Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أسرتني آية
أسرتني آية
أسرتني آية
Ebook385 pages2 hours

أسرتني آية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

عن كتابي الأول إنَّ كتابي هذا كتبَته أحاسيسي ومشاعري الصادقة قبل أن تكتبه أناملي، وإنَّ كلَّ ماجاء فيه كان صادقًا وواقعًا وأمينًا، ولَم أكُن أتخيَّل الذي كنتُ أكتبه؛ لأنَّه كان واقعًا رأيتُه وسمعتُه، وعشتُ بعضه. لقد كان كتابي هذا في كلِّ أجزائه صورًا مِن حياتنا اليومية لنا جميعًا، بما فيها مِن أفراح وأحزان حدثَت، أو أنَّها ممكنة الحدوث في كلِّ بقاع الأرض بغَضِّ النَّظر عن ألوان الناس وأشكالهم ودياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فإنَّ ردود أفعال الناس حول العالم تنبع مِن أعماقهم التي كانوا قد نشؤوا وتربَّوا عليها، وهذا مِن طبيعة البشر في هذه الحياة، ولعلَّ هذه اللقطات والصور الصغيرة تفتح لنا أبوابًا في معرفة ما يحدث حول العالم ولو كان بجزء صغير مِن نافذة صغيرة نراه مِن خلالها. زينب حسن عبد الله
Languageالعربية
Release dateMar 31, 2023
ISBN9789948798347
أسرتني آية

Related to أسرتني آية

Related ebooks

Reviews for أسرتني آية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أسرتني آية - زينب حسن عبد الله

    أسرتني آية

    زينب حسن عبد الله

    Austin Macauley Publishers

    أسرتني آية

    الإهداء

    حقوق النشر©

    شكر وتقدير

    لَو تَزيَّلُوا

    أصعب اللحظات

    الأطعمة الجاهزة

    الأمَّهات المُتعلِّمات

    الإنترنت

    البروفيسور

    التُّراب

    التزلُّج على الجليد

    التفاؤل

    الثقة

    الحُبُّ النَّقِي

    الحموات، والناس أجناس

    الدعاء

    الزمَّار وأصابعه

    الشِّراعُ الأبيض

    المساجد والشكر لله

    الصَّبر

    العاداتُ والتَّقاليد

    العالَم الأوَّل

    الفاروقُ عُمَر

    المحبَّة

    المعامَلةُ الحَسنة

    النَّورس

    ألوان

    الوَشْم

    أمَّهات ولكن!

    أن تكون رجلًا

    بينَك وبينَ الله

    بالأمس كنتُ!

    أولياء ولكن!

    تحتار الكلمات

    تعلَّمتُ مِن تجاربي في الغربة

    حسب الموضة

    حينما كنتُ صغيرة

    شركة الأكياس السوداء للزبالة

    صدَقَت جدَّتي

    عُشُّ أحصنة الله

    عطاء مِن الله

    عقد النيَّة

    عندما يتبضَّعون

    في الحديقة

    قدرة الله

    في النَّهر

    كلام الكبار ومعناه

    كلماتٌ في الصَّميم

    كلماتٌ واحترام

    لِمَنِ الأريكة؟

    ليتني لَم أذهب

    ليلةُ القَدْر

    مِن أَنعُمِ اللهِ علينا

    مَن عَمِلَ صالِحًا

    نعمة الله عليك

    نقاط في حياة الرَّجُل

    والأرضَ وضَعها للأنام

    وترى الشمس

    كلمة يا بُنيَّ

    وله الجَوارِ المُنشآت

    ما أعظمَ الله الخالِق!

    المدلَّلة الصغيرة

    الإهداء

    إلى أمِّي وأبي ربِّ ارحمهما كما ربَّياني صغيرًا.

    إلى مَن كان لي بَعد الله سندًا في حياتي..

    لقد كان أخًا وأبًا وأمًّا وأستاذًا لي..

    إلى مَن رسَّخ في قلبي وعقلي حبِّي واحترامي للكلمة والكتاب..

    إلى أخِي حسن الذي كان وما زال قُدوتي في حياتي..

    والذي كنتُ وما زلتُ أكنُّ له كلَّ الحبِّ والاحترام.

    حقوق النشر©

    زينب حسن عبد الله 2023

    تمتلك زينب حسن عبد الله الحق كمؤلفة لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948798330 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948798347 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-8380766

    التصنيف العمري:E

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن وزارة الثقافة والشباب.

    الطبعة الأولى: 2023

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارقة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    +971 655 95 202

    شكر وتقدير

    شكر وتقدير للسادة الموقَّرين، مكتب دار أوستن ماكولي للنشر، الذين أكِنُّ لهم كلَّ الاحترام والتقدير لنشرهم كتابي الأوَّل أسرتني آية.

    لَو تَزيَّلُوا

    لَوْ تَزَيَّلُوا، هذه الكلمة التي أُنزِلَت مِن الله الرحمن الرحيم في سورة الفتح على رسوله الكريم مُحمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولكثرةِ عشقي لكلِّ كلمات القرآن الكريم والتي في أحيانٍ كثيرة أُذهَلُ مِن تراصُفها وترابُطها وجمال مَوقِعها، والوقت المناسب لوضعها في تلك السورة وفي تلك الآية وفي كلِّ سور القرآن وكلِّ آياته؛ لأنَّها كلَّها أُنزِلَت مِن لَدن الله القدير الحكيم إلينا عبر رسوله الكريم، وأنَّ هذا هو معناها، ولهذا السبب كان وجودها هُنا في هذه الآية دون سِواها، فالقرآن الكريم مُنزَّهٌ عن كلِّ شيء يخطر في بالنا، ولكنَّه يبقى وسوف يبقى مُنزَّلًا مِن لَدُن الرحمن الذي عَلَّم القرآن، وخلَق الإنسان وعلَّمه البيان.

    لَوْ تَزيَّلُوا هذه الكلمة الرائعة التي جاءت في تلك السورة (سورة الفتح)، كنتُ في كلِّ مرَّةٍ أقرؤها أريد أن أعرف معناها، ولماذا جاءَت هُنا في هذه الآية، ومِن بعدها جاءت كلمة لعذَّبنا، وهذه الكلمة قد ذُكِرَت هُنا في هذه السورة فقط مِن القرآن، ولقد قضيتُ أيَّامًا وأسابيع كثيرة أُريد أن أعرف معناها، وتنشغل نفسي بأشياء كثيرة في الدراسة وفي البيت ومع فلذات أكبادنا، وتبعدني تلك الظروف عمَّا كنتُ أريد، وبعد أن وجدتُ مُتَّسَعًا مِن الوقت لمعرفة ما وطدت النَّفس على معرفته أنَّ هذه الكلمة قد وضعها الله سبحانه بين كلمات الآية وكأنَّها قد خُبِئت هُناك، وبالرغم مِن أنَّ معناها في المعجم كما وجدتُه فيه هو: تزيَّلوا معناها زيَّل الأشياء: فرَّقَها، والمعنى في هذه الآية هو: أنَّه لو تميَّز الكُفَّار مِن المؤمنين الذين بين أظهرهم لعذَّبَ الله الذين كفروا منهم عذابًا أليمًا.

    لَو تَزَيَّلُوا كلمةٌ واحدةٌ كانت أُنزِلَت مِن الله تعالى لكي يتمكَّن هؤلاء الذين آمَنوا بالله وبرسوله بالبقاء في بيوتهم، وليبقوا بين ظهرانيهم، وأن يشعروا بالأمان بالرغم مِن أنَّهم قد كتموا إسلامهم، وأنَّ المشركين لَم يعلموا عن إسلامهم أيَّ شيءٍ على الإطلاق، وبقوا على حالهم أمام الكافرين الذين لو عَلِموا بإسلامهم لكانوا تربَّصوا بهم، ولأشبعوهم مِن أنواع العذاب الذي كانوا يتفنَّنون به، ولَو أمر الله هؤلاء المسلمين بالهجرة إلى المدينة لأرسل الله تعالى جُندًا مِن السماء ليُعذِّب بهم المشركين أشدَّ العذاب كما فعل في أصحاب الفيل مِن قَبل: ﴿أَلَم تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

    (الفيل: 1)

    لو تَزيَّلوا كلمةٌ واحدةٌ خبَّأَت خلفها أمر هؤلاء الذين رضيَ الله عنهم وأرضاهم وبَقوا يعيشون بصمتٍ وهيبةٍ وقوَّة، حتَّى يقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا.

    ما أعظمك يا الله! وما أعظم كلماتك! وما أعظم كتابكَ الكريم الذي أنزلتَه إلينا يا الله! فإنَّ الله إن أراد شيئًا فإنَّه يقول له كُن فيكون، وإن أراد اللهُ حماية مَن يُحبُّهم فإنَّه على حمايتهم لقدير، وإن أراد الله أنْ يُذِلَّ ويقضي على مَن يُعذِّبون أولياءَه وأحبَّاءَه فإنَّه قادرٌ على أن يعذِّبهم ويقضي عليهم في طرفةِ عين، وإنَّ الله قد قصَّ علينا في القرآن الكريم كلَّ أنواع القصص ممَّا كان مِن غابر الأزمان، ولِتكون لنا عبرةً وموعظة، فإنَّ الله أمرهُ بين الكاف والنون، ولا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، سُبحانك اللَّهمَّ وبحَمدك.

    أصعب اللحظات

    كنتُ أتمشَّى مع صديقتي في الحديقة العامَّة، وقد كانت الشمس مُشرقةً، ونورها يملأ السماء، وأصوات العصافير تُغرِّد بتناغُمٍ رائع، وتمتزج مع أصوات البطِّ الصغيرات السابحات في النهر، وقلتُ لها: انظري إلى هذا المنظر الرائع يا أختي العزيزة، إنَّه مِن نِعَم الله علينا أنَّنا نستمتع بهذه الأصوات والمناظر الجميلة.

    فقالت: الحمد لله.. وكانت تقول ذلك بتنهيدةٍ مؤلمةٍ مع غصَّةٍ واضحةٍ في صوتها، فقلتُ لها: تفاءلي بالخير تجديه إن شاء الله.

    فكان جوابها: يا أُختي إنَّني أفتقدُ أولادي، وخاصَّةً ابني الوحيد الذي يدرس حاليًّا في الجامعة، ويسكُن في مدينةٍ بعيدة، ولا يُريد رؤيتي مُنذ أن سافر قبل مدَّة، وقد عاد مُتبدِّلًا في كلِّ أفكاره وكأنَّه ليس هو، ولا يُريد أْن يراني أو أن يتكلَّمَ معي وكأنَّني لستُ أمَّه التي ولدَتهُ والتي تعبَت وربَّت وسهرَتِ الليالي حتَّى يكون رجلًا، إنَّه مِن أصعب لحظات حياتك ألَّا يرغب ابنك في رؤيتك أبدًا، وهذه مِن أتعسِ وأظلم ساعات ودقائق حياتك، وأنَّني مهما وصفتُ وتكلمتُ عن ذلك فلن تشعري بمقدار التعاسة والألم الذي في داخلي أبدًا، ولا أعلمُ أبدًا أنَّ أيَّ إنسانٍ في هذه الدنيا لا يُريد ابنه أن يراه أبدًا، ولَم أعرف أو أقرأ عن هذا الأمر في حياتي.

    لقد سألتُ ابني اليوم على الواتساب: هل بإمكاني أن أتكلَّم معكَ؟ فأجاب لا، هُما حرفان فقط، جعلَت مِن دموعي تنساب على وجهي لساعاتٍ طويلةٍ، واستمرَّ ذلك حتَّى قمتُ لصلاتي، وأنا بين يدي الله كنتُ أبكي وأدعو الله أن يهديه ويُصلِح حاله، ولا أدري لماذا جعلني هذا الأمر حزينةً إلى هذه الدرجة، إنَّني حتَّى الآن أدعو الله أن أجِد مخرجًا لما أنا فيه مِن حُزنٍ ويأس.

    نزلَت دموعي حُزنًا عليها، وجلسنا نبكي سويًّا، ثمَّ قُلتُ لها: يا أُختي العزيزة يجب عليك أن تعذُريه، فهو ربَّما كان حزينًا ومُكتئبًا مِن دراسته أو مِن أحد أساتذته أو مِن أحد أصدقائه، أو أنَّه حزينٌ لبُعده عنك، أو لأيِّ ظرفٍ كان قد مرَّ به وجعله على هذا النحو مِن الحُزن، ولا يُريد أن يتكلَّم معكِ أو مع أيِّ أحدٍ آخر، يجب أن تُعطيه فرصةً للهدوء والراحة، وإنَّه في كلِّ الأحوال لن يستغني عنك وعن أمومتكِ له، ادعي له دائمًا وأبدًا؛ فإنَّ دُعاءكِ له سوف يَجلبُ له الخير والبرَّ والإحسان، وأعلمُ جيِّدًا كم تُحبين أولادك ولا تستطيعين أن تَريهم إلَّا في سعادةٍ وهناء وفي أحسن حال، واظبي على الدُّعاء لهم دائمًا وأبدًا، وسوف يجعل الله لكِ ولهم مخرجًا مِن كلِّ سوء إن شاء الله، وسوف يهدي الله ابنكِ إلى أن يكون مِن البارِّين بكِ دائمًا وأبدًا إن شاء الله، فلن يَضيع دُعاؤكِ أبدًا عند الله تعالى، ولا تنسَي أنَّ هُناك قصصًا شتَّى مثل قصَّتك، حتَّى الأنبياء قد عانوا مِن أبنائهم، ولا تيأسي أبدًا؛ فإنَّ الله تعالى يختبر صبرنا وقوَّتنا، ويريدنا أن ندعوه ونلجأ إليه، وهو الذي بيده كلُّ شيء، ويرجع إليه الأمر في كلِّ شيء، وليس بعد العسر إلَّا اليُسر إن شاء الله تعالى.

    فقالت لي: أشكركِ مِن كلِّ قلبي لأنَّكِ تحاولين دائمًا إسعادي، وأنتِ الوحيدة مِن الناس القلائل الذين أستطيعُ أن أبوح لهم بكلِّ ما في قلبي، فأجد عندك الأمل في احتوائك لكلِّ ما أقول، أشكركِ يا أختي، فأنتِ نِعمَ الأخت لي.

    فقلت: وأنتِ كذلك.

    ودَّعتُها بدعائي لها بالخير القادم والدائم، وهكذا هي حياتنا فإنَّنا أحيانًا كثيرةً لا نعلم ما الأصلح والأفضل لنا؛ لأنَّنا لا نعلم الغيب، فالذي يعلم الغيب هو الله وحده، وإنَّه يقضي بالحقِّ دائمًا وأبدًا، وهو يعلم ما يضرُّنا وما ينفعنا، ونحن أحيانًا لا نعلم أنَّ الله تعالى يُعطينا بالرغم مِن إحساسنا في أنَّه يحرمنا مِن تلك الأشياء التي نريدها، وأنَّنا نعلم بعد ذلك أنَّ الله تعالى قد حرَمنا مِن ذلك الشيء الذي نريده؛ لأنَّه يريد أن يُعطينا الأحسن حتمًا، وذلك بفضلٍ منه ونعمة، قال الله تعالى: ﴿وَكانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا﴾

    (الإسراء: 11)

    وقال الله تعالى أيضًا: ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ﴾

    (هود: 115)

    اللَّهُمَّ يسِّر أمورنا إلى الخير كلِّه دائمًا وأبدًا، فأنتَ أحكم الحاكمين، يا مَن له الكبرياء في السموات والأرض .

    الأطعمة الجاهزة

    عندما أجتمعُ بصديقتي المقرَّبة والتي لا تنتهي شكاياتها مِن قسوة الحياة عليها أبدًا، أُحسُّ أنَّ الكون كلَّه يشكو ممَّا تشكو منه هي أيضًا، فكلُّ شيء يحدث معها في حياتها فهي لا تطيق أن يحدث لها وكأنَّه شيءٌ لا يجبُ أن تعاني منه أو أن يحدُث لها ألمٌ مِن أيِّ نوع كان، وتظنُّ أنَّه لا يحدثُ ذلك الشيء مع غيرها كذلك، لقد كانت شكواها هذه المرة مِن تلك الآلام التي تحدثُ لها في ظهرها وأكتافها من كثرة العمل في المنزل، وأنَّ لا أحد مِن أولادها يُساعدها في ذلك، فهي تصحو باكرًا لتُعدَّ طعام الإفطار في كلِّ يوم لأولادها الخمسة، وهُم ثلاثة أولاد وابنتان صغيرتان، ولكن لا أحدَ منهم يهتمُّ لذلك الإفطار أبدًا، فأولادها الكبار يأخذون وقتهم في النوم ويوقظون بعضهم في وقتٍ مُتأخر، وتذهب لتوصلهم إلى مدارسهم، ولا يُحبُّ أيٌّ منهم أن يأكل ولو لقمةً صغيرةً في البيت، أو أن يأخذ أحدهم إحدى السندويتشات التي تُعدُّها لهم وتضعها لهُم في العُلب الخاصَّة ليأخذوها ويأكلوها في الفُسحة عندما يحين وقتها في المدرسة، في حين أنَّ الفتاتين الصغيرتين تأخُذانِ السندويتشات معهُما، وهذا عزاؤها الوحيد، أمَّا أولادها الأكبر فقد كانت تُرسل معهم نفس العلب التي تحتوي على نفس الطعام أمثال الزعتر والجبنة واللبنة، ولكِن كان أولادها يضعون تلك العُلب في حقائبهم للذكرى فقط، يضعونها في حقائبهم يومين أو ثلاثة ثمَّ يرمون بكلِ ما تحتويه في أكياس القمامة، وذلك بعد أن تتعفَّن محتوياتها، وإنَّ جميع أولادها الذكور يذهبون في الفُسحة مع أصدقائهم إلى المطاعم التي تذخرُ بما لذَّ وطاب بالنسبة لهم، كمطاعم الوجبات السريعة التي تنتشر حول المدارس وفي كلِّ أنحاء العالم، وأنَّ أيًّا من هذه المطاعم لديه ما يُغري كلَّ أولاد العالم قاطبة بما تحتويه من طعامٍ وشراب، وليس لدى أيٍّ من هؤلاء الأولاد وأقرانهم في كلِّ دول العالم أيُّ مانعٍ في أن يأكلوا منها إلى الأبد.

    قلتُ لصديقتي: يا أُختي العزيزة، كلُّنا نعاني ممَّا تعانين، إنَّك تقولين ذلك والغصَّة تملأ قلبك، ولكِن أقول لكِ هوِّني عليكِ الأمر، فما تُعاني منه ليس بالأمر الجديد، كُلُّنا نُعاني منه، وكذلك أولادي وأولاد جميع صديقاتي يفعلنَ ما يفعلهُ أولادك، ولكِن بعضنا يسأل أولاده ما يُحبُّ أن يأكل في وجبة الغداء، وحين يطلبون أشياء مشابهة لتلك الأطعمة التي يأكلونها في تلك المطاعم، فإنَّنا نقوم بطَهيِها لهم في المنزل بدون أدنى تأخير، ونقوم بإضافة كلِّ الأشياء التي يُحبُّونها، حتَّى وإن كُنَّا على الحمية الطبيَّة، ولكن في النهاية علينا إعانتهم والأخذ بيدهم على فعل كلِّ ما هو صحيٌّ وجيِّد لعقلهم وصحة أنفُسهم، وكذلك لعاداتهم التي عوَّدناهم عليها في اللاشعور ومِن دون قصدٍ منَّا، أقصدُ عندما كُنَّا نأخذهم إلى تلك المطاعم وهم صغار، ظنًّا منَّا أنَّهم سيقومون بنسيان ما كانوا يأكلونه وهُم صغار، ولكن مع كلِّ أسفٍ فهم ما زالوا يتذكَّرون طعمها وذلك بمجرد أن تلوح لهم في الأفق لوحات تلك المطاعم، سوف يأتي يومٌ مِن الأيَّام وتظهر الحقيقة جليَّةً لأولادنا جميعًا بأنَّ ما يفعلونه خطأٌ كبيرٌ في حقِّ أنفسهم وصحتهم، وليس لنا الآن إلَّا الدعاء لهم بالهداية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾

    (القصص: 56) 

    فلندعُ لهُم، فإنَّ دعاءنا وإصرارنا على الدعاء بالهداية لهم سيتقبَّله الله منا، وسوف تنجح مساعينا بفضلٍ من الله، ولعلَّ الله تعالى يُحدِث أمرًا بعد ذلك، فإنَّ لله الأمر مِن قَبل ومِن بعد.

    الأمَّهات المُتعلِّمات

    أثناء دراستي الجامعية كنتُ في كثيرٍ من الأحيان أقومُ بالتواجد في المكتبة الكبيرة التي تتواجد في الكليَّة التي أدرس فيها وذلك لقراءة بعض الأبحاث الخاصَّة في مجالٍ تخصُّصي، وفي أوقاتٍ عديدة كنتُ أجتمع بالعديد مِن الدارسات ومِن مختلف الجنسيات في العالم، وبالأمس التقيتُ بإحدى الأخوات مِن الجنسيَّة الأفغانية، وكانت في بداية السنة الأولى مِن دراستها الجامعيَّة، ولَم تكُن تجيد اللغة الإنجليزية كثيرًا، فواسيتُها وقلت لها إنَّها سوف تكون بخير لأنَّ دراستها ستكون خيرَ مُعينٍ لها لتقوية اللغة لدَيها، وقد دار بيننا حديثٌ سريعٌ قالت فيه إنَّها أمٌّ لأربعة أطفالٍ صغار، وتريد أن تبدأ بالدراسات الاجتماعية، ولكنَّها عندما عرفَت أنَّني أدرس هندسة الديكور الداخلي تمنَّت أن تُغيِّر دراستها إلى ما أدرسه حاليًّا، فنصحتُها ألَّا تفعل ذلك أبدًا؛ لأنَّ لديها أطفالًا صغارًا.

    ثمَّ أضفتُ: سوف أكون صادقةً معكِ فيما أقوله الآن، إنَّ دراستك للهندسة سوف تأخذ منكِ جهدًا جبَّارًا وتركيزًا على كلِّ صغيرةٍ وكبيرة في دراستكِ لها، ولن تستطيعي فِعلَ ذلك إذا لَم يكُن لديكِ الإلمام الكافي بها مِن قبل، فإنَّ الأطفال يحتاجون مجهودًا كبيرًا وعطاءً غير محدود، وهذا المجهود يتطلَّب الصبر والقوَّة أيضًا، وأنصحكِ أن تلتزمي بهم وحدهم فقط كما كنتُ قد فعلتُ أنا مِن قَبل أن ألتزم بدراستي حاليًّا، إنَّني ما زلتُ أحاول التوفيق بين دراستي وتربيتي لأولادي والعناية بهم، بالرغم مِن أنَّ بعضهم قد كبِروا ولله الحمد.

    قالت لي: أجل.. إنَّني أوافقكِ فيما تقولين، فإنَّ أولادي ما زالوا صغارًا كثيرًا يا عزيزتي، وهل تعلمين أنَّني بقيتُ سبع سنوات كاملة مِن دون ذريَّةٍ بعد أن تزوَّجت، وبقيتُ آخذ علاجاتٍ عديدة مِن أجل أن يتمَّ الحمل؟ وكلُّ ذلك الوقت كنتُ أنتظر وأنتظر وأُمنِّي النَّفس بأن يكون لديَّ ولدٌ واحدٌ فقط، ولكن لَم يحصل الحمل أبدًا، وبقيتُ طوال تلك السنوات أُصلي وأواظب على صلاتي في الليل والنهار، وكنتُ أبكي كثيرًا،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1