتراط المرأة دارها أو بلدها أو أن لا يتزوج عليها (11)، ودلَّت السنّة على أن (1) في (ق): وقد.

    (2) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (3) أخرجه أبو داود (2953)، وأحمد (6/ 25، 29)، والبيهقي (6/ 346) من حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي اللَّه عنه-. وانظره مفصلًا في (5/ 86).

    (4) سيأتي تخريجه.

    (5) في (ق) و (ك): و.

    (6) في (ق): تحل.

    (7) ما بين المعقوفتين سقط من (د) و (ك).

    (8) في (ق): حتى إذا أبطلتم.

    (9) بدلها في (د): فوق وفي (ق): بعد ثلاث.

    (10) في (ق): أبي سفيان -رضي اللَّه عنه-.

    (11) أثر عمر رواه عبد الرزاق (10608) (6/ 227)، وابن أبي شيبة (3/ 326 - دار الفكر)، والبيهقي (7/ 249) من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن عبد الرحمن بن غنم عن عمر، وإسناده صحيح.

    وله طرق أخرى عن عمر في مصنف عبد الرزاق، وسنن البيهقي ثم روى عبد الرزاق عن عمر خلافه بسند فيه ضعف. = الوفاء به أحقُّ من الوفاء بكل شرط (1)، وكما صححت السنّة اشتراطَ انتفاع البائع بالمبيع مدة معلومة (2)، فأبطلتم ذلك، وقلتم: يُخالِف مقتضى العقد، وصححتم الشروط المخالفة [بمقتضى عقد الوقف لعقد الوقف] (3)؛ إذ هو عقد قُربة مقتضاه التقريب إلى اللَّه تعالى (4) ولا رَيبَ أن شرط ما يخالف القُربة يناقضه مناقضة صريحة؛ فإذا شرط عليه الصلاة في مكان لا يُصلّي فيه إلَّا هو وحده أو واحدٌ بعد واحد أو اثنان فعدوله عن الصلاة في المسجد الأعظم الذي يجتمع فيه جماعة المسلمين مع قربه (5) وكثرة جماعته فيتعدَّاه إلى مكان أقل جماعة وأَنقص فضيلة وأقل أجرًا اتباعًا لشرط الواقف المخالف لمُقتضى عقد الوقف خروجٌ عن محض القياس، وباللَّه التوفيق.

    يوضحه أن المسلمين مُجمعون على أن العبادة في المساجد من الذِّكر والصلاةِ وقراءةِ القرآن أفضلُ منها عند القبور؛ فإذا منعتم فعلها في بُيوتِ اللَّه سبحانه وأوجبتم على الموقوف عليه فعلها بين المقابر إن أراد أن يتناولَ الوقف [وإلا كان] (6) تناوله حرامًا كنتم قد ألزمتموه بترك الأحبِّ إلى اللَّه الأنفع للعبد والعدول إلى الأنقص المفضول (7) أو المنهي عنه مع مخالفته لقصد الشارع تفصيلًا وقصد الواقف إجمالًا فإنه إنما يقصد الأَرْضى [للَّه] (8) والأحبَّ إليه؛ ولما كان في ظنّه أن هذا أرضى للَّه (9) اشترط؛ فنحن نظرنا إلى مقصوده ومقصود الشارع، وأنتم نظرتم إلى مجرد لفظه سواء وافق رضا اللَّه ورسوله ومقصوده في = وأما أثر معاوية وعمرو بن العاص: فرواه عبد الرزاق (10612)، وابن أبي شيبة (3/ 326) من طريق عبد الكريم عن أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود أن معاوية سأل عنها عمرو بن العاص فقال: لها شرطها.

    وإسناده صحيح.

    عبد الكريم هو ابن مالك الجزري، وهذان الأثران في اشتراط المرأة دارها.

    (1) مضى لفظه وتخريجه.

    (2) رواه البخاري (2718) في (الشروط): باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، ومسلم (715) (ص 1221) في (المساقاة): باب بيع البعير واستثناء ركوبه، من حديث جابر بن عبد اللَّه.

    (3) بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): لمقتضى عقد الوقف.

    (4) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): ولا يكون وفي (ق): وألا.

    (5) في المطبوع: مع قدمه.

    (6) في (ق): سبحانه.

    (7) في (ق) و (ك): إلى بعض المفضول.

    (8) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (9) في المطبوع: إرضاء للَّه، وفي (ك): رضا للَّه.

    نفسه أو لا، ثم لا يمكنكم طردُ ذلك أبدًا، فإنه لو شَرَط أن يُصلي وحده حتى لا يخالط الناس بل يتوفر على الخلوة والذكر أو شرط أن لا يشتغل بالعلم والفقه ليتوفر على قراءة القرآن وصلاة الليل وصيام النهار أو شرط على الفقهاء ألا يجاهدوا في سبيل اللَّه ولا يصوموا تطوعًا ولا يصلوا النوافل وأمثال ذلك، فهل يمكنكم تصحيحُ هذه الشروط؟ فإن أبطلتموها فعقدُ (1) النكاح أفضل من بعضها أو مساوٍ له في أصل القُرْبة، وفعلُ الصلاة في المسجد الأعظم العتيق الأكثر جماعة أفضل (2) وذكر اللَّه وقراءة القرآن في المسجد أفضلُ منه بين القبور، فكيف تلزمون بهذه الشروط المفضولة وتبطلون ذلك؟ فما هو الفارق بين ما يصح من الشروط وما لا يصح؟ ثم لو شرط المبيت في المكان الموقوف ولم يشترط التعزُّب فأبحتم له التزويج فطالبته الزوجة بحقها من المبيت وطالبتموه بشرط الواقف منه فكيف تقسمونه بينهما؟ أم ماذا تُقدِّمون: ما أوجبه اللَّه (3) ورسوله من المبيت والقَسْم (4) للزوجة مع ما فيه من مصلحة الزوجين وصيانة المرأة وحفظها وحصول الإيواء المطلوب من النكاح، أم ما شرطه الواقف وتجعلون شرطه أحق والوفاء به أَلزم؟ أم تمنعونه من النكاح والشارع والواقف لم يمنعاه منه؟ فالحق أن مبيتَهُ عند أهله إن كان أحبَّ إلى اللَّه ورسوله جاز له، بل استحب ترك شرط الواقف لأجله، ولم يمنعه فعل ما يحبه اللَّه ورسوله من تناول الوقف، (5) بل ترك ما أوجبه سببًا لاستحقاق الوقف، فلا نص ولا قياس ولا مصلحة للواقف ولا للموقوف عليه ولا مرضاة للَّه ورسوله.

    والمقصود بيان [بعض] (6) ما في الرأي والقياس من التناقض والاختلاف الذي هو من عند غير اللَّه (7)؛ لأن ما كان من [عنده فإنه] (8) يصدِّق بعضه بعضًا، ولا يخالف بعضه بعضًا، وباللَّه التوفيق. (1) في (ق) و (ك): ففعل.

    (2) بعدها فراغ في (ق) يسع كلمتين، قال في الهامش: لعله: منها في الأقل؛ وإلا نقص.

    (3) في (د): ما أوجبه من اللَّه.

    (4) في (ق) و (ك): من المبيت والفسخ.

    (5) زاد هنا في (ك) و (ق): وهو ترك ما يحبه اللَّه ورسوله.

    (6) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (7) في (ق) و (ك): الذي يبين أنه من عند غير اللَّه.

    (8) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): عند اللَّه فهو.

    فصل هل في اللطمة والضربة قصاص؟

    [وقالت الحنفية والشافعية والمالكية ومتأخرو أصحاب أحمد] (1): إنه لا قصاص في اللطمة والضربة، وإنما فيه التعزير، وحكى بعض المتأخرين في ذلك الإجماع (2)، وخرجوا عن محض القياس وموجب النصوص وإجماع الصحابة؛ فإن ضمان النفوس والأموال مبناه (3) على العدل، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] فأمر بالمماثلة في العقوبة والقصاص؛ فيجب اعتبارها بحسب الإمكان، والأمثل هو المأمور [به] (4)؛ فهذا المَلْطُوم المضروب قد اعتُدي عليه، فالواجب أن يَفعل بالمُعْتَدي كما فَعَل به، فإن لم يمكن كان الواجب ما هو الأقرب والأمثل (5)، وسقط ما عَجِز عنه العبدُ من المساواة من كل وجه، ولا ريب أن لطمة بلطمة وضربة بضربة في محلهما بالآلة التي لطمه بها أو بمثلها (6) أقربُ إلى المماثلة المأمور بها حسًا وشرعًا من تعزيره بها بغير جنس اعتدائه وقدره وصفته، وهذا هو هَدْيُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - وخلفائه الراشدين ومحض القياس [وهو منصوص الإمام أحمد، ومن خالفه في ذلك من أصحابه فقد خرج عن نص مذهبه وأصوله كما خرج عن محض القياس] (7) والميزان، قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في [كتابه] (4) المترجم له: باب في القصاص من اللطمة والضربة: حدثني إسماعيل بن سعيد قال: سألتُ أحمد [بن حنبل] (4) عن القصاص من اللطمة والضربة، فقال: عليه القود من اللطمة والضربة وبه قال أبو داود وأبو خَيْثَمة (1) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): وقالت الشافعية والمالكية والحنفية والمتأخرون من أصحاب أحمد.

    (2) انظر: زاد المعاد (3/ 78 - 90، 200، 203، 304، 213)، وتهذيب السنن (6/ 334 - 344)، ومفتاح دار السعادة (ص 432)، وانظر: أحكام الجناية (ص: 204 - 228) للشيخ بكر أبو زيد.

    (3) في (ق) و (ك): مبناها.

    (4) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (5) في (ق): الأمثل والأقرب.

    (6) في (ق): مثلها.

    (7) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

    وابنُ أبي شيبة، وقال إبراهيم الجوزجاني: وبه أقول: لما حدثنا شَبَابَة بن سَوَّار: ثنا شعبة، عن يحيى بن الحصين قال: سمعتُ طارق بن شهاب يقول: لَطَمَ أبو بكر رجلًا يومًا لطمة، فقال له: اقتصَّ، فعفا الرجل (1)، حدثنا شَبَابة: أنبأ شعبة (2)، عن مخارق قال: سمعت طارقًا يقول: لطم ابن أخ لخالد بن الوليد رجلًا من مُراد، فأقاده خالد منه (3)، حدثنا أبو بَهْز: حدثنا أبو بكر بن عَيَّاش قال: سمعتُ الأعمش، عن كُمَيل بن زياد قال: لطمني عثمان ثم أقادني فعفوتُ (4)، حدثني ابن الأصفهاني: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن نَاجِيَة، عن عمه يزيد بن عربي قال: رأيت عليًا [كرم اللَّه وجهه في الجنة] (5) أقاد من لطمة (6)، وحدثنا الحُميديُّ:

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1