Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

المسالك في شرح موطأ مالك
المسالك في شرح موطأ مالك
المسالك في شرح موطأ مالك
Ebook793 pages5 hours

المسالك في شرح موطأ مالك

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في الحديث والفقه المالكي يشرح كتاب إمام المذهب الفقيه المحدث المجتهد المتبوع والمشهود له ويهدف إلى تيسير فهمه على قارئيه من الطلاب والعلماء وهو مقسم على الابواب الفقهية الطهارة الحيض الصلاة السهو ا
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJun 26, 1901
ISBN9786384946967
المسالك في شرح موطأ مالك

Read more from أبو بكر بن العربي

Related to المسالك في شرح موطأ مالك

Related ebooks

Related categories

Reviews for المسالك في شرح موطأ مالك

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    المسالك في شرح موطأ مالك - أبو بكر بن العربي

    الغلاف

    المسالك في شرح موطأ مالك

    الجزء 9

    أبو بكر بن العربي المالكي

    543

    كتاب في الحديث والفقه المالكي يشرح كتاب إمام المذهب الفقيه المحدث المجتهد المتبوع والمشهود له ويهدف إلى تيسير فهمه على قارئيه من الطلاب والعلماء وهو مقسم على الابواب الفقهية الطهارة الحيض الصلاة السهو ا

    كتابُ الرهون

    وفيه خمسةُ أبوابٍ:

    الباب الأوّل ما لا يجوز من غلق الرَّهْنِ

    مالك (1)، عن الزُّهريِّ عن ابن المُسَيَّب؛ أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: لَا يَغلَقُ الرَّهْنُ الحديث.

    الإسناد:

    قال الإمام: الحديثُ مُرْسَلٌ من مراسيل ابنِ المُسَيَّب (2)، وقد يُسْنَد من طُرقٍ كثيرة (3).

    العربيّة:

    قال الإمام أبو بكر بن العربي: يقال: غَلِقَ الرَّهْنُ بكسر العين في الماضي، وفتحها في المستقبل. (1) في الموطَّأ (2132) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2957)، وسويد (297)، ومحمد بن الحسن (848)، وابن مهدي عند أبي عبيد في غريب الحديث: 1/ 114 [وسند الحديث أثبته المحقق في الهامش]، وابن وهب في شرح معاني الآثار: 4/ 100، وأحمد بن إبراهيم بن أبي سُكَيْنة عند الخطيب في تاريخه: 3/ 303، ومحمد بن كثير عند الخطيب في تاريخه: 6/ 165، والصَّيداوي في معجم الشيوخ: 211 [مُسْنَدًا]، وبشر بن الحارث عند الخطيب: 12/ 242، كما ذكر أبو يعلى القزويني في الإرشاد: 1/ 235 رواية معن.

    (2) يقول الدارقطني في العلّل الواردة في الأحاديث النبوية: 9/ 167 واختلف عن مالك بن أنس، فروى مجاهد بن موسى، عن معن عن مالك، عن الزّهريُّ، عن سعيد عن أبي هريرة، وتابعه محمَّد بن كثير المصيصي عن مالك من رواية أحمد بن بكر البالسي عنه، وتابعه يحيى بن أبي قتلية عن مالك، من رواية النّضر بن سَلَمَة، وأمّا القعنبيّ وأصحاب الموطَّأ فرووه عن مالك، عن الزّهريُّ، عن سعيد مرسلًا، وهو الصواب عن مالك.

    (3) انظر هذه الطرق في التمهيد: 6/ 524. أمّا القنازعي فقال في تفسير الموطَّأ: الورقة 179 حديث مرسل، ولا يُسْنَد من طريق صحيحٍ.

    وقال ابنُ حبيب (1): هو بِرَفْعِ القاف على معنى الخبر أنّه (2) يَغْلَقُ فَيُحْبَسُ بما رُهِنَ (3)، فلذلك ارْتَفَعَ. ولو كان نهيًا لكان جَزمًا. ثمّ يكسر لالتقاء السّاكنين (4).

    وقال غيره: هو على فعَل بفتح العين وكذلك المستقبل.

    الأصول (5):

    قال الإمام: الرَّهْنُ مصلحةٌ من مصالح الخلائقِ، شَرَعَها اللهُ تعالى لمن لم يرضَ بِذِمَّةِ صاحبِهِ الّذي عامَلَهُ، وفائدتُه: التّوثيقُ للخَلقِ، مخافَةَ ما يطرأُ عليهم من التَّعَذُّرِ، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} الآية (6).

    فظنَّ قومٌ أنّ ذلك مخصوصٌ بالسَّفَر (7)، وإنّما خرجَ الكلامُ في ذِكرِ السَّفَرِ مَخرَجَ سَبَبِ الحاجة وموضِعِهَا، لا أنّه شرطٌ فيها، والدّليلُ على صِحَّة ذلك: ما رَوَى الأيمّةُ في الصّحيح وغيرِه، أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - ابتاعَ بِالمَدِينَةِ من يَهُودِيٍّ شَعِيرًا إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ (8).

    واختلف النَّاس في قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (9) فجعلَ القبضَ شرطًا في الرَّهنِ في موضعين:

    أحدُهما: أنّه لا يكونُ رهنًا يُقْبَضُ، وحينئذٍ يكون له حُكمُ الرَّهنِ.

    والثّاني: أنّه إذا قُبِضَ، هل يَلزَمُ دائمًا فيه؟ فإن خرجَ عنه بَطَلَ، أم يكفي له قبضُ (1) في تفسيره لغريب الموطَّأ: الورقة 105 [2/ 9].

    (2) في تفسير الغريب: برفع القاف لأنّه ليس بنَهْيِ ولكنّه خبرٌ يخبرُ به أنّه ....

    (3) تتمّة الكلام كما في شرح الغريب: ... رهن به اشترط أو لم يشترط.

    (4) في تفسير الغريب: ثمّ خفضًا للقْيِهِ الألفّ واللَّامَ، وانظر غريب الحديث لأبي عبيد: 1/ 114 - 116.

    (5) انظره في القبس: 3/ 902.

    (6) البقرة: 283.

    (7) هو قول مجاهد كما نصّ على ذلك المؤلِّف في الأحكام: 1/ 260.

    (8) أخرجه البخاريُّ (2069) من حديث أنس.

    (9) البقرة: 283.

    أوّلِ العَقدِ؟ وقد بيّنّا ذلك في الأحكام (1)، والصّحيحُ دوامُ القَبضِ واستمرارُه، وهو الّذي اختارَهُ علماؤنا؛ لأنّ الله جعله رَهنًا بصفةٍ، فإنِ اختلفت تلك الصِّفةُ خرجَ عمَّا حَكَمَ اللهُ به.

    فصل

    قال الإمام (2): ليس في الرَّهنِ حديثٌ صحيحٌ إلّا رَهْنَ النَّبىِّ عند اليهوديِّ، وما روَى البُخاريّ أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحلُوبٌ، يُركَبُ بنفَقَتِهِ ويُحلَبُ بِنَفَقتِهِ (3) وهذا الحديثُ الّذي أَرْسَلَهُ مالك، عن سعيدٍ بنِ المُسَيِّب، إنّما سَاقَهُ لاتِّفاق العلّماءِ على القولِ به، وإنِ اختلفَ في ذلك علماءُ الحديثِ، وقد زاد الدَّارقطنيُّ (4) في حديث سعيدٍ وأسنَدَهُ فقال: عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: لا يَغلَقُ الرَّهنُ من راهِنِهِ الّذي رَهَنَهُ، لَهُ غُنمُهُ وَعَلَيهِ غُرمُهُ وهذا يعارِضُ حديث النَّبىِّ - صلّى الله عليه وسلم - الّذي خرّجه البخاريُّ في قوله: الرَّهنُ مَركُوبٌ ومَحلوبٌ بِنفَقَتِهِ.

    وقد اتّفقَ العلّماءُ على أنّ منافِعَ الرَّهنِ للرّاهن ليس للمُرْتَهِنِ فيها حقٌّ، وإنّما له حقُّ الحَبْسِ والتَّوثُّقِ، فأمّا منافِعُه فلا.

    وقال أبو حنيفة (5) قولًا غريبًا لا يُشبهُ فِطنَتَهُ: تبقَى منافعُ الرَّهن عَطَلًا لا سبيلَ للمرتَهِنِ إليها؛ لأنّها ليست له، ولا سبيل للرَّاهن إليها؛ لأنّ الرَّهنَ قد زال عن يده. (1) 1/ 260 - 262.

    (2) من هنا إلى بدابة كلامه في الفقه أورده في القبس: 3/ 902 - 904.

    (3) قوله - صلّى الله عليه وسلم -: الرَّهْن مركوب ومحلوب أورده البخاريُّ في ترجمة الباب (4) من كتابُ الرّهن (48)، والباقي رواه بنحوه في الحديثين (2511، 2512) عن أبي هريرة. والعبارة الأولى رواها وكيع في نسخته عن الأعمش: 74 ومن طريقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: 1/ 229، كما رواها الشّافعيّ في الأمّ: 3/ 164 (ط. النجار)، والرازي في علل الحديث (1113)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (282) كلهم من حديث أبي هريرة. وانظر تلخيص الحبير: 3/ 35.

    (4) في سُنَنِه: 3/ 33.

    (5) انظر بدائع الصنائع للكاساني: 6/ 145.

    وقال الشّافعىُّ (1): يستَوفِي الرَّاهِنُ عند نفسه منافعَ الرَّهْن؛ لأنّ الرَّهنَ قد صحَّ ولَزِمَ بالقبضِ الأوّلِ، فلا يحتاجُ إلى الاستدامةِ.

    قال الإمام: فأمّا قولُ أبي حنيفة فمخالِفٌ للحديث والأصولٍ والنَّظَرِ، أمّا الحديثُ فمن ثلاثةِ أوّجُهٍ:

    أحدُها - وهي القاعدةُ-: أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم - "نَهَى عن إضاعةِ المالِ.

    وما رَوَى البخاريُّ: أَنَّ الرَّهْنَ مَحْلُوبٌ وَمَركُوبٌ يناقضُ قولَه: الرَّهنُ عَطَلٌ وهو الثّاني.

    وأمّا الحديث الثّالث فهو: لَهُ غُنمُه وَعَلَيهِ غُرْمُهُ.

    وأمّا الأصولُ فكلُّ مالِكٍ أحقُّ بمِلكِهِ، وكلُّ ذي حقِّ لا يُحَالُ بينَه وبين حقِّه في مسائلِ الشّريعةِ كلِّها.

    وأمّا النَّظَرُ فليس من المصلحة للخَلق، ولا مِنْ شُكرِ نِعَمِ الخَالِقٍ، أنّ تُترَك النِّعَمُ سُدىً حتّى تَتوَى (2).

    وأمّا قولُ الشّافعيِّ: إنَّ الرَّهنَ يَرجِعُ إلى صاحِبِه ففي ذلك إبطالٌ لِحَقِّ المُرتَهِن أو تعريضُه للآفات، وذلك لا يجوزُ.

    والصّحيحُ ما قاله مالك من أنّ المَنافع تبقَى في يد المُرْتَهِن *مع الأصل؛ فإنْ شاءَ الرّاهنُ أنّ يَستَوفِيَهَا تحت يد المُرتَهِن بنَفسِهِ استوفاها*، وإن شاء أنّ يُنيبَ من يَستَوفِيها لَهُ فَعَلَ، فبهذا يصلُ كلُّ ذي مِلكٍ إلى مِلكِهِ، ويبقَى كلّ ذي حقٍّ محفوظًا على صاحبه.

    وأمّا قوله: الرَّهنُ مَحلُوبٌ وَمَركُوبٌ فهذه إشارةٌ إلى ما قلنا من أنّ المنافعَ لا تبقَى مُعَطَّلَةً.

    وأمّا قولُه: يَركَبُ بِنَفَقَتِهِ وُيحلَبُ بِنَفَقَتِهِ فإنّ ذلك محمولٌ على بقيَّةِ عادةٍ كانت (1) انظر الأم: 3/ 155 (ط. النجار).

    (2) أي تهلك.

    عندهم، أو على تَراضٍ بذلك من المتراهِنَينِ، فأمّا أنّ يأخُذَ ذلك المُرتَهنُ بشرعٍ، فلا يصحُّ ذلك؛ فإنّه كان يكرن زيادةً في حقِّه، وأخذَ مال الرَّاهِنِ بغيرِ رِضَاه، فارتبط الباب، والحمدُ لله على هذه الأصول الّتي مهّدنا.

    الفقه في أربع مسائل:

    المسألة الأوُلى (1):

    تولُه: لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ قيل: معناه لا يذهبُ هَدَرًا، قال الشاعر (2):

    وَفارَقَتكَ بِرَهنٍ لَا فَكَاكَ لَهُ ... يَومَ الوَدَاعِ فأَمسَى الرَّهنُ قد غَلِقَا

    ففسَر الغَلق -وهو ذهابُهُ - بغير شيءٍ، وفَوَاتُه من غير جَبرٍ، وفي ذلك ثلاثةُ أحوالٍ:

    الحالةُ الأولى: ما فسَّرَهُ مالك أنّه نهى عن عَقدٍ تضمَّنَ ذلك، وعن استدامَتِهِ إنَّ عُقِد على وجهٍ يَتَضَمَّنه.

    الحالة الثّانية: أنّ يَفُوتَ الرَّهنُ عند المُرتَهِن، أو يَتلَفَ بوجهٍ من وجوه التَّلَفِ.

    فقال الشّافعيّ (3): يذهَبُ هَدَرًا، ويأخُذُ صاحبُ الحقّ حقَّه.

    وقال أبو حنيفةَ: يُقَاصُّه بقيمته من الدِّيْن.

    ولمالك في ذلك قولان (4):

    أحدُهما: الفرقُ بين أنّ يكونَ ممّا يُغابُ عليه وما لا يُغابُ عليه، فإن كان ممّا يُغابُ عليه، كان كما قال أبو حنيفةَ، وإن كان ممّا لا يُغابُ عليه كان كما قال الشّافعيُّ.

    القولُ الثّاني: أنّ الحُكْمَ فيه كما قال أبو حنيفةَ في كلِّ حالٍ. زاد مالك: إلّا أنّ تقُومَ بيَّنَةٌ على تلَفِهِ من غير جهة المُرتَهِن، فإنّه يكونُ من الرَّاهِن، وهذه مسألةٌ عظيمةُ (1) انظرها في القبس: 3/ 904 - 905.

    (2) هو زهير بن أبي سلمى، والبيت في ديوانه:33.

    (3) في الأم: 3/ 160 (ط. النجار).

    (4) انظر المعونة: 2/ 1156.

    الموقعِ، أخَذَت شَبَهًا من الأماناتِ؛ لأنّه قَبَضَهُ بإذن صاحبِه، وأَشْبَهَتِ المُستَامَ من جِهَةٍ أنّه قَبَضَهُ على وجهِ المُعَاوضَة، ومن حُكمِ الفرعِ إذا تَجاذَبَهُ الأصلان أنّ يُوفرَ عليه من حُكْمِ كلِّ واحدٍ منهما، ولأجله قال مالك مرَّةً: إنّه أمانةٌ. وقال أخرى: إنّه مضمونٌ، وإنّما قبضه على التّوثّقِ من الأماناتِ، والدَّينُ مُستَقِرٌّ في الذِّمَّة، بخلاف المُسْتَامِ، فإنّه قَبَضَهُ على معنَى الاعتياض فحقّق ذلك فيه.

    ومِنْ غَلَقِ الرَّهنِ مسألةُ إِعتاقِ الرَّاهِنِ، فإنّ علماءَ الإِسلامِ اختلفوا فيها على ثلاثة أقوالٍ:

    أحدها: أنّه مردودٌ، قالَهُ الشّافعيُّ (1).

    الثّاني: أنّهُ نافِذٌ، قاله أبو حنيفةَ (2).

    الثالثُ: أنّه يَنفُذُ إنَّ كان مُوسِرًا، وُيرَدُّ إنَّ كان مُعسِرًا (3).

    والمسألةُ مُشكِلَةٌ؛ إلّا أنّ الكلامَ لمالكٍ يَظهَرُ فيها مع الاعتبار جدًّا؛ لأنّه من غَلَقِ الرَّهْنِ، والصّحيحُ في اشتقاقِهِ أنّ يذهَبَ باطِلًا، كما قال الشّاعر (4):

    وَفَارَقتكَ بِرَهْنٍ لا فِكَاكَ لَهُ ... يوم الوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهن قد غَلِقَا

    ويكونُ الهلاكُ من جِهَةِ الرّاهِنِ، وكما لا يَغلَقُ الرَّهنُ على الرَّاهِنِ، فأَولَى (1) انظر روضة الطالبين: 12/ 157.

    (2) انظر مختصر اختلاف العلماء: 4/ 300، والمبسوط: 21/ 138.

    (3) انظر المعونة: 2/ 1165.

    (4) هو زهير بن أبي سلمى، والبيت سبق تخريجه صفحة: 34، التعليق رقم: 2.

    وأَحرَى ألّا يَغلَقَ الرَّهنُ على المُرتَهِن.

    وأمّا الشّافعيّ فإنّه قال: إنَّ الرَّهْنَ حقٌّ يتعلَّق باليَد، والعِتقَ حقٌّ يتعلَّقُ بالمِلكِ، فَمَحِلُّ العِتقِ غيرُ مَحِلِّ الرَّهنِ.

    قلنا له: ولكنّه يُبطِلُهُ، وكلُّ ما أدَّى إلى بُطلَانِه فإنّه يَبْطُلُ في نَفْسِه. وهذا فصلٌ عسِيرٌ لا يستقيمُ على أصولِنا؛ لأنّ مالكًا قد قال في عِدَّة مسائلَ: إنّه ينفُذُ العِتقُ من المُوسِرِ والمُعسِر، وان أدَّى إلى إبطالِ حقِّ الغير، فإذا طُولِبَ بالفرقِ لم يَقدِر عليه، وَيَئُولُ الكلامُ إلى تَشُغيبٍ في الفروع وتَشُغبٍ أيضًا في الأصول، بيانُها في كتب الأصول.

    القضاء في رَهْنِ الثَّمَرِ والحيوان

    الفقه في مسائل:

    المسألة الأولى (1):

    فإِنَّ ذَلِكَ الثَّمَر لَا يَكُونُ رهنًا مَعَ الحَائِطِ (2) معناه: لا يكون لِلثَّمَرَةِ حكم الرَّهْن، ولا يكون المُرتَهِنُ أحقّ بها من الغُرَمَاء، وذلك أنّ النّماء من الرَّهْنِ على ضربين:

    أحدُهما: أنّ يكون من غير جنس الأصل، كثَمَرَة النَّخْل، وعسل النَّحْل، وغَلَّةِ الدُّور، والعبيد، وسائر الحيوان، فهذا كلّه لا يكون رَهْنًا مع الأصل، ما حدث منه بعد عَقْدِ الرَّهْن. (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 240 - 241.

    (2) عبارة الموطَّأ (2134) رواية يحيى، قال: سمعتُ مالكًا يقول فيمن رَهنَ حائطًا له إلى أجلٍ مُسَمّىَ، فيكون ثَمَرُ ذلك الحائط قبل ذلك الأجل: إنَّ الثَمَرَ ليس بِرَهْنٍ مع الأصل ورواه عن مالك: أبو مصعب (2959).

    فأمّا الثمَرَةُ فسواء حدثت بعد العَقد أو كانت موجودة حين الرَّهن، مزهية أو غير مزهية، قاله ابن القاسم وأشهب.

    وقال أبو حنيفة (1) والثوري: ما حدث من اللّبن والصُّوف والثمرة بعد الرَّهن فهو في الرَّهْن، وكذلك الغَلَّة والخَرَاج.

    ودليلنا: أنّه نماءٌ حادِثٌ من غير جنس الأصل، فلم يتبعه في عَقد الرَّهن، أصل ذلك: مال العبد.

    المسألة الثّانية (2):

    وأمّا الصّوف واللّبن فلا يتبع أيضًا إذا حدث بعد العَقد، أو كان غير كامل، فأمّا إنَّ كان كاملًا يوم العَقدِ، فقد قال ابنُ القاسم: يلحقه حكم الرّهن. وقال أشهب: لا يكون رهنًا إلّا بالشّرط (3).

    ووجه قول ابن القاسم: أنّه متّصلٌ بالحيوان اتّصالَ خِلْقَة، ويتبع في البيع بمجرَّدِ العَقْدِ، فكذلك في الرَّهن كأعضاء الحيوان. وقد قال بعض القَرَوِيِّين في النّخل تُرهَنُ وفيها ثمرة يابسة: يجب أنّ تكون للمُرتَهِنِ على قول ابن القاسم كالصُّوف التّام.

    قال الإمام: وعندي أنّها (4) لا تتبع في البيع (5) بخلاف الصّوف؛ لأنّ الصُّوف لا يخلو منه الحيوان، ويؤخذ منه على سبيل الإصلاح له، فأشبه جريد النّخل، وأمّا الثَّمَرَة (1) انظر مختصر الطحاوي: 94، ومختصر اختلاف العلماء: 4/ 290.

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 241.

    (3) ووجه قرل أشهب: أنّ هذه غَلَّة فلم تتبع الأصل في الرَّهن بمجرّد العقد، كاللّبن في ضروع الغنم.

    (4) أي الثمرة اليابسة.

    (5) في المنتقى: لا تتبع في الرَّهْن لأنّها لا تتبع في البيع.

    فهي من غير جنس الأصل، ومقصودةٌ بالغَلَّة، تخلو منها الشّجرة في بعض أوقاتها، وذلك حكم رطبها ويابسها.

    المسألة الثّالثة (1):

    قال علماؤنا (2): ويجوز ارتهان مال العبد دونه، فيكون له معلومه ومجهوله يوم الرَّهْن إنَّ قَبَضَهُ، قاله مالك أيضًا في المجموعة.

    ووجهه: أنّ المجهولَ يصحُّ ارتهانه، كما يصحّ إفراد الثَّمَرة الّتي لم تُؤبَر بالارتهان.

    المسألة الرّابعة (3):

    قوله (4): وَمَنِ ارْتَهَنَ جَاريَةً وَهِيَ حَامِلٌ فقد تقدّم الكلام في النّماء الّذي ليس من جنس الأصل، وأمّا ما كان من جنسه كالولد، زاد ابنُ الجلّابِ (5): وفراخ النّحل والشَّجَر فإنّ جميع ما تلده الأَمَة بعد الرَّهن يكون رَهنًا معها دون شرطٍ، خلافًا للشّافعيّ (6).

    ووجه ذلك: أنّها نماءٌ من جنس الأصل فأشبه جنسها.

    ومَنِ ارتهن عبدًا فولد له من أَمَتِهِ، فقد قال ابنُ شعبان: الولد رَهنٌ مع أبيه دون أُمِّه.

    ووجه ذلك: أنّ أُمِّه مال العبد، فلا تكون رَهْنًا معه بمجرَّد العَقد، والوَلَدُ نماءٌ (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 241.

    (2) المقصود هو الإمام الباجي.

    (3) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 241.

    (4) أي قول مالك في الموطَّأ (2134) رواية يحيى.

    (5) في التّفريع: 2/ 260.

    (6) في الأم: 7/ 78 (ط. قتيبة)، وانظر الحاوي الكبير: 6/ 208.

    من جنس، فكان تبعًا له في الرَّهْنِ.

    ولو شرط أنّها رَهْنٌ دون ما تلد لم يجز (1).

    ووجه ذلك: أنّه جزءٌ معيَّنٌ منها، فلم يجز أنّ يفرد عن الرَّهن كَيَدِها.

    المسألة الخامسة (2):

    وفرَّق علماؤُنا بين الثَّمَرَة وولد الجارية؛ لأنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم - قال: مَنْ بَاعَ نَخلًا قَدْ أُبِّرَت فَثَمَرُها لِلبَائَع إِلَّا أنّ يَشتَرِطَها المُبتَاعُ (3).

    قال مالك (4): "والأمرُ الّذي لا خِلَافَ فيه، أنّ من باع جاريةً وفي بَطنِهَا جَنِبنٌ

    أنّ ذلك للمُشتَرِي وإن لم يَشتَرِطهُ".

    فهذا على ما قال، فرق بين الثَّمَرَة المأبورة والجنين، وفيه حُجَّة على من أراد إلحاق أحدهما بالآخر. وأمّا غير المأبورة فخارجة عن ذلك؛ لأنّها تتبع النّخل في البيع وإن لم يشترطها، فهيَ في البيع كالجنين، وفي الرَّهْن مخالفة له، على ما نبيَّنُه إنَّ شاء الله تعالى.

    القضاءُ في الرَّهْن من الحيوان

    الفقه في تسع مسائل:

    المسألة الأولى (5):

    قوله (6): مَا كانَ مِنْ أَمرٍ يُعرَفُ هَلَاكُهُ (7) وهذا يدلُّ على ما قال. فأمّا الأرض (1) تتمّة الكلام كما في المنتقى: ... قاله مالك في المدوّنة، وقال في المجموعة: لا برتهن الجنين دون الأمّ وليس الولد كالثّمرة.

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 242.

    (3) أورده مالك في الموطَّأ (2135) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2959).

    (4) في الموطَّأ (2136) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2960).

    (5) هذه المسألة مقتبسة من المنتقي: 5/ 242 - 243.

    (6) أي قول مالك في الموطَّأ (2137) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (2964).

    (7) أسقط المؤلِّف أو الناسخ فقرة نرى من المستحسن إيرادها كما هي في المنتقى: يريد أنّ يكون ذلك غالب أمره أنّ ضياعه يعرف ويشتهر ولا يغاب عليه كالأرض والدّور والحيوان؛ فإنّ هذا لا يمكن إخفاؤه بالمغيب عليه والستر له. قال مالك: وكذلك الزّرع والثمرة في رؤوس النّخل، وهذا ... .

    والرّباع وأصول الشَّجر ممّا لا ينقل ولا يحول، فأمرها ظاهر يُعلَم صدق مدَّعِي ضياعها من كذبه. وأمّا الحيوان فإن ادِّعَاء أبَاق العبد وهروب الحيوان، فهذا ممّا لا يكاد المُرتَهِن أنّ يقيم به بيِّنَة؛ لأنّ هذا يكون في وقت الغفلة. قال مالك: لأنّ الأصل ما أخذه عليه من غير الضّمان حتّى يتبيَّن كذبه، وذلك مثل ما قال أشهب: إذا زعم أنّ الدَّابّة انفلتت منه، أو كابره العبد بحضرة الجماعة فينكرون ذلك، فلا يُصدّقُ إلّا أنّ يكون الّذين ادّعَى عليهم ذلك غير عُدُول، فلا يُصدقون، والقول قولهُ.

    قال محمَّد: هذا مذهب مالك وأصحابه فيما لا يغَاب عليه، والمشهور (1) من قول مالك؛ أنّهم إذا كانوا غير عُدُول لم يثبت كَذِبُه، وكان على أصله في التّصديق وانتفاء الضّمان؛ لأنّه على ذلك أخذه، فوجود غير العدول كعدمهم فيما يتعلَّق بالحكم له وعليه.

    المسألة الثّانية (2):

    وأمّا الموت ففي الموّازية عن مالك: أنّه يُصَدَّق، إلّا أنّ يظهر كذِبه بدَعواه ذلك بموضع لا يعلم أهله ذلك، ومعنَى ذلك: أنّه يصدَّق إذا ادَّعَى مَوْته في الفَيَافِي، وبحيث لا يكون به من يعرف به صدقه أو كذبه.

    المسألة الثّالثة (3):

    ولو قال: ماتت دابّة لا نعلم لمن هي، ففي المجموعة: يصفوها إنَّ عرفوا الصِّفَة، وإن لم يصفوها قُبِلَ قولُه أنّها هي ويحلِف. (1) في المنتقى: "ووجه المشهور).

    (2) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 243.

    (3) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 243.

    المسألة الرّابعة (1):

    قال أبو الزّناد وفي الحديث: إِذَا عميت قِيمَته (2) وهذا الّذي ذَكَرَهُ لا يثبت عن النّبيّ -عليه السّلام - فيه شيءٌ، وإنّما هو قول جماعة الفقهاء: إنَّ الرَّهنَ يضمن منه قَدْر الدِّيْن، وما زاد على ذلك فهو أمانة، وهذا قول ابن أبي ليلَى والثّوري وأبي حنيفة (3).

    وأمّا ما رُويَ من قول أصحابنا في قوله: الرَّهنُ بِمَا فِيهِ هو قول الفقهاء السَّبعة، إنّما ذلك إذا جُهِلَت صفتُه ولم يدَّع معرفة ذلك راهِنٌ ولا مُرْتَهِن، وهو قول اللَّيث، وبلغني (4) عن عليّ رضي الله عنه (5). وقد قال مالك: الرَّهْن بما فيه إذا ضاع عند المُرتَهِن ما يغاب عليه إذا كانت قيمته بمقدار الدِّين، وسيأتي بيانُه إنَّ شاء الله.

    المسألة الخامسة (6):

    وإذا جاء المُرّتَهِن بالرَّهْن وقد احترق وقال: قد وقعت عليه نار، فلا يصدَّق وهو ضامِنٌ إلّا أنّ تقوم بيِّنة، أو يكون من الاحتراق أمر مشهور، من احتراق منزله أو حانوته فيأتي ببعض ذلك محروقًا، فإنّه يُصَدَّق، رواه ابن حبيب عن ابن القاسم (7).

    والقول قولُه فيما ادّعاه إذا جاءَ بالشُّبهة من احراقِ حانوته أو منزله. (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 243.

    (2) أخرجه الطحاوي بسند صحيح - كما نصّ الزّيلعي - في شرح معاني الآثار: 4/ 102 من طريق عبد الرّحمن بن أبي الزناد عن أبيه، قال: كان من أدركت من فقهائها الذين ينتهى إلى قولهم: منهم: سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمَّد، وأبو بكر بن عبد الرّحمن، وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله في مشيخة من نظرائهم أهل فقه وعلاح وفضل، فذكر جميع ما جمع من أقاويلهم في كتابه على هذه الصِّفة؛ أنّهم قالوا: الرَّهْن بما فيه إذا هلك وعميت قيمته، ويرفع ذلك منهم الثقة إلى النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم-، وانظر نصب الراية: 4/ 322.

    (3) انظر مختصر الطحاوي: 95، ومختصر اختلاف العلماء: 4/ 309، والمبسوط: 21/ 64 - 65.

    (4) القائل هنا هو الإمام اللَّيث.

    (5) نصّ على ذلك الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء: 4/ 310، ورواية عليّ أخرجها عبد الرزّاق (15039)، والبيهقي: 6/ 43.

    (6) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 244 - 245.

    (7) في المنتقى: رواه ابن حبيب عن أصْبَغ عن ابن القاسم.

    المسألة السّادسة (1):

    وإذا أتَى بالرَّهن قد تآكل من السّوس (2)، فلا ضمانَ عليه ويحلف ما ضَيَّعَهُ، وإن كان أضاعه حتَّى أصابه، فيشبه أنّ يكون فيه شيءٍ، رواه في العُتبِيَّة عيسى عن ابن القاسم عن مالك.

    وقال ابن شعبان: إذا تآكلت الثِّياب عنده أو قرضها الفأر وما أشبهه، فإنْ كان أضاعها ضَمن وإلَّا لم يضمن، وقال ابن القاسم: يضمن.

    المسألة السابعة (3):

    وأمّا إذا تَلِف بغير بيِّنة، فلا خلاف في المذهب أنّه مضمون، خلافًا لابن المُسَيَّب والزّهريّ وابن دينار في قولهم: إنَّ الرَّهْن كلّه أَمانَة ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه، وبه قال الشّافعيّ (4).

    ودليلُنا: أنّ قَبْض ما يملك، فمنفعته للقابض مؤثِّرَّة في الضّمان كالشّراء.

    إنَّ الرَّهن مضمونٌ على حكم الارتهان في الضّمان، من حين يقبضه المُرْتَهِن إلى أنّ يردَّهُ.

    ولو ضاع الرَّهْنُ بعد أنّ وهبَهُ الرَّاهِن، ففي العُتبِيَّة عن ابن القاسم (5) أنّه يضمنه.

    ووجهه: ما قدّمناه من أنّه مقبوضٌ على حكم الارتهان في الضّمان (6). (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 245.

    (2) في المنتقى: وإذا أنّ المُرْتَهِنُ بالرَّهْنِ وهو ساج قد تآكله السوس قلنا: والسّاج هو الحائك.

    (3) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 245.

    (4) في الأم: 7/ 155 (ط. قتيبة).

    (5) في المنتقى: ففى العتبية والمجموعة عن ابن القاسم وأشهب.

    (6) الّذي في المنتقى: ... مقبوض على حكم الرَّهْن، فبراءة الرّاهن ممّا رهن به لا تغير حكمه في الضّمان كما لو قضاه ذلك.

    المسألة الثامنة (1):

    قوله (2): وَلوْ قَالَ المُرْتَهِنُ: لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهنِ. حُلِّفَ الرَّاهِنُ (3)، إِذَا جَاءَ بِمَا لَا يُسْتَنكَرُ يريد أنّ يأتي بما يُشْبِه من صفة ما رُهِنَ في مثل ذلك، وما يكون له من القيمة ممّا يقرب منه على ما جرت به العادة، وإنّما يُرَاعَى في ذلك ما لا يُسْتَنكَر من الثَّمَن.

    المسألة التّاسعة (4):

    قوله (5): وَذَلِكَ إِذَا قَبَضَهُ وَلَمْ يَضَعهُ عَلَى يَدَي غَيرِهِ. يريد أنّه (6) إنّما ضمن الرّهن الّذي لا يغاب عليه إذا كان حائزًا له، وأمّا إذا كان موضوعًا على يد غيره بحكمٍ (7)، أو باتّفاقهما، فلا ضمان عليه في ضباعه، وإن لم تقم بذلك بيِّنة.

    وأمّا سائر ما تقدّم من قوله في شهادة قيمة الرَّهنِ بقَدْر الدَّيْنِ، فيحتمل أنّ يناوله هذا الشّرط على قول أصْبَغ، ويحتمل أنّ لا يناوله على قول محمّدٍ، وسيأتي ذِكرُه إنَّ شاء الله.

    تركيب:

    قال الإمام: ويتركّب على هذا ستّ مسائل (8): المسألة الأولى: في وجُوبِ الحيازة للرّهن وأنّها شرطٌ في صحّته وإتمامه. والثّانية: في صفة الحِيّازَة وتميّزها ممّا ليس بحيازة. والثّالثة: فيمن يكون وضع الرَّهن على يديه. والرّابعة: فيمن يُوضع على يده عند (1) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 247.

    (2) أي قول مالك في الموطَّأ (2137) رواية يحيى.

    (3) تتمّة الكلام كما هو في الموطَّأ: عَلَى صِفَةِ الرَّهنِ، وكان ذلك لَهُ.

    (4) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 247.

    (5) أي قول مالك في الموطَّأ (2137) رواية يحيى.

    (6) أي المُرتَهِنُ.

    (7) أي بحكم حاكم.

    (8) هذه المسائل مقتبسة من المنتقى: 5/ 247.

    اختلافهما. والخامسة: فيمن يقوم بالرَّهن ويلي الإنفاق عليه والاستغلال له.

    والسّادسة: في حكم العدل الّذي يوضع على يده.

    أمّا المسألة الأولى (1): في وجوب حيازته وكونها شرطًا في تمامه

    فليس من شرطها السَّفَر، خلافًا لمجاهد في قوله: لا يصح الرَّهن إلّا في السَّفَر (2).

    ودليلُنا: أنّ كلّ وثيقة صَحَّت في السَّفَر فإنّها أصحّ في الحَضَرِ كالكَفَالَة، ولا يتمّ لها حكم الرَّهنِ إلّا بالحِيازَة له، قال الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (3) فجعل ذلك من صفته اللّازمة له، وذلك بمعنى الشّرط فيه، فصار حكم الرَّهنِ متعلِّقًا بالرَّهن المقبوضِ.

    فرع:

    فإن مات الرّاهن أو أفلس، ووُجِدَ الرَّهْنُ بيدِ المُرتَهِنِ أوِ الأمينِ، ففي الموّازية والمجموعة عن عبد الملك: لا ينفع ذلك حتّى تعلم البيّنة أنّه حَازَهُ قبل ذلك (4).

    وقال محمّد: لا ينفعه إِلَّا بمعاينة الحوز لهذا الارتهان.

    ووجهه: أنّه لمّا كان من شرطه قبضه وحيازته قبل تعلُّق حقّ الغُرَمَاء به، لم يحكم له بذلك إلّا بعد ثبوت الشّرط في وقته وقبل وفاته.

    وعندي: لو ثبت أنّه وجد بيده قبل الموت أو الفلس، لوجب أنّ يحكم له بحكم الرَّهنِ، ولعلّه معنَى قول محمّد: لا ينفعه إلّا بمعاينة الحوز. (1) هذه المسألة بفرعها مقتبسة من المنتقى: 5/ 247 - 248.

    (2) ذكره ابن حزم في المحلّى: 8/ 87 ونصَّ على صحّة إسناده.

    (3) البقرة: 283.

    (4) أي قبل الموت أو الفلس.

    المسألة الثّانية (1): في صفة الحيازة وتمييزها ممّا ليس بحيازة

    فأوّل ذلك أنّ الرَّهْنَ يلزم بمجرّد القول، خلافًا لأبي حنيفة (2) والشّافعيُّ (3) في قوليهما: لا يلزم إلّا بالقبض.

    قال عبد الوهّاب (4): والدّليل على ذلك، قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (5) قال: قلنا: من الآية دليلان:

    أحدهما: أنّه قال تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فأثبتها رِهَانًا قبل القَبض.

    والدّليل الآخر: قولُه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} هو أمر؛ لأنّه لو كان خَبَرًا لم يصحّ أنّ يوجد رهن غير مقبوض، ومن قولهم: إنَّ الرَّاهِن لو جُنَّ أو أُغمِيَ عليه ثمّ أفاقَ لصَحَّ، فثبت أنّه أمرٌ.

    ومن جهة القياس: أنّه عَقد وثيقة كالكفاله.

    فرع:

    وهل يكون من شرط الحِيَازَة أنّ يقبض الرّهن الحائز أم لا؟

    اختلف أصحابنا في ذلك: ففي الموَازية من رواية ابن القاسم عن مالك فيمنِ اكتَرَى دارًا أو عبدًا سنة، أو أخذ حائطًا مساقاة، ثمّ ارتهن شيئًا من ذلك قبل تمام السَّنَة، فلا يكون محوزًا للرَّهنِ؛ لأنّه محوز قبل ذلك بوجه آخر.

    وفي المجموعة قال سحنون: ومذهب ابن القاسم: أنّه يجوز أنّ يرتَهِنَ ما بيده بإجارَةٍ أو مساقاةٍ ويكون ذلك حيازة للمُرتَهِن، كالذي يخدم العبد ثمّ يصَّدَّق به على (1) هذه المسألة مع فروعها مقتبسة من المنتقى: 5/ 248 - 249.

    (2) انظر مختصر الطحاوي: 93، والمبسوط: 21/ 68.

    (3) في الأم: 7/ 8، وانظر الحاوي: 6/ 8.

    (4) انظر نحوه في المعونة: 2/ 1153.

    (5) البقرة: 283.

    آخر، فحوزُ المخدوم حوزٌ للمُتَصَدَّقِ عليه.

    فرع آخر:.

    ومن رَهَنَ بيتًا من دارٍ بما يليه منها، فحازَهُ المُرتَهِن بِغَلَقٍ أو كراء.

    قال ابنُ حبيب عن أصبغ: إنَّ حَدَّ له نصف الدّار فهو أحسن، وان لم يحدّه ولكنّه رهنه البيت بعينه ونصف الدّار شائعًا، فحيازته للبيت تكفيه، وكذلك في الصَّدقة، يريد بقوله: فحيازة المُرتَهِن بغلق البيت أنّ غلقه له على ذلك الوجه حيازة له ولسائر ما ارتهن من الدّار. وأمّا الكراء فإنّه يشتمل على الجميع، واختار أَصبَغُ أنّ لو حدَّ له بحَدٍّ حتّى يتميّز الرَّهن من غيره، لكنّه إنَّ حاز البيت أجزأه. ويحتمل وجهين:

    أحدهما: أنّ البيت معظم الرَّهن والتّالي له تَبَعٌ.

    والثّاني: يكون مبنيًّا على جواز حيازة المُشَاع مع غير الرَّهنِ، ويكون معنَى المسئلة أنّ بقيَّةَ الدّار لغير الرّاهن، وفي العُتبيّة (1) من رواية عيسى عن ابن القاسم فيمن ارتَهَنَ دارًا وفيها طريق للمسلمين يسلكه الرّاهنُ وغيره، قال: إذا حاز البيوت لم يضرّه الطّريق؛ لأنّه حقّ للنّاس كلّهم. فراعَى في الحيازة البيوت دون السّاحة (2)، ويحتمل ما قدّمنا من أنّها تَبَعٌ للبيوت.

    فرع:

    ويجرز عند مالك رَهن المُشَاعِ (3)، وبه قال الشّافعيُّ (4)، ومنعه أبو حنيفةَ (5). (1) 11/ 94 في سماع عيسى من ابن القاسم، من كتابُ العتق.

    (2) وذلك لأنّه إنّما رهنه البيوت الّتي له، ولم يرهنه الطّريقال في ليس له من الحقّ فيه إلّا ما لغيره من المرور فيه.

    (3) انظر التفريع: 2/ 262، والمعونة: 2/ 1155.

    (4) في الأم: 7/ 177.

    (5) انظر مختصر اختلاف العلماء: 4/ 287، والمبسوط: 21/ 69.

    ودليلُنا: أنّه كلّ ما صحّ قَبْضُهُ بالبَيْعِ صحَّ ارتِهَانُه كالمقسوم.

    المسألة الثّالثة (1):

    قال علماؤنا (2): هذا في حِيَازَةِ الأعيان، وأمّا الدُّيون فارتهأنّها جائزٌ، قاله مالك، ولا يخلو الدَّين أنّ يكون له ذكر حقّ، أو لا ذِكرَ له، فإن كان له ذكر حقّ، فحيازته أنّ يدفع إليه ذلك الحقّ ويشهد له به، فهذا حَوْزٌ ويكون أحقّ به في الموت والفَلَسِ، قاله مالك في الموّازية.

    فرع:

    فإن لم يكن له (3) ذكر حقّ، فهل يُجزِىء فيه الإشهاد؟ قال ابنُ القاسم في المجموعة: لا بأس بذلك، ونحوه عن مالك.

    المسألة الرّابعة (4): فيمن يصحّ وضع الرّهن على يده

    فإن كان يتيم له وليَّان، فارتهن منهما رَهنًا بدَيْنٍ على اليتيم، فوضع على يد أحدهما، ففي الموّازية عن عبد الملك: لا يتمّ فيه الحَوز؛ لأنّ الولاية لهما، ولا يحوز المرءُ على نفسه.

    فرع:

    ومنِ ارْتَهَنَ حائطًا، فجعل على يد المُسَاقِي فيه أو الأَجير، فليس برَهنِ حتّى يجعل على يد من في غير الحائط، ويجعل مع المساقي رجُلًا يستخلفه، أو يجعلاه على يد من يرضيان به، رواه ابن القاسم عن مالك في الموّازية.

    وقال عبد الملك في المجموعة: إنَّ كان رَهَنَ نصفه لم يجز ذلك في الأجير (1) هذه المسألة مع فرعيا مقتبسة من المنتقى: 5/ 251.

    (2) المقصود هو الإمام الباجي.

    (3) أي للدَّيْنِ.

    (4) هذه المسألة مع فرعها مقتبسة من المنتقى: 5/ 251 - 252.

    والقَيِّم، وإن كان رهن جميعه جاز.

    ووجه الأوّل: أنّ المُسَاقِي والأَجِير لمّا كانا عاملين للرَّاهِن كانت أبدانهما له، فلا تصحّ الحِيَازَة مع بقائه بيده (1) أو بيد من يقوم مقامه، كما لو رَهَنَ نصفه لم يجز.

    ووجه الثّاني: أنّ يَدَ الأَجِير إنّما نَابَت عن يَدِ الرَّاهن بأمره، فإذا بقي له أمر فيه، بقي له بعضه غير مرهون، فلم يجز ذلك كان حائزًا أو محوزًا منه.

    المسألة الخامسة (2): فيمن يوضع على يده عند اختلافهما

    وإنّه إذا اشترط المُرتَهِنُ كونه على يده، جاز إنَّ كان ممّا يُعْرَف بعينه، كالدور والعَقَارِ والحيوان والثِّياب، وغير ذلك ممّا لا يكال ولا يُوزَن، فأمّا الدّنانير والدّراهم فلا يحوزُ ذلك فيها لجواز أنّ ينتفع بها فيردّ مثلها.

    وقال أشهب في المجموعة: لا أحبُّ ارتهانَها وارتهان الفلوس إلّا مطبوعة، للتُّهمة في سلفها، فإن لم تطبع لم يفسد الرَّهْن ويستقبل طبعها متَى عثر على ذلك، وهذا إذا كان على يَدِ المُرتَهِنِ دون الأمين (3)، فالتُّهمةُ فيه أَبيّن. والذي في المدوّنة (4) في الدّنانير والدّراهم والفلوس: يجوز ارتهأنّها إذا طبع عليها. (1) أي بقاء الرَّهْن بيد الرّاهن.

    (2) هذه المسألة مع فرعيها مقتبسة من المنتقى: 5/ 252 - 253.

    (3) الظّاهر أنّه سقطت هاهنا جملة، نَرى من المستحسن إثباتها كما هي في المنتقى: وما أرى ذلك في الطّعام والإدام وما لا يُعرَف بعينه؛ لأنّه لا يكاد يخفى التَّصرُّت فيه ويخفى في العين، فالتّهمة ... .

    (4) 4/ 163 فيمن ارتهن دنانير أو دراهم أو فلوسًا أو طعامًا.

    فرع:

    وإن شرط كونها على يدِ أمينٍ، لزمهما ولا يحتاج إلى الطّبع، وهو مذهب ابن القاسم وأشهب.

    وإن لم يشترطا شيئًا، قال محمّد بن عبد الحَكَم: إنِ اختصما في ذلك، قيل لهما: اجعَلَاهُ على يَدِ أمينٍ ممّن ترضونَ، فإن اختلفا في الرِّضَا، جعله القاضي عند من يرضَى.

    فرع:

    فإن مات الأمين فأَوصَى إلى رجلٍ، لم يكن الرَّهنُ على يده ولكن على يَدِ من رضيا به، قاله ابنُ القاسم في المدوّنة (1).

    وقال أشهب (2): على الوَصِيِّ أنّ يعلمهما بِمُؤَنِهِ، ثمّ إنَّ شاء أقرّه عنده أو عند غيره، فإن اختلفا فيه وفي غيره جعل عند أفضل الرَّجلين.

    المسألة السّادسة (3): فيمن يلي الرّهن

    رَوَى ابنُ حبيب عن ابن المَاجِشُون: إنَّ المُرتَهِنَ يلي كراءه، وأحبّ إليَّ أنّ يستأمر الرّاهن إنَّ حضر، فإن لم يأمره مضَى ذلك.

    وقال ابنُ القاسم: له أنّ يكريَهُ بغير إذنه عَلِمَ أو لم يعلَم. (1) 4/ 156 - 157 في الرَّهْن يُجعَل على يدي عدل فيموت العدل فيوصي إلى رجل هل يكون الرَّهْن على يديه.

    (2) قاله في المجموعة كما نصّ على ذلك الباجي في المنتقى.

    (3) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: 5/ 253.

    وقال أشهب (1): إنَّ لم يأمره الرّاهن، فلا يكريه.

    وفي العُتبِيّة (2) عن ابن القاسم: يلي كراءَهُ بإذن الرّاهن، وكذلك من وضع على يده.

    باب (3) القضاء في كِرَاء الدّابة والتّعدِّي فيها

    التّرجمة والإسناد:

    قال الإمام: بوَّبَ مالك -رحمه الله - على كراء الدَّوابّ والرّواحل، ولم يَرِد لهما في الحديث أصلٌ، سوَى أنّي وجَدْتُ إشارتين إحداهُما أقوَى من الأُخرى.

    وأمّا الأُولى: فهي الحديث الصّحيح (4) عن عائشة: أَنَّهُ (5) استَأجَرا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقالُ لَهُ: ابن الأريقط (6)، دَفَعا إليه راحِلتَيهِما وَواعَداهُ في غارِ ثَوْر صُبحَ ثَلَاثٍ. فقد أخذتِ الدّابّةُ هاهنا حظّها من الكِرَاءِ.

    وأمّا الحديث الثّاني -وهو أقوى-:

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1